• الفـِضّـية الأولـىٰ

24 0 0
                                    


-شَهَر مارس من عام ألفين وأثنّي عشر -

تستند بسواد شعرها على النافِذة يصخب صوت الغناء في أذنيها متوارية عن العالم ناظِرة للفراغ بينما عقلها يضجّ ويصج بالأفكار المتزدحمة كما لو أنها وسط زِحام كبير في جِسرٍ ما بعكس واقعها الفسيح والهادئ تماماً ، يتوسد بين يديها جِهاز الموسيقىٰ وكما أن تِلك الألحان الصارخة والنبرة الهائجة والكلمات العاصِفة تصف شيئاً ما بداخلها تمدُّها بطاقة لمجابهة الحياة .

تنظر للدفتر المُهترئ المفرود أمامها ، رافِعة أمامها جِهاز الموسيقى الذي أحتضنته بيديها منذ لحظات خالِعة السماعات مُنحنية لأخذ حقيبتها الفانِية مُدخلة إياها السماعات والجهاز ، من جيب المِحفظة الصغير تخرج قلماً بلونٍ أزرق فاتحةً الكِتاب القديم تنتقل بين طياته والذي يحوي طفولتها وسنين عمرها ، الدفتر يعتبر عالمها الوحيد الذي يمكن فعل ماتشأ به يمكنها الضحك والبكاء الضرب والأنتقام ، حيث بكلماتها تطعن وتقتل من تشاء تصادق من تشاء  تحب من تشاء بل وأيضاً تحلم وكأنها ملكة تسجن ماتريد وتعذب من تكرهه .

يمكنها أن ترسم نفسها كلينا التي تركض بين الحقول تساعد عدنان وعبسي في حصد القمح ، أو تكون سندريلا تخدم زوجة أبيها ، أو حتى تكون تعيش دور هيناتا التي تخجل للإعتراف بحبها ، ويخيل تارة أنها تكون صبياً ولديها أختٌ تحميها بعد فقدان جميع أفراد عائلتها في حادثٍ شنيع في أواخر ديسمبر فتبحث قاتل عائلتها ، يُخيل إليها أنّ لها صديقة ما وسط عتمة حياتها وظلامها ودّت لو أن تِلك الصديقة تكون حمامة السلام البيضاء تضيء ثقباً ما من جُدار ظلامها ، يكون شيء ما لطيفاً وجميلاً في حياتها بدل كل السواد والعتمة .

بعد ليل كل مرء يحتاج شعاعاً في سقف حياته المريرة ، وأن هناك العديد من البشر مثلها مظلمين لدرجة أن السواد ظغى طغيان في دواخلهم فيبدو وكأنهم موتى تجاه الحياة ، بينما نصف الآخر المشرق هو بصيص آمل لديهم ونور عتمتهم في هذه الحياة ، لم يسبق لها في حياتها وأن رأت رمادياً وهذا ما جعلها تصمت شاردة في عينياها الحيرة تجول بِها باحثة عن رمادياً ما هنا .

لكنه غير موجود ، الكل هنا مشرق ومظلماً في هذا الصف الموشك على الإنتهاء نظرت للنافِذة لكنها لم تجد رمادياً ، لتكمل أبياتها الموسيقية زافرة بِضيق تكتب بعنف بسبب الرمادي الذي أسدى لها ملاحظة ذهنية بأنه
' غير موجود على الكرة الأرضية'

لتعيد كِتابة أغنيتها مُجدداً بشكل مُنزعج أتضح من كتابتها وتغلقه بِغضب كمن تغلقه علىٰ خليلها الذي أستاء منه فهماً وطردته ، هي كذلك خرجت كتابها وطردته إلىٰ حقيبتها تواً ، وضعتها في حضنها إتكئت بيسارها على خدها تفكر بما فعلته تواً

قِصة أغسطس / نجوم فِضّية Where stories live. Discover now