8

29.3K 282 69
                                    


بعدها رجعت للمدينة ، وكملت الاجراءات وبعدما تأكدت من تسجيلش ، كان ثاني مشوار لي إستئجاري لشقة زينة نسكن فيها انا وياش ، وتضبيط امورنا اللي بنحتاجها سواء كانت في السفر والا في البيت ، بعدها بِعت غنمي وناقتي للحكيم
وخذيت فلوسها وعربنت البيت ، ورجعت بعدما تأكدت من إكتمال كل شيء ، ولكن كنت منحرج من عز بن راجح ، عشان ما نقفي بوجهه قررت انتظر لين يرجع لدياره وهذا هو رجع ، والحين وش تقولين ؟ وش رايش ؟
كانت تسمع لكلامه ، وكلها ذهول وصدمة وحيرة من اللي قاعده تسمعه ، هل فعلاً حلمها صار بين يدينها ؟
ضحك وقال وهو يناظر ملامحها : قبل ذا كله ترا سجلتش معلمة أدب عربي ، وهذي كانت أمنية أبوش
تصيرين معلمة أجيال ، وبفضل الله حققت امنيتش وامنيته ، ف وش قولش ؟
بلعت ريقها ، وناظرت لجدها ودموعها كانت الجواب للي سواه لها ، لأنه بفعلته ذي حط العالم كله بين كفينها -
_
{عبد العزيز}

ركب كبكات ثوبه الأبيض ، وسحب الغتره الحمراء من فوق الدرج ، ثم نسفها وهالمرة كان العقال اللي يزين رأسه ، لف برأسه ناحيه سريره ، وتبسّم
من لمح الفروة ، اقترب وهو يسحبها ويلفها على كتفه ، صارت الوسيط الوحيد بينه وبين شوقه لها !
ولكنه سرعان ما ألتفت لصوت الباب اللي انفتح ودخلت منه أمه ، بيدها مبخرة وريحة العود والبخور تفوح منها ، واليد الثانية بها بِشت أسود
إقتربت منه وأبتسمت وهي تمد البشت : اليوم أنت عريس ، وهالفروة ما تفي بالغرض
ناظرها للحظات : ناويه على ضلوعي من برد الجنوب صح ؟
ضحكت : ماهيب مشكلة ، الليلة الجو ماهو ببارد حد الإنتفاضه ، ولكن هالبشت لأبوك وقال أعطيك إياه ، يبي يشوفه عليك هالليلة !
ابتسم : أوه الشيخ راجح قرر يضحي ببشته في سبيل عز ؟
هزت رأسها بإيه وهي تحط المبخرة على الدرج وترفع رجولها وهي تلبسه البشت ، وهو مبتسم على حركاتها وحنيّتها اللي تمكنت من قلبه
قالت وهي تسحب المبخرة وتبخره : الليلة ابيك تنتبه على نفسك ، ماغاب عن بالي خوف سند عليك ولا على كلمته ان سلامتك اولى ، انتبه لنفسك وخل عينك مفتوحة عشره على عشره ، هالمره لو تصيبك شوكه بس ، رح ينحفر قبري بنفس اللحظة
ماعاد اقوى على الوجع أكثر
تنهد ثم أبتسم وهو يبوس رأسها : انا والله ماني من اللي يخافون على نفسهم من الضرر ، ولكنّي خايف من انه يصيبني الوجع وانا داري انه يصيبش اضعافه لذلك خلي عندش يقين اني بحافظ على نفسي مهب عشاني ! عشانش انتي
ابتسمت وهي تناظره بفرحة ماهي بسهلة ، شلون تكون سهلة ! وهي اللي ما توقعت بعد اللي صار ان هالوجه الرضيّ راح يكون قبالها مرة ثانية !
خرج من غرفته وأمه على يمينه ومن وقف بنص الصالة لف نظره لابوه اللي جالس ينتظره وابتسم لما وقف له
راجح : حيا الله عز بن راجح
ضحك : تكفون ياعرب ربي ، خلو عنكم هالدلال اللي يجيني من كل صوب
حكيمة قالت وهي تناظره بإبتسامة : تستاهل ياعز تستاهله
ابتسم : شفتو ؟ حتى جدتي قامت تدللني و انا خايف اهج من كثره
ضحكت على كلامه وهو ألتفت على صوت حضور سعود للبيت ، تنهد وهو يناظره بدون ما يتكلم ، شاره وبقلبه عتاب إن الخبر عنده من الصبح ولا فكر يجي ويحييّه ؟ رغم احتزامه بإخوانه وقوته الظاهره الا ان بقلبه غصّة ماهي بقليلة من ناحية اخوانه ! ناظره بعتاب وقال : مهب من سلومك ياسعود تسمع عن خبري من الناس وتتجاهله
سعود كان يناظره بضيق وهالشيء واضح بوجهه لأنه يحس إن ماله وجع يطالع وجهه ، ماله وجه يناظر بعيونه ! مع ذلك جمع شجاعته واقترب منه وهو يضمه ويربت على كتفه : الحمد لله على سلامتك ياعز ، الحمد لله اللي حفظك لنا
غمض عيونه وتنهد وهو يلمس الضيق بصوته وقال : اذا هالضيق على خبر اعلانك موتي بلسانك فيعلم الله اني ماني بشاره عليك تكفى ياخوي يا ولد امي وابوي لا اسمع هالنبرة في صوتك عز الله ان قلبي امتلا ضيق
ابتسم له بتثاقل وقال : لا تخاف ماني بضايق ، في رجوعك فرحة ماهي بسيطة وين نلقى للضيق محل؟
ابتسم : زين التفت لراجح اللي قال : القبيلة تنتظر ما ودكم نتوكل على الله ونخرج؟
هز رأسه سعود وقال : توكلنا على الله
التفت عبد العزيز برأسه يدور فهيد بعيونه ولكنه خاب لما ما لقاه وتضايق كثير من التصرفات اللي جالس عقله يترجمها بشكل واقعي
ناظر سند للمكان اللي شيّدو به مخيم يسع لكل رجال القبيلة ، ناظر للفرش الأحمر المطرز بأسود
ثم للقهوجيين اللي مصطفين ويقهون الضيوف واللي يركض ويجهز العشاء لأجل ما يتأخرون عليهم
واللي بيدينهم المباخر وريحة البخور منتشره بكل الديرة لو كان زواج ماكان بهالقوة ولكن لأنه رجوع عز بن راجح الكل اشترك ولو بإصبع لأجل تكتمل هالليلة لأنه يستاهل ..

التفت سند لوقوف أهل الديرة كلهم من كبيرهم لصغيرهم بنفس اللحظة جميع من بالمخيم وقف على حيله واصطفو بمكانهم لما بان لهم حضور الشيّخ راجح وعياله وقف بمكانه ووقف عبد العزيز على يمينه وسعود على يساره
عبد العزيز كان ماسك بشته بيده اليمين ويده اليسار بيدين أبوه وعيونه على جموع القبيلة
كان مبتسم بفخر بهيبة بعز لهالقبيلة اللي لو يحكي في ذراهم طول عمره ما وفى حقهم لو بيبقى يعلم كل الديار اللي حوله عن تباهيه فيهم ما سكت ناظرهم بنظر عز وهو يتمتم" مثلك حن مغرورين ياطير شيهان يصعب طيور الرخمّ تاقف قبالنا اشهد انهم عز لعز بن راجح"
وقفو بعض الرجال وبيدينهم رشاشاتهم وبدو يطلقون في الهواء يعبرون عن فرحتهم وبدات تتعالى اصوات الالعاب الناريه وسط فرحتهم
فلت راجح يده من يد عبدالعزيز وهو يرفع يده اليمين وقال بصوت جهوري وعالي ونبره مليانه هيبة :أرحبوا يا متعبين الركايب يا آل خسوف كاسبين الجميل درعنا ومخلصين النشايب روس قوم تمنون الدخيل
تقدم أبو ساجي بعد ما نصبوه الجماعه للرد على الشيخ وقال :
سلام ياهل الجود والناموس مالاح المخيل وعداد ما اروت مدلهمات السحب وديانها
جينا على تشريف عز راعي الشبر الطويل قوم مباديها تشرف من زمن جدانها
وبينما الشيخ يرد على زاملهم ويقول : لا هنتو على المحبة والتقدير والتقدير والغلا ماهو من اليوم من قدام سنين من ذرى الجدان الاولين
بدؤو شباب القبيلة يطورقون "يمسكون خنجر الجنبية بيدهم اليمين ويبدون يساعبون قدام اهل القبيلة وقدام الشيخ وبين كل لحظة ولحظة يصرخون بـ (ارحب ياعز بن راجح في ملفاك ) وهذي رقصة شعبية ترحيبية بالجنوب

ابتسم عبد العزيز وقال : ياا مرحبا الف ، من ممشاكم لملفاكم ومسيّتو بالخير يالخسوف
و عقبها جعل وجيهكم ماتضام وضحكتكم ممتده
بعدها تقدم شاعر من شعار القبيلة وقال مستهل كلامه ؛ اول الحكى صلاتي على النبي خاتم المرسلين وثاني الكلام ولا بعده ثالث ، ارحب تراحيب المطر يابن راجح ويالجبّار الشيوخ اللي نتباهى بهم ونفخر بهم بين كل القبايل ، بعد الترحيب بعز اللي برجعته أحيّت أرض قد هي هِشيمة ، بستغل هالمناسبة وأقول لشيخنا عندي قصيده تخصك وقليل من كثير داري ولاني بأول الشعار ولا آخرهم اللي جاك يمدِحك وانت تستاهل وزود
يقول " من منطلق رد الجمايل لأهلها والا الثناء لأهل الفعول الجزيلة اللي يداري كل خصم زعلها وتحل وقفتها العبود المهيلة
الشيخ بن جبّار راجح زحلها مقرع حدود وراعي المستحيلة لا جارت حمول القبايل حملها
طرّق الحجاج وله شبور ذويله ناس لها يفزع وناس كفلها
شيخ المراجل والسلوم الجميله من صلب الخسوف الجبال وسهلها الصلب المرهفات الصقيله " تعالت الاصوات بين ونعم بالخسوف "
من صلب الخسوف الجبال وسهلها حد السيوف المرهفات الصقيله زين الجلاوي وارضهم من دخلها يامن من عدوه ويامن سبيله
وسلامتكم
بعدها تقدم وسلم على راجح اللي كان مبتسم وحبّ خشمه وسلم على عبدالعزيز ورحب به ، بعدها تقدمو راجح وعياله لين توسطو المُخيم وبدؤو يسلمو على رجال القبيلة ، ومن جلسو
بدأت الفرق الشعبية تدخل بالطبول ، وأحيت الليلة من بدايتها ، بدأت الرقصات الشعبية ما بين السعب وبين القزوعي ، وعبد العزيز جالس جنب راجح بوسط المجلس وجنبه سند اللي مبتسم ويناظر للمخيم ويرجع يناظر لعبد العزيز اللي ضحك وقال : اسالك بالله وش انت قاعد تسوي ؟
سند بضحكة : فرحان فرحان لدرجة ودي اساعب طول الليلة
ضحك وهو يوقف ويفسخ البشت ويحطه على جنب : قم لعنبو من يردك هالليلة !
وقف سند وهو يبتسم : والله ؟ تساعبني !
عبد العزيز : افا عليك ماله كلام
ومن مشى خطوتين معلن انه بيتوسط ساحة الرقص التفو عيال القبيلة حولهم على شكل دائرة وبدو يصفرون ويصفقون له وهو شوش" تحمس" وبدأ يساعب مع سند ، بخطوات متناغمة ومحسوبة وكأنهم شخص واحد ، سحب عبد العزيز غترته من على رأسه ورماها للسماء ، وسند مسكها قبل تطيح على الارض وحبّها وهو يضحك ، وبعدها تقدم وهو يرجعها على رأسه ، ولا انتهت الليلة بس عند سعبهم ، بل إستمرت طول الليلة
بحيث إصطفو عيال القبيلة صفين ، متكاتفين ويدينهم بيدين بعض ، وبدؤو يخطون خطوات القزوعي ، رجل تعلى ورجل تضرب بالأرض ، وهالرقصات ما دلّت الا على فرحتهم اللي ملأت قلب كل شخص حضر هالمجلس .

دخل فهيد وعلى يمينه ناصف وتقدمو وجلسو بدون ترحيب وبدون ما يلفتون الانتباه قال فهيد وهو يناظر لعبد العزيز اللي يضحك و متوسط القزوعي مع سند : ليه تخليني أجي ؟ ليه
تافف ناصف : والله انك غشيم ، تبغى تغيب عشان يلاحظون غيابك ويبدون ينبشون على سبب هالغياب ؟ خلك هنا حتى قم وقلطّهم على العشاء عشان ما تلفت الانتباه
تنهد بضيق ووقف وهو يناظر لسعود اللي جنب سند ويرفع يدينه ويصفق وهو يضحك
والواضح انه فرحته ماهي بقليلة ، تنهد بضيق لأنه أنحط بموقف اللي يزعل على عدم موت اخوه
قال بعدما انتهو من القزوعي : إقلطو حياكم الله على العشاء ولا هو من قدركم
قامو كلهم وقلطو على العشاء وبدو يتعشون في هدوء
بعدما أنتهو من العشاءَ وجلسو بالمُخيم قبل يرجعون البيت ، قال سند وهو يناظر للمركى اللي شاله عبدالعزيز من بينهم ، وهذي حركته المعتادة
أول ما يجلس سند جنبه يشيل المركى من بينهم
وهالمرة قال بضحكة : والله الود ودي اعرف ليه تشيل هالمركى من بيننا ؟
أبتسم وقال : ‏ما أحط مركى بيني وبين الرفيق ‏لا يحسب إن قلوبنا متجافيه
تلاشت ضحكته وبقت مكانها ابتسامة : والله لو تاخذ قلبي من مكانه ما حسبتك انك مجافيني ، ياشيخ روح الله يسعد هالوجه
ضحك من مشاعره اللي ماعرف يظهرها والتفت لناحيه ابوه ولكنه سرعان ما ألتفت لسند اللي قال : تعتقد انك وقته ؟
عبد العزيز استغرب : وقت لإيش ؟
سند اشر بعيونه على أبو ساجي : يجتمع القمر مع الشروق
رفع حاجبه وقال : ثقتك هذي بتخليني افجر راسك ، وش اللي قمر ، شايف وجهك انت ؟
ضحك : زين اجتماعي مع شروقي ، وقته ؟ لو تكلمت الحين بيكون الوضع من صالحنا ؟
عبد العزيز التفت لابو ساجي : اعتقد انه وقته فعلاً ، باجتماع الكل بيستحي يردنا و...
سكت وهو يعقد حواجبه ويناظر لابو ساجي اللي وقف وقال وهو يبتسم : يا وجيّه الخير ، يا خُسوف الجبل ، دام عز بن راجح بخير ورجع بسلامته والله ان ودي اخلي الفرحة فرحتين ، كنت بكتم الفرحة وبيبقى كل شيء على الصامت ، ولكن بما ان الفرحة منتشرة بالديرة خلوني اخليها فرحتين
حياكم الله جميعا من كبيركم لصغيركم على زواج بنتي لابن اخوي يوم الخميس ، والله انكم ترحبون كلكم
اقتلبت ملامح عبدالعزيز لدهشة والاهم لخوف بلع ريقه بصعوبة وهو يلتفت ناحِية سند اللي باقي على جلسته وباقي مبتسم ويناظر ببلاه ، للآن ما أستوعب كلام أبو ساجي ، للآن ما وقع الخبر على قلبه
عبدالعزيز رفع يده وهو يهز كتف سند بخوف : سند
سند انتبه لنفسه وقال وهو ياخذ نفس ويزفره بصعوبة : عز اللي اعرفه ابو ساجي ماعنده الا بنت وحدة وهي شروق ، تكفى نخيتك ، تكفى وانا اخوك قل ان اللي يدور ببالي خطأ قل اني فهمت خطا تكلم
عبد العزيز عض على شفته ، وسند من لاحظ سكوته ، وقف بسرعه وهو يمشي بخطوات سريعه برى المخيم ، وعبدالعزيز وقف وراه ومشى يجاريه بخطوات
وقف سند ورى المخيم وهو يستند على الجدار بيده ويتنفس بسرعه ، يأخذ نفس ويحاول يزفزه ويطلع من جوفه ولكنه كان ثقيل عليه ، وكأن الأرض على صدره ، ماعاد يقدر حتى يشيل نفسه من صدره حتى التنفس صار صعب عليه ، وكأن الحياة أنسحبت من روحه
عبد العزيز مشى وخوف العالمين بقلبه ، سحبه بإتجاهه وهو يمسكه من كتفه ويناظر لوجهه اللي بدأ ينسحب الللون منه : سند ، سند صل على النبي ، خذ نفس عميق وصل على النبي
سند ماكان مستوعب اللي حوله ، كل اللي يعرفه إنه أبو ساجي بكلمته نحره من الوريد للوريد ، حتى ماكان بقلبه مجال للإنكار ، سحب نفسه من عبد العزيز ، وهو يمشي بخطوات سريعه ناحية بيتها
مسك يده عبد العزيز بخوف : سند اصحى على نفسك يا رجل ، استهدي بالله وخلنا نفهم الموضوع
رفع عيونه الدامعة ناحية عبد العزيز وقال : ياعز شروق أنا ، تعرف وش يعني أنا ؟ يعني مستحيل أخون نفسي وشلون أصدق اللي قاله أبوها ؟ يستحيل يا عز تخون الكون كله ولا تخوني ، ولا تأخذ غيري وأنا اللي وعدتها اني راجع لأجل أجتمع فيها ، بروح اسألها بروح أتأكد ، بروح أطمن قلبي إنها على العهد بروح أقطع الشك باليقين تكفى يا عز -اخذ نفس وزفره بصعوبة - احس الارض على صدري احس اني مخنوق لدرجة الموت يا عز ابي اطمن قلبي
تنهد عبد العزيز وهز رأسه وهو يمشي معه ناحِية بيت شروق ، ولكن اللي خلى سند يوقف برأس الشارع ويناظر ناحِية بيتهم بعد ما لاحظ فعلاً ولد عمها واقف قدام الباب ويسولف مع أحد جنب الباب ، قُطع شكه باليقين ، ولاعاد عنده قوة يتقدم بخطواته ويسأل ، لأنه لو تقدم راح يكون عزاء لقلبه ماهو إطمئنان

غمض عيونه بقوة وهو يشد على قبضة يده ، ثم التفت وعكس طريقه وهو يمشي ، وعبد العزيز وراه ملتزم الصمت وهالمرة ولأول مرة يكون مقدر لوضعه وفاهم عليه ، بعدما طاح بهالدرب فهم كل مشاعر سند بهاللحظة هذي ، كيف لا ولو إنه بمكانه لكان أشعل النار بخطيبها وخلاه يحترق قدامه !

ولا وقف سند الا بمكانهم المعتاد ، برأس الجبل وحولهم الحجر والصخر الكبيرة ، جلس على مقدمتها وعبدالعزيز يناظره بضيق ، الين رفع سند يده وحطها على قلبه : عبدالعزيز أحس إن هالمكان يشتعل ، أحسه قلبي تحول لجمرة تشتعل في كل جسمي
تقدم وهو يجلس جنبه ، ويرفع يده لين لفّها على كتفه وهو يتنهد : يهون كل شيء يهون دونك
سند بلع ريقه : حتى عمري يهون ؟ عبدالعزيز شروق احلامي وحاضري وماضيّ ومستقبلي ، تظن لي حياة بعدها ؟
عبد العزيز تضايق من كلامه وقال : سنة الحياة يا سند ، ومصيرك بتكمل حياتك ، ولا يحق لك أبداً تطيح لأني بطيح وراك !
سند غمض عيونه ورفع كفه وهو يمسح دمعته بسرعه : عمري كله ياعز وأيديني عليها ظلال اغطيها عن الناس لا تنعجب فيها ، وبعدها يجي غيري ياخذها ؟ الا يا خيبتي المُرة
وتنهد وهو يربت على كتفه ، ولا بيده ولا بوسعه الا انه يمد له كتفه لأجل يبكي عليه وهو يسب التقاليد " ‏رحنا ضحايا سلوم وحطام عادات
لين استوى ذنب الوصل والقطاعه ."
بعد مامرت الساعات عبدالعزيز كان جالس جنب شبّة النار اللي شبّها لأجل يحتمون فيها من برد الجنوب ، ومقارب ركبه لصدره ولاف يدينه حواليها ، تنهد بضيق وهو يناظر لسند اللي مستند على الحجر الكبيرة ولاف جاكيته تحت رأسه ومغمض عيونه يحاول ينام ، وهذي حالته طوال الليل لين صلو الفجر ورجع لنفس جلسته
بدأت الشمس تشرق وتنشر أشعتها لأرجاء المكان
وهِنا فتح عيونه بثقل شديد وكأنه ماعاد وده يفتحها وناظر لعبد العزيز وهو يبتسم بضيق : هالمرة ماراح أمغثك "أغثك" بالشروق لأن ماعادها بشروقي
نزل عيونه للأرض وهو يشد على قبضة يده ، يتمنى لو بيده شيء يسويه ، لو يقدر يكنسل هالخطوبة من اساسها ، لو له كلمة على شروق ويقول ماراح تاخذين الا السند ، ولكن تظل هذي كلها أمنيات
بعد ما طلع الصبح وانتشرت اشعه الشمس بكل مكان وقف سند وهو يترنح بوجع من جلسته طول الليل على نفس الحالة
وعبد العزيز على طول طفى الناار ووقف وهو يسنده على كتفه ، بدون ما يتكلم
وصلو للديرة وعبد العزيز كان يمشي معه دون وجهة وين ما خذاه سند مشى وراه ، الين وقف قدام باب بيتها ، والتفت يمين ويسار في حيرة ثم ناظره : الحين لا وقفت على بابها ماعاد عليّ شرهه صح والا ؟
تنهد بضيق وسكت وسند فك يده منه وتقدم خطوتين وهو يدق الباب مرة ومرتين وثلاث
عض على شفايفه عبدالعزيز وصار يلتفت لا يقبلو اهلها بهاللحظة وما يكون عنده عذر لوجودهم هنا !
دخل عبد العزيز يدينه بجيبه وبقى يناظر لحال سند بحيرة وخوف ، ماذاق الا لذة الحب ولذة إنتظاره ، وجع الحب يسوي هالبلاوي كلها ؟
سند كان يدق الباب وينتظر لحظات قليلة ويرجع يدق ، يبي يطفي النار اللي بجوفه
وماكان يدري باللي ورى الباب تناظر له من الفتحة الصغيرة ، ويدينها على فمها تحاول تكتم شهقاتها
ودموعها مثل المطر ما وقفت طول الفترة الماضية ، والحين بحضوره ومظهره اللي بليلة بس انقلب مية وثمانين درجة وش اللي بيوقف دموعها ؟
صارت تتنفس بسرعه وهي تحاول تبلغ غصتها اللي استقرت بنص حلقها ولا رضت تبتعد عنها
ومن سمعت صوت امها وهي معصبة وتقول : شروق افتحي الباب ووجع ، تبين تلفين اهل الديرة علينا ؟ وش اللي يخليش منتظره

ارتبكت ومسحت دموعها بسرعه وقالت من قفى الباب وهي تحاول تغير نبرة صوتها المرتجفة لنبرة حادة ، لعّله يشهد على حدتها ويمشي دون ما يلفت انتباه احد ويفتح عيون ابوها عليه وهي اللي ما تبي له الضر : من اللي هنا ، ما تستتحي على وجهك ؟ العرب يدقون ثلاث مرات وان مالقو جواب انصرفو
أخذ نفس وزفره بضيق لما سمع صوتها اللي ولاول مره تستقبل بهالنبرة قال بعد سكوت ماطال كثير : انا سند
غمضت عيونها وكتمت بكاها وشهقاتها وهي تحاول ما تنهار باللحظة هذي همست بضيق وهي تمسح دموعها : ياويل حالي على اللي سويته بنفسي وفيك يا سندي ، ياويل حالي على أمانينا اللي دمرتها ،ولكن كله لأجل سلامتك يهون ، والله يهون
قالت بعدها بصوت عالي : هلا اخوي سند ، ابوي واخواني ماهم في البيت تلقاهم في سوق الديرة ؟
عض على شفته بضحكة وقال بسخرية : وانا من متى اجي لبيتكم لاجل اخوانك؟
قالت بعد تردد : اجل توكل على الله اخوي سند ، لأن ماعندنا شيء ينتمي لك



عقد حواجبه وفتح عيونه على وسعها من كلمتها ، كان منلخم ومنصدم بدأ يبسمل ويستغفر لأنه كان يظن إنه بدأ يهلوس قال بضيق : يا أخت العرب ، ما أبيك تردين علي أنتي أبي تخرج لي شروقي ناديها
أنهارت وحاولت تلملم ما بقى منها من مشاعر ومن حال وغمضت عيونها وهي تحاول يكون هالكلام الاخير بينهم لأجل يروح قبل يفهم اللي سوته ، ويخرب كل شيء ، ويعرف ابوها عنه ويقتله ! : مافيه الا شروق وحدة يا ولد ديرتي ، وصارت حرمة لولد عمها
قال سند بدهشة من صراحتها : انا غدار ؟ لاجل تخويني ؟ انا قصرت في حاجة
تضايقت وقالت : صحيح انك وفي وبري من تهمة التقصير ولكن ذي عوايدهم من أيام يثرب ، تكون البنت لإبن العم ورغبات الكبار تصير وتدري الأقربون أولى مع إنك للخفوق أقرب
وتدري للقدر كلمة ولعادات الأهل تأثير ، عشان كذا تكفى خلني وأنا من حياتك بأهرب
سكتت ومشت عن الباب ولا كانت تبي تسمع رده ، لأنها أيقنت إذا بقت أكثر راح تفتح الباب وترمي نفسها بحضنه وتطلب منه يهربّها من هالعادات ومن هالزواج اللي بيفرقها عنها
سند حسّ إن كلامها ماكان الا قصاص وأمر بالتعزيز والدنيا ضاقت به من مشرقها ليا مغربها
رجع بخطوات متثاقله وهو يبتعد عن باب بيتها
وغمض عيونه وفتحها وهو يبلع ريقه ، وعلى إلتفاتته حضرت سحابة اللي كانت تجهز لشروق أمور زواجها ومن لمحت عبد العزيز واقف ومستند على الجدار وسند يرجع بخطوات مخذولة لورى ، أحترق قلبها وضاقت بها الوسيعة ، هي اللي شهدت على عذاب هالاثنين
اقتربت وهي تسحب الرسالة اللي ما فارقت شنطتها ابد ومدتها لسند اللي وقف جنب عبد العزيز وقالت : هذه من شروق يا أخوي ، الله يعوضك خير
مشت بسرعه وهي تدق الباب ومن سمعت ام شروق صوتها دخلتها وقفلت وراها
سند ناظر للمكتوب بنظرات متعبة وكأن ماعاد له حيل للجرح أكثر ،يكفيه اللي ماجاءه يكفي ان هالليلة كانت مثل مليون سنه خاضها بهالحياة
تنهد عبد العزيز ومسك يده وهو يمشي معه ، ومن جلسو بوسط مكان خالي من أي أحد جلس سند وفتح المكتوب بإيدين مرتجفة وخايفة ، شلون لا ؟ وهذا آخر مكتوب بيكون بينهم
غمض عيونه لين حس من قوة ضغطه عليها إنها تستغيث ولا وعى الا على شدّ عبد العزيز على كتفه فتحها وزفر بضيق وهو يرجع يقرأ المكتوب بإرتجال وبعيون امتلأت بالدموع ، ما تعود على هالضعف
ولكن رؤية أحلامك تتلاشى بهالشكل المُهين والقاسي كسر ظهره
" لآخر لحظة معك أكتب هالمكتوب ، للسندّ المهيب اللي أستقر بصدري اكثر من خمس عشر سنة ، كبرنا على هالحب ضاربين بكل الديرة عرض الحائط ، كبرنا ناسين ان حبل العادات والتقاليد ملتف حول أعناقنا ومصيره يجي يوم ويشد نفسه ويخنقنا ويرجعنا للواقع ، وهاليوم جاء وهذا هو ألتف على عنقي وخنقني لين رجعت لواقعي وصرت حُرم لولد عمي ، أحلامنا كانت كبيرة علينا وعلى الواقع يا سند ، روح عسى الله يعوضك باللي تنسيك شروق "

ضحك ضحكة متحسرة على آخر كلامه : ووين هو درب النسيان لأجل أمشي له ؟
جلس عبد العزيز جنبه وهو يطويّ المكتوب ويدخله بجيب سند : وقال : انا ما بيدي غير اني اربت على كتفك ، ولا لي قدرة على شوفتك مكسور بهالطريقة ، تكفى لو ماعندي قدرة على ادخال السرور لقلبك ، خلنا نتقاسم هالوجع
تنهد : ‏تدري وش ذنبي ! ذنبي إن ثوب أحلامي طويل لدرجة لو أمشي يعرقلني وأطيح وأرجع للواقع لذلك كان هالشيء سبب من أسباب إنه قاااع عمري ما نبت فيه حلم والا أنا وغيومي أصبحنا مطر !
وقف وهو يدخل يدينه بجيبه ويمشي متجاهل مشاعره ، للحظة بس لأنه لو بقى عايش داخلها راح يحفر قبره بيدينه ، ناظر لعبدالعزيز اللي يمشي جنبه وقال : راجع للبيت ياعز ، بريّح عظامي أما قلبي فعليه السلام
تضايق عبد العزيز وقال : خلني معك ، ما ودي أروح من عندك هالوقت
ابتسم يطمنه وهو يربت على كتفه : انا انتهيت وما بقى مني رجاء ، وانت توكل على الله وكمل امورك ، واعرف غدارك وارجع لديرتها خذها قبل تطير من يدك ، ماودي تردد معي وتقول : راحت عسى الله لا يبارك في هوى بنت بدوي تقفّي بها العادات والمقسوم في تاسع لوا
تنهد بضيق وهز رأسه بطيب وسند مشى وهو يتجه لبيته ومن دخل للبيت التف عبد العزيز ومشى للبيت ، وبباله مليون فكرة ، وبقلبه يصارع الشعور السيء مع سند
وصل للبيت ودخل على طول ، وهو يتجه لإسطبل جديلة ، دخل جنبها ووقف وهو يمسح على ظهرها
ويناظرها ويناظر للخاتم اللي بين يدينه ثم تنهد بإبتسامة لما تذكرها وناظر لجديلة وهو يبتسم : جدِيلة ، دريتي عنها ؟ ‏دريتي عن اللي ضياها محاصر إعجابي بأعلى سور وأنا المعذور لو ماشوف من بعدها .. من يسوى بعد وجهها وهي وجه النور ؟


من قريت الشعر و انتي اعذبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن