تمرد طفله (١٦) 🧡🤩

920 13 0
                                    

الفصل السادس عشر
"تمرد طفلة"

بعد مرور سبع سنوات..
و بينما كانت مريم منهمكة في تنظيف المنزل من حالة الفوضى التى كان عليها بسبب لهو صغيرها "محمد" طفلها الثانى و الذي رزقها الله إياه بعد فترة ليست بالقصيرة أبداً ؛ نتيجة بعض المشاكل الصحية التى عصفت بها .. و منعتها أو لنقل أخرت لديها فرصة إنجاب طفل آخر بعد "سلمى" لمدة عشر سنوات..
= سلمى .. يا سلمى .. شوفي يا حبيبتي اخوكى محمد بيعيط ليه .. ليكون حاجه جت علي وشه خنقته ..ولا وقع..
تأففت "سلمى" بـ ضجر من طلب والدتها و صاحت بصوت جهور :
=مش قادره يا ماما اقوم ... انا تعبانه ..

وصل ردها الصاخب الي "مريم" في المطبخ .. و جعلها تلقى ما بيدها بنفاذ صبر .. فـ تلك ليست المرة الأولى التى تتمرد فيها" سلمى" و ترفض مساعدتها ..
خرجت من المطبخ و أقبلت عليها في غرفتها بعد أن تناولت الصغير و صاحت فيها :
انت مابتسمعيش الكلام ليه يا سلمى .. ايه اللي جرا لك بقيت بتقولى لأ كتير ليه ..؟! و علي طول حجتك انك تعبانه ..
وضعت "سلمى" الوسادة على وجهها و لم تعر "مريم" أي انتباه .. مما أثار استياء "مريم" و جعلها تتوعدها قائلة:
صبرك بالله يا سلمى .. لما بابا يرجع من الشغل هقوله علي كل اللي بتعمليه .. و مش هدارى عليكي المره دي ..لما اشوف أخرت الدلع الماسخ دا ايه ..
...
ألقت بتعدي في وجه "سلمى" ثم غادرت الغرفة ، صافقة الباب خلفها .. أبعدت"سلمى" الوسادة عن وجهها وجلست علي الفراش تفكر في حجة قوية تجعل والدها يصدقها .. فهو في كل مرة يكتشف كذبها يحزن منها و يخاصمها يوم او يومين ..
مرة ساعه و لم تجد حجة قويه لذا قررت "سلمى" أن تعتذر من والدتها .. وتذهب لمساعدتها في إعداد الغداء .....
دلفت الي المطبخ .. و اقتربت من والدتها التى كانت تقف حاملة الصغير علي ذراعها و بالآخر تقلب شيء ما في زيت حارق على النار..
همسات لها بأسف قائلة: انا اسفه يا ماما .. متزعليش منى .
في تلك اللحظه كان الغضب قد اعمى "مريم" و حجب عن قلبها مشاعر العطف و المسامحة .. لذا قالت بنبرة أمره و هي تناولها الملعقة الموجودة في يدها قائلة:
اقفى أقلى البطاطس دى مكان .. لحد ما أرضع اخوكى زمان بابا علي وصول..
اقتربت "سلمى" بحذر و اومأت برأسها و هي تلتقي منها الملعقة بيد و بالآخر تمسك يد المقلاه ..: حاضر يا ماما ..
ثم استطردت بكلمات يغلفها الخوف: بس خليكي قاعده هنا عشان الزيت مايحرقنيش ..
نهرتها "مريم" بغضب : ليه ..؟! انتى لسه صغيرة .. انتى خلاص كبرتى و بقي صوتك بيعلى عليا و بقيت بطنشي كلامى .. يعنى كبرتى .. اتحملى مسؤولية نفسك بقي . و ورينى جرائتك ..
هنا اضطربت "سلمى" و انسابت دموعها علي وجنتاها في صمت .دون أن تراها امها .. هي حقا مخطئة في حق والدتها .. لقد أدركت خطؤها لذا ستنتهى و تذهب الي مراضاتها و الاعتذار منها .. و خطر في بالها والدها الذي سوف تعترف له بخطئها كي يساعدها في مصالحة والدتها ..
و بينما كانت يدها الصغيرة تقلب رقائق البطاطس .. رن جرس الباب ..
فـ صاحت "مريم" قائلة: افتحى الباب يا سلمى ..
انتفضت "سلمى" من صوت "مريم" فقد افزعها صوتها العالى بشده خاصة أنها كانت شاردة الذهن .. مما أدى إلى اهتزاز يدها الصغيره و سقوط بضع رطوش من الزيت لتنل من ذراعه .. و في لحظة واحده كانت المقلاة تقع من يد "سلمى" علي الارض و يسقط معظم الزيت الحارق علي جسد تلك الصغيرة لتصرخ بقوة و آلم رهيبين .. صرخة افزعت "مريم" و افزعت "مالك" الذى كان يضرب الجرس .. طرق الباب بقبضة يده بعد أن تملكها الفزع عل ابنته صغيرته و قال له : افتحى يا مريم .... افتحى يا سلمى .. ايه اللي حصل جوا ..
لعن "مالك" الثانية التى نسي فيها مفتاح البيت و لم يأخذه معه في الصباح .. و بينما كان يفكر في كسر الباب .. وجد "مريم تفتحه و تندفع نحوه حاملة " سلمى " وتصرخ بهلع : الحقى يا مالك سلمى .. سلمى يا مالك ..
ازداد جحوظ عيناه و دب الرعب أركانه حين رأى عويل زوجته و نحيب ابنته فلذة كبده و حياته .. القى الاوراق و الحقيبة من يده و انطلق نحوها يحمل سلمى عنها يهرع بها الي سيارته .. التى قادها بسرعة الريح نحو اقرب مستشفى ..
بعد خمس دقائق من القيادة المتهورة وصلوا الي الكشفي .. حمل مالك ابنته بين يديه و هرول بها الي مدخل المشفى .. تكاد عيناه لا ترىه أمامه بسبب الدموع المتحجرة في مقلاتيه والتى تحول دون رؤيته ..
صاح في موظفة الاستقبال بحزم و غضب : بنتى .. الحقوا بنتى .. الحقوووها ...
أشرت الموظفه الي ممريضين ليحضروا السرير الناقل و يجعلوا مالك يضع ابنته التى تصرخ بألم شديد عليه ..
انسابت دموعه علي وجنته و تبللت لحيته .. يراقبها بعينين حادتين كالصقر و قلبه يهفو نحوها لا يقوى علي مفارقتها..
..........
بعد ساعة ..
عاشها مالك و مريم في انهيار تام .. شاركهم فيها ريان الذي اقبل عليهم يلحق بهم بعد ان اتصل به مالك وأخبره أن تذهب ملك للاعتناء بـ محمد في غيابها .. و بالفعل اخذت اياد و حور ابنتها وذهبوا الي بيت شقيقها المكوث فيه ..
= انا السبب انا اللي عملت فيها كدا .. انا السبب... انا ..
كان ذلك ما اخذ لسان مريم يرددها خلال تلك الساعه.. ندم ما بعده ندم ندم لا يجدى نفعا .. بعد ان فات الاوان فلا سبيل الان الى الرجوع بالماضي و لا تجدى يا ليت نفعا... هيهات هيهات .
ربت ريان علي كتفها ثم قال بعطف : وحدى الله يا مريم .. دا مقدر و مكتوب .. الحمد لله انها جت علي أد كدا ..
نظرت إليه بأعين يغامها احمرار رهيب ثم قالت : قالت لى يا ماما خليك معايا .. اخاف الزيت يحرقنى .. زعقت لها قولت لها انتى خلاص كبرتى و بقي صوتك بيعلى عليا .. كنت بعاقبها علي زعيقها عليها اتارينى كنت بـ عاقب نفسي .. ااااه يا حبيبتي يا بنتى .. ااااه يا بنتى .. حقك علي عينى يا حبة عينى .
كان كلامها كالخناحر التى تنخر قلب مالك لا يصدق قساوة قلب مريم .. أيعقل أن ما تحكيه قد حدث فعلاً ؟!
قطع شروده .. خروج الطبيب من الغرفة لينقل لهم الخبر او فلنقل الفاجعة ..
اقترب الطبيب من مالك و قال : انتم ازاى سبتوا طفلة في السنه دا تدخل المطبخ لوحدها بدون رقيب .. ؟!
رد مالك بخذلان قائلاً إن بانكسار : انا كنت في الشغل .. و علي ما وصلت كانت كلمتها مقبلانى بيها ..
أمسك بذراعه يترجاه قائلا يتوسل : ارجوك يا دكتور قولى أن بنتى هتبقي كويسه ..
رد عليه بأسف قائلا: للاسف يا استاذ مالك .. الحروق اللي في جسم سلمى حروق من الدرجة الثانية و الثالثة .. و للاسف علاجها بيكون علي المدى الطويل .. هي دلوقتى وخدها مسكنات عشان تسكن الالم .. و تهدى أعصابها لأنها كانت بتادعانى من انهيار علي ما يبدو ..
شد حيلك يا استاذ مالك الحالة دي لما بتجلنا بنقول لاهل المريض الحمد لله أن ابنك لسه عايش بغض النظر عن كول فترة العلاج أو اختفاء الحروق دي من جسمه .. ربك بيلطف بعباده .. ألف سلامه عليها..
لم يتمكن مالك بالمنطق بحرف واحد .. فتدخل ريان و شكر الطبيب نيابة عنه قائلا :
شكرا يا دكتور ..
=العفو ..
و قبل أن يتخطاهم .. همست إليه مريم بطلبها : أنا ممكن تشوفها ؟!
نظر إليها بطرف عينه ثم سألها: و حضرتك مين ؟!
= أنا مامتها...
رفض الطبيب بحزم قائلا : لا ممنوع..
زاد لهجته الصارمة في الرد عليها من بكاءها فقد حملت لهجته في الرد شيء من الاستحقاق و الكره ..
تركها الطبيب و رحل الي غرفة تجمع الأطباء ..
دلفها ب وجه عابس .. يشتم من بين أنفاسه و يتمتم بكلمات غير مفهومة ... سألها إحدى الطبيبات المتواجدات بالغرفه :
مالك يا دكتور رائف ؟! في ايه .. ؟! مالك ؟! داخل وشك مايتفسرش ليه كدا ..؟!
صاح بضيق شديد : قمة الاستهتار و التسيب اللى عند الأم ..احكى لك ايه ..طفلة زي الملاك .. أمها سابتها في المطبخ لوحدها و الزيت وقع فوق البنت سواها بالمعنى الحرفي .. لو شوفتى شكل جسمها يا دكتوره فاطمه قلبك هيوجعك عليها و تعرفي فعلا سبب انفعالى ... لا وبعد وصلت بنتها لـ هنا بايديها كمان عاوزه تشوفها .. بكل بجاحه..
اعترض فاطمة قائلاً يشفقة : ما تحكمش علي الحاجه من الظاهر بس يا دكتور رائف .. هل لما شفت الأم دى كانت وقفه صلبه و بتسألك بصوت قوى ولا مبالاة عن حالة بنتها .. و لا كان صوتها ضعيف مكسور زي الطير اللي انكسر له جناح و لا قادر يطير و لا يوصل السما .. ؟!!!
شرد رائف في كلام فاطمه قليلا ثم قال :. منكرش أن الحزن كان مالك منها و ظهر علي صوتها .. بس هيفيد بايه ندخل دلوقتى و جسم بنتها نصه اتشوه .. هيجي لها قلب ازاى تبص لبنتها ازاى و هي كدا... كل ما هتبصلها هتفتكر إهمالها ..
= انا شايفه انك قاسي في حكمك علي الام جدا و ظالمها.. اكيد ليها أسبابها القهرية اللي تخليها تغفل عن بنتها .. اكيد عندها اطفال تانين .. شغلوها ..
= والله النيابة هى اللي هتبين إذا كانت مظلومه ولا لا ..لما يحققوا معاها بتهمة إهمال طفل ....
شهقت فاطمه من ما قاله و قالت : نيابه ...!!
= ايوا طبعا .. انتى مفكره الموضوع هيعدى كدا بالساهل ..
و قبل أن يحتد النقاش بينهما ..صدع صوت موظفه الاستقبال تنادى الدكتوره فاطمة بضرورة الحضور الي غرفة رئيس مجلس الإدارة لأمر طارئ لذا خرجت علي الفور .. دون أن تنهي ذلك النقاش أملى أن تتحسن الفتاة في اسرع وقت ...
.....
مر الليل مثقلا عليهم جميعا .. فـ بالفعل أتى ضابط ليحقق في الواقعه .. فتحدثت مريم و أدلت بكل ما حدث ... ثم تحدث إلى سلمى التى فاقت لتوها ..
=حمدالله على سلامتك يا جميلة الجميلات ..
ردت بوهن : الله يسلمك .. شكراً .
ابتسم معجبا برزانتها ..ثم قال : انا عمو صلاح .. ممكن تحكى لى ايه اللي حصل ..
خافت سلمى من تودده و زاغت بين الحضور كمن يبحث عن ابرة في كومة قش .. و بينما هي تبحث و تتقلب بعينها بين صفحات أوجه الحاضرين .. تتعدى ببعض الراحة حين وجدت سألتها و التقطت عيناها عينى والدتها من خلف نقاب وجهها .. نادت عليها قائلة بضعف : ماما ..... ماما .
رفعت يدها اليسرى الموصل بها المحلول المغذي ..و أشرت نحو أمها الواقفة بعيدا تبكى و هي تطالعها ثم مامتها من جديد : ماما.
هنا انهارت كل دفاعات مريم و اندفعت نحوها .. و ارتمت علي الارض بجوار فراشها تمطر يدها بوابل قبلاتها .. تردد عبارات الاعتذار.. و عيناها لا تكف عن البكاء ابدا .. : انا اسفه يا حبة عينى ... حقك علي عينى .. ياريت كنت أنا مكانك ..
بكت سلمى علي بكاء أمها و قالت : سامحيني انت يا ماما . انا غلط لما عليا صوتى عليكى و لما رفضت اساعدك... و لما كدبت عليكى في تعبر .. انا اسفه .. اسفه .
انخرطوا في وصلة بكاء دائمين ..
سألها خلالها المحقق قائلا : سلمى انتى تقدرى تعيشي بعيد عن ماما مريم و بابا مالك ؟!
إجابته بالنفي : لا طبعاً .. مقدرش اعيش من غيرهم ابدا .أومأ بتفهم .. ثم نهض و معه مرافقه .. و خرج ليوصله ريان و يسأله عن وضع شقيقته .. فقال : انا كمان عندى بنوتى اللي مقدرش اعيش من غيره يا باشمهندس .. متقلقش التحقيق اتقفل .. مافيش قوة علي وش الأرض تقدر تاخد ضنا من أمه ..حتى لو القانون نفسه ..اطمن و طمن مدام مريم .. و عليها تاخد بالها من سلمى و اتمنى أن ربنا يندتم شفاها علي خير ..
شكره ريان بحفاوة قائلا : شكرا لحضرتك جدا ي حضرة الظابط ..ربنا يعلى مراتبك و ينجح لك المقاصد .. انت قدمت لنا معروف عمرنا ما ننساه ..
_ انا معملتش حاجه غير أن حطيت نفسي مكان مدام مريم و عرفت أنى مقدرش اتخلى عن بنتي بسهوله كدا .. اسمح لنا ..
_ اتفضل .. اتفضل ..
_ اشكرك..
غادر المحقق و بقيت مريم برفقة ابنتها ترعاها طوال فترة تواجدها بالمشفي لا تغفل عنها لحظة حتي بدأت تتمثل الشفاء ..
أما ريان فكان له قدم في المشافي و قدم في المنزل يطمن ملك و الأطفال علي ابنة خالهم..
أما مالك فكان يتجنب التحدث الي مريم معظم الوقت و توترت علاقتهم هلال هذا الشهر . حتي أتى اليوم الأخير لهم في المشافي و التى ستخرج بعده سلمى .. بجسد طفلة مشوه لتمارس حياتها بشكل طبيعي دون الاحتكاك بما يذكرها بما حدث لذا قرر مالك قرار راي أنه الصائب للجميع و لنفسية ابنته الغالية ..و القرار هو كـ......
...
يتبع ...
ايه رايكم يا قمرات قلبي ❤️
ورونى تفاعل كبير يشجعنى علي الكتابة
و متنسوش تعملوا لى فولو يا حبيبي ♥️❤️

جرعة حب للكاتبة/إيمان أحمد يوسفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن