17

21.6K 286 117
                                    



من خطت رجله برى أرجاء غُرفته حتى سمع صوت زغاريد عالية وبخور يملأ أرجاء المكان ، ناظر للمكان وأنتبه لبشرى اللي ترمي عليه الورد وأمه اللي واقفة وبيدها المبخرة وحكمة اللي تزغرد ، ناظرهم للحظات بدون ما يُبدي ردة فعله ، كونه فعلاً متضايق اليوم .. ولكن اللي خطر بباله "وش ذنبهم أكسر فرحتهم عشان ضيقي ؟ دامك تجمّلت ووافقت ، تجمل وأسعدهم " أبتسم مُجاملة وهو يناظر لجدته وقرب وهو يحّب رأسها إحتراماً لها : هلا بشيخنا ، هلا بالشيخ عبدالعزيز خليفة راجح ، أعز من يصير شيخ وأطنخ رجال يأخذ الشيخة
ردت بشرى وهي ترمي الورد على وجهه : وأحلى عريس
ناظرها بضحكة وألتفت لأمه وهو يقرب ويحّب رأسها ، بينما حضنها من كتفها ، قالت بإبتسامة : كان ودي أصحيك أنا ، وألبسك البشت بيديني
ميّر ما حبيت أدخل عليك بخلوتك كونك طلبت تبقى لحالك
أبتسم لها بهدوء وهو ينزل أطراف شماغه ، وهي فهمت عليه وأبتسمت وبدأت تبخره بهدوء
بينما حكمة مشت وهي تِتكي بصعوبة على عصاتها ، وكان وُقوفها ومشيّها هالخطوتين بحد ذاته مُعجزة ،جلست على الكُرسي بوسط الحوش ، وهي تأشر للي يجهزون البيت لليلة الإحتفال بزواج الشيخ عبدالعزيز!

بينما المنظر هذا كان تحت أنظار نعمة ورحمة اللي كانُو جالسين بالصالة ويناظرون لهم بحسد وضيق
نعمة في قلبها حقد العالمين ، غبنة وقهر مستولي عليها ! كان ودها تِحرق الخسوف ومن عليها ، كان ودها تقلب الأرض فيهم وتنهيهم كلهم
غبنة خروج فهيد من هالديرة مذلول للآن بحلقها ، غبنة توليّ أصغر عيال الشيخ الشيّخة للأن تحرقها
بينما رحمة ، رفعت كفها وهي تمسح دُموعها اللي نزلت بضِيق ، ألتفت لها نعمة بإستغراب وقالت : وش صابش أنتي ؟ كل ذا قهر إنه عز اللي خذى الشيخة
رحمة ناظرتها وهي كاتمه شهقاتها وقالت : يا نعمة ، كُنا قبل يومين نضحك على المزن ونتمسخر عليها ، وإنها بتنكسر من أشد الأماكن صلابة ! مير يا نعمة نسينا إنها متكيّة على عز ، متكيّة على جبل من شاف دموعها حتى لعب الجنون على رأسها وعصف فينا كلنا ، لأجلها كان قادر إنه يخسف فينا كلنا يا نعمة ، لأجلها صار الشيخ ولأجلها هو رجال من صغره
نعمة أستنكرت كلامها وقالت وهي تكتف يدينها : ومن اللي يجهل ذا الكلام يا رحمة ؟ ليه تذكرينه الحين ؟
رحمة وهي تناظرها بضيق : أشبح"أناظر" في عز ثم أشبح في عيالنا ، دريت إننا بنقمة يا نعمة قبل كنت أغبطها عليه ، ميّر اليوم والله إني أحسدها على ولدها ، ياليت نص من حبه لأمه يطيح بقلوب عيالنا
ناظرتها بطرف عينها وهي تتأفف ، كلام رحمة صحيح ولكن ما أعجبها ، جلست وهي تحط رجل على رجل وتناظر بتوتر للمكان الصاخِب بسبب تجهيزات الزواج
-
-
عبد العزيز اللي أنسحب من الفوضى اللي صايره بالحوش ، حتى ناظر لسعود وراجح اللي واقفين جنب الباب الخارِجي ، على وجيههم ملامح تُشير بالفخر وعلى ثُغورهم إبتسامة وعلى كُتوفهم بشت
تأملهم للحظات وأبتسم وهو يناظر لأبوه اللي يأشر له يجي على عجل قال وهو يهمس لنفسه : آه ياراجح ياكثر ما ارهقني شعور وتحملت واودعته بـ قسم التعب والمعاناه الا ان ابوي يشوفني لاتجملت هذا الشعور اللي عجزت اتعداه
تقدم ووقف وهو يحب رأس أبوه ويسلم على سعود اللي مبتسم وفرحان ، راجِح قال : الرجال مجتمعين بالمجلس ، كم صار لنا ننتظرك
ناظره بإستغراب وقال : توها الشمس أشرقت يالشيخ ، متى أمداهم يجون ؟
أبتسم راجح وقال : الشيخ صار عبدالعزيز ، ولا يأخذ هاللقلب غيره ياعز أستوعب الموضوع
ناظره للحظات ثم هز رأسه بطيب ، وطلعو من البيت متوجهين لمجلس الديرة ، ومن بانت آثارهم للجُموع إللي من بعد الفجر أجتمعو من كثر حماسهم ، حتى أصطفو كلهم وبداؤو ينثرون رصاصاتهم بالجو تعبيراً عن فرحهم ، وسط نظرات فخر وعز من راجح !
-
-

{ بيت أم سـعد }

بينما هم جالسين على سُفرة الفطور ، وتايهين كل وحدة بعالمها الخاص ، بينما مشتركين بالتفكير بالجادِل وغيابها اللي زاد عن حدّه ! ما بيدهم شيء إلا الإنتظار ، كونهم حتى ماسألو عن الديرة اللي توجهت لها !
ولا صحّاهم من سراحانهم إلا أصوات الرصاص العالي ، اللى خلا مُنى تفز على حيلها وتناظر بخوف : أنغزينا يا خالة ، غزو غزو على هالديرة ، قومو نهرب قبل نموت
حياة اللي رفعت فستانها وكانت بتركض لداخل لولا ضحكات أم سعد العالية : تعالو تعالو كملو فطوركم ، أكيد مراسيم التنصيب بدأت
عقدت حواجبها منى وقالت : تنصيب من ؟
أم سعد : غريبة ، ما سمعتو إن الشيخ راجح تنحى عن منصبه لولده عز
ناظرو لبعض بإستغراب ، وأم سعد أردفت : والليلة زواجه من بنت الشيخ مساعد هِشيمان ، الليلة الخسوف ماراح تهدأ ، عشان كذا هدوؤ من نفسكم ، ترى ورانا يوم طويل ..



الصدمة ماكانت قليلة لا على منى ولا على حياة ، قالت بربكة : عز الودق ماغيره يا خالة ؟ أكيد إنك مضيعة !
أم سعد : محد يضيع شيخه يابنتي ، وعلى هالطاري ترى بنات الخسوف كلهم معزومين الليلة ! محد يقدر يتخلف عن هالزواج
منى ناظرت لحياة بضيق ، كيف يعني ؟ واللي كان ببالهم خطأ يعني ؟ والا كيف اللي تبكي عليه الجادل لخمس سنين يأخذ زوجة غيرها ؟
تضايقت حياة وقالت بهمس لمنى : نروح لزواج الشخص اللي تحبه الجادل ؟ صعبة يامنى
منى ما ردت وأكتفت بتنهيدة بينما أم سعد وقفت وقالت : محد بيتخلف وهذا أمر من الشيوخ لا تظنوني إني بروح بدونكم ! مير تجهزو وجهزو نفسكم لأني والله ماني بمتحركة خطوة وحدة بدونكم
تأففت وصدت بإستياء من حُر الموقف بينما منى تناظر بتشتت للمكان ، ليه هذا كله يصير في ظِل غياب الجادل .. وش الحكمة ؟
-
-
{ الجادِل }

كانت للآن بسريرها ، تناظر للسقف بعشوائية
مشاعر غريبة تصارِعها ، أولها الفراغ
صار ينهشها .. ولاهي بمتعودة عليه
كونها شخص قدر يملأ وقته بأشياء كثير لأجل تشغل نفسها عن التفكير ، والحين وش الي بيشغلها؟
رفعت رأسها وهي تناظر لأمها اللي تدخل الغرفة ، ووراها إمراءة غريبة عليها
عدلت جلستها على عجل وناظرت بإستغراب ، بينما أمل جلست جنبها بتوتر ، وشلون تقنعها ؟ ووشلون تفاتحها ؟ لامت نفسها إنها سمعت كلام مساعد وخلتها قدام الأمر الواقع ، وش تحكي وش تقول ؟ الليلة زواجك من شخص غريب عليك ! الليلة أنتي الفداء لقبيلتين وسبيل الصلُح بينهم ؟
ولكنها وإن لمحت نظرات عيون بنتها ، حتى أيقنت إنها ماهي بالأولية ، ولا راح تِرضخ وترضى بكلامها بالسهولة ذي ! لذلك مساعد قرر يبقى ويوصلها هو بنفسه لين أرض الخسوف !

تِخلف عن مراسيم التنصيب لأجل لا تِصير مشكلة وينتهي هالموضوع بعواقب غير حميدة !
قالت بإبتسامة : بما إنك طفشانة ، قلت أغير جوك ونجيب هالكوفيرة تضبطك
عقدت حواجبها وقالت بإستنكار : وش تغير الجو الغير مألوف ذا ؟ مهب عاجبني
قالت وهي تِمسك يدينها : لا تكسِرين بخاطري ، قومي نشوفك وأنتي حلوة
شهقت وقالت : ليه ماني بحلوة كذا !
ضحكت وقالت وهي تمسح على شعرها بحنية : حلوة حلوة .. وعذبة كثير يا الجادِل مير ودي أشوفك بطلة ثانية ، قومي وإجلسي على الكرسي لأجل تجهزك !
ناظرتها وما حبت تكسر بخاطرها ، وقفت وهي تسمع كلامها وجلست على الكُرسي ، بدون إعتراض
بدأت الكوافيرة تشتغل عليها ونظرات أمل تراقب كُل خطوة تسويها ، وتتأمل ملامح الجادِل وتدرسها دِراسة لأجل تتوقع ردة فعلها ، ولكن رغم ذا كُله كانت جاهِلة وش بيصير !
بعد ما أنتهت الكوافيرة حتى طلعت من الغرفة وأمل بقت تتأملها وبعيونها الدموع متجمعة ، بجانب من قلبها غصة على هالمصير اللي آلت له بنتها ، ولكنها متوكلة على ربها كون الجانب الآخر مرتاح لأنها وإن تجمعت عليها ضُغوطات الحياة ، راح تلقى الشخص اللي تستند عليه ..
أبتسمت لها وهي تقرب وتقرأ عليها الأذكار ، وطلعت من الغرفة بدون ما ترد عليها ، ميلت الجادل شفايفها بإستغراب ، وتقدمت وهي تناظر لنفسها بالمِراية ، عقدت حواجبها بضِيق ولا أعجبها المكياج ، كُونها شخص ما تعود عليه بهالكثرة ، تحب وجهها يبقى على طبيعته أكثر ، ولكنها ما أنكرت حلاوتها
ألتفتت بسرعة وهي تبتسم لصوت أمها ولكنها سُرعان ما عقدت حواجبها وهي تشوفها تتقدم وبيدها فُستان أبيض ، يدل إنه لليلة زواج !
قالت بإستنكار وسخرية : الموضوع ماصار تضييّع وقت ، الموضوع صار فيه إنّ
سكتت أمل ، وقالت بتلعثم : لا ، هذا فسـ....
قاطعتها وهي تناظرها بترقب : إحكي يمة ، يبان عليك كل التوتر
أمل بلعت ريقها بصعوبة وقالت بإبتسامة خايفة : جدك وافق على زواجك من أحد الشيوخ بسبب تنازلهم عن حقوقهم ، واليوم زواجك
ناظرتها بهدوء وكتفت يدينها بإستهزاء وعلى ثُغرها إبتسامة ساخِرة ، وهالتصرُفات ماكانت إلا تعبيراً عن صدمتها ، ولكن بشكل مُختلف
تعالت ضِحكتها الساخِرة من سخافة الموقف : يمه .. أعتقد إنكم في ظِل الخمس سنين السابقة ناسيين إن الجادل ماكانت موجودة بديرتكم الرثّة ، بالتالي خلالها تغيرت هالجِادل كثير ! من قبل وهي ضعيفة ماكانت تسمح لكم تمشون قراراتكم عليها
فما بالِك فيها وهي بهالقوة ؟ والله إنكم تبطون عظم !

أرتبكت أمل وأقتربت وهي تحط الفستان على السرير ومشت بإتجاهها : الجادل يا يمة ، إسمعيني
والله العظيم كل شيء لمصلحتك
قاطعتها بحدة وهي تسحب يدها : لا ، أنتم إستغلاليين وأصحاب مصلحة ، لو تبون من الشخص شيء صرتو مثل الطير مكسور الجناح ، ولما تخلص هالمصلحة تقلبون ثعالب مكارين ، والله ما يطولني أي شخص ، ولا أقترن بشخص ما أبيه ، وقبيلتكم إصطفلو فيها ، عساها تحترق باللي فيها ، وش علي منكم أنـا !!



سكتت أمل بخوف من ردة فعلها القوية ،بينما الجادل كانت تِنتفض من داخلها ، مجرد مرور الفكرة على بالها يخليها تنهار ، فشلون وهم حاطينها قدام الأمر الواقع !!
أمل سمعت صوت مساعد يتقدم صوبها وقالت بهلع : يالله يالجادل يالله يايمه ، ترى والله إني وافقت لمصلحتك ، عشانك عشان يكون معك رجال يصونك ويحميك ، خليك ذكية ووافقي و
قاطعتها بضيق وهي الود ودها تقول " عندي عزيز قوم " : لا يمة ، مهب من حقكم تجـ...
سكتت وهي ترفع حاجبها على دخول مساعد اللي قال : وش عندش مابعد تجهزتي ؟ منتي بعارفه إن الشيوخ منتظرين ؟
ناظرته بحدة وهي تكتف يدينها : تكون جاهل لو إنك كنت بتظن إني بطيع شورك وبوافق !
ضحك وقرب منها : غصباً عنش ، وأنتي ما تشوفين الدرب يابنت عناد ، علميني ؟ وين حظش يوم إني قررت أبدل حياتش السوداء وتاريخ عائلتش وأربطش بشيوخ ، ماتحسين إن أفضالي عليش كثير ؟
ناظرته بطرف عينها وهي متقرفة من تفكيره ، لفت وهي تناظر للمراية متجاهله وجوده وسحبت المناديل وهي تبي تمسح مكياجها ولكنها أنصدمت وهي تشوفه يمسك يدها بوحشية ، وينطق بعصبية ، قرب وهو يهمس بإذنها : إسمعي يابنت عناد ، الليلة ليلة زواجش شئت أم أبيتي ، رضيتي والا أنطقيتي ، أنا رجال عطيت كلمة للشيوخ ولاني اللي أرجع عن كلمتي ، والا للآن خاطرش في الحبيب اللي تركتي له المكتوب ؟ لعنبو التربية الخسيسة بهالوجه
حاولت تفك معصمها بدأ يحمر من كُثر الضغط عليه ولكن ما قدرت ، تجمعت الدموع بعيونها من الوجع وقالت بحدة : والله لأفضحك ، وأسود وجهك وأنزل سمعتك للأرض لو ما أعتقتني
سكت للحظات وناظرها بطرف عينه ثم لف لأمل اللي واقفه وخايفة عند الباب ، قال وهو يناظر للجادِل : لو ما رضيتي أنتي ترى أمش اللي بتتزوج بالشيخ ! وقبل تقولين عادي .. تشوفين الجرح اللي بوسط رقبتها ؟ هذا بفعل يدها
لما درت إنها بتعرس حلفت إنها لا تنتحر وتنحر رقبتها من الوريد ولا تسأل لا عني ولا عنش ، أنا رجال شيبة وماباقي لي إلا أيام معدودة وفراقها بهالوقت ما يهمني ، ميّر أنتي ، لا ماتت أمش بسبب أنانيتش راح تبقين مرتاحة طول عمرش ؟
هالمرة فعلا نزلت دموعها بعنف على أطراف خدها وهي ..

تناظر لرقبة أمها ، إللي باين حدة الخنجر فيه ، هل فعلاً بتسويها ؟ بتنتحر عشان هالشيء ؟
ناظرت لمساعد بترجيّ وخوف ، وكل خلية بقلبها ترتجف من الوجع اللي كسى كل أطرافها ، تحس بحريق يشتعل في جسدها ويحرقها بكل مكان ، أنحطت بأسوء موقف ممكن ينحط فيه الإنسان يا حياة أمها .. يا حياتها هي !
بلعت ريقها بصعوبة ودموعها تنزل بدون رد ، أُلجمت والخوف ربط لسانها بينما مساعد يناظرها بهُدوء : يا ترضين ونروح الحين .. يا أخذ أمش غصب عنها وتسمعين خبر إنتحارها بأحد الأيام
ماكانت تدري عن سبب رفض أمها ولا أقدامها على هالخطوة العصيبة ، ولا سبب تفكيرها على هالنحو ولكن اللي تعرفه إن أمها ضعيفة .. ضعيفة حيل
ومن كثر هالضعف هي مستعدة تنهي حياتها ولا تحارب
أمل لما لاحظت بكاء الجادل .. بكت معها وهي تحط يدينها على وجهها وقالت : يبـه أنـ....
قاطعتها وهي تناظر بإنكسار وبقلبها مليون غصة ، وين القلب اللي بيقوى يختار راحته ؟ بينما فكرة إن أمها بتتعذب بسبب إختيارها واردة ؟ كيف بترضى تعيش براحة وطمأنينة بينما أمها حاطه ببالها فكرة الإنتحار لو أرتبطت .. تبلدت للحظة وتبلدت كل أحاسيسها ، حتى قلبها كان من كُثر الوجع بتوقف نبضاته ، وعيونها من حُر الدموع بتنطفي كيف لا ، وهي باللحظة ذي تتذكر عزيز وينعصر قلبها .. وباللحظة ذي تناظر لجرح أمها وتبكي جراحها ! : موافقة ياجد .. موافقة لأجل أمل
-
-

{ في ديرة شيخ الخُسوف : الشيخ عبدالعزيز }

جُموع القبايل مجتمعين .. وشيوخها وأشرافها ..
وبينما هو متوسط صدر الجلسة ، وعلى يمينه أبوه ويساره سعود وسند وسعد وباقي الرجال
قال راجح آخر كلامه مُعلناً إبنه خليفته : وفي حُضور اهل الوجيه الطيبة ، والنشامى وأصحاب الفعول الطيبة ، أقولكم ف هاليوم ، إني تنازلت عن شيّخة الخسوف للطيّب إبن الطيب الشيخ عبدالعزيز بن راجح
وما إن إنتهى من كلماته ، حتى تعالت أصوات الصراخ ، وبدؤو يرمون الألعاب النارية ، والرصاصات
وألتفو حوالينهم ، المُطبلين والطقاقين ، بدؤو بالطرب دون توقف ، في ظِل إستمتاع الجميع قامو سند وسعد وسعود معهم وتوسط المجلس وهو ينادون على المُطبلين اللي شكلو عليهم دائرة، وكل شخص منهم سحب خنجره وبدأ يلوح به بالجو وهم يساعبون على هيئة دائرة ،مُعبرين بهالسعب عن فرحتهم العارمة بالتنصيب ، وبأن الشخص اللي قدّ الخسوف صار شيخها
وقف وهو يتقدم ناحيه أبوه .. وينحني ويحّب كتفه : عسى هالعز قدّ هالعشم يا بن جبّار


أبتسم راجح ووقف له وهو يقول : الشيخ ما ينحني يا عز ، الشيخ نوقف له !

أبتسم بضيق وقال : عز قبل ما يكون شيخ .. هو ولدك ، والله اني لا أنحنيت لك ما أزيد نفسي إلا رِفعة
ربت على كتفه بهدوء وناظر لثُغور الناس اللي ما أكتفت من الضحك ، ولطربهم وسعبهم ورقصهم اللي يعبر عن بهجتهم رفع يده ووقفو على طول وناظرو له ، قال بضحكة : أشوف يا اهل الخسوف ، ما صدقتو على الله أتنحى ويجي عز الشيخ
بدأت أصواتهم تتعالى بالرفض على كلامه ، حتى إن الشيوخ قامو يردون عليه بأنه الفرحة ماهي فرحة إلا لأنه هو اللي رضى وهو اللي تنازل ، ضحك وقال وهو يكاتف عبدالعزيز : لا تشرهون عليّ ، أمزح معكم والله إنه يستاهل الشيخ عبد العزيز هالطيّب ، مير لاحد يتعب ولاحد يضيع تعبه من الحين ، ورانا يوم طويل ، إن كانت بدايته تنصيب للشيّخة ، فنهايته زواج الشيخ ..
بدأت التباريك تعلى ، وأستهلو وأكملو فرحهم ، الكل يبارك والكل يهنيء والكل يتقدم ناحِية الشيخ عبد العزيز ويسلم عليه ، وبينما هم منشغلين بتجهيز الغداء ، وتجهيز ساحة الدِيرة لأجل الزواج
جلس عبدالعزيز بتعب جنب سند وتنهد بضيق وهو يصد عنه ، أبتسم بعتب وقال : طول اليوم تحاول تخفي ضيقتك يا الشيخ ، ما تدري إنك بين كل تنهيدة تظهره
ألتفت له وناظره بإستياء : فاض الضِيق ياسند ماعاد لي حيّل عليه ، ولاعاده بيدي أخفيه ، الليلة بليلة فرح للخسوف ، ميّر لعزيز ليلة عزاء يا بن فياض
تضايق من نبرة صوته ، اللي كان طوال اليوم يجامل ويضحك ويبتسم ، مير من جلس جنبه وضّح ضيقه : يالشيخ .. البنت راحت لااهلها ، وأنت ما تدري وين أراضيها ، بتبقى تنتظر سراب .. بتبقى تنتظر خمس سنين جاية ؟ ما يكفي العمر اللي فات عشانها ؟
تنهد وهو يسند رأسه على الكرسي ويتذكر الحزن اللي بان بكلامها وبدفترها وقال : قد قلت لك يابن فياض .. فداها السنين المقبلة والماضية وبنتظر ، لو به رجاء بعد اليوم والله لأنتظر ميّر خايف بفعلتي إني كسرت قلبها .. ولاني هاللحظة مكسور إلا عشان هالشيء
سند ألتفت له وناظر لراجح ثم قال : يهون عند أبو الشيخ يهون
ناظر عبد العزيز لأبوه على طول ، ثم أبتسم بآسى : وين يقوى عز يقدم نفسه على الشيخ ولا المزن ياسند !
سند أبتسم : أبو الشيخ يا عز ، كان يحمل على كتفه هموم ماعاده يبي يحملها ، كان ينخيّك طول السنين الماضية لأجل تشيلها ولكنك من معزتك له ما تبي خوفاً من إن الموضوع مضايقه بلاك تجهل ، إنك خففت الحمل عنه ، وخليته مثل الفراشة بالخفة ؟
ضحك عبد العزيز من تعبير سند وأنحنى وهو يستند بيديه على فخذه ثم تنهد : الله يعدي هالليلة على خير يا سند .. الله يعدي الليلة على خير .. ويعطيني ربي على قد نيّتي .. يعطِيني إللي يستاهله عزيز ..
.
.

في بيت راجح وعلى مشارف الحوش واقفين كلهم جنب الباب ، بترقب
المزن واقفة على حافة الباب وبشرى مستندة عليها : يالله ، يعني ياعمة المزن بتصيرين أم الشيخ يعني ؟
هزت رأسها بإبتسامة وبشرى ناظرت لأمها ، اللي عيونها محمّرة من كُثر البكاء ، تضايقت ومشت لها وهي توقف جنبها وتحضنها من كتفها : ماعليه يايمة ، ترى سعود شيخ علينا بدون ما ينصبوه
ناظرتها بنص عينها وبشرى أبتسمت ببراءة ، وما إن سمعو صوت الألعاب النارية والرصاصات والطبول ، حتى بدؤو يزغردون بكل فرح ، ويشغلون المسجل ببهجة ، وصلت كل نساء الخسوف إلا الحاقدين الكارهين ..
-
-
{ في بيت جسّار }

كان متضايق .. لوهلة الضيق كان يخنقه شلون يفرحون ويدقون الطبول والرجل ماصار له أربعة أيام ميّت .. كان شارهه كِثير على مساعد
لأنه قدم مصلحته على مشاعر ناس كثير
بينما ما يلوم الخسوف إلا بالشيء القليل .. وش ذنبهم يكتمون فرحتهم كونه صار لهم شيخ جديد واليوم زواجه !
حضر مراسيم التنصيب .. وبعدها رجع البيت يريّح أعصابه
دخل للبيت ، ووقف على عتبّة الباب .. في إهتزاز وعدم ثبات ، وهذا كُله بسبب ريحة عِطرها اللي ملأت أرجاء المكان ..
أخذ نفس بهدوء وبزفيره كانت على مُحياه إبتسامة من رِضا ، من حُب
توجه للغرفة على طول ، ومن دخل حتى ناظرها ماسكه الإسوارة بيدها وتحاول تقفلها !
رفعت رأسها وهي توجه نظراتها له ، ومن ناظرته حتى أبتسمت بهدوء ، لنظراته ، لإبتسامته ولتعبيرات وجهه الملهوفة واللي يكسوها الإعجاب
توردت خُدودها خجل وهي تصد عنها وتشغل نفسها بالإسوارة وهو تِقدم بهدوء وهو يأخذ الإسوارة من يدها ، ويثبت يدها
ثم قفلها بسرعة وناظرها وهو يبتسم : يالله لو تدرين يا نسيم .. إن مثل ما هالإسوارة معقودة حول كفك ، أنتي معقودة فيني مثلها ،ولكن ماهو بكفي بس ، بكل جزء من جسّار .. بكل طرف منه

تنهد وهو يحاوط وجهها بين كفيّنه : يضيق الكون على إتساعة بسبب عبوسك ، أو زعلك مني يعّز علي عدم مراضاتك للحين ، ولولا الأحداث اللي صارت كان أنتي للحين زعلانة
كانت بتتكلم بس قاطعها وقال : قررت أراضيك بطريقة جديدة ، يمكن تنسيك كلامي
ناظرته بإستغراب ، وهو أبتسم وقال : غمضي عيونك أول شيء أحس إني أرتبكت
ضحكت بخفوت وأستجابت لطلبه وغمضت عيونها
وهو تنحنح ، وبدأ يغني بصوته الحاد والنشاز ، ويحاول يضبط طبقات الصوت بس فشل ، مع ذلك مكمل ولا عليّه من أحد ، ولا خلاه يوقف عن الغناء إلا صوت ضحكتها العالية ، إللي أبتسم بسببها
ضحك وقال : قلنا طريقة فعالة ، بس مهب للدرجة ذي ، وش هالرضا السريع ؟
أبتسمت وهي ترفع كفها ، وتثبته على كفه اللي مُستقر على أطراف وجهها : ‏وعدتني إن صدرك بيتي ومسكني ، من كل هم يمسنيّ ، وأنا وعدتك أصون هالصدر وأحبه في زعل والا في رضا ، أنا ما زعلت أنا ضاق صدري وأنقهرت ولكن ذا كله راح ، ولا بقى لا قهر ولا ضيقة صدر ، ماباقي إلا حب يا أبو قلبٍ يضوي كل عتماتي
أبتسم من عُذوبة كلامها اللي ذوبت كُل الهموم بقلبه ، واللي من عُقب وجع قلب وضيق خاطر ، صبّت مداهيل الفرح بحياته ، أقترب ووهو يقبّل خدها بهدوء ثم أبتعد وهو يبتسم ويناظر لوجهها المُتورد من حياها : ‏آآه يـا وجـهك .. أرق من الـوّرد
أبتسمت بهدوء وهي تِشتت نظراتها وهو حرر وجهها من كفه وهو يبتعد عنها ويسمح لها تكمل باقي تجهيزاتها ، جلس على الُكرسي وهو يسند رأسه عليه وبقى يتأمل كل تحركاتها ، دُون ما يرمش
يستمتع بمراقبتها ، يستمتع بمعرفته إنه يربكها بكل تصرفاته ، رفعت يدها ناِحيه شعرها ، وسحبت الدبوس الأسود ونقضته على ظهرها بكل أريحية
بينما هو تنهد بإبتسامة وهو يحط يده ورى رأسه ويسند رأسه عليها قال بهمس : ‏لا فتل همّي حباله و شد الحبال أشهد إنك تنقضينه مثل ماتنقضين الجديل ، ‏سبحان من جابك لروحي بداية حياة و خلّا وجودكِ مثل شيٍ يرد النسـم ..
-
-
{ الجـادل }

بعد ما ساعدتها أمل في لبس الفستان الأبيض ، وتركتها عشان تجهز باقي أغراضها ، ألتفت وهي تناظر للمراية ، تأملت نفسها للحظات ثم تمردت دموعها اللي ما وقفت عن النُزول ، قالت بغصة وهي توزع نظراتها على الفستان : من اللي يظن إن فستان الفرح اللي يتمنونه أغلب البنات ، يكون عبارة عن كفن أبيض للبقية ؟ من اللي يظن إنه الليلة اللي مفروض تكون الليلة الغير منسيّة ماهي عبارة إلا عن عزاء ورثاء لبعض البنات .. يارب والله هذا كثير على قلب واحد ، كان عينـي على الايـام تجيني بـ رحابـه وتلبيّ مطلب قلبي وحنينـه ، ولكن ما كُنت أظن إن الطلبات تجي معكوسة ، كلما تمنيت السعادة ألقى الضيقة والكدر ، كلما ظنت هالجادِل إنها أستراحت تلقى الهم أضعاف ، كلما قالت أجتمعت بوطنها وودعت الغربة تلقى إن العدو حاصرها وأستأسرها وخذاها رهيِنة لبقية أيام حياتها ، عجزت لا تشيلها عظامها ، أنحنت وهي تهوي على الأرض ، رفعت كفها وهي تغطي وجهها وتبكي بحرقة : وينك يالجبل .. وينك ياعايض ؟ تعال شوف وش سوو ببنتك ، يرمونها من موجة حزن لين موجة عذاب ، وينك يالسند يالأب يالحنون ؟ وينك لأجل توقف بوجههم وتقول هذي بنتي ما تنجبر على شيء ، هذي بنتي لها حياة لها وطن تنتمي له ليه مصرين على نزع هويتها منها ؟
بلعت غصتها بتعب وهي ترفع رأسها ، وتناظر لأمل اللي واقفه عند رأسها وتبكي بصمت
وقفت بتعب وهي تمسح دموعها على عجل ، قالت بهدوء وهي تتصنع القوة : ليه ما لبستي للحين ؟
أمل مسحت دموعها وهي تشد على شِيلتها : إفسحيني وإبريني "سامحيني" يا الجادل ، تحملتِ هالأم الضعيفة طول حياتك
ماردت عليها وهي تصد بضيق بينما مساعد دخل عليهم وقال : أمل عطيها الطرحة البيضاء ، خلي عندش علم إنها تكون سميكة ولا يبان أي طرف من وجهها بسببها ، وأستعجلو ، حطيها على رأسها وتعالو يالله ، تأخرنا على الناس
مشت أمل على عجل وهي تعطيها الطرحة البيضاء وتثبتها على رأسها ، قالت بضيق : جدك قال لا أروح ، عشان محد يدري فيك
ناظرتها بإستغراب وضاق صدرها أكثر وأكثر ، كيف تروح لناس ما تعرف منهم أحد ؟ كيف لأم يطاوعها قلبها وتترك بنتها لوحدها بهالشكل المُوجع
تبلدت مشاعرها بهاللحظة ، سحبت عبايتها من يد أمها وهي تمشي وتطلع من البيت توجهت للسيارة اللي بنص الحوش ، وركبت جنب مساعد اللي أشر للسايق يتحرك ، ناظرها وقال بهدوء : الطرحة لا تنشال من على وجهش لو تنحرق الدنيا كلها ، الطرحة لا يشيلها إلا زوجش ، وقبله لاحد يشوفش قبله !


رفعت رأسها وناظرت له بحدة وهو أبتسم : عقدنا النكاح الصبح بعدما عطيتي الموافقة .. وحسبي الله على العدو والعدوان أول مرة أنطق إسمش وكل خلاياي ترجف وكل شعري يوقف ، ولولا لطف ربي وغشامه الشيخ وسرحان العريس كان هوينا لين سابع قاع ، وكلينا تراب وأنهانت كرامتنا ولكن لطف ربي كبير ، لاحد أنتبه لا لي ولا لإسمش ولا درو عنش ، كل اللي همهم التنصيب ، ورجعت آخذش على طول ، إنتبهي يصير شيء و أحد يعرفش قبل يدخل عليش الشيخ ، راح تكون نهايتش ترى !
ماردت عليه ، وسندت رأسها على الكرسي وهي تغمض عيونها ، تريّح نفسها وتحاول تهديء أعصابها بعد المعاناة ، وقبلها
أما هو ناظر من الدريشة بتشتت ، الكل يدري إن بنت الشيخ العروسة ، بينما هي حفيدته
كل اللي يبيه محد يعرفها إلا باليوم الثاني ، لما يطيّح الفأس بالرأس وتصير زوجته ، بعدها محد يقدر يفتح فمه ، ولا حد يقدر يقول كلمة زيادة كون التنازل كان لهالسبب
-
-
{ في خُسوف الشيخ عز بن راجح }

فرحة كبيرة تكسو كل شبر من الخسوف ، ماكان أقل من حفل إستقبال عز .. ولكن أكبر وأكبر كونهم هالمرة يحتفلون بعز وبس .. يحتفلون بالشيخ عبد العزيز
السعب بكل جهة بالمكان ، والطُبول ما وقفت دقائق بس ، حتى التعب مازارهم من فرحهم ، بدأت المُحاورات بين شُعراء الخسوف ، وشعُراء الديّر اللي جنبهم ، وهذا يلقي بيت من قصيدته والشاعر الثاني يرد عليه ! بعدها
بدأت الزوامل تقبل من كُل مكان ، بحيث يصطفون بجهة وحدة ، ويبدؤون يلحنون الشعر ويقولون على هيئة زامل بنفس طبقة الصوت ونفس اللحن ، وبينما أصطفو مُحبين عبد العزيز من الدير اللي جنبهم بالزامل وبدؤو يقبلون على الخسوفين ولا يخلو الزامل من الرجال اللي يطورقون ويرشون الرصاص بالجو ، حتى وقف عبدالعزيز وراجح وأهل الخسوف بنص الصف ، وبدؤؤ يرحبون فيهم ، وهذا كان زامل الأخوياء والمحبين منهم
و إن أنتهى هالزامل أقبلو الباقين وبدأت تعلى أصوات: ياسلامي على اللي مقدّر عند كل الرجال محسوب
عــدّ ليلٍ تزبّر نـويّـه بـارقـه مـن شمـال وجـنوب
في ظل ترحيب الخُسوفييّن .. وفي ظل فرحهم
بدؤؤ الرجال يتجهزون للعشاء ، وخلف ساحة الزواج كانت الفوضاء عارمة ، صحون اللحم بكل مكان واللي يحرك بهالقدر ، واللي يصب الرز بالقدر الثاني واللي مشمر ويجهز القهوة ، ويصبها بالدلات ، واللي يعدّي واللي يصب ، الديرة واقفة على حيلها
الليلة ماكانت هيّنة أبداً ، شهدّت على حضور جميع مشايّخ القبايل وجميع الأشراف وجميع المحبين
-
-
{ مُنـى وحيـاة }

وقفت قِدام المراية وهي تنثر شعرها بعشوائِية على كتفها ، وناظرت نظرة أخيرة لنفسها بكل رضا
ثم لفت لمنى اللي توها تفتح المناكير ، شهقت وقالت : منى ، يعني حتى المناكير بتحطين ؟ جلست جنبها وهي تهمس لها ؛ يعني ما يكفي اننا رايحين زواج الشخص اللي بقت الجادل تبكيه خمس سنين ، وتبي يعني نتزين بعد ؟
ناظرتها بطرف عينها من فوق لتحت وقالت : حياة ماباقي الا التاج ونخليك العروس ، جايه تحاشريني عشان هالمناكير ؟
كشرت بوجهها وقالت : شدعوه منى ، مو عشان فستان ذيله يسحب وراه صرت عروس
دخلت أم سعد وهي ماسكه رأسها بيدينها : جعلكم العرسة ، قدلي " صارلي" ساعه وانا منتظرة آخر شي عادكم تتحدثون ؟ تبون تجننوني ، الشمس ماباقي شيء وتغرب وانتو لذلحين ؟
منى أرتبكت وقالت : انتظري ياخالة تكفين ، باقي بس يدي اليسار ، مايكفي ماخذتنا غصب عننا تبيني أروح وأشوف طالباتي بشكل مو مرتب
ناظرت ام سعد لمنى اللي ما قدرت ترتب المناكير وتأففت وهي تتقدم وتجلس جنبها ، سحبت يدها وبدأت تحط لها ، وسط ضحكة حياة وإبتسامة منى .
ومن خلصت حتى وقفت ورفعت عصاتها وقالت : والله ان اوصل لباب الحوش منتو بوراي ، لاجيكم اكسر عصاتي ع ظهوركم ، سمعتو ؟
وقفت منى وهي تنفخ بربكة ع اظافرها وحياة ضحكت وهي تسحب العباية وتلبسها ، قالت بضيق بعدما تلاشت ضحكتها : خاطري ضايق عليها ودي انها هنا ، وتحضر الموقف بنفسها
لبست عبايتها منى وناظرتها : خيّرة ياحياة ، كل شيء خيّرة
سمعو صراخ أم سعد وخرجو بسرعة وهم يركضون
ومن طلعو وهم يمشون ناحيه بيت راجح حتى صارت حياة تلتفت بإعجاب : يالله وش هالأجواء ، وش هالديره اللي منقلبه راس ع عقب عشان زواج شخص واحد بس
ألتفت لضحكة أم سعد اللي قالت : هالواحد يسوى قبيلة يابنتي ، ناهيش إنه صار الشيخ يعني فرحتهم فرحتين ، هذا وانا ما اشوف تجهيزهم شيء ، توقعت شيء اكبر
شهقت منى : بعد هذا كله تبي شيء أكبر ؟
أم سعد كانت بتتكلم بس وقفو جنب الباب وهم يلتفتون للسيارات اللي تقرب من بيت راجح وتمشي ورى بعض ، وبنفس الوقت يدقون البوري ، واللي يوضح إنها سيارة أهل العروسة ..



وما إن وقفت حتى قرب مساعد وهو يهز كتفها : قومي جعلش القمة ، طول الطريق وأنتي راقدة
أنتبهت لنفسها وفتحت عيونها بوجع ، نامت وهي تبكي ومن قوة حرارة عيونها أوجعتها ، ناظرت من الطرحة وما قدرت ، رفعتها وقالت : كيف تبيني أتحرك بهالشيء اللي فرضته علي ؟
مساعد أشر على البنت اللي واقفة جنب باب السيارة : بنت السايق وكلتها تنتبه لش ، راح تمسك يدش وتوصلش للمكان اللي تبينه ، وإن ماقدرتي تتكلمين هي بتتكلم عنش ، اهم شي حتى النملة ما تشوف وجهش ، بنات الديرة كلهم يعرفون امش ، وراح يميزونش قبل تكتمل خطتي ، وان صار هالشيء راح اكسر مجاديفش ياالجادل صدقيني
ناظرته بلامبالاة وتبلد شديد ، ولا فيه شيء نصب عيونها إلا الجرح اللي برقبة أمها ، نزلت الطرحة بعشوائية وهي تفتح الباب وتنزل بهدوء ، وفعلا ماكانت قادرة تشوف شيء من سُمك الطرحة
مسكتها بنت السايق وبدأت تمشي معها ، الين بوابة البيت ، ومن دخلو حتى بدأت الزغاريد بصوت عالي ، وتجمهر كل الحاضرات حول البوابة ، فسخت الجادل عبايتها ، ولكنها تركت الطرحة على وجهها ، ومن بدأت تمشي ناحية الحوش حتى شغلو المسجل الصغير ، وبدؤو يرمون الرِيحان والورد عليها وهي تمشي بلامبالاة ، وسط نظرات منى وحياة المستغربة
وقفو جنب الباب وقالت حياة : الحمد لله اننا جينا معها ، ولا كان صرنا محط الانظار ، وصارو ينبشون فينا
فصخت منى عبايتها وقالت بإستغراب : ليش تحسين وهي تمشي كانها رايحة لجنازتها بسم الله هذا وهي رايحة لشخص جلست الجادل تبكي عليه وتتمناه ، وهذي تجر نفسها غصب
تقدمو وجلسو بالجلسات الحمراء جنب ام سعد
ويناظرون لها ، شلون جالسه بالكوشة لحالها ومنحنيه برأسها ، قالت حياة بضحكة : بسم الله ، لاهذي صدق وش فيها ؟ تخوفني وكأنها مومياء
ماودها تفتش وجهها ونشوفها ؟
أم سعد قالت وهي تسحب دلة القهوة وتصب لها ولهم : سمعت إنها رفضت ، تقول ماهي بفاتشه الا للشيخ ، كود انها ذاله"خايفة" من العين
حياة ضحكت : لا ان شاء الله ، قمر على هيئة بشر وخايفة على نفسها آه بس على قرادة حظك يالجادل ياحبيبتي ، المومياء هذي صارت مكانك
منى دقتها وقالت بضيق : خلاص حياة ، حرام تكفين
كشرت بوجهها وسحبت طرف فستانها الأسود وقالت : كل هالزواج كوم وذيل فستاني اللي سحب تراب الخسوف كوم ثاني !
ضحكت منى وهي تناظرها ورجعت تناظر للي يساعبون بلا مبالاة ، الين بدأو البنات يصطفون بصف واحد ، ويمسكون يد بعض ، مُعلنين بداية رقصة"الخطوة الجنوبية" شوشّت أم سعد ووقفت وهي تناظر للبنات : تعالو يالله
قالت منى وهي ترفع يدها : لا دخيلك ياخالة ، هذا وش ، ترى مـ...
سحبتها حياه وهي تقول : امشي اقول ، تبغيني اخلي هالمتعة عشان حيائك
مشت وهي مكشرة ووقفت وهي تناظر لبشرى اللي شهقت : ابلة منى ،هلا والله ارحبي اهلين احلى من يجي
حياة قالت : بسم الله عليك ،خذي نفس ، تنفسي بين كل كلمة وكلمة
ضحكت بشرى وقالت : وش دخلك يالقزة ، الا ابلة الجادل وينها ؟ حسبتها ماراح تفوت زواج عز
كشرت حياة وقالت وهي تمسح على شعرها : ومن هالعز ، عشان تحضر حبيبتي الجادل زواجه ، يكفي حضورنا احنا
منى مسكت يد بشرى وهي توقف جنبها وناظرت لحياة بنص عين ، بينما حياة ضحكت ، وبدؤو يستمتعون برقصة الخطوة..
غايب عن بالهم .. الحمامة مكسورة الجناح اللي كل هالتفاصيل غايبه عنها وما حضرتها ، بعالم بعيد تماما عن عالمهم .. الطرحة ماهي قادره تخليها تشوف شيء ، حتى الفضول ما حضرها لأجل على الأقل تسترق النظر ، ماكانت مهتمة أبدا
جالسة بمكانها وتواسيها دموعها الحارة ، اللي مانشفت من عرفت بالخبر ، كانت تحس إن حرارة هذا العالم كله علقت وتشبثت بعيونها ، سُحبت كل الحياة من داخِلها .. وبقي بس تبلد وبرود ولامبالاة شديدة
لو يجون يغرسون الخنجر بصدرها ماقالت آه ولا شكت ولا بكت من قوة حزنها ..
كانت دعواتها إن الله يتولى الأشخاص اللي يسرقون البهجة من وجيه الناس ، ويحاولون بشتى الطرق رسم الكئابة والعبوس على ملامحهم..
تنهدت وهي ترفع كفها المرتجفة وتمسح دموعها بضيق ، ورجعت تجلس نفس جلستها
تسمع إزعاجهم وأصوات ضحكاتهم ويضيق صدرها أكثر .. هي بكفنها وهم يرقصون على موتها !
-
-

{ عبد العزيز }
كان واقف بنص الصف الترحيبي .. وجنبه أبوه وعلى يساره سعود وباقي الرجال ، يرحبون بمساعد كونه شيخ القبيلة .. وكونه أبو العروسة
وما إن إنتهو حتى جلسو كلهم ، ومن جلس سند جنب عبدالعزيز حتى لاحظ .. نظرات خال فهيد وأخو ناصِف الحاقِدة ، كونه شخص تمنى إن ولد أخوه يكون الشيخ ، وكونه شخص ولد أخته منفي من ديرته بسبب مجهول ..

ونقل نظراته لرجال قبيلة هِشيمان ، الكارِهه
ألتفت لعبد العزيز وقال : وكأنك مأكل حلالهم ، وكأنك غريمهم وخصمهم ، وش سوا لكم عز بن راجح لأجل هالحقد يارجل ؟ ماضاق صدرك بسببهم !
بانت الغمازة بطرف خده بسبب إبتسامته الساخِرة وقال : يضيق صدري بالعجَل ياسند واقول ، صدري مايضيق استثقل اني انهزم وآخذ من الهمّ اثقله ومع كل هذا بسمتي مافارقت عين الصديق‏ واللي يعرقل بسمتي أضحك عشان اعرقله
أبتسم سند بضيق وهو يلمح نظراته اللي يحاول يِشتتها ، ولأول مرة ما يقدر يتحكم بضيقته تنهد وهو يسند رأسه على ظهر الكرسي : أثرنا من سنين نحرث بذور أرضٍ ماهيب أراضينا‏
غبي ياللي نوى يجني ثمار أرضٍ ماهيب أرضه
زفر بتعب وهو يشد طرف الجنبيّة ويناظر لسعد اللي للآن متوسط السعب ،ولا هدأت له نفس طول اليوم ، من فرحته الكبيرة .. ولا هدأ إلا لما وقف راجح ، ودعى الكل على العشاء ، اللي أمتد بساحة الخُسوف كلها ، وما إن إنتهو من العشاء ، وبقو للحظات قليلة حتى بدأ التعب فعلاً يغلبهم كلهم
وبدؤو شيوخ القبائل ينسحبون لديرتهم ، وبدؤو أهل الخسوف يأخذون أهلهم ويرجعون لبيوتهم
وما إن فضت الساحة ولا بقى إلا هو ، تائه وضائع ولا وده يرجع البيت ، ولا صحاه سوى صوت راجح اللي نبّهه يلحقه ، تنهد بضيق ومشى بخُطوات هادية وبطيئة حتى توارى راجح عن نظره ، دخل البيت ولقاه ، مقلوب فوق تحت بعد ليلتهم الطويلة ، ما أهتم
ألتفت لبشرى اللي ركضت له من شافته وقالت : أمي وعمتي وجدتي معصبين ، وربي ياعز كأنهم بركان وبينفجرون بأي لحظة ، تخيل هالعروسة عيّت"رفضت" تفتش وجهها ، وحلفت محد يشوفها لين تشوفها أنت ، جدتي كانت بتسحب طرحتها غصب عنها ولكن البنت اللي معها عصبت وقالت " نعم هذا إستخفاف بطلبات شيخنا "
أمي قالت بعدها " ندري إنها عجوز والتجاعيد كاسيه وجهها وراضين بها ، خليها تفتش قدام الضيوف ولا تفضحنا" ! ولاحد رد عليها ، ولما قطعو الرجال عمتي المزن قالت خلاص خلوها براحتها وفعلاً تركوها ولكن لحقوها بنظراتهم والله انها شرار
تنهد عبدالعزيز وهو يناظر لبشرى ، ولا أهتم بمثقال شعره لكلامها ، مشى من جنبها وهو يتوجه لإسطبل جديلة
وهي كشرت وقالت : لها ساعتين تنتظر المسكين بغرفتك ، وانا لي ساعتين ابي اشوف وجهها
الكل رقد ولاعنده فضول ، ليش بس انا اللي بموت من فضولي ؟ اوف
يعني حتى عمتي نعمة وامي رقدو ، وش هالحياة هذي المملة
بينما عبدالعزيز .. أتجه لجديلة وفسخ بشته وهو يرميه بلامبالاة على السُور ، دخل للإسطبل وهو يسحب رسنها ويطلعها للحديقة
وجلس على السُور وهي وقفت جنبه ، تنهد بضيق وهو يمسح على شعرها بهدوء : مكسورة مجاديفي يا جدِيلة ، عُمرك سمعتي بجبل تنكسر مجاديفه ؟
أبتسم بضيق : ألمح بعيون بن جبَار ، كلمة إنسى وعش المكتوب ، ترى ما منه مهرب ولكن ياجديلة ياكيف ابنسى واحدٍ كان كلي؟
يمكن روحتها لااهلها هالأيام خيّرة ، يمكن غيابها عني هالوقت خيّرة ، عشان ما يضيق لها خاطر عشان ما تِتوه بسبب خطواتي المتعثرة بطريقها
أطلق تنهِيدة عميقة وهو يسحب العقال من على رأسه ويحطه جنبه ، وبعدها عدل غترته وهو يلف أطرافها حُول وجهه ، قال بعتب عليه : خايف أروح وأتخيلها الحمامة ، خايف أشوفها هي دون غيرها وطيفها يحضر مِثل كل مرة خايف أظلم بنت الناس وماني بظلَام ياجدِيلة
شد على قبضه يده وهو ينط من على السور ويمسك الرسن ويرجعها للإسطبل : بإذن الله النور يظهر والدعاء يُستجاب ياجديلة وأحقق احلام عمري وآصل لمقصدي سواء هاللحين أو بعدين على الله رجاي بتقديم دموع أمي على قلبي وكلمة أبوي على رغباتي
من الله الفرج والفرح وكل المقسوم من ربي خيرة ، يالله ياربي لك الحمد على كل حال
أخذ البشت من على سُور الحديقة بطرف يده
وناظر القمر اللي توسّط السماء ، تأمله للحظات عديدة ثم أخذ نفس وزفره بضيق ، توجه ناحِية غرفته .. خطوة يتقدم بها وعشرين خطوة يرجع بها ورى
فتح الباب وهو يتنهد بضيق ودخل للغرفه ، ناظر نظرة سريعة للي جالسه على أطراف السرير وصد عنها وهو يقفل الباب ..
بينما هي كانت جالسه قريب الثلاث ساعات هنا ، لحالها وبنفس الوضعية ، ولا تحركت شبر واحد ، جسّدها بهالغرفة بينما عقلها مو معها ، بمكان ثاني تماماً تحاول ما تفكر بسلبية ، تحاول تفكر بشيء لطيف بذكريات حلوة ، تحاول تتناسى هالمكان
لأن في ظل هالإنتظار لو بقت هاللحظة هِنا ماراح تستوعب حتى وش بتسوي بنفسها من حُر الشعور ، تنهدت تنهِيدة من عمقها كانت تِظن من هولها إن أضلاعها بتنكِسر ، ومن حست بأصوات خطوات أقدام مِتجه نحوها ، حتى غرقت بين الحُزن وأرتجفت كل أضلاعها بخوف وترقُب ، الليلة ليلة عزاءها ، لكن ليه ما تِسمع إلا أنين قلبها ؟ ليه محد يبكِيها سوى نفسها ؟


تقدم بإتجاهها وهو يحس إن الدرب طويل ، وعلى أمل إنه هالطريق اللي سلكه يِتجه به لدرب مليان رِضا .. وقف قدامها وعقد حواجبه وهو فعلاً يشوف الطرحة البيضاء اللي تحجب عنه وجهها كامل الرؤية ، ويناظر لتفاصيلها اللي مو باين منها أي شيء ، حتى يدينها مخبيّتها ، تنهد وهو يقول : السلام عليكم
ماردت عليه ، بينما ظن إنها مِستحية لذلك ما علّق
أنحنى وهو يشتت نظراته للمكان ورفع الطرحة بعشوائية ولامبالاة وبعدها أخذ نفس ، وكان يختنق في الزفير مرة .. وفي الشهيق مرتِين
قال بهدءوه المُعتاد اللي يخفي وراءه براكِين من حرارة موقفه : أول الكلام يابنت الناس ، أنا ماني بظـلام للعباد ، ولا أقبل بالظلم لنفسي عشان أقبله لغيري ..
سكت للحظات وهو يشّد على قبضة يده ، وش ذنبها ؟ يكسر قلبها وهو يقول إنه ما يبيها ؟ وإنه يحب غيرها ؟ عمر الكسر اللي بيصير بهالليلة ماراح ينجبر ، ولا راح يعوضه أي تعويض ثاني .. تمنى إنه يحرق طارق باللحظة ذي لأنه هو اللي دفع قيمة خطأه
مسح على وجهه بضيق وقال : الليلة خليها تعدّي بخيرها ومُرها ، لنا في الصباح كلام ثاني
كان يتكلم ، متجاهل تماما المصعوقة ، اللي كل خلاياها تنتفض ، من قوة الصدمة كانت تحس إن حتى رموشها تِرتجف معها ، ماباقي عِرق بجسدها ما أرتعش ، ولاباقي بها خلية ما إرتعدت ، كانت تِظن إنها هلوسات ، أو حلم ، أو خيالها اللي لجئت له بسبب مُر واقعها
كانت تِسمع صوته ، وتحس إن عقلها يكذِب عليها ومسامعها تدارِيها بسبب خيبة أملها
ومن إنتهى من كلامه ، وكان بيمشي حتى جاءتها الجراءه تِرفع عُيونها بمقدار شطر ، وكان يكفِيها هالشطر
لمحت خاتمها يحتضن أصابع يده ، غمضت عيونها وهي تحس بشفايفها تِرتجف ، وجمعت طاقتها اللي ماباقي منها سِوى قلة من القليل ووقفت على حِيلها وهي تحس برعشة رجُولها ، دُموعها تنزل بِلا سابق وعد ولا إنذار ، وقلبها من شِدة نبضه يُخيل لها إنه بأي لحظة بيغادر جسدها الصِغير ..

-

‏"فلمَّا اجتمعنا قلتُ من فرحي بهِ
‏ من الشِّعرِ بيتًا والدّموعُ سواقِيَا
‏ وقد يجمعُ اللهُ الشتيتينِ بعدما
‏ يظُنّانِ كلّ الظنّ أنْ لا تلاقِيا"
‏-
-
كانت تتمنى إن اللي تُشوفه واقِع .. ما قدرت تِكتم شهاقتها أكثر وبدأت تبكي بإرتباك حتى نطقت برجفة وبصوت مهزُوز من ضُعفها ، وكأن الدنيا تُحطها بنفس الوقت معه بكُل مرة ، وكأنها تعذبها من جِهة ومن جِهة ثانِية تقول "مالك غِنى عنه " : عـزيز
عقد حواجبه بخوف لأول مرة يِعيشه ، من سِمع صوت بكاءها ، إلين نبرة صوتها وهي تنادِيه
تجمد بمكانه ولا قِدر يتحرك شِبر واحد من مكانه
ناظر لكفوف يده اللي ترتجف وبلع ريقه ، لأول مرة يحس بالرجفة هذي تـسري بعُروقه ، رفع كفوفه المُرتجفة وهو يمسح على وجهه بضِيق : كنت أدري إني بتخيلها ، كُنت أدري إني بعيش الموقف وكأنها هي اللي معي .. عزيز في رجاك يارب ، أنا والله ماقد ذِقت طعم الإنهزام لين جربت المحبة على وضح النِقا
عقد حواجبه وهو يسمع شهقاتها اللي ما وقفت ، وهالمرة ألتفت ، وما إن تعدلّت وقفته وناظرها وهي واقفة قِدامه بُفستانها الأبيض ، ووجهها اللي يكسُوه اللون الأحمر من شِدة البكاء طول اليوم ، وعُيونها اللي كأنها بُركان وتفيض بالدُموع ، إلين رجفة شفايفها اللي وضحت كُل الوضوح له
تسللت الصدمة لقلبه ، وأختلست عيونه النظر لكل تفاصِيلها ، والحين ما يدري .. يحارب تفكيره بأنه يتخيلها والا يصارع قلبه اللي أيقن إنها هي .. حمـامـته

بقى للحظات متشبث بِمكانه ، ما قدر يخِطو خطوة وحدة بس .. على نفس وضعِيته وبنفس نظرات الصدمة ، ماكان يدرِي إن العوض اللي قدمه رِبي له بسبب تضحِياته اللي ضحاها عشان والدينه ، راح يجي بهالسُرعة ، ماكان يظِن إن طول المُدة اللي كان يصارع فيها الحِزن بسبب هالزواج وبسبب هالبنت اللي هي نفسها يتمناها زوجة له ..
ماكان يظن إن الأقدار بتجيبها بهالطرِيقة ، ولاكان يدري إن هالحمامة مالها مُستقر ولا مأوى ولا ملجأ من مساوئ هالحياة سوى " كـتفه "
ماكان يدري إنه الله جعله الأمان لشخص يركض له من متاعِب الحياة
واقف يتأملها ، من أطراف شعرها إلين كل دمعة متمردة بعيونها ، ماغاب عن عينه أتفه تفاصيلها
ولا غاب عن قلبه الوجع اللي بعيونها ، هالمرة .. ما مر بقلبه عِتاب ، هالمرة حسبها صح وقبل لا يقدم خُطوه تجاهها فكر صح ، هالمرة غاص بتفكيره عن سبب وجودها هِنا ، وأيقن إنها ضحِية للقبيلة مثله تماماً ، عرف إن المتغطرس الظالم اللي نفاها قبل خمس سنين ماكان إلا مساعد ، وأيقن إنه هو نفسه إللي رماها وأجبرها على هالزواج ، ومن تأكد إنها هي حتى أنعصر قلبه وجع وألم ، على ملامح العذاب بوجهها !



أنعصر قلبه وجع وألم ، على ملامح العذاب بوجهها ، ونظرات الإستغاثة بعُيونها
كانت رجولها ترتجف وبأي لحظة تِحس إنها بتنهار من شِدة تعبها ، ولكنها رفعت عيونها وهي تشوفه يتقدم بخُطوات سريعة بإتجاهها ، حتى وقف قدامها ونقل نظراته السرِيعة على ملامحها ، ثم أبتـسم وهو يرفع كفه ويمسح دموعها برقة ثم حاوط أطراف وجهها بهدوء يكسُوه الفرح : ارحب بوجهش ياحمامة ، علِيم الله كأن الجرح فص وذاب
ناظرته بإرتباك من قُربه ، من وجهه اللي قريب لوجهها ، لكلماته ونظراته ..
وما إن لمح نظرات الخجل وعدم التصديق والذهول بعيونها حتى ضحك بِخفة وهو يقرب أكثر منها ويضمها وهو يحاوط ظهرها بكُل حنيته القوية ، لاحظ جسدها اللي يرتجف من شدة صدمتها ، من شدة قوة الموقف عليها ، ومن شِدة قربه لها وكأنه بأي لحظة بيخترقها
أرتعشت كل خلاياها وهي تسمعه يهمس بإذنها بكل لُطف وبنبرة يغلب عليها الدف، والحنية : ما قلت لش ؟ إني والله ما أترك حتى النسمة تُمر من بيننا ، هذا عهِدي وبفضل الله وفى ، وهذا كتفِي لش غطاء ودِفى
يشهد الله يهالدموع اللي أحرقت خدش اللي أحبه أكثر مني كلي ، لأحرق أي شخص يفكر ينزلها وأنتي بين ضلوعي
للآن ترتجف إلين حست به يمسح على شعرها بحنيّة ويقول : كنت أساير أيامي اللي راحت وأقول "ماعليه " لعل أيامي الأحلى بالطريق
لو إدري إن نهاية الطريق وجهش ؟ يشهد الله كان قضيت حياتي كلها ركض بسبيلش
أبتسم وهو يقربها أكثر منه حتى حس بضلوعها داخل جلده ولا هنأ له هالقرب يبي يدخلها بجوفه
دُون ما يمرها لا ضر ولا وجع : أنتي صرتِي لعزيز يعني أنتي صرتي روحي .. ولاهو بس كذا أنتي روحي كلها لش
بعد لحظات طويلة وهي بحضنه ، وهو يطبطب عليها بحنِية أبتعد عنها وهو يناظر لدموعها اللي ماجفت ، تنهد وهو يمسحها : ماعاد للدمع بعيونش مكان ، ما يجتمع عزيز وياه بنفس المكان
تأمل وجهها للحظات ثم أبتسم وهو يلاحظ تورد خدُودها هالمرة من خجلها ومن نظراتها لثوبه اللي غرقته بالدمع ، ومن إرتباكها ثم ضحك بهدوء وهي رفعت عيونها له ، وناظرته للحظات وهي تتأمل وجهه بهُدوء ثم أقتربت وهي تمرر يدها على أطراف وجهه وهو يناظرها وعلى وجهه إبتسامة ومن لاحظ إبتسامتها إللي دلت إنها أستوعبت الموقف حتى أتسعت إبتسامته قالت بلهفة وهي تقرب بحجمها الصغير منه وتناظره وهي ترمش بربكة : كيف أنت أمس أبعد من نجوم السماء ، واليوم وجهك بين كفيني ؟
سكتت للحظات وهي تبتسم أكثر وتقول : ‏ماني مصدقة عزيز .. إن وجه مثل وجهك يجمع البراءه والوسامه والحنان والدفء والرضى والملح والقبله والهِيبة والقوة في وقت واحد .. يتوسط كفين الجادل !
ضحك وهو يرجع يضمها ويقول : الحمد لله ، رجع لش العقل ، وقدرتي تستوعبين الموقف اللي احنا فيه
سكتت للحظات ثم أبتسمت وهي ترفع يدينها وتشد عليه وهي تثبت رأسها على كتفه : عزيز .. هو صدق إننا إجتمعنا ؟ هو حقيقة اللي قاعد يصير
أبتسم لسؤالها وقال بضحكة : يهالحياة يابنت عِناد مرة نقول ضدنا ، ومرة نقول لا والله انها بصفنا ولكن خذيها مني هالمرة ، حرام حرم الدم محد ياخذش من بين ضلوعي ، واللي يقرب منش لاانحره من الوريد
أبتسمت للحظات ثم ميّلت شفايفها بضِحكة خافِتة وهي تقول : صل على النبي
وهو أبتسم وهو يبتعد عنها : والله إني صادق ، والله يا هالضيم اللي عِشته بالثلاث أيام لو يتكرر لأحرق هالقبيلة عن بكرة إبيها ولا يهمني
شتّت نظراتها للمِكان وهي تخفي توتُرها ، كون هاللحظة جاءت بِدون ما تحسب حسابها ، أو تفكر فيها ، أنتبهت ليده اللي مليانه لون أسود وشهقت وهي تتلفت بسرعة ناحِية الغرفة ومن لمحت المراية حتى مشت بخُطوات سريعة وهي تناظر لوجهها ، حطت يدها على وجهها بفشلة والوِد ودها هالمرة تبكي لين تختفي
عبدالعزيز كان مستغرب تصرُفاتها ولكن من فهم معناها حتى تعالت ضِحكته بتناغُم ، وهي من شدة إحراجها تمنّت تختفي هاللحظة
إقترب منها وهو يضحك ، وبعد يدينها عن وجهها وناظرها بهدوء وهو كاتِم ضحكته على ملامحها اللي مليانة فشلة : إرفعي رأسش ، على إيش منحرجة
ناظرته بطرف عينها وهي متضايقة ورجعت تناظر لنفسها بالمراية ، من كُحلها الأسود اللي مليان بكل وجهها من كُثر ما بِكت ، لين حُمرتها اللي طلعت من على شفايفها لين شعرها اللي تخرب من الطرحة : يرضيك ؟ يرضيك تشوفني بهالشكل وتسكت ؟
ناظرها وميّل شفايفها بهُدوء ثم أبتسم وهو يسحب الطرحة البيضاء ويبعدها عن شعرها ، ثم جمع كفينه وهو يرجع خُصلاتها لورى : يرضيني .. شكلش وجهش ، كل تفاصيـلش كاملة ، وأنتي مرتبة أو محتاسة بعد كل هاللي عشناه ما تبغيه يرضيني ؟

من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن