1- | البداية |

ابدأ من البداية
                                    

بالقصر كانت هناك فتاة ناصعة البياض ذو شهر ذهبي طويل به القليل من التجعدات، تجلس أمام شرفة كبيرة، تطالع بقعة غير مرئية وكأنها غارقة في شيء هي لا تعلم مهيته، كانت مُكحلةَ العينين ذات سحبة ربانية بآخره، عينان زرقاوتات كالياقوت بؤبؤهِما مُتسع لا تتغير حالته حتى وهي في أسوأ أحوالها، كانت ترتدي فستانًا بُنيًا له ذيلٌ طويل يتدلى خلفها، هيئة مُشتتة لفتاة جميلة حزينة الملامح والوجه..

أُفيقت على صوت الخادمة الخاصة لها وهي تقول:
-"سموّ الأميرة قُوت!"

همهمت "قُوت" مع التفاته صغيرة بعنقها وقالت:
-" أهناك شيء؟"

ابتمست الخادمة وقالت:
-" تستدعيكِ الملكتان للغداء"

أومأت "قُوت" لها ثم تنحنحت الخادمة إلى الخارج، أما هي فجلست على الفراش تطالع صورة والدها الحنون بعينين لامعتين، لا تعلم ما سبب استدعاءها إلى تلك الطاولة رغم أنها ترفض كل مرة، لا أحد يعلم ما تشعر به هي حين تنظر إلى مقعد والدها ورفيقها الذي رحل وتركها بين شتاتها تعاني، تعاني حتى تجد تفسيرًا واحدًا لما حدث مؤخرًا لعائلتهم الجميلة..

جففت بأصابعها الرقيقة أثر الدموع التي لطخت سطح الصورة ثم تركتها إلى جوار فراشها ووقفت تتجه نحو ذلك اللقاء التي لطالما حاولت أن تتجاوزه..

°°°

-" هل سيتمر الأمر على هذا؟"

تساءلت "قُوت" كونها تضايقت من استدعائها، لترد عليها "تالين":
-" وهل علينا استدعائك في كل مرة قُوت؟، ما ذنب الطعام بما يحدث، هل تريدين أن تموتي جوعًا؟"

جلست تغمغم بضيقٍ:
-"أجل وكيف لأميرة القصر الصغيرة بأن تموت جوعًا، ياللعيب!"

ابتمست"تالين" على طريقتها التي تشبه أبيها إلى حدٍ كبير، وقالت:
-" تعرفين جيدًا أنني لم أقصد ذلك، فقط أملئي معدتكِ بالطعام، هذا كل ما فالأمر."

-"أين أمي؟"

-" أصرت اليوم على عمل الغداء بنفسها، وللآن تصنع طبق المقبلات وكأنها تجمع المقادير من وادي تيلان!"
أتاها الرد سريعًا..

تنهدت بثقلٍ وشردت بملامح عمتها العابسة، والتي تحاول جاهده أن تخفيها عليها ولكن دائمًا ما تبوء محاولاتها بالفشل، تسللت أطراف أصابعها إلى يد "تالين" وقالت:
-"عَمتي.. أرجوكِ، أحتاج إلى مساعدتك في معرفة ما حدث بالماضي"

ابتمست "تالين" بثقلٍ وقالت:
-" لا، ما ستعرفينه لن ينفعك بل بالعكس، سيضرك صغيرتي."

تحركت وتركت خلفها "تالين" ترمق في أثرها بقلة حيلة، أما هي فأتجهت ناحية المطبخ ووقفت تطالع والدتها "چود" الرقيقة وهي تصنع المقبلات، مازلت "چود" تحتفظ بنفس الهدوء الذي يسكن جوف أعينها، وتلك العينان التي دامت تشع حنانًا حتى بعد ما عاشته بفقد عزيزها ورفيق أيامها "مازن"، مازالت لم تستسلم للحزن بعد، ولكن أثر نضوجها ظهر على مقاسمها بشكلٍ كبير، امتلئت التجاعيد بآخر العينين وحول الفم، اصتحب كل ذلك الشعر الأبيض الذي أخذ مكان الأسود واكتسح ساحة فروتها يعلن عن سن النضج والمعرفة..

| چُــمَاڤـــيّ | °الجزء الثاني للعالم المعكوس° ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن