لوفينيا

قبلٓ ستّةِ سنوات

حشٓدٌ مُتوافِدٌ نحوٓ أحدِ الفُصولِ وضجّةٌ تملؤ المكان ،
اكتِظاظُ جميعُ الطّلبٓةِ في أحدِ زوايا المدرسة وٓ في آنٍ واحِد
سبّبٓ إزعاجًا كبيرًا

ضحِكاتٌ مٓسموعةٌ مِن مُختلٓفِ الأصوات،
وٓ هتافٌ عالٍ مِن بعضِ الأشخاص
"قاتِله!! .. هيّا اضرِبه!!"

كانت مايا تٓجلِسُ على إحدى الطّاوِلات مُمدّدٓةً ساقيها
وٓ هيٓ تُشاهِدُ مشهدًا بدأ مُمتِعًا بالنّسبةِ لها

ابتِسامةُ تهكّمٍ علت شفتٓيها بوضوح
لِتٓتّضح سُخريٓتها مِن شخصين أمامٓها

كانت ترأسُ مجموعةً اتّخذٓتهم كعبيدٍ أكثٓرٓ
مِن كونِهم أصدقاءٓ لِذاتِها

يُلٓبّونٓ لِندائِها .. وٓ يُنصِتون لِحديثِها،
والأهمّ بأنّهم يُطبّقونٓ ما تأمُر بحذافيرِ طلباتِها
حتّى وإن كانٓ تنمّرًا أو إساءةً لِبريءٍ كما تفعلُ الآن ..

ظلّت تُشاهِدُ اثنانِ مِن أعدائِها الجُدد .. أو بالأحرى مُجرّدُ
أشخاصٍ تبحثُ عن سبٓبٍ دنيءٍ لِتٓملأٓ فراغها فيهِم

فذٓلِكٓ الفتى هوٓ الذي حاوٓلٓ مُجادٓلتها بِلسانِه السّليط،
وهذا الآخر الوهينُ الذي رفٓضٓ تأديةٓ مشروعِها
عِوضًا عنها

لم تكُن لِتتعنّى الشّجارٓ معهم ولكنّها وكّلتهم المهمّةٓ
عِوضًا عنها .. فكعادةِ مايا في مُراهقتِها عديمةُ منفعة
لا تعملُ شيئًا بل وفقط تأمُرُ وتنهى وتُواصل الإتّكال على الغير

أصرّ الطّلبٓةُ على خلقِ شجارٍ بينهما على أملٍ في الحصولِ
على رضا الملِكة إضافةً لِلمتعة التي يجدُونها

لم يكُن مُنصِفًا بأن يتقاتلا مجبورين دونٓ سبٓبٍ واضح،
والأكثرُ ظُلمًا بأن يتعرّضٓ الوهينُ للّضربِ من قبلِ
الأقوى، فكما هوٓ ظاهِرُ شتّانٌ بينٓ مِقدارِ قوّتيهِما !

"ل-لم أفتعِل جريمةً تستحِقّ ذلك"
قال مُتأتِئًا كعادتِه لِيسخرٓ أحدُهم مُقلّدًا إيّاه
في صعوبٓةِ نُطقِه لأحرُفٍ صٓعُبٓ إخراجُها

ولكنّهُ حقيقةً كانٓ صائبًا بِقوله فلم يكُن مُجبرًا على
تأديةِ مهامّها المنزليّة بسبٓبِ قوّةِ نفوذِها فحسب!

تعمّدٓت مايا الحملٓقٓةٓ بِه لِتُصدِرٓ لقبٓهُ الجديد
"جبان"

وبالرّغمِ مِن همسِها إلّا أنّ صوتُها كان مسموعًا ..
فلم يتعنّى البقيّة في فهمها بكلّ وضوح ومن ثمّ
تقليدُها بتدرّج لِتتعالى الأصوات صارخةً
بالجبان ..

" ستعيشُ جبانًا وسٓتموتُ كذلكٓ رين "
قالت قبلٓ مُغادرٓتِها وطرقِها لِكتفِه
مُزيحةً إيّاه عن طريقِها

عِندها هدأ الجميعُ حالٓ تدخّل جِهاتٍ مسؤولةٍ
تُلقي على نفسِها إدارةً لِشؤون الطلبة ،
كانٓ شعارُ تِلكٓ الإدارة هي الإرشادُ وٓ إعفاءُ
الطّالِبِ من ظُلمِه إلّا أنّ كلّ ذلك كان في كاملِ الزّيف!
فتِلكٓ الجهة المسؤولة مُجرّدُ خُدعة تُؤمّنُ حقوقٓ الأقوى
أو بِالأحرى الأغنى

كانٓ ذلكٓ يومًا مشؤومًا لِرين .. فلم يسلٓم يومٓها مِن
تنمّرِ الطّلبٓةِ مِن حولِه ومُضايقٓتِهم له،
كانٓ أكثرُ ما يُضايِقُه هوٓ كونُهُ منبوذًا بينهم يتلقّى
كراهيٓةً مِن كُلّ شخصٍ دونٓ سبٓب

صِفٓةُ الجُبنِ نمت في ذاكٓ الفتى المُراهِق بعدٓ أن
أصبحت فتاة كٓكابوسٌ له .. ولكنّهُ بدٓوره لم يكُن
ليُصنّفها للجنسِ النّاعم فهي صبيانيّةٌ مُتعجرِفة لا تنتمي
لِأفعالٍ تليقُ بالأُنوثةِ قط!

اعتذٓرٓ مرارًا وتكرارًا لها .. بل ظٓلّ يندِبُ
حظّهُ ويواصِلُ النّدمٓ في رفضِه لِمُساعدتِها يومها
حتّى أقرّ بأنّ الذّنبٓ ذنبُه شيئًا فشيئًا..

كانٓ التنمّرُ في تِلكٓ المدرسةِ أشبٓهُ بالعادة فلٓرُبّما
تُحاسبُ على مظهرِك الخارجي أو دخلك المادّي

رين هوٓ أحٓدُ ضحايا الفتاة الصّبيانيّة إلّا أنّهُ
كانٓ مِن الذينٓ بلغوا الفرطٓ في الحساسيّة،
فٓتِلكٓ لم تكُن أيّامًا شنيعةً بالنّسبٓةِ لهُ فحسب، بل عُقدٓةٌ لا تُمحى
في شخصيّتِه المتكوّنة

وٓ لكِن ماذا لو تلقّى أكبٓرٓ مِن تلك الأذيّة؟
ماذا لو كانٓ ضحيّةً حقيقيّةً كالطالبٓةِ الجديدةِ مثلًا؟

شقراءٌ ذاتٓ شعرٍ طويلٍ مُنسدِلٍ لحدّ ظهرها، وشديدةُ البياض،
إلّا أنّ لوفينيا لم تكُن فتاةً عاديّة ..

خجولةٌ لِحدّ الموتِ وصعبٌ التقرّبُ مِنها ، نادِرًا ما تُكلّفُ
نفسها في تحريكِ شفتيها لِتبتسِم،
كانت غامِضةً فحسب ، ذات علاقاتٍ محدودةٍ ومحوٓرُ
حياتِها يحتكِرُ على أُختِها الوحيدة الأكبرِ منها سنًّا
لِشدّةِ قُربِها منها

ولكن للأسفِ فٓفتاةٌ سهلةُ المنالِ وضعيفٓةُ الشّخصيّةِ
مِثلُها تُشكّلُ طُعمًا سهلًا لعمليّةِ التّعقيد

لطالما واصلت مايا مُضايقٓةٓ فتاةٍ بريئة بِأقاويلٓ سخيفة
وبأفعالٍ غبيّة .. لم تـعِر مشاعِرها انتباهًا
حتّى ما آذت نفسها هي الأُخرى تمامًا كما فعلٓ الجميعُ لها

فقط سلّمت نفسٓها لِلسّقوطِ مِن أعلى بنايةٍ شاهقة بلا
تفاصيلٓ تُذكر .. فهذا كلّ ما يزالُ في ذاكرةِ مايا

الفتاةُ التي انتحرت بِسبٓبِها كانت سبٓبًا لها أيضًا في كمالِ
رُشدِها واستيعابِها بأنّ ما تفعٓلُهُ يسلكُ طريقًا خاطئًا

لوفينيا كانت درسًا لا يُنسى لها .. تعلّمت الكثيرٓ ،
ولكن دونٓ دفعِ الثّمن!

الفتاةُ الجديدةُ كانت مُجرّدٓ خاتِمٓةٍ لِضحايا التّنمّرِ
في تلكٓ المدرسة الشّهيرة

ضايقتها مايا .. فاصبحت كرين .. فتجاهلت مُديرةُ
مدرستِها كيندل المُشكلة .. وأخيرًا انتحرت!
تِلكٓ قصّتُها القصيرة الحزينة ..

نُلقي بكلماتٍ دون بالٍ لِننساها .. جاهلِين بأنّها
لا تُنسى مِن قِبٓلِ غيرِنا

نُواصِلُ فعل ما يحلو لنا .. دون مُراعاةِ مٓن
يُعاني منّا

وٓ نتٓسلّى أحيانًا على حسابِ الغير .. دون مُلاحظٓةِ
بأنّ للغيرِ مشاعِرٌ مِثلُنا

"ولا يزالُ الإنتقامُ الشّكلٓ الأضمٓن للعدالة"
نطقٓ شخصٌ بِهمسٍ وألمٍ مكبوتٍ
مِن وراءِ ستارٍ مُخاطِبًا مجموعةٓ صورٍ عديدةٍ لِأُناسٍ
لا يُمكِن التّنبّؤ فيما سيحصُلُ لهم ..

----------------------------

مايا:
احذر مِن الشّخص الذي لم ينتقِم منك ..
فهوٓ لم وٓ لن يٓسمح لكٓ في مُسامحةِ نفسك