لطالما وجدت بقُربك متكأً لأيامٍ ثقيلة ، و خيوطُ أملٍ في ذروة اليأس ، كلما أغلقت الحياة بوجهي بابًا جئتني أنت مُشرعًا يداك لي ، فاتحًا لي بابك ، لم أكن أعرف منك جانبًا أسود و مظلم ، جئتك و أنا أحمل في يداي قلبي و وجعي و بؤس الحياة و ظلام القدر و كل شيء سيء ، حملت كل الأشياء التي جئتك بها ، فكنت لها ضدًا و حصنًا منيع .
لما ظهرت بهذا الوجهه الأسود ؟ لِمَا انتقلت من النقيض إلى النقيض ؟ هدمت قواي و كسرت متكئي ، لكن أتعلم ما الجيّد بالأمر ؟ الجيد هو أنك وهبتني سندًا يحمل ثُقلي عندما أكبر ، أهديتني قلبًا كُلما تعثّر قلبي أقامه ، لكنك حقيرٌ جدًا و أنت طابعٌ ملامح وجهك بوجهه ، له ذات العين و النظرة ، و نفس الأنف المستقيم بِعلُو و كِبر ، ما زال طفلًا ، لكنه مُتجبر كما كُنت أنت ، متملكٌ لكل شيءٍ له أو لغيره إنه أنت بعمر السنتين يا لسوءِ حظي ، كُلما هِمت بعالمٍ آخر رمقتني عيناه لأعود لواقعي ، لأعود إليه ، لأمسك بيداه ثم احتضنه بقوة يبكي و يُقاوم لكنني مازلت متمسكةً به أود أن أطبع ملامحي بدلًا من ملامحك بهِ ، إنه يُخيفُني كأنه أنت .

" اليمامة وين ؟ " تمسح اليمامة دمعها بجناحٍ مكسور لتُهم بالخروج مجيبةً عليه دون النظر لوجهه : هلا تركي ؟
-جهزي ولدك باخذه معي
ترفع عيناها بتوتر و نفسٍ يعلو و يهبط لتُجيب بصوتٍ مهزوز : خل امه تجهزه و لا تقول ولدي ان..
يُمسك يدها بقوّة و يجرها خلفه : اتوقع انتي اللي خلفتيه مب هي
تتباطأ اقدامها عن السير و هي تقاوم بدموعٍ هلكت عيناها : ما ابغاه ، مو ولدي ، ما احبه ما احبه والله لذبحه ، ليه ما خليتوني اذبحه اكرهه
يترك يدها بينما هي تسقط ارضًا و تدخل في نوبة بكاءٍ مريرة كعادتها ، يجلس امامها و يمسك بوجهها بين يديه : خلاص اهدي و قومي جهزيه باخذه لاهله دامك ما تبغينه " يعرف جيدًا كيف تتعلق روحها به ، و كيف تحبه ، لكنها تُناقض نفسها بنفسها و يُرعبها رحيله ، يرى نظرات الشوق في عيناها عندما يكون جالسًا أمامها و يعرف خوفها كلما اختفى وقتًا طويلًا من أمام ناظريها ، يعلم جيدًا حجم الحب الذي تُكنه في صدرها لطفلها الصغير ، لكنها تخاف ، تخاف من وليدها ، من دمه الذي يجري في شرايينه ، تخاف من ملامحه البريئة و نظرةُ عيناه الشقيّة كلما نظر إليها فزّت لتحتضنه بقوّة إلى أن يبكي و يصرخ ، يعلم عدد الليالي التي تبيت بجانبه محتضنةً صغيرها و هو نائم تحتضنه بيدين ترتجف و دمعٍ يسيل ،مرّ وقتٌ طويل على اخر مرةٍ انهارت فيها بهذا الشكل البائس ،  لتنهار مجددًا الان و هي تهذي بكلامٍ مضادٍ لبعضه : تكفى يا تركي ما ابيه ، بس انا ما اكرهه ، اكرهه ابوه و هو يشبهه ابوه انا احبه بس هو يخوفني ، يناظرني بنفس عيونه ، ما ابغاه اكرهه يا ليتني موتته والا مت انا يارب يمو.. " تُبتر كلماتها بيد اخيها الذي اسكتها و هو يحملها ليعود ادراجه للأعلى ، يضعها بغرفتها في اخر الممر ، الغرفة التي قاست فيها مأساتها ثُم استقرت فيها ابدًا ، مازالت في نوبة بكاءٍ و هذيان ، يخرج من غرفتها ليُنادي بصوتٍ عالٍ قليلًا : آنا ، جهزي البيبي باخذه معي بسرعه ، و جهزي له اغراض حق يومين
-اوكيه اغراض بيبي جاهز ، بس بيبي روح with  ماما نجلاء
-اوكيه هاتي اغراضه

كسرت جناحيّ اليمامة فكان الجرح سندًا مُهاب Where stories live. Discover now