الجُزء الثاني

7K 393 208
                                    


أشياءٌ صغيرةٌ جدًا، أشياءٌ طفيفة

مضت نُدوبها أمامي و حولي ثُم مرت بي، حُشِرت بزواياي و أماتت شغفي قبل حُبي للحياة، أماتتني انا، أماتت أحلامي، أماتت كل شيءٍ نويته

في هذا العالم الذي تتوفى به الأُمهات بالمرض الأكثر تعارُفًا، بالحسرة البطيئة، بالسكين الحاد الذي يمُر برويةٍ على أعناقهن، فهكذا ماتت أُمي، هكذا عانقها القهر لنِصف حياتها

هكذا أُخِذ مني رويدًا رويدًا ما أملكُه، هكذا دُس السُم في عُنقي، حتى صار يسري كل يومٍ في أجزائي، و هكذا كان..

" سيدي أتسمعُني؟ "
رفعتُ رأسي إلى عامِل المخبز أمامي بعد أن كنت غارقًا في عقلي، أشاهد كيسًا ورقيًا في يدهِ يخرج البُخار منه فشعرت بالألم في معدتي من شِدة جوعي.

" شكرًا لك، نهارٌ سعيد "
قلت بعد أن دفعت مال ما أخذتُه هامًا بالعودة إلى المنزل مُجددًا، في صباح اليوم كان هنالك شيءٌ غريب بطريقةٍ غير مألوفة لي

كل شيءٍ كان مُماثلًا، مثل كل يوم، ستائري لم تُفتح بإستثناء خاصة غُرفتي التي تركتُها انا، الأكواب المُتسخة المُتكومةُ في مطبخي، و الكُتب المُتناثرة على أريكتي

لكن شُعور غريب راودني، مثل النَقر على رأسي من الداخل

فبعد كل شيء، أنا لستُ الشخص الذي لا يلحَظ الأوراق المُتساقطة بشكلٍ أكثر من المُعتاد من إحدى الأشجار أمام منزلي، و تأكُدي من خَلاء الطقس من الأمر كان حتميًا.

لكني قد حسِمت قراري و لن أكترث لشيءٍ اليوم، الطقس بهذا الصَباح كان منعشًا و رائعًا جدًا فَلم أقدر أن أُفوته بالنوم لوقتٍ أكثر و أخذت مِعطفي البُني و حقيبتي المُعتادة خارجًا لأُحضر الخُبز الساخِن

الشجرُ الأخضر يلتفُ حولي من كل صوب، و أنفاسي التي تُخرج الدخان لشدة البرد، الشوارع كانت تكادُ تكون خالية لشدة ما كان الوقت مُبكرًا، أشاهد خُطواتي على الأرض و كل ما كان يُستمع حينها هو ضرب حذائي الأسوَد من مشيّي و شيءٌ طفيف من تغريد بعض الطُيور قد بدأ يزدادُ و يتداخلُ في أُذني

" بئسًا "
أنطق هامسًا ثُم أُعاود حمل حقيبتي التي سقطت أرضًا و تناثر بعض الورق منها.

و سريعًا ما عقدتُ حاجبي حين لمحتُ ورقةً صغيرةً أُخرى صفراء لا تشبه ورق دفاتري، و كانت مطويةً بشكلٍ ضئيل و لمحتُ إسمي على مُقدمتها

إلى كيم تايهيونغ :
" الزُقاق الخامس. "
اقرأ ما كُتِب عليها بعد أن فتحتُها بهدوءٍ شديد خشية أن تّتمزق فكان ملمسُها هشًا جدًا، فإزداد شُعور غرابتي، مالذي أتى بها هُنا؟ أوضعها أحدهم حين كُنت في المكتبة؟


VK| مَشهدٌ مِن نافِذةWhere stories live. Discover now