23

28.9K 224 87
                                    



وبعد الصمت اللي دام لِوقت ماهو بطوِيل قالت وهي بِـ صوت يكسُوه البغض والبُؤس : كل لياليّ عدت وأنا أدعي دعوتين . . يصون فهيد .. والثانية لا يرتبط دمنا بدم راعِي . . ولا يصير لنا حفِيد من صُلبه !
لترجع خُطوة لورى بعد ما صُعقت من كلام أمها . . وأنهارت كل جِبال السعادة اللي كانت بقلبها وضاق الكُون بقلبها على وُسعه تعسر عليها التنفُس بسرعة عالِية لدرجة أن الأُكسجين سُحب من رئتيها بفعل الكلمات اللي لو كانت تقتُل لماتت بأرضها دُون الإنتظار لحظة وحدة . . خمس سنين محرومة من الظنأ بسبب دعوات أُمها . . أي شيء أشد قساوة من شُعورها هاللحظة !!
ألتفتُو كلهم بصدمة بإتجاه نعمة إللي صعقتهم بِكلامها . . وأولهم حِكمة اللي كانت من المُعارضِين على زواج نسِيم وجسار . . ولكن يستحِيل توصل المواصِيل الحقِد للدرجة هذي ! تقبلت ورضخِت وفرحت لأول مولود لحفِيدتها . . ولكن نعمة فجرت بِداخلها براكِين من غضب لتقول بِصُوت حاد وغلِيظ من شِدة العصِبية : قطع . . الله يقطع لسانش ويتلش من شعرش لين ما يبقى برأسِش مخه إشتلوش سبعة لا يصلون
نعمة ماردت وهي تعدل جلِستها وتناظر لِنسيم اللي ترِجف من حُر ما سمعت ، تقدمت المزن وكانت بتهدّيها ولكن يد نسِيم سبّاقة أشرت لها بمعنى لا تقتربي مني
ورجعت بخُطوات سريعة لورى وهي تِنتفض وتركض لبرى البيت . . لِلمُتسع لأنها لو بقت بِـ تختنق بِـ تموت من ضِيمها
ناظرو لها بضيق . . ولأول مرة يلاحظون نظرة الإِنكسار بعُيونها ! توجهت نظرات القهر والعتب لنعمة اللي أستقبلتها بصدر رحِب دون ما يطلع بِخاطرها بمقدار ذرة . . هي فعلاً ماكان ودها يكون لِنسيم ولد من جسار . . بخاطرها تقول ؛ ليه أكذب عليها ؟
طلعت من البِيت وهي تنشُر نظراتها لِلمكان تِدور عليه وما إن لقته مستند على باب السيارة ويناظر بلامُبالاة وعشوائِية للمكان حتى خارت كُل قواها اللحظِية . . أول ما لمحها أبتسم وكان بيقول لها إنهم رح يبقو عشان عبد العزيز أصر على حُضوره لِـمجلسه الليلة . . ولكِن من لمحها توقف بمكانها دُون حركة . . وتناظر له بعيون تفِيض منها الدُموع . . رفعت يدها المُرتجفة وهي تأشر له يجي
ولكن جسّار ماكان عنده القوة باللحظة ذِي . . تبخرت . . ولا بِقى مكانها إلا رجِيف القلب اللي كان نتِيجة الفزع والخُوف
ولكن من إنحنت وهي تثبت يدينها على ركُبها حتى جمع كل قوته المُتبقية وركض لها بُخطوات سريعة
وهو يوقف قدِامها . . كانت تنتفس بصعوبة وهي تبكي بكل ما أُؤتيت من قوة . . ومن بين تنفسها الصعبة ورجفة جسمها الواضِحة لِجسار أنهارت على الأرض لولا يد جسّار اللي ثبتها على ذِراعه وهو يسحب الشِيلة من على وجهها ويرمِيها على الأرض . . وبيده الثانية أبعد شعرها عن وجهها وهو يضرب على وجهها بخفة عشان تِستوعب الموقف
ولا رِضت تهدأ بل زادت حِدة بكاءها وعُلو شهقاتها قالت برجفة . . وبِلسان ثقيل يُصعب النُطق به : أمـي كانت السبب في حرماني من الولد . . أمي كانت تدعي عليّ بقطع الصِيب يا جسار . . أنت تسمع وش أقول ؟ تفهم إن أمي قاسِية لدرجة كسرت قلب ما يقوى على الكسر
.أحتدت النبرة وبدأ صدرها يعلُو ويهبط بسُرعة عالية وهو من شِدة خوفه وتوتُره رفعها من على ذراعه وهو يضمها له وهو يمسح على شعرها ويقرأ عليها . . وهو يقول : مر وعدّى كل شيء بخير وطيب إذا كُنتي أنتي بخير إهدي أنا بوجه خوفك يا نسِيم
وما إن حست بالدفء حتى تِسلل الأمان لقلبها وهدأت نفسها ولو قلِيل بدأت دقات قلبها تعود للوضع الطبيعي كانِت تمتم بِـ : كسرتِني . . هدمت فرحتي ، أنهتني ياجسّار
أبعدها عن حُضنه وناظر لوجهها المُحمر من شِدة البكاء ، تنهد بهدوء وقال وهو يمسح دموعها بحنيّة : إهدأي طالبك يانسِيم محد بأقوى من ربي لأجل نلتفت لدعاءها
قالت بعد ما بلعت رِيقها بصعوبة وتناظر لعيونه : بس خمس سنين محرومين بسببها لأنها حاقدة عليك ، موجوعة لدرجة ماعاد لي حيل حتى أوقف يا جسَار
تنهد وهو يمسح على وجهه وعرف إن الكلام ماراح يفِيد باللحظة ذي سحب غُترته من على رأسه
وثبتها على رأسها ومشى وهو ماسك يدِينها لين ركُبت السيارة
ركب جنبها وتنهد بضيق من اللي كان يعتقد إن البهجة اللي جاءت بها راح تنتهي بالشكل الكارثِي هذا ؟
وصل للبِيت . . ونزل وهو يناظرها سرحانة بمكانها نبّها على وُجوده وقال : وِصلنا للبيت
رفعت رأسها بهُدوء وناظِرت لبيتها ثم أبتسمت إنها وصلت للمرفأ الآمن . . نزلت وهي ماسكه يدينها
وُوصلها للغُرفة أقتربت على عجل وأنسدحت على السرِير وهي تغمض عيونها بخفوت كان بيترُكها لوحدها ولكن قلبه ما طاوعه . .



قفل الباب وأقترب وهو ينسدح جنّبها ، ضاعت وسط فوضوية صدرِه وتركِت العنان لدُموعها . . كونها شخص تِعب كثير من قوة الكلمة !
وهو ترك لها حُرية التعبير عن وجعها بالطرِيقة الي تبيها !
-
-
{ طارِق }

بعدما مرت فترة طويلة على فعلته وعلى جُرمه
ووصله الخبر إن الموضوع تِرقع وأنتهى في وجه شيخ الخسوف .. دُون ما يصيبه ضُر دون ما يتحاسب على فعلته ولا على دناءته .. لأنه ظن نفسه مُحصن ... قرر إنه يرجع للخُسوف دون ما يهتم لا لكلام أحد ، ولا لرأي أحد والأهم لا لأهل القتيل ولا لشيخ الخسوف ! رجع وهو يخفي وجهه بِغترته اللي تِلثم بها . . ودون يفصح لحضُوره ! دخل بيته وأستنكر عدم وجود شُروق ولكن لوهلة ما أهتم ! قرر يريح نفسه بالبِداية
ثم يرجع لحياته الطبِيعية . . ولكن بعد ما يحاسِب جسّار اللي خلاه يطيح بالمصيبة هذي !
-
-
{ بشرى }
بعد يُوم دِراسي مُمتع . . وغِير لأن الجادِل كانت بين طياته ، غطت وجهها بعشوائِية لما سِمعت النداء بإسمها . . وألتفت لِلجادل اللي قالت بتروح معها
طلعت من الباب ولكنها من شافت سيارة عبدالعزيز هِي المركُونة قدام باب المدرسة حتى شِهقت ورجعت بخُطوات سريعة لورى . . ناظرت للجادل اللي تِلبس عبايتها وقالت بصُوت عالِي وهي تناظر بغطرسة طفُولية للِي حولها : أبلة الجادِل . . الشيخ عبدالعزيز هو اللي تِكرم علينا وجاء يوصِلنا اليوم
ومن رُفعت كل الأعين لها . . حتى أبتسمت لِتغيظهم ، وطلعت بعدها من المدرسة وهي تضحك بغرابة من تصرفها . . الجادل أستغربت وكملت لِبس عبايتها ولكن من كانت بتطلع حتى ألتفت وهي تشوف تمجهُر البنات قُرب بوابة المدرسة . . عيونهم متوجهة نحو السيارة اللي يقبّع بِداخلها رجُلها . . قطبت حواجِبها ولما كاِنت بتتكلم سمعت الهمس من خلفها : هذا مهب شِيخ قبيلة وبس ، هذا شيخ قلُوبنا كلنا والله إني ببقى مرتزة عند هالبوابة ليل ونهار دامه اللي بيوصلهم
شدت على قبضة يدها بعصِبية من كلامهم مع ذلك تجاهلته ومشت بحذر وهي تِركب السيارة بعد ما رمت عليه السلام قال وهو يِبتسم : هاه . . كيف يومكم ؟ خالفتو الإعراب اليوم والا
ناظرته الجادل بطرف عينها وهو ضحك بخفوت وناظر لِبشرى من المراية بعدما سمعها تتكلم : خالفنا الأعراب وأنا أختك . . لو ندري إن هالتغيير بيصير حرام بالله كان بقينا ندور للجادِل من نعومة أظافرِنا . . الشيخ عز برأسه جاء يوصلنا ؟
ضحك بعدها بتناغُم بدون ما يرد عليها . . ليعم الصمت أرجاء السيارة . . وصلو بعدها للبيت
ونزلت بُشرى وبعدها الجادِل وتبعها عبد العزيز اللي أستوقفها وقال : لو ندري إن يومش بينعفس ما خلِيناش تداومين . . وش صاير
وقفت بمكانها وألتفت له وهي تقول : عزيز . . لا تفكر توصلني مرة ثانية .. أبداً
رفع حاجبه وقال : وليه عسى ما شر !
ميّلت شفايفها وقالت وهي تِتخصر وتناظره بعُنفوان : البغِيضات لما درو إنك اللي وصلتنا قررو يرتزون على بوابة المدرسة صبح ومساء يتملقون بوجهك ، مير يخسون والله ويهبون يلمحون طرف منك . . عمى بعينهم حتى بحُضوري ما أستحو
لتشهد على إِصطفاف أسنانه أمامها بِفعل ضحكته الساخِرة اللي أستفزتها لِتقول بحِنكة : عبد العزيز بذبحك
رفع حاجبه وقال : إشتد الضِيق لين صرنا عبدالعزيز دون عزيز هاه ؟
ولكنها قالت وهي تِتذكر نظراتهم .. كلماتهم وهمسِهُم إللي فعلاً عصبّها وزاد غيّظها : ليت إنهم ما أنخلقو .. أو ليتهم أنخلقو من غير جفون حتى لو ما شافوك صوت منك يسحرهم .. اه ياليتهم أنخلقو من غير آذان
ليُرخِي حاجبه بضحكة مذهُولة من شِدة غيرتها اللي أدهشّته .. لو زادت شُوي كان نافسته بمعيّار هالغِيرة
وقبل ما يرد أبتسمت بخُفوت وهي تلمح الذُهول بعيونه وميّلت شفايفها وهي ترفع حاجبها بعشوائِية وبعدها ألتفت وأتجهت للبيت
ومن دخلت البيت حتى أخذ نفس . . وزفره بِبطء شديد . . بعدها أبتسم بهُدوء
-
-
{سعد}
وقف قِدام باب بيتَه . . اللي صار له فترة طويلة ما عتب عتبته والسبب وجود مُنى في أرجاءه . . خوفاً من إحراجها
رُغم إن الود وده باللحظة هذي يبقى بالبِيت طول عُمره اللي بيعيشه . . ولكِن ..!
عدّل غُترته وهو يتنحنح ويُدق الباب بإِرتباك ما عهِده .. وبإستغراب من نِداء أُمه له
ومن فتحت الباب حتى أبتسمت وقالت : يا سعد يا ولدي ، بخاطرك أكسر عصاتي بين ضلوعك ؟ وينك يا بوي مختفي عني ولا كأن عندك أم متشفقّة عليك
ناظرها للحظات ثم إنحنى ليُقبل رأسها بقامته الطوِيلة اللي ما خذت من صلابتها وإمتدادها سنوات الرابعة والثلاثِين الماضِية شيئاً !
وتمتم بإحترام وإبتسامة عذبة تُزين مبسمه : مسّاش الله بالخِير يا أم سعد . . الله يطول بعمر هالوجه السمّح .. ويجعلني قبله ..


ناظِرته بضيق من كلامه وقالِت بمرارة : لا يا سعد . . لاعاد أسمع هالكلام وتوجعني ، ماعاد أبي من الدنيا إلا حُسن الخاتِمة وحفيد يملأ حضني
ليتنهد بعدها بإبتسامة من تلميحة أمه وأقترب وهو يُضم كتفها من على طرف : الشوق اللي دعاني ؟ والا بخاطرش شيء
تِذكرت وش كانت تبي به وقالت : الشوق .. وغيره
أبتسم : زين على خشمي كل اليل تبينه . . سمي يمه !
قالت أم سعد وهي تِناظره بخُفوت : التِلفزيون له يومين خربان . . ولا ندري وش فيه حاولت بنيتي مُنى تزينه مير وأنا أمك تقول ما فلحت . . والضجر وأنا أمك كلانا ، شُف لنا صرفة معه
أبتسم وهز رأسه : أبشري يا أم سعد . . خذي لي طريق لأجل أطلع للسطح
هزت رأسها بطيب .. وألتفت لِلخلف وهي تِتكي بعصاتها اللي صارت مُرافقة لها بآخر فترة ، كونها بدأت تِحس بالهون بعظامها . . أخذتها مُساندة رغم إنه ما ودها . . ولكن الزمن حدّها !
طلع للسطح بعد ما نبهت مُنى بوجوده وأول ما عتب أول خُطواته بسطح بيته . . حتى عقد حواجبه بإستغراب شديد
وبمُجرد ما أستوعب المنظر حتى أبتسم تدريجياً وهو يشتت نظراته لِلمكان . . أقترب بذُهول وهو يشُوف اللُوح اللي منتشرة على الأرض . . والأهم اللوحة الكبِيرة إللي للآن ما أكتملت والواضح كانت تِشتغل عليها
أخذ نفس وزفره بِبُطء وهو يحس بفيضان مشاعِر غريب
ناِحيه لوحة من لوحاتها ، أقترب لها وأنحنى وهو يجلس قدام اللوحة ويدقق بالنظر على تفاصِيلها البهيّة ، أنعشت قلبه .. وشتت فِكره وهو متأكد إن هالرسمة جسّدت آخر موقِف لهم . . نقل نظراته على خُطوط الرسمة ، المُنحنيات .. الألوان
جميع تفاصِيلها آسرته وأصبح رهينها ، الرسمة اللي كانت عِبارة عن شخصِين واقِفين جنب سيارة وظِلال الشمس ضتحفُهم .. والشخص الآخر ينظر للسماء بينما الفتاة تناظر له . . تتسائل عن عُمره بكِتابة وضحتها مُنى أسفل الرسمة
ليكون الجواب بجانب السؤاد " عشرون دقيقة "
كانت مُنى رهينة تلك اللحظة مع سعد ، وجوابه اللي أستحوذ على كُل مشاعِرها بعدما فهمت معناه ومغزاه الأساسِي منه .. وبينما أُسرت بفعل جوابه ، أسرته بفنها .. وأيقن بتلك اللحظة إن هالتفاصِيل يستحيل تُمر على قلبه مُرور العابِرين
غمض عيونه لِلحظات معدُودة وهو يتحسس قلبه ويضع كفه المُرتجفة يسار صدره ، بعد مرور نصف العمر وهذا القلب بصدره كان فقط لِضخ الدم وسبيل الحياة . . صار اليوم هالقِلب يرتجف بفعل الحُب اللي أنهكه لِليالي طويلة . . دُون معرفة منه ، كان أسير لكل نظرة من عُيونها . . لكل تفاصِيلها لجميع أجزاء جسّدها ، من اللحظة الأولى اللي شهِدها فيها
نقل نظرتِه للوحة اللي بجنبها وأبتسم بُخفوت وهو يقرأ تعليقها أسفل اللوحة " ليتني كُنت طائراً " حتى حس إن الود وِده يتغصن ذراعه !
ألتفت بعد ما سمع صرخات أمه العالية وهي تِناديه : سعد وصمخ الله يصمخ أذانك يالشايب ، كما الليل ؟
وقف بسرعة وهو يمسح على وجهه لعله يرجع لرُشده ولكن هيهات ، إقترب بسرعة من صحن التِلفزيون
وعقد حواجبه وهو يُشوف السلك مفكوك بفعل فاعل ...!!
أنحنى قدامه وناظره بإستغراب للحظات ، ثم تسللت إبتسامة ضاحِكة لوجهه وهو مُوقن إنها هي .. فعلاً هي اللي طلبت حُضوره
رفع السلك وبدأ يدخله بمكانه الأساسي وهو يصرخ بصوت عالي : هاه وصلت الإشارة
أم سعد ماكانت قادرة تسمع صوته زين ، لأنها واقفة قدام التلفزيون ، أشرت لمنى وقالت : وقفي بالدرج شوفي وش هو يقول
ناظرتها بتردد للحظات ثم هزت رأسها بطيب ومشت وهي تصعد خُطوتين من الدرج ، لحتى وصلها صوته : يالليل .. يمه وينش ؟ وش صار ضبط !
ألتفت منى وهي تنادي لأم سعد : يقول ضبط ياخالة ؟
أم سعد قالت : لاا خليه يلفه يمين والا يسار
ضحكت بخفوت وهي تقول : لا ما ضبط يا سعد . . تقول حركه يمين والا يسار
وقف على عجل لما وصل لمسامعه صُوتها وتنحنح وهو يُنفض التراب عن ثوبه ويعدل غُترته .. ومن لاحظ عدم وجودها وإنها واقِفة بالدرج حتى حك حاجبه بفهاوة مو غريبة عليه : يا هالصوت اللي حضرني وحاسني حُوس .. شلون ليّا حضرت هي ؟ نعنبو الخفة يا سعد نعنبوها
سمع صراخ أمه اللي وصل لطبلة إذنه وأرتبك وهو يعدل بالسِلك ويدعي إنه ما يضبط لأجل يبقى يسمع صوتها . . ولو إنها تقول بس " ضبط .. لالا راحت الإشارة . . ما ضبط " إلا إنها تكفي وتوفي بالنسبة له
ولكن أمنيته تلاشت وهو يسمعها تُقول " خلاص ياسعد ضبط الحين "
حتى تنهد وهو يوقف ويناظر نظرة أخِيرة للوحاتها .. ثم أبتسم بهدوء وهو يِلم أطراف غُترته ويثبتها ورى ظهره وهو يِرمش ويحس بعدم الإتزان بقلبه : يا ويل حالك ياسعد . . كيف استحلتك وأنت الهادي الراكد؟ هز رأسه وهو يحك أطراف وجهه وأتجه للدرج ..



نزل درجتين وبعدها وقف بمكانه بعدم ثبات وهو يناظِر لها واقفة بآخر الدرج .. بلع رِيقه بصعوبة وهو يشوف إبتسامتها الهادِية وهُروبها السرِيع من المكان . . كل اللي لمحه مبسمها ، وكل اللي كان نصب عينه وجهها رغم السواد اللي مُلتف حول جسدها . . ولكن كُل اللي بقى من سعد ، ولا شيءّ
نزل على عجل من الدرج وقال بصُوت جهوري يخفي فيه إرتباكه : تأمرين على شيء يا أم سعد
ومن سمع ردها بـ : سلامتك ياعيوني
حتى مشى على عجل وهو يطلع من البيت بُسرعة .. رفع يدينه ومسح على وجهه بتوتُر .. ماكان وده يشوف أمه باللحظة ذي كان خايف تشوف أثر وجه منى بعيونه !
-
-

{ في رُبوع الخُسوف البهيّة .. وبليلة بدريّة يتوسط سماءها قمر الشِتاء المُضيء لجميع أحياء الدِيرة ، ليلة يكسُو تفاصِيلها برُودة مُهيبة تمكنت من كُل الضلُوع .. كما يُعرف عن برد الجنوب القارِس ! }
واقُف على باب مجلسّه بوقفته المُعتدة اللي يكسُوها الشُموخ . . يحكم إمساك فروته على أطراف جسده ليصد لسعات البرد عنه ، في مساء هالليل ، الشمس ماكان لها وقت طويل من غرُوبها .. وخيُوطها اللي كانت تُغازل الأفق لم تغب إلا قبل ساعة .. ولكِن في موسم الشِتاء تكون أشعتها باااهِتة !
ألتفت على صُوت سند الجُهوري اللي تعلُوه إبتسامة هادِية : يا سعد عينه .. منو لقاك تستقبله
لِيتسلل لِثُغره إبتسامة عذبة من عُذوبة كلام سند ليرد عليه بهيبته المُعتادة : إرحب ألف يا بن فياض . . علِيم الله مجلسي مشتاق لملفاك
حبّ خشمه وهو يلعب بشعر وجهه بعشوائِية : تعرفني .. عريس يا شيخ جعلني فداك
ضحك وهو يهز رأسه : مُجار يا بن فياض .. حياك تعال
دخل معه للمجلس اللي تواجد فيه سُعود .. من مبطي وجسّار اللي لحقهم بعد ما تِطمن على نسِيم
والفُرسان اللي ملئو المجلس بعد ما أصر عبد العزيز على تواجُدهم بالجلسة . . وفي وسط سوالفهم ألتفتو كلهم لِـ دخول سعد .. اللي وقف بِباب المجلس ورفع يده اليمين بنيّة السلام .. لينطق به وبعدها يتمتم بصوت جُهوري حاد : مسّهم بالخير ، أهل الوجيه الطيّبة
لتصل لمسامعه الرُدود بـ" مساك بالنور " " أرحب يا سعد " " دائماً يجي متأخر هالشيبة "
ناظر بطرف عينه لسند اللي ضحك وجلس قُرب سعود وهو يوجه نظراته الهادِية ووجهه الضاحِك المبتسم لـ عبد العزيز : بيِت الشيخ اللي مشّـيده بالعز تشييِد
عساه من عمار في عمار ولايجيه الهدامي .. عامر يا شيخ هالمجلس
أبتسم عبد العزيز وهو يهز رأسه بإمتنان : بوجودكم ياسعد
ومن بدأ هادِي يصب القهوة كعادته ، حتى وقف هالمرة سعود بإحترام وهو يأخذ الدلة منه وسط رفض هادي الحاد ولكن إصرار سعود خلاه يرضخ
سند ناظر لعبدالعزيز بإستغراب : وش صاير عشان هالنخوة والفزعة ؟
بانِت الضحكة على وجهه وهو يبعد المركى من بينه وبين سند بعدما قرب منه : الله يسلمك سعود بيصير نسيب هادِي ، ويبي يبيض الوجه شكله
ضحك سند وهو يهز رأسه : الله يالدنيا . . الرجال طول عمره يصب له قهوة ، مالقى يحشمه إلا يوم قرر يعرس ببنته ، عجيب هالسعود، وأنت مستحيل تخلي عنك عادتك وتترك المركى نتكي عليه
ضاقت عُيونه بسبب ضحكته الهادية وإسترِساله بالكلام : ماحنا مبطلين هالعادة يا سند . . قد العلم عندك !
أبتسم بخفوت وهو ينقل نظراته على المجلس اللي صار مليان رجال وبدأت السواليف تِهل عليهم .. الكل يسأل عن حال الثانِي ، واللي يضحك مع اللي جنبه واللي يطقطق على أحداث صارِت .. سالفة تِجر سالفة بمجلس الشِيخ
حتى بدأت سالفة القِصيد تنفتح . . وهُواه الشعر والشُعراء من الفرسان كان لُهم النصيب الأكبر
عبد العزيز اللي كان الموضوع تحت إطار تفضِيلاته ، سند كتفه وناظرهم بإبتسامة وقال : من الآخر أقولها لكم لولا بيوت القصايد .. كلّنا ضعنا من يربت بكتف قلبٍ توّه مفارق
هالكلام يثبت مقولة " الدفء ما يقتصر على ضوء الشمس القصائد لها نفس الإحساس ، القصائد لها دفئِها الخاص
أبتسمت وجوههم بسبب جملة عبدالعزيز اللي كانت فعلاً بمحلها ، واللي الكل يشهد عليها .. بسببه
لينتقل الموضُوع لجهة ثانِية .. لموضوع لأول مرة يتخلل مجلس الشِيخ ، ولكن لأنهم رجال صارو يمونون على بعض .. مواضِيع الحب عندهم ماصارت مُحرجة ، مثل الفارِس اللي قطع كلامهم وقال : الهوَى يا اهلَ الهوَى كلّه خطَر يعني إذَا ما عندَك الشجَاعه الكافيَة إلزَم مكانَك ولا تِغامر
رد جسّار بإبتسامة تعُلو وجهه : صدقت يارجُل الهوى لا تمكّن منك اخيذة ضحى
سعد مسح على أطراف وجهه ، وهو يحرك لِحيته بعشوائِية .. تمتم بلامُبالاة وهو يناظرهم بهُدوء : ترى الحُب مايقبل من العاشقيّن بخيل ماخاض الهوى غير أكرم الناس وأشجعها ، يعني زودٍ على إنه خطر ويلزم شجاعة .. يلزم الكرم

ألتفت سند وناظره بِضحكة ، وهو يقول بنبرة ضاحِكة بنية إستفزازه : بعيد عنك يا سعد ، من العجوز اللي بترضى بك
دبت العصبِية بقلب سعد وقلبه صار يغِلي من قوة إستفزازه رمق سند بنظرات غاضِبة وقال : بن فياض . . أنت خويّ الشيخ لا تخليني أقوم أتوطأ ببطنك !
وصلت لِمسامعه ضِحكة سند الرنّانة اللي من عرف إنه قدر يستفزه ، حتى ما قِدر يكتم ضحكته أكثر
أبتسم عبد العزيز بطّيب خاطِر من ضحكاتهم . . من مُحارشتهم لبعض . . من السوالِيف اللي ماكانت إلا لطيفة وخفيفة على القلب ، ليُقول بعدها مكملاً للموضوع : بعيداً عن هالحكي حنا بدو وابسّط عباراتنا اقلط بين الضلوع وكن البّيت بيتك ، الشهامة والشجاعة والكرم بالحُب تلقاه عندنا ..
حنا بدو بالحب ما نهدي الورد نهدي قلوبٍ نبضها من وفانا لِلتعالى
أصوات التأييد لكلامه بضحكة وطناخة معهُودة عليهم " كفو يا شيخ " " هذا الكلام الصحيح " " والله إنك صادق "
ضحك بخُفوت بعدها وهو يهز رأسه بإِبتسامة رِضا من وُجودهم ..جاء بعدها السُؤال اللي أنقال فِيه : إية يا شيخ .. إرتباطنا بهشِيمان ، عاد علينا بمنفعة ؟ والا وجودهم وعدمهم سوى
رفع حاجِبه بإستهتار وقال : ومن اللي مِنتظر منهم منفعة ؟ هالمعمعة اللي صارت عشان يرتبط هو فينا .. والا حنا عزيزين لو مالنا جليس سوى مركانا لا حنا بحاجة لا قبيلة نوقف في ذراها ولا شيخ نحتمي فيه وإن ضاقت علي و شانت الدنيا و هزّ الزمان أقصاي ‏توجهت للي .. ما تحت قوّتـه قـوه أما البشر . . مامنهم رجاء
أنهى كلامه وهو يأخذ فنجال القهوة من يد سعود ،
سند شتت نظّراته بعدما أضطربّت أفكاره ناحِية الهوى اللي يحكون عنه . . ومن تجرُبته اللي عدّت ونساها . . وتعلم درسه منها قال بهُدوء : أقول خلوا عندكم مبّدأ ثابت بـ هالحيّاه غيمةً ما بللتني استحي اطلب مطرها و امشي و دربّك خضر
سعد عدل جلسته وهو يحط المركى على جنبه اليمِين ، وقال بخُفوت : حن عيال الليل .. والليالي حافظة ملامحنا و متوّسمه تحت عيوننا لكن نحبّ، ولو انه ماجمعنا على الودّ قلبين نحبّه يداوي و يعصف
وعم الصمت أنحاء المجلس
بدأ الكل يسرح .. على غِير عادة ، بدأت هواجِيس كل شخص تأتيه
جسّار ؛ اللي تاكِي على طرف المركى .. وباله عند نسِيم ، أحوالها وكيف عدت ساعاتها اللي مرت بدونه ، وكيف بتعيش وهي مكسورة جناح بسبب أمها .. كان وده يدعي من كل قلبه على أمها اللي أوجعت قلبها .. ولكن ما يقدر ، لأنها تبقى أم نسيم
سعد ؛ اللي جُل تفكيره اللي حضره باللحظة ذي السِلك المفصول ، واللوحات اللي كانت بمحط أنظاره ، وطلب حُضوره وإبتسامِتها .. وصوتها ومحتوى اللوحة ، قلبه يضغط عليه ويقول حسّت بإرتباكك .. وعقله يقول إركد يا ولد !
ولكن هيهات .. إذا التفكِير يسبب مصايب بقلبه وبراكِين من مشاعر غرِيبة عليه .. أجل بالواقع وش بيسوي ؟ هالشعور وش يصنفه لدرجة إنه قدر يربك قلب رجال ما أربكته معارِك ؟
وفي جهة أخرى سُعود ؛ اللي رجع الدلة بمكانها بعد ما فِضت من القهوة . . وهو ينتظر القهوة اللي على الجمر تضبط .. جلس قربه ويدينه حوالين فخذه .. وهو يسحب الهواء لِداخل رئتيه بهدوء .. باله مشغول مثل مالكل مشغول .. ومثل ماجاب الهوى عقولهم وقلوبهم .. جاب عقل سعود ، اللي من الصبح البهّي ومية فكرة تدور بباله .. معقولة عرفت ؟ وافقت ورضت والا هادي بيفرضه عليها ؟ وش ردة فعلها لادرت إنه تجرأ وتقدم لها وهو على علم إنها تنتظر غِيره ؟ زفر بضِيق وهو يمسح على وجهه .. وعقله يحاول يقرب له ردة فعلها ، أو الشيء اللي ممكن تفكر فيه ، ولكن هيهات
سعود مو قادر حتى يخمن ردة فعل سحابة .. وهالشيء اللي كاتِم عليه ومضيّع عُلومه ! لأول مرة يحتاس .. ويحس بكركبة بكل أجزءاه ، من اللي كان يظن بعد آخر موقفهم هي اللي بتحوسه ؟
ناظر للنار بعد ما أحتدت نظراته من الفكرة اللي أستولت على عقله بعدما فكر إنه بيعيش نفس المعاناة مرة ثانية ، مثل ماكانت كوثر تحب غيره قبل الزواج وأستمرت بعد الزواج وخانته ! هذا هو يطيح بنفس الخطأ وسحابة تنتظر شخص غِيره ! اللي
يختلف إنه يدري عن سحابة ، يدري إنها تنتظر غيره .. ولكن ليه مُصر ، ليه رغم ذا كُله يخليها تعود له ، يخلي ولدها هي بالذات يحمل إسمه هو ، ليه أستعسر وجود إمراءة جديدة بحياته .. إلا هي ، لو بيحارب عشانها حارب .. ليه من موقف شديد بينهم
ومن تقلِيل قدر .. قدرت تسوي هوايّل وتشغل فكره زفر بصعوبة وهو يشتت نظراته عن النار اللي أوجعت عيونه من قوة ما شد نظراته لها : يياا هالجمر اللي أحسه بضلوع صدرِي .. نعنبو هالشعور اللي بيحرق جوفي حرق !

وعلى يمين عبد العزيز سند ؛ بعالم غير تماماً عن عالمهم يحس بالفوضاء بجميع تفاصيل حياته
كلما قال زانت وفُرجت ، يطيح بهم أعظم منه
وللآن هو أسيّر نبرة صُوتها الباكِية .. قلبه مليان عتب ، على بن فياض .. اللي قدر يجرح شخص ما ينجرح مِثلها كل اللوم بقلبه عليه .. على نسيانه للعلبة ، على عدم إنتباهه إن شروق ممكن تحضر ذكراها بأي لحظة بحياته .. رغم إنه يحلف إنه باللحظة اللي عقد النكاح على حياة فيها .. باللقاء اللي صار بعد خمس سنين ونظرات عيونهم لبعض .. تخطاها
وحسّ إنه فعلاً ماكأنها مرت لأنه مّل كثير من وجودها بحياته .. وصارت حدث عابِر خذى من حياته أكثر من قِياسه
ولأنه عدى على هالحدث .. كان يحاول يستقر عائلياً مع حياة إن لم يكن عاطفياً ، ولكن حدث الصبح خرب عليه كُل مخططاته ، أنهااه وأوجعه كونه حتى التبرير ماكان له وجه يبرر .. يدري إنه مخطِي بوجود العلبة بالمكان اللي تِتواجد فيه حياة .. ولكنها لهى عنها وسهى .. وهالنسيان ضريبته الوجع له ولها
وبسرحانهم الطويل ؛ نقل عبد العزيز نظراته لهم بإِستنكار .. كل شخص خذى له زاوية وسرح له فيها .. وبقى هو مع الفرسان بس يسولف ويهليّ .. وهو شخص حياته معتفسة
والأشغال لرأس خشمه .. وكل شيء يجي بنفس الوقت عليه ، ولكن حياته العاطفية مستقرة .. الجادل ضاحِكة بوجهه والمزن راضية عليه .. هالشيئين مخلي كل التعب اللي يجي بعده يهون !
في ظل السرحان اللي عايشِينه الكُل بمجلس الشّيخ ..
ألتفت عبد العزيز وهو يناظر لِلفارس اللي دخل ووراه .. أربعة أشخاص يحملون بيدهم"طُبول " أقبلو عليه وهم يسلمُون .. وهو رحّب بإبتسامة ، وكأنه يقول هذا وقته ، ولا بيرجعهُم لِلواقع سوى هالطبّل
وفعلاً ، من سمح للرِجال يبدؤون بالدق على الطبل ..
حتى صحى كل شخص منهم من سرحانه ، وألتفو بخوف ناحِيه الرجال
من أستوعبو الموقف .. حتى إتسعت الضِحكات وهم يلتفتون لبعض
وسط نظرات عبد العزيز لهم .. اللي ينقلها بين كل شخص منهم ، يتأكد إنه فعلاً صحاهم من سرحانهم وأحلامُهم
لأنها ولأول مرة .. يُصادف إجتماع الهُموم عليهم بكل هالقوة .. سوى !
لأول مرة يلمح الهم والغم بملامحهم
وحتى الضحك العالي من الفُرسان .. والسواليف المُنعشة تجاهلوها
وبقو بس يفكرون بضيقهم .. بالأشياء اللي توجعهم فعلاً !
ومن أستقرت عُيونه على يمينه .. اللي يجلس فيها سند بِن فياض
والي للآن ماكان حولهم .. جالس معهم ولِكنه مهوجس .. راح كُل فكره ولا بِقى بهالمجلس سوى عيونه وجسده .. ضارب عقله بوادِي .. ببحر من متاهات وأفكار .. ويتقلب بين موجة تعب
وموجة عتب وإرهاق .. الطُبول بأعلى الصوت تِندق وحماس من بالمجلس كان يعلى أكثر وأكثر .. ولكنه للآن تائه .. وللآن بعالمه الخاص !
للآن بين حروف كلماتها .. ويتقلب بين نبرة الضعف والقوة بصوتها .. للآن يعيش التناقُضات اللي بتكسر ظهره بأحد الأيام .. ولا له مرسى يرسى عليه .. ومُوقن إن حتى البحر هالمرة مارح ينسيِيه آخر موقف معها ..

ولا صحاه سِوى يد عبد العزيز .. اللي تِسللت وشدت على أطراف كتفه .. لحتى خلاه ينتبه له .. ويلتفت بعُيونه لوجه عبد العزيز الي قال : كم مقدار الهم اللي يِشيله قلبك .. لأجل حتى بهالشوشرة ما أنتبهت ؟
تنهد سند ومسح على وجهه .. وهو فعلاً من الصبح ماهو على حاله .. ضايع وتايه : إية يا الشيخ . . من صلاة الصبح الأول ، إلى وقت الغروب البشـر ترقـد وأنا ضايعٍ فالمعمعة
سكت بعدما لاحظ تجهُم ملامح عبد العزيز وإِكتساح الضيق وجهه .. ونبرة العتب سبّقت بعضها لمسامعه : ما تدري إنه عيب وبحق قبايل ورجال وأشناب
أنت مهموم كل هالهم لحالك .. وأنا خويّك واللي بكل مرة أنبّهك وأحرص على جعل كلامي ما ينتسى من مخك لا شانت عليك وجيه الأيام وكشّر نابها توقّى بي والله أن كل ضلعٍ من ضلوعي لك ذرى .. اليوم وبكرة ولين يوم الدين !!
تِنهد بإبتسامة وديّة وهو يلتفت برأسه ويسنِد ذقنه على يده ويناظر بهُدوء لعبد العزيز : شلون صار شخص سمح المحيّا مثلك خويّ لي ؟ شلون الارض شالتني شلون الناس حبتني ؟ و أنا كلي حزن و أنعاف
شهِد على تقطيبة حواجِب عبد العزيز المُسكتنرة لكلامه .. واللي باغته فِيه : الصبح كنت رايق .. والضحكة تشق الحلق ، من ضايقك لأجل تِحس إنك ما تستاهل الحب ؟
لِيبتسم بخفة ليخفي بإبتسامته ضِيقه من حدث الصبح مع حياة .. واللي للآن مستنكر ليه يحس إنه مخنوق ويتنفس من ثُقب إبرة بمجرد فكرة إنها موجوعة منه .. هو ما عرف وش سبب ضيقه بالضبط ، لأجل يبوح لعبد العزيز عنه ! ما خفت هالإبتسامة اللي تُخفي وراها ملايين التكشِيرات وملامح العُبوس ..

كلما حلف ما يعدّي أي حزن لسند ويفتش عن سببه .. يربط يدينه بإبتسامته هذي .. وكأنه يقول خل المتخبِي مستُور يا عز ، ماودي أفتش بجروح قلبي
لذلك ألتزم الصمت .. وقرر يحترم رغبته وهو يِلتفت لأهل الطُبول .. اللي مستمرين بلعبهم ، واللي من قوة حماسهم تنشّطو كلهم ، وسرى مفعول الطبل بعروقهم مثل القهوة ، وقف كل شعرهم من قوة الحماس
ومن بين حماسهم .. عدل جلسته نتتسند .. وهو يأشر لهم يوقفون دّق
حتى يتناغمُون مع صوته ولما وقفو أبتسم بود وهو ينقل نظراته عليهُم وتنحنح بهدوء وبدأ يدندن ولما عرفُو الموال اللي يقوله .. حتى مسكو الطبّل وبدؤو يدقون على نفس النغمة .. وشارك كل من بالمجلس بهالموال .. من حُبهم له ومن سُرورهم من إجتماعهم بهالمجلس مع عبدالعزيز اللي تارة يضحك من حماسهُم وتارة يبتسم ويردد معهم : قله إني مريض .. ما نفعني طبيب
والله إني أحبه ، مثل روحي غلاه
-
-

يوم الخميس
في آخر الليل .. وبوسط الشِتاء في وقت يكسُوه البرد اللي بسببه تتراجف العِظام
واقِفة قدام الشباك كالعادة وهالمرة اللي مو مخليها تِنام صوت المطر .. بعد الليالي اللي كانِت تنتظر عبدالعزيز اللي يتأخر لهالوقت
واللي بسبب إنتظارها عاتّبها .. وعطاها خبر ترتاح وتريّح ، ولا تِنتظره وهي تصارع النُوم
وفعلاً سمعت لكلامه ، لأنها تدور لرضاه بكُل وقت
ولكن صوت المطر هالمرة شعشع بقلبها ، ولا قدرت تِغفى عُيونها وتترك هالغيث ينزل للأرض وللتُربة دُون مروره على قلبها
هي دائماً صاحبة المطر والغِيث ، ودائماً تحبه بشِدته وبخِفته ..لأنه يرتبط بِذكرى تجمعها معه وما نِست أيامها للحِين
لفت يدِينها لأطراف أكتافها وهي تأخذ نفس عالِي .. وتِسحب الهواء اللِي يكسوه رِيحة المطر لفؤادها .. لرئتيها
أنشرح صدرها .. والبهجة أستحلت كُل قلبّها
أقتربت وهي تُرص جسدها على الجِدار بقُرب الشِباك وهي تُخرج يدها منه وتِسمح للمطر يبّللها وسط إبتسامتها تِحب المطر .. تحب الطرِيقة اللي يتساقط فيها على الأرض .. على الشجر وعلى يدها .. يصير العالم مُعتم بعض الشيء ولكن بطريقة لطِيفة وناعِمة
واللي من فُرط رقتها .. تحس إنها تذوب في داخِله
*
عبد العزِيز اللي كان مُتعب ومُنهك من الوقوف طوال اليُوم على أعتاب المِضمار .. وعلى الإنتقال من سُور معرض سعد .. له
اليوم آخر يوم للمِعمار وللمُهندسِين .. وكان حُضوره مهم جداً لأنه لازم يشيّك على كل خطوة بهالمضِمار .. وعلى كُل حجرة تِنحط بجدار المعرض
لذلك شتت نفسه بينُهم .. ورغم المطر اللي هلّ عليهم بغتة .. وبعادة سحاب الجنُوب بدون إنذار أو تنبيه .. تهل سحايّب مطرها على أراضيها فجأة ومع ذلك أنجز كل المهام ، وأنتهى منها كُلها
وبعد هاليوم الطويل .. ماكان المُستراح سوى عُيونها ، للحظة عاتب نفسه لأنه لزّم عليها تنام ولا تنتظره .. ولكن راحتها أولى منه
مَسك قبضة الباب بعد ما نفض قطرات المطر عن ثُوبه وهو يفتحه بهُدوء حتى ما يزعجها دخل بخطواته الواثِقة وهو يمسح بإرهاق على شعيرات عارِضه الأسود وهو يفتح أزارير ثوُبه حتى تقدر عضلات صدره التحرر .. سحب غُترته من على رأسه ومسكها بيده وهو ناوي يحطها على التسريح.. ولِكنه من رفع عُيونه لمحها واقفة على الشُباك
بِفُستانها الناعِم الهادي اللي ماكان بهالهدوء على قلبه .. أسود مِثل لُون عيونها ولمعة خُصلات شعرها اللي تارِكته ينساب بأريحية على ظهرها ويُغطي كُتوفها العارِية
رمش بهُدوء .. وُهو يوقف ويستند بِظهره على قفى الباب وهو يوزع نظراته المُغرمة على تفاصِيلها اللي سحرته .. وتِملكته رغم التعب والإنهاك ، مامر مُرور العابِرين أبداً .. قد يكون لون يشبه بقيّة الألوان بنظر الجميع ولكن الآن .. باللحظة هذي بالذات ، صار معقود بِقلبه ، من لما ألتف القُماش اللي يحمل هاللون على جِلدها ، أستولت حتى على جُفونها اللي صعُب عليه الرمش بِها من قوة إعجابه بوقوُفها ، بضحكتها الخافِتة بسبب مُداعبة قطرات الماء لأصابعها ، لفُستانها شعرها وجسدها مُغريه لدرجه ترخي أعصابه و ، تثلج نار صدره ‏و تذوب جليده تفكك حروف ثقافته تملئه بالتأتأهَ ، تبين رجفة صوته وتخطف نظره .. ماكانت سهلة أبداً على قلب صعب .. كانت كُلها صعوبة ..
ليقترب بخُطوات هادِية بإِتجاهها ويُعلن حُضوره وهو يرفع ذِراعِيه ناحِيه كُتوفها ويحتضِنها بدفئِه المُعتاد .. حتى أرتعشت جميع أطرافها وأرتِجف قلبها لأول لحظة من وُجوده
ومن تِغلل لأعماق خشمها رِيحة دِهن العُود الثِقيل اللي ملئت أنحاء الغُرفة من أقترب منها
حتى غمضت عيونها بهُدوء وهي تِحس بأن في أي لحظة .. قلبها راح يعلن إِنسحابه من بين ضُلوع صدرها .. يا هيبة هالرجُل الطاغِية على حواسها..

بعد لحظات من الإحتِضان الطوِيل .. اللي تخللها نسمات الهواء العلِيلة وقطرات مطر مُتمردة من شباك غرفتهم حتى قالت بِضحكة وهي مازالت أسيرة لذراعِيه : هالمرة لا تعاتِبني للإنتظار .. المطر أغراني ولا قدرت أقاومه
حتى وصلها همسه الهادِي ونبرته اللي أربكتها : محد مُغري كِثرش.. لا المطر ولا الليل قادِرين ينافسونش .. وإن كنتي ما قِدرتي تقاومينهم
علميني .. من اللي بيقدر يقاوم هالفِتنة حتى قلبي الصعب ينهزم قِدامش .. أصلا كيف ؟
كيفَ ما أنهزم قِدامش وأنتِ عندش كُلُّ هالعيَونْ ؟ وأَنا شخص ما أملك بيديني سوى الخُردَّة اللي يسمونه بـ "الشِعر"
إتضحت على ملامح وجهها إبتسامة خجولة .. يُلقي عليها عذب كلماته .. وعم الهُدوء والصمت أنحاء المكان
وهو غارِق بالتأمُل الفضِيع على جميع أجزاءها حتى داهمه سُؤالها وهي تِمسح يدها من المطر على أطراف فُستانها : دفترِي .. قريته ؟
رفع عُيونه بعد ما قاطعته من سرحانه وناظر لوجهها بهُدوء وهو يتأمل ملامحها المُتسائِلة .. وتمتم بصوت أشبه للهمس : من لما خذِيته .. ما تجرأت إِلا مرة على قراءة صفحة من صفحاته لأجل تروي ظماي بعدها تُبت .. وأنا أتذكر نظرات عُيونش اللي تتوسل عدم فتحه رغم أخذي له
ناظرته بترُدد للحظات .. ثم أبتسمت وهِي تهز رأسها بعشوائِية وهي تقترب منه .. وتضع رأسها على صدره العِريض ...
بعدما حاوطت يدينها على أطرافه .. أبتسم قلبه من قُربها قبل يبتسم ثُغره ، أُغرم بقربها وهِي ضاعت وسط فوضوِية صدره وتمتمت بهُدوء : هذاك أول .. التردُد والخُوف من معرفتك بأيامي المُرة .. لأني أدري إن قريت وجعي ، بيزورك الوجع أضعافِي
ولكن الحين أنا قربك .. وأنا لاصِرت جنبك اصير أحلى معك وأبهى ، اصير أضحك ، أطِير فوق الغيم والعالم تحت تلهى .. وهالدفتر نِسيت كل الأيام اللي كتبت المواجع فيه وقتها ..
زارت الفرحة قلبه وتِوسدت فيه وباتت بضلُوعه ، وهو يحس بشّد ذراعِيها حوله حتى أبتسم وهو يحاول يجمع شتات أمره بعدما بعثرت كُل مشاعره بعُذوبة كلماتها وبُقربها اللي من شِدته بتستوطن ضُلوعه .. ولا يخفى إِعجابه بالموقِف .. لِيحُيط خصرها بذراعيه وأسترسل بإحتضانها وهو يحس بفيضان كبير بمشاعره لينِطق بفوضوية تُعبر عن فوضوية قلبه : تدِرين يالفجر العذًب .. من هو غيرش اللي خلّا الدنيا دنيا.. وغيّر ألوان
الحياة وأنبّت الورد بـ دروبي.. وغرد بـ روحي هواه ؟ قلِيلش كِثير عليّ .. وقُربش مني اللي تظنينه راحة لش بس .. هو مُستقري والشيء اللي ببقى طول عمري رافض كل البيوت دونه وبكل مرة بطيح بظلالي على.. بَـابش
أبتسم بهدوء : ياللي لحظه من سرورش تساويّ مسرات عمّري كلها
غمضت عيُونها بُخفوت وهي تِحس إن دقات قلبها وِصلته من قُوة شعورها باللحظة ذي
*
*
أعلن الفجر حُضوره .. وأختلطت عُذوبته بعذوبة الشخص اللي مستولِي على كتف عبد العزيز اللحظة هذي .. حتى أبتسم وهو يتأمل كل شبر بوجهها .. ما يِمل لو يبقى هالوجه نصب عُيونه بجميع أيام عمره ما ملّ .. ولا تسلل الملل لقلبه أبداً .. كان مستعد يدفع عمره رهيِنة لأجل بس تبقى سعيدة وتِبقى التنهيدة اللي تِصدر منها "تنهيدة فرح" ولاغِيرها
فتحت عُيونها وهي تِناظره بهُدوء بعدها قالت بُخفوت : النوم عيّا"رفض" يجي ، ما ودي تضيع لحظاتي معك بالذات بالنوم
غمضت عيونها بسبب ضِحكته الرنّانة اللي أحرجتها ليتمتم بقول : أرقدي في خير ربي وعلى كتفي يا حمامة .. لاحقه عليّ والنوم ماهو إلا راحة لِش
مّيلت شفايفها بملل من رده وهو أبتسم وقال : وإسهري إن بغيتي تسهرين .. ماهيب مشكلة ‏.. تفتيني بكلامش وقت يحضر النُعاس .. وتفتنين اللّيـل حتى لو سهرتي ‏ودّه ان الشمس ما تشرق ابـد
لِتتسلل لثُغرها إبتسامة ضاحِكة لما عرفت إنه ما راق لها رده الأول .. وهي اللي مِتعودة على رُدوده اللي تِلجمها وشدت بيدينها حوالين ظهره بإبتسامة وهي تِشهد على عُروق قلبها اللي بتنفجر من قوة النبض فيها من قوة النبض فيها .. لما غازلها بغزل من فُرط عذوبته كادت تذُوب : وعاد قبل ما تطلع الشمس وتعمم نورها على الدنيا، أحب أنوه وأوضح بأنه شعاع الشمس لو إنه يشق السور أنا احسه ظلام إن ما شرق وجهش
لأن كل شمس تشع بليّا نورش هي ليل آخر
ومن صدع صوت آذان الفجر .. حتى أنسحب بهُدوء من الغرفة بعد ما تِوضأ
وأتجه لمسجدهم .. وهو يُلقى السلام على أبوه اللي صلى الوِتر وكان ينتظر حُضور وقت صلاة الفجر .. أقبل عليه .. وهو يحّب كتفه بوقار وهو يبتسم بثبّات .. للشخص المنّيع .. وبعدما حضر سعود اللي تأخر بنومته دقائق قليِلة عن صلاة الفجر بسبب تأخره بالسهر عشان السبق الصحفي
واللي صحته بُشرى بالدق بملعقة الخشب على بابه .. واللي هجت بدون ما يقدر يلحقها ..


بعد ما صلُو وأنتظرو الشروق كالعادة .. ولما بدأت الشمس تُغازل بأشعتها الأُفق
حتى حضر وقت صلاة الشُروق .. صلوها بخُشوع تام وأنسحب بعدها
سعود لِشغله المُستعجل .. ليقول راجح : مشغول كثير هالفترة يا عز .. ما هقيّت بتسحبك الشيّخة هالكثر .. ريّح عمرك وأنا أبوك
أبتسم من كلامه عبدالعزيز وهو يدري إنه يدور لراحته ولكنه قال : تعلمنا مِنك الكدّ على أشغالنا يُبه والتعب عشانها .. خبري بك عتيق .. ما عطيتني هالشيّخة إلا وأنت تدري بتحملي الكبير للمسؤولية
ليتمتم بِضحكة هادِية وملامح وجهه تِنطق حُب كبير لولده اللي مأخذ من أطباعه الكِثير : ما نسِيت الحكي اللي أنقال من سنين طويلة صح
هز رأسه بالنفي وهو يتبِتسم : يمكن أنسى نفسي ولا أنساه .. خليته بين عيوني .. حفظته مثل حفظي لنفسي يا بن جبار .. صميته صم لدرجه إني حافظ حتى التشكِيل على حُروفه
يوم شِلتني على كتفك .. في صحراء الدِيرة وبوسط الشُموس الحارِقة ورغم تعبك ضحكتك واسعة .. وأنت تقول لي " شلتك عن الرمضَا وعن حرّ الأيـام وأبيك تدفعها اليا صرت شايب "
ولو إني أحاول بيديني ورجليني أدفعها .. إلا إني أدري إني مقصر .. وزود يبه وزود
كست ملامحه الدهشة .. وهو يسمع فعلاً إن المشهد حاضِر بذاكرته للحظة ذِي : ويلومو قلبِي العتيق بحبك يا عز .. عسى من لامني تدور عليه سنينه .. شلِتني وشلت شيِبتي وقبيلتي على كتفك ، ولا منك قصور
أبتسم بُخفوت من كلام أبوه المُطبطب لقلبه وأقترب وهو يحب كتفه كعادته
وبعدها أستأذن وأنصرف من المجلس .. وهو يتوجه لِغرفة أمه .. اللي ألقى عليها السلام بُحب شدِيد .. وهو يتسائل عن حالها وأحوالها كيف أصبحت وأمست ومن شهد على إبتسامتها وضحكتها
حتى تِسللت الطمأنينة لروحه .. كان مُبتغاه كل صبح يلقى الرضا بوجه أبوه والفرحة بوجه أمه وهذا اللي يتمناه ببداية كل يوم .. ومن قبّل رأسها بحنيَة حتى همّ بالخُروج من غرفتها ..
وزَع نظراته الهادِية على أنحاء البيت .. بتساؤل غرِيب عليه من لاحظ إن زقزقة العصافير وأصواتها ما وصلت لِمسامعه بهالصبح
ومن أقترب من غُرفتهم.. ولاحظها تِفتح درايّش الغُرفة .. حتى أبتسم وهو يتنهد بسلام وسُكون وهو يسمع أصوات العصافِير تِسلل لأذنه حتى ضحك بُخفوت وهو يتمتم من فُرط عذوبة اللحظة "
‏َحتى العصافير دايم وضعها صامت ‏ما غردت لين طلت من دريشتها "
حتى تقدم على عجل .. وهو يِتذكر مُخططه لليوم .. وللأشياء اللي لازم يِنجزها قبل ذلك
فتح الباب ولقاها تِفتح الشُباك اللي تِطل على أنحاء الخُسوف .. وأبتسم وهو يلاحظ ملامحها الحادة الرقيقة تمدد بنُعومة مملؤة بالسِلم والتصالُح .. تِنهد براحة وهو يشوفها تِلتفت له وتبتسم : يالله عزيز .. أحب الصباح اللي يكون بعد ليلة مُمطرة
أحب الخُسوف لأنها قادرة بمنظرها اللي مليان باللون الأخضر تستحل صدري وأحبهم من كل قلبي
ليِبتسم بُهدوءه المُعتاد .. اللي يكسوه من خارج أسوار قلبه .. ولكن داخله تصير هوايل .. تحدث زلازل وتِتفجر أنهار بسبب "إبتسامتها بس " : تحبين الخسوف والصبح اللي بعد ليلة ممطر بقلبش.. لكن أنا بأيّ حاجة تلتمس للمشاعر دور
‏ أحبش! بعيني..جبيني..فمِّي .. وكفّي
توشحت وِشاح الخجل وبانت الحُمرة على خدودها اللي حست من شِدة ما إن رُدوده كِثيرة عليها .. ماعاد لها حيل ترد
ولا لها وجه تجاريه بعُذوبة كلماته
تمتم : موعِدي معش على كُفوف الغِيم .. وإن تِسللت الشمس بين السحاب !
قال هالكلام وبعدها أنسحب .. وهي ناظِرته بإستغراب وهي تِخلل يدينها بين أطراف شعرها وتِرفعه بعشوائِية وفِكرها عند كلامه .. تحاول تِتوقع الوقت اللي بيُحضر فيه .. واللي أبت إلا تعرفه وما تخليه يهزم غُرورها بجهلها بمقصده..
-
-

{ حيـاة }

شخصية إن خذت بقلبها عليك .. الأفضل تِبتعد عنها لأنها تِرعدك بنظرات من شِدة حِدتها تحس إنها بتحرقك بأي لحظة .. ولاهو بس كذا حتى كلامها يكون لاسع من حُر ما بِقلبها
الايام القليلة السابِقة .. كانت تُشوف محاولات سند بإرضاءها ، أو بالأحرى محاولاته بأخذ فرصة للكلام معها .. لكنها تصده .. تصده بكل ما أُوتيت من قوة
حيل أوجعها وجود فُتات شُروق بحياتها معه .. ولو إنها تِظن نفسها للحين محطة عابرة في حياته .. لكن لها الأحقيّة بالتفُرد .. اللي دائماً تعودت عليه .. دائماً
إن حضر بعدها شيء .. أو بقت بالمُنتصف
تفضل الإنسحاب .. ولو هالإنسحاب يكسر قلبها .. تِنسحب ولاعليها منه !
هي شخص .. أبداً ما يبدي كرامته على قلبه
لو بتظل تتعذب سنين وبنيّن .. مستحيل تِرضخ لمشاعرها على حساب كرامتها ..


وهي تحس بالإهانة من هالناحِية لذلك ما رضخت ولا تركت له مجال يبرر حتى التبرير .. لأنها مُوقنة إنه ما يملك حق التبرِير
ولكن رُغم عزة النفس العظِيمة .. اللي تمتلكها .. والغُرور والشُموخ اللي يطغأ على كُل مشاعرها وبالنظر الي الظرُوف الهائلة التي تمّر بها ،والعوائق والشوائِب وحُر المشاعر التي تُلقيها الحياة بإتّجاهها . . كان يحق لها بين فترة وفترة الذبول و الانهيار ،لكنها بطريقه مُبهرة لا تفعل
وهذا كان شِعار المرحلة السابِقة من أيامها
يومين بليالِيها ما شهِدت على وُجود سند بين تفاصِيل يومها .. والسبب إنها تِتجاهله ، وهو محترم رغبتها وغايب عن نظرها لين تسلّى ويطيب خاطِرها
وهو يدعي .. فعلاً يدعي ويتمنى يطيب خاطرها ، لأن بالفترة اللي عرفها فيها
عرف إن رضاها .. صعب ، صعب كثير
في سرِيرها يحفها البياض من جميع الإتجاهات هالمرة ليلتها كانت ثِقيلة عليها كثير !
شهّدت حتى على دموعها ووجعها وهالشيء أنهكها
في ظل غرقها ببحر تفكيرها وترتِيب أمورها اللي أنعفست خطر ببالها إنها بتعيش الوِحدة اللي أخترقها شهور لوحدها
واللي من مُرها ألتجأت لحصن مُنى المنيع لأجل تكفيها منه الوحدة كابُوسها المرعب اللي تهرب منه بكل مرة ولكن هيهات
كلما ظنت إنها نجت من سوء هالكابوس تجده يتسلل لها بكل قوة ويحيط بكل إتجاهات حياتها حتى يتخلل بجسدها وروحها ويعصرها بكل وحشِية
وهالشيء اللي كان سبب مدامِعها
رفعت رأسها بتعب وبإنهاك شدِيد وهي تِحس بالصُداع يخترق رأسها واللوزات بحلقها من شِدة كُبرها تحس بتستولي على حلقها كُله ولا راح يبقى لها مُتنفس
حست بالحرارة تسرِي بجميع أجزاء جسدها .. وبسببها صارت تِرتجف وتِلم اللحاف لها بشدة ...
ناظرت لدموعها اللي بللت بها مخدتها وتنهدت بوجع " ‏" الى متى والدمع يجرح بيّاض وسادتي؟ "
لِتشد اللحاف لها بكل وحشِية للتفادى البرد اللي هشّم عظامها .. واللي زاد وجعها للِضعف بسببه
ماكان فيها حيل حتى توقف عشان تقفل الشُباك وتمنع البرد من الحُضور .. كل اللي كان بيدها تلم أطراف اللحاف بكل شدة لها وتعبر عن مرضها بإرتجاف ورعشة تسرِي بكل جسدها !
-
-
{ سند }

بُرغم بعده المُجبر عن مُحـيطها .. إلا إنه كان يتفقد أحوالها من أمه .. ويسترق السمع والنظر عليها ولو لبُرهة
عدت الأيام السابِقة وهو يتحجج إن عنده شغل .. ولا يقدر يرجع بالليل .. بس عشان ما يثير إنتباه أهله على حياته
هالمرة رجع بقرب الفجر ..وهو مُوقن إنه ماراح يلقى أهله صاحِين وفعلاً كانو للآن بغرفتهم .. رتب نفسه وجلس بالصالة وهو يقرأ كِتاب يجهل وجوده بالصالة .. ولكن يقطع الوقت قبل .. يقطعه
ألتفت لوجود أمه .. حبّ رأسها بإحترام وصبّح عليها بهدوء .. وبعدها أتجهت للمطبخ .. وهي تِجهز دلة القهوة والتمر الرطِب والرجيز .. جهزت إبريق الشايّ وفناجِيله
ومن أنتهت ، حتى رتبت الأغراض بصحن .. وأتجهت بها للصالة وهي تحطها على سفرتهم المُعتادة .. اللي على حافِينها سند وفياض .. وزعت الأغراض ... وأخذ سند فنجال من يدها وهو يبتسم : من يدين .. لا عدمتها
أبتسمت له برضا .. وهي تتقهوى بهدوء ..

وهي تناظر بلامبالاة .. لين قال فياض : إلا حياة وينها .. من أمس الصبح مختفية
قالت أم سند وهي تناظر لسند تنتظر جوابه : أنا عند هلي من الصباح لين الليل العتيم ، وأنت توك جاي من عندها.. وش حالها ؟ وليه ما قامت للحين لايكون صابها شيء .. وأنت غافِل عنها !
تنحنح بربكة ، وأستغرب تماماً عدم خروجها من الغرفة ، رغم إنه يدري إن أبوه ما يخرج من البيت ليلة الخميس أبدا يعني معقولة ؟ طول الوقت كانت حبيّسة الغرفة .. أعتلى الخوف قلبه .. من إنه فرط بأمانة كانت بين يدينه ، وصابها شيء وهو متجاهلها !
وناظر لأمه بتوتر وهو يبتسم : أبد .. تلاقيها راقدة للحين
هزت رأسها بلامبالاة .. وأهم شيء عندها تكون بخير
وبعدها وقف وهو يقول : بقومها وأجي
أبو سند قال : لا يا أبوك خلها ترتاح ماوراها شيء
أبتسم وقال وهو يمسح على أطراف شعره : وراها أنا ما يكفي تقوم تتصبح فيني ؟
ضحكت أم سند وقالت : توكل على الله ياسند داعية لها أمها قبل وفاتها إنها تلتقي بشخص من الجنة
أبو سند قال : ياكبرها عند الله ياأم سند
وصلت ضحكة سند لمسامعهم وهو منحرج من كلام أمه بعدها أنسحب وهو يوقف عند باب الغرفة مسك قبضة الباب وهو يتنهد ..
فتح الباب وناظر للغرفة بنظرة واسعة .. وأستغرب وهو يشوفها منسدحة على السرير للآن .. مو من عوايدها !
أرتعش جسده بفعل البرودة اللي أحاطت بالغرفة كلها ، وأقترب من الشباك وهو يقفله على عجل .. قال بعدها بنبرة شبة غاضِبة : حياة .. برد الجنوب مُهب سهل مثل ما تِظنين ، إن تمكن منك ودعِي العافية !

من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن