نبيذ نابولي

Start from the beginning
                                    

" أنت مرتابة منا الآن أنا وأختي؟"
"بصراحة أجل."
ابتسم باستمتاع وهو يواصل النظر أمامه:" هل تعلمين ... تعجبني صراحتك كثيرا ... لو كانت امرأة إيطالية لجاملتني وأنكرت حقيقة شعورها."
"كيف لراهبة أن تُخطب وتتزوج؟"
هذه المرة ضحك عاليا مما فاجأها، انتظرت أن ينتهي من ضحكاته المستفزة تلك .. نظر اليها وقال والابتسامة الساخرة لا تفارق شفتيه:" إنها ليست براهبة .. أختي مدللة جدا ولا تعرف ماذا تريد .. هل تعلمين بأنها غيرت لثلاث سنوات مجال دراستها لأنها تكتشف بعد كل بضعة أشهر بأنه ليس ذلك ما تريد دراسته أو العمل به."
ولكي يؤكد لها كلامه، أخرج هاتفه من سترة جيبه بحث فيه لبضع ثوان قبل أن يمد لها شاشته وهو يقول: "انظري"

فتحت صونيا عينيها باستغراب .. كانت هي .. لكنها مختلفة جدا في الصور .. راح فابيو يقلب لها الصور واحدة تلوى الاخرى .. إحداها كانت أخته بشعرها الطويل وبشرة سمراء اامعة تغطيها ثياب بحر مثيرة وهي تستلقي على الشاطئ ضاحكة مع أخيها وصور غيرها كثيرة في احتفالات ليلية شبابية ويظهر الكثير من المشروبات الكحولية حول طاولتها مع أصدقائها .. حتى أنه أظهر لها صورا عديدة لها برفقة شبان مختلفين .. أخبرها بأنها كانت على علاقة معهم وفي كل مرة كان يظن بأنها علاقة جدية تعود إليونورا وتخيب أمله.

" لكنها مؤخرا أحبت شاباً درس معها في أمريكا وأصرت على الزواج به." قال ذلك وهو يعيد هاتفه لجيب سترته ويعدل من جلسته.

" المفاجأة أن ذلك الشاب ابنٌ لإحدى أكبر العائلات المنافسة لي في عالم صناعة النبيذ .. والمشكلة أنهم أناس تقليديون ومتعصبون جدا ويعتبرون كل منافس هو بمثابة عدو لهم وقد قاموا بمحاربتي بطرق قذرة. في البداية لم أهتم لحبها هذا واعتقدت كما العادة بأنها ستملّه كما ملَّت غيره وستتركه لكنني تفاجأت بأنها مُصرة على الزواج به.. كانت صدمة لي أن عائلته أبدت عن موافقتها بزواجهما وتلاحم عائلتينا .. حتى أنهم عرضوا عليّ أن تنصهر بعض من أعمالنا. اقتنعت في الاخير بالمشروع فزواجهما كان تتويجا لحبِّ اختي الذي سعدتُ لأنها وجدته أخيراً، وأيضا انهاءً لعداوة كانت تعرقل عملي كثيراً. مؤخراً أصيبت أختي بحالة عشقية مؤقتة للعمل التطوعي وعملت مع جمعية للأخوات المسيحيات وأعجبت بدير لهم في توسكانا وانضمت للإقامة فيه لفترة قصيرة .. حتى اتصلت بي يوما تخبرني بأنها وجدت أخيرا طريقها وهو طريق الرب وبهذا ستمنح نفسها لخدمته، وأنها تراجعت عن فكرة الزواج نهائيا .. ووضعها الدير تحت المراقبة لفترة زمنية غير محددة حتى تستطيع أن تثبت مدى جدية قرارها ورغبتها لأنهم يعلمون جيدا بأن ليس جميع البشر يستطيعون تحمل عبئ هذا القرار المصيري .. لكنني أيضا أعلم جيداً بأن أختي طبعاً لن تصير راهبة ليس لأنني أقف ضد رغبتها ولكن لأنني سئمت عدم ثقتها في نفسها وتغيير قرارتها من فترة لأخرى .. علي أن أوقفها عند حدها .. فأرسلت في إثرها وأرغمتها للعودة للبيت ولهذا هي غاضبة مني الآن. إنها تغير أراءها بسرعة الضوء .. ألم تري بأنها في اليوم التالي كيف كانت هادئة؟ كيف أنها نزعت عنها تلك الثياب المضحكة؟"
"يا إلهي." قالتها صونيا وهي تمرر يدها بحركة عفوية على شعرها غير مصدقة ما سمعته .. هل حياة البعض فارغة لهذه الدرجة؟ أم أن السبب هو امتلاكهم لكل شيء؟ تلك الفتاة تملك الحب والمال والجمال والشباب ومع ذلك لا تجد إثارة في حياتها حتى تفكر في أن تمنح حياتها لدير مقفر.
كم يمكن للعين أن تصور قصة من منظور غير حقيقي...
"وهل سترغمها على الزواج أيضا رغم أنها لا تريد؟"
"انا لا أرغمها صونيا. انا أدفعها لفعل الصواب ففي النهاية عندما تفوق من حالة العشق الجديدة للرب ستشكرني وهي تجد نفسها متزوجة من الرجل الذي تحب .. ولن أكون كاذبا وأقول لك بأنني أفعل هذا فقط من أجلها .. لأنني لن أجازف مع تلك العائلة وأبدأ معهم بعداوة أسوء من السابق فقط إرضاءً لجنون أختي وغرورها." وأكمل بإصرار كبير وهو ينظر أمامه كمن يُقنع نفسه أكثر من محاولته إقناع صونيا:" هي من ورطتني مع تلك العائلة وهي ستتحمل مسؤولية قرارها."
"لا أعرف ما عليّ قوله." حركت يديها في الهواء وهي تضيف بعفوية:" القصة كلها غريبة جداً .. إن فكرة إرغام شخص على الزواج غير واردة تماما لدي .. لقد عشت حياتي كلها حرة مستقلة ولكن في نفس الوقت أتفهم الموقف المحرج الذي وقعت به .. وأنا شاكرة لك على صراحتك لأنك لم تدعي بأن إصرارك على زواجها هو فقط لمصلحتها هي...." قالت ذلك وهي ترفع حاجبيها .. قابلها فابيو بابتسامة واثقة فأكملت:
"أنا لا أحب التدخل في أمور غيري .. لكن مع كل محاولاتك الغير مباشرة في إقناعي بصوابك فأنا لا أستطيع إعطائك الحق في إرغامها على الصواب إن كانت هي تريد الخطأ. أحيانا علينا أن ندع الاشخاص يستمرون في المشي على الطريق الخاطئ حتى يكتشفوا هم ذلك وإلا لن يسامحوننا على تغيير مسارهم أبداً حتى لو كان لمصلحتهم."

 باب البحيرة . ماروسكا (مكتملة)Where stories live. Discover now