36

22.8K 200 85
                                    



إلتفت سحابة لسعود اللي تنحنح وقال بإبتسامة وهو يشبك يدينه ببعض ويضغط عليها : شُفتيني سنين طويلة بإذاعات الأخبار على بعد مسافات طويلة بيني وبينك .. ولكن هالمرة المسافة إنطوت ولكن النشرة والمذيع موجودين
كانت عُيونها على يدينه اللي متشبّكة ببعض .. واللي تدري وتعرف أتم المعرفة إنه يشبّكها لامنه متوتر ومرتبك .. مع ذلك ما تكلمت
سعود قال وهو يأشر على الأزار : هالنشرة بعد لك حريّة التحكم فيها .. إن ما أعجبك حكييّ غيري القناة طيب !
ما تكلمت وهو أصلاً ماكان منتظرها تتكلم قبل يقول اللي بخاطره ..
رجع يعدل جلسته ويرجع شماغه على ورى وتنحنح وهو يقول : نشرة اليوم الأخير من يوم رمضان .. وتحديداً ليلة عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا باليمن والبركات .. وقبل أن نبدأ بتفاصيِل هذه النشره نحب ننوه إني شخص بادي حنينه على وجهه ولو خبأه.. و قيسي على ذلك بقيّة المشاعر..أي شعور يضرب قلبي تلقائيًا يسطع على وجهي
سكت للحظات وناظرها بإرتباك وقال : وأنا لأني أدري إن كل شعور يضرب بقلبي يتفجر مكنونه بوجهي .. كنت أخبّر إنك بتقرين هالمشاعر دُون ما أحتاج أقولها .. لأنك تعرفيني .. اللي بادي على وجهي ما يكون على لساني !
كانت تناظره بهُدوء .. ولا أبّدت أي ردة فعل من لما بدأ يتكلم .. وهيّ تدري عن كل اللي يقُوله .. هو فعلاً شخص ما يحكي ودُوم يكابر .. ولكِن كل الكلام اللي ما ينطق به يوضح على وجهه .. ولكن هذا ما يخارجها ! تبِي تسمع الإعتذار منه .. تبي ينطق تبي يقول كُل الكسور اللي سببها لها ! لِذلك ألتزمت الصمت
ضاقت الوسِيعة على سعُود .. وماهو قادر يتقدم لإنها ماساعدته بالتقدم .. مع ذلك هو حلف إن يوم العيد ما يكون فيه زعل .. أبد !
تنحنح وميّل شفايفه بهُدوء .. وهو يركز بعُيونه عليها .. وعلى غِير عادة .. وبدون مُقدمات حكى لها كُل اللي ماقدر يقُوله من قبل : تعرفيني شخص ما أعتذر بالكلام .. أنا كلامي فعل .. ميّر لو تبين تسمعينها والله ما أخليها بخاطرك .. أنا آسف لأنك شخص كثير على سعود .. ولأنك شخص عفِيف في حياة سعود اللي كلها مُحاطة بالزِيف والخيانات .. أنا آسف لأنك شخص طاهِر في بيئة عبارة عن مستنقع .. أنا آسف لأني ما تعودت على هالحفاوة .. على هالنقاوة والطهر .. أنا آسف لأني جاهل عن عشرين سنة بقيتي تصارعين فيها تقلباتي دُون علم مني .. أنا آسف للعشرين سنة من عمرك اللي كنتي فيها بعلاقة مع طِيفي وطيشي وغرابتي .. ولِكن يرضيك تمر العشرين سنة الجاية وأنا باقي ما عدلّت طيشي وصرت عاقل بقربك ؟
أنا موقن إنه أنتي اللي تحبيني من الصغر .. ولكن ليه أحس إني اللي يحبك من عشرين سنة ؟ أنـا ..
سكت بصدمة وهو يشوف لمعة الدمُوع بعيونها .. وعرف إنه بدال ما يكحلها أعماها .. كان بيوقف ويتقدم لها .. بس هي أشرت له يبقى وهي ترفع يدينها وتأشر بمعنى "غيَر القناة"
ناظرها بإستغراب للحظات ثم عرف إن هالمشاعر كثيرة عليها هاللحظة ولا تبِي تنهار قدامه .. أبتسم بضحكة وهز رأسه بإيجاب وهو يفكر وش اللي ممكن يغيّر عليها جوه .. تنحنح وعدل جلسّته وهو يحاول يجمع جراءته ولا ينفجر قدامها .. ولكنه مضطر يضحكها .. تلثم بالغترة ولا وضّح إلا عيونه ..
ورفع يدينه وهو يحركها بحركات غريبة وبدأ يغني بصوت غريب وهو منحرج : بابا فرحان بابا فرحان .. إرجع ليّنا زي زمان يحكي لنا حكاوي جميله ويناديها بكل مكان بابا فرحان"
غير صوته بصوت أغلظ وقال : أهلا أهلا بيكم كنت في غاية الشوق الاقيكم جيتوا معاي احلى حكاوي حلوه جميله وتنفع ليكم
لاحظ ضحكتها المكتومة ويدينها اللي على فمها تحاول تخبيها وأبتسم بضحكة وهو يفك الغترة لما نال الشيء اللي يبيه وهو ضحكتها : تعرفين حكايتي وش هيّ صح ؟ مو مثل حكاويّ بابا فرحان اللي تحبيّنه كثير .. واللي كنتي تبكين عند أمك لأجل تشوفينه معنا
ناظرته وهي تمسح دموعها بضحكة وهو أبتسم وقال : حكايتي أعمق بكثير يا سحابة .. حكايتي جافة وصخريّة وقاسية .. تحتاج شخص مثلك يليَنها .. تحتاج سحابة محملة مطر لأجل ترويّها بعد العطش .. تحتاجك أنتي .. ترديني ؟
ماكانت قادرة تقول شيء .. كسّرها إية .. أوجعها حد النحيط والبكاء العميق .. زلزلها بحركته وذوقّها الضيم .. ولكن بتبقى كذا ؟ تتجاهله ؟ وبتبقى حياتهم تمشي بالطريقة المُرة ذي ؟ طيب وعمرهم اللي بيعديّ ؟ يعني هالشهور مو محسوبة منه ؟؟

غمضت عيونها بهدوء .. وهي تْشد على أطرافها ومن حست فيه يشد عليها بعد ما تخلى عن الجلوس على الكرسي فتحتها وناظرته وهو يبتسم بضيق : أدري إنك خايفة من مزاجيتي المُفرطة واللي تخوف .. وخايفة من شخص قاسي ولا يحسب حساب كلمته مثلي .. ولكني أوعدك لاقسّيت أقسى على نفسي دُونك .. لاحظ سكوتها وقال وهو يوقف ويناظرها بهدوء : إرضي قطعتي معاليقي يا سحابة .. تكفين يابنت هادي قتلني الأرق وقلبك ما رقَ
عضت على شفايفها بضيق من نبّرته اللي مُشبعة بالوجع .. وأيقنت إنه فعلاً ذاق المر من تصرفه إتجاهها ويمكن أضعاف وجعها .. وعشانه سوى شيء بعمره ما تنازل وسواه إلا عشانها قررت ترضى .. وترِضخ لرضاه .. رفعت رأسها وأبتسمت بِخفة وهو طارت عيونه بفرحة ماقدر يخبيّه .. ومابعمرها ظنت سحابة إنها بتلقى هالفرحة بعيون سعود بسببها .. واللي أنحنى وهو يلف يدينه حول رأسها ويضمها له وهي جالسة .. ضحكت وهي تغمض عيونها بإبتسامة راضية .. ولكنها افتحتها بصدمة وبخوف وهي تثبت يدينها بقوة حول خصر سعود اللي يناظر بذهول للألعاب النارية اللي رمّتها بشرى جنبهم .. ولا أكتفت بوحدة بس .. رفعت الولاعة وأشعلت وحدة ثانية ورمتها ومن سمعت صوت صرخة سحابة ضحكت .. رفع يده وهو يتوعد فيها وهي تخصّرت وقالت : أنا ما قلت لك لا تسوون هالحركات بأي مكان "
رفعت حاجبها وهي تناظرهم بنص عين : وطبعاً هذا بفضل الله ثم بفضل أفكاري .. واللي بغيت تحرقني معها ياعدو البهجة .. يا صخرة ..
رجعت تتكتف وتقول : ولكن تضمها ومدري وشو قدامنا لا يا خوي .. المرة الأولى مشيتها .. هالمرة لفلف علومك وخذ حرمتك وفارق من قدامنا . . عيب عيب .. إستح على وجهك
سحابة كانت تتمنى الأرض تنشق وتبلعها .. دائماً بشرى تداهمهم وتحرجها بكلامها .. ماقدرت تبعد وجهها عن سعود من إحراجها وهو ضحك وأشر لبشرى بمعنى "ماعليه" (ياويلك)
أبتسمت بخبث ومدت لسانها بسخرية له .. ومشت عنهم وهي تضحك .. سمعت صوت عبد العزيز وفزت بفرحة وهي تمشي بإتجاه المصدر اللي سمعته منه وكلها فرحة وبهجة إنه رجع وأكيد الجادل رجعت معه .. ولكنها سرعان مارجعت بخطوات مصدومة لورى لما إستقرت عُيونها بعيون هذا الشاب اللي يناظر فيها .. إرتبكت وخافت وركضت بسرعة قبل ينتبه عليها عبدالعزيز اللي كان صاد عنها حطت يدينها على فمها بخوف : الطف بنا يارب .. الجادل أنقلبت رجل
صارت تدور بالمكان بتوتر .. وهي تطقطق أصابعها ببعض تنتظر عبدالعزيز
واللي من أنتهى من جلستهم الطربيّة واللي صار نص الليل أستمرت لساعتين رجع مع الليّث لأجل يريّح معه .. أبتسم وربت على كتفه وقال : خبرت هادي يجهز لك المجلس .. روح ريّح عظامك ورانا بكرة يوم طويل
الليّث حك رأسه بإحراج بس حاول يحارب هالشعور وقال : والله اليوم كان يوم طويل .. أجل باكر لاصار العيد صدق وش بتسوون ؟
ضحك عبدالعزيز وقال : شد حزامك بس .. الجنوب مابها جلوس أبداً .. طول وقتك بتكون واقف عشان تِساعب
أستنكر الكلمة مع ذلك أستحى يعلق .. وكان وده يشوف أخته أو يكلمها باللحظة ذي بس ماقدر يتكلم لما أنسحب عبد العزيز من عنده
جلس وهو يناظر بأنحاء المجلس وبعدها أنسدح متجاهل البزر اللي طلّت عليه .. حط يدينه تحت رأسه وبدأ يتأمل السقف وهو يتذكر اليومين اللي أنقلبت حياته فيه فوق تحت .. العيد اللي راح كان لوحده ببيت جده ويصارع وحدته .. واللي قبله كان يبكي على أمه وعيده كان بين ممرات المستشفى .. واللي قبله كان منهار من الوجع لما أنفلّت عليه خاله بالسُوط على ظهره واللي كان سبب غضبه هو سرقه محلهم .. واللي لصق التهمة والسبب بالليّث وإنه ماقدر يحافظ عليه .. أبتسم وتبّددت هالذكريات وهو يزفر براحة لما أيقن إن هالعيد بيكون مع أخره الوحيدة .. واللي تشفّق على وجودها سنين طويلة !
بينما عبدالعزيز وقف بالحوش وناظر بإستغراب لبشرى اللي من شافته جمدت وقالت : سلاماً قولاً من رب رحيم
أستنكر كلامها ووقف وقال : وش صاير ؟
تنحنت وقالت وهي تحاول ماتوضح إرتباكها : أبلة الجادل وينها ؟
أستغرب وقال : بالغرفة أكيد .. من زمان رجعنا بس عادني (توي) دخلت البيت .. ما شفتيها ؟
ضربت جبهتها وهي تناظره بضحكة من تفكيرها وقالت : أبد ما لمحتها .. بالصالة الكل متمدد عشان يتحنون .. أكيد ما أنتبهو لها بعد
هز رأسه بإيجاب وهي رفعت نفسها وسلمت عليه بإبتسامة وقالت : آخر الأوجاع ياعز
ناظرها بصدمة وتنحنح وهو يهز رأسه ويمشي عنها وبباله سؤال زلزل مخه ( وجعي واضح لهالدرجة على وجهي ؟)

ماقدر يدخل غرفته .. عشان كذا توجه لإسطبل جديلة واللي من لمحته صهلت بصوت عالي وهي ترفع حوافرها عن الأرض وهذا كان ضريبة بعده عنها أيام طويلة .. ضحك وهو يرفع يدينه حول عُنقها العالي وشد عليها وهو يدفن وجهه بعنقها : آه يا جديلة .. آه يا بنتي .. لوين الدنيا تبي تغربلنا ؟ وإلى أي مدى تبي تسحب سكينتنا منا .. حتى لياليّ العيد ماعادت تآنسنا
تبسم بضيق وهو يغمض عيونه .. والود وده تكون الجادل بين يدينه .. بس مايقدر .. هي كانت تبي البعد عنه وأوجعته حيل بهالطلب .. لدرجة لو قرب منها خايف تصده وتقابله ببرود .. لذلك إنسحابه هالفترة عنها أفضل
دخلت بشرى للصالة .. ونقلت أنظارها لأمها اللي منسدحة وبيدينها كيّسات حمراء وبرجلينها بعد مغطيّه الحناء بها .. ولجدتها اللي بدرية جالسة تنحي يدينها وكل شوي تقول " ها بدرية شقومش بتخربين يدي وهي ليلة عيد .. ودش يضحكون علي العرب ؟ .. ها زينيه من هالجهة " وعلى هالحال كل شوي إنتقاد .. والمزن باقي لحالها ومتقروشة من االي بيدينها بينما نسيم منشغلة مع بنتها اللي تبكي
ضحكت وهي تتنهد وقالت : ليلة عيد خالية من المشاكل والأصوات العالية .. الله يصلحك ياعمة نعمة اللي فراقك عيد لحاله
جلست جنب المزن وبدأت تساعِدها وهي تنبهها إن عبدالعزيز والجادل رجعو .. كانت بتقوم تتطمن عليهم .. بس بشرى قالت " والواضح شكلهم يبغون يبقون لوحدهم" لذلك إلتزمت مكانها وماحبت تفرض نفسها
-
-
{ سنّد }
كان يلعب بالسِبحة بطرف يدينه .. بعدما إنهد حيله وهو يغني ويستهبل بوسط الدِيرة .. دخل للبيت وناظر لأمه اللي نايمة بالصالة والواضح آثار الحناء
وأبتسم بضحكة وريحة الحناء فعلاً إنتشرت بالجو .. وهالشيء فقده كثير بأعياده السابقة .. إنحنى وحبَ رأسها بحنية وبعدها أبتعد عنها .. وهو يتجه لغرفته .. وقف على أعتابها وزفر بإبتسامة وهو يسمعها تدندن بلا مبالاة .. وهذا كان نتيجة ترتيبها وفرحتها بالعيد " عيدنا عيدين في أحلى اللياليّ .. كلنا غنى لليوم السعيد " كان صُوتها هادِي ولكن بحته رقيقة وهي الي آسرت قلب سند إللي لأول مرة يسمعه وتفصح عن مكنونه .. دخل وهو يبتسم ويكمل يغني معها ومن لاحظته ...
ضحكت بإحراج وسكتت .. أشر لها بمعنى " كملي " وهي ناظرته للحظات وأبتسمت بهدوء .. ثم كملت معه
ومن بدأت تغني حتى شاركها بعُذوبة صوته اللي غطت على صوتها تماماً .. وخلتها تسكت نتيجة المشاعر الكبيرة اللي غلفتها .. ناظرته وهو مستمر يغني ومبتسم وهو يتأملها .. وبعدها سكتت وهي تشوفه يتأمل العِقد اللي وضّح بسبب فتحة فستانها الهادي .. أبتسمت وهي تلمح التساؤل بعيونه .. مع ذلك ما تكلمت لين شافته يمسك أطراف العقد ويحركه بعشوائية وهو يقول : ماودك تعلمِيني بسالفته ولا!
ميّلت شفايفها بإبتسامة وقالت : الليلة ليلة العيد .. لو تبي عيوني عطيتك
ضحك بصدمة من كلامها وهي أردفت ورفعت كتوفها : عِقد أهدتني إياه أمي لما تخرجت من المتوسط .. وعقبها بأيام فارقتني .. لذلك صار ملازِمني طول أيامي .. لأني أحس إني أحملها فوق روحي .. وين مارحت !
أبتسم بضيق وهو يهز رأسه .. وبعدها دخل يدينه بجيبه وهو يطّلع زُمردة باللون الزيتي الغاِمق منقوش عليها إسمه.. تتناسب تماماً مع اللون اللي يترنح على صدرها وقال بهدوء : أحترت وجداً عن الشيء اللي ممكن ينهدى لشخص مثلك .. ولأني لاحظت إن هالعقد متوسط عنقك طول الوقت وآبى يفارقك .. قلت أبد يا سند
مالك إلا زمردة بها إسمك تبقى بوسط صدرها دايم .. يصير تحمِلين سند بوسط صدرك ولا ؟
ضحكت وهي فعلاً تشوف إسمه محفور بأسفل الزمردة وناظرته بإبتسامة رضا .. وهي تلتفت وترفع شعرها .. أبتسم بخفة وهو يفك أطراف العِقد .. ودخل الزُمردة اللي أصتدمت بالزُمردة اللي جنبها وصوت إصتدامها ماكان إلا قشعريرة بجسد حياة .. شلون لا وهي بتحمل بعنُقها أحبّ القلوب لها ؟
قفل العقد على عُنقها وهو يمرر يدينه بخفة عليه ومبتسم بضحكة : أنتي صرِتي أسيرة يا حياة .. مالك نجاة مني أبد !
ضحكت بخفة وقالت : من متى الحياة تنأسر يا سند ؟ صعـ....
بلعت ريقها بصعُوبة وهي تحسه يُقبل شامتها اللي بكتفها .. واللي هالشامة كانت سبب هلاك سند .. وسبب غربلته .. واللي آخر قُبلاته لها بالوداع
ومن أبتعد حتى ضحك وقال : تونا نقول صعبة ياحياة ؟
إلتزمت الصمت بحياء وإنحراج .. وبعدها إبتعدت بسرعة وهي تقول : لا تنسيني .. هديتي لك !
هز رأسه وقال بحماس وهو يجلس : ورينيّ .. عجايبك غريبة إنتي


ضحكت وهي تتقدم للتسريحة وتأخذ الطارة اللي طرزت علِيها بأول لياليها بأرض الجنوب وتقدمت وهي تحطها قدامه وهي مبتسمة .. عقد حواجبه وهو يشوف الدم بأطرافها فز بخوف وهو يناظرها وهي تبادله نظرات هادية : هالقماش طرزته بأول الشتاء وأول لياليّ بالجنوب .. ومن تلخط بدمي وسألوني من بيأخذه .. كان جوابي للي يستاهله !
أبتسم بخفوت .. وهو يترجم كلماتها المُبهمة بجملتها .. كان من عُشاق النرجسِية اللي بشخصيتها .. ويمكن ما حبّها بالقوة هذي وبالشدة هذي إلا بسبب حبها لذاتها .. كان فخور وجداً وهو يشوفها مقدّرة نفسها .. وتداريها وتحبها بالشكل اللي ما ترضى أحد يأذيها .. ومن تقديرها لذاتها هو حبها ضعف هالتقدير .. وكانت هذي أكثر خِصلة يحبها سند فيها بعد قوتها .. أخذ الطارة من يدها وهو يمرر يدينها على تطرِيزة القلب ومبتسم بخُفوت .. وبعدها رفع وقبّل مكان الدم .. وسحب يدينها وهو يقبّل أصابعها وهي تناظره بإحراج وإستنكار بينما هو أبتسم : ما أعرف أي الأصابع نزف منه هالدم .. لِذلك كانت القُبلة من نصيبها كلها .. ضحكت بحياء وهي تصد عنه وهو أبتسم وبقى يناظر للقلب اللي أربكه .. ماكانت هدية عابرة زي ما أحد يظن لااا .. كانت شيء كبير جداً جداً بالنسبة لسند
-
-

كان الطبل لايزال بيدين سعد .. اللي يمر من بين شوارع الدِيرة ويدق ويدندن بصوته .. وهذي عادته بكل عيد .. ما يهدأ ولا يستريح طول الليل ويبقى مُولع الديرة كلها .. إما بصوته والفرقة اللي تتطوع معه .. أو بالألعاب النارية
ولكن هالمرة كانت المهمة من نصيبه هو لحاله .. لأنه صار محترف بالطبل .. وقف قدام باب بيته وأخذ الزاوية اللي أعتاد عبد العزيز يجلس فيها لما كانت الجادل بهالبيت .. وبدأ يدق وهو يدندن .. ورغم إن صوته خشن وما ينسمع من خشونته إلا إنه مستمر بالغناء ولا عليّه من أحد .. وكل ماله يعليّ صوته أكثر وعيونه على الدرِيشة ويدعيّ إنها صاحية .. بينما من ناحية أمه متطمن موقن إنها هالوقت نايمة .. ومعروف نومها الثقيل
رجع يدق على الطبل مرة ثانِية وهو يعليً صوته وشوي ويغير الأغنية ويصرخ ويقول " إطلعي يا منى " ولكنه مسك نفسه ورجع يغني بضحكة من تفكيره : بسك تجي حارتنا .. يا عيوني ..
وتتلفت حوالينا .. الله الله
عينك على جارتنا .. يا عيوني ..
والا عينك علينا .. دخيل الله
ضحك بفرحة وهو يلمح ظلالها على الدريشة .. وعدل وقفته وهو يرز نفسه والود وده تظهر ولو بالشيء القليل لأجل يشوفها .. بس هيهات كانت بس ظلالها اللي قدامه .. مع ذلك كان يكفيه
أرتاح لثواني وبعدها تبّسم بفرحة وهو يتذكر إنه بيقدر يصادفها صباح العيد .. ورجع يدق بحماس أكبر .. ورغم إن زواجه بيكون بعد يومين إلا إن حماسه كان ضعف أضعاف الساعات اللي بتفصله عنها .. بينما هي جالسة تناظر له وكل خلية فيها تضحك على صوته .. ورغم إن الطبل يشفع له إلا إنها ماقدرت ما تمسك ضحكتها .. مستأنسة على شخصيته حيل.. وكأنها فُصلت عشانه ..
ورغم إزعاج سعد محد أشتكى لأنهم جيران تعودو عليه لثلاثين سنة .. ومو بس كذا خرج حمدان وولده صُهيب وولده أبو الثلاث سنين يشاركون سعد بخبالته وأصوات ضحكهم تتعالى وفرحة العيد بقلب كل شخص فتح دريشته وصار يطل على منظرهم وهم يلعبون ..بينما منى ممتنة وهي تحس دموعها على خدها .. وببالها العيد اللي راح واللي كان مليّان ضيقة .. كيف عدى وكيف صار بداله عيد يكسوه الفرح .. عيد كل شخص منهم صار بين أهل يحبونه ويحفونه حوف .. رفعت يدينها وهي تشكر الله على هالنعمة .. نعمة " العائلة "
-
-
{ الجادِل }

من لما رجعت وهي جالسة بغرفتها .. وبنفس الجلسة .. مجمعة رجلينها لبعض وسانده رأسها على رِكبها .. وسيل من التفكير يحيط فيها .. ماكانت مخطط للرجعة خُصوصاً إنها كانت متأكدة إنها ضيق على هالرجل .. غمضت عيونها وهي تِحس بدموعها تحرق جُفونها من لما لاح لها وجه الليّث .. ما تدري من أي البقاع جاء .. ومن أي رحمة خرج لها .. ولكنها مُمتنة .. شلون كانت مكسُورة الجناح .. ومالها عُزوة تعتزي بها بوجه كل شخص يحاول يكسرها .. والحين صار لها ظهر وليّث يكسر وجه كل شخص حاول يتعدى عليها ..

كشرت بضيق وهي تِتذكر نظرات عبدالعزيز اللي ما فارقتها من لما مشو من قرية جدها .. واللي كانت شرر وحادة .. ولأول مرة يناظرها بالنظرات هذي اللي زادت ضيقها ضيقة .. ماكانت تدري إن طاري فراقها وطلبها هي بالذات له ممكن يغير من عزيز لشخص ثاني غير تماماً .. كانت ممنونة لأهل البيت اللي ما دخلو عليها بالساعات هذي .. وممتنة أكثر لعبد العزيز اللي تركها لوحدها ترتب كل الأفكار وكل التراكمات اللي صارت بالوقت الأخير وأوجعتها ..


وبعد ساعات طويلة .. بعد صلاة الفجر .. وقفت بحماس وهي تسمع أصوات تكبيرات العيد .. وأصوات الألعاب النارية وقررت تطلع من هالوضع اللي بيزيد ضيقتها يكفي عتب وزعل عبد العزيز منها واللي كلّفها ليلة العيد ! وقفت وهي تِتجهز وتِلبس فِستانها الأحمر .. وبيدينها صارت تلبس أسوارها الذهب .. رفعت عيونها وهي تبلع ريقها بصعوبة من لمحته واقف يتأملها .. كانت مُوقنة إنه بيقترب منها وإن شكلها باللحظة ذي ماراح يعديّ .. ولكنها إنصدمت وهي تشوفه يتجه للدرج ويلبس لبس العيد متجاهل تماماً وجودها ..

تضايقت حيل ووضح كل ضِيقها على ملامحها وعلى تصرفاتها وهالشيء ماكان قادر عبد العزيز على تجاهله وقد قالها وبيرجع يقولها .. عنده إستطاعة يصد بوجهه عن كل شيء .. إلا عن ضيقها.. لأنه قبل يوجعها يوجعه .. لذلك تنهد ووقف وراها وهو يشد على كتوفها بضيق : نخبّر ليلة العيد تمر بفرحة .. والأهم تمر بوجود شخص غالي يسندنا فيها .. طاري الفرقى سرق هالفرحة يا حمامـة !
عضت على شفايفها بضيق وودها تصرخ وتعلمه بكل اللي يضايقها بس ماقدرت .. أبتسم بهدوء وهو يبعد يدينه عنها .. وأستند بكتفه على طرف الدرج وهو يتأمل تفاصِيلها اللي ماغابت عن باله أبد .. مع ذلك كان محتاج إنه يعلمها إن طاري الموداع بينهم مستحيل .. رمش بهدوء وهو يتأمل حيّاها الغرِيب عليها واللي كان متعود على قِلته بينما هالمرة كان بكثافة .. أبتسم بخفوت وهو موقن لو تلبس خيّاش الغبر ماشانت .. وبتبقى متسيّدة كل مجلس تطبّه قال بهدوء وهو يميّل شفايفه : ‏ولأن طواري العيد عذبة،خلينا نغمر اللي نحبه بضحكات العيد
عدل وقفِته وهو يشد على طرف غُترته وهو ودّه يبين غلاتها .. وإن محد بيغليها كثره .. لا أب لا أم لا جد ولا أخ حتى : لأن وأقسم إيمان غليظة على قولي هذا،لو كـنتي صحراء حَر محداً لش يبين..أنا الوحيد اللي أبي أمشيش حافي
تنهد وهو يقرب ويقبل رأسها بهدوء : لذلك صباحي خير يومّنه أبتدأ بش .. صباح العيد الأول يا عيونٍ مالها إلا العيد .. طويت لشوفها كل الدروب وجيت ضاميها .. لا تجربين الجفى معي .. أنا الفراق ما يخارجني .. أنا أطوي هالفراق طيّ الصحف ولا أخليه يباغتني .. أنتي منيّ .. مالش فراق عني أبد .. لو يخرجون ال عناد من مقابرهم كلهم ما خذوش مني
ماردت عليه سوى بإبتسامة .. وهو أكتفى فيها وتنهد براحة .. إنتهى من تجهيزاته وهي لبست عبايتها ورمت شِيلتها على وجهها بهدوء وهي تخرج معه .. صباح أول يوم عيد ببيت آل جبار .. ضحكت بفرحة وهي تشوف البيت كله حياة .. الكل منتشر ويجهز واللي يدور على غُترته .. واللي شعرها باقي ما ضبطته .. واللي محتاسة بحناها اللي باقي ماغسلته .. كانت أجواء فقدتها حيل بسنواتها الماضية .. وقفو بالصالة وهو يشوف المزن مقبله عليهم .. أبتسم وهو يحضنها بوقته يغطِي شوقه لها وهو يقبل رأسها بحنيّة : ماهو رضا .. ولاعيد إلا بوجهش .. عساه ينعاد بخيرش يا أم عـزيز
أبتسمت بفرحة وهي تشوف الرضا على وجهه الجادل وعلى وجهه .. وبادلتهم السلام وهي تشوف راجح يقبل وقدامه حكمة .. ووراه رحمة وسعود وبشرى وسحابة ونسيم وورد بين يدينها واليد الثانية الورد .. ضحكات عالية إنتشرت بالمكان .. سلام صباح الخير غير .. الحلاوى اللي بنص السفرة .. ودلات القهوة الكثيرة واللي مليانة هِيل .. فنجانين العيد اللي ما تظهر الا بصباحه .. ريحة العود الكثِيفة اللي تغطي المكان .. والأهم حماس العيد اللي يلعب بأوتار قلوبهم ويجبرهم يضحكون ويبتسمون غصب عنهم وخصوصاً بشرى اللي شدت على طرف فستانها البني واللي كان يناظر فيها سعود بضحكة وهو يأشر لها بمعنى " حلوة " أستحت وضحكت وهي تقول : كل عيد كذا .. قبل خمس دقائق نتخاصم عشان أشياء تافهة .. والحين نسلم واحنا مستحيين وإذا أحد مدحنا سوينا نفسنا ما نشوف من الحياء .. وربي اننا حكاية
ضحكو كلهم عليها .. وهم يتبادلون التباريّك .. والإبتسامات ببهجة .. ورغم فرحة نسيم الناقصة بغياب أمها إلا إنها كتمتها .. كونها تحس مو من حقها تنغص فرحتهم بسببها ! أول عيد مع بنتها .. وهالشيء كان كافي لملأ كل الفراغات .. إلتفتو كلهم بخوف لشهقة عبد العزيز اللي فز من مكانه ونزل فنجان القهوة اللي دائماً ما يكتمل ومشى وهو مرتبك
سعود وقف وراه بخوف : وش صاير ؟
أشر له وهو متضايق : نسيت الليّث في المجلس .. يا سواد وجهي والله
إستنكرو الإسم .. وإستغربو الوضع .. وصوت الجادل هو اللي خلاهم كلهم يلتفتون كلهم بصدمة : الليّث بن عناد .. أخـوي



لحظة صمت عمّت أرجاء المكان .. إستغراب .. دهشة .. إستنكار .. ذُهول جميع مُفردات هذه الكلمة إستقرت في ذهن جمِيع الجالسين في هذه الجلسة " أخوي " كلمة لازالت تتردد في عقولهم لدرجة ما وعو إلا على شهقة بُشرى اللي ناظرت فيها وقالت : إحفظنا يارب .. من وين ظهر هالأخ ؟
إلتزمو الصوت لدقائق طويلة .. وهم "مفجوعين" والفجعة واضحة بملامحهم اللي بسببها
ضحكت بخفة وهي تتأملها و إللي أقل مايقال عنها مصعوقة ولا تلومهم .. لأنها بنفسها كانت ردة فعلها أكبر .. كانت عاذرة نظراتهم وإنتظارهم وبدأت تقول السالفة بإختصار شديد جداً .. وهم مذهولين .. كيف هالحياة قدرت تظلمهم للدرجة ذي ؟ وأي أنواع العذاب ناويّن تزيدهم بعد ! كِيف يكون لها أخ بعدما عانّت خمسة وعشرين سنة من وحدتها ؟
ولكن إلتفتو كلهم لبُشرى اللي ما صدقت على الله إنه يظهر واللي فزت من مكانها وهي توقف جنب التلفزيون .. وتِشغل على القناة الأولى اللي كانت تتزيّن بأناشِيد العيد وبألوان البهجة .. رفعت الصوت على أعلى شيء وهي تضحك وترفع طرف ثوبها وتحركه بلا وجهة .. كانت مبسوطة حِيل للجادل .. وهي أكثر وحدة سمعت معاناتها وتقليلهم من قدرها .. ولا يخفى ذلك على المزن اللي كانت جالسة على يمينها.. مذهولة ، ومبسوطة كثير من لطف الله الخفِي .. واللي ظهر بعد معاناتها .. شُلون سمعت كلامهم وتضايقت منه .. وصارت بلا وعي لدرجة ضيعت وجهتها .. شلُون طلبت الرحِيل والفراق من هالديرة لأنها تعبت منها .. شلُون بالذات إختارت بيت عايض واللي كانت منفيّة عنه لست سنين كاملة .. لُطف الله مختبيء دائماً بين تفاصيل صغيرة .. قد نكون نظنها نار وقسوة .. بينما هي جنّة ورحمة !
عانقتها بكل قُوتها وهي تِحس بالرحمة تزلزل من سطوة قلبها لدرجة كان ودها تدخلها فيه من شدة فرحتها .. والجادل من قوة العِناق غمضت عيونها بضحكة وهي تشّد عليها بطمأنينة
-
-
{ عبد العزيز }

كان يركض بأقصى سرعته ووقف وهو يدخُل المجلس ويدينه على صدره من قوة سرعة دقات قلبه .. ناظر للّيث اللي جالس وجاهز بأقصى مراحل كشخته .. ويدينه على ركبته وواضح ينتظر
ناظره بإستغراب .. والليّث أبتسم وهو يوقف ويتقدم ويسلّم عليه .. ولكن من حبّ رأسه حتى ذُهل عبد العزيز وناظره بصدمة والليّث أبتسم أكثر : كل عام وأنت بخير يا أبو الهيّثم
بلع ريقه بخفوت وقلبه زادت دقاته بدون إنذار وناظر لليّث اللي قال : ولد وخيِيتي بيكون عوض وبدل وولد صالح .. ومثل الصقر كفو ومطنوخ ما تحس إنه يلِيق له هالإسم ؟
رمش بضيق من الطاري ولكن قلبّه فز من سمع صوتها وهي تخطي خطواتها الهادية وتوقف قدامه
بقى يناظرها وهي منحرجة من أخوها وتحاول تسلم بس مو قادرة .. للآن بين جليد
ولكن الليّث كان مثل النار .. إلا يذوب هالجلّيد غصب .. إنحنى وهو يسلم عليها بحفاوة ويبارك لها بالعيد وسط حياءها وخجلها منه .. وهو ماعليَه منها مأخذ راحته على الآخر .. يبيَ يعوض السنين الماضية كلها .. ولا يبي يمر يوم ببرود .. خصوصاً كونه أول عيد لهم سوى
أبتسم بإنبساط وقال بهدوء : الله يعيده عليتس يا وخيتي بخير وصحة .. وعساتس بظل أبو الهيّثم بخير ودايم الدوم
رمشت بعدم إستيعاب من اللقب وعبد العزيز ضحك على ملامحها .. رغم إنه يدري إن الموضوع بيضايقها ولا يبي ينفتح .. ولكن كل شيء من ربي يا محلاه
قاطع كلامهم وقال : يالله يا بن عنّاد .. بدأت صلاة العيد نبى نلحق
أحتاس ومن حوسته خربت غترته وشهق وهو يحاول يرتبه بس من إرتباكه ما عرف .. مدها بسرعة للجادل اللي ناظرته بإستغراب .. وهو أنحنى برأسه قدامها .. ناظرته بهدوء للحظات ثم رفعت يدينها للحظة وهي تمررها على شعره غمضت عيونها بغصَة لما لاح لها هالموقف لو كانو صغار .. إستعجلها عبدالعزيز لذلك رتبت الغترة وعصبّتها العصبة الجنوبية .. وهو ناظرها وقال : علامتس ؟
أبتسمت بهدوء وقالت : تزهاك عُصبتنا
تنحنح وعدل ياقة الثوب وضحك بفرحة من كلمتها وماعلق .. ومشى ورى عبد العزيز ولكنه ألتفت وأشر على اللي لابّسه وقال : أدري بتس .. حنيّنة وقلبتس كبير ولو إنه من مبطي عنتس .. هاللون ما نسيتيني وجهزتي حتى ملابسي للعيد
أبتسمت بخفوت وهو ناظرها بحنيَة وبعدها أنسحب وطلع .. تنهدت براحة وهي تمسح على وجهها من اللقب اللي مازال يدور بمخها " أبو الهيّثم "
صبّاح يوم العِيد .. كان بهيّ جداً .. مُلون بألوان قوس قُزح من قوة بهجته .. دائماً وأبداً كان العيد عندهم يحمل فرحته بكل تفاصيلها .. ولا يمر مرور الكرام .. إبتداءً من الأطفال اللي بهجتهم ضعف البهجة بملابسهم الجدِيدة اللي بدؤو يتباهون فيها .. إلى ألعابُهم النارية .. وضحكاتهم .. ومُرورهم على بيُوت الجيران عشان يحصّلون العِيدية .. إلى الحريم اللي بدؤو يعيدون على أهالِيهم .. ويسلمون عليهم ويتبادلون التحايا والتباريك .. إلى رجال الديرة إللى من أفطرو بمجلس الشِيخ .. بدأت إحتفالاتهم بشكل كبير ومُدهش .. ومن بين هالإحتفالات الليّث اللي كان مصدوم .. ويناظر بإستغراب لكل اللي يصير .. يرمي نظراته بكل مكان وعلى كل شخص .. وهو يسمع همسُهم عنه .. وإنه أخو زوجة الشْيخ اللي حضر من العدم .. مع ذلك ماكان معطيهم إهتمام كثير .. لأن سعد وسند مأخذين جهده .. وكلما كان يبي يجلس يشوشون ويسحبونه يكمل معهم وهو ما يعرف أصلاً .. بس كان يستهبل ويحرك يدينه مثلهم !
لا يخفى على أحد فرحته الكبيرة واللي واضحة على كل ملامحه وتفاصيِله وحركاته .. مع ذلك عاذرينُه
-
-
{ سعّد }

من إنتهى من اللعب معهم فضّل الإنسحاب عشان يروح يسلم لأمه .. واللي لأول مرة يتأخر هالقد على السلام عليها
تنحنح وهو يدُق الباب بخُفوت .. ولحظات بسيطة وأنفتح الباب وظهرت صفيّة وهي مبتسمة : أرحب يا المقِدام
أنفتح صدر سعد بغرور من اللقب وأنحنى وهو يحب رأسها : عيدش مبارك يا أم سعد .. جعل سعد ما يذوق حزنش
أبتسمت له : الله يبارك فيك يا خشير الروح(شريك)
ضحك بصدمة من كلمتها ودخل وهي قفلت الباب : الله الله .. يعني ما تظهر حقيقة مشاعرش إلا أيام العيد .. لزوم أتحراها دايم
ناظرته بضحكة وهي تتكأ على عصاتها وتِتجه للغرفة وهي تقول : إتحراها عشاني والا عشان بعد بكرة يا سعد
ضحك بإنحراج وهو يحك جبهته بضّياع .. وموقن إنه أمه راحت تجيب له عيديته كعادتها .. مبتسم على هالعادة اللي مستحيل تغيرها .. ألتفت ناحِية باب الصالة بإستغراب .. وعقد حواجبه وهو يسمع صوت الأغنية تعلى .. إقترب بفضول من الباب ولكنه تِجمد مكانه وهو يشوف إنعكاس ظلها له .. وميلانها على أنغام الموسيقى بشكل فوضُوي وكارثي .. كانت ترقص على أوتار قلبه .. وتتحرك بتناغُم على ما تبقى من روحه .. كان يراقب ظلها بلهفة وإستمتاع هي صارت زوجته ولو يقرب ويشوفها من حقه .. ولكن للحظة فز وهو يصد بسرعة ويمسح على وجهه بضيق : سعـد .. مابقى إلا يوم .. تعلم الصبر يا سعد تكفى
ألتفت وهو يشوف أمه تقترب وبيدينها عيديته وأبتسم بضحكة وهو يأخذها منها ويحب رأسها : تعرفين زين يا صفيّة قلبي .. نكبر على كل شيء إلا العيديات
ضحكت وهي تهز رأسها : أخبر هالشيء ياسعد
بادلها الضحكة وخرج من البيت وهو مُتوتر ومرتبك وفي ظل هالإرتباك توجه لمعرضه اللي قرر يكون إفتتاحه ليلة بكرة .. عشان تعدي بسرعة ولا يبقى يحترق من الإنتظار!
-
-
{ جسّار }
كان داخِل بيت آل جبّار بعد ليلة عيد صارخِة وثقيلة جداً .. كونه كان طول يومه بسُوق الديرة .. واللي كانو الناس فيه كأنهم بحج من كثرهم !
وصل لحدِيقة الورد واللي نبّهه سعود إن نسيم تنتظره .. وأبتسم وهو يتقدم ويقبّلها ويعايدها بأحن نبّرة وأحن كلمات .. وسط إبتسامتها
ألتفت يدور لبنته ولكن مالقاها وقال بتساؤل : ورد وين!
ضحكت وأشرت على السلة اللي يغطيها ورد وهو شهق بخوف وأنحنى وهو يبعد الورد من جنبها ويأخذها وهي ضحكت أكثر من تصرفه
رفع رأسه وناظرها بصدمة : نسِيم .. لو صار ببنتنا شيء !!
أبتسمت بخفوت .. وهي كانت حريصة على سلامتها .. والأهم ماكان الورد مغطيّها بس هو ما أنتبه لها من ربكته .. فقالت بخفوت : أول عيّد مع ورد .. لازم يكون غيّر
سكت للحظات ثم أبتسم ونسّى هواشه ورجع يقبل رأس ورد وهو مُمتن لوجودها
-
-

{ بيت أم سعد }

ومن بين تنقل النِساء لبيوت أهلهم .. إجتمعو الثلاث ببيت أم سعد اللي ياما جمعهم لأيام طويلة .. ومن بين حدِيثهم فزت حياة وهي تناظرها بعدما تذكرت كلام سند " ما دريتي ؟ صار لعناد ولد غير بنته .. هاللحين إزعلي عليها مهب عليّ "
تنحنحت الجادل وهي تعدل جلستها .. ولافارق عيونها صدمة منى وأم سعد اللي يدينها على رأسها .. تنهدت بضيق وهي تعدل جلستها وناظرتهم بتردد وقالت : أبي تدرون إني عايشة للحين بالصدمة ولا أحس اللي صار واقع
ضحكت منى بإستنكار وقالت : أي واقع ؟ هذي يبي لها رواية تنكتب بها
حياة هزت رأسها بإستياء وقالت : فعلاً .. تِنكتب بها رواية ولكن من النوع الحزين .. ولكن وين الكاتِب اللي بيكتب كل هالعذاب والمعاناة ؟


ميّلت شفايفها بضِيق وشبكت يدينها ببعض .. وهي تحاول تنطق بالكلمات .. كونها بتحكي سالفته بالتفصيل .. وخصُوصاً إنها إختصرتها على ال جبّار
كانت تتكلم وبين كل كلمة وكلمة توقف وتبلع غصتها بصعوبة وهي تحاول ما تبكي ولكن ماقدرت .. غلفت وجهها بيدينها وهي تِنتحب بضيق والبنات إلتمو عليها وهم يحضنونها بعُنفوان ويطبطون على ظهرها .. كارثة .. والا رحمة .. والا إبتلاء .. والا شكر كانو محتارين مابين هالأربع كلمات
وبعدما هدأت كانت بتْحكي لهم عن طلبها الفراق من عبد العزيز .. ولكنها مُوقنة إن ولا شخص قادر يفهمها بهالدنيا ولا يفهم سبب تصرفاتها .. عدّاه لذلك إلتزمت الصمت

-
-
{ ثاني أيام العيد ، يوم الحِناء }

ومن بين فرحة العيد اللي أمتزجت بفرحة زواج مُنى .. الكل إجتمع ببيت أم سعد .. كونه البيت اللي تِنتمي له .. الساعة تُشير للسابعة مساءً .. بعد يوم حافل ومليء بالشغل الكثِيف واللي كان نتيجة تجهيزهم لليلة حنتها .. واللي كانت تحت إشراف أم سعد اللي أبت تخليّ منى تعدي هالليلة دُون حفلة لها .. والأهم حفلة على طرازها هِي .. كونها صارت تحس إن منى تنتمي لها .. إلتفتو على أصوات الزغارِيد العالية واللي كانت نتيجة خُروج مُنى من باب الصالة تتزيّن باللبّس التُراثي الجنوبي باللون الأخضر ومُطرز بالذهبيّ على حوافه .. والذهب يكسُو يدينها وعُنقها .. كانت بأبهى إطلالة بشعرها المُنسدل بأريحية على أكتافها والطرحة اللي تشابه لون الفستان على وجهها .. تناظر بدهشة وضحكة لجميع الحاضرِين واللي ملؤو الحوش بوجودهم ..
ماكانت تظن إن هالناس كلها بتحضر حفلها !
إلتفت لحياة اللي بيدينها عِقد الفُل وتقدمت وهي تِحُطه على عُنق منى واللي قالت بضحكة : سند يقول إن زوجك هاج لأبعد منطقة بس عشان يجيب لك هالورد .. مهبول وربي
ضحكت منى بإستغراب وشدت على طرف الورد وهي تلتفت وتناظر للمكان بهدوء .. إنتبهت لإبريق الشايّ اللي بجانِب الجلسة وجنبه دلة القهوة على المجمر اللي تفُوح منه ريحة العُود بعدما رمت داخله أم سعد العود ..
أبتسمت بهدوء وبحلقها غصة وهي تلمح دموع أم سعد وألتفت وهي تشوف الجادل تأشر لها تنهدت براحة وتقدمت وهي تجلس على مكانها اللي جهزُوه لها واللي كان مابين اللون الأحمر الباهت والأخضر وعلى شكل مُربعات صغيرة .. وقدامها النقّاشة اللي جهزت نفسها وأغراضها وهي مبسوطة من الجو اللطيف والعائلِي اللي يعيشُونه .. وقبلما تفتح منى كفوفها عشان تِنُقش النقاشة كفّها .. أبتسمت بضحكة وهي تشوف حياة تحط المنديل على يدها ورفعت كتوفها بعدم معرفة وهي تأشر لها " أنا بس رسول "
فتحت المندِيل وهي تناظر للي مكتوب وهزت رأسها بضحكة وهي فعلاً مُمتنة وبنفس الوقت مصدومة لأن حتى ظِلها تطرق له .. هالشخص صار متملك جميع تفاصِيلها ""ياناقشّ الحنا على ناعم الكف
نقشت بالقلب المولع صوابه"
"يذكرني القمّر ظلك عجب ياللي ظلالك نُور
انا اللي ماعرفت الليل لولا عتمة اهُدابك".
تركت المِنديل جنبها وجنب عقد الفُل وهي كل شوي تناظره بإبتسامة .. وتناظر للنقّاشة اللي بدأت تزيّن يدينها باللون الأحمر
رفعت عيونها وهي تناظر للجادِل اللي مبتسمة بفرحة وجنبها حياة يناظروها ببهجة .. ويمينهم بشُرى اللي تحارش سحابة كعادتها وكل شوي تضحك معها .. رمت نظرات سريعة وممتنة لجميع الحاضِرين وهي تبتسم
-
-
{ في معرّض الرسام سعّد }

واللي واقِف على أعتابه وعلى يمينه عز بن راجح .. وعلى يمين عز أبوه وخلفهم أخوياهم ورجال الديرة .. كانت يدينه ترتجف وبين أصابعه المقص اللي يناظر فيه الشرِيطة الحمراء .. كان يبي الإفتتاح يكون بالطرِيقة اللي هو يتمناها .. مثلما كان المعرض أمُنيته .. سهر لياليّ طويلة على عتباته .. يداريه ويحاول يظهر بالشكل اللي يليق بسعد .. وهان التعب وصار موعِد إفتتاحه .. شد عبد العزيز على كتفه وألتفت له سعد وهو يلاحظ إبتسامته الهادية واللي أردف بعدها " جاء الوقت اللي الكُل يشوف فيه محطة الإبداع ياسعد .. لا تِرتجف خل اللي دُونك يرجفُون".
تسطّرت إبتسامة واسعة على ثُغر سعد اللي أمتلأ ثقة وبهجة وإمتنان لهالرجل اللي كان ولازال حريص عليهم .. رفع كفه واللي تلاها كف عبدالعزيز وراجح وقصُو الشريطة سوى .. بطلب من سعد واللي ما تجاهلوه ولبُوه بفرحة
دخل سعد ودخلو البقيّة خلفه وهم ينتشرون بتساؤل بالمعرض .. اللي يُلقي نظرة بفضول واللي مستمتع واللي فاضِي ويضيع وقت
ألتفت سند اللي كان واقف مع الليّث جنب سعد اللي مبتسم ويناظر بفرحة لوجوه الرجال وتعابيرهم وقال : خفيف عقل .. تعرف هالمصُطلح على من ينطبق يالليّث ؟
ألتفت الليّث بهدوء وهو يناظر لهم .. وبقلبه مليُون شعور .. وأهمها فرحة كونهم قدرو يتقبلونه بسرعة وقال : والله ما ببالي كثير ..


ضحك سند وأشر على سعد : هذا .. الشايب العايب اللي بيطق الأربعين وهو بعقل بزر
ناظره سعد بحدة وقال : موسيقي الفلس .. إمسك لسانك عن اللي أكبر منك .. والليلة لا تقرب صُوبي ترى ماني رايق لك
ضحك سند زيادة عشان ينرفزه وقال : أحد يفتتح معرضه بيوم حناء زوجته .. أستخفيت أنت ؟ مهب أنت اللي قروشتنا وبتتزوج .. وقطعت نصيبي يابن فيّاض .. ومابقيت بي عرق صاحي وأنت تنابح وآخر شي هذي سواياك
الليّث كان مستغرب أسلوب سند وكان منتظر سعد يكفخه بس أنصدم وهو يشوفه يضحك ويقول : أنت اللي ماعندك عقل .. ولا تفكر بمقدار ذرة .. أنا متعنيَ أفتح معرضي الليلة بالذات .. عشان معروف إن هالليلة ماراح تعديّ بسهولة .. وبتطول من كثر الإنتظار .. عشان كذا أشغلت نفسي بالمعرض عشان يجي بكرة بسرعة
ناظره بصدمة وهز رأسه بآسى : والله إنك صدق مهبول مثلما قالت زوجة الموسيقي
أبتسم بضحكة وقال : تحش فيني مع حرمتك يالرديّ ؟
قرب وضربه ع بطنه وسعد كتم صرخته وناظره بصدمة وسند ضحك : تستاهل عشان تصحصح .. خايف بنت الحجاز تهج لمكة بعدما تعرف إنها تزوجت شايب مهبول
عدّل وقفته وناظر بوعيد وهو يأشر له : خل هالليلة تعدي وصدقني برويك شغلك
ضحك الليّث وسعد ناظره وقال : لا تضحك يا بن عناد .. تراني مأخذك حميّة بصفي مهب بصفي هالرديّ
هز رأسه بضحكة قال : وش نوحك هاللون(وش فيك الان) تراني ما حكيت(قلت) شيء
سند ربت على كتفه وقال : ماعليك منه يا أخو بنت عناد .. ترى هالرجل العقل متبري منه
الليّث إستغرب وقال سند بضحكة : اعذرني على اللف والدوران بس عشان أستوعب الموقف وأصدق
هز رأسه بضحكة وألتفو لسعد اللي مشى بخطوات سريعة ناحية الرجال اللي واقف قدام اللوحة اللي بالواجهة واللي من شاف سعد قال : حيا الله سعد .. جيت وجابك ربي علمني كم سعر هاللوحة ؟ ماهب مكتوب عليها

ناظره سعد بإبتسامة صبر وقال : يومنك ماتشوف السعر يعني ماهِيب للبيع
أستنكر أسلوبه وقال : أجل وشو له معلقها ؟ نقيس قياساتها يعني والا نتملق فيها (نناظر بكثرة)
قال بحدة : دامك ما تبي تبيعها ليه تفتح معرض وتنفخ ريشك علينا ؟
رفع حاجبه وتكتف بهدوء ومن تكتف مشى بسرعة سند وسحب الليّث .. وعبد العزيز أنتبه وعقد حواجبه وهو يشوفهم
سند حاول يفك يدين سعد اللي من يتكتف يعرف إنه عصّب فعلاً
واللي ناظره بحدة ورجع يناظر للرجل وقال : أنت قلتها .. فتحت معرض .. يعني حقي يعني كل اللي فيه ملكي أبيع اللي ودي وأعرض وأخليك تقيس قياس اللي ودي .. هاللوحة مهيب للبيع .. عندك إعتراض
هز رأسه بعدم إستجابة وقال : من يومك تحب المشاكل ولسانك مثل لسان الكلب دوم تنابح .. ولا موضوع ناصـر من اللي بيعديـ..
سكت بصدمة وهو يشوف سعد يضربه بقوة على كتفه لدرجة إن عبدالعزيز تخلى عن الوقوف بمكانه ومشى وهو يوقف بينهم .. واللي تراجع سعد على طول وكذلك الرجال اللي قال : ترضى يا شيخ ننهان بحضورك
ناظر سعد بضيق ورجع يلتفت للرجال : كلنا ندري إن سعد ما يغلط الا على اللي يغلط عليه ..ولكن إمسحها هالمرة في وجهي
ناظر بضيق وقال : وجهك أبيض يا شيخ
وبعدها إنسحب وعبدالعزيز ألتفت لسعد وقال : وش صاير ؟
سعد تنحنح وعدل وقته وألتفتو لسند اللي يأشر على التوقيع اللي بنهاية اللوحة : من قريت حرف الميم وأنا غاسِل يدي .. طيب دامها اللي متفننه فيها .. وكاتبة فيها عشرون دقيقة ومدري وشو .. وشو له تقروشنا بها ؟ خلها في بيتك ياخي
تنحنح سعد والليّث ضحك من فهم الموضوع وتكفل ينزلها من مكانها .. ركب السِلم وناظر لسند وقال : أنطن المطرقة
عقد حواجبه سند بإستغراب وألتفت لعبد العزيز وقال : الله خلق وفرق بين لهجة الجنوبي والشمالي .. ولو إن القلوب ما تختلف ولكن يارجل وش هو يقول ؟
ضحك عبد العزيز اللي متأزم مثله وحاب يفهم بعض كلمات الليث اللي أنحرج وقال : عطني المطرقة
هز رأسه بإيجاب ومشى بسرعة وهو يعطيه والليّث فك مسمارها ونزلها وهو يناظر لسعد بضحكة : هالمرة ساعدتك عشاني بصفك بس
أبتسم بوهقة سعد وضحك وهو يأخذ اللوحة .. ماكان وده تكون هنا ولكن لأنه وعدها .. ومن فكرة إنه عمره ممكن يكون بين يدين شخص غيره كان ممكن يكسر المعرض على رأسه
ألتفت لليّث اللي قال : انخشها برى
عقد حواجبه سعد وهالمرة الليّث ما تكلم خرج من المعرض وهو يضحك بورطة : هاللون شلون نعمل ؟ هم ما يفهمون حتسي(كلامي) .. وأنا جاهل بحتسيهم(كلامهم) شكلنا نحتاج مترجم !
-
-
وبيوم زواج سعد .. اللي الكُل درى عنه .. كيف لا ؟ وهو ماباقِي باب ما دق عليّه يعزمه .. اليوم اللي وأخيراً جاء .. واللي بقى ليالي طويلة وشهور يتشفق عليّه .. ولا أحد قادر ينتزع منه فرحته هالليلة أبداً !

كان واقِف بمجلس الشِيخ .. ولكن الضيوف للآن ما أقبلو .. أبتسم بإنحراج وهو يناظر بعبد العزيز اللي ينسّف له الشماغ ويعدل العقال ويضبط له البِشت .. ويناظر لسند اللي الطيّب بيده ومن إنتهى عبدالعزيز حتى تقدم وطيّبه وهو مبتسم : وأخيراً .. فرجت وكنت أظنها لا تفرج
ضحك سعد وقال : تحكِي على لساني يا بن فيّاض ؟
أبتسم : إي بالله وأخيراً ياسعد .. عسّاه بيت عامر
هز رأسه بخفوت : اللهم آمين
ربت عبدالعزيز على كتفه .. ومشى معه وهم يجلسون برأس المجلس يتقهوون لحين يحضرون الضُيوف
-
-
{ في بيت أم سعد }
واللي بِقت حياة والجادِل نايمين عند مُنى .. عشان يخففون عنها التوتر ويعيشون معها تفاصيل هالليلة اللي ماراح تنعاد .. واللي حلفُو تكون ليلة ما تنتسى ولكن هالمرة " من الفرح"
دخلت أم سعد وبيدينها كِيس بيضاء كبيرة .. وتركتها على الدرج وهي توقف جنبها .. وقالت بهدوء وبإبتسامة مليَانة حنية : هو صحيح اللي يصير ؟ الليلة زواج عياليّ ؟
أبتسمت بضحكة منى ونشوة فرح سرت بجسدها بسبب كلمتها وأم سعد إقتربت وهي تشد على يدينها وقالت : لا أخفيش سراً يا بنيتي .. هالفستان من سنين طويلة بدرجي .. وبيديني غزلت الصوف وبيديني رتبت الرِيش وبيديني خيّطت الحواف .. كِثر ماكان العناء لأنه لزوجة سعد .. كثر ما فرحت إنه لش أنتي بالذات .. لبنيتي .. لمعلمة الفنيَة .. وزوجة ولدي
حسَت بالدموع تتجمع بعيونها لذلك قبل ما تتكلم منى وترد أنسحبت على عجل من الغرفة وهي تمسح دموعها بسرعة بضيق .. دائماً تتأثر ولكنها تُكافح
وبعدما تجهزت منى وإنتهت مع البنات
ناظرت حياة لمنى بإبتسامة وهي تتنهد بعُمق : ياأرض إحفظي ماعليكِ
عضت شفايفها بضيق وألتفت بسرعة وهي تصد عنهم وتحاول تِلهي نفسها بطرحتها
عقدت حواجِبها الجادل وتقدمت بخوف وهي تقول : بدر البُدور ما يزعل بليلة إكتماله يا مُنى
لحظات بسيطة وإلتفت وهي تناظرهم والدُموع بعيونها : كانت كلمة أمي المعهودة لِي .. مرت بي السنين الطويلة ولكن الوجع نفسه والغصة نفسها .. هو فيه بنت تقدر تكتمل فرحتها باليوم ذا بدون أمها؟
وقفت حياة وهي تلوم وتعاتب نفسها رغم إنها ما أخطئت وحضنتها من كتفها وهي تناظر للجادل تمسح دموعها ثم أبتسمت : ما تكتمل .. ولكن ما تنقص يا منى .. إحنا وعدنا بعض .. نعوض نقص فرحنا بزواجك أنتي .. لا تخلفين
أخذت نفس بعمق .. وهي تتنفس وبعدها أبتسمت وقالت : عشانكُم بس
وقبل يتكلمو ألتفتو لبشرى اللي دخلت وهي تتنفس بسرعة وقالت : ترى لو كان مفطح كان جهز .. حشى مو عروسة كراسّة رسم من الصبح تلونون بوجهها ترى جدتي حكمة طلعو جنونها ومن الحين بتهج من العرس .. وأمي قالت تخلصون والا ....
قاطعتها حياة بصدمة : بس بس .. بلا بشكلك بالعة راديو أم سعد ؟ خذي نفس .. تنفسي يا آدمية
ضحكت بشرى بإحراج وهففت نفسها بالمُروحة الكرتونية وقالت بدلع : بسرعة لو سمحتو .. الضيوف ملُو .. والورد جفّ .. وأنا بعصب كل عرس مخلينيّ أرمي هالورد من على رأس العروسة خلاص نبي نتحرّر عاد
منى لفت بضحكة للجادل وغمزت لها والجادل شهقت بصدمة وسحبت طرحة منى وهي تقول : إمشي بس للزفة قبل أدفنك هنا
مشت وهي تضحك وحياة ناظرتها وهي تمشي وتنهدت براحة للحظات ومشت وراها
هالمرة ظهرت على أنغام إختارها سعد بنفسه .. وهو اللي تِكلف وبحث عن الشيء اللي يناسِبها هي بالذات .. ومثلما يعتبرها مقطُوعة موسِيقية أذهلته وجعلته أصم غير قادر على الكلام .. إختار لها ذات الشيء .. شيء يشبهها تماماً
هادّية .. لطيفة .. مُتناغمة .. بسِيطة .. مليانة بهجة وحياة
كانِت هذه المصطلحات لا تصف المقطوعة كثر ما تصف مُنى بحد ذاتها .. إسترقت النظر لوهلة على الحاضرين .. وأبتسمت وهي تناظر بتوتر ل مسّكتها البِيضاء واللي عِبارة عن ورد الجُوري الأبيض شدّت عليها بتوتُر لدرجة كانت بتعصر الورد بين يدينها .. صحيح ماكانت المرة الأولى تِنزف .. ولكن بحفلة حناها كانت مقُصورة على أهل الجادل وحياة وهم فقط .. ولكِن هالمرة بيت أم سعد مليّان حريم .. والكل عُيونه موجه حولها بترقُب وكأنهم يحفظون تفاصيِلها .. كانت تناظر لأم سعد اللي بيدها المبخرة .. وتبخر وهي تزغد بكل فرحة وصوت زغردتها ينافِس البنات اللي يرمون عليها الورد وهم يضحُكون بفرحة .. وعلى جلُوسها بمكانها .. تعالت الضحكات وبدأت الرقصَات المعروفة بالدِيرة .. واللي صارت حياة تِتقنها من كُثر ممارستها لها .. واللي صارت سهلة عليها .. وسط دهشة وضحكة الجادل عليها .. ووسط فرحة الجميع من ضحكتهم اللي ماغابت طُول اليوم ..

من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن