24

28.2K 229 85
                                    


ماردت عليه ورفع حاجبه بإستنكار وهو يقترب منها ويكتف يدينه بإكتفاء شديد من التجاهل اللي يعيشه معها : مهيب حالة ، تحاسبِيني على ماضي ماعاد له وجود في حياتِي ! أكتفينا من الصُدود ياحياة
خلينا طيبين ونفوسنا رحبة مع بعض .. محد يدري كم في عمره بقى !
ما ردت عليه وللآن كان صوته بس اللي يرتفع ، لحتى طفح الكِيل عنده .. وأقترب وهو يسحب اللحاف بعصبية ، وكان بيتكلم بصوت عاِلي بس
آرتخى حاجِبه بخُوف .. من لِمحها مُتكورة على نِفسها .. وكل أطرافها تِرتجف ، والهواء الحار أنتشر حُوله من شِدة حرارتها ! أنكتم نفسّه بُلوم شدِيد . . وأقترب وهو يجلس جنبها ، بِدون ينطق بكلمة وحدة
قرب يدينه وهو يحطها على جبّهتها المُشتعلة من شِدة المرض ، وفزت بخُوف وتعب وهي تِفتح عُيونها بإرهاق وتناظره بُهدوء ، حاولت تِرفع يدينه عنها ، ولكنها ما قِدرت من شدة تعبها
حاول يخفف عصبِيته ، من عرف إن سبب مرضها الشُباك المفتُوح ، ونزل يدِينها وهو يقول : مهب وقت المكابر الحين ، أنتِي تحتاجيني هالوقت !
هزت رأسها بالنفِي ، وهي تِسحب اللحاف وتتغطي وهي تِلم أطرافها لها بقوة
وهو تأفف ووقف على عجل ، وهو يطلع من الغُرفة ، ناظر بتوتر لأمه وأبوه اللي نقلو نظراتهم لهم وأبتسم وهو يمر من جنبهم بدون ما يتكلم .. دخل المطبخ على طول وسحب أقرب صحن ورجع يدور لِمنشفة صغيرة ، ومن عبأ الصحن بالماء حتى طلع من المطبخ ووقف بِالصالة وهو يأخذ كُوب الشاي ويصب لها يرطِب حلقها.. وهو مِتجاهل نظرات أهله المُستنكرة
دخل عليها وقرب وهو يحط الصحن والكُوب جنب رأسها ، وسحب اللحاف مرة ثانية ، كانت بتِنهره وتعصب عليه .. لأنها كلما أستأمنت من البرد ومن التعب .. يباغِتها بالطريقة هذي !
ولكن حِيلها منهد بفعل الحرارة .. وحلقها مِنسد بسبب اللوز ، وكل اللي قدرت تسويه إنها تناظره بِحدة كعادتها
هز رأسه بِضيق وقال : وأنتي منهلكة تعب ، مازلتِ ترمين عليّ هالشرر .. خافي ربك يابنت
غمضت عيونها وهي توازن تنفُسها ، وهو جلس جنبها وأخذ المنشفة المبّللة بماء وهو يحُطها على جبهتها ، فزت بهلع وبرعشة صابِت كل أجزاءها وهي تحاول تبعدها من شدة النفضة اللي صابتها ! ولكنه ثبت يدينها بكفوف يده وهو يقرب ويناظر لعُيونها الذابِلة ، ونادِم كثير إنه سمع لها .. ولبّى رغبتها بالبُعد .. بعد كل شيء تظل أمانة عِنده !
ظل يتأمل نظراتها المكسُورة له ، وهو يحس بعُمق معاناتها .. رغم إن ما بينهم هالحب العمِيق إللي ممكن يجرح لحد الوجع .. ولا هقاويّهم ببعض كبيرة لأجل تنكسِر منه هالكثر .. ولكن الوجع بعُيونها الذابِلة كثير.. يحس إنه خيّب رجاءها ، وشتت عشمّها فيه وأملها ، كأنها ‏تاهت في صحراء سند وامواج بحره
‏ان سلمت من الضما ماسلمت من الغرق ! بعد ما بادلته نظرات مُتعبة بوجه يكسُوه الشحُوب قال بضِيق بعد ما تِنهد وهو يُنقل نظراته لأنحاء وجهها : من علمك الضيق والوجع ؟ من علمك الحزن .. وأنتي الحياة والرضا لك ينحني ؟
غمضت عُيونها تتحاشى نظراته ، وهي تِتمنى ما يُوصل صوته لمسامعها ، أبتعد عنها ورجع يبعد المِنشفة عنها .. ورجعها مرة ثانية وثالثة .. وأصر عليها تشرب الشايّ بعد رفضها التام .. ولكن الحرارة نفسها وأبت تِنزل درج وحدة بس
هز رأسه بِضيق وقال وهو يبعد الِلحاف كُلياً عن جسدها وهو يمسك يدينها : ما تِفيد قطعة القُماش ، إستندي عليّ تحتاجين تغرقين بالماء
تأففت وهي تحاول تتِكلم ولكن صوتها بالحِيل يطلع : وخر عني ياسند
ما سِمع لها .. وهو حالف ماعاد يسمع لها أبداً .. أخذها غصب وهي تحاول تِفلت منه ولكن قوته باللحظة هذي .. تساوي قُوتها أضعاف وأضعاف
فتح باب دورة المِياة وهي مستندة على ذِراعه اليمين ، كان بيدخل معها بس رفعت يدينها وهي تِصده وتقول : بكمل لوحدي
تأفف من عِنادها اللي يحُضر بكل زمان .. بكل مكان يتلبّسها .. مستحيل يفارقها وهي معه ! دخلت وهي تقفل الباب

وأستندت بتعب على الباب وهي تِلم ذراعها لها برجفة ، أقتربت من الماء وهي تأخذ الصحن الصغِير وتِغرف من الصحن الكبير ، ومن حست ببُرودته حتى أنتفضت وأبتعدت وكانت بتطلع ، بس لما تذكرت إنه واقف جنب الباب تراجعت خُطواتها وهي موقنة لو ما تِسبحت هي ، بيدخل غصب عنها
جمعت قوتها المُتلاشئة بِفعل المرض ، وأخذت الصحن الصِغير وهي تُصبه على جسّدها وهي ترتجف .. بس مع ذلك قاومت بكل قُوتها .. لأجل ينتهي هالتعب ولا يبقى جنبها ويُشح عليها بإهتمامه
وقفت وهي تِترنح وأستندت على الجدار ، وهي تحاول تِجمع طاقتها المُتبقي منها القلِيل ، كانت بتلبس نفس الملابس .. ولكن دقه القوي على الباب خلاها تِتجه بخُوف تِنهدت وهي تفتح طرف الباب ، وأخذت الملابس اللي مدّها لها ..


لبستها على عجل .. وعجلها كان وقت طويل بالنسبة لسند ، اللي مِشتعل نار ، خايف لا تطيح والا ما تتحمل الوُقوف وتنهار بمكانها ، وخايف إنها تعبت زيادة
ومن فتحت الباب حتى أطلق تنهيدة عميقة من راحته بأنها بخِير ، ولكنها ناظرته هالمرة بإنهيار وكأن طاقتها أنتهت فعِلا
أقترب بخطوات سريعة وهو يِلمها له من كتوفها وهي غمضت عيونها بتعب ثبتها على ذراعه وهو يأخذها لِسرير اللي من أنحنت عليه كانت بتنام .. ولكنه آبى يخليها تِرتاح : لا ترقدين وشعرك يقطر ماء ، بيزيد المرض الضعف .. خليك كذا دقيقة
تنهدت وهي تِمسح على وجهها ، ورفعت عيونها وهي تشُوفه يجلس جنّبها ، وبيده منشّفة أقترب وهو ينشف شعرها بيدينه وبعدها خلاها تِستند على رِجله ، لأنها تِتمايل بتعب .. من لما مِسك خُصلات شعرها بين يدينه ، حتى رفعت يدها وقالت بِتعب : يكفِي يالموسيقى .. تعبت من هالقُرب
عضّ على شفايفه بِضيق من نبرة صُوتها المُنهكة .. وصُمودها على الإبتعاد رغم كُل شيء .. تمتم بنبرة أشبه للهمس وهو يطّلبها طلب شدِيد اللهجة : عَطيني تعبك اليوم، و باكر يا عساه صدُود
أرتبكت وهِي تحس بقشعرِيرة تِسري بجسدها ومالت برأسها بِضيق وبتعب .. ماعاد عندها طاقة للُمقاومة .. إنتثر شعرها على يدِين سند .. وهالميلان أعتبره مُوافقة .. رفع يدِينه وهو يمسك المُشط بكفه ، وبدأ يمُشط شعرها بحنيّة غريبة عليه .. ولكن يظن إنها من شِدة اللُوم اللي يعيشه إتجاهها .. بدأ يسرحه بهُدوء وهو يتأكد إنه نِشف تماماً
ومن تأكد حتى سحب الربطة السُوداء من معصمه ، ويلفها حُول شعرها .. رفع كفه وهو يثبتها على كُتوفها ، وسحبها بهُدوء وهو يِسندها على المخدة البِيضاء .. ناظرها وهي مغمضه عُيونها بإستسلام .. ووقف وهو يفتح الدرج ويأخذ لحاف جديد وأقترب وهو يدفِي جسّدها به .. وهو يُنقل نظراته على وجهها وتفاصِيلها .. أستند على الجِدار وهو يكتف يدِينه بهم .. أعتلى كُل صدره ! وبِضيق أستحل قلبه المُتعب والمُنهك تمتم وهو يِمسح على وجهه : كانت مليانة حياة يا سند .. مالك حق تعيشها الذبُول بسبب ماضيّك
تنهد بعدها وهو يجلس على الكُرسي اللي أعتادت على الجُلوس عليه ، وأسند رأسه على أطرافه بتعب .. مانام طول الليل وكان مع عبد العزيز خطوة بخُطوة
ولما رجع عبد العزيز للبيت ، بقى هو مكانها ويُشرف على العمل بما إن حياته مُتوترة .. ولكن باللحظة ذي ، طغى على قلبه التعب بعدما بقت طُول الليلة مريضة وتكابد المرض لوحدها .. وهو ماتِزوجها إلا لأجل يصير سندها !
-
-
{ سُعود }
الصحفِي اللي دفن نفسه بين السبق والخبر .. يدور بكل مكان وينبّش عن كل حدث مُهم لأجل يبّثه .. ليل ونهار يركض بين المحطات ، يبي يحرر نفسه من التفكير ، من الطيران بسحابها الكثِيف .. لام نفسه إنه خلى الأفكار اللي كانِت محصُورة بين عقله وقلبه تصِير على أرض الواقع .. كانت مُتعبة ومُرهقة أكثر من إنها كانت حبيسة عقله بس .. عدّت أيام كثِير وهو أسير التفكِير فيها ، في شعورها إتجاهه وردة فعلها .. صحيح عطاه هادي الموافقة .. ولكنه مُوقن إنها ماكانت من ثُغرها هي ! يستحيل توافق على شخص كسرها بالصبح وخطبها بالليل !
مسح على وجهه بتعب .. وهو يوقف ويناظِر للحدِيقة بنظرة سريعة
أخذ نفس وزفره تدريجياً وهو يتمتم : عسى حسّك يدوم لين يوم الدين يا نسِيم .. مهب شارح صُدورنا غير وردك اللي ما يشبه إلا أنتي
تنهد وهو يرفع رأسه ويحرك شعره بعشوائِية كبيرة .. ومن لاحظ وُجود أم سحابة ببيتهم .. وخُروجها من الصالة الكبيرة .. حتى تمتم بـ : يارب يارب تكون معها ، دخيلك يارب
ومن لمحها تِمشي ورى أمها ولا تِفرق بينهم إلا خطوة وحدة بس .. وكأنها تِتخبى وراها .. حتى بانت على طرف ثُغره إبتسامة هاديّة .. لاحظته واقف ومكتف يدينه ويناظرها بهُدوء وعلى مُحياه إبتسامة .. حتى وقفت بربكة بِمكانها
لما عانقّت عيُونه عيونها .. وأسرها بنظراته الهادِية تلاشت إبتسامته وهو يشوفها تتخبَى ورى كتف أمها اليمين .. اللي ياما تخبت وراه من هموم هـ هالدنيا .. وهالمرة بتتخبى وراه من سعود
حتى تِتجنب النظر له ، عقد حواجِبه على عجل من تصرُفها الغرِيب .. زفر بعصبية وهو يحاول يلمحها .. ولكن وقوف أمها بينهم كان بالمِرصاد .. وبدال ماتكون شوفتها جواب لجميع الأفكار اللي برأسه .. وضعت علامة إستفهام كبِيرة برأسه .. معقولة هادي جبرها عليه ؟ بس هادي مهب شخص يجبر بنته الوحيدة على الزواج ولو إنه أكبر شيخ .. طيب زواجهم اللي يحضرُون له من الحين واللي ماباقي عليه إلا أيام .. معقولة إنه غصب عنها ؟

شد على قبضة يده وهو يصّر على أسنانه : ليه هالتصرفات يا سحابة ليه .. وش بخاطرك وش ناويه عليه .. ووش اللي تنتظرينه لأجل ما تعطيني الضوء الأخضر أو الأحمر بهالعلاقة .. يستحيل تبقين متعلقة بشخص غِيري وأبوك أعطاني الموافقة
أعرفك وحافظ طبعك مثل ماني حافظ خواتي .. عفيفة وتصُونين .. ولا جازفت بهالزواج إلا لِعلمي بهالشيء .. لأني أدري إنك بتتركين كُل شيء وراك لاصرتِي معي وليّ !
تنهد بضيق وهو يشوفها تُدخل باب بيتهم .. وتضايق حيل .. حيل !
لا لقى إجابة ، ولا برد قلبه ..
صحيح إنه أناني من ناحيتها وكثير ! لدرجة يبيها تنسى كل شيء قبله ، وتترك اللي تنتظره وتصير له .. عناد وطناخة ومرجّلة ! ولكِن بنفس الوقت فيه شيء بقلبه يحكه .. يضايقه ويكتم عليه .. " خايف عليها منه "
هز رأسه بثبات وهو يجمع أوراقه الكِثير .. ويرتبها بعشوائِية : ماباقي إلا القلِيل .. لا كتف أمك بيصدك عني ، ولا تحاشيّك لي راح يبقى
مصير الأيام تخليك بين كفوفي .. لأجل نِلغي هالشوائب كلها يا سحابة !
لأجل ينتهي هالشخص من بالك ولا يبقى غيري
حضن الأوراق بين كُفوف يده وصدره ، وزفر بعصبية وهو يناظِر للبيت : يارب .. أنا في موضع خطأ .. وفي مكان خطأ .. وأحس بالشعور الخطأ .. ولكنِي يارب ما أبي أصححه ولا أبي أتوب منه .. حل عقدتي يارب تكفى !
-
{ سحابة }

عدّت دقائق ..ساعات .. أيام ..
والشعور ماعدّى .. للآن تحت تأثِيره
للأن هي قابِعة في شعورها ، ولا تحرك بمقدار ذرة .. تعديّ الأيام وتِقترب اللحظة اللي بتصير زوجته
ومع ذلك .. هي للآن خارِج نطاق التصدِيق ! ولازالت تعيش الصراعات مع أمها اللي منهارة من هالزواج .. ولكن هادِي بت قراره وأنتهى منه
ورغم محاولات أمها بأنها تِقنعها عن التراحع والرفض .. إلا إنها تِلتزم الصمت بكل مرة
لأنها لو نطقت بحرف واحد .. راح تِخر كل اللي بقلبها .. وبتفضح نفسها
وبتنهار من فُرط السرور اللي مخبيته بقلبها
رغم إنه بعد آخر موقف كسّرها .. أوجعها حيل وأتعبها .. ولكنها كانت تدري إنه معجون من قسوة .. وهي من فُرط الحنيّة تعاني !! ولكِن يهون
وهالمرة هان فعلاً وهي تشوف إبتسامة تعلو وجهه لمجرد إنه لمحها
كان هذا كفِيل بأنه يهّد جبال العتب بقلبها .. لأنها الإبتسامة اللي حضرت لها بأحلامها كِثير .. وعاشِت بين تفاصيلها سنين طويلة .. لوحدها دُون يشاركها فيها أحد
كان الشخص اللي أرتبطت فيه قلبياً من وعت على نفسها ، والشخص اللي تمنته من نعومة أظافِرها .. لا يخفى على أحد إنهيارها وتعبها بزواجه من كوثر .. ولكنها كتمت وجعها بينها وبين نفسها ، مثل ما كتمت حبها
وعاشِت رهينته سنين طويلة ..
ومع ذلك كلما قررت تنهيه من حياتها .. وتطرده شر طردة من قلبها تلقاه يتوسطه أكثر ، وتهيّم به أكثر
رغم إنكارها الشدِيد .. ورغم إظهارها لِكُرهه بكل مجلس .. وفؤادها فيه مُتيم .. كيف ما تفِيض سعادتها بهالخبر .. وهي اللي بقت كل ليلة تِدعي بأنها ما تِرتبط بأي شخص غيره .. ولا يظهر بطريقها أي رجل دونه ! وفعلاً .. رُغم السنين العاتِية والمرِيرة .. والناس اللي مرت بينهم ، والشعُور المُر والحلو .. لقته في لحظة ما ينتظرها بإبتسامة ولهفة وهالشيء كان يكفيها..

-
{سعَد }

واقف جنب باب بيته .. مِستند بظهره على الجِدار .. وبيده ورقة صِغيرة
وقلم رُصاص .. مِندمج أشد الإندماج بالرسِم .. كأنه يغُوص بالشيء اللي يُرسمه .. ساند الورقة على فخذه ويفرغ التوتُر اللي يعيشه بأطراف الورقة .. ليلة أمس أنتهو من أغلب الأشياء بالمعرض .. ولا عاد يحتاج إلا لمسات صاحِبه والرسام اللي بِتتوج رسامته على جِدار المعرض .. ولأنه شخص بثّ لها رغبته بمُشاركتها له ب هالمعرض .. كونه عرض عليها الموضُوع .. وهي ماعارضت .. بل ردت بأنه بيزِيدها شرف ، ولأنه المعرض لِسعد .. كان مُناه يختلط فنّه بفنّها .. لِذلك من صحى حتى تُوجه لبيت أمه .. ألقى عليها السلام
وعلّمها عن رغبته .. رفضت بالبِداية ولكن إصراره خلاها تُوافق بِشرط حُضورها معُهم !
وهو ألحين ينتظر خُروجهم له !
من سمع صوت خُطواتهم .. حتى وعى من سرحانه .. وأخذ الورقة على عجل وهو يدِخلها بطرف جِيبه بتُوتر .. رفع عُيونه ناحِيه أمه اللي واقفة ووراها مُنى اللي صاده عنه
ناظرهم بهُدوء ثم قال : يـالله مِشينا ياوجه الخِير ؟
هزت رأسها بطِيب : هيا وأنا أمك .. بيأذن الظُهر وبنِيتي منى عادها تزِين شِيلتها ، وكأنها تِلف الطرحة البِيضاء
سحبت مُنى عبايتها بإحراج من كلامها وأم سعد ضحكت وقالت : ماعليش وأنا أمش .. سعد ذا ما بينكم كلافات
تِكررت هالكلمة مرتين لمُنى .. مِما زاد توتُرها منه .. ومن مقصد أم سعد
لاهو أخوها ولا أبوها .. ولا حتى خطِيب ولا زوج .. ليه أنشالت الكلافات من بينهم ؟



هز رأسه سعد بإبتسامة عرِيضة ومشى وهو يركب السِيارة وأمه ركبت قدام وُمنى أتجهت للمقعد الخلِفي .. وبعد مُدة مهِيب طويلة ولكِن يتخللها سوالف سعد مع أمه .. اللي كانت هواشات .. وكل كلام أم سعد " أحسن لك تسكت والا بكسر عصاتي على ظهرك " وبكل مرة يُرد سعد " إرحمي ظهر هالمسكين يايمة ، ماباقي عصا بالخُسوف ما كسرتيها عليه "
بكل كلمة تِضحك عليهم .. ومستمتعة أشد المُتعة بهواشهم ، وبكلامهم اللي يُنعش روحها
وقفو قدام المعرض .. ومن حطت أقدام أم سعد لِلمكان حتى تمتمت بِـ : ماشاء الله .. الله لا يضُرك ياسعد
الله يبارك لك فيه يايمه .. شيء يرفع الرأس
أعتلى وجهه السُرور من كلمات أمه اللي كانت كـ تحفِيز له .. وبعدها ألتفت على عجل وهو يناظر لِـ مُنى بنظرات هادِية يترقب ردة فِعلها .. ولكن التأمُل اللي أستمر لِثواني معدُودة بس سرقته من تمايُل أهدابه علِيها ورجفة قلبه من قاِصيه لأدناه .. ولا أكتفت بملامحها الهادية اللي أربكته .. زادِت الطين بلّه بإبتسامة مليانه إعجاب
خلت كل جسّده يقشعر ، نِسى نفسه ومكانه .. وسطوته وخُروجه من إطار سعد .. ولا صحى على نفسه إلا بضربة العصا على ظهره إللي ألتفت لأمه بخوف وهو يحك ظهره بوجع : إتِق الله يا أم سعد دخِيل عينش
ناظرته بطرف عِينها وهي تُقول : ماودك تقلطّنا "تدخلنا"؟
هز رأسه بضحكة وهو يبعد يده عن ظهره ويفتح باب المعرض .. كان باقِي أشياء بسِيطة ، مثل الصبغ .. واللي ما قدر يقرر لوحده ، لِذلك قرر يستعين فيها لأجل تنسِيق الألوان ! وبقيّة أشياء فرعِية ولكنه بيقدر عليها بنفسه وبسهُولة
قال بعدما تِنحنح بهدوء : وش رأيكم ؟ هلّو علينا بكلامكم
أم سعد قالت : الله يوسع عليه هالعز ، وسّع علينا وعلى خاطِرك بهالمعرض ، والله تسعد له العيّن يا سعد .. ولا راح يزهى ولا يكتمل إلا بك
ألتفتت وناظرت لمنى بإبتسامة : وبِبنيتي مُنى
ردت لها الإبتسامة بإمتنان وهي تقول : حلو كثير .. كثير ماشاء الله أجمل من اللي تخيلته
أبتسم براحة وهو ينقل نظراته لِلمكان ، ويبدأ يطلب رأيها بالألوان ، وبالأشياء اللي هو مِحتار فيها .. ومن كثرة تحركهم ووقوفهم بكل مكان تعبت أم سعد .. ومشت بعيد عنهم وهي تِجلس على الكُرسي وتِتكي على عصاتها وهي تراقبهم بنظراتها .. بهُدوء تام
سعد كان مِندمج كثير بالسواليف معها .. يسأل عن كل صغيرة وكبيرة
ويأخذ رأيها بكُل تفصِيلة لأجل ما تُشح عليه بصوتها ويتخذ الصمت بينهم باب .. لِيُباشر بالقول وهو يأشِر على المكان الواسِع اللي قُرب المدخل : تدِرين وش اللوحة اللي بتضِيف اللمسة الأخيرة للمكان وبيزهى بها ؟
أستغربت كلامه.. ومُبادرته بهالحكي رُغم إنها ماشافت من لوحاته إلا القلِيل .. هزت رأسها بالنفِي وهي تِنتظر رده بتساؤل .. ومن سِمعته يردِف بكلامه حتى أكتست خُدوُدها حُمرة حياء .. وزادِت دقات قلبها خجل من إنه من البِداية كاشفها .. ويعرف إنها لاذت لكُل السُبل المُمكنة لأجل يجي وتشُوف وش قدّمت لِـجوابه : لُوحة العشرين دقِيقة ..
وبعدها قال بإبتسامة خالطها نظراته اللي شتّتها لِلمكان بأريحية تامة .. وهو يبُوح عن سبب رغبته في وضع هاللوحة بالذات على المدخل : لأنها تجمع عُمري بلحظة من اللحظات .. ولأنها لامست كُفوفك
بلعت رِيقها بصعُوبة من تعلِيله اللي رجف قلبها بِسببه وأبتعدت خُطوة لورى وهي تِحس بحرارة كُفوفها من شِدة حيائها ومشاعرها اللي فاضِت بطريقة كبيرة .. كبيرة حيل ومُهيبة
تسلل الصمت بينهم مرة ثانِية .. هو كان يتأكد من الأشياء المفقُودة وهي تنقل نظراتها لِلمكان بلا هدف ولكنها تحاول ما تبّين شدة توترها وإرتباكها .. وسطوة قلبها من كلامه اللي فِعلا شتتّها ..
ولِكنه يرجع يقول بِضيق : ورغم ذا التعب كله .. وإني شخص طاير للسماء إن فنّي ماعاد راح يبقى أسير بين الكيسات بسيارتي ولا تحت سرير غرفتي .. ولكني شخص خايف بعد ذا كله ما ألقى اللي يسر خاطري
أستغربت وقالت بفُضول : من أي ناحِية ؟
رد بخفوت : من ناحِية الخُسوف .. تعرفين وش شعوري ؟مدري كيف أرتب جُملتي ولِكني شخص خايف من ردة فعلهم .. كونه أول معرض بالمنطقة كاملة .. وأول رسّام يتجرأ ويعرض فنّه عليهم .. صح إن مانيب مهتم بكلامهم .. ولو أهتميت كان تركت الرسم من زمان .. ولكني مِرتبك ومُتوتر
سكت للحظات وتأفف وقال : تعبت من هالتناقض اللي يربك
رفع رأسه وهو يسمع صوتها الهادِي اللي تِسلل بعذوبة لناحِية أذنه ، رغم إنها ما أظهرت أي نغمة فيه .. ولكن لو كان أغلظ صوت بالعالم .. لكان تسلل لقلبه بكل رحابة : قلتها .. أنت الأول وأنت الغير يا سعد .. ورغم إنهم بيستنكرون هالشيء ، وبتلقى إنتقادات لا حصر لها ..



وكلام مهب معقول ولا منطِقي ولا يستوعبه عقل ! ولكنك بتلقى الدعم ضعف ضعف هالنقد ، متأكدة إن الكثير بيعجبهم هالمعرض .. وبتبقى أسطورة بسبب لوحاتك المدهشة
أبتسم بلُطف وهو يعبر بإبتسامته عن إمتنانه لكلامها الي حفّزه وبث طاقة عجِيبة لأنحاء صدره .. تمتم بهدوء : الله عليش .. أنا سعد صح ولكنش أنتي خذِيتي معنى إسمي .. أنتي السعد
ناظرته بذُهول من جُملته اللي ماكانت أبداً سهلة عليها هي شخص خفِيف وكثير .. وتِعترف إن لُطف الكلام يرجف قلبها منه ..
صدت بوجهها عنه .. ثم أخذت شهيق زفير .. تستعيد فيه توازُن تنفُسها اللي أختل وكِثير بسبب كلمته ، حاولت توضح اللامبالاة .. وإنها ما تأثرت بهالدرجة الكِبيرة وألتفت لأم سعد اللي باقي جالسة بمكانها وتِنقل نظراتها لِلمكان بعشوائية .. أبتسمت تُخفي توتُرها وقالت : رغم سلاسة حَكينا وحُبي الكبير للهجتي ، وترعرعي من صغرِي بين طيبة والبلد الأمين .. ومرور الكرام بنجد العذّية ومُعاصرتي للهجات كِثيرة .. إلا إني صرت أمِيل للجنوبية أكثر .. من جاءت بنت عناد عندنا وإحنا متعلقين بكلامها وطريقة نطقها ، ومن كثر ما أبلشانهم صارت كل يوم تعطينا كلمة ومعناها كأنها لغة جديدة - ضحكت وهي تشتت نظراتها -
وهو أبتسم : صعبة ولا يخفى ذلك ولكنها قريبة من القلب .. حيل
لتمتم بهدوء : صح ، وأنا فتحت هالموضوع .. بسبب كلامك ونطقك للشيّن المُحبب للقلب
أتسعت إبتِسامته بروقان من حُبها لِشين وقال : صح إنه حرف من الحُروف الأبجدية .. ومقامه بمقامهم عند الكل .. مير إنه عندنا مُهيب ولا يتزيّن إلا بحكانا .. تدرين من كثر ماهو مُميز عِندنا ؟
ناظرته بإنتظار وهو أبتسم وأردف : شِيخنا ما يقوله إلا لأقرب قريب له .. للي فارقِين ونادرين ، وهالشيء أذهلنا لما عرفناه .. كيف قدر يميّزهم بشيء بسيط مثل ذا .. ولكنه بالمشاعر كبير كثير
تِذكرت كلام الجادِل لهم " عزيز ما يحاكي بالشِين سواي وسوا أمي .. يقول إنه من كثر حبه للشِين ما يقدر يقوله إلا للفارقِين "
عقدت حواجبِبها بغير إعجاب وقالت بنبرة شِبه ساخِرة : أوه .. الشيخ يلاقيه مُميز عشان كِذا خصّه بزوجته وأمه .. ولكِنك شخص تتكلم به مع كُل النِساء .. معقولة كُلهم مُميزات !
أبتسم بعدها إبتسامة بسِيطة بانت على ثُغره .. وهو يهز رأسه : إي بالله كُلهم مميزات
زادت حِدة تقطيّبة حاجبها ، وناظرت له بِسخط وعدم رضا أبداً عن كلامه .. ميّلت شفايفها وهي تنُقل نظراتها لأم سعد .. ولكنها ألتفت له وهم يتمتم بهمس ضاِحك يبغى يفهِمها قصده بعدما شهِد على تعابير وجهها الساخِطة من كلامه ، وهو مبسُوط وكِثير على ردة فعلها .. رُغم إنه شخص ماطاح لسانه بلسان إمراءة وأسترسل معها بالحدِيث بسنواته الأخيرة .. غيرها وغير أمه
والسبب كان عائِد لإنشغاله التام ولِرغبته المُلحة بالإبتعاد تماماً عن القريبين من أهله وفعلاً كل النِساء اللي كان لهم النصِيب الأكبر من السوالف معه .. هم الثنتين : ولكن كُل النساء.. أمي وأنتي ..
لِيشهد على إرتخاء حاجِبها ، وتحول نظراتها الساخِطة والحادة لنظرات هادِية .. وظهور الرِضا على كل ملامح وجهها .. أبتسم وأبتعد خُطوة لورى وهو ينقل نظراته للمعرض بأريحية تامة ، عنده إحساس بقلبه .. وكل ماله يتضاعف أكثر وأكثر وأكثر
وكل ما تضاعف زادت فرحته أضعاف وأضعاف .. ولكِنه يبغى الدلِيل لأجل يعقلها ويتوكل
أما هي كانت بمكانها .. توقف الزمن عِند جُملته .. وعند باقي جُمله لها .. اللي ما تُمر أبدا مرور العابِرين تنحفر بأقصى مكان برأسها .. لدرجة رهِيبة تِحس بالأُلفة معه .. وخُصوصا إنهم يشتركون بأشياء .. سواء بالشخصيات أو الإهِتمامات ومن بين إحساسها " تِذكرت قول أم سعد .. بوسط جلسّة يتخللها كُوبين شايّ .. بعدما كانُو يحكون عن تألُف أرواحهم سوا وإختلاطهم بقلُوب بعض دون تكلُفة ( الإنسان يقدر يحس بالألفة حتى مع شجرة جلس تحتها وأستظل من ظِلها لدقائق .. كيف ما تبينا ننسى أو نِتناسى من ألفته الروح )
لِتبتسم بعدها بخُفوت وهي تِتقدم بخُطوات سريعة ناحِية أم سعد وتوقف جنبّها .. وهي تحس بأن روحها دائماً مأخذوه بالتوهُج لا عانق حكيّها حكيّه !
سعد اللي أنتهى من فحصه لِلمكان .. وأرتوى قلبه ناظِر لساعته بعشوائِية وشهق وهو يقول : نسيت مطلب الشِيخ .. يارب إني ما تأخرت
مشى على عجل وهو يوقف قدام أمه : يالله يا عِصابة رأس سعد .. الهمام " بمعنى يالله " مشينا وراي شغلة مستعجلة
وقفت وهي تناظرهم بنظراتها الهادِية .. وهي تسترسِل بملامحهم ، بعدها هزت رأسها بطيّب وهي تمشي وتِتجه للسيارة وسعد كان قبلها ..


وبعد مُدة مهيب طويلة .. تِخللها الصمت اللي أنتشر بالمكان ، ولِكنهم ما خلى من دقات القلب العالِية والتنفس المُضطرب .. اللي مرة يعلى لدرجة الجُنون ومرة يهُبط لدرجة الموت
وصل ونزلت أمه على طُول من السيارة .. وهي تِفتح شنطتها وتِدور لِمفتاح البيت إللي ضاع بين كركبة الأغراض اللي بالشِنطة مابين كرِيم الشعر واليدِين .. لِمسبحة الذِكر وسواك ودبة موية.. لمُشط وحُبوب وأشياء كثير تواجُدها بالشنطة بحد ذاته غرِيب
نزلت مُنى وهي توقف بِمكانها .. وتِنفُض الغُبار اللي تسلل لعبايتها بسبب المعرض .. نزل وراها ووقف بمكانها .. ولا فاصِل بينهم سوى الباب اللي مازال مفُتوح .. ألتفت وهو يُشوف رجال يُمر من جنبهم .. ومن الطرِيق اللي قدام بيت أم سعد .. وعقد حواجبه بعصبية .. وثارِت قريحته وهو يشُوف عُيونه ما نزلت من عليها .. كان بيتهجم عليه وبيكسر كُل عظامه .. لولا إنتباه منى المفاجىء لبُروز عُروق رقبته ولنظراته الحادة ووجه اللي تِلُون بالأحمر بسبب عصبِيته .. ألتفت للبُقعة اللي يناظر فِيها وفهمت عليه وصدت بوجهها عن الرجل اللي يُمر .. وقبل ما يتحرك خُطوة أنتبه لِشدها لِشماغه وسحبه لها بطريقة هادِية حتى وقف بمكانه .. وهو يِنتفض من عصبيته .. ألتفت لها ولقاها تناظر بإستنجاد .. وصد بضيق وهو يمسح على وجهه .. الموقف كان لأول مرة يُحضره .. ولا جاء بِباله إن شخص بيراقب كل شبر بوجهها غيره .. ولو إنه شخص قلبه مليان حميّة .. ولا ترتفع عينه لها إلا لا تِمرد قلبه ونسى نفسه .. ولكن مهب شكل شخص فيه نخوة بالخُسوف ! وخُصوصا إنها يومياً تِطلع من البيت .. ويومياً تتعرض لنظرات الناس .. رفع عُيونه للسماء وتِنهد وقلبه مِشتعل نار .. من إن وجهها مليان نظرات لأشخاص غِيره !
ولا له لا كلمة عليها .. ولا رأيي لأجل يفرضه .. ولكنه يستحيل يُسكت عن ثوران قلبه الهايج باللحظة ذِي واللي عبّر عنه بنبرة هادية يتخلّلها الحدة الخافِتة .. واللي حاول قد ما يقدر يِكتمها وهو يدعّي تكون فعلاً فهمت مقصده : إحفظي قدرِي تراني من الوزن الثِقيل .. والغلا والمقدرة في سد ذِقني وشنبِي !
رمّى عليها جُملته اللي ألجمتها وقفل باب السِيارة اللي بينهم .. بعدها ركب وتحرك من الِمكان بدون ما ينطق بكلمة تعلو على جُملته .. وقلبه للآن يفُور .. وأعصابه مِشتدة
إذا موقف واحد بس حضر .. ودبّت العصبية بكل جسده .. أجل لاحضر باقي المواقف وش بيسوي ؟
باقي بس خُطوة وحدة .. تِتم ويتأكد .. عشان يمسح كُل النظرات من وجهها !
ومن لقت أم سعد المفتاح حتى قالت بعصبية : أخيراً لابارك الله فيك ! مندس تحت السكروب ذا البليّة
ألتفت لُمنى اللي واقفة بمكانها وقالت : سيري يا مُنى .. لقيت المفتاح تحت السكروب أبشرش
تنحنحت وهي تِخفي إرتباكها .. ورجفة قلبها من جُملته .. وقالت بضحكة : سكُروب بالشنطة ياخالة .. والله شكلك مأخذه البيت كله فيها
ناظرتها بضحكة أم سعد وقالت : ماعليش .. كل شيء فيها نحتاجه
لو يجي بيدي لأحط البيت كله .. ولكن خوفاً من إنها تنقطع
دخلت منى البيت وهي تضحك وتحاول تخفي توترها من كلام أم سعد .. اللي تبعتها وهي مبتسمة من ضحكتها..
-
-
{ عبد العزيز }

أنتهى صبحه الطوِيل .. ومن طُوله ظن إن ماعاده بيعديّ ، لأن بنهاية الصبح .. وببداية المساء بيلتقيها
وكل ساعة بدُونها تعتبر عنده .. دهر
أنتهى على خير من كُل الأمور اللي شاغله تفكِيره وبباله .. وأنتهى من تمشِيط منطقة السباق ، ومن مِضمار الخُسوف للسباق الخيّل!
ومن خلص من مجلس الشُيوخ ، اللي كان ثِقيل كثير على قلبه ، ولكن لأجل القبيلة يهون هالثُقل !
حتى رجع على عجل ، قبل تِتسلل الشمس بين السحاب
وقف بسيارته جنّب باب البيت الكِبير ، ونزل على عجل .. وهو يفتح الباب ويتِجه لناحية غرفتهم ، ولكنه وقف جنب إسطبل جدِيلة .. وهو يسمعها تناِديه .. أنفرد قلبه وألتفت بلهفة وهو يناظرها مِبتسمة .. وواقفة بمُحاذاة جدِيلة
أبتسم من إبتسامتها .. ورجع يدينه خلف ظهره وهو يقول : منتِي بهيّنة يا الحمامة .. فهمتيها على الطايّر ولا ؟
ضحكت بهُدوء وهي تقُول : ما صرنا معُلمين عبث .. ولا تتخبى الشمس عننا إلا ببداية العصر !
هز رأسه بإبتسامة ، وهو يقول : وعلى كِذا ، ليه منتي بجاهزة ؟
ميّلت شفايفها بإستغراب وقالت : أتجهز عشان إيش ؟
أقترب وهو يقول : ما قُلت لش ؟ موعِدي معش لا تِسللت الشمس بين السحاب ، ودامِش فهمتي ليه ما جهزتي للحين
ضحكت وهي تشد على طرف حِجابها : مدري ، مواعِيدي معك محصُورة بين غيم وبين مطر دائماً وبحدود هالبيت ، عشان كذا ما جاء ف بالي الخُروج
هز رأسه بإبتسامة : هالمرة ، بنلتقي على كفوف الغِيم .. وفي مكان الخيّال عز ، إستعجلي ..

ناظرته للحظات بإستغراب ، مع ذلك هزت رأسها بطيب .. ومشت بخطوات سريعة وهي تِتجه لغرفتها .. وهو ناظر لجديلة وأبتسم
سمعت صوت بُوري ، جنب البوابة الكبِيرة وعرف إن سعد حضر ، لذلك أتجه له ، وأبتسم وهو يشوفه
نزل على عجل وقال وهو يتنفس بسرعة : أعذر تأخري يالشيخ ، جيت بأقصى سرعتي
أبتسم بضحكة وقال : خُذ نفس يا سعد ، لا تأخرت ولا شيء .. إنتبه لبنتي وحطها بعيونك
هز رأسه بهُدوء وقال بإبتسامة : جدِيلة بعيوننا ، بعدين إستهدي بالله كُلها كم دقيقة وتوصل .. أنا ما أدري ليه ما تخلِيني أوصلها بِدال ما نمشي مع بعض
رفع حاجب بسخُرية وقال بضحكة هادية : ياسعد يا خويّ .. تظن بترضى تِخليك تقرب منها ؟
سعد ضحك : خلنا نجرب .. وش صار لاجربنا !
هز رأسه بإبتسامة ودخل للبيت ، وهو يقترب من الإسطبل ، صفر لها
ونادى بإسمها لين حضرت جنبه .. فتح باب الإسطبل وخرج معها .. وهو يثبِت السرج على ظهرها .. ومسك رسنها وهو يمشي معها ، لِين وقف قدام سعد .. وناوله الرسن وهو يقول : جرب يالله
تنحنح سعد ، وأبتسم بِثقة وهو يمسك الرسن
شد برجله على الحدِيدة الصغيرة وهو يركب على ظهرها ، ومن تِساوى وتعدل بجلسته قال بإبتسامة مليانه غرور : شفت يالشيخ ؟ ما أنـ...
أنقطعت جُملته بسبب سُقوطه العنِيف على الأرض ، بسبب جدِيلة اللي هاجت عليه ورفعت حوافِرها من على الأرض وهي تِرميه عن ظهرها
وسط ضِحكة عالية علت بِـ المكان
كُله وهو يقرب وينحني وهو يجلس جنبه : الله يرضى عنك وعليك ياسعد ، وش لك بالهنجمة "الهياط" ؟ كان تلايطت " انثبرت " بالقاع وبس !
ليتمتم بضحكة وبإحراج وهو يمسك ظهره بوجع وهو يقول : وش نسوي يا شيخ ، الهياط شربناه شرب من الولادة
أرتفع وهو يعتدل بوقفته وضحكة عالية تملأ فمه من شكل سعد ، وسعد وقف وهو ينفض التراب بإحراج ناظر لجدِيلة وقال : كذا تفشليني يا جديلة ؟ سنين وبنين وحنا سوا ، كذا تخوني العيش والملح وتفضحيني عند الشيخ ؟
بعد ما أنتهى عِتاب سعد ، أخذ الرسن وصار يمشي معها بهُدوء .. لمِضمار الخسوف لِسباق
ومن ألتفت وشافها تِمشي بإتجاهه حتى أبتسم وهو يركب السيارة وهي ركبت جنبه
*

بعد مدة مهيب طويلة مرت بهُدوء مُحبب للقلب .. وكفها بوسط كفه ، وآبى يتُركها أو يحررها
وهي مستمتعة بالوضع ، وتناظر له بهدوء ليّن أبتسم وقال : وجهي بيظل قِدامش وقت طويل ، تأملي جمال الخُسوف بما إن عندش فرصة لها !
بادِلته إبتسامة هادِية ، وهي تحط يدها تحت ذِقنها لتتمتم بهمس أربك قلب هالثِقيل : ليه أدور لِجمال لأجل أتأمله وأنت قدامي ؟ ليه تظني شخص ما أقدر النعمة !
ضحك بخُفوت وهو يهز رأسه وقال : إدعي إني مشغول بالسواقة ، والا كان صارت علوم
أشر على المساحة الكبيرة والمبّنى اللي مشّيد وقال : وش رأيش ؟
ألتفت وناظرت بإستغراب : هذا وش ؟
أبتسم وهو يشوف سعد واقِف قدام بوابة المِضمار وبيده رسن جدِيلة
وقف قدامه وهو يلتفت ويقول : مضمار الخسوف لسباق الخيل .. وش رأيش وأنا أمشي على شورش ؟
ناظرته بإبتسامة هادِية وهو نزل .. وشكر سعد بإمتنان على حُضوره وتلبيّته طلبه ، وبعد ما راح سعد ، ألتفت وأشر لها تِنزل ومن نزلت حتى فتح بوابة الِمضمار ودخل وهي دخلت وراه وهِي تُنقل نظراتها للمكان بإنبهار شدِيد .. وقف وحرر جدِيلة من قبضته .. وهي صارت تِمشي بالمكان بدون وجهة
أبتسم وهو يلاحظ نظرات الإعجاب بعيونها .. وهي ألتفتت له وهي تبتسم بدهشة : عزيز .. هالمكان مهب سهل ! أنت برأسك منت بسهل .. هالمكان يطغى على كُل المضامِير اللي تِسابقت فيها
ناظر لها بهُدوء للحظات .. ثم أبتسم قلبه قبل عقله ، وهو يستوعب إنها شاهدته بكل سِباقاته ! وتأملته بالوقت اللي كان يتمنى فيه تِلقاه ..
أقترب وهو يوقف قدامها .. ويفك نِقابها وحجابها برقة .. ثم أبتسم وهو يحرر شعرها من الربطة وناظرها بهدوء وو يناظر الإستغراب بعيونها : هالمكان ليّ .. ولا راح تطأ رجل شخص غريب له دون علمي .. لا تخافين وأنتي معي
أبتسمت وهي تهز رأسها بطيب وهي تِغرز يدها النحِيلة بشعرها الأسود وتِفردها على ظهرها وهو يتأمله بهُدوء
ثم تنحنح وهو يناظرها وقال : ولا حبِيت يتشبع هالمكان بنظرات أحد قبل نظراتش .. عشان كذا حضرتي قبل الكُل .. لأنها فكرتش وإنجازش
ضحكت بفرحة من كلامه وهو أبتسم وقال : وبالمرة .. نتدرب مع بنتي .. ماباقي لآخر سِباق لي إلا القليل
عقدت حواجبها بإستغراب وقالت : وليه آخر سباق ؟ وليه ماعندي خبر
رفع كتوفه بعدم معرفة وقال : ما تطرقنا للموضوع ذا من قبل .. وآخر سباق لأني دخلت عالم السباقات لأجلش .. ولأجل ما تِنسيني مهما حصل .. وذلحين مُنيتي جنبي ، والسباقات ماصارت ضمن إهتماماتي ..


ليتخلل وجهها إبتسامة بسيطة .. عبرت بها عن بهجتها بكلامه .. بكل مرة يثبت لها إنه شيء كبير .. كبير كثير بالنسبة له
جلست على أحد مقاعد الجمهُور
وهو أمتطأ ظهر جدِيلة .. وبدأ يتدرب معها مثل ما تعودو كُل مرة .. ونظرات الجادل ما تِخطهم .. كانت أبعد ما تكون منهم ، وبينها وبينهم آلاف الأمتار .. ولا يقربهم لبعض سِوى شاشة تلفزيون .. ولكن هالمرة هي " جمهوره الوحيِد "
ومن وقف بنص المِضمار .. وهو يركز بنظراته عليها
ومن بين فوضوية المكان والمشاعر .. حتى أعتلت على وجهه إبتسامة راضِية
أنتهى من سطوة التمارين .. ووقف بمكانه وهو يشوفها تِتقدم نحوه وهي تقول : ولا راح نرجع دون تتبخطر جدِيلة بركوبي عليها
أبتسم وهو يرفع حاجبه ويناظر لجديلة : الكل يبأ يتفاخر ببنتي الليلة ، ولكن ياحمامة جدِيلة هالمرة ماراح تقبل بغيري
ضحكت وهي تثبت الخوذة على رأسها .. ووقفت قدامه وهي تقول : هالخطوة أحتاجك فيها
أبتسم وهو يثبت يدينه على خصرها .. ويرفعها بقوة لين تثبتت على ظهر جدِيلة .. كان يراقبها ومثبت نظره عليها ، بحيث يلحق عليها قبل تطيح على الأرض ، وهو يضحك
ولكنه تفاجأ وهو يشوفها تمشي معها .. وتتحرك بأريحية تامة
ضحك وقال : لاعاد .. قدرتي على بنتي ؟
هزت رأسها بإبتسامة ساخرة وهي تقول : الأيام اللي بقينا فيها سوى انا وياها مهيب قليلة .. راقِب الحمامة وش تسوي !
رجع خطوة لورى .. وهو يناظرها بذُهول .. تتبختر بخُطوات واثقة مع جدِيلة .. وتتمايل على ظهرها وهي تضحك .. وبدأت تدخل مضمار السباق وهي تأشر له بمعنى راقِب .. ثبتت جدِيلة بمكانها ثم بدأت تشد الرسن بخفة ومن بدأت جديلة تركض حتى شدت على الرسن أكثر وهي تضحك ومستمتعة بجديلة اللي مُستجيبه لها واللي تجارِيها بكل رغباتها .. كل شيء كان بمكانه باللحظة ذي إلا قلب عزيز
اللي سطى عليه وتزِلزل .. وهالمنظر مو هيّن على قلبه
وقفت قدامه وهي تبتسم وتتنفس بسرعة : وش رأيك بالحمامة ..
ضحك وهو يهز رأسه بإعجاب : رزة فرس ماطالها كل خيال يا حمامة .. ولكنش طلتيها وتهيمنتي عليها
أبتسمت بضحكة وهو مسك رسن جدِيلة .. وصار يمشي فيها والجادل على ظهرها لُتباغته بقولها بعد سكوت طويل : كيف مرت الخمس سنين ياعزيز ؟
رفع نظره لها بإستنكار من السؤال اللي حضر بشكل غريب .. ولاحظ إن الفضول يعتري نظراتها ، فتبسم وهو موقن إن ودها تدري كيف مرت سنينه دونها ، خصوصاً إنهم ما تكلمو عن هالموضوع أبداً !
تمتم بهُدوء وهو يقول : كنت أتعّب جسدي .. لأن كان عندي قناعة لا تعبت بفكر بتعبي ولاعاد بلقى وقت للتفكير ! طول يوميّ أشتغل ، وأشل وأحط وأخذ وأعطي ، ما بين مجمع الخُسوف للمستشفى ، لِدكان الأقمشة ، لطلبات القبيِلة .. لمجالس الشيوخ ولكن بعد هالتعب اللي أعيشه طول اليوم .. كنت أظن ليّا رجعت وحطيت رأسي على المخدة بيزورني النوم على طول وبتغفى عيني دون حضورش .. وببقى مريّح قلبي .. ولكن هيهات ، رغم التعب تحضرين
ويحضر الأرق إن حضرتي .. بين حلمي وواقعي .. في خلوتي وعلى مركاي وفي مجلسي ، يوه يا وجهش اللي ماغابت تفاصيله عن بالي
ومن بعد ما سخطت على الحياة اللي كنت أظن إني أسير ذكرياتش .. ولحالي متعذب دورت لأقرب طريقة .. تعلمش عليّ تذكرش فيني .. وأنا داري إن ماني بشخص أُنسى .. ولكن لاكان ودش تِتانسين .. أحضر وأخرب رغبتش
ولا لِقيت شيء أقرب .. إلا إشتراكي بسباق الخيّل .. رغم إنها صارت هوايل بسببه .. وخوف كبير من أمي وأبوي عشان الرصاص اللي بكتوفي .. والوجع اللي يحضر بين فترة والثانية بسبب ضغطي الكبير عليها ولكني عاندت .. وأشتركت وبكل مرة أفوز بالسباق .. أقول يارب إنها من بين هالجمهور تشوفني .. ولاخاب هالرجاء
رفع رأسه لها وناظرها وهي تتأمله بملامح يكسوها الحُزن ليقول على عجل: ما قلت عشان تزعلين .. هالأيام ولت وعدت ، ولاباقي للحزن مكان وأنتي على كتفي
لتتمتم بهمس فضِيع من الغصة اللي بحلقها : عزيز .. باليوم اللي رحت فيه مع جدِي .. تركت على باب بيتنا مكتوب .. عن حالي من بعدك وعن الخطوة اللي أقدمت عليها
عقد حواجبه بصدمة .. يعني هي قدّرته .. هي ما رحلت بدون موادع ؟ .. وعتابه لها طول السنين ؟ كان بيرد بأنه ما لقى شيء ! لتردف بقولها : ولكن مساعد خذاها .. وكان السبّاق لها من عرفت والغصة تسكن حلقي .. شلون بقيت طول السنين تظن إني مشيت دون ما أودعك أو أعلمك إني بكون على عهدك ..



تنهد بضيق من الطاري وهي أردفت بضيق : حضرتني هاللحظة ذكرياتي المُرة بالخمس سنين الماضية
عدم تقبلي لأول أيامي في الجامعة ، إصرار جدي على روحتي لها ، الضغط اللي صار .. السنتين الأخيرة اللي شيبت بي .. بسبب فراق عايض
قالت بنبرة ضيعت عبد العزيز من حُرها : يوه ياعزيز ، عشت أنواع الضيم بموته ياجعل منزلته أعلى الجنة
تنهدت بعدها وقالت : منى وحياة .. اللي تعرفت عليهم ببداية دراستي لأنهم كانو بنفس السكن جاهدو كثير لأجل يحاولون يخرجوني من إطار الكئابة ولكن .. هيهات سنتين على مدارها كنت كل ليلة أبكيه وأنوح عليه .. وللحين من يحظر طيفه يهل دمعي غصب عني
بلعت دموعها وغصتها غصب عنها وهي تلاحظ تأثر عبد العزيز الشِديد ووضوح الضيق على كل ملامحه ولا حبت ينتهي هاليوم اللطيف بإطار الكئابة هذا
لتتغير نبرة صوتها للهدوء : ولكن ما نقدر نموت مع الميّت .. مصير الحياة تستمر وإن بقينا نبكي .. فاتنا قطار العيش
أبتسمت بخفوت وهي تناظر لعبدالعزيز اللي نقل نظراته للِشمس اللي كانت على وشك الغُروب
ثبتت يدها على ظهره من ورى .. وهي تِشد جسمها وتِنزل وهي تعانق ظهره بذراعها .. بعد ما أيقنت إن فتح هالموضوع كان خطأ بكبره .. ليه تنبيش الجروح اللي مضت ؟ ولكن كان بخاطرها تعرف .. كيف مضت هالسنين .. وبخاطرها يعرف إنها ما تركته بدون وداع ..
لتتمتم بهمس وهي تِسند رأسها على ظهره الشامِخ بطوله الرفيع : ماهو تنبيش للجروح ، ولا هو تخريب لليوم ، ولكن تقفيل لماضي ماعاد راح يرجع ، ولا يبقى ببالي شيء أتسائل عنه، ولا تبقى تظن إني رحت بهالطريقة ،ولكن عدّى ، ولا برضى تضيق هالملامح بسببي ، أنا أخاف عليك من جور الأيام وإن بانت حدود الحّزن في ملامحك سرقت لك من وجه الأيام ضحكة
تنهد وهو يرفع كُفوفه ويثبتها على كتفها : آه منش يا بنت عناد
يعديّ يعديّ ليه لا ، مابه كلام يسليّ خاطري غير كلامش ، وهو فعلاً ‏لقيتش و الكلام اللي بعد وجهش رفض ينقال أنتهى الضيم و حيت ‏عقبش بساتين الحيّـاة و وردت روحي
أبتسمت وهي تتنهد براحة ،وهو قال بعدها بهمس : ياحمامة
ردت بنفس همسه،وبعُذوبة أسرت الضعيف ناحِيتها: هلاا
بسببها نِسى وش يبي .. نسى مقصده بالحكي .. ونسى كل اللي حوله .. ولاحضره من عذوبة الصوت إلا : هلا منش تسفرني لوجه أمي وأشيب اشجان
‏هلا منش على عمدان تقوّم حظي العاثر
‏هلا منش ولا أذكر شي بعدها من متى للآن
‏أهيم وماعرف ماشفت ولا سامع ولا خابر"
كل هالإنهمار لكلمة (هلا) كيف لو كانت غيرها ؟
شدت بيدها عليه وهي مبتسمة .. بدهشة من رده اللي ذوبها وأتعب قلبها .. وعرفت إن علاقتهم ببعض من أكثر العلاقات متانةً اللي تقوم على مبدأ:‏"يمدّ لي كفّه لو إن كفّه يعاني وأمدّ له روحي لو إن روحي حزينة"
-
-
{ أم سند }
من بعد تصرفات سند الغرِيبة عليها واللي عرفت بعدها بتعب حياة ،كانت تُدخل كل ساعة تطمن عليهم،وهي ملاحظة سند اللي غفى بتعب وبدون ما يحس على الكنبة القريبة من السرير ،وحياة اللي للآن ما صحت رغم إنها تِتحس حرارتها كل شوي.. وتكمد لها بين كل ساعة وساعة
دقت الباب قبل تدخل ، وهالمرة سِمعت صُوتها .. تطمنت وأرتاحت وهي تدخل ولقتها معدّلة جلستها ومِستندة بِرأسها على أطراف السرير
ومِركزة عُيونها على سند اللي للآن ،نايم !
أقتربت وجلست جنبها على السرير ورفعت يدها وهي تثبتها على جبهتها
تنهدت براحةكبِيرة وهي تقول : الحمد لله ،خفت الحرارة كثير
أبعدت عُيونها عن سند وناظرت بِـتعب شدِيد وذُبول : وش صاير يا عمة !
أبتسمت وهي تِبعد خُصلات شعرها عن وجهها اللي لِصقت بسبب الدُموع اللي نزلت لاشُعورياً بسبب تعبها .. وناظرتها بترُدد للحظات .. لا يخفى عليها إنها ملاحظة حالِتهم ، وتفاصِيل حياتهُم الغريبة .. اللي تحت إيطار الهروب دائماً .. قالت بهُدوء بنبرة تكسوها الحنيّة المُطلقة : عُمر الدمع يا بنتي لا يمّد ولا يكُفت " لا يودي ولا يجيب " وعمر تعسِيف الأمور وتصعيبها مايحل المشاكل وأنا أمش ،إهزمي المكابر ولا تخلِين الأيام تختبر صبّرش !
زفرت بتعب .. وشتت عُيونها للمكان
تجهل معرفة أم سند بحياتها مع ولدها .. تجهل سبب كلامها ومقصدها .. ولكن اللي واضح من نبرة صوتها .. إنها مُحيطة بكل تقلبات علاقتها مع سند
تنحنت بوجع وهي لازالت تِحس باللوزات تِسد حلقها وتكلمت بهدوء لحتى يبان صوتها .. ولما حست إنها تقدر تتكلم بدون تعب قالت بخُفوت : صحيح إنها تختبر الأيام صبري و أتقاوى . . و ما بقى للقلب صبرٍ على شيٍ يجيه .. إلا إني لو رضيت الدمع يا أم سند ما أرضى بالهزيمه أبدًا .. لي قلب ما أرضى عليه ووجه ما أبيعه مهما يشح الزمان ..


تنهدت بضيق من كلامها وأقتربت وهي تحضن كفوفها بودِية : منتي بمدة طويلة جنبنا .. ولكنش واضِحة
ما تميلين للضعف .. ندري إنش بخير ولو كسر ضلع من ضلوعش .. ولكن يابنتي ، يحق لش الإتكاء ولو مرة وحدة بهالحياة .. حنا هلش
ثبّتت نظراتها على أم سند .. بعدما بلعت ريقها بصعوبة كبيرة وهي تحس بالضعف الكبِير بعد هالكلام .. شعور غِريب أجتاحها .. من النبرة من دِفء الكُفوف .. من الطلب
نقلت نظراتها لِسند اللي للحين نايم .. رأسها مستند على ظهر الكنبة .. ويده مثبتها على أطرافها .. تنهدت بخفوت وقالت بعد سكوت مادام الكثير : كل شخص منا يستحق على الأقل جهة واحدة آمنة في حياته جهةً ما ينوجع منها ولا يُضر بسببها.. جهة يستند عليها إذا أرهقته الأشياء .. جهة وحدة تكفي وتوفي وتغنِي عن ناس كثير ..
همست بضيق لنفسها : وحياة تِستحق والله
تأملت نظراتها لسند للحظات ثم قالت بإبتسامة : حياة يابنتي فيه شخص مهما كان الطقس ومهما كانت السماء مكتسية ب ضباب غبار، مطر ، يبقى يحبها .. رغم تقلباتها ورغم إنقلاب أحوالها
سكتت وهي تتأمل ملامح وجه حياة اللي آرتخت وقالت بعدها : مهما مريتي بعواصف وبأشخاص سيئين أو ما تناسبو معش كلياً .. بآخر المطاف بتلقين ان الله دس لش " خبأ" شخص يشبهش .. وعلى مقاس قلبش تماماً وأنا وأنتي .. نعرف أتم المعرفة من هو
أعتدلت بجلستها وهي تقول بجديّة : الزواج قبل يكون إرتباط جسدي .. هو إرتباط نفسي .. إرتباط بالقلب ‏الحبُ ماهو إلا شخصين مليانين أضرار يخلون العالم على جنب ويحاولون ترميم بعضِه بهدوءٍ ورِقة
وبدون ما يتدخل العالم الخارجي بعلاقتهم .. ويمشونها على كيفهم
أطلقت تنهيدة عميقة وهي تغمض عيونها بتعب جسّدي ونفِسي .. لِتفتحها على عجل وهي تشوف أم سند تِسحبها وتقول : قومي يالله .. سويت العشاء لأجل تأكلين الدواء .. من درى فيّاض إنش تعبانة طلع وجابها لش .. قومي لا تكسرين بخاطري وخاطره
كان الود ودها ترفض .. وتقول لا ما ودي ، ولا فيني حيل ولكن بعد ذا الإهتمام .. مالها قلب يقوى يقول لهم لا !
وقفت وهي تتقاوى .. وتحاول ما تبين تعبها ومشت مع أم سند للصالة .. جاهِلين الشخص اللي كان مُلم بكل أطراف الحدِيث .. ما تِخطى محور الحديث والأهم ما تخطى .. النبرة
اللي أهلكته .. أوجعته وأتعبت قلبه
ووضحت له تعبها .. ومللها من الإنهيار المُتواصل على الأرض
فتح عُيونه وهو يحس بثقل شديد
مو بجفونه ... قد ماهو بقلبه !
تنهد وهو يرفع كفه ويغرز أطراف أصابعه بشعره الأسود وهو يحركه بعشوائِية
وقف وهو ينقل نظراته للمكان اللي كانِت نايمة فيه .. وبعدها زفر بضِيق وقال : يستحيل أرضى عليها بالتناقُضات يستحيل أقبل بخطوة ومانيب متأكد منها .. يستحيل أخيّب الأمل وأكسر الحياة
مسح على وجهه وهو عاقِد النيّة .. يصفي قلبه من كل شعور مُتربص .. وإن كان كلام أمه موجه لحياة .. ولكنه يمسّه بكل حرف .. هو مُوقن إنه تعب كثير وحزن بحزن العالمين كلهم .. وبيجي اليوم الي بيتعوض فيه
ولكن التساؤل .. هاليوم متى ؟ وهل جاء وأنا غاض الطرف عنه ولالا؟

-
-
{ اليوم المعهُود .. يوم زواج سعُود وسحابة }
مرت الأيام وهي تحمِل الكثِير من الغرابة ! مرت بثُقل شدِيد .. وبِبُطء يُتعب القلب .. على قلوب كثِيرة وبسِيطة ما تِتحمل هالمرارة
إبتداءً من سحابة .. واللي بالرُغم إن بقلبها فرحة كبِيرة .. مُهيبة
ومشاعِر كبيرة وكثِيرة على شخصها ، وبرغم إنها تِقترب من الزواج من شخص كان مُلازم قلبها بالخفاء لسِنين عدِيدة .. ولكن كل الخُوف مُتربص بقلبها .. حِيرة وهلع ورُعب
وقشعريرة تدُب بجميع أنحاء جسّدها كُلما تذكرت إنها بتِرتبط بشخص صخرِي مثل سعُود !
خصوصاً إنه مأخذ فكرة خطأ تماماً عنها .. وهي خايفة إن كل اللي يبيه من هالزواج إنه يكسر عينها بعد كلامها .. ويهدم قُدرتها ويهد حيّل اللي تنتظره !
ولكن ماكان عندها الجراءة الكافِية اللي تخليها تواجهه ،وتِسأله " ليه أقدمت على هالخُطوة ؟"
وحتى لو فكرت تسأل ،جراءتها تماماً تتبخر بُمجرد ما تفكر بس ..




من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن