انا هنا

721 15 2
                                    



ـ سيلينا , أنت تحتاجين إما إلى معجزة , وإما إلى مليونير .
خرج بن من تحت السيارة المعطلة , و هو يحمل المفتاح الإنكليزي
في يده , بدا نحيلاً كهلاً , وقد أمضى ثلاثين سنة من عمره في العمل
كميكانيكي للسيارات . وهذه السنوات الثلاثون جعلته يدرك الآن أن
سيلينا غايتس تريد منه إعادة إحياء جثة هامدة .
قال بكآبة وهو يتأمل الشاحنة المقفلة الصغيرة : (( لا , لا جدوى
من هذا الشيء )) .
فراحت سيلينا ترجوه : (( لكن بإمكانك أن تجعلها تعمل مجدداً
أعلم أنك تستطيع ذلك يا بن , فأنت عبقري )) .
ـ كفي عن ذلك .
قال هذا بصرامة غير مقنعة , ثم أضاف : (( لن ينفع هذا الكلام
معي )) .
فردت صادقة : (( لطالما نفع , يمكنك إصلاحها , أليس كذلك يا
بن ؟ )) .
ـ حسناً , لكنها لن تقلك سوى لمسافة قصيرة .
ـ حتى ستيفنقل ؟
ـ ثلاثمائة ميل ؟ لا تكوني متطلبة ! حسناً , قد تصل , لكن ماذا
ستفعلين بعد ذلك .
ـ عندئذ , سأربح بعض المال في الروديو .

ـ أستركبين تلك البهيمة المرهقة ؟
فانفجرت قائلة : (( أليوت ليس مرهقاً , إنه في ريعان شبابه )) .
إن ذكر أليوت الحبيب يمس وتراً حساساً لديهما , و كانت سيلينا على
وشك أن تدافع عنه بشراسة عندما تذكرت أن بن يصلح شاحنتها بكلفة
زهيدة بحكم الصداقة التي تربطهما , فهدأت . إلا أنها قالت بعناد :
(( سأربح أنا و أليوت مبلغاً مـا )) .
ـ سيلينا , ما من مال كافٍ في العالم لإصلاح هذه الخردة لتعود
جديدة . كانت مهترئة عندما اشتريتها , وهي آخذة في التراجع . من
الأفضل أن تجدي مليونيراً وتقنعيه ببعض الكلام المعسول ليشتري ك
شاحنة جديدة .
عبست سيلينا قبل أن تجيب : (( لا فائدة من ملاحقتي لأي مليونير ))
فأنا لا أملك المؤهلات اللازمة لذلك )) .
تأمل قامتها الطويلة و النحيلة , ثم اعترف : (( لعلك تفتقرين إلى
الصدر الممتلئ فقط )) .
ـ بن , إني أفتقر إلى كافة المؤهلات .
ثم كشرت ساخرة من نفسها وأردفت : (( ما من فائدة , فأصحاب
الملايين يحبون النساء الكاملات و الممتلئات الجسم , وأنا لم أكن يوماً
هكذا كما أن شعري ليس جذاباً , إذ يجب أن يكون طويلاً ومتموجـاً
وليس . . . )) .
وأشار إلى شعرها القصير الأشبه بشعر الصبية , فقد بدا شعرها
بلونه الأحمر ملفتاً يتوهج كالنار , وكأنه يصرخ للعالم : (( أنا هنا ! )) . كان
من المستحيل تجاهل سيلينا , فهي ذكية , وقحة , مستقلة , ومتفائلة إلى
حد الجنون . باختصار إنها فريدة من نوعها , ومن يحاول أن يتحداها
سيتعلم من ذات الشعر الأحمر درساً يقول له : احترس !
ثم تابعت سيلينا مقدمة حجتها المفحمة : (( كما أني لا أحب
أصحاب الملايين , فه ليسوا أناساً حقيقيين )) .
حك بين جبينه وسأل : (( ليسوا حقيقيين ؟ )) .
ـ لا , فهم يملكون الكثير من المال .
ـ الكثير من المال هو ما تحتاجينه الآن أو أنك تحتاجين إلى
معجـزة .
فردت : (( المعجزة ستكون أسهل . كن على ثقة يا بن بأن معجزة
رائعة تتجه نحوي من مكان ما وستصل بطريقة ما )) .
* * *
مد ليو كالـﭭـاني ساقيه بقدر ما ستطاع , لكن المسافة لم تكن طويلة .
استغرقت الرحلة من روما إلى أطلنطا اثنتي عشرة ساعة , وقد سافر في
الدرجة الأولى .
ليس ليو من الرجال الذين يختارون (( الدرجة الأولى )) عند السفر ,
مع أنه ثري ويمكنه أن يختار الأفضل من دون أي مشكلة , لكن التكلف
يثير عصبيته , وينطبق هذا أيضاً على المدن و الثياب الأنيقة . لهذا ,
اختار أن يسافر وهو يرتدي بنطلونه الجينز القديم وسترته , وينتعل
حذاء بالياً . فهذه طريقته ليعلن للعالم أن (( الدرجة الأولى )) لن تصبح
عادة لديه .
وأخيراً , حطت الطائرة في أطلنطا . سيتمكن قريباً من مط ساقيه
وإن لبضع ساعات قبل أن يحشر قامته المديدة في الرحلة المتوجهة
إلى دالاس .
* * *
خفض بن الفاتورة إلى أقصى حد ممكن لشدة ولعه بسيلينا , وكان
يعلم أنها ستنفق الدولارات القليلة المتبقية لديها على أليوت . وإذا ما
تبقى معها أي مال فستشتري به الطعام لنفسها , لكن إذا لم يتوفر
لما تذمرت ولاستغنت عن الأكل . ساعدها في تعليق عربة الجواد

بالشاحنة من الخلف , ثم تمنى لها الحظ وراح يراقبها وهي تخرج بحذر
من باحة مرآبه . وعندما اختفت , رفع صلاة إلى الإله الذي يسهر على
الشابات المجنونات اللواتي لا يملكن سوى حصاناً وشاحنة مهترئة ,
وقلباً كقلب الأس والكثير من العناد .
* * *
عندما صعد ليو عل متن الطائرة في مطار أطلنطا , كان التعب قد
تملك منه فنام نوماُ خفيفاً حتى موعد الهبوط . وفيما كان يمط قامته

سأبقى وحديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن