إلى أين؟ أو، إلى متى؟

1.3K 125 140
                                    

ركضتُ مُسرِعًا، الليل يتسرب إلى المكان كطوفان، وهم يلحقونني ككلابٍ مسعورة.

كان يجب أن أعرف أنهم لن يسمحوا لي بالنجاةِ، لأنني عرفت أكثر مما يجب، وسيطاردونني مهما كلفهم الأمر.

كان الزقاق معتمًا وباردًا، والرطوبة، كما العادة، تخنق رئتَي، العتمة تبتلع كل الأشياء من حولي، والطريق المسدود يقترب أكثر وأكثر، هكذا تنتهي كل المطاردات، طريق مسدود، سخريةٌ ولعنات، وموت.

لاتهموني بالجنون إن قلت أنني رأيت الفجر، لكن هكذا بدا لي ذلك الباب الجانبي الذي ظهر بغتةً، وأوشك أن يطردني بدوره، لكنني تمكنت من اللحاق به، فتحته بكل قوتي، وكأن حياتي معلقةٌ على مقبضه.

صفعتهُ، هو السبب في وجودي هنا، الآن، في هذهِ اللحظة المرعبة، وبهذا الحال المزري، وبرئتين ستنفجران في أي لحظة.

كان المكان مطبخًا خانقًا، زاد من حال رئتيّ صعوبةً، حاولت تنظيم أنفاسي، ولوهلةٍ بدت سنينٌ من مغالاتي في صحتي شيئًا جيدًا، جنبتني المضاعفات الأخطر.

عبرتُ المطبخ وسط أنظارهم المذعورة، كان علي أن أسرع، لن يمضيَ الكثير من الوقت قبل أن يدركوا دخولي إلى هنا.

خرجت من المطبخ أخيرًا، ونظرات أكثر اشمئزازًا استقبلتني، صاح أحدهم متسائلًا إن كان قذرٌ كهذا يتجول بحريةٍ في المكان الذي تعد فيه أطباقهم.

خرجت من المطعم أسرع من الحراس الذين همّوا باللحاق بي، وكان هذا، بطبيعةِ الحال، أكثر شيء أفلح فيه، الهرب.

سلكت طريقًا معاكسًا للزقاق الذي كنت فيه، وكانت حافلةٌ لم أعرف إلى أين ستذهب تقترب، هذا هو الهروب المثالي.

ركبتها بما تبقى لدي من نقود في جيبي، وجلست في الصف الأخير وأنا أغطي وجهي بقبعةٍ سرقتها من المطعم.

تأملت المدينةَ وهي تتلاشى وراء الزجاج الغبِش، كي أبقى وحدي، مع أسئلتي، وكثيرٍ من اللوم.

كيف بدأ هذا؟ ولماذا آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن؟ تذكرتُ الكعكةَ التي تركتها لي إيف عند الباب، والبطاقةَ التي قالت لي فيها: 

اليوم يوم مولدك، لا يعقل ألا تحتفل به، لدي مناوبةٌ ليلية، وقد أتأخر، راقب السماء لأنها ستهديك شيئًا، اليوم مليء بزخات الشهب حسب تقرير الأرصاد.

كانت إيف تبالغ، ولم أستطع فعل شيءٍ سوى قبول كعكتها، وتتالت الأشياء، مراقبةُ الشهب، وإشعال الشموع بعد سنين من نسيانها، لم يكن يوم مولدي شيئًا يستحق الاحتفال، لم أملك الوقت أو المال له.

لكنني رغم هذا أضأت الشمع، بفرحةٍ زائفة، وتخيلت، برهةً قصيرةً، أنها كانت جالسةً، تتمنى لي عامًا سعيدًا، وتطلب مني أن أتمنى أمنية.

أمنية مخذولحيث تعيش القصص. اكتشف الآن