الفصل الرابع

Start from the beginning
                                    

ما إن استدار ليلقن الفاعل درسا لن ينساه، حتى تسمر وهو يرى طفلة بالكاد تصل إلى كتفه تحمل عصا أطول منها، وربما أثقل منها ترتعش من الخوف.. هل هي خائفة؟ سمراء لوحت الشمس بشرتها فأعطتها لونا ذهبا جذابا، بغمازة على جانب خدها، وعيون سوداء مكحلة بإتقان تحيط بها رموش كثيفة، في خضم سرحانه في ملامحها الجذابة، لم يسمع إلَّا "خسيس، عديم الكرامة والرجولة"...

بكل براءة سألها:

- "هل أنتِ مجنونة؟"

استشاطت آنيا غضبا وهي تلوح بعصاها أمام وجهه:

- " بل أنتَ المجنون الذي يحاول التجسس على صديقتي!!"

نظر إليها ببرود وهو يرى ارتعاشة يديها تزداد والتي انتقلت إلى العصا... حاول كتم ضحكته وأجابها:

- "أبعدي عن العصا يا صغيرة كي لا تجرحكِ.."

صاحت آنيا بصوت أعلى:

-"أنا لست صغيرة.. فقط قصيرة.."

ضحك ما جعلها تستشيط غضبا:

- "حسنا أيتها القزمة.. دعي عنك هذه العصا لكي لا تؤذيكِ"

ما أن سمعت كلمة "قزمة"، أكثر شتيمة تكرهها في حياتها، حتى فقدت سيطرتها على نفسها من شدة الغضب وحاولت أن تهوي مرة ثانية وثالثة بالعصا على إيدر ومع كل محاولة تتمت بكلمة:

- "لا... تقل... أبدا... أبدا... قزمة... في وجهي!!"

سكتت وسكنت العصا ثم أضافت:

- " ولا خلف ظهري!!"

لم يستطع إيدر أن يحبس ضحكته وهو يتفادى ضرباتها... هل تدافع عن صديقتها أم عن نفسها... ياإلهي ما هذه اللبؤة الشرسة... وقف ينظر إليها وحاجبه مرفوع... كأنه يتحداها:

- "هل هذا كل ما لديك؟؟"

كانت تلهث وهي تستند على العصا ثم قالت:

- "لنرجع لموضوعنا الأول.. مالذي تفعله هنا؟"

- "أتيت أبحث عن تلك الفتاة..."

وأشار إلى ايلودي..

- "إيلودي؟؟ ماذا تريد منها؟؟"

همت أن ترفع عصاها من جديد..

- اهدئي يا.." سكت و هو يرمقها باستفزاز... ليكمل " .. أنا فقط أريد سؤالها عن حالة القايد الصحية... أنا صديق ابنه أنير..."

"أحسنت إيدر، سبب مقنع.." هنأ نفسه

- "نعم.. إنه مريض جدا... فقد أخبرتني إيلودي أنه لم يعد يستطيع تحريك رجليه إثر سقوطه من على الحصان الأسبوع الماضي.. إنه حقا رجل مسكين!!"

أجابته بتفكير... هذه الفتاة في جزء من ثانية تكون مشتعلة جدا حد الاحتراق ثم باردة جدا حد التجمد... من يراها لن يجزم أنها الفتاة التي كانت تصرخ قبل قليل.. طوال عمره 32 لم يلتقي بانسان متقلب مثل هذه الفتاة...

- "ولماذا لم يذهب إلى المستشفى؟"

- "لقد رفض... جميع رجاله وإيلودي حاولوا اقناعه.. لكنه يرفض.. "ثم صرخت بكل قوتها" ابتعد عن طريقي، ولا تقترب من صديقتي وإلا أقسم أن أكسر كل ضلع في جسدك!!"

وبحركة استفزازية انتقلت بنظراتها من حذائه ثم توقفت قليلا على عضلات صدره البارزة من قميصه الأبيض ثم أكملت إلى شعره وهو ينظر إليه وفي عينيه نظرة مرحة

- " وتأكد أنني سأستمتع جدا بطقطقة أضلعك واحدا وراء الثاني، وأخبر صديقك أن يتنازل قليلا من عليائه ويزور أباه!!"

رمت العصا قريبا من قدميه كتهديد، ثم مرت من أمامه باتجاه صديقتها، ضحك على حركتها وصاح:

- "انتظري، ما اسمك يا قصيرة؟"

لكنها لم تجب بل أكملت طريقها دون اكتراث... وقف ينظر إليها قليلا ثم استدار وولى راجعا... وعيون غامقة محت عيون فاتحة من عقله...


أنين الهوى  الجزء الأول من سلسة "تايري"Where stories live. Discover now