لماذا نصمم؟

ابدأ من البداية
                                    

أما ثانيًا حين يُقابَل عمل المصمم الجاد بجفاء عميله.

كثُرٌ هم المصممون في عالمنا البرتقالي، منهم الحسن والجيد والخارق، لكن ما يشترك فيه الجميع هو حبهم للتصميم، ورغم كونهم مُجرد هواةٍ عصاميين لا نية لهم في احتراف التصميم، إلا أن الأمر سيان بالنسبة لهم فهم يقضون ساعات طويلة في البحث عن الصور ودمجها وساعات أُخَر في إيجاد خطوط مناسبة، كل هذا على حساب وقتهم وحياتهم الخاصة، وفي الأخير يُقابل عملهم الجاد بعملاء لم يتعلموا اللباقة وحسن التعامل.

ففي بعض الأحيان يكون العميل مستعجلًا، وكيف لا يكون وهو لا يدرك المِحن التي يمر بها المصمم من أجل صنع غلاف لائق! فيظُن الأمر سهلًا ويستطيع أي أحد فعله، وأن عشر دقائق، و ربع ساعة وقت أكثر من كافٍ، فيبدأ بالسؤال عن جاهزيته كل دقيقتين وكله غضب لأن المصمم أهمله وفضل الدراسة على تصميم غلافه.

 بحق الله! هل تظنون المصمم آلة؟ نينجا يتقن تقنية استنساخ الظل؟ أو شخصا لا يملك غير تصميم أغلفتكم في هذه الحياة؟ 

وبعد ساعة أو ساعتين من الانتظار يسأم العميل من المصمم الأول فيبحث عن مصمم آخر، وآخر، وآخر؛ فيطلب من عشرات المصممين في ذات الوقت ثم يختار جلالته ما يعجبه منها وتُكَب البقية في سلة المُهملات.

وإن لم يعجبه أيُّ واحدٍ منهم فبإمكانه تشويه -أقصد تعديل أحدهم بنفسه-  فمهاراته الأسطورية في التصميم تخوله لتصميم ما هو أفضل، لكنه يُفضل الطلب من حاشيته بدل إتعاب نفسه، فبعد كل شيء، ما المصممين إلا خدم عنده يستطيع فعل ما يريده بهم وبأعمالهم.   

وفي أحيان أخرى يكون بعض العملاء "منافقين" لا ينفك أحدهم يمدح المصمم بعد استلام طلبه بأسمى عبارات الشكر حتى يشك ذلك الأخير في ما إذا سلمه غلافًا أو لوحة لبيكاسو، ثم يغير الغلاف بعد يومين من وضعه هذا إذا وضعه بالأصل، والمصيبة أنه يستبدل الذي هو أجمل بالذي هو أدنى، مُستعملا غلافًا ليس بعُشر جمال ودقة الغلاف الأول فيترك المصمم في حيرة من أمره ويتساءل في ذاته عن الصحة العقلية لعميله.

أما والبعض الآخر فيكون وقحًا، فبدل شكر المصمم على وقته وعمله الجاد، يبدأ بالتذمر لأن الغلاف ليس كما كان يتوقع فقد طلب عشرة أشخاص على الغلاف كل واحد منهم يحمل بين ذراعيه حيوانًا مفترسًا، يتصاعد من بعضهم الدخان ويحيط بالبعض الآخر نيران سوداء بها حمرة خفيفة، كما طلب أن يكون في الغلاف ألوان الطيف السبعة لكن المصمم لم يحترم ذلك فوضع أربعة ألوان فقط لذا فقد خاب ظنه أيَّما خيبة، فغض البصر عن جمال الغلاف وعن العمل الجبار الذي قام به المصمم لتجسيد خزعبلاته في غلاف جميل، ولم يجذب انتباهه إلا الألوان الثلاثة الناقصة؛ فراح يتذمر علنًا وينعت المصمم بغير المحترف وأن تصاميمه الجميلة تذهب فقط للروايات المثلية أما الروايات الرائعة والخلاقة ذات القصص الفريدة كروايته التي تتحدث عن الزواج الإجباري في عالم الجنيات فلا تحظى باهتمام أحد.

وفي الأخير يأتي جلالة عميلنا اللطيف وبكل احترام يسأل إن كنا سنضعه في القائمة السوداء بعد أن صممنا له خمسا وعشرين غلافا لم يستعمل ولا واحد منهم، نريد إخبار جلالتك أن مكانك في جحيم باء الأسود لا في القائمة السوداء فقط.  

كل هذه المتاعب وأكثر تجعل المصمم يبتعد عن هوايته دون أن يشعر، فيكتفي بالتصميم لنفسه ولقلة من معارفه، فهو يرى ساعات ثمينة من حياته تذهب هباءً من أجل أشخاص لا يستحقون حتى ثانية منها، لكن أغلبنا يستمر لأنه وبقدر وجود عملاء مستفزين، يوجد آخرون يستحقون ما هو أفضل ومن أجلهم لا زلنا صامدين.

 كانت معكم ساموراي الجنود، نيكس إلى لقاء لاحق مع جلسة مبكى أخرى على الجنود البؤساء.

خَلاَّقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن