تمايلت الشجرة باشتداد الريح و سأل الشيخ الغريب
" من أنت؟ "
التفت الغريب من شخوصه في الأفق الأحمر ، لكن الظلمة غطته كدثارة من الغسق و لم تفسح إلا عن حدود جسد مقرفص بين الفروع , و بصوت نافس حفيف الأوراق الكثيف في حروشته سأل
" كم روحا دفنتها تحت هذه الشجرة؟ "
لم ينتظر طويلا حتى تلقى إجابته من العجوز
" خمسة "
رد الغريب متعجبا
" فقط؟ "
ثم أدلى بيده النحيفة و الطويلة من عباءته و أخذ يطرق أصابعه السوداء على جذع الشجرة متمتما بما لا يفهم , ليحني رقبته فجأة نحو العجوزالذي تحته كطير جارح يتفقد وجبته القادمة و التي تحدد مصيرها مسبقا , و قال له في مكر لم يتكلف إخفاءه
" إذن لماذا أسمع عشرا من بني جنسك تحت هذه العتيقة؟ "
عبس الشيخ مقطب حاجبيه ، و حد النظر في ظلمة الوجه الذي قابله و الذي لم يرضخ لنور الشفق وقال
" لأنهن زوجاتي , و قد كنت ادفن مع كل واحدة منهن جزء مني "
تراجع الغريب في خيبة و هو يزفر , و كأنه يشتكي لجمهور لا يرى من ثقل ظل هذا الخرف , لينتقل بعدها على مضض إلى سؤاله الثاني
" إذن ماذا تحمل في يمناك تلك "
و أشار بيده جلها و كأنه يستعد لخطف العجوز في أي لحظة , هي مدة ذراع فقط , لكن العجوز لم يرمش حتى و بقت على وجهه ملامح سذاجة الخرف و طول الأمد , فرفع يده قليلا بما تحمل من ثقل و قال
" مجرد هدايا للموتى "
برزت أسنان الغريب في وجهه الدامس و أسمع الشيخ سطكاكها في ابتسامة لا تكبح ، و قال
" أيها الوغد , لا تظنن أنه يمكنك الكذب أو التحايل علي "
و أشار رافعا يده في كسل متمما كلامه
" لست أشعر سوى بالدم و الصقيع يكتنز في ذلك الكيس "
ثم تقدم نحو العجوز أكثر و قال في شغف
" ما الذي أتيت به للموتى كي يقتاتوا عليه "
و أتبع في لهف و هو يتقافز في مكانه
" أرني أرني , أرني ما بداخله "
استسلم العجوز لإلحاحه و رفع الكيس كاشفا ما بداخله , لم يرى الغريب سوى حفنة من أزهار الربيع و بعض أرغفة الخبز , و هم أن يتفحص محتوى الكيس بأكثر من عينيه , لكن الشيخ سلبه ذلك و قال له بعد أن تأبط الكيس
" هي للموتي "
أرجع الغريب يده المعلقة في الهواء البارد و رد في هدوء جاد