الفصل الثالث

Start from the beginning
                                    

عضت على شفتيها باحراج وتستشعر اتهاماته وانها صرخت بوجهه فما ذنبه هو تحدثت بنبرة مهتزة :
- أنا اسفة كان غصب عنى اتمنى تقبل اعتذارى

هم بالرد عليها لكن والدته قاطعته قائلة :
- يابنتى استغفرى ربك كده يزعل منك ده إيه بس فى حد يزعل من اخته الصغيره

انتفخت نواجز انس غيظًا من لقب اخته ، كما انها  اضاعت عليه الفرصة الوحيدة للتحدث معاها ، اجابها بغيظ وهو يلفظ الحروف بنبرة ثقيلة :
- لا ولا يهمك

- يلا بقى قومى اغسلى وشك كده وفوقى هتباتى معايا النهارده
تلك الجملة اردفتها نوال جعلتهم فى حالة صدمة
فرفعت سريعًا بصرها إليه لتتلاقى عيناهم لأول مرة بنظرة طويلة ابتلعت وهى تهمس :
- لا ازاى ميصحش انا هروح الشقه هناك

اجابتها نوال ببساطة :
- هو ايه اللى مينفعش.. اه اه قصدك عشان الواد انس
متقلقيش مش هيبات هنا ولا حتى فى الشقة التانية

تبدلت ملامح  انس من حالة التيه إلى حالة ذهول :
- نعععم .. ده اللى هو ازاى ؟!
اومال هبات انا فيين بقى ؟!

- فى الورشة ولا نسيت ايام ماكنت بعاقبك واسيبك تنام تحت
ثم استرسلت توضح لها
- اصله كان مغلبنى وكان تملى سرمحه ويجى متأخر
كنت اقفل باب البيت وينام فى الورشه اه مش
كان بيتسرمح مع البناااااا

انتفض على كلماتها يصرخ ليقطع حديثها فهى
لاتنفك بمعايرته بأيام المراهقة لكن الآن الوضع
مختلف يكاد ان يفقد اعصابه بسبب تصرفات
والدته هتف مسرعًا :
- لا لا متاخديش على كلام نبع الحنان
ابوس رأسك ممكن تمسكى لسانك كل الشارع
تحت عارف كل حاجه عنى ... انتى أم ازاى
بس سمعتى ضاعت كففففاية

ألتوت شفتيها بسخرية :
- منى برضك ولا من بناتهم اللى كانوا بيمشوا معاك
امشى يا ولاه انت من قدامى انا رايحة احضر
العشا انا اصلًا خبت فى تربيتك

قهقهت ونس عاليًا على تلك السيدة وتصرفاتها
واتمنت لو كانت تتمتع بأسرة مثلها

راقب انصرفها وهى تمتم بحنق ، ثوانى وكان يجلس فى الكرسى المقابل لها يتأملها بصمت يود أن يخوض فى سبر اغوار  ماضيها وما تفكر به للمستقبل
لا يعرف لماذا ذاك الشعور يداهمه بشدة منذ ان رأها
حاول مشاكستها :
- اوعى تصدقيها انا كنت إمام جامع وانا صغير
بس هى كده تحب تهزر

هربت منها ابتسامة خجولة مذبذبة ، رفع حاجبيه ليردف :
_بس شكلك مش مصدقة تحبى اقوم اصلى قدامك ركعتين عشان تصدقينى

رمقته بخجل والتقت عيناها بعيونه العسليه ثم اجابته :
- لا مصدقاك خلاص قلبك ابيض

- اه وربنا ابيض وطيب وابن حلال بس نقول ايه الست دي بتسوء سمعتى

****

فى الصباح اليوم التالى
نزلت إلى المكتبة بروح جديده تملأها الأمل والتفاؤل استمدتها من الذين حولها بثوا بداخلها روح جديده
فصاحب جميل الروح تصيبك عدوى جماله

لكنها توسعت عيناها بذهول فالسيدة نوال قالت انها مجهور منذ سنتين لكنها تراه الآن  فأبهى صورها وقف خلفها مباشرةٍ يهمس بجوار اذنيها :
- صباح الورد والونس يا ونس

التفت له واصبحت قدميها كالهلام من هيئته يرتدى قميصًا مفتوح ازاره من الأعلى باللون الأسود يبرز عضلاته، حدثت نفسها
  أهذا الحديث لها تكاد تذوب من فرط الخجل قلبها صار يقفز بين ضلوعها فردت قائلة :
- صباح الخير .. انت اللى عملت كده ؟!

حك مؤخرة رأسه وهو يشعر براحة وسعادة تغمره من الداخل انه رسم الفرح على ملامحها فاجابها بمرح :
- مطرود بقى قولت اعمل حاجه مفيدة وكده

عضت على شفتها بخجل قائلة :
- انت إتبهدلت بسببى اوى انا اسفة

ضحكة رجولية خشنة دوت منه وهو يتحدث بنبرة ساخرة :
- يبقى لسه معرفتيش الست اللى فوق دي ...دي بتشردلى مع طوب الارض

- ربنا يبارك فيها .. ده كفاية روحها الحلوة

ردد خلفها بتضرع :
- اميييييين

****

مر شهر وقد اعتادت على المكان والناس تشعر برضا حتى انها نست انها نذير شؤم على الأخرين واندمجت وسط اهل هذه المنطقة ، وقف امير امامها يزفر بملل :
- ونس خطتك منفعتش المرة اللى فاتت

اجابته بنزق وهى ترتشف من كوب الشاى :
- يعنى ده اللى عندى اعمل ايه ؟!
بحاول ارغى معاها فى اى حوار وانت ايه ولا اصنام
بتقف تتنح ولا بتنطق والمفروض انك تكلم فى اى حاجه بس اعمل ايه انا بقى

عقد امير حاجبيه مداعيًا التفكير بينما هى تبتسم على طريقتها ، غافلين على اعين تشتعل من الغيرة
فهى تتعامل معه على اضيق الحدود

تقدم بخطوات صوبهم وهو يشعر بالغيظ  يهتف بنبرة عالية :
- هو امير باشا مش وراه شغل
شايفك واقف هنا من الصبح وشغال ضحك فيه ايه ؟!

- عندى ديه يا  زعامة انا رايح على الشغل هوا

قال جملته وهو ينطلق صوب الورشة وصلتها زفرته المتضايقة فصمتت ، اما هو وقف
يحدق بتلك الرمادتين التى سحرته منذ اول لقاء
ثم تحمحم بخشونة :
- عاملة اية ؟!

اجابته باقتضاب سريعًا فهى تشعر بنبضات مغايرة لنبضات قلبها ولا تريد طعنة جديدة لنفسها الذبيحة
كاد ان يجن من طريقتها معه هو فقط فعلاقتها
مع والدته اصبحت كعلاقة الام بابنتها
أولاها ظهره يباشر عمله لكن لا يخلو من النظرات إليها

****

فى المساء على طاولة الطعام يجلس انس فى
انتظارها هى والدته يحضروا الطعام
ثوانى ووضعوا اخر صحن بيديهم وانضموا يتناولون الطعام
قاطعت نوال صمتهم بسعادة :
- عندى اخبار حلوة ليكم النهارده مين كان عندى
الست ام يوسف ما انت عارفها يا انس

- مالها ؟!
اجابها باقتضاب وهو ينظر فى صحنه كالعادة حديث يخص احدًا فى شارع وهو بضرورة يسمعه ويهز رأسه

استطردت حديثها وعيونها تلمع بفرح وهى تربت فوق كتف ونس :
- قال ابنها يوسف شاف ونس فى المكتبة تحت
واتكلم معاها مرتين وقال معجب بيها وجت النهارده
طلبتها منى وسألتنى عليها قولتلها قريبتنا من البلد
وقالت ابنها جاهز
أيه رأيك يابنتى ؟!

****

إرتواء الروحWhere stories live. Discover now