28

19.2K 184 72
                                    



جسّار كان منلخم من عصبيته .. من إنفعاله ومن كلامه .. خصوصاً إنه واقف على الباب وبينهم مسافة خطوتين ! لو تعداها راح يتفرغ المسدس برأسه ! والواضح مهوب يمزح بعدما صار دم طارق يملأ المكان كله !
نطق بنبرة هادية وهو يحاول يستدرجه : خلك هادي .. اللي تقوله ظلم بحقي . . أنا رجال أخاف ربي
وأخوك حقه برقبتي .. ولكن ذنبه مهب علي ! أنا ما قتـ....
سكت بصدمة وهو ينحني على جانبه اليمِين بعدما صوّبه برصاصة على فخذه خلته يطيح على الأرض بعدم إستيعاب !
ما نطق ب ولا كلمة .. كل اللي سواه سحب الدبة اللي بيده .. وبدأ يرشها على أنحاء الغرفة !
وهو يناظرهم بحدة .. وبقرف أستحل كل أعماقه
أسابيع عاش فيها مع الكره والحقد والألم والرغبة بالإنتقام قدرت تبنيّ شخصية شيطانية بشعة ! تفتقد لكل مصطلحات الرحمة
جسّار كان شاد على رجله .. من قوة الألم اللي تمكن من كل خلاياه .. الصداع اللي أستحل رأسه ماكان قادر يخليه يستوعب وش قاعد يصير حوله
أبتعد عن الغرفة .. وقفلها بالمفتاح اللي كان على قبضة الباب .. وبدأ يصب البنزين بخط مستقيم لين وصل لباب البيت .. ثبت سلاحه بخصره وسحب الولاعة من جيبه
وهو يسحب نفس .. ومن أشعل الولاعة ورماها على رشات البنزين حتى زفر هالنفس بكل راحة .. أستحلت كل جسده .. وهو يظن إن بفعلته هذي قدر ينتقم لأخوه .. قدر يرتاح .. وبكذا يقدر يكمل حياته بكل سهولة
بعدما أخذ روح شخصين كانو سبب موت أخوه .. لما تأكد من إشتعال الغرفة أنسحب من المكان .. وهو يصفر بإستمتاع
جسّار اللي رفع رأسه بإستنكار لرائحة اللي أنتشرت بأنحاء المكان .. ومن عرف وش هي حتى حاول يوقف بصدمة وهو يناظر لطارق .. اللي يناظره بنظرات مُرعبة
ألتفت بصدمة وكل خليّة بجسده وقفت وهو يشوف النار تِشب بشكل كارثي بأنحاء الغرفة .. حاول يوقف ولكن رجله كانت متخدرة
سحب على بطنه بكل القوة الي بقت بجسده ووقف قدام الشباك وهو يحاول يفكه ولكن الجرح اللي كان بخاصرته حال بينه وبين يده اليمين
لِذلك كانت يده اليسار المعاونة فقط
ألتفت على صوت ضحكات طارق اللي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة ويضحك بكل شيطانية .. لما بدأ الدخان ينتشر بأنحاء الغرفة .. صار يكح بصعوبة ويناظر ناحِية جسّار :وإن مت .. المهم إنك بتموت وراي
وإن....
أشتد عليه الضيق وصار يكح بكل صعوبة وهو يحاول يلتقط أنفاسه ولكن هيهات .. شد على قبضة يده وهو يتمسك بآخر حبل للحياة ولكن .. الموت كان أسرع !
صرخ جسّار برعب دبّ بكل جسده وهو يحاول يوقف ويضرب الشباك بكل قوته بيده اليسّار .. ومن أنكسر الزجاج .. حتى تعالت صرخاته الساخطة بسبب الحديد اللي بيحول بينه وبين خروجه
ألتفت وهو يناظر للنار اللي تِحد الباب من كل إتجاه .. واللي ماكان قادر يمشي من عليها بسبب الرصاص اللي شّلت طرفه اليمين كامل
ناظر للنار اللي بدأت تأكل المكان واللي وزعت شرارتها بكل مكان بسبب البنزين اللي بالغرفة
دخان كثِيف يحيط بالغرفة نار حارقِة أشتعلت بكل الأطراف
بدأ يصرخ بأعلى صوته وهو يحاول يستنجد بجيرانهم لعلهم ينتبهون له التنفس صار صعب عليه .. الإختناق إحتّد .. الدخان صار بفضاعة وبشكل رهيب يسكن صدره العريض .. وضع يده على صدره وهو يحاول يتنفس بصعوبة
ألتفت وهو يحس بدموعه تخترق عيونه الناعِسة وهو يشوف النار تلتهم جسّد طارق بكل وحشية .. وتزحف له لأجل تكمل عليه
قرب رأسه من الشباك وهو يحاول يلتقط الأكسجين من برى الغرفة بعدما صار الدخان هو العامل الوحيد فيها
ولكن هيهات .. كل اللي يحس فيه كان الإختناق .. والوجع اللي أنهاه
ماكان قادر يتحرك شبر واحد من مكانه .. الرصاصة أعاقت كل حركته .. وغرزة السكين اللي بخاصِرته كانت سبب بسُكونه ..
غمض عيونه بقوة وهو يحس إن الروح بدأت تُسحب من أطرافه
تساقطت دموعه بشكل رهيب على خده وهو يضرب بيدينه الجدار ويصرخ : يااارب تكفى .. يارب لا يصير ولديّ يتيم .. يارب ما أهاب الموت لأني بلقاك .. ولكني يارب أخاف على الورد يموت من دوني
طالبك يارب تحفظني
إقتربت ألسنة النار منه .. وأحتد السعال وهو يتخبط بأرجاء المكان
غمض عيونه وهو يتنفس بصعوبة .. والنفس صار صعب خروجه من رئتيه اللي مُلئت بدخان النار!
شد على قبضة يده بصعوبة وهو يغمض عيونه وهو يحس بدموعه تحرق خده من حرارتها .. ومن يأسه باللحظة ذي .. حس إن وقته أنتهى عن هالدنيا .. وهذا الإحساس كان مصاحبه طوال أيامه السابقة !
ولكنه فعلاً تحقق هاللحظة ..
الرؤية صارت مشوشة .. والتنفس صار مستحيل .. الوجع يشتد والنار بدأت تنهي كل الغرفة


حاول بكل ما بقي له من صوت .. وبكل القوة اللي تبقت بداخل جسّده اللي أنهلك من العوامل المُحيطة فيه ،نار حارة تلتهم كل اللي أمامها ، رصاصة مخترقة فخذه اليمين ، جرح من سكين بخاصرته اليمين
رئتيه ماعادت قادرة على المقاومة أكثر دقات قلبه بدأت تتبطأ بشكل مرعب
غمض عيونه وكل خلاياه ماعاده قادر يحس فيها.. وباللحظة اللي كان يصارع فيها الموت .. وبقلب مليان خشوع وطمأنينة بعدما أيقن إن هذا مصيره نطق بشفايف مُرتجفة وقلبه ينتفض وهو يرفع سبابة يده اليمين بثقل شدِيد : أشهد أنا لا إله إلا الله وأشهد أنا محمد عبده ورسوله
-

{ سعود }

بقى على حاله دقائق معدودة منِسدح ومغطي وجهه بغترته .. وهذا كان إنسحابه من الشعور المر اللي أستحل قلبه رغم عنه ! واللي ظنّ إنه بينهيه ويدمر حياته !
ومن إستوعب موقفه رفع رأسه على عجل وهو يلف ويناظر لها ..
سحابة اللي كانت واقفة بنفس المكان ، تناظر له بهدوء وتتأمله بدون صوت .. تفكر بالحياة اللي حكمت على نفسها فيها مع هذي الشخصية الغريبة .. من رفع عيونه وحط عينه بعينها .. حتى عصرت مسّكة الورد بين يدينها ونزلت عيونها للأرض بسرعة .. وهي تحس بحرارة الكون بجسّمها
وقف بسرعة .. أبعد الشماغ من على جنبه وتقدم لها بعدما تنحنح
وقف قدامها ودخّل يدينه بجيبه .. وهو الود وده .. ينهيّ هالشعور بشيء يبّرد حرته .. صراع داخلي مع ذاته وميّة سؤال في عقله " هالليلة كيف بتعدي على خير ؟"
أخذ نفس وزفره بصوت عالِي .. وهو يستنجد فيها ، تمحي كل التساؤلات اللي بينهم .. ويرتاح قلبه
ولكن خجل سحابة وتواريّها عن أنظار قلبها خلّته يباشر بالقول وبدُون مقدمات : ليه وافقتي عليّ ؟
رفعت رأسها بسرعة بصدمة من أول سؤال طرحّه عليها وهو رفع حاجبه بإستنكار من نظراتها : نسيتي آخر مواقِفنا ؟ ليه التعجُب ؟ وأنا شخص حلفت لأهدم قدرة اللي تنتظرينه .. وهذاني هدمتها ليه تركتِيه وجيتي لي أنا ؟ عشان الجاه ؟ السمعة؟ الفلوس ؟ أو شيء ثاني ؟
عصّب من سكوتها ومن جمودها باللحظة ذي وقال بضيق وبصوت حاد حاول يكبّت عصبيته فيه : لا تلجئين للصمت .. الحين مافي كتف تقدرين تندسين وراه مني ! جاوبيني يا سحابة وإعتقيني وخلينا نبدأ علاقتنا على الوضح والنقاء
بلعت ريقها بصعوبة من كلامه .. ورمشّت بثقل وهي تنقل نظراته له .. وشلون تبوح له إن الشخص المُنتظر ؟ وين قوة القلب اللي عندها وبتقدرتبثّ له هالخبر ؟
شّد على أسنانه بعصبية .. وكان بينفجر فيها .. لولا أصوات صاخِبة و صرخة عاليّة ملئت أرجاء بيت آل جبار
ومن ميّز مصدرها حتى حس بالرجفة تسري بكل جسده .. ترك كل شيء وراه وركض بكل سرعته تارك سحابة واقفة مكانها .. مرعوبة ومرتجفة
سعود كان يلتفت بالمكان .. يدور لصاحبة الصوت .. ومن شاف البيت قايم قاعد حتى ألتفت بخوف ناحية بشرى اللي تبكي بصوت عالي وبحضن رحمة : وش صاير ، تكلمو إنطقو
بشرى اللي كانت ترتجف من الرعب زاد بكاها ، ونعمة كانت متجمدة مكانها ماكان عندها قدرة على الحركة بعد صرخة بنتها اللي هزت كل ضلوعها
والمزن واقفة جنب رحمة ويدينها على قلبها من الموقف اللي حصل قدام عيونهم
عصب أكثر وهو يناظرهم بسرعة : الله حسيبي إن تتكلمون والا ...
حكمة اللي كانت تنتفض من الرعب قالت وهي تأشر على الباب بعصاتها : رجالٍ خسوفين جاءو لين حذو الباب "جنب " يصايحون"يصارخون" إن بيت صهركم أحترق وأختك من سمعت هالحكى غير ركضت وهي حافيّة وبشيلتها اللي على رأسها بس وهي تصايّح بأعلى صوتها الشيخ وأبوك راحو وراها لكـ..
بُترت جملتها لما شافته يتنفس بصُعوبة ويدينه أرتفعت لياقة ثوبه ، فتح الأزرار بقوته وصار يركض في المكان بلا وجهة ومن لمح بشت عبدالعزيز المرميّ على الأرض حتى سحبه بكل سرعته وركض برى البيت بلا توقف .. ناظر لرجال الخُسوف اللي يتوافدون بكثرة لِنفس وجهته وأنقبّض قلبه على أخته ، بدأ يتمتم بِـ"يارب إلا الورد لا يذبل .. يارب إلا القويّة لا تنحني تكفى "
وصل للبيت ووقف بصدمة وهو يشوف النار منتشرة بكل مكان .. والبيّت عن بكرة أبيه يشتعل
صار يدور بعيونه .. يلتفت وقلبه يتفّتت على الوردة اللي بتحترق من هالمنظر .. ومن لمحها منحنية بثقل قلبها على الأرض وعبدالعزيز واقف جنبها وراجح راميّ شماغه على رأسها
حتى ركض بكل طاقته وهو يوقف جنبها ويكسيها بالبشت
ناظرها بصدمة وهو يسمع صوت بكاءها وتمتمتها : يبه ، جسار داخل يبه ، والله العظيم إني متأكدة
يبة قلبي يوجعني قلبي بينفجر من الوجع .. غيابه ماكان مطمن لي
دخيل الله .. تجيب لي إياه .. لا يصير ولدي يتيم قبل يلمح النور تكفى



بلع ريقه بصعوبة وهو يسمع إستنجادها والتفت وهو يشوف عبدالعزيز شمّر وصار يطفيّ مع الرجال
مسح على وجهه وهو يقول لأبوه : يبة جسّار غايب طول اليوم .. معقولة ؟
ناظره بحدة وهو يقول : مهب وقته هالحكى
تنهد ومشى لما توسّطت نسيم حضن راجح .. ووقف جنب الرجال اللي تكاتفو كلهم .. وتعاونو على إخماد هالحريق
عبد العزيز كان مشتعل مثل إشتعال هالبيت .. وش الحالة اللي وصلته لهالنقطة ؟ وجسّار ليه كان غايب عن الزواج .. مية سؤال على رأسه
والأهم " نسيم كيف بتعيش لو صار فيه شيء " تمتم بـ : يارب حنا عبيدك في رجاك .. يارب كلنا صحاري نرتجي عطّف السحاب .. تكفى
ألتفت وهو يشوف سعد اللي كان مُغطى بالسواد .. كونه أول شخص إنتبه للحريق وأشعل الخسوف بصوته
وألتفت لِـ يمين سعد وهو يشوف سند اللي بيده سطل الموية .. ويرميّه على ألسنة النار اللي متوجهة لهم .. ومن أخمدو النار بالحوش اللي صار رماد وبحالة يُرثى لها حتى بدؤو يتقدمون ناحِية الغرف .. تحت أنظار نسيم اللي بدأت تذبل تدريجياً وبدأ نبضها يتباطأ من الشعور اللي كتّم عليها واللي حسته بينهيها بأي لحظة .. رفعت يدها وهي تحطها على بطنها لما حسّت بألم شديد يعصرها ..
غمضت عيونها وهي بهاللحظة متوكلة على ربها .. وموقنة إن كل اللي بيصيبها خيّرة
وبعد محاولات عديدة بإخماد النار
ذابّت كل عظامها .. وحست إن الكون وقف عند صرخة رجال خلت كل كيانها ينهار على رأسها " فية جثة متفحمة يا رجال إلحقو عليها "
ميّلت رأسها على كتف أبوها وهي تحس بالموت يتسلّل بكيانها كامِل
وراجح اللي تجمد مكانه والتفت وهي يضرب على خدها ويناديها بخوف
فتحت عيونها لما نزلت دموعها اللي أحرقتها وقالت وهي تناظره بوجع : يبه ، ماعندي طاقة على العيش ثانية وحدة .. يبه قلبي يوجعني لدرجة أحسه بيوقف بأي لحظة
حسّ بالدموع تسكن عُيونه اللي شابِت من منظر ذبول هالوردة بين يدينه وحضنها له بقوة وهو يشوف الخذلان بعيون عياله اللي يناظرونهم واللي من شافو العظام اللي مفتته على الأرض حتى أيقنو إن هالشخص جسّار لا محالة ! ركضو بكل عجلة ناحية المكان اللي تركو فيه وردتهم ،وفعلاً مثلما توقعو لقوها بهّتت وصارت بأبشع ألوان الذبول ! ، وش اللي بيقدر يقدمونه لها باللحظة ذي ؟ وش اللي بيرجع النور الباهي لوجهها بعد هالليلة المظلمة؟
شد عليها بقوة وأقترب عبد العزيز وهو يبُوس رأسها ويوقف جنّبها ،متجاهل تماماً الرجال اللي حولهم ضغط على يدها وهو يشّد عليها : عهدناك قوية يا بنت راجح ،دخِيلك لا ينحني لك ظهر
غمضت عُيونها بقوة ،ورفعتها وهي تِمررها على أخوانها
اللي هالنظرة خذت من عمرهم عمر ،العيون اللي كان يسكنها الفرح قبل دقائق ،تشربّت الوجع هالمرة شُرب !
أرتجف فكّها وحست بقلبها يتزلزل وهي تحس بدموعها تحرق عيونها : ولدِي أصبح يتيم يا يبه ؟ والا يتهيأ لي ،تكفى رد لي قلبي والله العظيم ماعندي قوة ! وإن كان هالموضوع حقيقة دخيلك تحفر قبري جنب قبره
بلع غصته وهو يربت على كتفها وعبدالعزيز صد ويناظر لعيال الخسوف مستمرين بالحوم حول البيت ،مظهره الخارجي ثابِت وقوي ،بينما من داخل " منهار "
هالدموع أستنزفت كل طاقته !
أصوات عالِية علّت بالمكان ،والتعزيات بدأت وهم صادّين عن النظر للجهة اللي راجح وعياله واقفين فيها ،نكسّو شماغاتهم بحرقة ،وإستدعو الشرطّة ،وبعدما خمدت أغلب الأماكن بالبيت وصل الدفاع المدني ليُكمل رحلته
أما نسيم باقي مكانها ،ولا قدرت تتحرك شِبر واحد ،عيونها معلقة على بيّتها ،وعلى حياتها اللي أنتهت كلها بغمضة عين ،حست إنها بتهوي على الأرض من قوة الوجع ،وللحظة كانت بتتقيأ قلبها من فُرط الأذى ،محد قادر يهدّيها
ولا أحد قادر يطبطب على قلبها باللحظة ذي!
ألتفت راجح وعبد العزيز اللي كان واقِف جنبه ،وسعود اللي تتوسط نسِيم حضنه
للشخص اللي وقف قدامهم بجاكيت أبيض طويّل لنص فخذه ويناظرهم بهدوء!!
٠

{ قبل ساعات معدودة وتحديداً : الساعة السادِسة مساءً }

دخل حُدود الخسوف وهو ضارِب الشماغ على حدود وجهه .. ومِتلثم ولا مبّين منه سوى عيونه
دخل بخطوات هاديّة .. ويبين على ملامحه الهُدوء .. ولكن قلبه يرتجف
يناظر بنظرات سريعة للمكان .. يتفحص كل جهة .. يتأمل وجوه الجميع
مبتسم .. وقلبه مليان فرح لهالجو اللي تشفقّ عليه
وقف على بعُد مترين من مجلس الدِيرة .. واتكأ على الجدار
وهو يدور بعيونه على العريس .. ومن طاحت عيونه عليه .. حتى أبتسم
من بِشته الأسود اللي شاد عليه بكفه اليمين .. لعقاله وثوبه .. وضحكته العاليّة .. تأمل كل تفاصيله وهو مبتسم .. وعيونه ماشالها من عليّه
وهذا وضعه .. من خمس سنين




بينما الكل كان يظنه غايّب عن أخوانه بأفراحهم .. كان يأتي خِلسة لأيامهم المهمة .. يسترق النظر لفرحتهم وعلى غِير عادة يفرح لها ويتطمن قلبه .. ويأخذ نفسه ويمشي
تنهد وهو يمسح على وجهه بهدوء
وبعدما تطمنّ على أبوه .. وعلى فرحة أخوه ألتفت ومشى وهو يكمل طريقه .. وقف مكانه وهو يتذكرآخز كلامه مع خاله
" ناصِف اللي أشتعل غيض من ولد أخته اللي بدأ يخرج عن سيطرته ويرجع لطبيعة أهله وسلُومهم .. واللي يوقف له على كل كلمة وعلى حرف .. والأهم كان طول الفترة الماضية يوقف له بالمِرصاد من ناحية تحركاته .. لدرجة أخفى عليه الشيء اللي يخطط له من أسابيع طويلة "
(طفح الكيل عنده وقال له بغيض : أنت منت إلا رخمة .. وللآن حياتك معتمدة كل الإعتماد على ال جبار .. أنت بدونه مِثل السفينة بدون بحر
أنت نكرة يا فهيّد .. شغلك ومحلك وتجارتك لولا تمننهم عليك فيها كان أنت ميّت من الجوع من زمان !!
سنين وهم يشّحون عليك من خيرهم . . والرجال اللي تظنه صاحبك ويساعدك في محلك ماهو الا إجيّر عند بن راجح .. تمنّوو عليك لدرجة قمت إتقاوى على خالك اللي صنعك وخلاك رجال .. يالرخمة)
بلغ منتهاه من العصبية بسبب كلامه .. وقرر ينسحب من المجلس قبل يتقاتل هو وياه "
ومن لقى فرصة يتأكد من كلام خاله
حتى وقف على أعتاب سوق دِيرة الخسوف وهو يناظر لجهة محل آل جبار للأقمشة .. وفعلاً !
صدق الكلام .. الرجال اللي عرض عليه المساعدة واللي فتح معه محلَه
وعاونه فيه .. وبكل عسّرة يلقاه قدامه .. ماكان إلا أجير عند ابوه
أجتاح قلبه شعور غريب .. خلاه يرفع يده ويتحسس مكانه وهو يشد على صدره بقوة
غمض عيونه للحظات وتنفس بهُدوء وهو يحاول يستعيد نفسه .. من فرط الشعور اللي أحاط فيه !
صد بعيونه عن الرجال اللي ظنّه صاحبه ،وماهو إلا شخص مُشترى من قِبل اهله
مشى وهو يحس بزعزعة عميقة بكيانّه بلع ريقه بمرارة من خيبته بالشخص اللي كان يظنه صاحِبه الوحيد وشدّ على قبضة يده وهو يقول "تِستاهل .. كل اللي يصير لك من عمل يدك"
مر من قدام محّل جسار .. وهو عاِقد حواجبه بإستغراب لما لمح إنعكاس وجه طارق بالمراية
رجع خطوة لورى وهو يتذكر العلوم اللي وصِلت له واللي أنتشرت بكل مكان من مقتل رجال من قبيلة هشِيمان .. لخصام طارق وجسّار اللي كانت السبب لهروبه عن ديرة الخسوف
أستنكر وجوده باللحظة ذي ، وخصوصاً إن ملامح جسّار تميل للعصبية ! أستند على الجِدار وهو يكتف يدينه ينتظر خروج طارق .. ومن خرج حتى أرتاح وكان بيرجع لدِيرة خواله .. ولكنه رجع يلتفت لجسّار اللي يمشي وراه !
تأفف وهو يحس بالقلق يُحيط بكل قلبه ومشى وراهم بدون ما يحسسهم بوجوده وقف خلّف أقرب جِدار لهم .. واللي بيقدر بسببه يتوارى عن أنظارهُم وبقى يسترق النظر على حوارهم .. أنصدم لما شاف طارق يغرز السكين بضلع جسّار وكان بيهجم عليه لولا أصوات الرصاص اللي خلته يتجمد بمكانه .. ألتفت للمصدر وبقى يناظره بصدمة ! هذا من ؟
وش بينه وبينهم ؟ بقى يستمع لكل الكلام وحضر كل الموقف .. ولكن ما بيده شيء إلا ينتظر ويصبر لأن تدخله باللحظة ذي وهو خاليّ من السلاح وكل اللي يقدر يسويه يضربه بقبضة يده .. يعتبر خطأ بحقه وحق اللي بيفزع لهم !
وقف على أعتاب الباب وهو يحاول يعرف وش اللي قاعد يصير بالغرفة
ولكنه رجع أدراجه لما شاف الرجل نفسه يخرج .. بقى يراقبه للحظات ومن شافه يشّعل الولاعة .. حتى تجمدت كل أطرافه بصدمة .. ضحكته العالِية إعجابه بالمنظر نظراته الشيطانية خلّت فهيد يحس إنه يهوي من فوق سطح جبل !
بدأت النار تنتشر بالمكان ومن أستوعب حتى ركض بكل طاقته وهو يدف الباب بقوته وبكتفه العريض .. أنفتح وألتفت للنار اللي بدأت تشتعل بكل مكان بالغرفة .. وقف مكانه وهو يناظرها
وكل اللي كان يسمعه باللحظة ذي ويتبادر لسمعه صوت أخته نسيم
بكاءها .. شهاقتها العالية .. وكل اللي كان يشوفه بعيونه إنهيارها وذبولها
لاينكر إن علاقته مع جسّار علاقة سطحية ولا بينهم محبة .. وخلال الخمس سنين ما فكر حتى يتقبله
ولكن باللحظة ذي .. تجاهل كل مشاعره وكل اللي كان نصب عيونه " نسيم "
بدأ يركض بالمكان يدور بعيونه .. دخل أقرب غرفة قدامه ومن شاف البطانية مرميّة على السرير حتى سحبها بسرعة وهو يتوجه لجهة الورد اللي كان يتواجد جنبها ليّ للموية .. غرق البطانية كلها بالموية
وتلحف فيها وهو يركض للباب اللي بدأت تشعل كل أطرافه .. واللي النار تمكنت من كل مكان .
دعّى من كل قلبه إنه لحق عليه ودف الباب بقوته وهو ينقل نظراته للمكان ، من لقى جسّار مرميّ على الأرض وماكان بينه وبين النار إلا شبر وأقل حتى ركض بكل طاقته .. وبكل الجراءة اللي خبّاها طول حياته بقلبه



وهو يثبته على ذِراعه ويثبت البطانية على أطراف ، ألتفت وناظر بصدمة لطارق اللي أحترقت أطرافه وبدأت النار تأكل باقي جسده
غمض عيونه وهو يصرخ بوجع لما حسّ بالنار تتسلق ذراعه ، وأشتعل كل جسده من حرارة الغرفة والنار اللي تحدهم من كل جهة ، صرخ وهو يناظر لِفوق : تكفى يارب العباد .. مهب بعملي ولا بعمل هالرجل
بلطفك ورضاك يارب .. دخيلك لأجل عيون اللي بتبكيه تكفى يارب
غمض عيونه وشدّ على كتف جسّار اللي مغمى عليه من شدة الوجع ، أنحنى وهو يحاول يثبته على ظهره ، ومن حسّ فعلاً إنه بيقدر يأخذه وقف وهو يشد طرف البطانية بفمه والجهة الثانية بيده
وأنطلق ناحية الباب وهو يقول : يارب إجعلها برد وسلام .. يارب لا يمسه ضر
ومن خرج من الغرفة حتى رمى نفسه على الأرض وجسار جنبه وهو يتنفس بسرعة ، والدموع ملأت محاجر عيونه بدأ يصرخ وهو مابين ضحكة ودمعة : يارب لك الحمد .. يارب لك الحمد
وقف بسرعة وهو يترقب دقات قلب جسّار ومن حس فيها ولو إنها من خِفتها أشبة بدقات قلب عصفور
ثبّت الشماغ على وجهه ، وأخذه على ظهره وهو يدعي ما يلاقي ولا أحد بطريقه
وفعلاً من خرج وناظر للنار اللي للآن بدأت تبثّ شرارها بكل مكان بالبيت ، وتعلن وجودها للكل
مشى بسرعة وهو يغطي وجه جسّار وركض بكل طاقته المتبقيّة لجهة مستوصف الخُسوف .. اللي ما تغير مكانه وباقي على عهده
تنفس الصعداء وهو يضع جسّد جسّار قدام باب المستوصف .. وناظر بوجع ليده اللي تشوهت من النار وكان ضاغِط على نفسه عشان يحافظ على جسّار
دق باب المستوصف بيمينه ومن سمع حُضور الممرض .. حتى أنسحب على عجل وهو يدعي يكون هالرجال بخير .. لأجل نسيم
-
-
{ بمستوصف الخُسوف }

وقفت قدام السِرير اللي يحمل جسّده المهُلك من قوة التعب .. وزادِت حدة بكاءها .. من وصل الدكتُور لِـ قدام بيت جسّار .. بعد ما عرفه وسمع اللي صار ببيته .. وبعد ما أعطى خبر لراجح عن إنقاذ أحد له .. ورميّه على باب المستشفى حتى خارت قُواهم كلهم .. ولكن هالمرة بفرح !
إقتربت وكُل خلاياها تِنتفض .. وقلبها من شدة نبضه تحس إنه بيخونها بأي لحظة .. وقفت جنب رأسه وهي تتأمل ملامح وجهه اللي أضناها الوجع .. واللي أنهلك من شِدة الألم .. حاوطت وجهه وهي تطلق العنان لبكاءها اللي صدع بالمستشفى .. وهي تقبل كل حنايا وجهه .. بعدم تصدِيق!
اللحظات تشابهت عليها .. والشعور تلخبط ، كانت تبكي خوف ، ورعب ، وأمان ، وطمأنينة
تجمعت عليها كل المشاعر ، والموقف اللي عاشته من لحظات دمّر كل نفسِيتها .. أما راجح وأخوانها كانو يناظرونها بِقلة حيلة ! وإنهيارهم كان بسبب إنهيارها هي !

سعود مسح على وجهه وهو يناظر بعدم إستيعاب لعبد العزيز همس وهم يقرب منه : إن كان جسّار هنا .. بقايا الجثة اللي بالبيت لمن ؟
هز رأسه بضيق وهو يناظر لأبوه وقال بعشوائِية : مدري . . مدري يا سعود ولكن الله يستر .. الموضوع صار كبير ! كبير حيل
تنهد وهو ينقل نظراته لِـ نسيم اللي للآن ما قدرت تِلملم شتاتها
وناظر لراجح اللي أنحنى وهو يحضنها بدفء كتفينه .. ماعارضت ولكن شدِت بكل قوتها على يده وهي تِضحك وتبكي بنفس الوقت : يبه .. ربي كبير .. ربي رحمته واسعة
تنهد بإبتسامة وهو يربت على كتفها : الحمد لله يا نسيم .. الحمد لله
-
-
صباح اليوم التالِي ..
رفعت رأسها بتعب ، وهي تِحس بتفتت جميع عظامها ، طول الليل منحنيّة برأسها جنب يده .. تقرأ وتدعي من كل قلبها
وبين كل لحظة والثانية تلفت نظراتها لأخوانها اللي ما تركوها ولا لحظة .. بين كل دقيقة والثانية يتطمنون عليها .. اللي يطبطب على ظهرها واللي جبّرها على الأكل واللي يقرأ عليها .. واللي يمسح عليها ويشد على كفوفها
تجمعت المرارة بحلقها وهي ترجع تغمض عيونها وتسندها على كف جسّار : وينك يا فهيد .. قطعت قلبي أكثر منهم كلهم ياخوي !
أخذت نفس وزفرته بتعب .. وهي تتذكر كلام الدكتور ، عن الجرح اللي بخاصِرته وعن الرصاص .. وعن ضيق التنفس اللي كان سببه الدخان الكثيف
خبّرهم عن نجاح عملية إستخراج الرصاصة .. وعن تخيّيط الجرح
وطمنهم من هالناحية .. إلا من ناحية الرئة ووش الضرر اللي ترتب على إختراق الدخان لها
خانتها دموعها وبدأت تِنزل بغزارة على كف جسّار .. وكل دعواتها بأن الله لا يّيتم طفل للآن ببطن أمه
مرت ساعة على هالحال .. ولا صحت من دوامة بكاءها إلا بفجعة من صوت جسّار .. اللي بدأ يصارخ بهلع وهو يتخبط بالمكان ويقول كلمات مو مفهومة
رفعت رأسها بسرعة ولفت لراجح اللي وقف ومشى لهم بخوف
وقفت وهي تمسك يدينه وتمسك وجهه وهي تبكي بخوف من حالته الهستيرية : جسّار .. جسّار لا تخاف أنت بخير !! جسّار
ماكان قادر يستوعب اللي يصير معه .. للآن يحس نفسه بين ألسنة النار اللي تحرقه

كان يتوجع ويحس بالنار تشتعل بجسده وجرح الرصاصة يضغط عليه .. الموقف اللي عاشه كان كفيّل بأنه يعيش بذاكرته لسنين طويلة
طوّل الدكتور ما حضر ، وأضطر راجح يثبت يدينه بقوته الجسدية
وهي وقفت جنب رأسه ومسكت وجهه بقوة وهي تمسح على شعره بخفوت ...
قربت وهي تهمس بإذنه بالمعوذات .. كل اللي جاء ببالها هالفعل
لعلّه يهدأ .. لعل قلبه يستريح
لأنه بفعلته وضّح لها إنه يصارع نفس الموقف لما كان بين النار !
لما حسته بدأ يهدأ غمضت رفعت كفها وهي تمسح الدموع من عيونه قبل ينتبه عليها راجح وألتفت وهي تسمع خطوات الدكتور السريعة
وقف وهو يتنفس بسرعة ، وبدأ يشيّك على حالة جسار .. أيقن إن عقله الباطني أعاد عليه الموقف وخلاه يعيشه مرة ثانية
ولكن الجهة المريحة بالموضوع .. إنه أستعاد وعيّه .. وتنفسه كان طبيعي وبالشكل المطلوب ! ولا يخفى عليه توجُعه بسبب إصابة الرصاص والسكين
كان بيخدّره لأجل يرجع ينام ولا يرجع يهلوس ولكن يد عبد العزيز سبّاقة .. قال وهو يناظر للدكتور : لو بقى على هالحال .. يقدر يتكلم
الدكتور ناظر بهدوء للحظات ثم هز رأسه بإيجاب : دامه قام وتكلم ولو إنه يهلوس .. يعني يقدر على هالكلام
عبد العزيز قال بخفوت : أجل إنتظر .. لعله يهدأ ويقدر يستوعب الموقف
هز رأسه بطيب .. وبقى واقف جنب سعود بعيد عنهم
وهم جلّسو يناظرون له .. فتح عيونه وبدأ يناظر للسقف بعشوائية
دقائق معدودة وبدأ ينقل نظراته للمكان بلا وجهة .. حسّ بالإختناق لما حضّر لعقله شكل طارق وهو يحترق .. وألتفت بعنقه لين طاحت عيونه بعيون نسِيم الباكية .. رفع كفه بصعوبة وهي مسكته على عجل وشدّت عليه .. ناظرت لشفايفه المُرتفجة ولفكه اللي ينتفض وعيونه اللي يكسوها الخوف وأيقنت إنه يبي يقول لها شيء أقتربت منه وهي تحاوط وجهه وقالت بصوت مليء بالحنيّة لعل قلبه يرتاح : أنت بأمان الله يا جسّار .. إنتهى الموقف وأنت بخير ياعيوني
جسار نطق برُعب والخوف يظهر بعيونه وبصوت مُرتجف لا تظهر الكلمات بسببه إلا بصعوبة : طارق .. طارق أحترق .. طارق مات قتله أخو الضحيّة . . أخذ ثأر أخوه
حضر الكلام على مسامع جميع من بالغرفة .. ولا خُفيت الصدمة على أحد منهم !

ناظرو بعدم إستيعاب لجسّار اللي يتكلم برجفة ، وعُيونه مليانة خوف من فرط ما ذاق من الوجع
وميّة سؤال برأس كل شخص منهم .. طارق متى حضّر لهالمكان ؟ وليه متواجد هو وجسّار بنفس المكان ! والأهم أخو الضحيّة كيف قدر يوفق بينهم ويحرقهم الإثنين .. والسؤال اللي ماغاب عن بال كل شخص .. من اللي أنقذ جسّار وترك طارق للموت ؟
-
-
وقُوف رجال الخسوف على باب المستوصف يخترق السُكون .. أصوات همس ، أصوات صِراخ ومُناوشات .. ومناقشات لا حصر لها
إلتفت سند بضِيق ناحية سعد اللي باقي بِلبسه .. السواد يغطي كل جزء من أجزاءه
تنهد وهو يمسح على وجهه لما تِذكر عتاب أمه له .. وضيقها ودموعها اللي خانتها لما عرفت عن طلب حياة للطلاق !
سخطت عليه وعاتبته ولامته على تضييعها من يدينه .. حلفت إنه ليندم أشد الندم على الأيام اللي هرب فيها منها وتركها لحالها تصارع وحدتها
ولا أنتهى هالنقاش الا لما سمع أصوات رجال الخسوف وأنسحب من البيت وهو يركض لهم
ألتفتو كلهم .. لخُروج عبد العزيز
اللي أشعل فضولهم .. وبدأت الأصوات تِعلى والفضُول يزداد
والأسئلة تطرح من كل حدب وصوب..
رفع كفه بمعنى إنتظرو والكل التزم الصمت .. نقل نظراته على الرجال اللي ملئو المكان وحاوطو مستشفى الخسوف .. البعض خايف على جسّار .. والبعض يكسوه الفضول والبعض منهم فزعة ونخُوة .. والبعض متشمت !
ناظر لأخويّاه سعد وسند اللي واقفين بربكة ويناظروه بنفس النظرة
ثم تنهد وهو يمسح على وجهه .. رفع عيونه وناظر بشُموخ يكسوه التعب لرجال الخسوف : أبشركم إن جسّار بألف خير .. وطيّب ولا يشكو من ضر بحول الله
وهنا رجعت الأصوات تظهر .. عن الجثة .. وسبب الحرق وأسئلة كثير تراودهم
رجع يسكتهم وهالمرة عصّب .. لأنهم ما عطوه فرصة يتكلم ، هو عاذر فضولهم وخوفهم لذلك هدأ نفسه وقال بهدوء : طارق أبو سند يطلبّكم الحل والعفو .. إنتقل لرحمته تعالى مساء الأمس .. إنأخذ بثأر الرجال اللي قتله وأنحرق على يده
كُسيّ المكان بالهدوء وعم الصمت الأرجاء .. بإستنكار شديد !
وخوف عظيم ، من اللي قاعد يصير بأرجاء الخسوف
إنتقلت نظرات عبد العزيز لسند .. اللي يناظر بهدوء للمكان ويدينه بجيبه ، ثم تنهد وهو يرجع يهديّ رجال قبيلته .. ويشرح لهم الموضوع .. وهو منهلّك من التعب ولكنه ضاغِط على نفسه بكل ما أوتي من قوة



ساعات كانت قليلة ولكن مرت مِثل السنين على قلوبهم .. صدمة إختلطت بالحُزن والسخرية وعدم الإستعياب ! يسخطون على قبيلة هِشيمان والا يسكتون لأنه قتل قتّال أخوه ! تثِير قريحتهم ولا يلتزمون الصمت !
قررو يتركون الأمر بيد شيّخهم .. واللي توكّل بالموضوع وتحمل مسؤوليته
تطّمنو على حالة جسّار اللي خدّره الدكتور وعطاهم خبر إنه بيطول بالنوم .. بسبب الجرعة الكبيرة.. وبعد إصرار عبد العزيز الكبير اللي رفض رفض قاطِع بقاء نسيم بالمستوصف أكثر من كذا .. خصوصاً بعد ظهور كل ملامح التعب على وجهها
رجعو كلهم للبيت .. جلسُو بالصالة بعدما ألتمو كل آل جبار فيها
وبدأت الأسئلة تُطرح .. ولكن لامجال للإجابة عنها هذه اللحظة !
كون مساعد وشيوخ القبايل الثانية تجمعو بمجلس شيخ الخسوف !
نسّف الشماغ .. ورجع لحُلته الواثِقة ! جلس بصدر المجلس وعلى يمينه راجح بن جبار ويساره سعُود بن راجح !
بدأت الأصوات تعلى وشيوخ القبايل مستنكرين هالفعلة خصوصاً بعدما أُغلق الموضوع بزواج شيخهم بحفيدة مساعد !
الوحيد اللي كان ملتزم الصمت "مساعد " اللي ماكان له وجه أبداً يجادل أو يناقش بعد اللي حصل !
أحد الحاضرين باشر بالقول : مهب معقول اللي قاعد يصير .. أخو القتيل للآن غايب وش اللي يضمن لنا كلام جسار ؟ ليه هو حي يرزق وابن أخو أبو ساجي متفحم !
ردّ عليه سعُود بثقة وهو يقول : صهرنا ما يقرب للعيب والردى إن كان هذا قصدك .. ولاهوب بيدنا إن كان مقدر الخسيس القاتل طارق سوء الخاتمة .. والموت وهو محروق !
وإن كان تساؤلك على نجاة جسّار دون هالطارق فهو رحمة من ربي .. لاهوب بفضلك ولا بفضل غيرك لأجل تقوم تقلب الأمور على كيفك
عم الصمت المكان .. وقاطعه قول أحد الشُيوخ بإستنكار من فعلة رجل هِشيمان : حنا معك يا شيخ عز .. واللي صار بحقك ك شيخ و خسوفي يخاف على رجال قبيلته مهب قليل .. إبتداءً من خداع بن هشيمان لك وتزويجك لحفيدته بدل بنته .. وإنتهاءً من إنتهاكهم لحرمة الخسوف وقتلهم رجل منكم ومحاولتهم قتل صهركم لولا لطف ربي !

عبد العزيز نزّل فنجان القهوة وناظره بهُدوء بدون لا يرد
ليُرد الشخص الآخر بقوله : صح وكلامه عيّن العقل .. اللي صار ما يرضينا حنا كشيوخ ولا يرضي كل شخص يقدّركم ! اللي المفروض يصير طلاق حفيدة مساعد اللي خانكم ، وقصاص رجل قبيلتهم ، وأخذ حقكم بزواج مساعد من بنتكم لأجل ينتهي الدم
أبتسم وهو يناظر وعدّل جلسته وقال : كلامك ماعليه زُود المفروض يصير وأنت الصادق نطلق حفيدته ونزوجه بنتنا لأجل ينتهي الدم ، ونخلص من هالموضوع .. إذا كان بينتهي بالطريقة ذي !
ألتفت له راجح بإستنكار وبعدها ناظر لنظرات عبدالعزيز اللي تغيرت وناظرهم بضيق وقال بعتب : بنينا مدارس وظنينا إن احنا بنقدر ب ذي الطريقة نحارب الجهل .. ولا قدرنا لأن الجهل متشرّبكم ولأن المفروض نوعيّكم أنتو ، مهب البنات اللي من صغر سنهم عُقال !
صار وأنقتل شخص على يد شخص منا ، وتورطو إثنين لاحول لهم ولا قوة ودفعو ثمن هالغلطة بسبب جهلكم ، عديّت الموضوع لأن ودي أعديه ولا تهيمنت عليكم وفرضت رأييّ رغم إنه لو ودي أفرضه فرضته ! رضيت على حساب نفسي وسكت دام الموضوع فيه وقف للدم وصلح بين قبايل ميّر يتكرر الموضوع وأنا شيخ .. ويوصل الوضع لأختي إلا يهبى ويعقب اللي ما يعقب يأخذها
من متى والرجال يفرضون رأيهم على شيوخ الخسوف .. طلق ذي وزوّج ذا ! إرفعو علومكم ولا تطولون شيء ما ينطال أنتو بضيافة آل جبار .. ولا نقدر نهينكم ولا ندوس لكم على طرف .. ولا يقربكم منا ضر ولكن لا تفكرون تتعدون الحدود أبد .. لأني شخص تثير قريحته من العدم

ألتزمو الصمت وعبدالعزيز اللي الكون يدور فيه من سمع كلمة "الطلاق" على لسانهم وتطرقهم لأخته اللي يبغونها تعيش نفس قدره ! ويستحيل يرضى
نقل عيونه لمساعد وقال وهو يناظره بحدة : صدرونا رحبّة وقلوبنا تميّل للرحمة والعفو .. ميّر تعدى الموضوع السحّاب أنا رجال ماني بداخل بتحدي من اللي بيموت ومن اللي بيأخذ ثأره .. ولاني منتظر ولد طارق يكبر لأجل يأخذ ثأره بنفس ويقتل قتّال أبوه ! أنا بحوّل الموضوع للتحقيق .. والقصاص بيكون بيد القاضي .. هالموضوع ينتهي هنا
أستنكرو فعلته .. ووصول الموضوع للمحاكم وهم يقدرون يحلونه بالصلح والزواج من بعضهم ولكن ما قدرو يتكلمون .. لأن وجهه كان يميّل كل الميّل للعصبية .. هو شخص صبور ولكن لاثارت قرِيحته ما عاد يقدر يلملمها !
-
-
سحابة اللي من درت بخبر وفاة طارق حتى ضاقت عليها الوسيعة بسبب شروق .. ولكنها كانت واقفة قدام الجادل وتناظرها بحياء .. والجادل ضحكت بخُفوت وهي تقفل باب الغرفة اللي نسيم نايمة فيها : وش صاير ياسحابة


سحابة تنحنت وتأكدت من حجابها وقالت بصُوت خافِت : أحس وجودي خطأ .. ولاني قادرة أتعود على ظهوري بهالأماكن ، وأحس إني بموت من الخجل
كتمت ضحكتها بصعوبة من كلامها وأكتفت بإبتسامة وهي تشد على كتفها : أنتي صرتي عمّاد من أعمدة هالبيت .. لا يصيبك حرج من أهلك يا سحابة
سحابة كانت بترد ولكنها أكتسّت بالحُمرة وطاح وجهها وتلعثمت بإحراج والجادل أستغربت ولفت بسرعة وهي تشوف عبد العزيز يتقدم مع راجح بإتجاههم
لفت بضحكة لسحابة ولكن لما شافت باب جناحها يتقفل ضحكت وهي تلتفت لراجح اللي وقف وقال بهدوء : طمنيني وأنا أبوش ، كيفها؟
أبتسمت وهي تناظره : أبشرك إنها طيبة .. الحين هي راقدة ولا بها إلا كل خير
تنهد براحة وقال : الله يطمنّش ، أمي والبقية وينهم؟
أشرت بيدها على الصالة وهو تخطاهم ومشى ، ناظرت لوجه عبدالعزيز وأختفت إبتسامتها وهي تناظره بضيق ، كيف الهم كاسِي كل شبر من هالملامح
تبّسم من لاحظ نظراتها وقال : إلبسي عبايتش يالله
عقدت حواجبها وهو أردف وقال : مو قلتي تبين تروحين لأم سعد ؟
هزت رأسها بالنفي لما أيقنت إنه تعبان وهو فهم عليها وقال : ماني بباقي بالبيت .. ولو التعب مخترق كل أجزائي .. الموضوع ما خِمد والقبيلة للآن مشتعلة من ينتهي على خير .. بمرش ونرجع سوى
ناظرته بتردد وهو أبتسم يطمنها هزت رأسها بطيب وركضت تجيب عبايتها وهو تنهد ومسح على وجهه وبقلبه مليون دعوة ..!
-

{ سحابة }
دخلت سحابة الغُرفة وهي تحس بجسمها يشتعل من الإحراج .. ما تعودت أبداً على ظهورها بالعائلة كذا !
ما تخفي إن أول ليلة لها كعروس أنتهت بكارثة ، ولكن ما بيدها شيء
بقت طول الليل مع الجادل وبُشرى والمزن وأمهم .. يدعون ويقرؤن قرآن ويتسائلون عن اللي بيصير الكل متضايق عشانها وعشان فرحتها الناقصة .. ولكنها كانت موكّلة الموضوع لله
لا تنكر خبر وفاة طارق اللي تقطع قلبها على شروق بسببه !
بدأ قلبها يوجعها لصديقة عمرها اللي فقدت شريك حياتها بحادثة مروعة !
شهقت بخوف وهي ترجع خطوة لورى .. وهو ألتفت وناظرها بلا مبالاة ورجع بنفس جلسّته
ماكانت متوقعة يكون هنا خصوصاً وإنها كانت ناويّه تدور له ، لأنها تبي تروح لشروق ،والأهم بهالشكل !
راميّ ثوبه الأبيض اللي صار يميل للسواد على جنب ومنسدح بسرواله الأبيض وفنيلته النص كم قدام التلفزيون
ومندمج أشد الإندماج مع الأفلام الكرتونية اللي تنعرض
تعرضت لصدمة وهي تتأمله ،الدنيا قايمة قاعدة ، ورجل من رجال قبيلته ميّت ، وصهره بالمستشفى وأخوه شايل الحمل على ظهره وأخته منهارة ، والأهم إنه عريس وهذي صباحية زواجه
وأول يوم يقضيه معها !
قرر يترك هذا كله ويندمج مع الكراتين بلامبالاة
جلست على حافة السرير وهي تناظر له بنظرات غريبة ، تأملت جلوسه نظراته العشوائِية تحركاته البسيطة
ونظراته اللي مليانه خمُول معقولة شخصيته بهالشكل ؟ لما تتجمع المصايب يهرب ويدّعي اللامبالاة ؟ بدأت تفكر بحياتها معه
اللي بدأت بالنحو المرعب هذا ، عيونها عليه ولاتنكر دقات قلبها اللي بتهلكها من قُوتها
بلعت ريقها ومن تذكرت كلامهم اللي قطعه صوت نسيم عليهم ! "لو رجع يفتح الموضوع وش تقول ؟ ومن أي الأبواب تلجأ ؟ ترد على سؤاله بسؤال ؟ والا تتنازل وتحكي كل اللي بقلبها ؟
لو خذى الموضوع سخرية وأستهزأ بمشاعرها ؟ أو ما صدقها وش بتسوي "
هزت رأسها بسرعة وهي تطرد الأفكار الغريبة اللي أجتاحت تفكيرها ، ورمشت بصعوبة وهي تتنهد بضيق نزلت عيونها لسعود المُتمدد على الأرض ولقته غطّ بنوم عميق قدام التلفزيون وبنفس جلسته !
وقفت وهي تأخذ ثوبه وتتركه بالسلة ،ورجعت ترتب أغراضه اللي بعثرها بعشوائية جنبه
سحبت اللحاف من على السرير ، وجلست وهي تتأمل وجهه
لاحظت السواد اللي على جبهته وأيقنت إنه من كثر التعب ما أنتبه ،ولافكر يناظر بوجهه حتى !
سحبت المنشفة من على الكرسي
وبدأت تمسح السواد بتوتر ويدها ترتجف خوفاً من إنه ينتبه وفعلاً فتح عيونه على عجل وهي رفعت يدها بسرعة وبربكة.
ناظرت له وهي تشوفه يبادلها نظرات هاديّة ومكسُوه بالتعب
كانت بتتكلم وتبرر وش هي قاعدة تسوي ولكنها أنصدمت لما سحّب يدها بقوة بإتجاهه لدرجة إنها طاحت على ذراعه اليمين .. تجمدت مكانها بخوف وإستنكار من حركته ، وأختفى الأكسجين عن رئتيها
كتمت أنفاسها وغمضت عيونها لما سمعت همسه المُتعب : تعبان .. ماعاد بي حيل لشيء ..
فتحت عيونها لما حست إنه من كثر التعب صار يهلوس وحاولت تسحب نفسها لكن ما قدرت .. بسبب يده اللي مثبّتها
زفرت بتوتر وهي تصد عنه وتناظر بعشوائية للمكان وهي تدّعي اللامبالاة لعل قلبها يهدأ وخلاياها تستريح


ولكن من طاحت عيونها على الجرح الكبير بمعصم يده .. واللي أمتد من الكف لنص يده بلعت ريقها بصعوبة .. وهي تمرر إصبعها عليه
شلون ما أنتبه له ؟ شلون ما حسّ بوجعه ؟
حست بالدموع تتجمع بعُيونها من منظر الجرح .. وحضنته بكفها وهي تحس بالوجع يعتري قلبها هيّ
. خانتها هالدموع وتساقطت بلا إنذار على ذراعه وهي تحاول تلملم نفسها لكن ما قدرت !
من شدّة حبها اللي خبّته لسنين طويلة .. بدأت تحس بوجع يسكن كل خلاياها مع إن الجرح بجسده هو ! وأصبحت تبكي نيابة عنه .. تبكي لجرحه ولامبالاته
وتبكي لشروق ووجعها .. وتبكي لنفسها هي !
ولا كفكفت دمعها إلا لما حضّر النوم اللي أنساب لعيونها بقوة ..
-
-

قدام بيت أم سعد .. واقفين من دقائق قليلة
حسّت بالوجع يتسلل لكل خلاياها وهي تشُوفه مثبّت وجهه على كفوفها ويتنفس بهُدوء .. وكأنه يحاول يستعيد طاقته ويأخذ من توهجها لِظلامه اللي كسّى كل حياته .. ضاع طعم المرارة والوجع بكفوفها
ومن أستهلت بالكلام .. وبدأت تِنطق أول حكيها حتى رفع رأسه وعلى مُحياه إبتسامة رِضا .. إبتسامة قناعة إن هالشخص فعلاً ملجأة ليقاطع كلامها بـ : تدرين إنش لو حطيتي يديِّنش على الكبود الوجَـاع،
‏‌سلمْت جميع الجـروح الكامنات.. وبرَّت
أبتسمت بهُدوء وهي تناظره بضِيق تتأمل جلوسه : ما يهون عليّ .. أتركك بهالحالة يكفي التعب اللي تعيشه .. ليه تضغط على نفسك هالكثر ؟ ليه تحب الوجع لك؟
تنهد تنهيدة عميقة .. وناظرها بإبتسامة هاديّة : أنا ملزم بهالتعب .. محد يحب العناء يا حمام
ولكني رجال ملزم إني أتعب وأشل الوجع من ضلوع هالرجال لأجل يسكنّي أنا .. وبفم ضحوك أشله
لأني شيخ الخسوف .. الشيخ عز !
تعدل بجلسته وزفر بهدوء وهو يطقطق بأصابعه بالدريسكون وقال بعدها : مهب الإنهاك بجسدي .. قد ماهو بعقلي وقلبي
تضايقت من كلامه .. وقالت بعشوائية وبلا إنتظار: عساه بعمري كل ضيـم يمسك بي عنـ...
ولكنها أنصدمت من لف عليها بعجلة وقاطعها وهو يناظرها بنظرة غريبة : لا ينعاد هالحكى ! لا ينعاد أبداً ولا يطرى لك تعيدينه
سكتت وهي تعض على شفايفها بإرتباك
وهو مسح على وجهه بخوف من فكرة إصابتها بضر ! وأردف : بن فياض يطلب السماح لأجل يرجع لأمواج البحر
لفت على طول بصدمة وقالت بضيق : وهالرجل وظيفته بالحياة الهروب ؟ متى بيجازف وبيبقى بالمكان نفسه لأجل يحل أموره ولا يخليها على الرفوف كعادته وينسحب ؟ وأصلا كيف بيتركك بهالفوضى
تنهد وقال : بيني وبينك .. الود ودي ذلحين يهج .. هالرجل بالذات أخاف عليه من الوجع وراحتي لما يكون بخير .. لو بقى هنا جنبي بيعاني كثير .. كثير بينوجع وأنا ما أرضى له بهالوجع مير المشكلة إني شخص متوالف معه أكثر من روحي .. شلون بتعديّ الفترة اللي بيبحر فيها ؟ هذا اللي متعّبني !
سحبت نفس وزفرته بضيق من هالسند وقالت : عطّه خبر يبقى لأجل تنحل الأمور .. لو على الأقل تنحل بينه وبيـ...
قاطعها وقال وهو يمسح على وجهه : أبداً .. الليلة بشور عليه يسافر
بعد اللي صار .. وبعد موت هالطارق
مانيب راضي عليه بتناقض المشاعر .. خليّه يهرب ، أسمح له بالهروب لو كان هالهروب فيه راحته
ميّلت شفايفها بعدم رضا .. وهو ناظرها بعجلة وقال : يالله يا حمامة .. ماباقي إلا القليل على صلاة الظهر ، اللي بنصلي على طارق فيها
خليني أروح أتطمن على جسّار
وأشوف شغلي مع أبو ساجي عشان ألحق على الصلاة
هزت رأسها بطيّب .. وناظرته بنظرات متوترة وهو أبتسم .. وألتفت حواليّنه بهدوء .. ومن لقى المكان خالِي حتى أقترب وهو يقبّل جفُون عيّنها الظاهرة أمامه
أبتسمت بخفوت وهو هز رأسه بإيجاب : تطمنّي .. ماحولي شر وأنا بن راجح
تنهدت وهي تهز رأسها بطيب .. وخرجت من السيارة وهي تدعي فعلاً يكون بخير !
دقت باب بيت أم سعد .. وماهي إلا لحظات وفتحت لها الباب وهي ترحّب فيها وبإستغراب من وجودها بيوم الجمعة !
أبتسمت ودخلت للبيت .. وصادفت منى اللي خارجة من المطبخ
وقفت قدامها على عجل .. وقالت وهي تناظرها بإرتباك : جيتي وجابك ربي يا ستِي .. وش صاير ؟
ميّلت شفايفها بإستغراب وقالت : ما عرفتو عن شي للآن ؟
تنهدت أم سعد وقالت : سعد غايب ولا رجع للبيت .. وجيراننا مستنفرين الله يهداهم ما عرفنا منهم كلمة
مسحت على وجهها بهُدوء ثم قالت بإرتباك : بيت نسيم أحترق ليلة البارحة
ناظرتها منى بذهول وأم سعد مسكت رأسها بعدم إستيعاب : يا كسر ظهرش يا شروق .. عز الله انها بتخبل هالليلة !
منى عضت على شفايفها بربكة من الشعور اللي داهّمها مو خوف على شروق إنما على حياة .. وعلى التفكير اللي بيسكن عقلها !
سألت بإستغراب وهي توزع نظراتها للمكان : حياة وينها ؟


منى تنهدت بضيق وقالت : من رجوعنا ليلة الأمس وهي نايمة تدّعي اللامبالاة وهي تئن من الوجع .. هالبنت مالها حل
أم سعد اللي قيّمت الدنيا وقعدتها لما درت بقرار حياة .. وحاولت تنهيها عنه ولكن حياة كانت مصرة على قرار الإنفصال لذلك بعد جهد جهيّد أحترمت قرارها
مشت عنهم وهي تدخل المطبخ
والجادل جلست مع منى بالصالة تتبادل معها أطراف الحديث .. يحكون مخاوفهم لبعض .. عن مشاعر حياة ! عن خوف نسِيم
وعن الخوف من طارق اللي تبدد وأنتهى كل جسّده ولا بقى منه إلا العظام
ألتفتو على خروج حياة من الغرفة .. وعلى مُحياها إبتسامة هادية نطقت بإبتسامة وهي تناظر للجادل : حيّا الله من تنازل وزارنا
ناظرتها بنص عين وحياة ضحكت : أمزح معك يالشيّخة .. ولكن وش صاير زايرتنا من الصباح ؟ تونا أمس تقابلنا ورقصنا وضحكنا .. أمداك تشتاقين ؟
تنهدت الجادل وحياة عقدت حواجبها وأقتربت وهي تجلس جنبها بخوف : وش صاير ؟
الجادل ناظرتها وهي تِرمش بهدوء ثم قالت : الى متى وأنتي بتدعيّن اللامبالاة ؟ وبتعيشين وأنتي تمثلّين الضحكة وتتغصبين الإبتسامة قبل تدخلين علينا ؟
ميّلت شفايفها بعشوائية من كلام الجادل وقالت : شيء فات ومات .. والحين أنا شخص ببدأ صفحة جديدة خالية من ذكريات هالشخص لانفتح هالموال من جديد
منى قالت بإستعجال : حياة .. ليلة البارحة توفى طارق زوج شروق
ألتفت لها بصدمة من كلامها وعقدت حواجبها بإستنكار وخوف .. ومن أنتهت منى حتى وصلها صوت الجادل المتوتر : وبن فياض قرر يسافر ويرجع للسفينة مرة ثانية .. تعرفين القبطان لاسافر كم يأخذ ؟ وش بتسوين ؟
ناظرتهم بهُدوء بعدما آرخت حاجبها .. تصادم مشاعر غريب ! ضيق على وجع على مرارة
لوهلة حست رأسها بينفجر من كثر الأفكار اللي توافدت لعقلها ولكنها إدعّت الهدوء وقالت بضحكة تخفى وراها فوضوية المشاعر اللي تعبّتها حيل بعد مدة مهيب طويلة من السكوت : أنا ما دريت إنه قبطان إلا من أمه .. ولا دريت بسفره ومدته الطويلة إلا من أبوه .. أنا سالفتين على بعض معه ما حكيت .. شلون تبغوني أموت يومني فارقته وطلبت الإنفصال من شخص ما قدرّني طول فترة زواجي منه ! أنتو ناس غريبة .. تبغوني أبكي وأنهار على شخص مافكر يقول ماراح أبتعد عنك .. على شخص لما طلبت الإنفصال ماقال لااا .. كان أول حكيه ودعيني وداع يليق فيني .. أنهبلتو ؟ ماتعرفون من هي حياة ؟ أنا ما بكيت على مفارق شخص يعزني .. شلون تبغوني أضعف على مفارق شخص مالي بقلبه محل ؟
ضحكت بسخرية وهي تحاول تكبّت قهرها : وعلى طاري سفره وإختلاءه بأمواجه .. بعد موت زوجها ماعد بيسافر ، وحلمه اللي ظنه بيموت هذا هو يحيا من جديد .. يعني تطمنو بعدما يطلقني راح يرجع يزهر من جديد .. إذا كان خوفكم على بن فياض يعني
وقفت ومشت عنهم .. وناظرو لبعض بصدمة من تفكيرها .. اللي خرسّهم ! وخلاهم يستنكرون كلامها .. شلون فكرت بالطريقة هذي ؟ وش المواقف اللي عاشتها معه لأجل تمحيّه بهالسهولة اللي أذهلتهم !
ألتفتو وناظرو لبعض بنفس النظرة
منى قالت بضيق وهي ترجع تناظر لحياة اللي سحبّت إبريق الريّ وبدأت تسقي ريحان أم سعد وهي هاديّة : الجادل .. وش نسوي ؟ خايفة إنها كاتمة كل مشاعرها .. خايفة تتراكم عليها وتتبّلد .. من أمس ما نزلت لها دمعة وحدة بس ، من أمس تكابر !
تنهدت بتعب وهي تقول : وهو هذا اللي خلاني أترك البيت كله وأجي على عجل .. عشان ما تكون بهالحالة ! لكن وش بيطلعها منها !
بقو يناظرون لها .. خايفين متوترين .. والأهم مرتبكين من ردة فعلها الهادية ! وكلامها عن علاقتها مع سند .. اللي عيونها تظهّر العكس تماماً !
-
-

بأحد شوارع الخُسوف .. واللي ماِتبعد كثير عن مقر العزاء
وقف وهو ينزل شماغه ويمسح به أطراف وجهه بضِيق آعترى كُل خلاياه .. ولا يدري ليه بالذات وقف عند هالبُقعة .. ألتفت لأصوات صِراخ الأطفال بوسط الشارع وصراخهم نابع من حماسهم لِلعب الكورة .. أطلق تنهيدة عمِيقة والود وده لو كان بهالعمر ولا يفقه من مرارة الدِنيا شيء .. ألتفت وهو يناظر لطفل اللي أصبح على مشارِف السادسة من العُمر يجري بإتجاههم وبيده الكُورة اللي تتأرجح بين كفينه وعلى مُحياه ضحكة واسِعة ويصرخ بكل فرحة : ياعيال تعالو تعالو .. راعِي البقالة عطاني هالكورة بلاش !
ألتمو عليه العيال وهم يناظرونه بنفس النظرة .. وقف بوسط وهو يتنفس بصعوبة بسبب الركض وناظرهم بإبتسامة بريئة : دخلت البقالة عشان أشتري لي حلاوى .. وشافني راعي البقالة ومسح على رأسي ثم قال خذ اللي تبيه ببلاش
وأنا خذيت هالكورة وجيت .. بعطيكم إياها بس بشرط تخلوني الكابتن
تأفف بضجر من سكوتهم وقال : ماراح نلعب ؟
قرب منه أحد الأطفال وهو يناظره ببراءة وقال : سند .. أبوي يقول إن أبوك مات ..

من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن