لعنه الخلود

554 34 1
                                    

لعنه الخلود
توجه احد الصيادين الشبان للغابة بحثا عن صيد ثمين، و ها هو بعد عده ساعات قد وجد ضالته، قطيع من الوعول عند نبع الماء ، فاستقر الشاب و أشهر بندقيته، و بدأ في انتقاء فريسته، فاختار وعلا ضخما، و لكنه لم يكن الوحيد المتربص بتلك الفريسة، فها هي هناك تختبئ بين الأحراش تنتظر فرصتها،  كشماء  (انثى الفهد) ذهبية، تقترب من ذلك القطيع متخفية عن الأنظار، حتى جاءتها الفرصة لتنقض على أحد الوعول، دون أن تدري بأنها بتلك الإنقضاضة؛ قد وضعت جسدها في مرمى تلك الطلقة، التي خرجت لتوها من بندقية الصياد؛ لترديها أرضا وسط هروب سريع للقطيع، مبتعدا عن مصدر ذلك الصوت المرعب، الذي اهجر الطيور أعشاشها و في ثواني معدودة وصل الصياد للنبع لتفقد فريسته، ليصطدم بفتاه شابة، ترتدي ثوب من جلد الفهود، قد سكنت الأرض، تسيل الدماء من أحد جنبيها؛ فزع الصياد بهذا المشهد المهيب و ركض لحقيبته مخرجا صندوق الإسعافات لا يدرى كيف لهذا أن يحدث، و ماذا تفعل تلك الفتاة هنا؟ و كيف أصابتها طلقته؟ و كيف سينقذها بهذه الأدوات البدائية؟ و لكنه و بعد عناء تمكن من ذلك، فقد اخرج الطلقة من جسدها ببراعة، و قام بتضميد جرحها، و لكنه لن يتمكن من العودة بها لمعسكره؛ فقد خيم الظلام سريعا دون أن يشعر به، لانشغاله بحالتها، فخيم مكانه و أشعل النيران و ظل يراقبها، حتى أفاقت من نومها حامدا الله على نجاتها.
 
ـ الصياد: هل أنت بخير؟ ماذا تفعلين هنا؟ و كأنك انثى طرزان الأحراش، أنا لم أرك، و كيف أفقتي بهذه السرعة من جرح كهذا!
 
ـ الفتاة: بل أنا من يجب أن تسألك ماذا تفعل في منطقتي، وجودك هنا كلفني إحدى حيواتى.
 
ـ الصياد: ماذا!
 
ـ الفتاة: هذه منطقة ممنوع الصيد فيها، بل كيف وجدت هذا المكان من الأساس! و هل هناك آخرون غيرك.
 
ـ الصياد: تتبعت آثار الوعول حتى قادتني إلى هنا. و أنا وحدي الأن، باقي أقراني في الجانب الأخر من الأحراش، لم يعد هناك الكثير من الفرائس هناك.
 
 
ـ الفتاة: بالطبع لن تجدوا، لقد هربوا جميعا، فوجودكم هنا لا يأت عليهم سوا بالموت.
 
ـ الصياد: قلت أنها منطقتك، و ما قصة كلفتك إحدى حيواتك، أقسم أني ظننت أني أصبت فهدا، فما قصتك؟ أنت مدينة لي بتفسير لما يحدث، فقد اضعتي فرصتي الثمينة في الحصول على وعلي الضخم.
 
ـ الفتاة: وعلك! من أين لك تلك الجراءة، تدخل منطقتي و تهاجم قطيعي و تحاول قتلى ثم تلومني.
 
ـ الصياد: قطيعك!
 
ـ الفتاة: أنا أرعى و أحمي هذا القطيع منذ سنوات، اقتات منه عند الحاجة و ليس مثلك كرياضة أو هوس.
 
ـ الصياد: و ما قصة حيواتك تلك، أنت قلتي ذلك.
 
ـ الفتاة: ألم ترى كشماء في منظارك، أنها أنا، أنها قصة قديمة.
 
ـ الصياد: لدى الوقت الكافي لسماعها، و فضول قاتل أيضا.
 
ـ الفتاة: حسنا و أنا مدينة لك أيضا لإنقاذي، لو تركتني لتسربت الحياة مني حتى أدركني الموت، أنها لعنه قديمه، إحدى نساء القرية سعت للخلود، و لجئت لسحر اسود لعين لتطيل عمرها مستخدمة دماء أحد الفهود، فأنت تعلم أنها من فصيلة القطط أليس كذلك.
 
ـ الصياد: فهمت فتحولت إلى كشماء ذات تسعه أرواح أليس كذلك.
 
ـ الفتاة: سبعة فقط و هذه حياتي الأخيرة أعيشها الأن.
 
ـ الصياد: و هل ظلت تلك المرأة على هيئه الكشماء.
 
ـ الفتاة: بالطبع لا، كانت تعود لهيئتها الإنسانية عند الغروب، و بطبيعة الحال عندما أشرقت شمس أول يوم في لعنتها، تحولت لكشماء، فطاردها رجال القبيلة و كادوا أن يفتكوا بها؛ فعادت في المساء و نشرت سحرها الأسود علينا جميعا و ها نحن جيل بعد جيل نعيش في ظلام أبدي كبشر و كفهود نهرب من الصيادين نهارا.
 
ـ الصياد: الأمر ليس بهذا السوء، فأنت تملكين سبع حيوات، أنا أعلم جيدا عما أتحدث، الخلود أمر يبحث الجميع عنه.
 
ـ الفتاة: أحقا تظن ذلك! أتظن أنك تملك حياة واحدة فقط، أذا فكر مجددا، كم مرة أصبت أو كدت أن تموت، أو نجوت بإعجوبة، كم مرة عرضت حياتك للخطر، كم مرة نجوت من مرض قد فتك بحياة آخرين، كل تلك حيوات قد استهلكتها، دون أن تدري أما مسألة الخلود، فهي أسهل مما تتخيل، و لكن خلود جسدك، لا يعادل أبدا خلود ذكراك بعملك و أرثك في الحياة، أنت على سبيل المثال هل جئت هنا لتقتات أم لمجد شخصي في صيد ثمين، أنت أيضا تبحث عن الخلود أليس كذلك.
 
ـ الصياد: و من منا لا يفعل.
 
ـ الفتاة: الخلود الجسدي لعنة، أن ترى الحياة تتحرك و أنت ثابت، كجزع شجرة ذابلة، تنتظر أحد المارة ليقطعها، و يحولها لحطب، لا تحصل على حياة طبيعية، تختبئ ليلا خوفا من الحيوانات المفترسة، و تختبئ نهارا خوفا من الصيادين، لقد تحول الخلود لسجن لنا، نبقي على سطح تلك الأرض نصف أحياء، و في النهاية نموت سبع مرات، هل تخيلت سكرات الموت مرة واحدة، كيف تكون لتشعر بها سبع مرات.
 
ـ الصياد: لم أنظر إليها أبدا من تلك الناحية.
 
ـ الفتاة: أتعلم ما الطريف في الأمر، أن لم ينقذك أحدهم، فأن حيواتك تتسرب منك واحدة تلو الأخرى، قد لا تحصل على الخلود و تموت في محاولتك الأولى.
 
ـ الصياد: يال سخريه القدر.
 
ـ الفتاة: سأخبرك شيئا بما إننا الأن لم نعد خالدين، أن أردت نصيحتي، حاول أن تستغل تلك الحياة في شئ مفيد، اترك خلفك ذكرى تخلد سيرتك، و اجعلها سيرة طيبة حتى لا يتحول خلودك للعنة تطاردك.
 
ـ الصياد: و أنت ماذا ستفعلين الأن؟
 
ـ الفتاة: سأعود إلى قبيلتي، لأترك أرثي أنا الأخرى، قد أتزوج و أنجب بعض الجراء.
 
ـ الصياد: أحقا تريدين نقل هذه اللعنة لأجيال جديدة!
 
ـ الفتاة / أنه الرضا، هل ستنهى حياتك مع أول ابتلاء يقابلك؟ لقد تكيفنا، أجل أنها لعنة، و لكنها غريزة البقاء بداخلنا، نحن لا نستطيع أن نحيا كبشر أو كفهود، و لكننا نجمع بين عيوبهم و مميزاتهم، فنحن نعيش أطول من الفهود، و نركض أسرع من البشر، و دعني أخبرك أمرا، أنا أراقبكم منذ سنوات، لستم أفضل حالا منا، فنحن نصطاد لنأكل، و لا نتقاتل فيما بيننا دون سبب، نحن لا نقضي على أجناس كاملة من الحيوانات، لا ندمر البيئة، و لا نقطع الأشجار، أو نسمم المياه، بل أنتم من تفعلون ذلك.
 
ـ الصياد: تتحدثين و كأن البشر هم اللعنة الحقيقية على هذه الأرض.
 
ـ الفتاة: تذكر أن هذه اللعنة بدأت بامرأة، و ليست بكشماء، البشر هم أصل كل لعنة، أما الحيوانات حتى لو كانت مفترسة، فهي تسعى فقط لحفظ التوازن الطبيعي على الأرض، أنتم من تعيشون في الغابة و ليس نحن.
 
ـ الصياد: صدقتي.

لعنه الخلود بقلم / لولو_محمدWhere stories live. Discover now