37

22.5K 196 73
                                    



وبينما حياة تعودت على هالرقصات .. كان الليّث مثل الأطرش بالزفة .. ورغم إنه حضرها بالعيد إلا إن هالمرة كان الحماس الضعف .. لذلك كان يناظر ببلاهة للحُضور .. ويناظر لسند اللي مع سعُود ويضحك عليهم بخُفوت .. وبينما إستدار بعيونه وطاحت على سعد اللي عبد العزيز مثبّته بالقوة .. ومحرص عليه ما يتحرك من مكانه والا يا ويله ..
كان باين على وجهه الضيق .. كان وده يقوم يساعب معهم ويستهبل .. ولكن عبدالعزيز أكثر واحد يعرف .. إذا إنفك سعد من اللي بيمسكه ؟ خصوصاً إن هاليوم المُنتظر بالنسبة له .. يعني الحماس الضعف
إلتفت الليّث لعبد العزيز وهو يناظر الزامِل (عرضة جنوبية ) اللي مِقبل عليهم وكان مستغرب وقال : يا أبو الهيّثم وش اللي قاعد يصير ؟
ضحك عبد العزيز وضحكته كانت نابِعة من قلبه بسبب اللقب اللي غربِل حاله : هذي عرضة تراثِية للجنوب يابن عناد .. لزُوم تتعلم عاداتنا وسُلومنا
ناظر بإستغراب للي قاعد يصير .. ومن إنتهو الرجال وبدؤو يسلمون عليهم .. حتى مر الوقت وصار وقت العشاء .. قلطُوهم بترحيب وألتفتو بصدمة لسعد اللي رمى البِشت وأشر للفرقة تُدق بأقصى قوتها وهُم لبّو .. ضحك سند وقال : منتظر هاللحظة على أحر من الجمر .. تشرهون لاقلت ماعنده عقد
ضحك عبد العزيز وشد طرف بِشته له وقال : خله (إتركه) يعيش هالليلة بحلوها يا سند .. لا تنسى إننا أكلناها أنا وإياك
الليَث كان يستمع لنقاشهم وأستغرب وش قصد عبدالعزيز .. كان بيتكلم بس أنصدم وهو يشوف سعد يسحبه وهو يقول : على قولة الشيخ .. لزُوم تتعلم عاداتنا يالليّث .. وهذا أول شيء وأول شرط .. تِساعب بالطريقة الصحيحة .. إشبح ( ناظر) فيني بس
ضحك الليّث وهو مو فاهم قصده .. مع ذلك ما خيّب ظنه .. كان يقلد حركاته وهو يضحك معه بطريقة غريبة وسط سخرية سند وضحك سعود وعبدالعزيز
وبعدها بدأ سعد يستهبل إستهبال حرفي وهو يحرك جسمه بحركات غريبة .. والليّث ماغابت عليه كان يقلده وهو ميت ضحك ويحاول يتعنى مثله .. وكلما حاولو يهجدونهم .. يستطربون أكثر
-
-
وبعدما مرت هالِليلة على جميع الحاضِرين من أحسن ما يكُون .. والأهم على سعد اللي كان واِقف قدام مُنى .. ولا باقِي خلية بجسده ما أرتجفت .. كان يحاول ما يبيّن توتُره وإرتباكه بس مو قادر .. لدرجة إن أمه دخلته غرفتهم وإنسحبت على طول من الإحراج
مُنى كانت مسكتها معدومة أصلاً من شدة ضغطها علِيها .. وموقف سعد ماكان قادر يساعدها تهديّ نفسها .. بالعكس زاد توتُرها الضعف
تنحنح وهو يبلع رِيقه بصعوبة .. وكان يحاول يتدارك نفسه بس مو قادر ..
كلما لملم شتاته وحاول يتحرك .. يناظرها وتِتبخر كل شجاعته .. وكأنها حالفة لا تخلِيه ينهار من عُذوبتها بكل مرة .. كان يتأمل فُستانها للحظة .. للورد اللي صار فُتات بسبب شدّها عليه .. والأهم ليدِينها .. للحناء الأحمر اللي كان مُزين كفوفها .. رمش بهدوء ثم أبتسم إبتسامة واسعة وهو يحس بنبضات قلبه تِتعالى هالمرة وبزيادة .. رِحم حاله ورحمها لِذلك قبّض كُفوفها بين يدينه وهو يبعد مسكتِها من بين يدينها وجلس وهي قريبة منه .. ثم تنحنح وأبتسم وقال بعدها : مبروك يا منى
منى من بعد درس الجادِل اللي علمتها علِيه قبل تشرحه صارت تشرهه على كل شخص يقولها مبروك وودها تكفخه ناظرت لسعد " ماباقي إلا بعير يبُرك عليّ هالليلة عشان يكتمل الوضع "
ما تكلمت وألتزمت الصمت وهو أبتسم .. وتنحنح وهو يحاول يمسك أعصابه ولا يتهور ويقدم على خطوة ما يحسب حسابها
لِذلك إلتزم الصمت للحظات .. ثم وقف بعدها وهو يفسّخ بشته ويتركه على جنب .. ورجع يناظر لها وهو يبتسم يقول : خذِي راحتش !
ولكنها ما تحركت وعذرها لحيائها .. إتجه نحو العلبة البيضاء .. اللي سبّبت هوايل وفرقت شمايل .. وسحبها من على الدُرج وهو يجلس على الأرض .. رفع رأسه وأبتسم وقال : من حسن الحظ إنها هنا .. تعالي لي ..!
ناظرته بإرتباك وهو أبتسم يطمنها وأشر على المكان جنبه .. إنحنت وهي تجلس وتحاول تِرتب فستانها ومن تعدلت فتح العُلبة ونثر كل اللي فيها .. إحمّر وجهها وهو ضحك وقال : بتعرفين الحِين وش اللي غربلني شهُور .. وسلبنّي حتى مني !
ناظرته بتوتُر .. وهو حررها من نظراته وبدأ يناظر لُقصاصات الورق الصغيرة واللي عليها رسم كل أجزاءها .. وأبتدأ يرتبها على نفس النمط اللي رسمها عليه وهو مستمتع وهي تناظره بدهشة .. كان راِسم كل جزء منها على ورقة صغيرة .. والآن من جمّعها إكتملت الرسمة كاملة .. وكان هذا شكلها بالضِبط من لمحها بصباح ذاك اليوم .. إللي مامر مُرور العابِرين على قلب سعد ..


إلتفت لها بعد ما إكتملت وتنهد بهدوء ثم أبتسم بضيق وقال : كنت بعطِيش إياه بعدما أتقدم لش .. قبل ستة أشهر .. قبل تصيبين قلبي بنظرة .. لابالله مهيّب نظرة .. سهم ؟ لاوالله ماهوب سهم .. يمكن رصاصة ويمكن بحدتها
ناظرته بضحكة وهو رفع إصبعه بتهديد وقال : لا تضحكين يا منى .. بقيت بسببها شهور ما أرقد .. والأرق ملازمني طول ليلي .. وأنتي الحين تضحكين بسهولة....
بس سكت بعدها ثم تنحنح وأبتسم بخُفوت وهو يتأمل تفاصيل وجهها بتمعُن بِدهشة وكأنها مثل النور اللي بنهاية النفق ولاكان قادِر يبعد بصره عن المعجزة البشِرية اللي تقبع أمامه
-
-
{ الليّث }
بعد لِيلة كانت صاخِبة جداً بالنسبة له .. ومُتعبة حيل .. واِقف قِدام مجلس الرجال وهو يمسح على وجهه .. لايخفى على نفسه إن هالجو جوه .. وإن هالشخصية اللي قضى معها الليلة تعجبه .. ولكن إنهد حيله بما تعنيه الكلمة من معنى
تنحنح وأعتدل بوقفته .. وصار يمشي من المجلس لنص الحوش ذهاب وإياب بدون هدف أو وجهة .. وملاحظ تماماً العيون اللي تراقبه بدِقة ..
أبتعد عن المجلس ومشى عنه وهو يبتعد عن أنظارها .. ومن أبتعد مشت وراه وهي تراقبه ولكنها شهقت وهي تشوفه يوقف قدامها وعلى مُحياه إبتسامة : ليه دايماً تراعيلي (تناظريني) بالخفاء .. هلون (لهالدرجة) أنا أخوف ؟
رجعت خطوة لورى وهي تحس بإحراج شديد .. ووقفت وهي تناظره ولكن ماقدرت .. نزلت عيونها للأرض وهي تفرك يدينها ببعض من التوتر .. للآن هي بدوامة
تنهد وقال : أخبرتس انتس بتتقبليني يوم من الايام .. بس تكفين يا أختي لا تطولين علي .. ترى مالي غيرتس.. ولا ابي اعيش بهالديرة وانتي تتصددين وتستحين مني
رفعت رأسها بخوف من فكرة إنه بيروح عن هالديرة وقالت بلا وعي : أنا متقبلتك وصرت أحبك لدرجة إني أشوف عناد فيك .. ولكني مستحِية .. ماتعودت عليك وعلى وجودي معك
أبتسم براحة .. وقال : دام إنتس تقبلتيني فهذا مناي .. لأن لتس أيام توقفين بأبعد نقطة عني .. وتبقين تهاقيني(تناظريني) بدون ما تقتربين مني .. وكأنه موجود بجنبي لوحة مكتوب فيها "خطر لا تقترب "
ضحكت من تشبيهه .. وتمنت لو فعلاً إقتربت منه قبل هاليوم .. ولكن ماقدرت .. كانت ملاحظة إبتسامته بين لحظةولحظة .. وضحكته اللي ماتغيب عن وجهه وحفاوة أسلوبه .. ولطافة حكيه .. كانت مصدومة من شخصيته .. بعد التعذيب والتهمِيش كان ممكن يظهر شخص غير تماماً .. ولكن كيف ظهر شخص مثل الغيم .. شهقت وهي تحط يدينها على فمها وهو أرتبك من لمح نظراتها لوين موجهة .. نزل كمه وهو يغطي آثار الحرق ولكنها سحبت معصمه وهي تفتحه وتناظر فيه بصدمة حست بالدموع تجرح محاجرها وهي تبلع غصتها بذهول وتمرر يدينها حول الحرق وهي تِحس إن قلبها مشتعل من الوجع .. رفعت عيونه وناظرت له ودموعها تِسابق بعض على خدها وهي تقول : من اللي سخى فيك ؟(من اللي قدر عليك)
تضايق ورفع كفوفه وهو يمسح دموعها وبعد يدينه عنها وهو ينزل كمه ثم أبتسم : هذا ماضيّ يا الجادل .. وعدىّ .. لا نفتح هالسيرة أبد لأن هالدموع شيبت بيّ .. ماودي أعجز بدري يا أختي
بلعت ريقها وهي ترمش بضيق وقالت : من نقِيض هالرُكام .. وتجرع العذاب .. وشلون ظهر شخص سمح محيّا وسمح قلب مثلك ؟
تنهد ثم أبتسم وقال : أنا تغيرت يا الجادل .. أنا كنت غير عن هالشخص اللي تشوفينه.. أنا كنت منطوي ومنعزل وضحكتي تظهر بالسنة مرة .. أنا كنت سوداوي ومظلم وحيل حزين .. أنا ماصرت الليّث هذا الا من أستقرت ببالي فكرة إن لي أهل .. من إستقر ببالي عشَم إني بشوفتس وبتعرف عليتس .. من توسطت بيت عايض وعشت بذكرياته ما غابت الضحكة عن ثغري .. فكرة إنتس موجودة طلعت ضحكتي وغيرتني .. شلون لو انتس صرتي موجودة فعلاً
أبتسمت ببهجة وهي تشد على يدينها .. وهو بادلها الإبتسامة وقال : بس اني ألمح عدم الرضا بوجهتس .. و نظرات الوجع بعيونتس قدام بيت جدي ما نسيتها .. أنتي مو مرتاحة هنا ؟
سكتت بضيق من السالفة .. وعدم الرضا كان نابع عن علاقتها مع عبدالعزيز اللي وترتها بدون داعي .. وأوجعته بدون قصد منها وهي اللي كانت تبي سعادته !
قال وهو يناظرها بهدوء : أنا ذخرتس وأنا سندتس.. شدي ظهرتس بي وإحتزمي بي.. أنا لو إني غبت فترة طويلة بس جيتك وكلي أمان لتس وكلي حفاوة
حست بشعور غريب بقلبها شعور اللي لك"عزوة" لك"اخ" ترمين ثقلك على قلبه بدون ما تحسين بالضيق ابد
ولكنه اردف وقال : بس اني يا الجادل لمحتك بعيونه


عقدت حواجبها بإستغراب وهو أبتسم وقال : لمحتك بعيون الشيخ عبدالعزيز .. من أول موقف لكم مع بعض.. لمحتك بكلامه بإبتسامته بضحكته وبضيقه .. عرفت إنه شخص ما بيحبك أحد كثروه ولو جربنا ..اثبت إنه بيداريك وبيسعدك بشتى الطرق .. ولو عدم رضاك نابع عن حياتك معه فعلمِيني .. ترى ولو إني أصغر منك ..بس اني عشت أكثر منك
ناظرته وهي تِحس بالدموع بعيونها .. شعور غريب .. يعرف حتى عن وجودها بعيون عزيزها .. متى تعمق فيها هالكثر ؟
الليّث من لمح دموعها مرة ثانية ضحك بضيق وكل اللي سواه رفع ذراعِينه وفتحها على وُسعها وهو يتمنى فعلاً تتقبل حركته .. ناظرته بإرتباك ولكنها إقتربت بتردد وهي توقف قدامه على طول ضحك أكثر وبفرحة وهو يلف يدينه حولها ويعانقها بحنيّة وهي أبتسمت ودموعها تخترق عيونها .. وهي تحس بأن قلبها بيتجزء من قوة سطوة مشاعرها اللطيفة اللي تمكنت منها
-
-
دخَل سند غرفته بعدما وصلو سعد لبيته ودخلوه وهم يضحكون على هباله اللي أستمر لين عتبات البيت .. ناظر لحياة اللي واقفة قدام الشبّاك .. ومكتفه يدينها ومحررة شعرها اللي يداعبه الهواء
أقترب منها وهو مبتسم ووقف جنبها وهو يشد على كتوفها .. ألتفت بسرعة وهي تناظر للي حضر .. ولكنه رجع خطوة لورى بصدمة ورمش بذُهول وهو يشوف الدموع تملأ عيونها .. يمكن حصلت كارثة .. أو أحد كسر قلبها .. أو قامت الدنيا عليها .. والا وش اللي بينزل دموع شخص كاسر مثلها مو كسِير ؟ .. صدت بضيق وهي تمسحها وهو أقترب مرة ثانية بسرعة وهو يوقف قدامها ويناظرها بحنيّة وقال بهدوء : عسى ما غزت الشوكة يدك ؟ ولا إنقطع فستانك ؟ولاضاعت إسوارتك
ماقدرت ما تضحك وصدت وهي تبتسم بضيق .. هو يدري إنها تكتم دائماً بالكبائر .. بينما بالأمور البسيطة تنفلت دموعها بقوة
ولكنها أبتعدت عنه وجلست وهي تناظره والدموع بعيونها : ما أدري وش اللي حصل معي .. ما أدري وش اللي نزل دموعي بهالكثرة .. يمكن لأجل منى ؟
ناظرها بإستغراب وأنحنى وهو يجلس نص ركبة قدامها : زوجة سعد ؟ وش صار معها
هزت رأسها بإيجاب وهي تحس بالدموع تعاود بالظهور بعيونها بمجرد التفكير بحياة منى وهي ترجع لدوامة التفكير بدون ماترد عليه " منى شخص غيري تماماً .. أنا حياة وأوجعتني الحياة وصقلتني لدرجة وضح على شخصيتي .. قوّتني وخلتني قوية ولا ألتفت .. ولكنها غير هي رقيقة حيل .. هي تعبت ضعف معاناتي .. هي رغم وجع الدنيا لها كانت دائماً مبتهجة وتبيّن الضحكة على وجهها .. هي تبكي الين تنهار ولكن الصبح تنسى الوجع وتبدأ ببهجة جديدة .. هي رغم إن الحياة غربلتها كانت تعدي وتضحك ورغم إنها فتات من كثر الكسر كانت ولازالت تبتسم"
سند ماكان فاهم سكوتها ولا عيونها اللي مليانه دموع مع ذلك أحترم صمتها وبقى يناظرها
نزلت دموعها وهي تغطي وجهها بيدينها وهي تبّحر بفكرها وتتذكر معاناتها " مُنى شخص موجوع حيل .. شخص ورغم إنه بوسط أهله وبين عائلته كان بغربة .. شخص عانى حد الوجع وتشرّب المُر أضعاف .. كانت بوسط أهلها ولكنها مُهمشة .. ومن وفاة أمها تهمشت أكثر لدرجة إنها ماكانت لاقيّه أكل تأكل منه .. لدرجة إنها بوسط نعمة وخير ولكنها مو قادرة توصل له .. غربلوها أهلها .. أوجعوها وهم يسلبون منها ورث أمها ويحرمونها منه بحجة إنها صغيرة وهم بيشرفون عليه .. ومن كبرت وظنت إنها ودعت الفقر اللي عاشت فيه فترة طويلة ببيت أمها المهترىءأطرافه خابت هقاويّها بعدما تبرأ منها اللي سلب منها الورث .. واللي حلف زور إنه ما أخذ منه شيء .. ماكان عندها أحد يخاف عليها ماكان عندها أحد يحميها من وحشيتهم .. كانت بين ذئاب بشرية .. ماكانت بين أهل وقرابة !
رجعت بيتها مكسورة منهارة .. رجعت تجر خيباتها .. كيف كانت قادرة تعيش بين أربعة جدران لأسابيع طويلة .. لوحدها بدون ما تعاني من الخوف .. بدون ما تنهار من الوحشة ! ظنّهم ربي بيغفر لهم وجعها ؟
ومن بعد أسابيع من الوجع والجوع والضيم .. ولما قررت تطلع للعالم وأول بيت كان بيت جارتها واللي خلال الجلَسة صارحتها عن رغبتها بإكمال دراسة بنتها بنجّد .. ومنى تكلمت على طول لو تقدر تأخذها معها .. ما رفضت ولكن خبرتها إنها بتتكفل بتوصيلها بس .. بقية الأمور عليها .. ما أعترضت وعلى طول جهزت نفسها .. وهالمرة تجرأت وأخذت خاتم أمها الذهب اللي بقت تبكّيه سنين طويلة ولكن ماباقي لها إلا هو لأجل تعيش به .. باعته وأخذت فلوسه واستأجرت شقة تلم شعثها .. وبدأت تطبخ أكل وتبيعه بالشارع عشان تقوى عزايمها .. بعز الصيف وببرد الشتاء كانت تطبخ وتبيع ..


ومن فتحت الجامعة كانت مجهزة نفسّها .. وكونت عمرها بعمرها .. لا مدّت اليد ولا طلبت صدقة من أحد
سجلت نفسها بنفسها وبدأت حياة جديدة بنفسها .. أهلها ماكانو سألين عنها .. ولا أحد فكر يسأل عليها أو يدور عنها الكل كان لاهي عنها .. وهي ماضيعت نفسها .. ماقالت أنا مهمشة وماعندي أحد وبرضى أضيع دنياي بتفاهات وأفعال تجردني من إنسانيتي بنت نفسها بنفسها .. طورت من منى لدرجة إنها ما سمحت للدنيا تكسرها أكثر .. تعرفت عليها لما كنت أدور بحرم الجامعة .. وأنا أبكي بممراتها من المُر .. ماكانت تعرفني ولكنها طبطبت عليّ .. كانت أول شخص يداريني ويشوف ضعفي .. أستدرجت ضعفي لدرجة عرفت كل حكايتي .. وأستقبلتني بصدر رحب في شقتها .. وبدأنا نتعرف على بعض أكثر وأكثر وأنا مصدومة .. شخص كانت الدنيا تكسر مجاديفه بكل فرصة .. كيف بقى متماسك للدرجة هذي ؟ تعرفنا كان بسيط ولكن للآن أتذكر تفاصيله .. كيف إحتوتني رغم عدم معرفتها فيني .. كيف آمنت بيتها ونفسها معي وأنا غريبة بنظرها .. من ذاك اليوم صرنا خوات دنيا .. وصارت قلوبنا على بعض .. والحين شلُون ما أبكيّها ؟ وأنا أسمعها تقول " صار لِي أهل يا خواتِي .. أول مرة أحس بشعور دفء العائلة يحتويني " شلون ما أبكيها وهي تحس إنها مقطوعة من شجرة في ظل حياة كل أهلها بعد موت والدينها ؟ شلون ما أبكيّها وأنا ألمح سعادتها تملأ وجهها ولأول مرة .. شلون ما أبكي وإحنا اللي أوجعتنا الدنيا وغربلتنا وذوقتنا الضيم .. ووزعته بالتساوي على قلوبنا الليّنة .. صرنا الحين بين كنّف عائلة وقلوب تدارينا قبل نداريها ؟ شلون ما أبكى على عظم هالنعمة ؟ "
إعتلى الكرسي وهو يجلس جنبها .. وحضنها بحنيّة وبضعف وهي حست بالدفء وبكت أكثر .. ياكثر الأحزان اللي مرت عليها ولكن مازالت صامدة وما أشتكت أبد .. ماكانت تتكأ على أحد ولا تستند على أي شخص .. تضحك والدنيا تِساهيل عندها ولكنها من بكت .. بكّت قلب سند معها
ماكان يدري وش همها .. وش سبب ذرفها لدموعها .. ولكنه موقن لو كانت تبي تحكي كان حكت بدون ما يطلب منها وبما إنها لجئت للصمت فهم رغبتها .. ولا كان عليه إلا يحسسها بوجوده ويطمنها إنه معها .. ويفهمها إنه فعلاً "سـند " مو بس إسم أبتسم وهو يشد على كتفها : أنا سندك .. وسانّدك بعون الله بأحزانك قبل أفراحك .. أخبر إن شخص مثلك عظيم وقوي ولكني يا حياتي .. جيتك حميّا .. حمليّ كتوفي همومك وأتركي كتفك خالي من الوجع
غمضت عيونها بطمأنينة من كلامه وأبتسمت من بين دموعها وهي موقنة إنها حتى بعز حاجتها للوحدة تتمنى وجوده .. لأنها ماتحسه إلا قطعة منها يوُجب حضوره بكل وقت نفَث نفس عميق وهو ياخذها لصدره من جديد وبقى يمسح على شعرها لحتى هدأت

-
-
وعدّت أيام العيد بكل أُنس .. وبكل محبة .. عدت وهي تحمل بداخلها كل اللطف .. كيف لا وهي أيام عيد ؟؟
صحى عبد العزيز وألتفت بإستغراب وهو يشوف مكانها فاضِي .. مع ذلك ماعلق .. لأنها من جاء الليّث صارت تبقى معه الصبّاح وتنشغل فيه وتداريه .. وهو مبسوط لها .. كونها طايرة من فرحتها بوجود أخوها .. وقف من مكانه .. ولبس ثوبه وهو يقفل كم ثوبه .. ألتفت يبي يأخذ العقال والشماغ اللي معلقين بالجدار ولكنه عقد حواجبه بإستنكار وهو يشوف عقال صغير وشماغ صغير معلقين جنب أغراضه .. أخذهم بين يدينه وهو مستغرب وجودها !
ولكنه سرعان ما تجاهل الوضع ورجعه مكانه بإستنكار وهو يكمل تجهيز نفسه ويطلع من الغرفة
-
-

{ الليّث ، الجادل عناد }

أبتسم وهو يلاحظ ضيقها وقال : نعنبو خبر يضيق صدرك يا بنت عناد .. ترى بيتي جنب بيتك وما يبي لها دقائق بس .. أنتي لو بس تصرخين من غرفتك بسمعك وأجيك ركض
كانت متضايقة كونه بيفترق عنها مسافات طويلة .. وكونها تعودت على وجوده بالبيت معها.. ولكنها موقنة إنه مو مرتاح ببيت غير بيته .. وهالشيء اللي يشفع له عشان يتركها .. لذلك رفعت كفينها وهي تمسح على لحيته بحنيّة وهو ضحك بقشعريرة : لا تعامليني كأني وغد(طفل) .. ترى صار لي بيت خاص فيني بعد
ناظرته بإبتسامة .. وهي تحسّ إنه من زود ماصارت تِغليه تظنه ولدها .. وقالت بنبرة تشديد : كل يوم تمر لي .. كل صباح بشوفك مزروع قدامي
ضحك وأشر على خشمه وقال : على خشمي .. والحين ودي أنهج(أخرج) لأن سعد ينتظرني نستفتح البيت معه
ناظرته بضحكة وهي تحلف إنه مستحيل سعد يخرج له .. وهو من تزوج ما تحرك خطوة وحدة برى البيت .. وهي وحياة شارهّين عليه لأنهم مو قادرين يزورون منى .. هزت رأسها بطيب وألتفت وهي تشوف عبد العزيز يوقف جنبهم ويقول : خارج يا بن عناد ؟


أبتسم وهز رأسه بإيه وهو تقدم بخطوات للباب وهو يقول : أجل يالله تعال معي
كانت تناظره بإرتباك وهي تتفحص ملامحه .. معقولة ما أنتبه ؟ والا لأنه للحين بقلبه عتب عليها ؟ تأففت بضيق وهي تمسح على وجهها : وش سويتي بحياتك يالجادل .. معقولة من قوة ضيقتك نويتي تهجرين وطنك ؟
-
-
{ سعد }

كان جالس بالحوش .. وبجنبه الراديو وحوله أشرطة كثير .. نفس العلبة اللي أختارت منها منى بأول أيام هنا .. كل شوي يشغل شريط غير.. ومستمتع وهو ينتظر الفطور .. ألتفت وهو يحس بالعصا تندق بظهره وكتم صرخته وهو يأشر لأمه بصدمة : يمه .. إتقي الله في ولدش يابنت الحلال .. حرمتي بتشوفش وبتشره علينا .. بتظنني غرير(طفل) نفداش (تكفين) يايمة إعتقيني من هالعصا
ناظرته بطرف عينها وقالت : قم برى .. الناس صارو يشرهون عليك إسبوعين ما تزحزحت من البيت .. قم إذلف تنفس شم هواء .. إفتح معرضك اللي ضحكت على الناس به يوم ثم هجيت منه
هز رأسه بالنفي وهو مبتسم ويناظر لمنى اللي جاية بإتجاههم وقال : شهور وأنا أحترق من بعيد .. والحين من قريت بدؤ يشرهون ؟ والمعرض بينتظر لاحقين على الدنيا .. وش عليّ من الناس .. ووش على الناس مني
لاحظ صمتها وألتفت على عجلة وهو يمسك العصا قبل تكسرها في ظهره وضحك بوهقة وقال : نفدا وجهش يمه .. خلاص آسف والله اني بفطر وأتوكل على الله لا تفضحيـ..
سكت وعض على شفايفه وهو يسمع ضحكة منى .. وظنها تضحك عليه ولكنها كانت تستمتع للراديو .. ألتفت وناظرت لأم سعد وقال: تذكرين الموال اللي شغلتيه لنا بأول أيامنا ؟
ضحكت أم سعد وهزت رأسها بإيجاب وسعد ماكان فاهم .. بس كان فاهي بضحكاتهم
-
-

{ نسِيم أم ورد }

كانت شادة على ورد بيدينها .. بعدما دخل عبد العزيز وأستعجلها بالخروج مع بنتها .. ألتفت وهي تحاول تلبس عبايتها بس ورد تبكي بين يدينها
أبتسم عبد العزيز وأنحنى وأخذها من يدين نسيم وهو يهزها بين يدينه بلطف .. ومن كملت لبس ناظرتهم وأبتسمت بحب وهي تتأمل حنيّته .. أيقنت تماماً إنه بيكون أب يتباهى به ولده قالت بربكة : ليه العجلة ذي مانيَب فاهمة !
أبتسم وهو يشوف ورد اللي أستكنت بحضنه ومشى وهو يقول : أنا مانيب مستعجل .. أبو ورد اللي محترق من العجلة ..
فزت من سمعت إسمه .. وهي كانت مقررة ترجع اليوم بيتهم .. ومشت وراه بعجلة وهو ضحك بخفة وهو يخرج من البيت .. ركب السيارة وهو يأشر لهادي يسوق بهم .. لأنه ما يبي يترك ورد اللي نامت بحضنه .. إنطلقو ونسيم كانت مشغولة بورد وعبدالعزيز ومو منتبه للطريق .. ومن وقفت السيارة .. أشر لها تنزل وهي ما أعترضت .. نزلت ومن أستوعبت وين هي واقفة شهقت وهي تحس بالدموع تحرق عيونها .. وقبل ما تنزل عبراتها ألتفت على صوت جسّار : خبرنا الورد ما تِهل عبراته من الفرح يا أم ورد
أبتسمت ببكاء وهي تناظر لبيتها اللي رجع أحسن من قبل .. واللي ترمم بطريقة تشبهم حيل .. كانت تناظر للورد اللي يكسي البوابة واللي من كثافته صار منحني على أطرافها ..
إقترب جسّار وهو متشفق على ورد .. وأخذها من بين يد عبد العزيز وهو يقبَل جبهتها بعمق وبعدها تنهد بإبتسامة وهو يحس إن الدنيا تضحك له إذا لمحها وألتفت وهي تشوف عبدالعزيز يحط يدينه على كتفها : أخبر إننا طولنا وحنا نزيّن اللي خربته الدنيا .. أعذري تقصيري يا نسيم .. أخبر بعد إن اخُوتي مقصرة معك .. إمسحي تقصيري بوجهي
أبتسمت وهي تناظره وقالت : وجهٍ كريم يا عز بن راجح .. وتقصير من شخص مثلك ما خبرناه .. عساك ذخر .. أنااشهد إن الأخوان عز
أبتسم جسار وهو يوقف قدامهم ويقول : إي بالله .. محد محتاس ست أشهر بهالبيت غيره .. وكأن ماعنده شغل غيرنا .. الله يبيض وجهك
ضحك بإحراج وهو كان موصيّ العمال فيه .. ولاكان قادر يراقب شغلهم بسبب وقته القليل .. فآخر الشهور جسّار اللي يشرف عليه فقال : لا تشطر حقك يا أبو ورد .. عساه بيت عامر بحب .. وعامر بحس أم ورد
أبتسمت له وهو أستأذن وأتجه لليّث .. بعدما إنتهى من كل أشغاله .. وكان يبي ينبهم عن الخبر اللي وصله
بينما جسار فتح الباب وناظر لنسيم اللي دخلت وبعيونها الدموع وهي تناظر لبيتها اللي رجعت له الحياة بعدما نشرت النار ألسنتها عليه .. ناظرت لحديقتها اللي بدأت تستعيد رونقها وهدأت روحها وهي تحس بدفء يدينه جسّار اللي حضنها من كتفها وهو يبتسم : وأخيراً .. في بيّت كل أطرافه ورد .. وجنبي ورد وبحضني ورد .. شخص مثلي وش يتمنى أكثر من كذا ؟
ناظرت لأطراف البيت وهي تتذكر الليلة البشعةً اللي سحبّت منها الحياة .. ولكنها رجعت للواقع بسرعة قبل يضيق خاطرها
غمضت عيونها بطمأنينة وكل اللي كان بلسانها " الحمد لله "




توتر .. بهجة .. إرتباك .. ضربات قلبها كادت تتسابق من قوة سرعتها .. كانت تفرك يدينها بتوتر .. ومن شدة فركها لها تحسها تشتعل من حرارتها .. جسدها كان يشتعل وعيونها تفِيض من العبّرات والدمع ولكنها كاتمتها قد ما تقدر .. هي من عرفت وتأكدت وهي بعالم غير تماماً .. ولكن ماحضرها الشعور مثل ما حضرها الحين وهي تناظر
لعُيون المزن .. اللي أشتعلت من كُثر الدموع اللي تِجمعت بمحاجِرها .. ومن تنازِلت هالدمُوع وطاحت على خدّها الزاهِي . . حتى كانت يد الجادل سبّاقة بمسحها وهي تبتسم من بين دمُوعها : يمه والله لو ما أدري إنها من فرحك .. كان عتبت عليك
إقتربت المزن وهي تتقدم مِنها .. ومن وقفت قدامها حتى عانِقتها بكل الرحابة اللي ملئت جوفها باللحظة ذي نطقت بصوت مهزُوز من قوة البكاء اللي كاتِمته : ياا جعلني فدوة ليمه من لسانك .. ولحفيد أنتي تحملينه من صُلب عزيز .. ياابعد الأحباب والأقراب يالجادل
أبتسمت وهي تدِفن وجهها بحُضن المزن وهي تِحس بكمية الحنان .. والعُذوبة والدفء بين ذراعها .. وصوتها المُرتجف وضّح لها كل فرحتها من قبل لا تِنطق
ضحكت وهي تِسمع دقات قلب المزن العالِية وأيقنت إنها سوت الفعل الصحيح .. لما أختارت تكون هي أول شخص يعرف بحمّلها !
أبتعدت عنها وهي توسِط وجهها بين كُفوفها وتقول وهي تحاول تِلملم مشاعرها ونطّقت من بين إبتسامتها : كله في صوب .. وإني أول شخص درى بولد عزيز صوب ثانِي
يعلم الله الفرحة ماهيّب قليلة ! أنتي زدِتي عمري عمر . . أنتي رشِيتي على قلوبنا غيّث عُقب أيام من الجفاف والحزن ! ما كذّب عزيز
يوم قال إنش فرحة عقُب أيام يأكلها المر
ضحكت وغمضت عُيونها بخجل من كلامها وسمعت ضحكة المزن اللي قالت بعدها : عزيز يدرِي ؟
هزت رأسها بالنفِي وقالت بإبتسامة : يوم يرجع .. بعطيه البشرى ! إلا لا ودك أنتي ..
قاطعتها وهي تهز رأسها بالنفي : الخبر منك أنتي له طعم غير .. لادرى منك بتكون الفرحة أكبر .. يارب ألطف بقلبه من حلاوة هالخبر .. يستاهل بن راجح يسمع هالبشارة .. يستاهل يسكّت كل شخص تكلم بكم .. وقلب كيّانكم وأوجعكم .. ومابعد الضيق إلا الفرح يابنيتي نخبر إنه ظلام ثم نور .. وحياة بعد هُون وتعب.. قلت لك ما يهون حزنك وضيقك لا عليَ ولا على عزيز .. ولكن بعد هالخبر تستاهلي الدلال والدلع
تنهدت بإبتسامة ثم ضحكت بإحراج وهي تقبّل يدها بإحترام وإجلال للشخص اللي بتبقى ممتنة له طول سنِينها وللفرحة اللي تغُمرها لا توسطت حضنها الدافيّ واللي أغنااها عن كثير أشياء ! بقلبها غصة من أمها اللي وكأنها ما صدقت على الله تِتخلص منها واللي ما حاولت بأي طريقة تتواصل معها ! ولكن..
بعد مرور سنين طويلة دُونها ورغم إن حُبها ما بهت إلا إنها ماعاد شرهت عليّها ! والمهم عندها تكون بخير ولو إنها بعيدة بالجسد وبالشعور وهذا يكفيها ! وبقلبها غصة كونها كانت بتتخلى عن وطن بسبب ضغط .. والأهم كونها تحمل قطعة من هالوطن بين أحشائها
-
-
كانو واقفين قدام بيت الليّث .. اللي كان على مقربة من بيت سعد .. قال سند بآسى : الليّث جاءنا وهو عاقل .. وبتنتهي صلاحية عقله بساعات معدودة من يسكن على مقربة من الشايَب
سعد كان يناظر لسند بحدة واللي كان متخبي ورى ظهر عبد العزيز وهو يضحك بسخرية
ولكن الليّث ضحك وربت على كتفه : ماعليك يا سعد .. تراني حليفك
ألتفت له سعد بإمتنان وهو يحضنه بصدمة : يارب لك الحمد .. وأخيراً لقيت من ينصفني
ومن بين كلامهم .. وضحكهم قال سند بعد ما سمع كلام عز بإستنكار : السبّاق بعد عشرين يوم ؟ وبعد ما تأجل لسبعة أشهر يحددونه بالسرعة ذي !!
عبد العزيز سكت وهو مستنكر الوضع ولكن سعود قال : الموضوع حارق أعصابي .. ولكن ننتظر ونشوف
أبتسم عبد العزيز وقال : سهالات يا رجال .. نروح نأخذ الكأس الأخير ونكون الودق لآخر مرة ثم نرجع بخيرنا .. ليه مصعبّينها
إلتزمو الصمت .. وسعود كان بقلبه غصة ما يعرف وش سببها لذلك ماحب يتكلم ويقلقهم .. بينما إنتهو من الكلام وأستأذن عبد العزيز بعدما تطمن على الليّث .. وناظر لكل زاوية ببيته .. وهو يضحك معه وموقن إن الجادل بتجي بنفسها تشرف عليه .. وبعدها توجه للبيت !
-
-
كانِت واقفة جنب جديلة .. وتِمسح على جدايلها بمُتعة وعلى مُحياها إبتسامة رضا هادية .. شُلون كانت قبل أيام كانت بتتلاشى من كثر الحزن .. والحين تحس إنها بين الغيم ! شدّت على بطنها وهي تبتسم بخفوت .. كان موجود ببطنها مِن فكرت بالفراق .. ولكنه ما أعلن وجوده لأجل تِستريح وتركد .. تعتقد إن بدايات الحمل أثرت عليها بشكل مُهلك ومُحزن .. إلتفت وهي تسمع صوت خطواته تقترب منها إلتفت وهي تشوفه يوقف وراها وملامحه هاديّة ..



أيقنت إن الجرح ماطاب .. وعادي طريّ .. وهي اللي تدري إن الوجع منها يكون أضعاف من يكون من غيرها ..
تنحنحت وهي تلتفت وتناظره بهدوء .. وهي تِرمش بنفس الحركة اللي تقدر تطيّح ثقل عبد العزيز بها .. أبتسم غصب عنه وتنهد بخفوت .. وهو حركة منها .. إبتسامة .. ضحكة كانت قادرة ترضيّه .. بينما هي ‏لو زعلت وصارت الأيِّـام رمضى وكل ما حوله شُمـوس والله إنه لا يتمشى ليْـن ترضى"
إقتربت وهي توقف جنبه وتقول : قسّيت ؟ وأدري إن قسايّ ما توقعته وأنا الهشّ الرقيق .. ميّر يالـودق .. يا شبيه الغيث في لحظة ظمأ نسيت إنك مني وأنا لغيرك ما أنتمي .. أخطيت.. ووالله بكل ما تعنيه الكلمة .. ولكِن ياعزيز .. أنا كنت موجوعة لين حسيت إن الوجع يفيض مني .. ومن لمحت الوجع أنتقل لك دريت إن ماني خير لك ....
قاطعها نظرة عبد العزيز اللي مليّانة ضيق وهو وده يصّرخ ويفهمها إنه في طريق المحبة هذا أهدّى قلب نبّضه وفاء .. وكل اللي يبيه مقابل هالشيء إستقرارها وراحتها ! كان وده يقول " ‏أنتي لو تغلط ألف مره أخذش لصدري واعاتبش .. أنا شخص ماعودت الحمامة على الهجران من بدري"
ولكنه ألتزم الصمت وهو يشوفها وهي تبتسم بمرح تبي تغير الجو .. وترجع خطوات لورى وهي توقف جنب جدِيلة وتتكي على ظهرها وهي تقول : بس من رجع لي عقلي .. دريت إني أم الخير
ضحك بخفوت من كلمتها وهي تنهدت براحة .. ثم أشرت بيدينها على رجولها وهو أستغرب وناظر للي تأشر عليه .. لِمح الخلخال اللي أهداها إياه .. ولكن اللي خلاه يضحك وجود خلخال يشبه له بحوافر جدِيلة .. أبتسم بإعجاب وأقترب وهو يقول : ما يكفِي هالكثرة عليّ ؟
هزت رأسها بالنفي وهي تبتسم بخجل .. ورفعت يدينها وهي تفتحها بببطء وظهر له الخلخال الصغير اللي متوسط باطن كفيّنها : وهذا بيشاركنا بالكثّرة .. صِرنا ثلاث .. تقدر عليّنا
عقد حواجبه وكانت ملامحه مرتخية وهي ضحكت وقالت : لمحت لك من تركت العقال جنب عقالك .. بس زي ما يقولون دائماً الأب يبي له بكره بنت .. عشان كذا تركنا هالتلميحة لخلخال لعـ....
سكتت وهي تبتسم وبعيونها تفجرت الدموع وهي تحسه يغطيها بجسده بعدما إحتضنها بشّدة وهو يضحك بصدمة .. بعدما إستوعب الوضع ماكان قادر يعبّر عن فرحته إلا عن طريق عناقها .. ماكانت الفرحة لأجل بيكون له ولد .. كثر ماكانت إنها بترتاح وتهدأ نفسها .. وتستريح روحها من كثر التعب .. كان حيل مبسوط ولكن يبان عليه الجمود أبتعد عنها وهو يبتسم من فرحته : مبارك يا بنت عناد .. مبارك يا حمامة .. والله ياحظ من صرتي له أم
ضحكت وهي منحرجة .. ومستحية حيّل من كلامه وفعله .. وهي اللي كانت بتوجعه لأجل هالشيء
وهو قال بصوت جهوري : آل جبّار .. وينكم يا هلّي !
ألتفت بفجعة ورتبت شيلتها وهي تشوف راجح .. وبجنبه المزن وحكمة .. وجميع من بالعائلة اللي من سمعو صراخه إلتمو .. وقبل يسألون صرخ عبد العزيز : بن عز بيَشرف .. ماودكم ترحبون به !
لحظات قليلة كانت كفيلة بأنها تخيلهم يستوعبون .. واللي من بعدها تعالت الزغاريد والضحكات .. وبدأت التباريك والبهجة .. واللي بعدها وقف راجح وهو عاقد حواجبه لما شاف سعود يركض وهو خايف وبيدينه مسدسه وقف وهو يتنفس بصعوبة .. وخوفه ذا كان ناتج عن أحاسيسه اللي تضايقه من فترة قال بخوف وهو يناظر فيهم : من اللي هجم علينا .. وش صاير ياعز
ضحكو كلهم وهو رمش بعدم إستيعاب بشرى ضربت جبهتها بسخرية وقالت : والله عليك العوض يا سحابة من هالرجل
ناظرها بطرف عينه ورجع يناظر لعبدالعزيز اللي حاضن كتف المزن ويضحك عليه : علمني وش صاير ياعز .. هالصوت ما ينبأ إلا بوجود شيء كايد
هز رأسه بضحكة وقال : إي بالله كايد يا سعود .. بن عز جاايي ويبلغك السلام
سكت للحظات لما ما فهم الجملة اللي رماها عبدالعزيز عليه .. ولكن سرعان ما ضحك بصدمة وقال : ياحليلك .. بتصير أب ؟
إلتفتو كلهم لبشرى اللي كانت تضحك بقوة وتأشر بيدينها بالهواء : لا بيصير طائر النورس حلق حلق .. والله إنك أستخفيت ياسعود صدق
قرب وهو يعصر رقبتها بيدينه وهي تضحك وتكح بصدمة وهو مغبون من إحراجها له ومن صوت ضحكهم عليه .. ولكن سرعان ما أبتعد وهو يقرب ويسلم على عبد العزيز .. ورجع يوقف جنب راجح وهو يقول : تخبّر وعدي يا يبه .. يومني أقول والله أول طلقة في الهواء ليّا سمعنا بخبر الخليفة من مسدسي !
ضحك راجح وعبد العزيز أبتسم .. وسعود رفع مسدسه وبدأ يطلق بإحترافية في الهواء وهو مبسوط .. ولا بقى الوضع كذا .. شاركه أبوه .. راجح بن جبّار .. اللي كانت فرحته تساوي الأرض بكبرها .. وهو اللي كان يتمنى يشوف ولد عبدالعزيز بالذات قبل موته .. كانت أمانيه كثير .. الكثير منها تحققت والخليفة جاي .. ولا بقت سوى وحدة .. إنه طالها كان مستعد يموت بنفس اللحظة




سحب مسدسه وبدأ يرمي الرصاص في الجو .. وهذا كان تعبيرهم عن فرحهم .. وسط ضحكة وإبتسامة عبد العزيز اللي كان متشقق بسبب تفاعلهم الكبير .. ووسط فرحة الكل في هالخبر
واللي أخذ أيام بسيطة وبدأ ينتشر بشكل كبير على الديرة .. واللي لقمو كل شماتتهم على بنت عناد .. وكل سخريتهم كانت في جيوبهم .. واللي صارو ينتظرونه دوران الزمن عليهم لأجل يرجع لهم الشعور بنفس الصورة اللي عطوها فيها
-
-
في بِيت أخو نعمة .. واللي كانت خارجة من المطبخ وبيدينها دلة القهوة والفناجين .. وقفت وهي تغمض عيونها تحاول تكبح غضبها لما سمعت صوت زوجة أخوها : أشوف إنش بديتي تحسبين البيت بيتش .. وضيوفش رايحين جايين ! لا تأخذي راحتش بزيادة يا نعمة .. تراش ضيفة حالش من حال اللي بالمجلس . . لا تأخذش الغرة وتفرشين ريشش في بيت مهب بيتش
نعمة كانت طول الفترة السابقة تتعرض للمضايقات .. ولسب من مرة أخوها .. اللي كلما لقت فرصة رمت عليها كلمة والا شتمتها والا ضحكت عليها وتشمِتت ..
ولكنها تلتزم الصمت بضيق ..ولكن أحيان ثانية تطلع عن طورها وهالمرة قالت : ماشاء الله عليش .. يومنش كنتي تتمسكنين عندي عشان زواج بنتش من الشيخ كنتي مثل الثعلبة حولي .. وذلحين يوم ...
بُترت جملتها لما قالت : إيوة .. يوم كنا نظن فيش خير .. بس أنتي مانفعتي نفسش وصرتي مطلقة على رؤوسنا عشان تنفعينا .. ومهب بس كذا .. المرأة اللي ما بقيتي فيها عيب .. سيرة حملها لخليفة الشيخ واصل لين آخر ديرة .. أنتي وش نفعتينا فيه عشان نقدرش ؟
ناظرتها بصدمة بعد ما تجمدت خلاياها من رمت عليها جملة حمل الجادل .. واللي بردت أطرافها بسببها .. وهي اللي كانت تظن إنها فعلاً عقيم وبتبقى تتشمت فيهم عمر .. بس اللي تشوفه غير ؟ محد تغربل غيرها .. ماكانت قادرة تنطق بكلمة ولا كانت قادرة ترد بحرف واحد
ناظرت لها وهي تقول : والحين خلي ضيوفش يقطعون جيتهم لبيت ما تملكينه .. إستحي على وجهش يا نعمة لو بيبقى بش حياء
تركتها ومشت ونعمة قبضة على الدلة بكل قوة وهي تحس بنار تحرق صدرها
دخلت المجلس وهي تشوف ناصف جالس على يمينها وتاكِي بكل روقان
جلست جنبه وهي تصب القهوة بعصبية وهو أنتبه وقال : عسى ماشر يا نعمة
ضحكت بسخرية وهي تقول : باقي فيها خير يعني ؟ أنتهت حياتي وصرت مهزلة لمرة أخوك .. والباقين كلهم مرتاحين محد ضاق غيري
أخذ منها الفنجال وقال : سهالات يا نعمة .. ما تضيق وعندش ناصف
تنهدت بضيق وسكتت وهو قال : متى عودتش إنش تضيقين بسبب ناس ولا أنتقم لش منهم ؟ ماودش تريحين رأسش وتركدين وتخليهم على ناصف
قالت بضيق : مير إن لك سنين تحاول .. وماصار شيء غير ضياع ذراعك وباقي سنينك
سكتت للحظات وبعدها أبتسم وقال : هالمرة كل شيء بصفي .. خلي كل شيء علي .. كل اللي نوى بش ضيم بيذوق ضعفه .. أنتي إزهليها (خليها علي) وأنا بخليش تضحكين بكل شماتة على كل من ضحك عليش .. أيام الراحة بتودعهم .. لا تخافين
أنبسطت من كلامه .. وعدلت جلستها وهي تضحك : ذلحين يضبط الكيف صح
وهو أبتسم لها بخبث وأخذ الفنجال بيده اليسار وهو يفكر بهدوء
-
-
مساعد اللي كان واقف بالحوش .. وقدامه سند الصغير وهو ينط ويلعب "حجلة " وسط ضحكة شروق اللي جالسة على جنب مع أمل وتتقهوى وهي تتأمل سند الصغير وضحكته اللي تملأ ثغره لما بدأ مساعد يلعب ويتفاعل معه .. وسط دهشة أمل من تغير أبوها الكبير .. ماكانت تظن بيوم من الأيام إنها بتلقى أبوها بالشكل هذا .. خصوصاً إنه شخص شديد وضيق أفق ونكدي .. ومع سند الصغير تغير مية وثمانين درجة .. وكأنه رجع للطفولة معه ! وهذا كان من حظ سند الصغير اللي تعوض عوض كبير بزواج أمه من مساعد اللي كان يشيله على كفوف الراحة
شروق كانت مرتاحة .. صحيح ما تحب مساعد بس ما تكرهه بنفس الوقت .. وبنظرها هي مو محتاجة الحب عشان تعيش معه .. هي محتاجة الراحة وبس
-
بينما هالراحة غايبة عن بال أمل تماماً .. واللي من عرفت بخبر وجود أخ للجادل جن جنونها .. حتى إنها ترجت أبوها يروح يتأكد بنفسه .. وفعلاً أخذ نفسه مساعد وتوجه لمجلس شيخ الخسوف واللي من دخله ولاحظ الشخص اللي على يمين الشيخ عز .. حتى تأكد من الموضوع من لمح وجهه اللي يشابه وجه الجادل بالشكل الكبير .. ثارت قريحته .. وتجمدت أعصابه ووده يذبحه .. كونه يحس بأن الراعي الخسيس بنظره ماكفاه إنه أخذ بنت شيخ .. لا وتزوج غيرها !
ولكن وجود عبدالعزيز .. كان كاتم على أنفاسه ومخليه يلتزم الصمت غصب عنه
ومن عرفت حتى تهاوى عليها سقف دنياها .. ورغم عدم كرهها لعناد إلا إنها بعد أكثر من أربعة وعشرين سنة بدأت تكرهه وتحقد عليه حتى وهو بقبره .. ماكانت تدري ليه كانت تنفر من الجادل .. ولاكانت تدري ليه تحس ببرود تجاهها ..



ولكنها تأكدت إن الجادل كانت ضحية زواج الإجبار من أبوها .. وهي اللي تحملت كل العواقب
تنهدت بضيق وألتفت عليها شروق بإستغراب وقالت : وش صاير يا أمل
ناظرتها أمل بحسرة : الجادل حامل
شروق هزت رأسها وقالت بلا مبالاة وهي مو مهتمة أبداً بالخبر : زين كتمت كلام الناس عنها .. لأنها لو بقت شهرين زيادة بس .. كانت تمنت الموت بسببهم .. كأنش عرفتي مع الناس ؟
تجمدت من كلمتها أمل وماردت على سؤالها و تضايقت زيادة من كلام شروق .. والأهم سبب ضيقها إنها عرفت عن حمل بنتها من شيخ الخسوف مع عامة الناس .. رغم سواياها كلها .. كانت تظن إن الجادل بتبقى تميّزها ! ولكن هيهات .. كانت دائماً تكسر جناح الحمامة .. ورغم ذلك الجادل تكابد عشان تسعدها .. ولأنها كانت مستأمنة إن بنتها مستحيل تتخلى عنها كانت تزيد في جرحها
بينما الآن لما أعلنت الجادل تخليّها الكامل عن هالمشاعر اللي أتعبتها .. وتركتها مجروحة بكل مرة .. تضايقت أمل
وضيقها نابع من شماتته أحد فيها .. إن بنتها تخلت عنها ! مو بسبب أمومتها
وهذا كان إمتحان أمل بحياتها ..!
-
-
بعد ما مرت العشّرين يوم في هُدوء .. والأهم في بهجة وسعادة .. وكيف تغيرت حياة الجادل جذرياً وصارت كلها حيّاة وكلها طمأنينة والأهم بوجود عزيز والليّث جنبها .. واللي كان يحضر عندها كل صبح مثلما طلبت .. ماغاب عن أي أحد فرحة الليّث .. اللي من سمع الخبر قيّم الدنيا من فرحته .. وشال الجادل وهو يدور بها ويتبختر بها بكل مكان .. وهو يضحك بصدمة .. كانت نظرات الضيق بعيونها كفيلة بأنها تخليه يحس بكل الضيم اللي عاشته بسبب هالموضوع ..
واللي بسبب نظرات الوجع حس كأنه عاشه معها الوجع بحذافيره .. لدرجة من لمح نظرات الرضا بعيونها .. ونبرة الفرح بصوتها .. إنزاح كل الهم عنه .. وتبدل كل وجعه عليها لفرحة نشرها بكل مكان وطت عليه رجله .. وسط ضحكة الجادل وإبتسامة عبدالعزيز الراضية
-
-
واليوم .. اليوم الموعود .. يوم السَباق
واللي من قبل يومين تجهزو وشدو رحالهم لمنطقة السِباق .. والآن كانو متوجهين للمِمضمار
وبالسيارة اللي كان فيها سعُود يسوق بكل سرعته وعبد العزيز جنبه .. وسعد وسند والليّث ورى
سعد كان يصارخ ويقول : حسبي الله عليك يا سعود .. يارجل ورانا أهل .. والشيخ وراه ولد خفف سرعتك قبل نموت
سعود كان يضحك .. وبنفس الوقت فعلاً مستعجل بسبب البثّ ..
الليّث : دامك تبي تلحق للبث حقك ليه مارحت من دوننا وبدري ؟ قبل نموت بسببك
ألتفت سعود له وقال : أنت صرت سعد إثنين يابن عناد .. لازم نفرقكم
صرخ الليّث وبنفس الوقت سعد بفجعة من ألتفت عليهم : إنتبه للطريق
ضحك عبد العزيز من قلبه على تصرفاتهم اللي صارت نفس بعض بسبب جلستهم الكثيرة سوى
وألتفتو على سند اللي كان هادي ويناظرهم بهدوء واللي قال سعد : كم سفينة غرقت في بحرك يابن فيّاض ؟ وش صاير معك منت بعلى حالك
ناظره ورمش بهدوء وهو يتذكر موقفه مع حيَاة واللي ودعها وجاء وهي متضايقة منه .. ثم عدل جلسته وتنحنح وهو يقول بإبتسامة : أشتقت لمحارشتي صح ؟
ضحك وهز رأسه بإيجاب : اي بالله !
وقبل ما يتكلم قال سعود : ودامنا رايحيّن لسبّاق تتسيده جديلة وش رايكم أحكي لكم عن هُمام وعبد العزيز ؟
إستنكرو الإسم ولكن عبد العزيز شد على كم سعود وهو يقول : ياويلك لو تحكي كلمة وحدة بس
ضحك سعود وقال متجاهل تهديد عبد العزيز : كانت أول مرة أشوف دموع عبد العزيز فيها .. وآخر مرة !
عقدو حواجبهم بصدمة وعبدالعزيز ناظره بحدة وقال : سعود إنطم أبرك لك
قال سعود بضحكة : ماشفت مثل تقديرك لمحبينك يا عز .. خل يدرون عن حبيبك الأوليّ قبل جديلة
سكتو كلهم وعبد العزيز أيقن إنه ما بيسكت لذلك ناظره بنص عين وصد وهو يتذكر هُمام بضيق
سعود قال : هذا الله يسلمكم .. هُمام خيّل كان لعز من صغره .. ولد معه بنفس الليلة ووهبّه أبوي إياه .. وكبر معه ومستأنس فيه .. وطول وقته معه ولا يرجع البيت إلا عشان يرقد .. وبيوم وليلة توفاه الله بدون سبب
أتذكر يومنه يجلس بشراع السيارة مع سند .. والدمع ينزل مثل المطر من عيونه .. وهو يناظر لهُمام اللي رابطينه بالسيارة ويسحبونه وهو ميّت .. بعمر الست سنين كان .. قعد شهرين كاملة مكتوم وضايق .. ولا زانت الدنيا بعيونه إلا من ولدت الفرسّ مهرة .. وهنا حلفت أمـه إنها لا تصير من نصيب عبدالعزيز .. ومن هنا بدأ التعلق بجدِيلة
الليّث كان مستمع جيد .. ومتهلف للقصة فقال : وليه سماها جدِيلة !
عبدالعزيز اللي كان مايبيهم يسمعون السالفة بسبب دموعه مع ذلك تفاعل معهم وقال : بسبب جدِايلها .. من صغرها أحب أجدّل شعرها .. ومن هنا إخترت إسمها


أبتسم سند وهو كان يعرف بالسالفة .. كيف لا ؟ وهو اللي كان يبكي مع عبدالعزيز ساعات طويلة وسعد كان يضحك بصدمة ووده يطقطق على بكاء عبد العزيز بس ما تجرأ !
وبعد دقائق معدودة وصلو للمضمار .. واللي كان مجهّز وعلى إستعداد تام للبدء السباق .. وقفت السيارة وهي تنزل جدِيلة من عليها وأستقبلها عبدالعزيز اللي شد على رسّنها وبدأ يدربها بكل هدوء قبل بداية السباق .. وسط صرخات الجمهور وحماسهم .. الإحماء كان تحت نظرات الكل .. وبوجود كاميرات البث واللي أنطلق سعود يجهز نفسه وبدأ البثّ وهو ينقل للقناة اللي جميع من بالخسوف منتظرينها .. أبتسم عبد العزيز من الحماس الكبير .. وبدأ قلبه يدق بقشعريرة لعب بجدايل جدِيلة وهو يضحك بمتعة :مبطي (مطول) عن الودق وجمهوره يا جديلة .. ما أشتقتي مثل ما أشتقت
صهلت جديلة وعبدالعزيز أبتسم بفرحة وهو يشوف حماس أخوياه .. والليّث اللي ألتفت لسعد وقال : ولكن سبعة شهور يأجلون السباق ليه ؟
رفع كتوفه بعدم معرفة والليّث أردف : وعبدالعزيز شيخ .. ليه ما أعترض ؟
سعد قال وهو يناظر بحماس لتحمية عبدالعزيز وجديلة : لأنه ماكان يبي يطول الجدال .. ولإنه كان مشغول .. ولأنه كان مهموم .. وهذا اللي صار
الليّث هز رأسه بطيب .. وهنا بدأت الأصوات تِعلى .. لما دخلو المتدربين لإسطبلات الإنتظار .. واللي طلع عبدالعزيز للحظات لأجل يأخذ خوذته ورجع لجدِيلة واللي مااكان باقي على إنطلاق السبّاق إلا دقائق معدودة .. خرجو من الإسطبلات لخط السبَاق ..
ثبّت عبدالعزيز السرج وهو يشده على ظهرها .. ولكن قبل ما يركب على ظهر جديلة .. أستغرب وجود ورقة بيضاء بسرجها سحبّها بإستنكار وفتحها .. ولكن سرعان ما تجمد مكانه .. وضاقت أنفاسه .. وبدأت دقات قلبه تزيد وهو يرجع يقرأ الورقة مرة ثانية " الليلة بيبّان كبر الغلا .. الليلة بنعرف من أقرب الأقربون لك ومن اللي بتشّد رحالك لأجله .. عدوك نصّب عينك .. وسهمه بيكون بقلب شخص غالي عليك .. وماهي إلا دقائق وبتسمع صرخة موته يتردد صداها بإذنك .. نصيحتي لك إن كنت تغليَه ؟ إلحق عليه لأنه بينازع الموت عشانك .. أيام العدو الوهمي ولّت .. بيننا رصاص وسهام الحين .. وأنت وفهمك "
إنتفض قلبه لما رفع عيونه وبدأ يناظر بالأماكن يدور عليهم .. ولكن خابّت هقااويه لما مالمح أي شخص منهم .. بردت أطرافه وهو يحس بأن قلبه تغلف بشتلات حطب وأحرقته لين ذاب .. إنتهى القلق وسحب السكينة .. وهالمرة بيبدأ الدمع والموت .. وسؤال وحيد بباله .. من الشخص اللي بينفقد الليلة !
هالرسالة لو وصلت قبل فترة طويلة بدون يكون قبلها القلق والزعزعة والتهديدات اللي قبل كان ممكن يظنها عابرة ومستحيل يلتفت لها .. ولكن بعد اللي عاشه كان يحتاج نقطة بس عشان يفيض الكأس ويعيش الرعب بأدق تفاصيله .. ولأنهم عرفو كيف يخلون جبل ينهار " بالتقطير" عرفو إنه بيصدق هالرسالة وبيعرف إنها جدية فعلاً

سعود ، سعد ، سند ، الليّث والا جديلة ؟ أو يمكن عز ! التهديدات الوهمية ، الضغط النفسي اللي عاشه بالأيام المُرة ولّى .. إستهداف جدِيلة ، مراقبتهم لديرته .. حضُورهم بالأوقات اللي ماقدر على حرقُهم فيها .. تربُصهم به .. هالأشياء كُلها رموها والحين جايين يواجهونه على مرأ العِين ! الآن حضرو للمِيدان .. بوسط المضمار .. ذابِت كل عظامه وهو يحس إنه بيودّع الليلة أحد .. وإن هاليوم فعلاً يوم وداع .. ماكان قادر يطُول الوضع ويقسم نفسه لأخماس لأجل يحرص على سلامتهم .. وهذا مقصّد المُتربص به .. كان ناوي بعد زعزعة أمنه .. وبعد هز ثبات حياته .. يطعنه بأحد الأماكن اللي عبد العزيز غافل عنها !
غمض عيونه وهو يحس بعظام يدينه ترتجف .. ورجُوله ماعادت قادرة على حمله .. كان ولازال نقطة ضعفه أقرب الناس له .. وهالشخص كان يدري ويعرف أتم المعرفة وش يستهدف بالضبط !
والآن اللحظة المصيرية .. إما يرجع لعقله وللصواب اللي معروف فيه ويتحرك من هالنقطة .. أو يبقى يصارع خوفه ويودع الشخص دون حركة منه !
رفع رأسه وألقى نظرة ثانية على المُدرجات ولكن هيهات .. كيف بيلمح أخويّاه من بين هالجمهُور كله ! كان صوت التشجيع يتردد بشكل مُهلك برأسه ..

من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن