30

22.6K 200 55
                                    



وقف سند قدام سيارته اللي تركها بمواقف الميناء وألتفت لسعد وقال : للخُسوف ؟
هز رأسه على عجل وهو يرمي الشنطة بالسيارة : ولا دقيقة نوقف فيها هنا .. يارجل ماكنت أظن إن أكسجيني بس هناك محصور وإني مقدر أعيش الا فيها
ناظره بسخرية من رأسه لرجله وهو يقول : واضح كل الوضوح يالشيّبة المترهل .. حتى الثوب ماعاد أعترفت به !
ضحك سعد وركب السيارة وهو يقول : وش أسوي ؟ وهذي كانت تسليتي الوحيدة أما أتعلم لهجات والا أغير هالملابس والا أسمع نقّك اللي يصدع بالمخ
أبتسم بضحكة وهو يناظر للرجُل الجنوبي اللي كان يظن إنه مستحيل يتخلى عن عُصبته وجنبيته تحت أي ضغوط .. ولكن من هالسفرة تغيرت نظرته كُلياً عنه ..

ألتفت وهو يشغل سيارته وينطلق دون راحة .. ودون توقف لديرتهم .. وهالمرة ماكانو الأشخاص اللي نفسهم خرجو منهم .. لاااا
أشخاص غير تماماً .. وكأنهم بوحدتهم بالبحر لقو الشيء اللي كانو مضيعينه واللي ترك لهم غصة مالقو لها حل إلا بالبعد !
-
-
{ حياة }

مرت الأربعة أشهر علِيها مِثل اللي بجسده سُم .. وحوله أشواك تحاول تقاوم بالوقوف عليها .. ولأنها حياة قدرت تتغلب على السُم حتى مع غرز الأشواك برجلها
أيام طويلة إِدعت فيها القوة وهي من فُرط الوجع جوارحها تِبكي بصمت .. كانت موجوعة حيِل منه
شلون رِضى يسافر بالطريقة المُرة ذيك ؟ والأهم دون يعطيها طلاقها اللي كابدِت المر عشانه ؟ والسؤال اللي كان يخترق قلبها مِثل الرصاصة ليه للحين غايب بعد ما مرت أربعة أشهر ؟
وش بيكون شعورها لو قابلته بعد هالمُر كله ؟ أسئلة كثير كانت حاِضره برأسها اللي أصبح على وشك الإنفجار من فُرط الأفكار فِيه .. والأهم قلبها اللي كان مُتهشِم مع ذلك كانت تقاوم .. بكل لحظة كانت تظن نفسها بِتنهار ترجع ترتب كل جروحها وتِخيطها بيدينها
لا يخفى عليها تُردد أم سند لبيت أم سعد .. وزيارتها الكِثيرة والمُتكررة لها .. لعلّها تِذكرها بإبنها وتخلي نِسيانه شيء صعب خصُوصا لما درت إن سند سافر دون ما يطلقها
وكان هذا بصِيص أمل بالنسبة لها
ولكن أم سند جاهلة بمشاعر حياة الحقيقة واللي تِخفي ورى جمُودها مودة .. رغم إنها فعلاً تتمنى إنها عافِته ..
كانت واقفة بدِريشة المطبخ وتناظر للحُوش بلامبالاة .. ألتفت وهي تِناظر لأم سعد اللي بعد ما أنتهو من مشاهدة السِباق اللي ألتمو كل الجيران عشان يشوفونه سوى وبعد إنصرافها توسطّت البِساط الأحمر وجنبها كُوب الشاي وعلى عُيونها الصغِيرة نظارات طبِية .. وبيدها إبرة وشال أحمر تِخيط أجزاءه
أصدرت تنهيدة عميقة وهي تتأملها : ليتني كنتُ ثُقب على ثوبك يا أم سعد يمكن تقدرين تصلحين قلبي وتخيطين كل الجِراح اللي تحيط فيه ..!
ألتفت بسرعة وهي تِشم رِيحة الكيكة اللي كانت على وشك الإحتراق وركضت وهي معصبة من طاري سند اللي لهاها عن طبّخها
خرجتها من الفُرن وهي تِنتفس براحة وتِتركها على درج المطبخ
أبتسمت وهي تبِدأ تزينها بالزينة الملُونة وترُشها على أطرافها : ياحظكم فيني .. ترجعون من المِدرسة على كيكة من يد حياة
ناظرتها بإعجاب وهي تكمل باقِي تزيينها وهذي كان حالها طُول الفترة السابِقة .. لجئت للطبخ لحتى ينسيها همّها وصار أغلب وقتها ما بين الخميِرة والسكر ..
-

{ منى }
إنتهى اليوم الدِراسي الطويل بالنسبة لها .. مابِين إزعاج الطالبات بسبب السباق في الحصص وما بين إنها المناوبة .. لذلك أنهّد كل حيلها ! وصلت للبيت وكل اللي سوته بوُصولها هو رميّ شنطتها بوسط الحوش .. وإنسداحها جنّبها
ألتفت على ضِحكة حياة .. وأبتسمت بكل الطاقة اللي باقيّ بجسدها وهي تُقول : وش مستقبلني الليلة !
غمزت لها وهي تِناظرها بغرور : كيكة .. النظرة لها بس تخليّك تعيشين لذتها
ضحكت بخُفوت من وصف حياة .. وهزت رأسها بطيب وهي توقف : خالتي أم سعد وينها ؟
ميَلت شفايفها وقالت : إنتهت حلطمتها على سعد اليوميّة ومابقت سبّة الا طالت ظهره .. تقول إنه لعبّ عليها كالعادة .. وتتحلَف أول ما يجي لتكسر عصاته بظهرها
ناظرتها بضيق للحظات ثم أبتسمت من بين ضيقها وقالت : الله يهديها ويهدِيه
هزت رأسها بعشوائِية وقالت وهي تُدخل المطبخ : الغداء جاهِز .. خلصي أمورك وتعالي
ناظرتها بضحكة وهي تهمس "سُبحان اللي يُغير ولا يتغير ، من اللي كان يظن إنها بتعشق الطبخ !"
خلصّت أمورها وأجتمعو على سُفرة الغداء البسيطة .. وبعدما أنتهو من الغداء حتى باشرو بالتحليّة بكيكة حياة اللي ما بقى مدحة ماقالتها عنها وسط ضحكاتهم .. أنتهو من الأكل وأنسحبت أم سعد وهي تأخذ دلة القهوة وتتجه لجارتها .. وحياة فضّلت تنام هالوقت
بينما هي ، كانت واقفة قدام باب الغُرفة اللي حفظت كل زواياها من كثر ما تأملتها !



