وعلى موال اللُطف .. والأيام الهاديّة .. والأيام اللي لا بُد تظهر بها مشاكل أو خلافات بسيطة كانت أو كبيرة .. عدّت هالأيام مثل البرق .. وعدّى الخريف وجاء الشِتاء وصار الربيع يكسوه البهاء .. ونبت الورد وتزيّن الدار وسُعدت الروح .. وبين السِعة والضيق كانت بُشرى محصورة ما بِين ضُحى وسحابة ووصايف .. بالمقعد الخلفي .. كانت شوي وتنفجر من عصبيتها دفت ضحى على أمها وقالت : وصايف وخري (بعدي) بنتك عني والا برميها من الدريشة
ضحى ناظرتها بنص عين وقالت : أتحداك تسوينها .. والله لأزعط(بمعنى أشد) شعرك يالله
بشرى عضت على شفايفها بعصبية وهي تناظر هالطفلة اللي تمقُتها بسبب دلعها .. واللي من حضر فهيّد للبيت وصار عايش معهم كانت هي وإياها في نزاعات لا تنتهي على أتفه الأشياء : ترى والله لأفرك وجهك بالأرض الحين .. تراك زودتيها
وصايف اللي تنهدت وتعبت من معاندة هالبنتين قالت بعقلانِية : بشرى ياروحي .. تراك عمتها وأكبر منها .. عطيها على قد عقلها .. وأنتي ياضحى إحترمي عمتك وإتركي عنك هالحركات
بشرى ناظرت لضحى اللي سحبتها أمها وقالت : لا والله إني بنزل عقلي لعقلها .. لا تقولين كبري عقلك وخلي عنك هالبزر .. وصايف ترى بنتك تقهر صدق .. هذي شيطانة مـ...
سكتت بصدمة وخوف من فهيّد اللي وقف السيارة فجأة وقال بصوت حاد وكأنه معصب : بشرى .. إنزلي بسرعة !
لصقت ظهرها في المقعد من الخوف وبلعت ريقها بصعوبة وقالت : ليه يافهيد .. وش سويت ؟ ترى بنتك اللي مسويه السالفة ذي كلها .. خلها تحترمني وأنا بسكت
فهيد تجاهل كلامها ورجع يقول بتشديد : والله لو ما تنزلين لأجيك ألفع (أضرب) وجهك .. تراك صرتي غرير (طفلة)
تنحنحت بخوف وهي ترمش بعدم إستيعاب لأول مرة فهيد يعاملها بالطريقة ذي من رجع .. صحيح إنها تعودت على حالته الهادية .. ولكنها أكيد مانست حالته القديمة لذلك كانت تخاف من تناقُضه .. قالت بربكة ورجفة : فهيد يا أخوي الغالي والحنون .. تكفى لا تحط عقلك بعقلي .. خلاص برضى وبجلس وأنا منطمة .. وحتى لو بنتك أم الخمسين كيلو جالسة على رجلي ومضيقة علي عيشتي .. ووصايف كل شوي تضربني بالخطأ من الضيق .. وسحابة ساكتة ولاقدرت تدافع عني من حياها .. خلاص لا تحط عقلك بعـ....
سكتت بصدمة وهي تسمع ضحكة سعود اللي أنفجر بصخب .. تلاها ضحكات كل من بالسيارة عليها
ألتفت فهيد وهو يضحك .. واللي قال : إنزلي لعنبو حيك أنتي ولسانك اللي ما تقدرين تلفينه .. وصلنا
عقدت حواجبها بإستنكار وألتفت وهي تناظر من الدِريشة للسيارات اللي أستقرت على جبل السُودة .. واللي كانت هذي كشتتهم بعد أيام طويلة من الفراق ومن الأشغال والبعد .. نزل سعود وهو يقول : على حق والا على باطل .. هالفاجعة لسانها ما يسكت
ضحك فهيد وهو ينزل ويلحقه وهي كشتهم بيدينها ونزلت وراهم وهي تناظر بإبتسامة .. للي بدؤو يخرجون من السيارات بشكل كثِيف .. واللي أصر راجح يطلعُون هالطلعة وبالأحرى لجبل السُودة كتغيير بعد شهور طويلة من الروتين المُمل .. واللي مارضى عبدالعزيز يطلع هالطلعة كُلها دون أخوياه .. لذلك جابهم معه ومعهم أهلهم ..

ناظرت للجادل اللي تمشي وكرشتها قدامها وهزت رأسها بآسى وقالت : وهذي ببطنها اللي يمشي قدامها بين جبال أبها .. والله لو ولدت الحين ماراح أستغرب
أبتسمت وهي تمشي بإتجاه المخيّم البسيط اللي ثبتُوه على جنب كـ جلسة للحريم واللي من دخلت ناظرت لحياة اللي كانت جالسة بين منى والجادل
وتنهدت بهدوء وهي تجلس جنبهم بعيداً عن ضحى اللي شوي وتذبحها
قالت منى وهي تدف حياة : تكفين فارقِي .. تراش صرتي مغث (غثيثة ) صدق
ضحكت حياة بصدمة وهي تضرب وجهها بيدينها وتقول : ياويلي .. الجنوبين أستملكوك كلك .. ودعتي الحجاز قلباً وقالباً شكلك .. مهب هين سعد
ضحكت الجادل ومنى أبتسمت بضحكة وقالت : لهجتي اللي سايرتني سنين طويلة تبخرت بسبب السنين اللي قضيتها معكم .. والجنُوبي سعد كمل وقضى على ما تبقى
حياة أبتسمت وبعدها تنهدت بهدوء وألتفت عليها الجادل وقالت : أشوف البر ماعاد جاز لك .. الستة شهُور في البحر نستك برارنا
ضحكت وهي تغطي وجهها بسبب نظرات منى وقالت : إي والله .. مدة مهيب بسيطة .. ولكنها نستني كل البر .. دريت إن حياة لازم يكون سقفها سماء وقاعها بحر .. غير كذا لا
ضربت كتفها منى وهي تقول : مالت عليش .. مسويه عمرها تتغلى علينا وإحنا ست شهور بنموت عليش؟
تنهدت بإبتسامة وقالت : والله وأنا أشتقت .. ولكن اللي صار إني عرفت إن حياة فعلاً ما تليق ولا تقدر تعيش إلا جنب القبّطان سند
بشرى غمزت لها وقالت : إعترافات من ورانا
ضحكت حياة بقمطة وقالت : متى قطيتي وجهك عندنا ..




إنحرجت بشرى وعشان تصرف الموضوع قالت : الجادل .. أشوف إنك نشبتي بحلق عمتي المزن عشان تخليك تجين .. والا من العاقل اللي بيخلي وحدة حامل بالشهر التاسع تطلع هالجبال ؟ والله إنكم مخفات صدق يعني لو صار شيء وولدتي هنا
ناظرتها الجادل بطرف عينها وقالت : يعني عشاني ماصرت أدرسك ماعادني بأبلة ؟ ماتدرين إن المعلم يبقى لقبه لين تمر سنين ؟ بعدين تطلعون كلكم وأنا أبقى والله لو أولد بالطريق مابقيت .. ولا هو بوقت ولادة توني دخلت التاسع .. لو أجلتو طلعتكم كان أفضل بدل ما نأكلها أنا ومنى
بشرى هزت رأسها بآسى وقالت : حتى منى .. مثلك خبلة .. والله وإستغرابي الكلي من سعد الشايب .. شلون رضى يجيبها وهو اللي دمر الخسوف بصوته لما درى بحملها ما بقى حيدة (صخرة) مادرت إن مناه حمل .. فوق فضيحته جايبها ؟ مهب ذال(خايف عليها)
منى اللي عفت عن بشرى ما تقوم تفرشها بالأرض بسبب تذكريها بفرحة سعد .. واللي كان للحظة بشيل الأرض على ظهره من فرحته ..
لابقى دار ماصرخ جنبها إنه بيصير له ولد .. ولابقى شخص ما بشره بفرحته .. وكأن هالخبر كان مصدر إنقاذ بالنسبة له بعد فقدانه لفنه بسبب وجع يده .. واللي عارض فعلاً إنها تجي ولكن أم سعد وقفت بصفها وهي تقول " تراني كنت حاملة بك وأطلع الجبل مشي وعلى رأسي جركل موية يوزنك مرتين .. خل عنك الدلع ولبّ دعوة الشيخ " ولكن حياة ضربتها على جبهتها وقالت : قومي قومي فارقي من قدامي قبل أذبحك يابشرى
ضحكت وهي فعلاً أيقنت إنهم من نظراتهم بيذبحوها لذلك راحت تحارش نسِيم اللي كانت ماسكة يدين بنتها وتمشي معها وهي تضحك : تعالي يا ورد يلا .. خلي خطواتك واثقة يابنتي
هزت رأسها وقالت : نسيموه .. من الحين بتسوين لبنتك مناحة عن الثقة .. ترى عادها (توها) بزر خليها تتعثر وش فيها
أبتسمت نسيم بهدوء وشدت على يدين ورد اللي كانت تضحك بسبب لمس التراب لرجلينها الصغيرة وقالت : تتعثر .. مامن مشكلة أصلاً الحياة عبارة عن عثرات .. ولكن وقفتك بعد هالعثرة بشكل أقوى دليل على إنك قوية فعلاً .. وإن تعثرت بتوقف مرة ثانية بكل قوتها وبثّبات .. عشان كذا جالسة أعلمها تبقى قوية
سكتت نسيم وبشرى ناظرتها بآسى وهي تمشي عنها : مستحيل أحد يقدر يستفز كتلة الثقة هذي !
-
-

{ وبجهة الرجال }

اللي كانت غير تماماً عن جهة الحريم .. واللي جلستهم كان علِيلة تماماً .. متِكين قُرب حافة الجبل بفرشتهم الحمراء الكبِيرة .. وجنبهم تنور ومجهزيّن أغلب الإحتياجات لغداهُم .. لأول مرة بعد مدة طويلة يجلسون كلهم بمكان واحد .. خُصوصاً بغياب الليّث بسبب دراسته .. واللي كانت إجازة لمدة أسبوعين وقرر يجي يزور الجادل فيها .. وسند اللي خذاه البحر عنهم .. والبقيّة مشغولين كل واحد بنفسه .. لذلك فكرة راجح كانت سديدة فعلاً
لأن أجواء هالجلسة كانت غير تماماً
عبدالعزيز اللي جالس جنب الدافور يجهز القهوة .. وعلى رأسه واقف سند ويدندن بصوته الشجيّ وكأنه يعطيهم طاقة به .. وعبدالعزيز مستأنس على الوضع ومعطيه على قد جوه
وسعد اللي كان يجهز الغداء .. واللي تكفل بطبخ اللحم والدِجاج وشويهم .. والليّث كان معه خُطوة بخطوة
فهيّد اللي أغلب وقته صار مع راجح .. وطوال أيامه السابقة قضاها بظله وبين سواليفه يتنقل كان جالس جنبه كالعادة وتاكي على المركى وبحضنه ولده راجح يضحك معه هو وجسّار .. وسعُود كان بعيد عنهم تماماً !
قال سعد وهو يناظر لسند بطرف عينه : تراك غثيتنا بصوتك .. وين ماخطت رجلك فتحت حلقك وأبلشتنا .. قم إشتغل تحرك ساعد الشيخ .. بدال ما توقف على رأسه
سند أبتسم بضحكة غرور وقال : صوتي لحاله شغل أنا جالس أعطيكم طاقة عشان تكملون بكل همه
هز رأسه سعد وقال : لا ما إحنا بحاجة صوتك بالمكان هذا بالذات أنت ما تشوف ضباب جبَال السودة وخضارها صوتك إيش عندها والا عندك غير هالكلام يالليّث ؟
ضحك الليَث بخفوت وضرب كتف سعد وقال : لا بالله ماعندي غيروه .. وأنت صادز(صادق) جيتها شمالي وأقفيت بحُبها جنوبي
أبتسم سعد وهو يقول بضيق : لو تعرف كم أشتقت لك يا ولد وش هالدراسة اللي باعدت بيننا وبينك صرت مثل موسيقي الفلس ناكر عشرة
سند ناظره بطرف عينه وقال : تحسبنا مثلك لاشغل ولا مشغلة ؟ ترانا نلاحق أحلامنا
إلتزم الصمت سعد بما إن سند لمس الوتر الحساس بالنسبة له .. ولكن عبدالعزيز أعاده للواقع بضحكة : وسعد حلمه بين يدينه .. ومعرضه للآن متصدر الديرة بكبرها مئات الرجال يجوون من أقصى ديرة عشان يتأملون حلمه لا ترخصه
ناظره سند بصدمة وقال : أفا صرت بصف سعد ماعادني سندك ؟







أنفجر عبدالعزيز ضحك من نبرة سند اللي كلها غيرة ووقف والدلة بيدينه : محد يأخذ مكانك مير مكان سعد كبير وعالي بعد
ناظره سعد وهو يرمش بطفولية وسند قال بإشمئزاز مصطنع : الله يهب لك عقل ورعك جاي في الطريق وأنت شايب بعقل ورع خوفي لاجاء تنافسه بخفة العقل
وقف سعد وهو يمشي بإتجاه سند اللي كان بيهرب ويلحق عبدالعزيز بس الليّث ثبته بقوة من كتوفه وسعد هجم عليه وهو يضربه وسط خرشة سند وضحكته العالية من الصدمة .. سعد كان يضربه بخفة وهو يضحك ويقول: إبتداءً من الآن با موسيقي الفلس .. تعلن إحترامك لي ولا تشوف جبال السودة ذي ؟ والله لا أرقعك(أرميك) منها
ضحك سند وهز رأسه وهو ينتخِي بعبدالعزيز : فزعتك يا أبو الهيثم تكفى .. بن عناد والشايب قامو عليّ
فز عبدالعزيز وهو يضحك ومشى لهم وعلى طول أبتعد بضحكة وقال : تعرف نقطة الضعف يا سند .. والله لولا الشيخ ما فكيتك
الليّث هز رأسه وقال : لو نادى سعود احسن كان فرشنا و معو
سند مسك يد عبدالعزيز اللي سحبه ووقفه وقال بضحكة : سعود على متن سحابة
شهق الليّث وهو يقول : لا يسمعك تنطق إسم زوجته .. والله إن يصيب كلام سعد ويرميك من على الجبل ذا بكبرك
غطى فمه بصدمة ومشى وهو يقول : صادق والله للآن أتذكر الضربة اللي في ظهري وحنا بالمعرض
ضحك سعد وقفل التنور وهو يمشي وراهم جلسو بالجلسة وبدأ هادي يصُب لهم القهوة برحابة صدر وهو اللي تِكفل بصبّها لأنه يلقى المتعة بين فنجاين هالقهوة وبدأت السواليف تمطر بشكل كارثي والضحكات تتعالى بكل قوة
فهيّد اللي كان جالس على يسار عبدالعزيز واللي ألتفت له عبدالعزيز وقال : فهيد وش صار بموضوع التوسعة
هز رأسه بإبتسامة وقال : أبشرك الأمور طيبة .. وكل شيء مثل ما تتمناه وأفضل
أبتسم عبدالعزيز بطمأنينة وهو فعلاً .. كان العمد كل العمد الشهور السابقة على سعد وفهيد .. اللي كانو معه خطوة بخطوة بكل شيء يسويه وبكل مجلس يرتفع صوته فيه وكان يحاول يرجع الثقة بفهيد بكل قوته ..
فهيد كان فعلاً جالس يثبت له إن السنين اللي عدت وهو بعيد عن الاهل كانت مرة لدرجة انها صقلت قلبه وعلمته الاتجاه الصحيح اللي لازم يتجه وعلى إثر هالبعد تغيرت كثير اشياء بشخصيته وصار شخص يقدر فعلاً معنى عائلة ومعنى الثقة .. أحيانا لازم نذوق مرارة فقد الشيء عشان نتعرف على فضله وعلى النعمة العظيمه اللي تحوفنا حوف بوجوده .. ولكن الخوف كل الخوف إن مو كل فقد راح يرجع مرة ثانية .. وإن مو كل نعمة فقدناها قادرة ترجع مرة ثانية .. الوقت هو الرهن الوحيد لنا .. لو فات الفوت ماعاد ينفع الصوت !
إستمرت جلستهم اللي مابها نفسٍ ثقيلة أبد .. واللي زاد حلاوتها صُوت سند .. واللي كان منحرج من راجح .. ولكنه قال فيّاض : غرد يابوك .. ترى الشيخ راجح في منزلة أبوك
راجح ناظره بطرف عينه : منحرج مني يابن فيّاض ؟ مادريت إنك ولدي مثل ما عز ولدي ؟
همس له سعد وقال : الله يشتلك ياسند .. حتى في أبو الشيخ مناشبه .. فكنا منك
كتم سند ضحكته بالقوة وهز رأسه وهو يأشر على خشمه : ما طلبت شيء يا شيخ .. وبدأ يتغنى بصوته العالي .. واللي ماكانت تكتمل جلسة إلا بها
-
-
وبمكان بعيد شوي عن محط الأنظار .. كان واقف الصحفي سعود وبيدينه الكاميرا .. ويضحك بصوت عالي على ملامح سحابة الخجولة وقال : يابنت إضحكي وخلي عنك هالخجل .. ترى الصورة بتبقى ذكرى
غطّت يدينها بوجهها وقالت : سعود تكفى .. خل عنك هالحركات ولا تصورني ماعاد أبي
قرب منها وهو يعلق الكاميرا على رقبته بالشريطة حقتها ووقف قدامها وهو يأشر على السحاب الكثيف اللي وراها : ما تحسين إنه عيِب بحق السحاب اللي ينتظر توثِيقنا لوجود سحابتهم بنفس المكان معهم !
ألتفتت بسرعة للمنظر .. وأبتسمت بخُفوت وهي ترفع كتوفها بعدم معرفة .. وهو تنهد وقال : تحسِين إننا طولنا كثير لين لقينا قلُوبنا اللي تغربلت كثير ؟
ضحكت وهزت رأسها بالنفي وقالت : أما عني فمن طفولتي لقيتك .. ومن صغري قلبي معك .. أما عنك فوالله طولت .. وحيييل حيل ياسعود
أبتسم بضيق وهز رأسه وقال : سهالات .. الأهم إني معك الحين .. وغيره يفوت
ناظرته بطرف عينها وقالت : كنت بفوت مع الغير
تنهد ثم قال : قفلنا هالأبواب .. ما يطولك الردى أصلاً أنتي سحابة ما يطولك دنيئين .. وتعرفين شيء
هزت رأسها بلا وهو أشر على قمة الجبل وقال : وإليا نزلتي موطنك قمة جبل .. ما يلحقك ردى أبد
أبتسمت بحياء من كلامه وهو من أشتد الهواء سحب شماغه من على رأسه وجلس على رأس الصخرة وهو يرفع الشماغ ويغطي به رأسه .. أشر لها تجي جنبه .. وهي مارفِضت تقدمت وجلست جنبه وهو قربها منه أكثر عشان يتسع لها الشماغ وقال : ياحبك للمسافات ياسحابة
ضحكت وقالت : خواتي يغارُون من القرب ..



عقد حواجبه بإستغراب وهي أشرت بضحكة على السحاب وماهي إلا لحظات وضحك من كل قلبه على كلمتها.. ولكن ما أعطى مجال للسحاب يغار .. أقترب منها لين أنتهت المسافة وأبتدأ هو
-
-
{ عـبد العزيـز }
وقبل ما تغرب الشمس .. وتختفي أشعتها من المكان
كان واقف على قمة الجبل .. ومكتف يدينه ويناظر للضباب بلهفة .. هالمنظر كان له منه سنين طويلة بسبب أشغاله اللي الهته عن كثير أشياء
أبتسم بهدوء وهو يحس فيها وراه .. وألتفت على طول وهو يمسك يدينها بحذر وهو يقول : والله ياجيتنا إنها خطأ بخطأ
ضحكت وهي تقول : ماعليّك .. ماراح أولد هنا لاتخاف
ناظرها بتردد وهو خايف فعلاً مع ذلك كتم خوفه وقال : ولكن المنظر يستاهل والا !
أبتسمت برحابة وهي تهز رأسها بإيه : يستاهل وزود .. يستاهل وكثير ولا حد بيجي لاقبل الجنوب ولا عُقبها .. ولاراح نلاقي ببهاها أبد
هز رأسه بتأييد وهو يبتسم وهي قالت : علمتني بشرى إنك ناديتني ؟
ناظرها للحظات وقال : تبين الصدق والعلم الصحيح ؟
ناظرته بإستغراب وهو أبتسم بضحكة : أشتقت لش أولاً بما إنش من الصبح غايبة .. وثانياً أخوش نشب في حلقي يقول يبي يشوفش
تنهدت بضحكة ووميّلت شفايفها وقالت : الله يرحم أيام اللي كنت تغيب بالأيام
تأفف : طالبش لا تذكريني .. تراها غصب عني .. والا لو مني أحطش على كتفي وأمشي بس
ضحكت وهي موقنة إنه فعلاً كلامه يمثله وقالت : أدري والله .. بس تعرف لو مالقيت رد يناسب مقامك أبدا أدور مخرج
هز راسه بضحكة وقال : أخبر والله طبعش
سكت للحظات ثم رفع كفوفها وهو يظهر خاتم عناد لها وقال بهُدوء : بن عناد حضر .. وخاتم أبوه متوسط كفوفي .. لو لش رغبة ينورث لصاحبه الأساسي فعلميني
أبتسمت بهدوء وهي ترفع يدينها وتضغط على كفوفه بحنية : ما يزهى هالخاتم إلا بيدينك .. والليّث يشهد ومستأمن على بقايا عناد بين كفوفك .. خل عندك الثقة الكاملة عن هالموضوع
أبتسم لها ثم ألتفت وهو يشوف أخوها مقبل وقال : حيا الله المحامي بن عناد
أنشرح خاطر الجادل من اللقب وفاضت عيونها من حلاوة الشعور والهيثم ضحك وقال : الله يحيك
وقبل تكتمل ضحكته ناظر بصدمة لعيون الجادل وقال : تكفى ياشيخ علمني .. هالعيون دايم تفيض ؟
ضحك عبدالعزيز وقال : يوه يابن عناد .. أنت ماتدري إن ورى القرنية خزان دموع .. ما تنتهي أبد والله مابقى بي حيل لدموعها .. وصدقني لو ما أدري إنها من فرح كان صارت علوم
أبتسم وهو يحضنها ويطبطب على ظهرها وقال : دامها من فرح فمعفي عنها
أبتسم له عبدالعزيز وتركهم لوحدهم وهو جلس وجلست معه .. إبتدأ كلامه وقال : صار لي إسبوع هنا .. ولابقى إلا إسبوع مستعدة لوداعي ؟
رجعت تبكي وهو ضحك بصدمة وقال : والله إني أمزح وش فيتس بكاية تسذا؟
ضربت كتفه وهي تقول : يرضيك يعني ؟ شهور تكتمل أيامها دون يطل وجهك عليّ
أبتسم وقال : ما يرضيني يابعد حييّ وميتي .. مير نهايتها بتصيرين أخت المحامي .. مايكفيتس ؟
سكتت للحظات وميّلت شفايلها بضيق وهي تكتم ضيقها من بعده .. لأنه فعلاً هالبعد لمصلحته
رفعت سبابتها وهي تهدده : ياويلك لو مايكون معدلك عالي .. وياويلك ترجع المرة الثانية وأنت ضعيف هالكثر .. أنت ما تأكل هناك ؟ علمني عشان أدور لك عروسة تساعدك بالطبخ
ضحك وهز رأسه بالنفي : لا تكفين خلي عروسك ببيت أبوها .. وعلى طاري الضعف تراه من كثر الدراسة .. يعني بدال الشحم واللحم بجسمي صارت معلومات
ضحكت من كلامه وهو كان يناظرها بهدوء .. شهور طويلة كان وده يسألها عن علاقتها بأمها اللي ماكانت تتطرق لها أبداً معه .. واللي للآن ما سمع عنها منها أبدا .. ولكن عبدالعزيز أرضى فضوله وحكى له رؤوس أقلام عن حكايتها مع أمها .. عشان ما يوجعها بسؤاله عن سبب بعدها عنها .. واللي عدّت شهور حملها كلها وكانت عدد المرات اللي زارت فيها الجادل مرتين بس .. مع ذلك كانت بمنزلة زيارات كثير بعيون الجادل
هزت رأسها بإبتسامة وهي تكمل سواليفها معه براحة بال من وجوده اللي صار يخفف عنها حمل كثير .. ويبقى السؤال ببالها لو ماظهر .. وش بتكون الجادل من دونه ؟ معقولة كان بيبقى جزء من حياتها باهت ورمادي دائماً .. وهذي كانت مكانة الأخ بعيون كل أخت .. دائماً يكمل النقص ويلون باقي الأماكن الباهتِة ..
-
-
ومن غابِت شمس الجنوب .. وأعتلى الليل سماها
شبّو النار .. على يمين جلستهم .. ووسطُو إبريق الشاي جمرها .. ومثل ماهوب مُعتاد إن حضرت النار .. والشاي .. والجو العليل .. فلا يُنقصها سوى قصِيد الشيخ عبد العزيز .. واللي على إقره قال الليّث : آخر شبة نار مع الشيخ .. عطانا قصيدة للآن محفورة في مخي .. وبما إن طقوسك حضرت للقصيد .. ما يمنع نسمع شيء جديد ولا؟



راجح أشر عليه بمعنى " كفو " وقال : كلامك عين العقل يا بن عناد .. الله عليك وكفو .. نستاهل قصيد من ثغر بن راجح .. والا لا ياعز ؟
تنحنح عز ورفع كفوفه وهو يحك رأسه بإحراج من بعد تعاليّ أصواتهم بطلب قصيد منه .. واللي ضحك سند وضرب فخذه وقال : خل عنك التغليّ .. والله ما يزيد بهاء الليل ويزين سكُونه إلا لانطق بن عز بقصيدة !
سكت للحظات .. وهو يرفع عُيونه ويتأمل القمر .. للحظة لاحت له ذكريات كثِير .. كثير لدرجة مو قادر يتخطاها .. وفعلاً ما تِخطاها أبد .. وهو شيء يصير مع حمامته ويتخطاه ؟ كان يقول أبيات القصيد وهو مستمتع بكل كلمة نطق بها .. لأن هالقصيدة ماكانت قصيدة عابرة .. كانت مشاعر قلب ثابت وما زعزع ثبات سوى خطوات الحمامة الرقيقة والي بسببها أنتفض وتبدّل وتغير .. وأصبّح بسببها قلب الشجاع الثقيل مثل خفة الطير العنيّد ..
--
من قريت الشعر وأنتي أعذبه
‏من كتبت الشعر وإنتي مستحيلة
‏كل بيتٍ ينحني لك .. أكتبه
‏و أتوضّى من سحابك وأنحني له
‏كان صعبه سهل .. لكن صعّبة
‏كثرة أوراقك وأنا حروفي قليلة
--
وفعلاً كان يعني كُل حرف أنقال .. من بدايته معها .. ولما بدأ يبحر بعالِم الشعر مالقى مثل عذُوبتها ولا صادف مثلها أبداً .. ومن أبتعدت وصارت أبعد من حدود اليقين وأقرب من الحلم في يدين الضرير .. بدأ يكتب الشعر وهو موقن إنها مستحيلة وبعيدة عنه بعد الضيق عن قلب المزُوح.. ولكن بعد هالبعد كله جمع لها الشتِيتين فيما بينهما وألتقو في مكان يجهله كل شخص منهم !.. وصار يكتب بها الشعر .. ولا هو بس كذا صار ينحني لها كل بيت يكتُبه .. الجادل واللي لأجل عيونها الشعر يِنساب !
-
-
وبخيمة الحريم .. اللي كانت تفِيض من السوالف بكل إتجاه .. واللي على جنبُهم جالسة الجادل جنب المزن وهي مبتسمة من السواليف معها .. واللي من بينها قالت الجادل بفضُول : سمعت كثير يايمة .. عن طفولة عبدالعزيز الغريبة .. وإنه ودعها بعمر الصغر .. وش يعني هالحكي ؟
أبتسمت المزن من سؤالها وقالت : لو سألتيني عن هالموقف بوقتها كان بكيت لين نبت على خدي ورد .. ولكن الحين صار مُضحك بشكل يهلك .. تعرفين من تصير مدة على موقف يوجع يصير مضحك بشكل تلقائي
هزت رأسها بإستغراب والمزن ضحكت وقالت : تخبرين سوايا نعمة الله يهديها بي .. وترصدهم لي .. ومن كان عمر عبد العزيز ست سنين .. وكان مع هُمام خيله الأولي يلعب .. كنت جنب الإسطبل واقفة في أمان الله .. وفجأة ما أشوف إلا وجهي بالأرض بسبب نعمة اللي سحبت شعري وبدأت تضربني بدون ما يكون عندي قدرة على الرد .. كونها أستغلت لحظة سرحاني ..
كانت مقهورة بسبب زرعِي للورد جنب الريحان اللي زرعته واللي كان عذرها إنها بتسحب طاقة الريحان وبيذبل .. كانت تدور أتفه الأسباب عشان تحارشني .. ولكن غلطة حياتها إنها سوت هالسواة قدام عزيز .. اللي نزل من على ظهر هُمام وجمع بيدينه أكثر من حجر ورماها بقوة على رأس نعمة واللي بسببه أغمى عليها من الخوف
كان مقهور .. وموجوع وضايقة به الدنيا .. كان معصب ويقول كلام أكبر من عمره .. كان يقول "لا تضعفين ولا تسكتين لهم .. ولا تخلينهم يضربونش
خليش قوية والا بصير رجال وأحميش منهم " وأنا من باب إني أهديه قلت " خلك رجال يا عزيز وأحمني منهم " ولا دريت إن هالجملة بتغير ولدي جذرياً .. وبترسخ بمخه بشكل كبير .. لدرجة إنه تخلى عن ثوب الطفولة .. وبدأ يترجل قبل ينبت الشنب على وجهه .. صار رجل بجسد طفل .. وصار يحميني فعلاً قبل يفكرون يأذوني .. كان لهم بالمرصاد كلمة بكلمة .. وضربة بضربة .. من عمر الست سنين فرض هيبته .. ووضع بصمته .. كان يقول " غديت رجال عشانش أمي .. ودعت الطفولة لأجل تكونين بخير " وفعلاً قال وقوله فعل .. جعل سنين تبطّي بالخير عزيز الخير
أبتسمت الجادل وهي تتنهد برحابة من كلام المزن واللي مازاد من قدر عبدالعزيز بعيونها إلا قمة وقمة وأشرت على بطنها وهي تقول : عساااه يبقى مثل أبوه .. ولا يكون إلا مثله
أبتسمت لها المزن : يارب يالجادل .. عزِيزين بالدنيا كافِية إنها تشفي هموم وتوسع خواطِر ضايقة
سكتت الجادل ولاردت .. وبدأت تتأملهم وهم يتكلمون .. وجنبها نسيم اللي محتاسة مع بنتها
واللي بعدها قالت : مستعدة ؟
ضحكت الجادل بربكة وهي تحط يدينها على بطنها تخفي وجعها وهي تقول : يعني .. والله خايفة
أبتسمت بخفوت وهي تقول : الخوف لابد منه .. أنا بنفسي كنت أصارعه بكل قوة .. بأظافري كنت أمسك الشرشف بكل خوف .. ولا أقدر أوصف لك الألم .. تقولين من شدته والله مافي أكبر منه ولا ينتهي أبد .. وجع ومغص وألم وبكاء .. ثم إرتـياح
ثم صوت بكـاء وأنتي ما تدرين هو صوتك والا صوتها .. تصيرين مثل الطِير .. كأنك تطيرين من البهجة ..





من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن