في مكانٍ آخر بنفس المنطقة ينظر إليهم بركود و خفوت استيقظ منذ ساعتين و للتو يدخلون إليه
هادئٌ أكثر مما ينبغي ، متألمٌ كذلك
يقف والده ممسكًا بيساره و تجلس والدته معه على نفس السرير
يقف همام من يمينه و معه رشاد يجلس سيّاف و ياسمينا على الأريكة
تسيل دمعةٌ من عينه تمسحها والدته : وش فيك يامي ؟ فيه شي يوجعك ؟
يغمض عيناه و يفتحها دلالةً على الألم
يلتف الجبس على يده اليمين ، و ضمادٌ مطاطيّ يلف صدره
لا يعرف مهاب أي ألمٍ يقاوم
كل شيءٍ يقتص منه بقوّة هائلة
حت الحروف لا تخرج إلا من عينيه بماءٍ مالحٍ يتقاطر
من هول ألمه يبدأ بالونين و كلما مسحت والدته دمعه هلّت دموعٌ محلها
يهمس والده بألم : أنادي الدكتور ؟
يخرج همام مسرعًا يناديه و يعود معه يحقنه مهدئ عشر دقائق و عاد للنوم
يقول سيّاف : خلونا نمشي دامه نام
يهمس والده :  انا بجلس هنا
يقول له رشاد : يابوي روّح ارتاح لك شوي من يوم صار الحادث و انت مرابط عنده
ينطق همام : انا بجلس هنا و بطمنك عليه
يقول خالد ب اصرار : لا محد بيجلس معه الا انا
تنطق والدته بدعواتٍ له خصيصًا و للبقية على وجه العموم
يخرجون جميعًا و يبقى خالد معه

ينظر عزيز لساعته : اوه تسع و نص
يخرج هاتفه و يتصل بتميم ثوانٍ معدودة حتى جاءه صوته : هلا ابو حمد
يرد عليه عزيز : هلابك زود ، علومك !
تميم : ما عليّ خلاف انت كيف حالك و كيف الاهل
عزيز : طيبين الحمدلله ، المهم ياخوك وش صار معك بخصوص اللي قلت لي ؟ لاني كلمت المحامي من شويّ و علمته
تميم : لا ابد كل شيءٍّ زين ، و كل شيء موجود رح ارسلك نسخه منه و انت عطها المحامي وقت الجلسه
عزيز : زين زين ، الله يبشرك بالخير
اسبوعٌ كامل يفصلهم عن جلسة البراءة يود عزيز لو يسحب الأيام سحبًا إليه حتى يصل

مرّ وقتٌ على هذه الأحداث ما يُقارب العشرة أشهر
تسكن فيه اليمامة في الجنوب كما أن حالتها النفسية أكثر من جيّدة فقد بدأت جلساتها العلاجية منذ ستة أشهر
خروج حمد من دهاليز السجون بفضل الله ثم تميم ملأ الحياة مرحًا و فرحة كبيرة في قلوب اخوته و عائلته رغم أنه يشعر بالغربة أحيانًا إلا أن وجود والده بجواره يساعده كثيرًا و فرحةُ عزيز الذي يراها تتجلى على ملامحه تُشعل حبًا له في فؤاده
تميم الذي كسب القضيّة الصعبة أصبح اسمًا لامع في سماء التحقيق و الإدعاء
تركي الذي كرّس حياته بجوار اليمامة و والدته و سند
سلطان الصامت كالعادة لم يجدّ شيئًا في حياته إلا أنه تقرّب أكثر من اخوته
همام الذي لا يخطو خطوةً دون والده و دائمًا ما يرافق مهاب في مراجعاته و جلساته العلاجيّة
مهاب الذي تغيّر تغيّرًا جذريّ أكثر صمتًا اكثر غموضًا أكثر ألمًا و جرحًا ينزف لا يتوقف
يهمس مهاب بثقل لهمام : ابي اشوف ولدي ليه ماقد جبتوه؟
يشد همام المقود و بذات الهمس : اذا تحسنت حالتك رحنا لهم
يلتفت إليه بذبول : ليه وينهم فيه ؟ بالجنوب ؟
همام : ايه
يهمس مهاب : احجز لي ع بكرا ودي اروح لهم
يلتفت اليه همام بصدمه : انت من جدك ؟
يتمدد قليلًا : اي من جدي بتجحز لي والا كيف ؟
يقول همام : خل وضعك يتحسن انت حتى الكلام بالغصب تتكلم
يقول مهاب : همام لا تتعبني زيادة انا رايح رايح وافقت والا رفضت
يلتفت اليه همام بانفعالٍ غير مبرر يوقف السيارة جانبًا : انزل يلا روح لهم
ينظر اليه مهاب مستغربًا : وش فيك الحين ؟ انا قلت احجز لي بكرا ما قلت لك الحين
يقول همام ب اندفاع : انت ما تفكر اصلًا لك خلاص راحت مع اهلها وش تبي فيها تلاحقها ، قريب السنة و انت مرمي ف المستشفى ما طلت في وجهك و الحين راكب راسك الا تبي تروح ؟
يلتفت اليه بهدوء : الا جتني اسأل ابوي حتى !
يقول همام إليه بصدمة : من قلك ؟
ينظر مهاب الى الأمام ثم ينطق بهمس : حسيت بها و ابوي وقتها موجود
ثم ينطق همام : و حتى لو جتك اعتقها لوجهه الله
يتنهد مهاب بتعب : ليه انت تحسب انها تهون عليّ ؟ انت في اني مستانس و انا ربطتها فيني بالطريقة هذي ؟
يقول همام بمدارة : انا داري انها ما تهون و انك مب مستانس عالطريقة اللي جمعتكم ، بس خلاص اتركها في حالها تراها بدت تتعالج و من غيرك و لا انتظرتك ، اهلها ما جبروها عليك الا عشان الولد و عشان سمعتها مب عشانك
يقول مهاب :  طيب ادري ! رغم انه ب امكاني اني اجحد و انها تنفضح لكن م وافقت الا اني فعلًا ابيها
يقول همام ب اعتراض : السبب الاول انك تبيها السبب الثاني خوفك من ابوي منعك انك ترفض لانك عارف لو رفضت بيتبرا منك و يدبسها في واحد مننا
يرد مهاب معترضًا : فعلًا خفت من ابوي انه يتبرأ مني اما انه ابوي يورط واحد منكم ب مصيبة غيره مستحيل

يوقف همام السيارة و ينزل قبله يضع أمامه العربة المتحركة و يُساعده على النزول يهمس مهاب : اتركني بمشي
يخالفه همام الرأي : لا بتطيح

يشعر مهاب ببرودة الجوّ تلفح جسده الهزيل
عيناه الغائرة وجهه النحيل
شحوب وجهه
هالاتٌ تحت عيناه
يمسك يد همام بيده اليسار ثم يهمس : خلنا نرجع ما فيني حيل لهم
همام الذي يدفع العربة : وصلنا خلنا نطمن عليك و نطلع مرح نطول

تخرج اليمامة بروحٍ عالية ، تضحك مع سند : خلاص ي ماما وسختني
يمد سند بسكويت الشوكلاتة مرة اخرى : ماماا واحد تاني
تدخل النجلاء في حوارهم : خلاص سنودي تعال عطني انا باكله
يقفز بفرحة : ياهه قود ماما نزلا
تعتدل اليمامة بالجلوس و تراقب تحركات سند الذي لا يمر يوم دون أن ترى مهابًا في عينيه
يرن الجرس فجأة تفتح الخادمة الباب فإذا بضلٍ هزيل يدخل
تسقط أمام اليمامة : تكفييين ياليمامة خلاصص والله معد اتحمل اللي يصيرلي سامحيني و خلي اخوك يفكني شره والله العظيم تبت من كل شي كل شي في حياتي فقدته حتى زوجي صار ضدي بعد ما علمه اخوك و فضحني عنده بعلاقاتي القديمة تكفين سامحيني
تنظر اليمامة بصدمة : وش جابك ذلحين ؟
تُشير ضيّ الي صدرها : جابتني الضيقة اللي هنا لا انام و لا ارتاح بنوم حتى زوجي اللي اخفاني عن العالم و ليل و نهار ضرب و تعذيب من بعد ما انفضحت حتى ولدي مات بين يديني اثنين كلهم يموتون بين يدي ، تكفين سامحيني والله انها حوبتك
ينزل تميم ك إعصارٍ عاتٍ بعدما كان يقف أعلى الدرج يشد ضيّ من ذراعها : اقسم بالله لو اشوفك مره ثانيه هنا لا الحقك بولدك
يخرجها الشارع ثم ينطق : انقلعي يلا لعد اشوفك

تعود اليمامة بالجلوس و يديها تنتفض بقوة
تتعلق الدمعة برمشها تذكر في تلك الليلة المشؤمة عندما ثار مهاب في وجهها قائلًا : " ضيّ هذي اللي عاجبتك و معتزه بصحبتها هي اللي غدرتك هي اللي كانت تكلمني ع اساس انها انتي هي اللي كانت ترسل الصور لي هي نفسها اللي جت و علمتك و لعبت عليك "
يدخل تميم يقف في وجهها : والله لو تبكين لتنضربين
يتركها و يصعد للأعلى ، تصعد خلفه : ليه علمت زوجها ؟
يتلفت إليها تميم بعلامات استفهامٍ فوق رأسه : وش دخلك انتي ؟
تنظر مباشرةً لعينيه : وش دخلك انت تروح تقوله عنها
يشد تميم يدها بقوة و يلوي ذراعها للخلف : اقسم بالله لو ما تذلفين عن وجهي لاقلب الدنيا ع راسك ذلحين
ثم يدفعها للخلف و يطبق الباب بوجهها

كسرت جناحيّ اليمامة فكان الجرح سندًا مُهاب Where stories live. Discover now