دخلت وهي تتنهد بِضيق وقفلت الباب وراها وهي تِناظر للعُلبة اللي فوق الدرج أخذتها وجلست وهي تحطه قدامها وناظرتها بنظرات هادِية .. وهي تِتذكر شعورها البغِيض لما عرفت عن سفر سعد .. ولكن بعدها حضّرت أم ناصر وغربلتهم ولا بقت كلمة إلا وقالتها بسبب ضرب سعد لناصر ومن بين كل كلامها الغير مفهوم قالت هالجملة " دام ولدش يا أم سعد يبيها وشو له ما تقدم لها للحين وفكنا من شره"
ميّة شعور عاشته في لحظات معدودة .. وميَة فكرة أستقرت برأسها ، من تفاصِيلها اللي نثرها على أوراقه لِضربه للشخص اللي تقدم لها .. وهي فعلاً ماكانت بترضى فيه ، ولا رضت أصلاً وسكوتها كان عن عدم رضا اللي فهمته أم سعد خطأ
تأملت العلبة وهي تِفتحها .. ومن طاحت عُيونها على رِسالته اللي حِفظت كل سطُورها من كثر قراءتها لها خلال الأربعة شهور الماضِية .. حتى بدأت تستعيد سُطورها من ذاكِرتها وتقرأها على مضض واللي بدأها بقوله " ماكنت أظن إن بإمكان نظرة زعزعة ثبّات رجل مثلي .. "
سطور طويلة فارغة من كُل الكلام تعُبر عن شعوره الفوضوي تلك اللحظات .. واللي ماكان قادر فيها يصِيغ بعض من فوضوية مشاعره ولكِن يأتي بعدها إكماله " تفاصِيلش اللي أنحفرت بذاكرتي ماكانت إلا بسبب نظرة شارِدة .. نظرة تحمل صفات سُرعة الضوء .. لا يخفى عليش إني فنّان وأحيط بكل التفاصيل بجزء من الثوانِي !
أعُذري إحساسي اللي تكاثر ناحِيتش دون وعي مني .. حتى صِرتي ملازمة كل أوراقي .. وصارت تفاصِيلش تسكن كل جزء أمد له قلمي !
ترى ؛ ماكل صرخات الحناجِر لها صوت .. وأنا لو إني صرخت وبِحت بما في قلبي لش من هول المشاعِر ما أستكثرتي عليّ هالشيء ورغم إن مالي حق فيّه .. إلا إن رضاش فرض عليّ ،
وإن كان عدم رفضش .. سكُوتش ، على تقدم واحد ما يستحي دليل على ضِيقتش مني فأنا أعذرُش .. ولا هو بس كِذا أنا قبل تخطِين بحقي أجهز العذر وأعذرش !"
سطور خالِية من كل الحكي .. فارغِة تعبر عن فراغ قلِبه في لحظات كتابة الرسالة .. لتقرأ بعدها
ما كتبه بكل جراءة إمتلكها في تلك اللحظة .. واللي ماكانت إلا بحجم الظُفر بالنسبة للباقي
" مُنايـا .. أنا لما لقِيتش ، لقِيتني !"
في السطّر الذي يليه كتب :
" وكما يُقال : أنا مُعجب فيش رغم إن هالإعجاب ماراح يوصلِش بأيّ طريقة كانت؛ لا في الجرائد ولا في الصحف ولا مني شخصيًا، أنا ما أحب مقدمات العلاقات ولا عندي الطاقة الكافية عشان أبهّرش .. أنا أبغى نقفز
مباشرةً إلى نص العلاقة اللي بكون
فيها قد عانِقتش عشر عنِاقات
وكتبتُ لش سبع رسائل
وضحكتي بسببي ٧٠٠ مرّة "
كتبّ في آخرها " ليّ عودة بعد أيام مهيّب طويلة .. وبعدها راح ينحل سُوء التفاهم عن بكرة أبيّه .. وقتها بتكونين رضِيتي عليّ ! وبيكون عشّمش فيني قوي .. ووقتها بتكونين ليّ .. ولا لشخص غيري حق فيش "
-

إنتهت الرسالة عند نقطة التملك وطواها وهو يدخّلها بين تفاصِيلها اللي هزت كل ثبّات هذا الرجل
-
أخذت نفس عمِيق وهي تزفره بكل هُدوء لتنقُل نظراتها حول الأوراق الصغِيرة المُبعثرة إللي تسكُن هذه العُلبة البيضاء لِتمتم بمرارة : مرت أشهر مو قليلة يا سعد .. معقولة نسيت كل اللي إنكتب ! وصرت مُجرد هامش مُعرض للطيّ والنِسيان ؟
-
-
{ نسِيم .. وجسّار }

في الغُرفة اللي يحُفها البياض .. بسبّب غطاءات المستوصف المُميزة
يقف بوسطها وهو يترّنح وشاد بيدينه بقُوة على العصا الحدِيدية .. أربعة أشهر مرت على أسوء ليلة بحياتهم " الإثنين " لا يخفى إنها مرت بكوابِيس بشعة .. وبذكريات يستحِيل تُنسى .. ولكن المهم بالموضوع إنها مرّت !
أربعة أشهر قضاها بالتأهِيل المُبسط لِرجله اللي صعبّت عليه المشِي .. وأهلكته بسبب الرِصاصة اللي أخترقت فخذه .. ولكِنه بحضرة سيّدة الإيجابية ما زاره اليأس أبداً وكلما فكر يطيّح يلقاها متثبّشة بذراعها وتِسنده
وفعلاً من أخُتل توازنه حتى لقاها تلف يدينها حُول خصره وترفعه ضحك
بهُدوء وهو يحاول يتكأ بقوته على العصا ومن توازن حتى أبتعدت ولِقته مبتسم : ما كذبّت لما قُلت إنك جِيشي الوحِيد
بادلته الإبتسامة اللي عرفها لما تِصغرت عُيونها من ورى النقاب .. وتوارت عن الأنظار لما حضر الطبيب اللي بدأ يقيّم حالته .. والى أي درجة تحسّن .. ومن بشره إنه في تطور ملحوظ .. ولا بقى سوى القليل على عودته للركض مثل الحصان حتى أبتسم براحة .. وهو يلتفت لنسيم اللي تناظره بطمأنينة
أنتهى الطبيب من المُعاينة وأنصَرف وهِنا دق الباب هادي وهو يتنحنح عشان يِلعن حُضوره : يا جسّار .. أنتهيتو ؟
ليهُم بالرد بقوله : إية يا أبو سحابة .. على هونك جايّ ..




هادي مشّى قدامهم وهو يركب السيارة بعدما رفضت نسِيم يسند جسّار بدالها .. ورغُم ثقلها ووصولها للشهر الثامِن بحملها إلا إن إسناده على كتفها كان شيء لابُد منه !
-
-
{ سحابّة }

مرت أيامهم بهُدوء غير محسوب حسابه ! بعد ما قالت إنها أنهت كل شيء كان قبله ولا بقى سواه .. حتى قفل الموضوع وما تطّرق له مرة ثانية أبداً .. لا يخفى عليها إنه شخص شدِيد .. وأحياناً غريب أطوار ومختلف عن الباقين .. شخصية مزاجية عجزت تلقى لها حل .. تارة يضحك معها ويلاطفها .. وتارة بارد وينسحب من أي حديث يجمعهم سوى !
ولكن بالوقت اللي يكون رايق .. يكون فعلاً حنون ويظهر جانبه اللطيف
وهذا الشيء اللي كان مصبّرها على بقيَة تصرفاته .. وعلى نغزات نعمة وكلامها
ولو إنه رحمة تحاول تحبها وتتقبلها عشان راجح .. إلا إنه يبان اللي بقلبها من عيونها .. مرت الأربعة أشهر عليها ، بثقل خفيف وبطول سريع
بتناقضات لاحصر لها .. وبمشاعر غريبة مالقت لها مسمى !
.
.
{ على أعتاب بوابة بيت راجح آل جبار }

ألتفت بعُيونه ناحِية الرجال اللي مُلتفين حول البيت .. وبشكل ما يُثير الشُبهة ولا يلفت إنتباه أحد
كان يتأكد من مواقعهم ومن إن الأمن مُستتِب بأنحاء بيته اللي من ثلاثة أشهر وهو يصارع هالشعور والأفكار
ألتفت له سعُود وقال : أنا ذال "خايف " منك وعليك !
أبتسم عبد العزيز برزانة وهو يتُرك رسن جدِيلة من يده .. اللي كانت بِحماية ثلاثة رِجال وقال بخُفوت : ليه يا ولد راجح .. وش سبب هالخوف الغريب
قطَب حواجبه بإستنكار وقال : لاتحاول تِخفي علي شيء .. الرجال اللي حول البيت .. جدِيلة اللي صارت ما تخرج من إسطبلها إلا وحرس لا حصر لهم وراها .. نظراتك إلتفاتاتك كل ثانية وش سببها !
كتّم تنهِيدته وهو يشتت نظراته لِلمكان .. ورجع يشَد على رسن جدِيلة وهو يقول : مامن خُوف يا سعود .. أنا أخذ الحيطة والحذر بس
ميّل شفايفه بعدم رضا من كلامه مع ذلك ما حبّ يضغط عليه
تنهد وهو يشوفه يدخل لإسطبل جدِيلة
وصد عنه وهو يناظر لبُشرى اللي متحمسة مع السِباق قال بعدم إهتمام : ترى الباهي وخيّله فرسان هم اللي فازو
أنصدم ورجع خطوة لورى وهو يشوفها تِرمي عصاة جدتها عليه بكل قوتها .. قالت بعصبية : منك لله يا عدو الحماس .. من رجعت مقفلة أذانيّّ عشان أشوف السباق بحماس .. وأنت جاي تخرب علي ؟ أنت عارف الشرهة مهيّب عليك .. الشرهة على مدير المحطة اللي راز وجهك حتى بالإعادة .. مالت عليك !
رمت صحن الفشار بالأرض ومشت بعصبية لغرفتها وهو ناظرها بضحكة وهو مصدوم من تصرفها : الحمد لله والشكر .. أنهبلت ذي
ما أهتم ومشى وهو يدخل جناحه ومن لِمحها جالسّة بمكانه المُعتاد .. وتناظر لإعادة البث .. واللي كان بنفس القناة اللي هو صحفِي فيها .. وكانت لحظة ظهوره بالتلفزيون
حتى عضّ على شفايفه وهو يلاحظ إبتسامتها شلون أرتسمت بِشكل باهِي وزاهِي .. حتى بدأ يتكلم وأنكمشت على نفسها وحست بالخجل وهي تغمض عيونها وتلف يدينها حول وجهها " وهذي كانت حالتها طُول الوقت الماضِي دونه
من يظهر على التلفزيون حتى تعيش كل مشاعرها معه بهالحالة .. لا تكلم ظنته يكلمها ولا ضحك كأنه يضحك لها .. لدرجة تعيش الدُور وتبدأ تستحي وتنبسط وتضحك وتنهبل !"
هز رأسه بإستنكار وأقترب وهو ينسدح على السرير بلامبالاة : أنهبَلو بنات ال جبار هالمساء .. ما أقول غير الله يستر
رفعت رأسها بسرعة لما سمعت صوت الباب تقفل وعدلت جلستها على عجل وهي تناظره ينسدح ويتلحف بلامبالاة ..
تضايقت وهي تناظره بعتب وهمست بِضيق : مانيّ قادرة أتأقلم مع شخصيتك المزاجية يا سعُود .. ولاني قادرة أعيش الصراعات معك ! مدري تبيّ قُربي والا تبي فرقايّ ! إرسى على بر يا ولد الشيخ .. ترى هالتناقض يتّعب ! حتى الحب ما يشفع
مسّحت على وجهها بِضيق وهي ترجع تناظر للتلفزيون وتتأمله وهو يتكلم بحماس .. متجاهلة وجوده بالغرفة ونُومه اللي غزى عليه !
*
*
{ عبد العزِيز }

دخّل غُرفته الخاصة .. وألقى نظرة سرِيعة للمكان وهُو يبحث عنها بعُيونه .. جُزء من الثانية الوقت اللي تِغيرت فيه ملامحه من الجُمود للإنبِساط والعُذوبة .. دِنياه قايمة قاعدة.. هُمومه صارت تِتضاعف أكثر وأكثر .. جِبال الهم أستقرت على كُتوفه بشكل كارِثي .. حياته صارت فوضى بسبب كِثير أشياء تشغل باله .. ولكِن ! ينتهي كُل هالعجز عند وجهها .. وهذا يكفيه
لأنه بالرغُم من مرورشهُور كثير على زواجهم .. إلا إن الشعور نفسه .. هي ملجأه الوحيد
تِقدم بإتجاهها وأول ما سمعت صوته شهقت ولفت على طُول وهي تخبِي اللي بيدها ورى ظهرها .. وتُرسم على وجهها إبتسامة بريئة
رفع حاجبه بإستنكار وهي رجعت خُطوة لورى : هلابِك يالحبِيب النسّاي !


آرخى حاجِبه من كلمتها وهي بِقت على حالها : نسايّ .. شيء يخصِش ، يخِص تفاصيِلش ! لابالله مانيب نسايّ .. أنا حافِظش حفظ رِمشي لعيني
ضحكت بخُفوت وهي تناظره بحنيّة .. ماغابت عن عُيونه واللي بِسببها امتلأ قلبه عُذوبة وفاِضت هالعذُوبة من عُيونه : والله إنه عيّب .. والشرهه كِبيرة
لامِني قويَ وثقيل .. ومُهيب .. ومِثل الجبل ولا منش ضحكتِي أصيّر فتات .. وخفيف ولا به أضعف مني ! عيب بحق قُوتي اللي تضعف عندش والله ..
صدت بإبتسامة .. وهي تحاول تِخفي توتُرها اللي وإن ظنت مع طُول المدة معه بيقل .. يخيب ظنها لامِنه حكى .. تِذكرت وصيّة جدها عايض يومّنه يوصِيها على الشخص اللي تِستأمن قلبها عنده .. وفعلاً ، هذا مُناها وهذا مطلبّها
غمضت عُيونها وهي تِحس بقشعريرة بقلبها من لطافة الشُعور وهمست بِـ داخلها " إية يا أبو عناد حبيت لي رجّال، يشيل الكايدات ولا يشكي ويهذّب دول بلفظةٍ منه ويحني أرقاب ويقوّي هلايم.. و والله إني‏ ما شفت منه غير تم و تبسّام ‏ما كشر بوجهي ولا قد تردّى".
عضت على شفايفها وهي تِبلع ريقها بصُعوبة لما حسَته يقبّل جُفونها .. ضحك ورجع لورى خُطوة وهو يقول : لا تسرِحين وأنا معش والأهم لا يِرتخي جِفنش لأن والله ماعُقب ضحكتش نقطة ضعف إلا والله .. يجبّرني على حُبه !
ضحكت بقوة وهي تِرجع لورى بصدمة لما أنحنى عليها بجِسده وهو يحاول يأخذ اللي تخبِيه عنه : تعالي يا حمامة .. والله لو تطيرين إني لاحقش ، وش اللي تدسينه"تخبينه" عني ؟
خففت من ضِحكتها وهي تتنفس بهدوء ثم قالت : إستهدي بالله .. من متى ومعلمة العربي عندها قُدرة على إخفاء الفعل ؟
ضحكت بهُدوء ثم أبتسم وهو يرجع يدينه خلف ظهره مِثلها ويقول في فُضول أعتراه : تِفضلِي .. هاتِي من عذب السُوالف ما تهيأ !
ناظرته بتوتُر وهي تشوفه يتأمل كُل تفاصِيلها .. لفُستانها الأبيض الهادِي واللي أختارت هاللُون تحديداً لِسبب بنفسها .. واللي هُو مُرور سِت سنين على أول لِقاء لهم .. على وجُوده بعربية جدَها .. على تخفيف الحُمى من على جسده .. على سؤالها من هو
وعلى نظراته ووجُوده .. هاليوم يستحِيل يغيب عن ذاكرتها ، لأن بين طيّاته شعور عذب لازال عايش بداخلها .. لما طولت بسكُوتها باشِر بقولَ كلامه بصُوت هادِي : والله أني شفقٍ على سوالفش وأشعر تجاهها بإني مثل الفقير اللي اغتنى.. ومن باب لا تسكتي سكوتش يرجّعني فقير تكفي..
تنهدت بإبتسامة وهي تقترب منه وتناظره بهُدوء وبادِرت بِـ : أول الحكي أنت تدري إني أشيلك بصدري وكنّك جزء من أجزائي، كنّك أنا.. ولا عندي شي ثمين بحياتي كثري أنا
تِسللت إبتسامة عذبة لوجهه الهادِي على إثر كلماتها اللي هدّت كُل حيله .. وأيقن إن سعود صادِق ! الحُب يهِد الحيل أكثر من غِيره ، هز رأسه بهُدوء وهي أردفت بقولها : يعني لامنك فكرت تضيق .. هات ضِيقك أتشاركه معك ! لا تعيشه لوحدك وتبين إنك بخير .. وأنا هنا أحترق من خوفي عليك
أبتسم بهدوء ورفع يده وهو يأشر على خشمه بمعنى " على خشمي "
ردت له الإبتسامة وهي تقول : أنا ماودي يزور الضيق بابك وأنا بودي أكون السعد في كونك
‏وأكون غنوة أتغنى بس على شانك
وقبل يتكلم أسترسلت بحكِيها وقالت بخُفوت : اليوم عدّت ست سنين من أول لقاء .. ولا ودي ينقضي هاليوم دُون هدِيـة !
سكت للحظات .. وهو يتأملها وهي تحِكي .. ولا خفى عليه هاليوم
ولكِن إن كان يوم لقاها فيه .. فهو يوم أنغدر به من أقرب إخوانه
لذلك كان يمِيل لجانب النسيان أكثر .. ولكن هالمرة ، وين القلب اللي بينسى وهي بلسانها تِذكره ؟
تهادى على غُصن الثبات وقال وهو يلعب بأطراف شعرها : ليه الهدايا ؟
دامك أجمل من هداني هالعُمر ؟
تِزين ثُغرها بإبتسامة مُهلكة أهلكت قلب الشُجاع ولفت يدينها وهي تِظهر ما تُخفيه بباطنها .. تِبسم بذُهول من اللي يتوسط كفوفها
وقالت بإبتسامة وهي ترفع كُتوفها بعشوائِية : بداية يومنا الأول لنا سوى .. سيئة ولا تنحّب .. وإن كانو بيسئلون عيالنا كيف أول أيامكم .. وليه ما أحتفظتو بصوركم .. ماودي أحكي لهم عن شعور الخِيبة
عشان كِذا .. هنا نبدأ أول أيامنا سُوى .. هِنا تنطبع ذكرياتنا .. وهِنا بنخلدها لأحفاد أحفادِنا
شدِت على الكاميرا اللي تتوسط يدها وأبتسمت بخُفوت : هذي أول صورة لِنا سُوى .. ولا حبِيت تكُون عشوائِية
خلنا نلتقطها كأنه يوم عرسنا !
ضحك وهو يرفع طرف فُستانها الأبيض ويقول : لِيه لا ! دامها رغِبتش .. لعنبو من يردش !
أبتسمت بفرحة وركضت وهي تِسحب الطرحة من على التسرِيحة .. تركتها على شعرها بعشوائية
وثبّتت الكاميرا على الحدِيدة السوداء وهي تأشر لعبد العزيز على الكنبة اللي مُقابلها ..


فهم عليها وأتجه لها وجلس وهو يعدِل غُترته وهي أبتسمت بحماس طُفولي وهي تأشر له : خمس ثواني بس وتصور .. استعجل !
هز رأسه بضحكة على حماسها المُفرط وهي صرخت بحماس وركضِت وهي تجلس جنبه .. وهو أبتسم بضحكة .. عدّت لخمسة ثم أُلتقطت الصورة .. كررت التثبيت وأشرت له بمعنى إستعد .. ومن جلست جنبه وبدأت تعد حتى ألتفت لها بهُدوء وهو يهمس بخُفوت : أحبش
ألتفت له بسرعة وبصدمة وهي تِحس شلالات من التوتُر سكُبت بقلبها .. وخلاياها جمِيع بدأ تتراقص بشكل كارثِي بجسدها .. حسّت بأن كل عُروقها تنبض بفجعة .. من كلِمته المُباغِتة .. واللي لأول مرة من سِت سنين ينطقها بهالصراحة .. ولكن ردة فِعلها كانت ضحكة خجولة .. ونظرة مدهُوشة وهو إبتسامة هادِية ونظرة غارِقة بملامح وجهها الزاهِية .. وهذي كانت إلتقاطة الصُورة
ومن لما نِطق الـ"أحبش" بالشِين المُلفت حتى حست إن خرايب صدرها صارت بلادٍ عامر .. ومن قالها لها وهي بين كل لحظة ولحظة تحط يدها على قلبها تتحسّس وجوده لا يطير
حتّى نومتها اللي تجي بعد ما سمعت الـ"أحبش" كانت ألذّ وأحنّ نومة.. طمأنينة وأماااان
-
-
صباح يوم جدِيد
{ سند و سعد }
ضرب بيده بقوة على طِبلون السيارة وهو يناظر بحدة لسعد : بتشوفني أهزر ؟ بئولك بئى لنا تلات أيام وإحنا بنزول بهالعربية دنتا ئرفتني عيشتي !
ضحك بقوة وهو يحاول ما تتلف أعصابه من هذا الرجُل اللي يدعيّ الغضب .. ويحكي بطريقة تنرفز
تنهد سعد وهو يمسح على وجهه ويناظر لسند : ترى أقلقت عيشتي يا سند والله إنك خسيس ، أولها الأربع شهور اللي خذت من راحتي وبينكسر ظهري بسببها ..وتاليّها من طريق الرجوع اللي خذى مننا ثلاثة ايام
سعد : صاحي أنت ؟
تعبّنا الشوق يا سند وأهلكتنا بسفرتك هذي
تنحنح بعدها وهدأ نفسه وعدّل جلسته وهو يقول : ماجبَرتك تجي معي يا سعد لا تنسى .. لا تلمي لُوم تأخرنا عليّ !
ناظره بطرف عينه وسند أردف : وليه يوم وصلنا آخر محطة ما بدلت ملابسك ؟ تبي ترجع للخسوف بهالشورت .. عز الله ضعت يا سعد
ميّل شفايفه بعدم إعجاب وأسند رأسه على الكُرسي وهو يقول : الشمس مهيّب مقصرة .. مشرقة على سعد وحارقته .. خلني أتبرّد لين نقرب نوصل للديرة ، ثم ببدل
هناك
ناظره بهُدوء وهو يشوفه يغمض عيونه وينام من التعب وهو هز رأسه بإيجاب : حتى ما فكَر يستلم عني السواقّة .. هيّن يا ولد صفيّة !
بعد مامرت ثلاث ساعات .. وأصبحُو بمشارف الخُسوف وبوسطها .. ضحك ضحكة خبيّثة وهو يناظر للعيال اللي كانو يلعبون قُرب مجلس الديرة واللي من شافوهم وعرفوهم ركضُو لداخل .. لأجل يعطون الشيخ خبر !
ومن شاف عبد العزيز مِقبل عليهم حتى أبتسم براحة عظيمة أستقرت بجميع أنحاء جسده .. فتح الباب وقفله بكل قوته وهو ينتبه لسعد اللي فزّ بخوف وصار يتلفت للمكان بإستغراب وبحذر شديد ومن أستوعب حتى فز من مكانه وهو يتحسَب على سند ومعصب منه
بينما سند نزل وهو يتقدم بخُطوات سرِيعة ويناظر لعبدالعزيز اللي مبتسم وكل فرحة بهالدنيا أستقرت بقلبه : مهب بس قلبي ووجهي يرحبُون بك وبرجوعك يابن فيّاض .. إلا بالله حتى غيم الجنوب ترحب علِيم الله من لفاني خبر رجوعكم مابقى فرح مازار قلبي
ضحك بفرحة من كلامه وتقدم وهو يضمه بكُل شوق أستقر بقلبه .. لهالصاحب العظيم
ومن أبتعد حتى أبتسم بضحكة وهو يسمع كلمة عبد العزيز : سعد وينه ؟
ألتفتو على السيارة اللي أنفتحت واللي خرج منها سعد وهو متلحف بالبِشت اللي كان مجهزه بالمقعد اللي وراه ولكنه خانّه الحظ وما جهز ثوبه .. ومن ناظره سند حتى ضحك من كل قلبه لدرجة إنه ماقدر يتحمل وأنحنى على ركبه وهو يضحك بدون توقف .. وسط ضحكة عبد العزيز وإنحراج سعد من الوقوف قدام مجلس الدِيرة بهالشكل .. والأهم قدام شيخها وقدام رجالها اللي يناظرون فيه بإستغراب .. تقدم وهو منحرج وقبل ما يسلم على عبد العزيز رفع رجله وضرب بها ظهر سند بكل قوته لدرجة إنه طاح على الأرض بصدمة .. ناظره بذهول

ومن لمح نظرات سعد الحادة حتى رجع بنوبة الضحك اللي ماقدر يقطعها
سعد أقترب وسلّم على عبد العزيز وحضّنه بكل شوق وهو يتمتم بحرج : العذر منك يا شيخ .. رجوعنا ووقوفنا قدامك ماكان يليق فيك .. العتب على بن فيّاض ما عطاني فرصة أبدل
عبد العزيز أبتسم وهو يحاول يكتم ضحكته اللي ما قدر يخبِيها من فرحته ومن موقفهم معه : لابالله عادي ياسعد
أردف وقال : بس مسرّع يا رجل تخليت عن ثُوبنا وعقالنا والجنبية وصرت من أهل السروايل القصيرة
ضحك بفشلة وهو يحك وجهه ويقول : لاوالله يا شيخ .. تغيّـ...


ألتفت لسند اللي أستقام بعجلة ووقف وهو ينفض التراب من على بدّلة الكابتن اللي رفض يفصخها بسببه اللي قال فيه" مالي وجه أتباهى بهالبدلة إلا لاحضرت بعد السفر .. لالبستها بدون سبب عز الله شرهو علي الخسوفييّن"
ويناظر لسعد بطرف عينه وكأنه يبي ينتقم من مهزلّته : إلا صدّق يا عز .. والله العظيم لو بقينا شهر زيادة كان باعنا وشرب بعد بيعتنا مويّة !
يارجل حتى اللهجة تبرأ منه وصار يحكي بلهجة غير ....
سكت بصدمة وهو يشوف سعد اللي تخلّى عن البشت حقه ومشى بإتجاه بغضب وبسرعة وأنفجع وهو يرجع لورى بسرعة ويضحك بصوت عالي وهو يركض وسعد وراه يركض يبي يضربه .. عبد العزيز كتف يدينه وعلى مُحياه إبتسامة رضا كبيرة .. كون فكرة إبتعادهم أيقنت له إنها كانت بمحلها الصحيح .. لأن الشخصين اللي راحو من هالمكان قبل أربعه أشهر .. مو نفس الشخصين اللي قبّاله الحين !
ضحكهم .. هِبالهم .. وجيههم اللي تِشع راحة وطمأنينة .. خلت كل راحة بهالحياة تستقر بقلبه ..
سمع سعد كلام سند ووقف وهو يتنفس بصُعوبة وناظر لسند وهو يضحك ووقف ورى عبد العزيز بعد ما قال : أنا بوجه الشيخ .. إن فيك خير قرب
ألتفت سعد وهو يناظر للرجال اللي قربو يسلمون عليهم وركض بسرعة بإتجاه السيارة وهو يبدل لبسّه بالثوب اللي كان مجهزة .. وسند يناظر لعبدالعزيز اللي قال : طولتو كثير يابن فيّاض !
تنهد بخُفوت وهو يقول : لا تشرهه .. والله ماهوب بيدي .. مادريت بطول هالرحلة إلا بعدما مرت ثلاثة أسابيع .. والله إني على نار طول المدة الباقِية .. عسى الشرهة ماهيّب كبيرة يا شيخ ؟
أبتسم بعدها وربّت على كتفِه وهو يقول : أفديّك بعمري يارجل .. وش اللي شرهت ؟ طمنيّ بس .. لقيت حل لـ فوضوية شعورك؟

ناظره للحظات .. ثم تِوسعت الإبتسامة وزينت ثُغره وهو يناظره بهُدوء .. لُيهز رأسه بعدها وهو يقول : حليّتها .. ومنذ مبطي ولولا طول هالرحلة .. كان جِيت على وجهي قبل فترة طويلة !
ضحك وقال : عطني العلم !
أبتسم وهو يناظر لسعد اللي متجه صوبهم وقال : أروح لهم .. لبيتهم
وأخذ اللي يبيه قلبي .. وأجيك أهلّ لك كل اللي يخبيّه صدري .. تدري بي ما أخفي عليك دمعة
تبّسم بعدم إعتراض وناظر لهم .. لما بدؤو يسلمون على اللي أقبل عليهم .. ويرحبون بكل عفوية وحب .. وبعدها أنسحب سند مثلما قال .. وسعد وراه !
-
-
{ شُروق }

أنتهت أيام عِدتها قبل يوم .. وأنتهى اللُون الأسود من حياتها .. وباتت على مشارِف حياة جديدة لا يكسُوها أي حزن بسبب ألم قديم .. لا يخفِيها المر اللي تعيشه كلما تأملت سند الصغير .. ولكنها تحاول تقويّ نفسها عشان لا ينهار ولدها بإنهيارها !
ألتفت على دخول أبوها من الباب وأخوها ساجِي وبحضنه سند الصغير بيده حلاوى ويضحك معه .. وتمتمت بـ" الحمد لله اللي رزقه القبول بقلوب أخواله" لأن فعلاً أحتووه بكل حب .. وحاولو يكونون بمكانة طارق ولو بالقليل
وقفت وهي تُترك الدلة من يدها وتناظر لأبوها اللي قال : شروق .. تعالي لي المجلّس !
أستغربت وميّلت شفايفها بإستغراب وكانت بتمشي لولا إستواقف كلام ولدها سند اللي جلّس بحضن جدته وبدأ يحكي لها : اليوم رجع سند الكبير من البحر .. يارب أبوي بعد يرجع من الجنة !
عضت بضيق بهُدوء وزادت دقات قلبها ولولا نداء أبوها لها اللي خلاها تنتبه لنفسها .. لبقت بنفس اللحظة وعند كلام ولدها
دخلت للمجلس وتنحنت وهي تِجلي قدامه وتناظر له بإستغراب وهو يمسح على لِحيته البيضاء واللي تِتخللّها شعرات سُود بسيطة .. رفع بصره ناحِيتها وعدل جلسته وهو يتِكي على المركى !
وهو يستِرق النظر لملامح شُروق ويجّس النبض بحركاتها وبتصرُفاتها .. تخللها القلق والخُوف من تصرفات أبوها الغريبة عليها .. وكانِت بتنطق لولا إستهلاله بالكلام : إسمعي يا أم سند .. البارحة كملت عدِتش ! وأنتي الحين صرتي حلال لأي رجل يبي يتزوجش وخاطره فيش
عقدت حواجِبها بإستغراب وهو أردف وقال : علِيم الله ساكت قد له أربعة أشهر وعشرة أيام بالتمام .. ولو إنه لمح له بالبداية ميَر إني سكتّه خوفاً من التعديّ على شرع الله والنطق بخطبتش وأنتي بالعدة .. ميّر إنه يحسب الأيام يوم ورى يوم .. ومن درى عن خروجش حتى جاء على عجل .. وكلمني وقال إنه له خاطر فِيش .. وإنه يبيش ويبي يعوضش عن اللي صار .. وش قولش بهالموضوع ؟
أمتلأ صدرها فرح وزادت البهجة كل حواسها وهي تِرمش بعدم إستيعاب وبصدمة أعترت كل ملامحها .. وهي تربط المواضيع ببعض !! غياب بن فياض أربعه أشهر .. كلامه مع سند ولدها وتوصِيته على أمه .. رجوعه لما خلصت عِدتها خلت كل عرق بها ينتفض .. معقولة للآن يحبّها ويبيها له ؟
معقولة بيتجدد العهد القديم وبيرضى أبوها بعد الست سنين ؟



أبتسمت بفرحة ماقدرت تخفيها وهزت رأسها بإيجاب وهي تقول : شورك وهداية الله يايبه ! إن كان رجل كفو على قولتك فما أقول لا
ألِتزم الصمت بذُهول من موافقتها الغرِيبة واللي أستنكرها بِبادىء الأمر ولكنه ما أهتم .. لأنه متقطَع لأجل يملّك عليها هالرجُل !
قال وهو يوقف ويِنسف شماغه : كفو وميَة كفو يا شروق .. الرجُل شيخ قبيلة هِشيمان وألف رجال يشهُدون على قوته وعلى هيبّته .. وكلامه إنه يبيّ يعوض خيبة ولد ديرته واللي أنقص قبل شهر بسبب موتتّة طارق خلته يكبر بعيني .. تحمل أربعة شهور عشان يجي ويأخذش ويأوِي ولدش ويكون له سند .. ولا هوب بس كذا ، إن صار هالزواج على خِير فولدش بيصير شيخ قبِيلة لامنه مات مساعد
أربعة شهور وأنا أتقلب على جمر الإنتظار مثله .. والحين أنتهت ودامِنش وافقتي بعلن له هالخبر .. جهزِي عُمرش ولا يلحقش خوف من كلام الناس عشانش بتعرسِين بدري .. أهم شيء إستقرارش مع زوجش
أنتهى من كلامه وأنسحب من المجلس .. تاركها غارقة بمُستنقع من التكذِيب والصدمة والذهُول وكل المشاعر السيئة اللي مُمكن يمر بها الإنسان باللحظة ذي .. شلون رفعت آمالها لِلسقف وتهاوت من كلام أبوها لأسفل السافِلين .. يعني اللي تفكر به مُستحيل يصير ؟ وسند ماراح يقتِرب منها أبداً ! لا مجال للإنكار والتزييّف .. ولما رمى عليها أبوها كلامه " جهزِي نفسش " قضى على كل راحة تملكّتها بقلبها .. شُلون يرضى يزوجها بِشخص رجل بالدنيا ورجل بالقبر ؟ لشخص أكبر من أبوها .. بيضحي فيها لأجل الجاه والشيّخة .. لهالدرجة هي تهُون ؟ لامت إستعجالها .. لامت فرحتها اللي خلتها تنطق بالموافقة بدون ما تِفتش عن هويّة الرجل وبدأ هم جديد لها .. وشلون تعطي خبر لأبوها إنها أستعجلت ولاتبيّ هالرجل ؟
-
-
{ سند }

ألتفت بحذر وهو يناظِر لسعد اللي خرج من البيت وهو يضحك ويناظر لأمه : ماغير إستهدي بالله يا أم سعد .. محد بيخلص فلوسي غيرش .. كل ماكسرتي هالعصاة بظهري ما أتوب أرجع أشتري لش وحدة من جديد لأجل تكسريها
ناظِرت لعصاتها اللي فعلاً كسرتها على ظهره من حُر شوقها وغضبها اللي أستملكها طول الفترة الطويلة اللي غاب فيها : نعنبو حيّك يالردي أربعة شهور .. ما تقول وراي أم .. بتقلق عليّ بتموت من خوفها .. ماعندك نخوة أنت ؟
حك شعره وهو يبتسم بخُفوت وقرب وهو يحّب رأسها بعدما لاحظ الدُموع تخترق عيونها : جعلني الأول يا أم سعد .. ميّر والله ماكان بيدي ! الرحلة طولّت وإن أجبرت بن فياض يغير الوجهة ويرجع للديرة عشان شوقي لش .. كان رقعوني "رموني" أخواننا من مختلف الجنسيات في وسط البحر
أبتسم بهُدوء وهو ينطِق لأجل يحنّنها عليه : على الأقل بعد هالرحلة رجعت قطعة كاملة يمة
ناظرته وهي تتأمل وجهه بهدوء ثم تنهدت وهي تمسح دموعها : الله يصلحك يا سعد ! غربلتني يا ولدي
تضايق من دموعها وقال بعتب : والله لو ما أدري إن زوجة سند .. ومنى عندش وبيطيّبون خاطرش كان ما خطيت خطوة برى هالديرة .. مير أغتنيتي فيهم عني !
ومن تذكرت سالفة ناصر حتى رفعت رجلها وهي تمسك أذنه وتجره للأرض وسط صرخته اللي خلّت سند يلتفت بخوف ومن شافه حتى صد وهو يضحك .. ومن سمع صوت ضحكته سعد حتى حاول يفك يد أمه بإحراج : دِخيلش يمه .. لا تفشليني عند بن فياض
قالت وهي تشد على أذنه : تستاهل يا الغرير .. تكبر وتنهبل .. أستخفيت يومنك تروح تضرب ضابط عشانه تقدم للبنت ؟ أنهبلت أنت
تنحنح لما عرف ليه شدت إذنه ولما أرخت يدها سحب نفسه على طول وهو يبتسم بعشوائية : يستاهل ماجاه .. مو قلتي إن احنا هلهم ؟ أجل هو تطاول عليها وحكى كلام ما ينحكى وأنا سكّته بطريقتي
كانت بتتكلم بس أنتبهت لسند اللي واقف فسكتت بضيق وقالت : بمشيّها لين تحل الموضوع بنفسك .. بعدها ياسعد بتدخل أنا !
هز رأسه بإيجاب وأردفت : علّم الرديّ الثاني اللي تارك البنت أربعة شهور لا معلقّة ولا مطلقة إنها مهيب في البيت لا ينتظرها .. راحت للدكان تِشتري لنا نواقِص البيت .. يقضب أرضه وينتظرها لامنه يبي يرضيها .. ووالله ما ظِنتي ترضى وهو لاطعها هالمُدة
هز رأسه بطيّب ورجع يحبَ رأسها ويستأذن .. ثم ألتفت وهو يناظر لسند اللي باقي يضحك
ناظره بطرف عينه وقال : إضحك إضحك .. الآن تأتيك المصايب .. تقول أم سعد حرمتك ماهيّب في البيت .. راحت تكمل نواقِصهم من الدكان القريب من هنيّا .. وأبشرك تقول لو تطول السماء مارضت بعد هالغِياب كله ..
سحبّ نفس بهُدوء وزفره بكل تعب وهو يشتت نظراته لِلمكان بدون رد وسعد تِنهد وهو يربت على كتفه لما عرف إن هالرجل يصعب عليه البُوح بمواقفه الصعبة .. شلُون مايعرف وهو عاش معه فترة مهيّب قصيرة .. وكان مؤنسه الوحيد فيها .. والوحيد اللي يسمع كل أخباره ..


لُيردف بعدها بالقُول بإبتسامة هاديّة حاول يطّيب فيها قلب هالسند : خل العُذر أغنية يا بن فياض .. مهب أنت قلت إنها تِفيض من الحنيّة لامنها سمعت صوتك ؟
ضحك بخُفوت وهو يهز رأسه بإيجاب وسعد أبتسم وهو يربت على كتفه : إلعب على هالنقطة أجل يابن فيّاض .. لا تضيّع اللي بقيت تِتحسر على فراقها ليالي طُويلة واللي علمتك القوة !
تنهد من عُمق قلبه وأبتسم له بإمتنان وسعد أكمل كلامه بِـ : الواضح إنك بتنتظرها .. أنا رايّح .. توصيّ شيء ؟
ناظره سند بإمتنان .. وهو مُوقن إن هالشخص أنرسل له من فوق سابع سماء .. ولو إنه يرفع ضغطه أحياناً إلا إن طبطبته على جُرح قلبه تكفيّ وتوفي : سلامتك يا سعد
أبتسم له ومشى عنه وهو يتنهد بضيق على حاله .. وفِي ظل تفكيره وين يِتجه ! تأمل ساعته الفضّية اللي تتِزين بمعصمه واللي تُشير xxxxبها لِـ ١٢ مساءً لتبان على ثُغره إبتسامة هادية .. وهو مُوقن إنها بتستقبله بنظرة عكس اللي ودعته فيها
-
-

{سند}
أطلق تنهيدة وهو يِعتدل بوقفته بعد ما قرر يتجه هو بنفسه للدُكان ويعرف سبب تأخُرها عنه طول هالمُدة .. وبطريقه عشان يجيبها.. جاءت بنفسها وبيدها كِيسة تملأها حبات البُرتقال .. وفي الثانيِة باقيّ ما أشترت .. تبّسم ثُغره وقبل ذلك تبّسم قلبُه .. شُوق .. رِضا .. راحة سكنت كُل أعماقه .. تشّربت السكينة جميع خلاياه .. قلبّه اللي ظل طُول الفترة السابِقة يتأرجح بين الخُوف والقلق صار يعرف وُجهته .. وبُوصلته اللي تُسكن صدره صارت تعرف وين تُشير ! وبأي إتجاه تسكُن وتِرتاح .. البُعد علَمه وين مكانه .. البعُد خلاه يفكر بجميع أفعاله .. والبُعد نفسه هو اللي خلاه يعرف حقِيقة شعُوره .. وخلاه يعرف " الحُب الحقيقي " !!
أخذ نفس وزفره من كُل قلبه وهو يتِذكر موقفها معه .. لما طاحت على الأرض بسبب إنه غشيم "جاهل" بأمُور الفروسية مثلما قالت في تلك اللحظة .. وأبتسم أكثر وهو يتذكر كلمتها " تحمل مسؤولية أفعالك"
الحين صار على أتم الجاهِزية يتحملها .. دُون ما يصيبه أدنى شك من مكانتها بقلبه .. لأنه أيقن إنها فعلاً "حياة سند " ولا شك في ذلك
أقترب منها وهو يُشوفها مشغولة بنِقابها اللي ما يبّين منها إلا عُيونها اللي تهوّي بثُقل سند لأسفل السافِلين .. ومن أقترب منها وهي مهيّب منتبهه حتى سحب كِيس البُرتقال من يدها وتناثرت كُلها على الأرض .. شهقت ولفت بِصدمة وهي تصرخ بعصبية : جعل يدك الكـ..
خُفت صُوتها .. وتعالت دقات قلبها
ولمس الذهُول كل خلّية فيها .. حاولت تِكذب اللي تشُوفه عُيونها وصدت عنه وهي تِرمش بعدم إستيعاب .. ومن االتفت و ناظرته يناظرها بهُدوء حتى زفرت كُل ما تمِتلكه رئتيها من أكُسجين .. لِتسمع صُوته الهامس الهاِدي : أنا آسف !
حضّر لمسامِعه صوت ضِحكتها الساخِرة اللي خلته يِتدارك الموضُوع وينحني على عجل وهو يجمع حبات البُرتقال بِين يدينه .. لِيقترب منها على عجل ويسحب طرف الكِيسة اللي بيدها ويدخلها فيها .. وسّط نظراتها الشرارِية .. اللي تِعبر عن مدى غضّبها باللحظة هذي !
لِيستقيم بطُوله الفارِع أمام نظرها .. بِبدلة الكابِتن البِيضاء وعلى رأسه القُبعة اللي أعتاد لِبسها مع هالطقم .. وعلى مُحياه إبتسامة بِسيطة قال فِيها : آسِف على نثر هالبُرتقال .. هالمرة ، والمرة الأُولى !
مُشتتة نظراتِها للمكان ولا قِدرت تناظر لعُيونه .. أطلقت تنهِيدة نابِعة من جُوفها وهي تِشد بقبضة يدها على أطراف الكِيس اللي بيّدها .. موقفها صعّب .. وشخص مِثلها ينتظر شخص من فترة طُويلة .. عشان يجيّ يعتذر على نثر البُرتقال .. زاد الموقف صُعوبة .. كُل اللي قِدرت تسويه تِتجاهل وجُوده وتُكمل طرِيقها للبيت .. وهي تِتحس وتِسمع صُوت خُطواته من وراها .. إمتلأت حُنجرتها بالمئات من "الغصـة" بِسبب كتمها لدُموعها وعدم إنهِيارها باللحظة اللي شافته فيها !
وقِفت قدام الباب دُون تلتفت وفتحته بالمفتاح اللي بيمِينها وهي تُدخل .. ولكن تفاجأت قبل تغلق الباب بيده اللي ردّعتها عن إغلاقه ورِجعت خطوة لورى بذُهول من دُخوله وإغلاقه الباب من خلفه ! أستغل لحظة ذُهولها وسحب نِقابها من على وجهها وهو يحطه بطرف الكِيس .. أصدر تنهِيدة عمِيقة وهو يستند بِظهره على الباب وهو يناظر لذُهولها وصدمتها من حركته وكانت بتتكلم بكُل العصبية اللي تِملكتها ولكنه ما ترك لها فُرصة.. ليُتمتم بهمِس خافت وبنبرة تميل للأسف .. للإعتذار .. وللطبطبة وهو يتأمل وجهها .. اللي نِشف كبدّه من شوقه لها : أنا آسف لو تِكفي !




وعّت من ذُهولها بسبب حركاتها إللي أستنكرتها مِنه ورفعت حاجِبها وهي تمِيل شفايفها بإِستهزاء .. لترُد عليه بنبرة تملأها السُخرية والتهكُم : "‏ ترى اسِف ماهي ضُماد ولا تطيب الجّرحى "
ماكان قادِر يتخلى عن التأمل بأدق تفاصِيلها .. وكأنه كان بظلام دامِس .. وعلى قلبه سِتار صُلب يوارِيه عن مشاعره الحقيقة طُول الفترة اللي قضاها معها قبل .. لا ينكُر دقات قلبه الغرِيبة .. إرتباكه وإرتجافه من قُربها ولكنه كان يتهَرب بما أُوتي من قوة .. لجهله بحقيقة وطبيعة هالمشاعِر .. بينما الآن كان مِستعد يدفع عُمره .. ودم قلبه لأجل تِبقى بِنفس المكان .. وترِضى عليه ويطّيب جُرحها .. كان يتأمل كُل جزء من وجهها .. وكأنه يدفع بهالنظرات ضرِيبة للأيام اللي قضاها دُونها ! ومن سِمع ردها حتى حاول يِخفي إِرتباكه .. لأنها مازالت نبرتها ساخِرة .. ومازالت عُيونها تِنطق شرر
تعدل بوقفته وتِقدم خُطوة لين وقف قِدامها .. لُيباشر بقوله وهو يتأمل عُيونها .. وقبضة يده مشُدودة بكُل قُوة : أنا ما أطلب الرضا الحين .. أنا عارف وأنا موقن هالبعُد سبّب لك إيش .. ولكِني جيت وكُلي ضِيق وآسى ووجع .. جيِت وبيديني قلِبي وبنبقى على بابك .. لين ترضِين ، لو كلفني الموضوع إني أبقى واقف على بابك عُمري كله
ناظرته بهُدوء .. بعيد تماماً عن الشُعور اللي تحس فيه "شعُور الإنِتصار" كانت مُوقنة إن شخص مثلها يستحيل يُمر علي أي قلب مُرور الكِرام .. كانت مُوقنة إنها بتحط بصمتها بحياته .. كان آخر همسها له " بتطوف الدنيا كُلها بكُل يأس .. وبترجع إلى أضلعي.. أنا الذنب اللي تتوب عنه ثم بترجع له مثل المهُووس .
رِجعت خُطوة لورى بصِدمة من قُربه الكبِير منها .. وإردافه بقوله : أنا جيتك وشايل سنيني الماضية والجاية بيديني
هزت رأسها بالنفِي .. وهي تِبلع ريقها بعدما حسّت بالجفاف يِستقر بحلقها .. نزلت الكِيس من يدها .. ورفعت كفها اللي تُخفي إرتجافه وأشرت على عِينه الذابِلة .. ولكنها مليانة قُوة .. بادِرت بالقُول : كنت هنا
سكتت بتعب من حُر الشُعور وأردفت بقُولها : كُنت هِنا .. بس طِحت يالمُوسيقي .. من فترة طُويلة

ناظرها بِشتات سكن كُل أضلُعه .. وتمتم وهُو يشُوف الدمع يُسكن طرف عينها .. وتأمل كيف هي تِكابد لأجل ما ينزل قِدامه .. تنحنح ورجع خُطوة لورى .. وهو مِركز على يدينها اللي طُوتها خلف ظهرها .. دلِيل على توتُرها وإرتباكها .. وفِهم مقصدها
ولاعتّب على حكيّها .. لأن فعلته مهيب قليلة !
أردفت بعدها بقُولها : أنا حِلم .. حِلم صار صعب عليك تحقِيقه
رد عليّها بنفس اللحظة : أنا بطبيعتي حالم ولا عندي حدود لخيالي ‏أتأمل الدنيا من حدود الأفلاك .. وأنتي بطبيعتك حِلم لو رميته خلف ظهري
أنقضى عُمري وأنا أطالع ورايّ .. يرضِي يا هوايّ العف ؟
تِزلزل كيانها من رده اللي يِنطق عُذوبة .. وشتت نظراتها وهِي تحاول تخليه ينتهِي من كلامه لأجل تِتحرر من تأثيره اللي غمرها .. وأصبحت بسببه مُقيدة لالها حُول بنفسها ولا قُوة
أسترسل بالحكي وقال بنبرة هاديّة .. تمِيل للحنيّة بكُل مافِيها : وإن طحت من عِينك ماهنا خلاف .. بوقف من جدِيد .. وبمشي لك خوفًا من إنه ينتهي المشوار كله، ماتلامسنا الكفوف" لين تطيح عيني على "الضحكة اللي فيها نهارين" لين أشوف "الموت حَدر رموشه السودّ يتصيّد"
أردف قبّل تِجاوبه بعد ما لِمح الضِيق بعُيونها : ترانِي مسكت إيدين قلبي وجيناك لو ما خذيتيه حُب .. خذيني حميّا ..
نقلت أنظارها من عُيونه اللي تِنطق بالدفء خافِت كِثير يرضخ غُرورها اللي طمسّه بن فياض بالتِراب بغيابه عنها .. وبتركها بالطِريقة المُلهكة كانِت خايفة تِنحني بعد الألم الي تِشربته منه أردف وهي تمسك كِيستها بيدينها : أنا مانِي رهِيفة قلب لأجل يسليّ خاطري بعض الحكي،أنا الي لازم تأخُذ معها الحِيطة والحذر يا المُوسيقي
أبتسم بِهدوء من لقبه اللي ياما تِشفق يسمعه من ثغُرها وتمتم بنبرته المعهُودة اللي تِغلفها الحنيّة : أنا ما أبي أخُذ الحِيطة والحذر .. أبي أخُذك أنتي !
سكنت خلاياها بِصدمة من حكيَه وتِبعثرت كل أجزءاها .. ولكِنها أستمرت بطرِيقها،لذِلك من ناظرها تِكمل طرِيقها لجأ لآخر حل لليُوم ،لصُوته
اللي يدري ،ويعرف أتم المعرفة وش تأثِير مُوسيقى صُوته على حياة .
بدأ يتغنى بصُوته ويدِندن ألحانه الهادِية .. بكلمات تختِرق الحنِين .. وتعبر عن الشُوق العنِيف ..
تِجمدت مكانها من صُوته،وغصت برِيقها وهي تِشد بقبضة يدها بكُل قوتها على أطراف الكِيس وغمضت عُيونها بِسبب دقات قلبها اللي تِمردت عليها ..


وخرجِت عن نطاقها الطبِيعي وصارت تِسابق الوقت بُسرعتها .. حاوِلت تِمشي ولكنها ما قدرت.. وكأن قلبّها حاط ثُقله على أقدامها تمتمت
بِـ "يارب لا تُتركني لفوضوية مشاعِره تِكفى يارب "
تزحرت رجُولها بصُعوبة وهي ناسِيه تماماً موضوع طلاقها منها .. وجُوده .. نظراته .. كلامه .. موقفه ونبرة صُوته .. كان كفِيلة بإنها تخليها تِنسى كُل اللي حُولها
أما هو تِبسم بعُذوبة أخترقت كُل أجزاءه .. لا يخفى عليه إنه طاح بحُب شخص صعب ،قُوي ،ويتحدى الحياة بُقوته
ولا يخفى عليه إنه كان محتاج شخص مِثلها بحياته كان مِحتاج حياة لحياته .. ولو إنه كان بِيفرِط فيها بسبب غباءه وبسبب كركبة مشاعِر لا تودي ولا تجيب إلا إنه عرف خطأه قبل يفُوت الفُوت وتِضيع من يده .. وِبقى يحمد ربه طول الفترة السابِقة ،إنه تجاهل طلبها للطلاق ، وتركها على ذِمته، لأجل يعرف قِيمتها فعلاً
غابِت عن أنظاره لما قفلت باب المطبخ ،وهو أطلق تنهِيدة عمِيقة تحمل كُل الخِيبات اللي بقلبه لِتستقر بصدره طمأنينة فضِيعة بسبب تأمُلها لمدة طويلة ،وكأنه يكفيّه هالشيء بلقاءه الأول معها !
تمتمِ بهُدوء وهو يخُرج ويقفل الباب من بعده : علِيم الله ياحياة ،إن كُل درب يودي لِغير وجهك ،تجاهلته
أنا حتى خطاوييّ تقول مالي غيرك درب أنا واقُف على بابك لين يغُمر الِرضا قلبك فلا غير رضا قلبك غاية لي هالمرة

ناظِرت من الدرِيشة لخُروجه وهي تُحط كفها على حِفاف قلبها اللي لو بِقت لحظة جنبه كان تِبرأ منها .. ما كذبت لما قالت إنها قُوية قلب !
حسّت بالدُموع تِستقر بمحاجر عُيونها وتِنهدت بتعب وهي تحاول ما يطِيح .. لأنه بجفُونها دمع إذا نزلته الكُون كله أرتوى
-
-
{ مُنى}
دائماً كانت تبّغض أن تكون حِصة الفنيّة.. الحصة السابعة ! لأنها بنفسها يكون حِيلها مهدُود فشلون بقيّة الطالِبات .. المنهج على وشِك الإنتهاء والإختبارات النهائية أصبحت على الأبواب .. لِذلك على الأرجح كانِت هذي الحصة فاضِية
جالسة أمام الفصلِ على الكُرسي واللي أمامها طاولة خشِبية عليها بعض الأوراق اللي تِحكي فوضوية مشاعِرها بهاللحظة ذي .. واللي رُغم إزعاج الطالبات العارِم إلا إنها كانت غارقة بكل ما أؤتيت من قوة .. وكُل اللي كانِت تكتُبه .. أرقام مجهولة .. وعمليات حِسابية مُتكررة .. تحسِب هذا وترجع تعِيد من البداية تبِي تتأكد من ظنها
زفرت نفسها بِضيق وهي تحُط رأسها على حِفاف الطاولة وتتأمل خربشات الورقة : صار عُمرك أكثر من عشرين دقيقة يا سعد .. حسبت كُل الدقائق والساعات من ذيك اللحظة للآن .. معقُولة كِبرت للحد اللي نِسيت سبب إِبتداء عُمرك .. معقُولة مر النِسيان بِذاكرتك وأستقر .. وما كُنت إلا حدث عابِر بحياتك
أصدرت تنهِيدة عميقة وهي تغمض عُيونها بضيق سكن كُل خلاياها .. هي بحِيرة وفوضوِية عميقة .. شُلون لا وبعد إعترافه بالمكتُوب أصبح على مشارِف خمسة أشهر من البُعد ؟ معقولة يظنها للآن ما طابت من جُرح إستراقه النظر لها بخُلوتها ! بس هُو شخص صارت تِشهد برجُولته !

رفعت رأسها بخُوف بعدما حست بضربة قُوية على الطاولة وحطّت يدها على قلبها بذُعر وهي تِناظر للجادل بعتب : فجعتيني يالجادل
ضحكت بخُفوت وقال : اللي مأخذ عقلك يتهنى به .. الجرس رن والبنات إنسحبو وأنتي للحِين سرحانة
ناظرت نظرة سريعة للفصل وفِعلاً كلام الجادِل صحيح وقفت على عجل وهي تأخذ شنطتها والجادِل أنتبهت على الأوراق : أوه معلمة الفنيّة .. تحاول تِسابق معلمة الرياضيات .. لكن وش هالعمـ..
سحبت منى الورقة بسرعة وهي تِضحك بوهقة : سيبيك منها .. مجرد أرقام مالها معنى
رفعت حاجِبها وهي تمِيل شفايفها بإستغراب .. لُتردف بعدها : سواق المُعلمات كعادته تعطلت سيارته .. والحمد لله عرفت قبل أرجع للبيت .. يالله تعالِي بوصلك معي
قالت بضجر وهي تمشي وراها : أساساً هالسواق متى تعدلت سيارته شهر كامل ؟ كل أسبوع يلقى فيها بلاء
تمتمت بِضحكة ومنى تأففت وهي تُضم دفترها لِصدرها وتُدخل لمكتب المُعلمات
-

{ سعد }

تنفس الصعُداء وهو يناظر لِباب اللي توه فتح وللسيارات والباصات اللي تملأ ساحة المُجمع وأتجه نحو شاكِر "حارس المدرسة"
وقف جنبه ومن لمحه شاكر حتى أستقام بِظهره المُنحني بسبب كبر سنه ووقف وهو يسلم علِيه بحفاوة وبترحِيب بعد المُدة الطويلة اللي غابِها عنه .. لِيجلس بعدها وهو يُكمل النداءات ويتكأ سعد بمنكبِه العريض على ظهر الكُرسي وهو يهمس : حتى شاكِر شرهه على غِيبتي ولابِينا إلا سلام .. أجل ردة فعل غيره كيف بتكُون ؟ كله من كابتن الفلّس سند
ألتفت بإستِغراب وهو يِسمع كلام أبو شاكِر بالمكريفون : سواق المُعلمات تعطل .. يامعلمات تصرفو

من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن