الفصل الحادي والأربعون

4K 117 2
                                    

الفصل الواحد والأربعين





لم تكن قد تغيرت كثيرا .. حتى وهي على الأرجح قد تخطت الأربعين بسنوات .. لقد كانت أكثر امتلاءً مما يذكر .. وجهها الذي كان نقيا يوما بات الآن مشوها ببعض التجاعيد التي لم تنجح الزينة في إخفائها .. شعرها الأسود ظل أسودا .. كأجنحة غراب ضال .. ملابسها كانت أقل تهورا مما كنت عليه في الماضي .. فكيف لامرأة في الأربعين أن ترتدي ما كانت ترتديه امرأة شابة في منتصف العشرينات ... امرأة كرست نفسها لإغواء رجل يكبرها بعشرين سنة .. وتدميره هو وأبناءه ..
ولكن ما الذي توقعه ... وقد خسرت منذ أكثر من ثمان سنوات عائلها .. امرأة في أواخر الثلاثينات .. مرمية في الشارع بدون اي قرش في حوزتها كما حرص قائد على أن تكون .. كانت قد فقدت بالتأكيد النضارة و الشباب الكافيين لجذب عجوز ثري آخر ليكفلها ..
هذه المرأة دمرت قائد ... وحطمت بألاعيبها المريضة سنوات شبابه .. كما حطمت شقيقه رائد .. ودمرت ثقته بنفسه وفي الآخرين .. إلا أن قائد حطمها أيضا .. وقد استمتع في كل لحظة كان يقوم فيها بهذا ..
رؤيتها من جديد .. جعلت رعشة اشمئزاز ورهبة تجتاج جسده .. في تذكرة واضحة لما عانى منه على يديها ويدي والدها قبل سبع عشر سنة .. إلا أنه ما كان أبدا ليظهر لها هذا ... هذه المرأة جائت إلى هنا مراهنة على تأثير تهديداتها التي لم تتوقف خلال العامين السابقين عليه .. مراهنة على رهبة ما زالت تحسبها موجودة بعد كل هذه السنين .. ناسية أن الفتى ذا السبعة عشر عاما قد كبر .. وما عاد من السهل كسره أو إخافته ..
قال بصوت هاديء :- وأنا كنت في انتظارك ... يا عمتي ..
تشنجت أصابعها حول سلاحها وقد مس نقطة ضعف لديها بنعته المتهكم لها بعمتي .. بينما تقلص وجهها المغطى بالأصباغ بغضب ليظهر عمرها الحقيقي ... وترتسم بشاعة نفسها فوق ملامحها التي فقدت رونقها مع مرور العمر .. الاشمئزاز ... حتما الاشمئزاز ما كان يشعر به وهو يحدق بها .. وربما شيء من الشفقة على ما يمكن لإنسان مثلها أن ينحدر إليه ..
لقد كانت إنسانة منحطة تماما ... بدون ضمير أو أخلاق .. بدون روح .. كيان خالي من الروح .. نعم .... إنه حقا الوصف الأمثل لها ..
قاطعت تفكره بها بهتافها الخشن :- عمتك ؟؟؟ أنا لم أكن عمتك قط ... إذ أنني لا أكبرك بكثير ..
قال بهدوء :- إن كنت تقولين هذا ...
رفعت المسدس أكثر وهي تقول بكراهية تشبعت بها أحرفها :- سنوات طويلة كنت أنتظر خلالها هذه اللحظة .. لحظة أتمكن من استدراجك إلى مكان خالي .. نتمكن فيه من تصفية حساباتنا معا ..
في تلك اللحظة بالذات ... تذكر رسالة أسرار ... فأحس بالدماء تتجمد بين عروقه ... الرسالة .. الموعد ..لم تكن أسرار من أرسلها إليه ... إلا أن المصدر كان حتما هاتفها ..
قال بصوت هدر بصرامة :- أين هي ؟؟
ضحكت كاشفة عن أسنان مصفرة :- أنت تعني تلك الفتاة التي رأت ما ترغب لها بأن تراه .. تلك التي لم تر أي حيوان أنت ... أي كان منحط حقير أنت ...
فقد أعصابه وهو يتقدم خطوة مزمجرا بها :- وأنت أكثر من يعرف عن الحيوانية ... أتتهمينني بالانحطاط ؟؟ ماذا عن امرأة رخيصة أوقعت برجل متزوج يكبرها بكثير .. أغرته بجسدها .. ثم بالمخدر .. لتبعده عن عائلته وتحيله إلى وحش كاسر معدوم الضمير .. ثم تكرس حياتها كلها لتحطيم عائلته وأولاده ..
رفعت يدها إلى اعلى مطلقة رصاصة في الهواء ... ليدوي صوتها قويا .. صادما .. وصارخا في قلب سكون المساء .. وجهها كان مختنقا بالغضب .. جسدها كان يرتجف ... وعيناها كانتا زائغتان تماما وهما تنظران إليه بجنون حذره من إثارة غضبها قبل الوقت المناسب ... هذه المرأة مستعدة لفعل أي شيء يخمد ذلك الغضب الوحشي الذي يبدو متراكما داخل روحها ... وهو لم يكن خائفا .. حقا لم يكن خائفا ... إذ كان يعد نفسه لهذا اللقاء منذ فترة طويلة ... إلا أنه لم يكن مستعدا للخسارة ... ليس الآن ... ليس بعد أن تغير كل شيء وامتلك كل الأسباب التي تدفعه للتشبث بالحياة ..
هتفت به من بين أسنانها :- آه ... كنت لأفعل المزيد .. والمزيد .. لو أن الأمر عاد إلي .. لقد كان هدفا رسمته لنفسي منذ طفولتي .. الرجال الشبيهون بأبيك .. لا يستحقون سوى الاستغلال . ثم الغوص أكثر فأكثر في الوحل حتى يغرقون به .. والدك .. وأمثاله 00 ممن لا يتورعون عن أخذ كل شيء بدون ثمن .. وبيع أي شيء بدون ثمن أيضا .. رجال لا يتورعون عن بيع بناتهم لأجل المال .. ورجال يستغلون زوجاتهم ثم يرميهن لأكبر دافع .. وآخرين يتقاسمونهن مع رجال عائلتهم كمتاع لا إرادة له .. لا كيان له .. ولا هدف لوجوده سوى إشباع حاجة حيوانية رخيصة ... كلكم حيوانات ... حيوانات بلا عقل أو إرادة .. تلهثون وراء قطعة لحم طرية دون أن ترو السم فيها .. كلهم كذلك ... ووالدك لم يكن استثناءً ... وأنت وأخيك ما كنتما استثناءً ... ولو عاد الأمر إلي ... لفعلت المزيد .. والمزيد .. ولقتلتكما كما قتلت والدكما بالضبط .. لدمرتكما كما دمرت عائلات من قبلكم من قبل ...





في قلب الشاعر(الجزء الخامس من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن