خياران اثنان لا ثالث لهما.

22 6 2
                                    

..

كادت تجهش باكية بينما تستمد دفئها منه و لوهلة لوهلة فقط كادت تجزم انه ارتعش اثر لمساتها المكثفة.

نبض قلبها باضطراب و اغمضت عينيها تتنفس بعمق محاولة ابعاد عقلها عن الفوضى و النار التي اشتعلت بالقرية على بعد كلومترات من موقعهما و الاسترخاء.

لكنها لم تستطع ، جزء منها كان لايزال متيقظا رغم كل الإرهاق الذي يعاني منه جسدها ، قلبها ضل يرقص بصخب على انغام صرخات اهل القرية التي لا تفارق طرف اذنها و عقلها لم يزد سوآ من السوء الوضع مع اختلاقه لكل تلك السناريوهات التي لا تنتهي سوآ بجلده يعلق على بيت العمدة ، و راسه على بوابة القرية.

تنهدت بعمق و لف نفسه عليها اكثر حتى يسند رأسه على قوائمه محدقا بها بصمت ، كان يعلم ان هذا ليس وقت الاقتراب و تخط الحدود التي لطالما وضعها الاثنان بينهما لكنه لم يستطع تجاوز الخوف الذي تكون في قلبه ، خوف ان يغمض عينيه الان و تختفي حين يفتحهما لذا ضل يختلس النظر بين الحين و الاخر.

ماذا لم ابتعدت عنه..؟ ماذا لو ارغمته على المغادرة؟ ماذا لو رمت بكل السنوات التي حاول بها الاقتراب عرض الحائط و ولته ضهرها؟ ماذا لو انطفأة تلك الشعلة المتقدة التي انارت ظلامه؟ كيف سيستطيع التنفس و العيش وكان لا شيء حدث ؟ كيف سينساها ؟ كيف..؟

امتلك الكثير من الأسالة و علم انها طرحتها على نفسها هي الأخرى فلم تتوقف عن التنهد بين الحين و الاخر الى ان غفت أخيرا بين أحضانه كما اعتادت ان تفعل منذ سنوات.

منذ ذلك اليوم الربيعي المشرق الذي ازدهر بدخولها الغابة ، ليتبعها بصمت محاولا عدم جذب انتباهها اليه ، متبعا تلك الرائحة العذبة التي اشعلت فؤاده و زادت من نبض قلبه الى ان كاد يقسم ان قفصه الصدري تحطم اثر ضرباته السريعة.

لكنه لم يكن سوا جروا غبي في النهاية حيث بقفزة واحدة حاول بها الابتعاد عن نحلة لم تتوقف عن الوقوف على انفه ارتد ليقع على ضهره امامها..

توقف الزمن و احتلت علامات الاستغراب ملامحها و لوهلة.. لوهلة صغيرة كاد يقسم انها ستنفجر باكية ، لكنها لم تفعل ، بدل ذالك مالت براسها قليلا لتبتسم باتساع تلوح له.

ابتعد ببطء عن جسدها النائم ، لعق وجنتها بصمت و اخرج خرخرة صغيرة اي من كان على بعد امتار منه قد يستشعر الألم الذي عبر به من خلالها.

فلورا كانت صبية واعدة في ايام زهورها ، كانت محبوبة بقريتها و امتلكت خطيبا قد تتمناه اي انثى ، منزل دافئ و عائلة محبة بينما هو.. لم يكن سوا قطعة من احجية غير مكتملة ، كان لغزا حتى لنفسه ، كان ندبتا كونها القدر.

كانت النار و كان الماء ، كانت النعيم و كان جحيما.. كانت بشرية بحق الله و لم يكن سوآ مستذئبً وحيدا ، كانت بريئة كزهرة زنبق بيضاء تسر ناضرين و كان بستانيا امضى حياته محاول الاعتناء بها.

و الان ها هو ذا.. يقف عند مفترق الطرق. سعادته او سعادته؟ خياران اثنان لا ثالث لهما. قطفها و المضي قدما مع العلم بالذبول الذي سيغزوها ببطء او تركها بمكانها و السير عبر طريق تملئه الاشواك و الوحدة ، طريق يعلم ان الظلام هو كل ما سيحضنه في نهايته.

اخبرته ذات يوم انها كرهة الانانية التي تحلى والدها بها حين انفصل عن والدتها فقط بسبب وقوعه المفاجئ في حب احدى الراقصات التي زارت القرية في مهرجان متحرك. و قد خشي حقا ان يعلمها بالأنانية التي احلت كيانه هو الأخرى ، تلك الانانية التي تجلت بها ، ذلك الشعور الذي لطالما خنقه في كل مرة تكون على مرمى بصره.

تنفس على وجهها محاول استنشاق رائحتها للمرة الأخير قبل ان يوليها ضهره و يعدو بسرعة مناورا الشجيرات العارية.

" لا يمكنك ان تحب اي كان قبل ان تحب نفسك. "

اخبرته ذات مرة و في هذه اللحظة بالذات علم يقينا انها كانت مخطئة عكس عادتها. لوفر لم يحب نفسه قط ، لكن هي..؟ رباه احبها لدرجة انه نسي كيف هو شعور كره النفس.

..

سعادته او سعادتها..؟Wo Geschichten leben. Entdecke jetzt