الفصل التاسع والعشرون

125 9 4
                                    

"الفصل التاسع والعشرون"

《بعض من كل》
بعض ذنب من كل إثم عقاب لن تداويه الأيام..

بعض الظلم في قاموس الجهل عدل ما لم يتم إثبات عكس ذلك..
والجهل في سماء العشق درب من الجنون ما لم تنتبه إلى ذاك الخنجر الذي يسكن قلبك بتمهل لتدرك بأنك أحمق في ثوب العشق، أبلة في دروب الخداع والأهم مختل يرتشف بتمهل داء حماقة صُنِعت لأجله فقط.
أصابع الاتهام تشير إلى كلمة واحدة ألا وهي
العشق..!
ما به هذا المصطلح..!
الجميع يهاجمه وكأنه السبب في كل كارثة تحدث في أرجاء المعمورة.
الكل ينفر منه وكأنه العنصر الأساسي لانفجار كويكبات مجرة درب التبانة والمجرات المجاورة.
البعض ينفر منه كالعدوى المنتشرة وما عليك سوى البقاء جانبًا حتى لا تصاب بأذى منه.
لكن يبقى سؤال دون إجابة
أبالعشق نحيا أم نهلك..!
نتذوق شهد الحياة أم مرارتها..!
تهلكنا الأيام أم نهلك بين مصائب النفوس..!
الكارثة لا تكمن بالقلب وأحواله بل لنوعية البشر التي آمنا لها ولم يعد بإمكاننا التفرقة ما بين بتلات حب تنمو داخلنا لهم أم سقم لا شفاء منه.
لا أقصد ذاك المعنى من السذاجة في المحبة بل المقصد هنا بأنه يوجد عشق ننمو به نحو سلام داخلي وآخر  يهلكنا تارة ويدمينا تارة أخرى ولا نستطيع أن نختار  بقية خطواتنا بسبب القلق من داء الحياة التي لا تمكننا من رؤية مستقبلنا بصورة أوضح لأنه في تلك الحالة هو  والفخ سيان.
قبل أن نبدأ -من حيث توقفنا أول أمس- دعني اطرح عليك سؤال هام..
لو علمت بوجود جرذ في منزلك ما أول شئ تفعله..!
رفع حالة الطوارئ والاستعداد لمواجهته بأكثر الطرق بساطة..
بالطبع المصيدة ومع بعض المطاردات من غرفة للثانية يصبح لديك
"فأر في المصيدة"
لو كان الفأر  يعلم بأن نهايته عند قطعة الجبن الموجودة داخل المصيدة وأنها فخ للإيقاع به لعكف عن الدلوف داخلها بل وهرب إلى منطقة أمان أخرى تخلو من فخاخ البشر حتى ينجو بحياته إلى الأبد.
يبدو أنك قد فطنت للواقع عزيزي تحت مقصلة الرعب حيث لا وجود للخير المطلق في دنيا الشر المطلق بل يوجد فريسة قد تسقط في أي وقت وصياد يطاردها حتى تهلك هي أو يلفظ هو آخر أنفاسه.
رنين مزعج تبعه تنهيدة حارة وقبل أن تسأل عن سبب الاتصال في ذاك الوقت تحديدًا أخبرها الحارس بذعر
- سيدة هدى لقد تم سرقة المنزل.
تنهدت بيأس فهي قد تناست برضاها منزلها السابق الذي شَهِد على فاجعة فقدانها تيم وحسرة تدمير عائلتها السعيدة ظاهريًا، أطالت في صمتها ليتسأل الحارس بريبة
- ألا زلتِ على الطرف الآخر سيدتي!
- أجل.
قالتها وهي تبتلع ريقها بصعوبة لا تجرؤ على الذهاب هناك وحدها فأوار طلب منها مسبقًا أن تبقى بعيدًا عن كل ما يسبب لهم أذى، أخذت نفس عميق وزفرته على عجالة لتُكمل حديثها بنبرة جاهدت أن تكون هادئة وهي تتسائل بسخرية طفيفة
- والمطلوب فعله!
- أن تأتي في الحال لمعرفة الأشياء المفقودة قبل الاتصال بالشرطة.
ورغم أن ما يقوله درب من الجنون إلا أنها وافقت على مضض وأغلقت بعدها الهاتف ولا تعلم إن كان هوسها بالماض قد عاد أم أن شرارة اشتياق داخلها لم تخمد بعد.
هوس..
من عشق لا تزال تتعافى منه حتى الآن..
صدمة..
من إثم كانت السبب فيه وفقدت توازنها بسببه.
خزي..
من خنوع صُمم باسمها ولم تستطع التخلي عنه بعد.
هدى عاشقة وعشقها أودى بها إلى حافة الهاوية ثم تحول إلى خنجر طعن استقرار  واهن ظنته يومًا واقع جميل لكنه لم يكن سوى كابوس مظلم أهلكها ومن حولها في دوامته.
استأذنت من رحمة بضرورة الخروج لحدوث أمر طارئ وبعدها استقلت سيارة أجرة كانت قد طلبتها قبل قليل لتأمره بالذهاب إلى العنوان المنشود وأسندت رأسها على الزجاج جوارها وهي تشعر  بنفسها تكاد تختنق كلما اقتربت أكثر منه وكأن ذاك الطريق الذي حفظته عن ظهر قلب أصبح يخنقها حد لفظ أنفاسها الأخيرة بين أرصفته.
أغمضت عينيها وتذكرت آخر شخص تمقت رؤيته الآن بالرغم من عشقها له إلا أن أفعاله السيئة طغت على لحظات عشقهما سويًا.
جمال..
أحيا كل جميل داخلها وكأن اسمه قد خُصِص له فقط ولا يناسب غيره أبدًا فقد احتواها كابنته.. دللها كأنثاه.. نفذ كافة رغباتها وكأنه جني خرج من مصباحه فقط لتلبية احتياجاتها وكيف لا يفعل غير ذلك وهي قد وقفت ضد رغبة العائلة وأصرت على قرارها لتتزوج منه بعدما تقدم لخطبتها أكثر من مرة ورغم إصرار الجميع على الرفض إلا أن تمسكها به جعلهم يخنعون في النهاية لرغبتها وتمت الزيجة على خير.
هي أيضـًا لم تبخل عليه بأي شئ فقد أحبته حبًا مطلقًا وسلمت له زمام قلبها على طبق من ماس لكنها تجاهلت بأن الماس لم يكن سوى فحم أحرقها هي واستقرارها بل وشيعهما إلى مثواهما الأخير.
حب مطلق أم سذاجة مطلقة...!
حبها خالص له لكنه لم يكن يومًا مخلصًا لها..
عشقها عسل مصفى لم يتذوق شهده فقط بل دمره حتى هلك دون رجعة..
سقط القناع من على وجهه بسهولة لكنها لم تميز  بين داء الحب والحب فسقطت هي تعاني من ويلات عنادها والتستر عليه دون شروط.
البداية لتحول جمال من جميل إلى أقبح شخص رأته عيناها وذلك حينما أخبرته باستقبال زائر  بعد عدد من الأشهر لتتحول ملامحه إلى النقيض فهي أرادت مولود يقوي العلاقة بينهما.. يوثق رباط عشق خاص بهما.. يوحد روحيهما في مولود يضفي ألوان أخرى من السعادة بينهما أما هو  وكأنه لم يرغب في أن تصبح تلك العلاقة أقوى بل أرادها أن تضعف ثم تضمر  وتموت دون حسرة عليها.
أصرت على قرارها في الاحتفاظ بالجنين متعللة بأن الإجهاض حرام شرعًا، تمسكت به وخنع هو لرأيها على مضض رغم حيله اللامتناهية في إفقادها الصغير إلا أنه كان متمسكًا بالحياة كتمسك هدى بجمال.
بمجرد قدوم الصغير  زاد اهتمامها به وأهملت زوجها وواجباتها تجاهه حتى تحولت شرارة الغضب داخله إلى عنف يمارسه على أوار  ما إن تطاله يده ورغم كل ذلك آمنت به عشقًا وأقسمت بأنه سيتقبل الأمر بمرور الوقت لكن رغم ذلك زاد تجبره معه لتنعكس أفعاله عليها وكل مرة تأتي بحجة جديدة متبوعة بكونه عاشق ولهان وعند حد معين سيتوقف عن كل ذلك رغم سخرية أفكارها مما تقوله.
زادت الأمور سوءًا بين أوار  ووالده فقد أصبحا كعدوين حرب أحدهما يريد تدمير الآخر  والثاني يجاهد في البقاء بعيدًا عن بطش عدوه ليبدأ أوار  في الانسحاب من تلك العائلة رويدًا وينعزل على نفسه في غرفته طوال الوقت ولا يخرج منها إلا لضرورة قصوى غير ذلك لا تراه يتجول بالخارج كما في السابق وكأنه مل مما يفعله والده به فقرر  الابتعاد عن مرمى عصبيته المفرطة في حقه وبقي الأمر  هكذا حتى اعترفت له بحملها الثاني وهي تبكي بسعادة لتقوية أواصر الحياة بينهما، أخبرته بخبر حملها الثاني ليتحول جمال إلى وحش يدمر كل شئ والبداية كانت بمرآة المرحاض التي دمرها دون مراعاة لرعبها الظاهر  وخوف الصغير  مما يراه قبل اقترابه من والدته يحاول التماس بعض الحنان منها لكن والده ردعه أولًا بالذهاب إلى غرفته وحينما لم يستمع له حمله بغضب في محاولة لإبعاده عن هدى قبل أن يقذفه للخارج بعنف ويعود ثانية إلى تلك الجالسة أرضـًا يخبرها بغضب وهو يجثو أمامها واضعًا يده على بطنها ليحاول غرز أظافره فيها بعصبية تبعه قوله الحاسم
- هذا الجنين لا أريده.
شهقت بعنف مما تسمعه فحديثه يؤكد بأنه لن يتقبل طفل آخر  في حياتهما فهي رأت عنفه أمام عينيها.. قسوته مع الصغير.. طريقته البشعة في التعامل مع الأمور  ولازالت تؤمن بأن حُبها يمكنه تغيير أسلوبه معهما لكنها لم تدرك بعد حقيقة أن الثعلب مهما بلغ حنانه مع مَن حوله إلا أنه في لحظة ما سوف يغرز أنياب مكره بين جنبات حياتهم لينشر  السُم بها.
تنهد ببطء وهو يضغط على كلماته بتمهل يخرجها من شرودها ذاك قبل أن يبصق كلماته في وجهها
- يمكنك إجهاضه لكن لن تحتفظي به تلك المرة.
حاولت تغيير  مسار  تفكيره لتخبره بهدوء في محاولة منها لاستجداء عاطفة ظنتها دُفِنت أسفل رتابة الأيام
- جمال.
قالتها بحنان في محاولة منها لمحو كل سئ مر على  مدار حياتهما معًا تبعه قولها بإقرار  وكأنها تُذكر نفسها كل حين بحقيقة واحدة ألا وهي ثقتها اللامتناهية به
- لازلت أعشقك جمال مهما فعلت.
نظر لها بعدم اهتمام فالوقت غير مناسب بالمرة لاعترافها ذاك أو لمحاولتها في خلق لحظة خاصة من بين رماد خلافاتهما المستمرة وكذلك غضبه المستعر داخله من قراراتها المتهورة لكنه فطن للأمر حينما أخبرته بتوسل تحاول إبقاء قراره جانبًا في الوقت الراهن
- جزء منَّا داخلي ولا أريد التفريط به.
ابتسم بسماجة من حديثها الغير مبرر بالنسبة له وكأنك تبني الحق على أساس من باطل كان هو السبب الرئيسي به فالباطل كالخمر محرم عليه لكنه يستمتع بتذوقه، قطع عليها الطريق في إكمال بقية حديثها ليخبرها هو بتلكؤ وكأنه يستسيغ الحديث قبل بصقه على مسامعها
- لن يحدث هدى.
تنهدت بغضب وهي تُبعد يدها عنه قبل أن تقف غير عابئة بالزجاج المنثور أرضـًا وهي تقول بحزم وكأنها قد اتخذت قرارها
- وأنا لن أتخلى عن الجنين مهما حدث جمال.
اختتمت كلماتها واتجهت للخارج لتقف عند الباب بذُعر حينما استمعت لحديثه وهو يخبرها بوعيد -لو كان الوقت مناسبًا لفُتن من جرأتها في تحديه لكنه وقت الفخاخ للتخلص من صداع يكاد يقسم رأسه إلى نصفين من قرارها المتعجرف-
- فليتحمل الجنين وأوار نتيجة عنادكِ بالمستقبل.
وهي تعرف نبرة الوعيد تلك لتضع يدها على بطنها بخوف مما قد يفعله فبقايا قناعه المزيف بدأ في السقوط رويدًا ليظهر وجه لم تقابله قط طوال حياتها.
جاهدت بعدها في إقناعه بالاحتفاظ بالجنين وكان يقابل حديثها دومًا بمؤامرات عدة بداية من محاولة دفعها من أعلى الدرج مرورًا بسكب زيت ساخن على يدها لتعرف معنى الألم الذي سوف يلاقيه أبنائها انتهاءًا بمحاولاته المستميتة في زجها بمشفى للأمراض العصبية بحجة أنها تؤذي نفسها والصغير، وضعها تحت ضغط نفسي يمكن أن يصيب قرية بأكملها وتجاوزته دون عناء ليشعر بأنه قد يكون المختل فعلًا في قصته قبل قصتها..
شد وجذب بين المفترض وما ينبغي أن يكون لينتهي به المطاف والد لثلاثة أطفال لا اثنين لتتحول حياة أطفالها معه إلى جحيم في إشارة منه لتنفيذ قسمه السابق بجعلهم يعانون ويتحملون ويلات قرار والدتهم أما هي -تلك الهدى- فقد صبرت عليه كثيرًا وتحملت أفعاله بدعوى الحب لكن انتهى الأمر في نهاية المطاف بكونها فقدت صغيرًا من أبنائها وكأنها الصفعة التي أيقظتها من حلم يقظة ظلت داخله طويلًا لكنها استيقظت منه متأخرًا وما عاد ينفعها سوى قضم أناملها من الندم.
صوت بوق السيارة أخرجها من شرودها وكأن السائق ملَّ من مناداتها لإخبارها بأنها قد وصلت إلى وجهتها المنشودة ولم يجد سوى تلك الطريقة لتعود إلى أرض الواقع.
زفرت بإنزعاج وهي تلتفت حولها بحثًا عن الحارس الغير  متواجد في مكانه لتترك الأمر جانبًا واتجهت للداخل بخوف فتلك المرة الأولى التي تعود فيها إلى المنزل بعد تركه منذ زمن، دست المفتاح في مكانه لتُفاجأ بيد تسحبها إلى الداخل بغتة قبل أن تُدَفع على الأرضية الصلبة لتشهق بفزع مما حدث فقد مر كل شئ على حيث غُرة منها، حاولت تبين هوية المجهول الذي سحبها في ذاك الظلام الدامس الذي خيم على المنزل كان لها وقع سئ على قلبها لتنتفض برعب خوف من القادم وشريط ذكرياتها السيئة  يُعاد أمام ناظريها دون توقف.
وتظن أنك نجوت من إثم الماض، من شِرك الحاضر ودمار المستقبل ثم تهزمك واحدة
- جمال.
قالتها خافتة، متفاجئة والأدهى مرتعدة بعدما لمحت قامته الطويلة في نفس الوقت الذي أُضيئت حولها شرارة من نار لتلتف حولها على شكل علامة نار ينتهي طرفيها عند مقعد ظهره لها لترتعش بخوف من القادم.
تظن أن سفينتك نجت من العاصفة ولم يتبقى سوى القليل للوصول إلى الشاطئ لتفاجأ باصطدامك بجبل يتسبب في شقها إلى نصفين.
وهدى ظنت بأنها قد ابتعدت عنه مسافة لا بأس بها خاصة بعد سجنه لتُصفع بقسوة تحت حقيقة واحدة أن المسافات مهما ابتعدت فمن المُرجح تلاشيها طالما يجتهد أحد الطرفين في محوها بسهولة.
وجمال قد فعلها وها هي تراقب نتيجة تخاذلها السابق في حق أولادها قبل نفسها، لتضم ركبتيها إلى صدرها تبكي بضعف وجمال يجلس أمامها مباشرة في لوحة دراماتيكية متوقعة الحدوث -المقصود هنا أنها تجلس بداخل حلقة النار وهو يجلس أمامها مباشرة بعد دوران المقعد- لتشهق بفزع وهو يخبرها بنبرة خبيثة
- اشتقتُكِ زوجتي المصون.
قالها بلامبالاة وهو يفرد ذراعيه أمامها في حركة استعراضية تبعها بضحكة عابثة اُرتسمت حينما أخبرها بلامبالاة
- حُبك لي بدأ من النار  ولن ينتهي سوى بالنار هدى.
ارتعدت مما تسمعه فيبدو أنه مقبل على الإنتقام منها على ما مضى دون رحمة.
هنا تذكرت أول يوم قابلته به في عُرس صديقة مقربة ويالسخرية القدر سقط منها سهوًا في زحام الأيام، الأجواء سعيدة والزفاف يمضي على وتيرة واحدة حتى قرر  بعض المدعوين إضفاء بعض التسلية في المكان ليبدأوا بإشعال النيران في قطع صغيرة من -سلك- تنظيف الأواني مع نثر شراراته في الأرجاء لإضافة نوع من الفكاهة، هدى قررت التجربة لتنثره على نفسها لا في الأرجاء مما أدى لإصابتها بالعديد من الحروق في أماكن متفرقة مثل يدها ورقبتها وبالطبع ملابسها كان لها النصيب الأكبر لتترك كل شئ وتجلس بمفردها بعيدًا تبكي بألم.
رآها من بعيد ليقترب منها بتمهل مدروس -بعدما راقب كل شئ وراهن أصدقائه بأنها ستتأذى بطريقة أو بأخرى- أعطاها مشروب بارد -غازي- لتضعه مكان الحرق عل ألمه يقل، أخبرته بخوف طفلة ارتكبت خطأ وتخشى مواجهة أهلها
- عائلتي لن تعفو عني بسهولة إن رأت ما فعلته بنفسي برعونة.
اختتمت كلماتها وأشارت إلى نفسها قبل أن تنفجر في البكاء بصوت مرتفع ليأمرها بالسير معه ورغم ريبتها مما يقول إلا أنها طاوعته واتجها سيرًا إلى أقرب مكان لبيع الملابس لانتقاء ثوب مشابه لما ترتديه ولم يعثروا عليه، طال بحثهم في أكثر من مكان حتى وجدوا ثوب يشبهه لكنه أكبر بقليل وهي قررت أخذه حتى تعود للمنزل بسرعة، أخبرته أنها سوف تسدد له في وقت لاحق واتجها للخارج سويًا، قرر إيصالها إلى المنزل وشرح الأمر لعائلتها حيث دارت الحبكة كالتالي
- اعتذر عن الازعاج سيدتي.
قالها بهدوء وهو يجلس أمام والدة هدى لتنظر له بغضب فابنتها عادت للمنزل وحدها مع رجل غريب لم تره قبلًا والأدهى انه يجلس أمامها بتبجح، إن قالت بأنها تريد سحب ابنتها من خصلاتها حاليًا هل ستكون مذنبة أم ماذا..!
قلبها منقبض من ذاك الضيف الغير مرحب به بتاتًا لكنها قررت معرفة سبب زيارته حتى لا تصب كل غضبها عليهما دون رحمة
- الآنسة الصغيرة تم إصابتها بعدة حروق في الزفاف.
شهقت الأم بفزع مما تسمعه خاصةً حينما وجدت تلك العلامات الظاهرة في أماكن متفرقة على يدها، اقتربت منها وأمرت إحداهن بإحضار علاج مناسب لها وهي تسأله بغضب
- كيف حدث هذا؟
- مجموعة فتية أشعلوا بعض الألعاب النارية في الزفاف وشظايا تلك الألعاب أصابت عدد من الحضور من بينهم ابنتك.
صُعِقت هدى مما تسمعه فهي في أسوأ افتراض قد تقع فيه تخبر والدتها بكل شئ وليحدث ما يحدث لكنها جعلها تبدو ضحية في نظر والدتها ليهتف داخلها بعبث
جمال 101
قوانين العائلة 0
استأذن المغادرة بعدما سلَّمها إلى أهلها ليبقى جمال في نظرها منذ تلك اللحظة فارسها الشجاع واعتبرت أن ما حدث تلك الليلة هو سرهما الصغير المشترك.
ضحك حينما رأي تشتتها الصارخ على صفحة وجهها وكأنها ترجوه العفو أو تدعو بألا يصيبها مكروه ونتيجة لبروده اللامتناهي أخبرته بغضب
- لِم عُدت جمال!
ابتسم ثانيةً من سذاجتها في طرح الأسئلة أو بدء المواضيع الهامة ليخبرها ببساطة وهو يشعل تبغه
- عُدت لأجلك هدى.
هنا اضطربت..
شعرت بالتشوش من بوادر عشق لازالت تتعافى منه..
أحست باختناق من غدر كان هو السبب الأساسي به..
اجتاحها مزيج من بذور عشق متأصلة بقلبها وبوادر كره زُرِع نتيجة أفعاله الطائشة معهما.
رفرف القلب محاولًا تلبية نداء مالكه وزمجر العقل بقلة حيلة من ضعف كُتِب عليها هي دون غيرها لكن هل حان وقت الضعف ثانيةً والشعور  بالحنين لتلك الأيام الخوالي أم التسلح بقوة واهية حتى لا تذهب تضحية أبنائها هباء.
- لأجلي.
قالتها بسخرية من حديثه الغير مبرر بالنسبة لها فهو كارثة متحركة دمرت حياتها واستحقت جائزة أوسكار على ذلك، فردت ذراعيها في الهواء وهي تخبره بعصبية وكأنها تقسم بصدق ذلك
- بل أتيتَ للانتقام منا جميعًا جمال.
ضحك من فطانتها الغير معهودة بالنسبة له فهي كانت الدُمية التي يحركها كيفما شاء لكنها الآن أصبحت تسير  وحدها دون إرشاد، المباراة أصبحت على صفيح ساخن وكل الأوراق أصبحت ظاهرة في تلك اللحظة.
انطفأت النيران حولها لتسحب جسدها إلى أقرب حائط تستند عليه وهو تركها تفعل ما يحلو لها فهي غير مؤهلة للهروب من مصيدته بعد الآن، ندبت حظها..
صرخت واقعها..
وتأوهت من فقدها تماسك عائلتها..
ثارت واشتعلت النيران داخلها وتحولت ثورتها إلى رماد طالما أنها لم تخرج من بين شفتيها لكنها قررت الهجوم المباغت واستجداء عاطفته حتى لا يؤذيها بسوء أو حتى يفكر في أذية أطفالها
- ألم تشفق علينا..!
قالتها بانكسار  وقد اتخذت من الحائط خلفها ملاذ لها يحتويها من بطشه ليضحك باستخفاف على ما تفعله فهي في تلك اللحظة تشبه ملكات الدراما الكئيبة، لم يعيرها أدنى اهتمام بل دس تبغه بين شفتيه باستمتاع وأطلق زفيره في وجهها دون أن يلتفت إلى حديثها لتصرخ به تلك المرة بصوت أعلى وهي تخبره بغضب
- ألم تشعر بالشفقة أو الذنب حتى تجاه ما فعلته بتيم؟
تلى حديثها انقضاضها عليه تكيل له اللكمات وهي تصرخ بغضب مما فعله بهم بالاشتراك معها دون علمها فخنوعها الدائم له وتبرير كل ما يفعله لم يكن سوى حماقة كبرى وكانت من نصيبها هي.
أبعد يده عنها باشمئزاز وهو يخبرها بلامبالاة
- والدي نفسه لم يشعر بالشفقة نحونا.
أخذ يتحرك أمامها عدة مرات ليتوقف فجأة وهو ينحني أمامها يخبرها بهمس أمام وجهها
- والدي تاجر بنا حتى بعد هروب زوجاته الثلاث بل وتزوج عليهن من أخرى ونتيجة لذلك لم يشعر بأي شئ نحونا سوى أننا مصدر معيشة له لا أكثر.
ضحك بصوت مرتفع وهو  يضع يده على كتفها ليُقربها منه أكثر وهو يهمس لها بجانب أذنها
- كان لديه الكثير من الأبناء ولم يحرك أحدنا مشاعر رحمة منه لنا وانا لم أمتلك أبنائه لكي أشعر بالشفقة على أحد
- لكنك كنت مختلف عنه..!
قالتها بانسكار ليضحك من حماقاتها اللامتناهية وسذاجتها المصنفة كأحد الأشياء المنقرضة في عصرنا الحالي
- بل كنت نسخة أسوأ منه.
لم يتمهل دقيقة أخرى بل نثر عليها عدة صور لتسقط أمامها وجميعها كانت لشخص واحد فقط وهي ابنتها فآطم في أوقات مختلفة وكأنه يضعها تحت المجهر، قطع صوت تفكيرها قوله الهازئ
- أوار يظن بأن زواجها من ذاك الأبلة سوف ينقذها من بين براثني.
هنا شعرت بالخطر  يحوم حول الصغيرة وإمكانية إصابتها بمكروه خاصة مع نظرة الشر التي رأتها تطفو على ملامحه لتصرخ بغضب
- فآطم لا جمال.
اختتمت كلماتها ووقفت بطريقة مباغتة جعلته يختل توازنه قليلًا لكنه تمسك بها وتماسك بسرعة ليضربها بعنف في الحائط خلفها عدة مرات بعصبية نتيجة فعلتها الخرقاء تلك، تأوهت بألم وهي تشعر بتدفق سائل على وجهها، ضغط على ذقنها وهو يخبرها بلامبالاة
- بل فآطم هي ثمرة انتقامي هدى.
عاد إلى مقعده واضعًا قدم فوق الأخرى بتباه وهو يدندن بأكثر نغمة تكرهها في حياتها، لوح بهاتفه أمام عينيها قبل أن يرسل عبارة نصية إلى ابنته المصون وترك الهاتف ليتأمل تلك المسجية أرضـًا أمامه بحبور.
رآها تُغمض عينيها بتعب وأسوأ حبكة قد تأتي في ميخلتها لن تكون مثل جنون الدراما التي خطط لها جمال ليراها تبصق أرضـًا -في إشارة منها انها تبصق عليه- وهي تقول بتعب نتيجة شعورها بدوار يهاجم رأسها بعنف
- مختل.
ارتفعت ضحكاته بشماتة من وصفها المطابق لما كان عليه معها وهي لم تدرك الأمر بل ظنته غيرة حبيب على محبوبته والآن لا يجوز في معجمها سوى الندم.
ندم..!
على ماذا بالضبط..!
على عشق راهنت عليه أم على عاشق تفانت في حبه وكأنه آخر أباطرة قلبها ولن يحكمه سواه.
ندم..!
كيف وهي حتى تلك اللحظة لم يصدر منها رد فعل مناسب تجاه كافة الضغوط بحياتها وكأن نفور أبنائها من سلبيتها أمر مستباح ولن يلومها عليه سوى نفسها الغير سوية.
ندم..!
على مدينة وردية شيدتها داخل وجيبها أملًا في الصمود طويلًا لكنها أنهارت بسرعة وشظايا تدميرها لم يصيب سواها.
هدي ضحية أم جانية..!
حبيبة في عُرف رجل أم متخاذلة في حق نفسها..!
سيدة قرارها أم مجبرة في كافة أمور حياتها منذ دلف جمال إليها..!
أنثى وجدت توأم مطابق لها أم كابوس دمر حياتها..!
وقبل رفع القلم أريد السؤال مَن تكون هدى في نظر بعضكم أعزائي..!
لكنها قبل إسدال الستار على أسوأ نهاية متخاذلة قررت الإجابة علها قد تكون شافعة لها عند البعض وقد تكون حبة الفاكهة وسط كومة ثوم.
هي لم تكن سوى مريضة اهتمام حصلت عليه بصورة مفرطة من الشخص الخطأ فأدمنته حتى أصبح من العسير سحبه منها.
رأته فارس متكامل لكنه لم يأخذ من الفارس سوى اسمه وبقية صفاته كانت الأسوأ في دنياها.
................

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin