الأول

16.2K 163 10
                                    

الأسود يليق بك

الفصل 1

الكاتبة - أحلام مستغانمي

(( الإعجاب هو التوأم الوسيم للحبّ.))

كبيانو أنيق مغلق على موسيقاه، منغلق هو على سرّه. لن يعترف حتّى لنفسه بأنّه خسرها. سيدّعي أنّها من خسرته، وأنّه من أراد فراقًا قاطعًا كضربة سيف، فهو يفضّل على حضورها العابر غيابًا طويلاً، وعلى المُتع الصغيرة ألمًا كبيراً، وعلى الانقطاع المتكرّر قطيعة حاسمة.

لشدّة رغبته بها، قرّر قتلها كي يستعيد نفسه، وإذا به يموت معها، فسيفُ العشق كسيف الساموراي، من قوانينه اقتسامُ الضربة القاتلة بين السياف والقتيل.

كمل يأكل القطّ صغاره، وتأكل الثورة أبناءها، يأكل الحبّ عشّاقه. يلتهمهم وهم جالسون إلى مائدته العامرة. فما أولَمَ لهم إلّا ليفترسهم. لسنوات، يظلّ العشّاق حائرين في أسباب الفراق. يتساءلون: من ترى دسَّ لهم السمّ في تفّاحة الحبّ، لحظة سعادتهم القصوى؟ لا أحد يشتبه في الحبّ، أو يتوقّع نواياه الإجراميّة. ذلك أنّ الحبّ سلطان فوق الشبهات، لولا أنّه يغار من عشّاقه، لذا يظلّ العشّاق في خطر، كلّما زايدوا على الحبّ حبًّا.

12 أحلام مستغانمي كان عليه إذًا، أن يحبّها أقلّ، لكنّه يحلو له أن ينازل الحبّ ويهزمه إغداقاً. هو لا يعرف للحبّ مذهبًا خارج التطرّف، رافعًا سقف قصّته إلى حدود الأساطير. وحينذاك، يضحك الحبّ منه كثيراً، ويُرديه قتيلاً، مضرّجًا بأوهامه.

أخذ غليونه عن الطاولة وأشعله بتكاسل الأسى. إنّها إحدى المرّات القليلة التي تمنّى فيها لو استطاع البكاء، لكنّ رجلاً باذخ الألم لا يبكي. لفرط غيرته على دموعه، اعتاد الاحتفاظ بها. هكذا، غدا كائنًا بحريًّا، من ملح ومال.

هل يبكي البحر لأنّ سمكة تمرّدت عليه؟ كيف تسنّى لها الهروب وليس خارج البحر من حياة للأسماك؟ قالت له يومًا ((لا أثق برجل لا يبكي)). اكتفى بابتسامة.
لم يبح لها أنّه لا يثق بأحد. سلطة المال، كما سلطة الحكم، لاتعرف الأمان العاطفيّ. يحتاج صاحبها إلى أن يُفلس ليختبر قلوب من حوله. أن تنقلب عليه الأيّام، ليستقيم حكمه على الناس. لذا لن يعرف يومًا إن كانت قد أحبّته حقًّا لنفسه.

ذلك أنّ الأيّام لم تنقلب عليه، بل زادته مذ افترقا ثراءً كما لو أنّها تعوّضه عن خساراته العاطفيّة بمكاسب مادِّيَّة. هو يرتاب في كرمها. يرى في إغداقها عليه مزيدًا من الكيد له. أوليست الحياة أنثى، في كلّ ما تعطيك تسلبك ما هو أغلى؟

يبقى الأصعب، أن تعرف ما هو الأغلى بالنسبة إليك، وأن تتوقّع أن تُغيّر الأشياء مع العمر ثمنها.. هبوطاً أو صعودًا.

الأسوَد يليق بكِ 13 يوم شاهدها أول مرة تتحدث في حوار تلفزيوني، ماتوقع لتلك الفتاة مكانة في حياته، فلا هو سمع باسمه يوما، ولا هي كانت تدري بوجوده. لكنّها عندما أطلّت قبل أيّام، كان واثقاً أنّها لا تتوجّه لسواه، فما كانت أبّهتها إلاّ لتحدّيه.

الأسود يليق بك حيث تعيش القصص. اكتشف الآن