32

21.5K 195 99
                                    



سند همّس لعبدالعزيز : تعلّم الطبل من ملاح السفِينة ، هالشايب كان يستلمه كل ليلة عشان يعلمه
ضحك عبد العزيز وتأمل سعد اللي مبسُوط ويدينّه تِترنح على الطبّلة مع حمدان اللي جايّ على جوه .. وبعدها وقف على طول وناظره بإبتسامة وقال : ميّر الحِين دورك يا بن فيّاض .. إطربنا
ناظره بتساؤل .. وسعد أبتسم وقال : لا تخاف ، أمي هالوقت راقدة ونومها ثقيل ماهيّب صاحية من مشاعر منتقلة والبقيّة ماهو بوقت نومهم .. وأنت تدري
أبتسم بضحكة .. وهز رأسه بإيجاب وهو جاهِل تماماً .. نيّة سعد ، إقبّاله على جارهم ، وتفكِيره بأن وجوده هِنا بالذات راح يحنّن قلبـها !
زفر بِبطء وهو يتأمل العُود اللي تِوسط حُضنه .. ومن بدأ يعزِف ويدندن بُصوته المعُهود .. والنبرة الحنُونة .. واللي يِنطق بها من عذب الكلام
حتى عم الصمت المِكان وبدؤو يستمعون له في سُكون .. دائماً كان صُوته يطغى على كُل المِكان !
-
-

بينما الجهة المُقابلة للِبيت .. واللي كان بيت أم سعد اللي سطّحه يُطل على بيت أبو صهُيب
وبين أحادِيث البنات المُمتعة اللي تُصاحِبها ضحكة هاديّة .. عم الصمت المكان نتِيجة الطبل الغرِيب اللي طغى على المكان ..
تأففت حياة وقالت : وش هالناس اللي ما تستحي .. بأنصاص الليالي يدقون
منى وقفت وهي تُرقص بضحكة : وش عندك .. أحسن خليهم يغيرون جونا
ناظرتها بنص عين والجادل ضحكت وهي تراقب تناقُضهم
ومُنى شِدت الشال الأسود على خصّرها وهي تِتمايل بِضحكة وبأنغام الطبلّ العالية واللي كان على جوُها فعلاً .. ومن إنقطع الصُوت
جلست مُنى وهي تتنفس بسرعة .. بعدما فرغت طاقتها بالرقص .. وبينما كانُو بيترسلون بحكيهم .. قاطع الكلام مرة ثانية صُوت رايق .. وعالي بعض الشيء .. عالِي لدرجة وصل لمسامعهُم وأجبّرهم يسكتون
بينما كانت ملامح منى تميل للهدوء .. والجادل للإستنكار كون هالصوت مر عليها بفترة من فترات حياتها .. كانت تحاول تِتذكر صاحبه
بينما حياة تُصارع مليون شُعور .. وهي مُوقنة إنه وجوده هنا مو صدفة .. ولا خيار إنما برغبة منه .. وهالأغنية بالذات ماهِي عابرة ولا إختيار عادي إنما مقصودة !
أرتبكت كُل خلاياها .. وضاعت محاولاتها بإخفاء توتُرها وإرتباكها .. حتى إنتبهو لملامح وجهها اللي تغيرت
لُتبادر منى بالسؤال : تعِرفين صاحب الصوت .. وش بك إنقلب حالك ؟
تنحنت ورتبت نفسها وهزت رأسها بلا مُبالاة .. بينما منى ألتفت للجادل اللي أردفت بعجل وقالت : هذا صُوت سند بن فيّاض .. كُنت شاكّة إني سمعته بمكان ما
رسمت مُنى على وجهها إبتسامة ضاحِكة وهي تتعدل وتثّبته يدينها تحت ذقنها وهي تقُول : نِسيناه ؟ بتوضأ من دموعه صلاة فجر ؟ كبرياء ؟ ما أبيه ؟ من اللي يقول هالحِكي ؟
رفعت حياة حاجِبها بعدم إعجاب من نبرة منى .. ومنى ضحكت وقالت : خليّ عنك هالحركات للحظة كنتي بتذوبين بسبب صُوته بس .. فما بالِك إذا حضر ؟ حتموتين عليّنا يا حياة .. دنتِي طحتي ومحد سمى علِيكي وما لكيش خلاص منو أبداً
رمت عِليها مُطرح " صحن مُطرز يقدم فيه الطعام" اللي كان فيه الفشار وهي توقف وتناظرها بحدة : الله يسد نفسك يا مُنى
وقفت منى وهي تضحك ومسكت يدها وهي تسحبها بهدوء وحياة تناظرها بإستغراب .. قربت من الجدار اللي يغطي بينهم وبين سطح جارهم وهمست : صوته قرِيب .. يمكن يكون فعلاً ببيت جيراننا
سكتت حياة و ناظرتها بطرف عينها ومنى رفعت كتوفها بعدم معرفة : شوفي بس
ترددت للحظة .. ولكن ماقدرت إلا تِرتفع على أطراف أصابعها وتِسترق النظر لسطح بيت أبو صُهيب اللي يظهر قدامها كُله .. وفِعلاً !
كان يتوسط الجلسّة اللي بوسط السطح .. ولا هو بس كذا توسطت حتى عُيونه اللي تصادفت مع عيونها بنفس اللحظة
ناظرت بذُهول لإبتسامته الخاطِفة وأبتعدت عن الجدار وهي تِتحسب على منى وتنزل من السطح
ومنى ضحكت وهي تناظر للجادل : ولازالت تكابر .. صعبة هالبنت
أبتسمت الجادِل وهي توقف : الحب صعب يا منى .. حِيل !
هزت رأسها بإيجاب ومالها وجه تحكِي عن هالموضُوع وهي أول ضحاياه
وبعد فترة ماهيّ بطويلة .. أستأذن عبد العزيز والبقيّة من بيت أبو صهُيب .. ولما كان سند بيركب سيارته أستوقفه سعد وهو معصب : والله لو أجيك يا سند لأمسح بوجهك شارع الخسوف
تأفف وهو يقفل الباب بعدما دخل العود السيارة : إنزل من على ظهري يا رجل .. تراك نشبت لي نشبة العالمين !
سعد وهو يوقف قدامه ويناظره بهدوء : أدري إن شريط التسجيل اللي سجلت فيه صوتك طول الشهور بجيبك . . وادري ان اربعه وعشرين ساعة ما يفارقك
عشان كذا تنثبر هنا .. تنادي حرمتك وتعطيها ثم تتوكل على الله
سند كان بيتكلم بس أنصدم من نظرات سعد الحادة واللي كانت بسبب عصِبيته من برود سند .. وهو جالس يحترق عشان يقترب من مُناه !



تنحنح سند وألتفت عبد العزيز وقال : يا عز .. لا هِنت يا شيخ إطلب من زوجتك تنادي لي زوجتي
أبتسم وأشر على خشمه وسند وسعد رجعو خطوات بعيدة لورى
بينما الجادل طلعت وقبل تركب .. طلب منها تنادي حياة لسند .. وفعلاً دخلت وأعطت خبر لها ولكن حياة رفضت وقالت لها ماراح تخرج ! ولكن الجادل ما أستجابت لكلامها وركبت السيارة بدون لا تتكلم
سعد ألتفت له وأشر عليه بتهديد وقال : قبل آخر ليلة من شعبان تنتهي مهلتك ، بعدها بتصرف أنا
ضحك وأشر على عينه وسعد مشى عنه .. بينما سند أستند على الجدار وهو يطلع الشريط اللي فعلاً ماكان ينزله من جيبه .. وكان ملازمه طول وقته .. وضغط عليه بين كفينه وهو ينتظرها بتوتُر
-
-
{ عبّد العزِيز }
شدّ يدينه بقوة على أطراف الدرِيسكون وهو يدقّق النظر بِالسيارة إللي تِتبعهم من خروجهم من بيت أم سعد .. مهيّب أول مرة
ولكن هالمرة صادِفت وجود الجادِل معه .. وهالشيء اللي بث القلق بقلبّه .. خوفاً من إنه هالشيء يتطرق له وهي معه .. زاد بسُرعته قد ما يقدر ونظرة لِـ السيارة اللي خلفه ونظره للطرِيق
وبقلبه نار تِشتعل إنه ماهُو قادِر يلتفت له .. ويمسح كرامته بالأرض
كونه شخص أمتلأ غيظ ليّن فاض من هالحركات اللي أقلقت سكِينته .. وزعزعت أمان قلبه !
أنتبه للسُرعة اللي زادِت بسبب يد الجادِل اللي أستقرت على كفه وألتفت لها بُسرعة وهو يشوفها خايفة .. أستوعب موقِفه وعدل جلسته وهو يبتسم بهُدوء وطمأنِينة لعلّه يهديها .. ومن رجع يلتفت لأجل يلمح السيارة .. لِقاها أختفت !
-
-
{ حيـاة }

بعد مُرور ساعة من خُروج الجادل من الغُرفة .. رفعت رأسها من على المخدة وهي تِتأفف .. ماهِي قادرة تِنام أفكارها تِحاصرها من كُل إتِجاه !
ناظرت لمُنى اللي نامِت وتنهدت وهي توقف وتِسحب شالها وهي تِتمتِم بِـ : تلاقِينه راح ونام وأنتي باقِي محترقة على مخدِتك ..يا هالقلب يا حياة اللي مُو راضِي يمشي على شُورك !
مشت على رؤوس أصابعها من جنب غرفة أم سعد .. حذراً من إنها تصحى على صوت حلطمتها
ومِن وقفت جنب الباب الخارِجي حتى زفرت بُبطء وهي تِدعي يكون راح .. بس عشان يِصدق إحساسها !
فتحت الباب بِبُطء شدِيد .. ومن ناظرت بعُيونها حتى أستقرت على وُقوفه وإستناده على جِدار بيت أبو صهُيب .. ومغطِي وجهه بغُترته ومكتف يدينه بضجر
ومن أنتبه على صُوت الباب .. حتى فز على عجل وأعتِدل بوقفته وناظر لها بفرحة من إنها فعلاً حضرت .. توترت وأرتبكت كِثير .. كونها فِعلاً ما توقعت يبقى .. توقعته هرب من فترة طويلة كعادِته .. ماعِرفت وش تسِوي غير إنها تِلبس ثوب الكبرياء كالعادة رجعت خطوة لورى وهي ترفع الشال وتِتلثم به .. ثم تنهِدت وقالت : قِطعنا حبل الوصل يا المُوسيقي .. ليه مُصر على شد حبل مقطوع !
تبّسم بإنبساط وهو يرجع يدِينه خلفه ظهره وهو يشد على شرِيط التسجيل وتِقدم ليّن وقف قدام الباب وهي قِباله لِيرُد عليها بكُل هدوء : ماهيّب مشكلة يا حياة .. إن كنت أشد حبل مقُطوع .. نرمي بداله حبال وصل تحيّيه .. المهم نبقّى نِشد
تنهِدت وما تكلمت وهو رفع كفه ونزل لِثمتها .. رفعت حاجبها بإِستِنكار وقالت بعدم إعجاب : سكُوتي المرة اللي فاتت ما يعني تتجرأ وتِمدها مرة ثانية
أبتسم بلامبالاة وقال : عيّب على الوقت يمر وأنا قدامك وبيني وبين وجهك حِجاب يا حياة
وقبل تِتكلم سحب كفُوف يدها وهي بلّمت مكانها وناظرته بربكة .. شد على يدِينها لما تُوسط شرِيط التسجيل كفُوفها وأبتسم بخُفوت وهو يقول : أمّا الفِراق فلا والله تحلمِين به .. أنتِي مني .. وأنا منك .. ولا خلاص لك منِي لين يوم الدين .. وأما المكابِر اللي تِعيشينها معي فهيّ من حقك .. لأن اللي صار ماهو بقلِيل ..ولكن خلِي في بالك إني غريب لقى وطن داخل ملامح يديك
لاحظ شُرود نظراتها .. رجفة يدينها .. إرتِباكها وأستغل الوضع وهو يرفع كُفوفها ويقبلها بهُدوء ليتمتُم بعدها بـ سكينة : من علم إيديك تصبح للمهاجر بلد ؟
سحبت يدينها بُسرعة وهي ترجعها خلف ظهرها بعد ما حسّت بالرجفة تسرِي بجميع جسدها .. بلعت رِيقها بصعوبة وهي تناظره : وش اللي تركته بكفُوفي
ضحك من كلامها .. ومن إنتشار الخجل على جميع ملامحها ليُرد بقوله : بقايايّ .. وبعض من حنِيني .. جاء الوقت اللي أتشاركه معِك
ناظرها بهُدوء.. وهي ما جادلت أكثر .. أنسحبت بعد ما قفلت الباب ! وهو تِنهد وغمض عيونه بُهدوء وهو يبتسم : هانِت يا بن فيّاض .. باقِي من كبرياءها القلِيل
-
-
{ قبل يتعرف على إحساسه }

{ سند }
واقِف على أسوار السفِينة وبيدينه عُوده .. أنتهت مُناوبته اللي أستمرت طُوال اليوم .. والحِين وقت الفترة اللي يرتاح فِيها .. ولكن وين تزُوره الراحة ؟ وبقلبه معقُود الهم والضِيق !


تنهد تنهيدة عميقة وهو ينقل نظراته على البحر العمِيق والواسِع .. ثم تبسّم بآسى وهو يجلس على الكُرسي .. وبدأ يدندِن وهو مُوقن إن هالأغنية بالذات تصِف حاله بالمِل

اسمحيلي يا الغرام العف يا الوجه السموح
إن لزمت الصمت أو حتى لبست الأقنعة
اعترف لك ما بقى من عالي الهمة سفوح
انحدر كلي كما طفل تحدر مدمعه
آه يا جود الحزن وياي وفي الفرحة شحوح
ضايعً بهمومي الغبرا بوسط المعمعة
اشتكي لوسادتي دنياي و اسمعها تنوح
كنها بعضي و بعضي وين هو من هو معه
مختلط في عبرتي حبر الشقى و دم الجروح
مستوي في نظرتي غرب الوجود و مطلعه
عودي المبري بقابه من بقايا الوقت روح
وفصل خامس ضايع بين الفصول الأربعة
وراس مالي ذكريات و حلم و أمال و طموح
لا صديق و لا رفيق ولا طريقًا اتبعه
سامحيني دام عذري واضحً كل الوضوح
و اسمحي لي بالرحيل بلا تذاكر و أمتعه

" آه ياجود الحزن ويّاي والفرحة شحُوح .. ضايع بهمومي الغبرا وسط المعمعة" إنتهى من هالجزء بالِذات وألتفت على صُوت سعد اللي تقدم بِضحكة وقال : محد ضايع بالمعمعة كِثري يا بن فياض
نزل العود عن حضنه وناظر لسعد وقال وهو يناظره بطرف عينه: من اللي كانه بوسط الطبل مع المصرييّن هاه
ضحك وجلس قدامه ورفع كتُوفه بعدم معرفة : طوّلت عليّ .. قلت أتعرف على ناس جديدة .. صار لنا إسبوعين بالبحر يا بن فيّاض .. طالت الرحلة زيادة عن اللزوم
تنهد ومسّح على وجهه وهو يسند رأسه على ظهر الكرسي ويناظر بلا مبالاة : ما طالت يا سعد .. للآن ما أحس بطُولها
تأمل ملامح وجهه الضايِقة وقال بعد لحظات صمت : أنا صحِيح إني فاهِي وأعترف إني مانيّ بقد النصايح .. ولكن عطني همّك .. وأوعدك ما تضِيم
تبّسم سند .. وناظره بهُدوء وألقى نظرة سريعة للبحر .. إسبوعين وهو بيّن أمواجه ولكن هالمرة ماهو قادِر حتى موج البحر يأخذ همه .. هالمرة حتى عُمق هالبحر ما وُسع قلبّه .. بأول إختلاء له بالبحر بحياته قبل ست سنين.. كان قادر يرمي كل همومه بين الأمواج بكل يُسر .. بس هالمرة كان صعب عليّه .. حيل
لِجأ لرحابة وجه سعد .. وهالمرة ما حاول يلف ويدُور .. قال بأريحية تامة : أنا يا سعد ضايع وتايه .. أنا أحس انّي ماني بمعي .. والأرض ماهِي أرضي
رفع حاجبه بإِستنكار وناظره نظرة سريعة وقال : الواضِح إن الوجع بقلبك يابن فيّاض
تنهد وهو يهز رأسه بإيجاب : دِلني يا سعد .. وجهّني علمني الوجهة الصحيحة لامنّك تقدر
أشر على خشمه وهو يقول : تبّشر .. علمنِي وش تحس فيه ! أنا ماني بمدرسة بالحب .. بس يجي مني لا تخاف !
تبّسم بخُفوت وهز رأسه بإيجاب وهو يعدل جلسته .. وهالمرة قرر يحكي كُل المشاعر اللي يحس فيها مِن يقابلها .. أو يفكر فيها.. كونها مشاعر لأول مرة يعيشها .. ولأنه يظن إنه حبّ صدق من قبل مااكان يظنها مشاعر حُب : أنا يا سعد أحس بالضيّاع والتيّة والدنيا تضِيق فيني لا فكرت إنها بتبتعد عنِي .. وأحس بقربها بالسعة والفيضان .. سواءً شعور ولا غِيره .. أحس بالرجفة بالخُوف بقربها والأرض تطُوى والنبض يزداد لدرجة ماصرت أقترب منها خوفاً على قلبي يا سعد .. أهّاب قربها
أهاب قوتها لدرجة ماعندي القدرة على الوقوف بنفس الصف معها .. ماني قادر أحدد مشاعري يا سعد .. هو حُب ؟ طيّب أنا عشته من قبل ولا كنت أحس بهالأحساس من قبل .. ليه أحس إني أول مرة أعيش هالمشاعر ؟
أبتسم بضحكة لما عرف إنه حبَ من قبل وقال وهو يربت على كتفه : أما أنت فتراك ضعت ولاعاد لك رجعة من هالطرِيق .. نصيحتي يا سند تنسى مشاعِرك اللي قبل لأن كلها زِيف خداع .. اللي قبل كان تعود، وحب زائف أنت ماذقت طعم الحب الحقيقي إلا الحين .. وأنت جالس تهرب منه برجلينك ويدينك لأنه أقوى منك .. بس صدقني مالك خلاص يا سند أبداً
عقد حواجبه وناظره بإنكار : اللي أعيشه حب ؟ ماهو بمعقول يا سعد
ضحك وهو يوقف ويدخل يدينه بجيبه : طحِت على وجهك يا بن فياض .. وهالطِيحة والعثرة ماوراها وقُوف أبداً .. تقبّل مشاعرك وتعايش معها لأجل تعيش لذتها .. الهُروب ماهو بحل أبداً
أبتعد عنه تارِك سند يتأمل الأمواج بعشوائِية .. ومن بدأ يتذكر تفاصِيلها حتى بدأت دقات قلبه تزداد بشكل مُخيف لدرجة رفع كفه يتحسس قلبه برهبة وهو يغمض عيونه خوفاً من إن قلبه تحرك من مكانه وتبرأ منه : يارب العبّاد اسألك الثبات .. أنا جديد على هالدرب .. أنا أنكر كل الِلي عشته قبل وأقّر وأعترف فيها بس !


أبتسم بضحكة وهو يرفع ذراعه ويتنفس الصعِداء براحة : أنا متأكد إنها وِجهتي .. وإنها الحقيقة الوحيدة في حياتي واللي قبلها كذب وزِيف .. ولا عاد بعدها شيء .. كان بين يديني خيارات كثير .. إما الرجوع للماضِي ونصلح كسّرة الخاطر القديمة .. والا الإنحناء بين كفين الحياة .. وأنا يارب أنا أبغى أنحني بين كفينها .. أنا من بد كل الخيارات إخترتها .. والله إنها
صارت حلم لا كسّرته كأني بكسر ساقِي
-
-
وعى من سرحانه وهو يبتسم ويرفع كفه ويمسح على وجهه بِضحكة .. لما تذكر إنه بعد هالموقف لف السفينة بجميع أماكنها لأجل يلقى مسجل .. لأنه مشاعره بِتلك اللحظة يستحيل تنتهي دون إعتراف .. ولما لقى المسجل ودخل الشريط بداخله كانت أول كلمة يقولها لها .. باليوم الأول اللي أقر بحبه لها " أحبك يا حياة "
وأنتهى التسجيل .. وهو موقن إن هالرسالة تستاهل تكون أول رسالة تسمعها !
-

{ عبد العزيز }

واقِف جنب إسطّبل جديلة .. وعُيونه مركّزة بالدقة عليها .. يُراقب ترنحها .. تبختُرها بأرجاء الإسطبّل .. صهِيلها العالي .. وقلبه ينتفض سطّوة وخُوف ! لما لاح له اليُوم اللي كانِت بتنتهي شُوفة هالفرس قِدام عيونه
غمض عيُونه وتفاصِيل هاليوم ماراح من بِاله .. وشلُون كان شادّ رسنها ولجأ للبر مع جدِيلة بأحد الصباحات.. ومن بين مشّيهم الهادِي قطع سكينتهم أصوات الرصاص العالِي .. اللي دوى بالمكان بشكل مُفجع .. وكأن السيناريو يُعاد .. ولكن هالمرة المقصُود كانت جدِيلة .. لأنه من نزل من عليها لِمح الرجل اللي وجه مسدسه صُوبها .. شد على قبّضة يده بعصبية وهو يلُوم نفسه إنه ما أخذ مسدسه معه .. وقف قدام جدِيلة وهو يفرد يدينه عشان يصد هالرجل عنها .
لِمح السيارة اللي توقف قدام هالرجُل .. والرجال اللي نزلُو وأحاطُو فيه و عقد حواجبه بإستنكار لما تحركت السيارة والرجل فيها .. مسح على وجهه بضيق وهو يناظر لجدِيلة .. ميّة إستفهام برأسه .. وش صار ؟ وهالحركة وش مضمُونها ؟ وليه متقصدِين فرسه ؟ ومن بعد هالموقف بدأت المُضايقات تُحيط فيه بشكل مُخيف .. بدؤ يدخُلون ديرته ويقلقون راحته .. بدؤو يرسلون تهدِيدات لامعنى لها سوى دبّ الخوف بقلبه .. بدؤ يراقبونه لما يكُون وحده .. أو مع أحد ما يقدر يتركه ويلحقهم ! لدرجة إنه أحاط بِبيته بأسوار من الِرجال .. والأهم جدِيلة اللي صار معها مرافقين خاصيّن لأجل ما يصيبها مكرُوه .. حياته صارت قلق وخُوف وإرتباك مو على نفسه لأنه مُوقن إنه بيكون بخير .. على أهله وأقرب ناسّه .. صار حتى النوم مجافيّ عيونه .. يفكر من ممكن يصِير غريمه ؟ فهيّد ؟ يستحيل يتجرأ على خطوة مثل هالخطوة ؟ وخاله رخمة ما يطول هالشيء ! أجل من بيكون ! تنهد وهو يمسح وجهه بكُفوف يدِينه بضيق ثم تبّسم وهو يحاول يدارِي خاطره .. عدُوه مجهول .. ولاهو قادِر يقاتل شخص ماهو موجود قدامه !
ألتفت وهو يبتعد عن جدِيلة .. وبإلتفاتتة عقد حواجبه بصدمة وهو يشُوف الأنثى اللي أنرمت بين يدينه بكامِل زينتها .. !
-

{ الجادِل }
بعد يوم مهلّك .. وتفكِير عميق عن الحياة الجدِيدة اللي بتعيشها أمها مع شُروق إبتداءً من الغد .. قررت تِتخلى عن المُكوث على السرِير .. والتحرر من ضغط جُدارن الغرفة عليها .. لِبست شالها المُلون بألوان فاتِحة .. وإتجهت برى الغرفة وهي تناظر بِلامُبالاة .. لِمحت بُشرى وسألتها لو عزيز موجود .. وفعلاً الجواب كان " عند إسطبل جدِيلة "
مشّت بخُطوات هادِية نحوه .. وفي ظل إتِجاهها له ..
إلتفت نعمة ناحِية إبّنة أخوها التي في بداية الصِبا .. وأبتسمت بخُبث وهي تناظرها نظرة إعجاب أخيرة .. من فُستانها الأحمر .. لشعرها اللي يكسُو أكتافها .. ووجهها الخالِي من المكياج واللي ماكان يحتاج التبُرج الزائد لشدِة جمالها .. أشرت على عبد العزِيز وقالت : بنت الراعِي جاءت .. روحي بسرعة
ناظرت لعمتها بإستنجاد وهي تُقول : نفداك "ارجوك" ياعمة .. إعتقيني من هالموضوع أنتي وعمي .. لا تأخذوني ضحِية !
غرزِت اصابعها بقوة بكتُوفها العارِية وهي تناظرها بِحدِة : إسمعيني زين .. عمش ناصِف طلبني هالطلب مخصُوص .. وهالفرصة جاءت بين كفيّنا لأجل يصير نسبنا مرتبط بالشِيخ .. وطبعا ماراح يقاوم وحدة مِثلش .. روحي وإغريّه وإكسري قلب زُوجته لأجل تتنحى من طرِيقش .. نبِي خليفة الشيخ منش أنتي
تُوجعت وكتمت وجعها بِسبب خُوفها
وهي تِحس بأظافر نعمة تخترق جِلدها .. هزت رأسها بإيجاب مُجبرة .. ومن حضّرت الجادِل حتى دفعتها بقوة وهي تأشر لها تِمشي بسُرعة ناحِية الرجل الِلي في خِصام كبير مع نفسه .. وبمجرد إلتفاتِته .. ألقت نفسها بكل أريحية على ذراعِيه



أمعّن النظر للِجسد الأُنثوي اللي أستقر بين ذراعِينه بشكل مُباغت .. واللي كان الظاهِر له بس شعرها الأسود اللي يغطِي وجهها عنه .. أستنكر الوضع .. كونه ماعرف الشخصّ اللي بين يدينه .. يستحِيل تكون الجادِل لأنه يميّزها من جلِدها بس .. ولكِن من هذه ؟
ومن سِمع صوتها الهامِس اللي يملؤه الغنج : مسّاك بالخير يا شِيخ .. أنا بين كفِينك
عقد حواجبه بصدمة وبذُهول .. ودفعها بقُوة عن ذِراعينه .. وهو يناظرها بنظرات مُشبعة بالقرف .. من هِي ؟ وش تسوي هنا ؟ وليه هالموقف صار ؟ يجهل كُل اللي حصل
أبعدت خِصلات شعرها عن وجهها وهي تناظره بعُيون دامِعة بسبب توسُطها أرضيّة البيت وقالت : جيّتك بنفسي .. كذا يكون الرد
غمض عُيونه بهُدوء بعدما حسّ بالنار تشتعل بصدره من فضاعة الموقف اللي قاعد يعِيشه بوسط بِيته .. وكُل اللي سواه إنه صد عنها بعد ما تفّلها بقرف ومشى عنها وهو يسّب ويشتم .. يجهل من هِي .. ويجهل وش نيّتها اللي حضرت بها ليّن وسط بيته !
كل اللي سُواه إنه تخلى عن الُوقوف قِدامها .. وهو شادّ على قبضة يدينه بكل عصبية ! هالموقف ماهو بوقته لأجل يحقق فيه .. وهالأنثى الرخِيصة ماعنِده وقت لأجل يتحرى عنها .. هّمه يطول الجبال ويهزها .. ماهو بملتفت لحصاة كان بيتعثر بها !
نعمة كانت حاضرة المشهد ومحترقة من العصبية .. شلون فرّط بوحدة جمالها يجبر الثقيل يليّن ؟ شلون دفعها بكل قرف عنه ! ماكانت متوقعة تكُون ردة فعله بهالقوة .. كانت متوقعة على الأقل يرضخ للتأمل فيها ! ولا كان لجئت للخطة الثانية ! .. ولكن اللحظة ما هّمها سُقوط إبنة أخيها .. كُثر همها بالدمُوع اللي سكّنت بعيُون الجادِل .. ولكِن تقدم الجادِل بخُطوات سرِيعة ناحية إبنة أخيها خلاها تِنصدم وتمشي لهُم بخوف !
-
-
{ الجادِل }

لِلحظة كانت بتِلتزم الصمت عن المشهد اللي حضّرته .. وبِتتخلى عن نفسها وتظل تِنتحب على سرِيرها لساعات طويلة .. وهي تِحس بالنار تحرق كُل جسدها .. مو بس قلبها اللي يفِيض من ناره
كِيف أنثى بهالزِينةً الكامِلة تنرمى بين ذراعِين عزيزها ؟ ماقِدرت تتحمل أكثر ورغم حُضورها لكل تفاصيل الحدث .. وطريقة تصُرف عبد العزيز معها إلا إنه ما شفى غلِيلها .. نيتُهم بأخذ أحبّ الرِجال لقلبها بين يدينها .. ماراح تحققها لهُم
تقدمت بخُطوات سرِيعة وهي تستقر بوُقوفها أمام هذه الأنثى المرمّية على الأرض واللي كانت تِداري خيباتها بدُموع سكنت محاجِرها .. لتِنحني بغضب واجِم إستقر بين عقلها وقلبها وتِلتقط شعرها بين كفينها وهي تِشده لها بكل عصبية .. أطلقت صرخة عالية بصدمة وهي ترفع وجهها وتناظرها بخُوف
الجادل نطقت بجُمود وهي تتأمل وجهها : حُضورك هاللحظة .. وإستصغارِك لذاتك ما يدُل إلا على رخصك يا رخِيصة .. وحدة مثلك .. ولو يجُون عشر غِيرك ما حركتو رِمش من رمُوش عينه .. إرفعي نفسك وصوُني كرامتك .. لأنك إن ما سويتيها والله العظيم لأمسح بكرامتك آراضِي الخسُوف .. لا تتعديّ على مُمتلكات بنت عناد مرة ثانية .. عشان ما أذوقك طعم الموت وأنتي حيّة
تركت شعرها لما بدأت البنت تِنتحب .. وألتفت على وُقوف نعمة قدام عُيونها لِتستقر ضحكة ساخِرة على وجهها وتُردف بالقول : الأكيد إنك لازم تعرفِين .. إنك أنتي وبنت أخوك ما تسُوون شعرة مِني .. لذلك إلزمي حدك يا نعمة .. تراك بتتعبين كثير عشان تثِيرين إنتباه عزيز .. وبعد تعبك كُله ماراح تفِلحين .. لا ترخصُون نفسكم أكثر .. لأن حتى لو إنكم بِبلاش ما أستقر نظرنا عليكُم ! هالمرة بكيفي بعديّ الموضوع .. لأن كلامي يكفيكم .. لكن ورب العبّاد المرة الثانية ما أرضى إلا برأسك .. وأنتي تعرفين لا بغيته ! جبته
ألقت كلامها بإستهزاء وهي تناظرهم بإحتقار ..وأقفت عنهم وهي تِمشي ويدينها تِشد على أطراف شالها .. تعرف إن نِعمة ماراح تُتركها تعِيش بسلام !
نعمة أبتسمت وهي تناظر للجادل اللي تِمشي متاجهلتهم .. وناظرت لإبنة أخوها اللي تِنتحب بهدوء .. إنحنت لها وهي تُربت على كتفها وقالت : وقفِي وقفِي .. أبشرك خُطتنا نِجحت
رفعت رأسها بإستنكار ونعمة أبتسمت بخبُث وهي تمشي وتِبتعد عنها وهي تِتذكر كلام ناصِف " كُل اللي أبغاه تِزعزين سكينة حياته من الداخِل .. أبغى القلق والمشاكِل تستقر بحياته .. لأن التراكُمات اللي بتصير له هي اللي بتِهده .. ياما قطرات مطر كثيفة نخرت وهدّت جبل على وقُوفه .. لِذلك سقُوطه بيكون بالطريقة هذي .. بالتقطِير "


{ حيّاة }

ساعات عدِيدة وهي تنقُل نظراتها على الشِريط اللي يكسُوه اللون الأبيض اللي مائل للصفار .. وعلى أطراف يكُتب بالخط العرِيض " حـياة للأيام اللي مضت .. ولِسنين الجاية وليوم الدين "
ماكان عندها الجراءة تِفتحه ، وتسمع مُحتواه .. ولكِن من حست إنها ملّت من نقل النظرات على أطرافّه .. سحبت المُسجل الأسود وهي تحشُو الفراغ بالشريط .. ضغطت على زر التشغِيل وبدأ صوت المُوسيقي يعُلو أرجاء غُرفتها" اليوم الخامس من شهر جمادى الأولى .. وأبلغ رسائلي هي أحبك ياحياة"
وُسعت أحداقها بصدمة وهي تضغط على أزرار المسجل بلا وُجهة عشان تِقفل صوُته اللي زلزلها .. ومن نِطق بإعترافه حتى ظنت إنه سُكب عليها ماء بارد يفِيض بالإنتعاش .. تجهل سُكون قلبها اللي هدأت إضطراباته .. وتجهل رُوحها التي بدأت تُحلق بين الغُيوم .. كان الشيء الوحيِد اللي تنتظره منه .. إعترافه بأنها ماكانت حياة عادِية بالنسبة له .. كانت شيء مُميز وفارِق ومُلفت .. ومن بدأت تِستمتع لبقيّة رسائله على مدى الأشهر اللي أبتعد فيها عنها .. واللي أستمر يسجلها طوال أيامه السابقة
حتى تلّونت حياتها بألوان الزهِر .. وفاضت بالرِضا من كُل حدب وصُوب ..
مُحتوى بعض الرسائِل كان له النصِيب الأكبر في قلبِها .. وللآن صدى صُوته وهو ينطقها عالِق في مسامِعها
"وأعرف أن الطريقُ إلى الإنكار مُتعب وحيل صعب يا حياة .. لأن وضوحك عليَّ مثل شَمس ."
وليُكمل بحماسه المُعتاد " إسمعيني زِين .. ترى ما يهمّني الشقى اللي بعيشه وأنا أطلب رِضاك .. المهم ترضِين .. لإن والله إنّي لا أحبك .. وإنت عينك تشوف وأتمرّد على الدنيا وهذا وعد"
‏لِتتمايل على مسامِعها نبرته الهادِية اللي نبعت من تعبه طُوال اليوم واللي ختمها برِسالته لها " وإذا على الوصل أنا أعاهد وربي ما بيوم أجفاك
‏لخجّل بالعطا غيري و أجازي صبرك وصبري".
وإستمرت بسماع صُوته مرات عديدة .. ولساعات طويلة .. دُون أن يصيبها ذرة من الملل .. ماكانت تدرِي إن المُوسيقي تمكن من قلبّها حتى التعب الي يتسلل له لو غاب عنها !
-
-
يوم جدِيد .. وبمقّر شيخ هِشيمان .. بعد ما تم الفرح في ربُوع الخسوف .. إنتقلو لإكمال مراسِيم الزواج في بيت العرِيس .. وفعلاً جميع الحاضرين كانو من دِيرة الخُسوف .. وفي أثناء الزفاف نقلت أنظارها بِشكل سرِيع على أمل أمها اللي متشبّثة بيدين شُروق وترُقص معها على أنغام الطبّل بكل فرحة وعلى وجهها بسمة فرح..ضحكت بسُخرية وهي تِكتم دُموعها وعصبيتها من الموقف اليل حضرته .. ماكان وُدها تحضُر .. ولكِن إصرار حكمة في حُضور زوجة الشِيخ لزّم عليها .. والا هالبيت كانت عايفته من شُهور طوِيلة ..

نقلت أنظارها لمُنى اللي جالسة جنبها ولِقتها تتأمل شُروق بعشوائية لِتهمس لها : أكلتي البنت بعُيونك !
ميّلت شفايفها بإستهزاء وهي تصرف نظرها عنها وقالت : ماكنت متوقعة إنها بتكُون بهالفرح .. الله يسعدها بس والحمد لله فكتنا من شرها !
ضحكت وهي تِهز رأسها بآسى وأردفت بقُولها : حياة وينها ؟ ليه رفضت تِجي !
أبتسمت بِضحكة وقالت : هِي كانت بتجي بس أنا ثبّطت عزِيمتها .. الليلة رِضاها بعون الله
عقدت حواجبها بإستنكار ومُنى أبتسمت براحة لما أيقنت إن بين رضا حياة وسند خُطوة وحدة بس .. يخطُوها بالوقت المُناسب وراح يعُم الرضا أرجاء المكان !
-
_
{ سنّد }
بعد ما تناول المِفتاح من سعد .. واللي حلّف إن الليلة أقصى ليّاليه .. سواءً رضت أو لا
ضحك وهو يتِقدم من الباب ويفتحه بهُدوء .. ماكانت تدري عن حُضوره .. ولا عن خُطة منى وأم سعد لها .. لِذلك كانت مأخذ أريحيتها كون البيت خالِي من الكُل دُونها
نقل نظراته لأرجاء المكان .. بإستنكار وإستغراب لما ما لقاها .. وكان محطته الأخيرة السطّح .. وفعلاً ظنه صحيح من خطى آخر خطاويّه حتى تِنهد بعمق وهو يبتسم بخُفوت لِما لقاها واقفة تناظر من سطح البيت وخُصلات شعرها تسابِق الريح مع شالها .. في منظر خلّى بسمة هادية تبان على ثُغره وهو يسمع صُوته يخترق سُكون هذا المكان .. وهذِي كانت رِسالته الأخيرة لها .. باليوم اللي قابلها فيه وردّته
" أنا حتى قِساك أحس به لين وحسن نيّة .. إقسيّ علي حتى قسّاك أحبه"
تِقدم بخُطوات صاخِبة وهو يضرب برجله سُكون الأرض لعلّها تِنتبه له .. وفعلاً
قطع السُكون والتفت بخوف ومن لمحته شِهقت وهي تلتفت بسرعة وهي تقفل المسجل على عجل وتضغط على الأزرار بلا وجهة بس عشان ينكتم الصوت ومن تقفل.. بلعت رِيقها بصُعوبة برهبة من حُضوره هذه اللحظة ومُباغتِته لها في لحظة سُكونها وإختلاءها بصُوته .. تنحنت وهي تِحس إن صُوت دقات قلبها علّت بأرجاء الِمكان ورجعت تِصد عنه وهي تغمض عُيونها بصعُوبة



ضحك ورنّت ضِحكته الهادية بمسامِعها وهو ملاحظ إرتباكها وتوتُرها منه .. وكأنه أستغل هالوضع وتِقدم بخُطوات سريعة وهو يلف يدِينه حُول منطِقته الخاصة .. حُول تملُكه الكبير .. ومِن حست بيدينه حول خصرها حتى أرتشعت جمِيع أطرافها .. هالمرة ماكان لها قُوة على المِكابر .. ومِن لما سمعت صُوته قبل أيام وهي متخليّه عن بِشت الكبرياء .. كانت محتاجة بس خُطوة وحدة منه .. عشان تقرُب كل المسافة .. وهذا مُناها من قبل والحين وبعدين ..
بِقت ثابّتة بمكانها دُون حركة .. لِيصلها لمسامِعها ضحكته الهادِية اللي تعبر عن فرحته بِسبب قَبولها بقربه دُون سخط منها ودُون رفض .. وهذا كان إعجاز بالنِسبة له ! " وأخيراً رضيتي يالقُرب يا حياة"..
وبعد مُدة مو قصيرة وهو مِتكأ بوجهه على كتفها ويدينه حول خصرها وقُربه منها ما يخترقه نسّمة هواء .. وهي مستسلمة لقربه.. حّررها من يدينه وأبتعد عنها وهو يبتسم وباشر بالقُول وهو يتأمل تفاصِيل وجهها : أنا ما أهاب البحر .. ودُوم أغرق بأمواجه ولكِن ليه تفاصيل وجهك الغرق فيها مُخيف ومُهلّك .. تجبرني على الغُوص دون وجهة ؟
رسمت على شفايفها إبتسامة ساخِرة .. وقالت بعد مدة من الصمت : مو بس الغرق فيني مُخيف .. حتى الطريق معي طويل ويهلّك يالمُوسيقيّ .. محد بقده
ضحك من ردّها وأيقن إنها تِبي تقيس متانة الغُصن قبل تِعليق آمالها علِيه : لا تخافِين مني .. ولا تخافِين من إنك ما تلقين شخص قدك .. ولو إني ما أجاريك بالصعوبة ولكن لك عليّ إن صارت الرحلة طويلَة لو نموت من الحسافه.. مارجعنا .. أنا ما نوّيتك أبد .. أنتي صرتي مني وفيني وحدثتي لي مثل ما تحدث الأسماء دون إختيارها .. بل حسيت بضرورة حبك .. وإن حبك مألوف بالنسبة لي .. ما داهمتني الغربة مازارني شعور الريبة .. ولكن صار عكس هذا كله .. وكأني تعودت على إني أحبك دائماً بدون سبب .. مثلما نحب الوطن .. علميني بعد ذا كله كيف تبغيني أنجو ؟
هزت رأسها بإيجاب وشبّكت يدينها بتوتُر وهي تُخفيها خلف ظهرها وتِشتت نظراتها لِلمكان بعشوائِية حينما حست إن جميع مشاعِرها وضحت على وجهها .. بقى يتأمل وجهها إلين قال بعدم وعيّ : أباخذ وجهك لعمري ..
رفعت حاجِبها وهي تناظره بإستغراب لترُد بِقولها : بـ أي حق ؟
ضحك من نبّرتها وأقترب وهو يحاوُط أطراف وجهها ويبتسم بِرضا : بحق اللي خلّق وجهك عشـان أفرح
ميّلت شفايفها بإبتسامة وهي تنقل نظراتها للِمكان دُون ما تصادف وجهه .. ومن لما أستقرت عُيونه بعيونها .. أيقن إن العتب طاح ولا بِقى إلا الحب
أبتعد عنها وهو يرفع كفه .. ويقفل أصابعه ويفرِد إصبعه الخُنصر وهو يبتسم بهدوء .. لاحظ ضِحكتها الهادِية اللي أجبرته يركز بعُيونه على تقاِسيم وجهها وهي تِضحك .. ورفعت يدها وهي تِعقد خُنصرها بخُنصره علامةً للصِلُح .. واللي أيقن إنه بسبب الشرِيط اللي ما تعدى حجمه الكف .. ولكِن بداخله عالم بأكمله ..
-

{ سعد أم سعد مُنى }

وقف قِدام الباب وهو يدندن بصُوته ويدينه تِلعب بعشوائِية على الدرِيكسون .. نزلت مُنى وأتبّعتها أم سعد بعد يوم طوِيل حيّل قضُوه بالطرِيق من ديرة الخُسوف لهشِيمان .. كان بيتحرك بس خُروج أمه خلاه ينتظر ويلف لها بإستغراب : عسى ما شر يا كبدي ؟
أم سعد قالت بفرحة : حيّاة ماعاد هي بموجودة .. الوِكاد إن زوجها شلّها معه
ناظرها بصدمة وللحظة ضحك بعدم تصدِيق وهو يفز من مكانه : أسالش بالله يايمه ، أنتي صادقة ؟ تراضو أخيراً !
ضحكت بخوف من فزّته وقالت : من يشوفك يظنك اللي تنتظرها ترضى
أبتِسم بضحكة وهو ينزل من السيارة ويتجه لأمه اللي واقفة عند الباب : إي والله إني محترق لين يتراضُون .. وأخيرا أنفك الحِصار .. الليلة قبل تِنتهي وتأشر xxxxبها على نهايتها .. أبخطب هالمنى وأرتاح يمه .. تعبت من الإنتظار
عقدت حواجِبها للحظات .. وثواني بسيطة وصدعت صُوت صرخة أليمة من سعد اللي داهمِته عصا أمه .. ولكِن هالمرة على رأسه .. ثبّت يدينه بوجع بمكان الضربة وهو يحس بالإرتجاج بمخه .. ماكان حتى قادِر يتكلم من قوة الألم
ناظرته بعصِبية وبحدة وهي تشد على قبّضة العصا : وعادك الحين فكرت تحكي ؟ وينك تسعة أشهر والبنت منثّبرة بهالبيت ؟ أنا أنتظرك تتحرك .. ميَة مرة وأنا منتبهه لنظراتك لحركاتك ولتلميحاتك بس أخبّرك رجال .. ما تمشي عليك حركات المراهقِين وتدق الباب .. وتقدم ناصر كان قرصة إذن لك .. ولكنك فاغر رايح تضربه وتارك تقدمك للبنت على جنب أنا حلفت لك إني ماراح أتكلم بسالفة زواجك لين تحكي أنت ولكن تسعة أشهر يالظالم ؟ كيف قدرت تتحمل ، وتخِليني أحترق عشان حلُوفتي ماتروح نذر ..


ضحك بصُعوبة وهو مو قادر يتكلم بسبب وجع رأسه وغمض عيونه بألم وهي ناظرته بنُص عين
ثم أردفت على عجل : اللِيلة بحاكيّها عن خطبتك لها
هز رأسه بالنفي وهي رفعت عصاتها فألتزم الصمت وتنحنح وهو يرفع رأسه بعد الوجع الكبِير اللي صابه
ناظرت بطرف عيّنها وقالت : وبكُرة تجيب الشيخ يخطبها مني .. ماعندنا بنات يروحون بالساهل
ناظرها بضحكة وبذُهول وهي أبتسمت وقالت : بزوج بنتِي يا سعد .. لازم تلِيق فيها
وهنا تحولت نظراته لِصدمة وعتب : أنا ولد أبو صهيب يعني ؟ منتي ثلاثين سنة تنتظرين زواجي
مشت عنه وهي تقُول : راحت فرحتك .. سنين عِجاف أنتظرك ترويني !
أبتسم بضِيق وهي دخلت والفرحة مو سايعتها .. هي ماهي جاهلة ولا غبيَة بالأمور هذي .. هي كانت تغِض البصر .. وتكذب النظر تبيه يقدم على هالخطوة هو .. تبيها منه
لأنه لما كسّرها ورفض بنت أخوها .. حلفت ما تفتح هالموضوع معه أبداً .. لحتى يفتح الموضوع هو
.. هي كانت تدري إن ماله إلا مُنى .. لأن ما يختلف إثنين على تشابههُم
لقت مُنى ورى الباب واقفة .. ووجهها منعِفس ومنقلب لُونه لتدرُجات الأحمر من قوة خجلها .. أيقنت إنها حضرت المحادثة اللي دارت بينها وبين سعد لِذلك همّت بالقول دُون مقدمات : موافقة على السّعد يا منى ؟
أُلجمت منى .. وتِخللت الرهبّة جميع أطرافها
هي ماقدرت تِستوعب كلام سعد .. اللي أنتظرته على أحر من الجمر .. تِستوعب الحين سؤال أمه الصريّح
ضحكت أم سعد وقالت وهي تضغط على عصاتها : هالمرة أعتبر سكوتش رضا وموافقة .. والا لش كلام غيره !
ناظرتها بإحراج وحيّاء وهي تِتحس أطراف وجهها بيدينها بعدما حسّت بحرارته تفِيض منه .. ثم هزت رأسها بإيجاب وهي تهُرب لداخل البيت .. بانت ضحكة هادِية على وجه أم سعد اللي هبطّت على قلبها الطمأنينة من كلام سعد اللي أنتظرته سِنين طويلة
-
-
{ سعُود }

بعدما أيقن إن هادِي رجّع أهله من زواج شِيخ هشِيمان .. .. لأن كان عِنده شغل إضافي بمحطة ندِيم .. كونه إضطر يدخلها بِسبب إرتباط محطتهم بمحطته .. وهالشيء كان ثِقيل عليه مع ذلك حارب شُعوره .. نزل من السيارة وهو يتنهد بِضيق .. وسحب غُترته وهو يثّبتها على كتفه بعشوائِية .. أقترب بخُطوات هادية للبيت .. ولكنها وقّف مكانه وهو يحس النار تِشتعل بجسده العرِيض .. ويدينه تِنتفض وهو يُشوف سحابّة .. زوجته اللي حلفت بنقاوة شعُورها إتِجاهه .. قابِعة أمام الباب بنفس المنظر اللي قابّلها فيه بأول مرة .. وبنفس المكان وبنفس التفاصِيل .. وأيقن إنها دجّالة .. وجميع كلامها كذب وإحتيال .. وشُعورها كله زِيف وخداع
ولأنه يحس إنه وُضع بنفس الموقف للمرة الثانِية على التوالِي .. زاد الغيض والحقد والكُره عنده للضعف .. لِذلك تقدم بخُطوات سرِيعة مشحُونة بالقرف والكُره إتجاه الفتاة القابعِة خلف هذا الباب العتِيق .. ليشهد على صرخة مكتُومة .. ونظرات صادِمة منها بعدما ثبّت اظافره القُوية بمعصمها الرقِيق وسحبها بكُل قوته معه وهي تحاول تفلّت مِنه بصعوبة وخوف تملّك جميع أجزاءها وهي تِحس بالرُعب يتسلل لقلبها ويكسوه لدرجة إنه فاض .. هالشخص اللي تشُوفه مو سعود .. هذا شخص غير تماماً !
كان كُل اللي بين عُيونه المشهد ما قبّل خمس سنوات .. شعُور ذيك الليلة ، الظلم والخيانة والخِيبة اللي تعرض لها
وكأنه كان ينتظرها تِخطي خُطوة للموضوع هذا عشان يأكد شُكوكه وكأنه كان رهن إشارة لعودتها للشخص الُمنتظر..
فلت مِعصمها بكُل قوة وهو يدفها عنه بقرف ..وبِسبب إختلال توازِنها إرتطم جسدها الرقِيق بأرضية الغُرفة بقسوة .. كانت تحت تأثير رُعب نظراته وملامح وجهه المُخيفة .. كانت مُوقنة إن هالشخص تُلبّس .. أو أحد لعب بأوتار عقله لأجل يهيّج بالطريقة المُرعبة هذي !
تقدم لها بخُطوات تِزلزل من تحتها الأرض من سطوة غضبه اللي أجبرها تِزحف لورى وهي تحس إنها بتُشيع جنازتها بسبب الشعور المرعب اللي تِعيشه هذه اللحظة .. ماكانت تدري وش فِعلتها .. ووش السبب اللي خلاه يهيَج بالطريقة هذي
وبسبب تصرفاته ماكانت قادرة حتى تستفسر وتِسأل وتبرر !
أنحنى وهو يجلِس نص ركبة قدامها .. ورفع كفه وهو يِشد بقوته على فكّها قال بِقرف وهو يناظر عُيونها بسُخرية : كنت أظنك سحابة ما يطُولك عِيب من عُلوك .. ميّر طلع مِكانك القاع والثرى تِشهد بِدناءتك .. صدقت طُهرك صدقت عِفتك ولما شهِدتي بأبوة هادي قلت لا يُعلى كلام فوق تربِيته ويستحيل تِرجع تعيد الماضِي وتبقى على أعتاب بِيتي تنتظر شخص غِيري وهي على ذِمتي
أخطيت بالظن إنك طاهرة .. أخطيه لما حسبتك شريفة وبتصونِيني
ألجمت .. وكلامه كان مِثل اللي غرز سِيف معدن بوسط صدرها لاخلاص مِنه سوى الموت !


كيف قِدر يطعن بشرفها وهي اللي صانت وحافظت على عهد حُبه لِعشرين سنة !
شُلون بعد هالسِنين كلها ولما صارت على ذِمته يُلوح له طارِي الخيانة بالشكل الشنيع هذا !
وش الموقف والحياة اللي عاشها قبلها .. لأجل يظن فيها هالظن بسبب وقُوفها وإنتظارها خلف الباب ويترقب زلتها بالشكل المُريع هذا ! من قوة وقع كلماته على قلب الهش .. ماكانِت قادرة تِحس بوجع فكّها اللي كان بيتهشم بسبب أصابع سعُود اللي تضغط عليه ! كان وجع قلبها أقوى
ترك فكها من بين يدِينه .. وهو يوقف ويناظرها بآسى : أنا خِيبتي المُرة إني ظنيت بك خير .. ولكِنك أسوء من اللي قبلك ! أنت عِبارة عن دناءة مُتلبسة ثُوب الطُهر ظنيتها خير عليّ
سكت وهو يمسح على وجهه ويصد عنها بينما هي كان قلبّها يصرخ من حُر ما سمعت .. وقفت وهي تِترنح بوجع وهو ألتفت وناظرها وهو يشوفها تستقِيم بصعوبة قدامه .. تِقدم نحوها بعصبِية وهو يقول : لا تستقيمي قدِامي .. أنت تستاهلين الإنكسار أنتـ....
تساقطت الكلمات من حُنجرته وهو يسمع صُوتها المكسُور ويراقب عُيونها اللي تِصرخ وتفِيض من الدُموع : أنا كُل اللي طلبته منك ثقة غير مشرُوطة .. وحياة معك ما تكون مليانة ألغام ومنتظرني بس أدُوس عليه لأجل تفجر فيني .. أنا ماني بحاجة شخص يراقب زلاتي ويتصيّد أخطائي لأجل يعصَر قلبي بين يدينه
تراجع خُطوة لورى بكل سخُرية وهو يقول : أنتي ما يحق لك تطُلبين أي شيء يا دنيئة .. أنتي بخيانتك لي تستاهلين الوجع وأضعافه ..
أخذت نفس وزفرته بهُدوء .. وهي مُوقنة إنها مُخطئة بقدره بسبب إخفاءها لهالسر طُول المدة السابقة .. ولكن ماترك لها فُرصة تبوح بمكونها له ! كان دائماً يربّط يدينها بسبب تصرفاته .. ولكن هالمرة إنتهى الصمت .. لابُد يعرف عشان يعض أصابع الندم من حسرته
تقدمت خطوة بإتجاهه وهي تناظره بكُل قوتها وهي تقول : أنا مدري وش عشت قبلي .. وأي الخيبات تلقيتها من غيري .. ولكن صدقني بتعيش أنواع الحسرات لأنك ظنيتني أشبّه غيري .. راح تدفع ثمن هالظن أضعاف من الوجع لأنك تصيّدت لي الخطأ وحكمت عليّ بسبب وُقوفي خلف باب
أنحنت وهي تِسحب شالها من الأرض وثبّتتها على شعرها وهي تِطلع من الغرفة متجاهلة صدمته من حكيها ومراقبة عِيونه لتصرفاتها
مسح على وجهه بيدينه اللي تِرتجف وتقدم وهو يجلس على طرف السرِير وهو يفتح ياقة ثُوبه بعدما حس إن الأكسجين بدأ يتلاشى من صدره ويختنق من الضيق اللي أحاط فيه .. هو مِنكسر ومنخذل لأنه ظن إنه عاش نفس الخيبة وبنفس الجرح اللي كان صعب يتدارى .. ولكن بكلامها هذا كسرته أكثر ! وكان خايف .. خايف من تصرفها كثير
ماكان يِنتظرها .. كان يظنها لجأت لبيت أبوها وتخبّت فيه عنه ولكنه رفع عُيونه بإستنكار وهو يشوُفها تِستقر بجسدها النحيل قدِامه وبيدينها صُندوق كبِير وعلى وجهها أثر الخيبة .. عقد حواجبه بِصدمة وهو يشوفها ..
تِسحب الغطاء الكُرتوني وتِرفع العلُبة وهي تِنثر جميع محتواها قِدام وجهه .. ليُلوح لبصره أوراق لا تُعد ولا تحصى .. تشترك بشيء واحِد .. " سعُود"
بلع ريقه بصعُوبة .. وبإستنكار شدِيد .. ومئة إستفهام أستقرت بحنايا عقله !
رفع بصره بعدما شتّتها عن هِذه الأوراق وهو يركز بعِيونه على السحابة اللي كتفت يدينها وناظرته وهي تدعّي القُوة .. ومن حكت حتى بانِت الرجفة بُصوتها بسبب الإهتزازات وبسبب تنفُسها الصعب من الوجع اللي تِحس فيه ينخُر أورِدة قلبها الرقِيقة : أنت شخص منتظر عليّ الزلة .. وأنا شخص ما أخطيّ
أنا شخص عاش مع شخصك عشِرين سنة ..
بدأت ملامح تِشتد بإستنكار بعدما أردفت : لما كُنا نلعب بشوارع الخُسوف بعمر الثمان والتِسع .. وكُنت لاهِي عنّي وتعتبرني أقل منزِلة منك لدرجة كُنت تترفع عن اللعب معي .. أنا كنت هايمة فيك .. وكنت أترقبّ ضحكة منك لي أو إبتسامة ولو إنها عابّرة ..وحتى مُراهقتي اللي عدّت وأنا أرسم وجهك بمخيلتي .. وأحاول أدور صورك لأجل أقصها وأثبتها بدفتري بينما كانُو صديقاتي ومن هم في سني يقُصون صُور فنانينهم اللي يحبُونهم !
وحتى بصِباي وشبابّي كنت أترقبّك وأنتظرك .. عِشتك سر بداخلي سنين لا حصر لها يا ولد الشِيخ .. حفظتك سر في صدِري .. وحلفت لو تفنى صُدور الأرض ما بِحتك .. وبينما كنت تنتظر تلقى خطايّ .. أنا كنت أنتظرك على أعتاب بابك .. بينما كُنت متواريّة عن النظر ومتخبّية عن قلبك.. أنت أخترتك تناظرني بهالنظرة دُون تسمع تبريري .. دُون ما تسمح لي أطلق العنان لمشاعري ..


أشهر طويلة وأنا هنا جنبك وأعيش الصراعات عشان أعترف لك إنك الشخص اللي كنت أنتظره منذ الأزل .. ولكنك ما كُنت مقدر النعمة اللي بين كفُوفك .. العكس تماما كنت تِرتقب زلتها لأجل تهيّنها ..كلام أبوي ما تعداّك يا سعُود حذرّك إني مثل السحاب بالرِقة .. وإن أنكسرت صعب كسّري
علمنِي .. وشلون شعُورك وأنت مأذي قلب شخص لدرجة إنه يظن إنه أرتكب ذنب لأجل يعيش هالوجع .. ولاهو بأي قلب يا سعُود قلب صان حُبك لعشرين سنة ! ألتفت عنه وهي تشد بيدينها على أطراف حجابها بعدما حسّت إن وجعها فاض من عُيونها وقالِت بهمس قاتِل : إعتبرني سحابة صِيف مرت ولا حد تضرر كِثرها
غمضت عُيونها بِضيق شلُون كانت معلقة آمالها إن هالصُندوق بينفتح بآبهى الطُرق وبتعترف بطريقة مليانة حُب وإبتسامات .. بينما صدمها الواقِع المُر وهي تُنثر مشاعر إستمرت محتفظة فيها عمرها كله .. تخلّت عن وقُوفها في الغرفة وفعلاً لجأت للحصن المنِيع بالنسبة لها .. لأبوها مُقدر السحابة وحامِيها ورافعها فوق شأنها .. للأمان اللي فقدته مع سعُود .. واللي كانت تحتاج تحس فيه باللحظة هذي .. تاركه وراها قلب .. ومشاعِر
بينما هو أنحنى وهو يستند على رُكبه وينقل بصره بين هذه الأوراق المنثُورة على الأرض .. صوره مقصوصة من الجرائد بعدما ثُبتت على أوراقها بِسبب مقالاته عن السباقات الرِياضية نفس الصُورة قصت من سبع جرائد ولُصقت فوق بعضها ! إنتقل ِببصره لصورته الثانِية لما كان مُراهق وأنتقل لبِقية الصور .. كان مدهُوش .. مصعُوق منذهل
للآن تحت تأثير كلماتها ونبرة صُوتها .. والحين تحت تأثير الأشياء اللي ربطتها فيه لسنين حتى عتى عليها الزمن دُون معرفته!
بلع رِيقه وهو يُشوف ساعته اللي كانت مسِتقرة في معصم يده بطفُولته .. واللي كان يتفاخر على أبناء سنه فِيها .. غُترته البيضاء اللي عرفها من تطريزة إسمها على حفافها واللي كان دائماً يحرص على أمه تطرز إسمه على أطرافها بسبب سرقة فهيد لها ..
نظاراته الطبِية واللي كان يلبّسها لفترة من الزمن وتخلى عنها ونسى منها بينما هي أخذته خِلسة وأحتفظت فيها .. مسبّحته السُوداء .. خاتمه بأيام مُراهقته واللي كان عقِيق أزرق .. أشياءه اللي تِشبهه له واللي كان يظن إنه تخلى عنها وتركها بينما هي كانت تستلِذ بتجميعها .. عشرات من الدفاتر اللي محشُوه بآلاف الكلمات واللي كانِت كلها تخُصه هو وحده .. ولا لغِيره نقطة أو حرف
أُسر .. غرق .. إنتفض من سطوة المشاعِر اللي أحاطت فيه .. صُعق من فكرة وجود شخص سكن حُبه في قلبه لقرن كامل من الزمن ! وكان رده على هذا الحب "كسّره"
شد على أطراف يده بعصبية وهو يحس بالوجع يتسلل لقلبه وهو يذكر أثر الدُموع على خدّها .. وعُيونها اللي أحاط بها الوجع .. ولا ينكر إنتفاضة قلبه بسبب إهتزاز صُوتها لما أرتجفت من الوجع
أخطأ بحقها خطأ حياته .. وهو يعترف بذاته إنه كان ينتظر منها الزلة لأجل يقطع حُكمه اللي حكم بها عليها من قبل يتزوجها .. بسبب هالشيء بالذات كان مُتناقض معها .. مرة تحضره مشاعره السيئة فيصير شخص بارِد صلب ويتصيّد الخطأ .. ومرة تغلب رقتها صلابته فيتحول لِشخص يليق بسحابة
غمض عيُونه بضيق وهو يغلف وجهه بكُفوفه بعد ما تذكر الخيبة اللي كانت مزرُوعة بوجهها .. وأيقن إنه طاح بمتاهة لا خروج منها أبداً ! كانت تِبي يثق فيها دُون دلِيل يصدقها ويوقف بصفها بدُون يغلبه الشك .. ولكِنها ما لقت إلا التشكِيك والصد والجفى وهذا الي كاسِرها
-
-

بعيداً أتم البُعد عن العاصِفة مع سحابة الصِيف .. عِند الشخص اللي همه مُبهمه وفاق الجبال الرواسِي .. أصدر تنهيدة وهو واقِف قدام إسطبل جدِيلة .. كما كان واقِف قبل أيام .. ولكِن هالمرة ماكان باله عِند جدِيلة .. لااا
كان عند مكان ثاني تماماً .. رفع كفه بخفوت وهو يمسح على وجهه .. الهم شايله على كتوفه لحاله .. يستاهل يوزعه على اللي حواليّه .. ولكن مع ذلك كان يداري خاطِره بإنهم بخير .. ومحد بيقرب منهم لامنّه عايش .. رفع رأسه وتأمل الهِلال وتنهد بعُمق وهو يبتسم .. ماباقي لرمضان سوى يومين .. وهالشيء كان كفيل بإزاحة كل الهم من قلبه .. وبمُجرد ما ألتفت عقد حواجبه بصدمة وهو يحس بجسد أنثوي ينثنِي على ذراعينه .. ولكن هالمرة كان غِير .. من لامس جلِدها ذراعه حتى تيقّن من هي .. وعرفها دُون يكون بحاجة لرؤية وجهها أو باقي تفاصِيلها .. تبّسم بضيق .. وأيقن إنها حضّرت الموقف مع الرخِيصة اللي عرضت نفسها عليه .. وهو الود وده ماتكون حاضرته .. ولا يكون مر شبح طيفها حتى .. لأنه بيجيب لها الهم .. وهو ما يقدر على ضِيمها !

من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن