تصرفي كأنثى نبيلة

由 _SHIIA_

3K 581 2.1K

- العيْشُ في عالميّ يَتطلّبُ الكثيرُ مِن التّجاهُلِ والتّغاضي وَأضعافًا مُضاعفةً مِن الصّبرِ وَمعِدةً قويّةً... 更多

إيليانورا إليوت
قصر الدوق إيفانشتاين
اللورد كيليان هارڤن
على طريقِ هارڤنشاير
دوقية هارتون
أفاعي سامة
مُفاجأةٌ سارة
لوردات مهمشون
قطع ناقصة
أفديكِ
قبل ثلاثة عشر سنة
ليلةٌ باردة
الحُب للجميع

تشرشل

172 35 222
由 _SHIIA_

الـفَـصْــلُ الـعـاشِـر مِــنْ:
تَـصَـرفّـي كَــأُنْـثَى نَـبِـيـلَـة
تـشـرشـل

    أبِتعدتُ أنظُرُ لِأخر لمسةً مِن فرشاتي على اللّوْحةِ وَما جعلني أشعرُ بِمُرورِ الوَقتِ هوَ أشِعّةُ الشّمسِ الّتي دفعتني لِأغلاقِ عُيوني عِندما تلقّفت بِحرارة أوّل خُيوط أشراقةٍ باهِتةٍ ودافِئة وَأضاءت رماديّتي بِحُمرةٍ جعلتها تبدو كنارٍ مُلتهِبةٍ وَهذِهِ النّارُ ما كانت تستعِرُ إلّا في جوفي، شعرتُ بِحُرقةٍ في حدقيّتي، حُرقةً شديدة.. رُبّما لِأنّي لم أرمِش كثيرًا وَرُبّما لِشِدّة تركيزي والسّببُ الأكبرُ هوَ أنّني لم أنم وَلوْ لِلحظةٍ..

    طُرق الباب وَدلفت جوديث مِن خلفي تحمِلُ إناء الماءِ الدّافِئُ لِأغتسِل، استدرتُ بِبُطءٍ أنظُرُ لها، بِأرهاقي وَألواني، بِحالي المُزري وَأوْجاعي، بِضياعي وَسط هذِهِ الوُجوهِ المُبهمةِ وَكُلُّ جِراحي..

    سقط الأناءُ مِن يَدِها إلى الأرضِ وَأنسكب مائِهِ تلى ذلِك الصّوْت الصّادِح لِفجيعتِها، شهِقت شهِقةً ظننتُ أنّها ستُتلى بِسُقوطِها جُثّةً، غطّت فمها وَعُيونها اتسعت، راقبتُ حركاتِها بِهُدوءٍ، كيْف حملت عُيونها على اللّوْحاتِ المُنتشِرةِ في الغُرفةِ، مُسندةً إلى الجِدارِ، بعضِها على السّريرِ وَأُخرى أمامي لا زالت رطبةٌ.

    – «إيلي، ما كُلُّ هذِهِ الوَجوه؟ من كُلِّ هؤلاء؟»، صوْتُها يَرتجِفُ وَعُيونُها تهتزُّ، وَعُيوني راقبتُ بِبُرودِ، تبلُّدٍ شديدٍ قد أُنزِل عليّ.

    أقتربتُ مِنها بِخُطواتٍ هادِئةٍ وَتوَقّفت أمامها، نظرت في عيْنيْها وَهيَ ازدردت وابعدت نظرها عنّي، رفعت كفّي واحتضنت وَجهها، بعضُ الأصباغِ مِن يَدي لطخت وَجُنتيْها. «هل تعرِفتي عليْهِم»، قُلت أمام وَجهِها وَجوديثُ حملت نظرتها ليَ والّتي فاضت بِالحيرةِ المُتشوِّشةِ، وَكلِماتُ الإجابةِ تلوْتُ في صُمتٍ مفعمٌ بِالأسرارِ.

    استدرت عنها وَأطلقت تنهيدةً. «أحضِري مياه أُخرى جوديث، وَلا داعي لتدفِئتها»، أختِفت مِن أمامي وَأنا نظرت في أثرِها، عُيوني حدقت بِالبابِ، أنتظِرُ أندِلاق تِلك الأزوالِ، أن تُطارِدني كما حدث في اللّيْلِ والّتي تركت خلفها أثرًا يَقظًا يَتراقصُ في الهواءِ كلمحٍ مارِقٍ، لقد احترقت وَتلاشى رمادها كالأحلامِ الطّائِرةِ الّتي تضمحِلُّ في أوّلِ ضوْءٍ لِلفجرِ. «أرواحُ القمرِ المُكتمِل»، الِإسمُ الّذي ستحمِلُهُ هذِهِ اللّوْحات.

    جوديث عادت وَلكِن ليْس بِمُفردِها، دخلت معها كاثرين بِثوب نومها وَشعرُها المفرود، نظرتُها مُتسائِلةً وَمُتوَجِّسةٌ، خائِفةٌ، تجعدُ ثوْبها في كفّيْها، فزعٌ يُغطّي وَجهها وَكأنّها سُحِبت مِن نوْمِها وَلا تدري أن كانت في حُلمٍ أم في عِلمٍ مِمّا هيَ فيهِ.

    عُيونها نظرت إلى اللّوْحاتِ وَأبّدت ردة فِعل مُشابهةٍ لِرِدّةِ فِعل جوديث، بحثت عنّي بِعيْنيْها فوَجدتني مُحتضِنةً لِأقدامي على السّريرِ وَأنظُرُ إليْها بِصمت، لقد تشاركتُم في كُلِّ ذلِك، في هذِهِ المسرحيّةِ، وَكُنتُ الشّخصيّة الّتي أخفيْتُم عنها كُلَّ شيْءٍ، الشّخصيّهِ الثّانويّةِ لا تطرحُ أسئِلةً بل تدفعُ القِصّة نحوَ الأمامِ وَلا تُناقِش، لا تُبدي رأيٌ، لا تُصدِرُ أحكامٌ، لا كيان لها، وضعت لِأكمالِ أطارِ القصّةِ.. وَلكِنّني..

    – «إيليانورا»، همست كاث واقتربت مِن السّريرِ، جلست وَعُيونُها تتسائلُ عن حالي، ماذا سأقولُ، أنا لا أعلمُ أيْن أنا الأن يا كاث.

    – «هل يوجدُ أيْ حدث اليَوْم؟»، سألتُها بِصوْتٍ خفيضٍ وَأنزلت قدميّ ثُمّ سِرت إلى حيْثُ وَضعت جوديث الأناءِ وَبدأتُ بِغسلِ وَجهي.
    – «ماذا؟»، صدرت من كاثِرين فنظرت لها مِن بيْن أهدابي الّتي تقطُرُ وَمُلتُ بِرأسي. «لقد ذكر الدّوْقُ أمر أقامت فعّاليّةً أوْ شيْءٌ كهذا»، قُلتُ وَعُدتُ أغسِل وَجهي.
    – «أه، أجل -أبتلعت وَنظرت لِلوحات- سيَلعبون الكريكت.. وَلكِن إيلي أخبِريني، هل رسمتي هذِهِ اللّوْحاتِ كُلّها اللّيْلة؟»، نظرت لي بينما لا زالت تعتصِرُ أهداب ثوبها.

    – «أجل»، أجبتُ بِأختِصارٍ وَأخذتُ المِنشفة مِن يَدي جوديث. «ظننتُ هذا فأنا لم أرها مِن قبل -أظهرت أبتِسامةً مُستميتةً وَأكملت- من يَكونون؟ أعني من ألهمك لِرسمِ هؤُلاءِ الأطفال؟»، جلستُ إلى السّريرِ وَنظرتُ لها بِحاجِبٍ مرفوعٍ.

    – «ظننتُ انّك ستُخبِريني كوني لا أذكُرُ على عكسِك»، ازدردت وَأقتربت مِنّي سريعًا. «لقد تذكّرتي؟»، نظرت لها بِبُرودِ ثُمّ استقمتُ وَأتّجهت إلى الخِزانةِ أبحث عن ثيابٍ مُناسِبةٍ لِحدثِ اليَوْمِ.

    – «لا، ليْس فِعلًا».
    – «ماذا يَعني هذا؟ إيليانورا لِما تتصرّفين بِهذا الشّكلِ، فلتخبِريني بِاللّهِ عليْك»، استدرتُ لها وَلكِنّني لم أرغب بِقوْلِ شيْءٍ.

    – «كاث، غادِريّ أُريدُ أن أُغير ثيابي»، اتّسعت عيْنيْها وَعضّت شفتها بِقوّةٍ وَأنزلت رأسها، نظرت لي بِعُيونٍ مُبتسمةٍ وَلثمّتُ الدّمعُ يَطفو في زوايا عيْنيْها وَلكِنّها أوْمأت.

    – «حسنًا، أعتذِرُ لإزعاجِك في الصّباحِ، سأُغادِر»، استدارت وَسارت إلى البابِ بِخُطًى بطيئةٍ وَكأنّها تُريدُني أن أوقِفها وَأُخبِرها أنّني أُمازِحُها.

    – «كّاث».
    – «أجل إيليانورا»، استدارت لي بِلهفةٍ مُبتسِمةٍ.
    – «لا تُخبِري أحدٌ بِأيِّ شيْء»، قُلتُ بِنبرةٍ بارِدةٍ وَشعرت بِمدى قسوَةِ الأمرِ عِندما سقطت دمعتُها وَأوْمأت ثُمّ غادرت بِسُرعةٍ.

    جوديث نظرت بيْننا بِصمت وَكان سيَكونُ دورُها وَلكِنّني أُريدُها أن تُساعِدني بِتغييرِ ثيابي. أكملتُ أستعدادي وَخرجت، المنزِل هادِئٌ وَلم يَستيْقِظ إلّا الخدمُ، يَحضُرون الماء الدّافِئ والإفطار وَيُنظِّفون وَيَحضُرون الخارِج لِأجلِ اللُّعبةِ.

    – «إيلي».
    نظرت إلى روبِرت الّذي أندفع لي بِسُرعة وَقبل أن يَقُل أيُّ شيْءٍ أشحت وَجهي عنهُ وَتظاهرتُ أنّني لا أراهُ. تجاوَزتُهُ كأنّهُ غيْرُ موْجودٍ وَعِندما استدرت في الرّواقِ لمحته بِطرفي وَهوَ لا يَزالُ مُتجمِّدٌ مكانهُ يَقبِضُ يَديْهِ حتّى أبيَضت وَمُنزِلًا رأسه.

    سِرتُ في أروِقةِ القصرِ وَقد شعرتُ أنّ كُلّ زاويَةٍ تنطِقُ بِالكثيرِ، وَكُلّ رُكنٍ يهمسُ بِصوْتٍ مُختلِفٍ والكثيرُ مِن الوُجوهِ في اللّوْحاتِ بدت مألوفةٌ، توَقّفت أمام لوحةٍ كبيرةٍ في رواقٍ بعيدٍ حتّى نسيتُ كيْف قد جِئتُ إلى هذِهِ البُقعةِ، لوْحةً مليئةً بِالغُبارِ وَمنسيَةً وَقد صوّرت أمرأتًا غايَةٌ في الحُسنِ والعُذوبةُ، ذاتِ أبتِسامة رقيقةً وَدافِئةٍ والكثيرُ مِن الوُسومِ مُعلّقةٌ على صدرِها.

    شعرتُ بِالضّيْقِ الشّديدِ وَأنفاسي باتت ثقيلةً، دلكتُ رقبتي وَأستقرت يَدي على النُّدبةِ، أنهرتُ على الأرضِ وَشعرتُ بِأنّني سقطتُ في بُؤرةٍ حالِكةٍ، يَجِبُ أن أخرُج مِن هُنا، يَجِب..

    أسندتُ جسدي إلى الجِدارِ وَسِرتُ بِخُطِّى واهِنه أعوَدُ أدراجي، كانت فِكرةً سيِّئة أن أصرِف جوديث،
    أقترِبن مِنّي بعض الخِدماتِ بِقلقٍ لِلِاطمِئنانِ وَلكِنّني أشرتُ لهُنّ بِأن يُخرِجنني مِن القصرِ فقط، سِرت اتّكأ على واحِدةٍ لم أُميِّز وَجهها حتّى، أخذت نفسًا بعد مُحاوَلاتٍ مُستميتةٍ لِلظّفرِ بِهِ والنّسماتِ البارِدةُ أضحت كالمُهدِئِ.

    – «يُمكِنُك الِانصِرافُ الان، سأكونُ بِخيْر»، رغم أن نظرتها كانت مُتردِّدةً إلاّ إنّها أوْمأت بِطاعةٍ وَأنصرفت، أظُنُّها خادِمة جانيت لو لم تخُنّي ذاكِرتي كما فعلت طيلةُ هذِهِ السّنواتِ.
    حملتُ رأسي بِثُقلٍ وَنظرتُ إلى حديقةِ القصرِ أمامي، الأزهار تفتّحت والهواءُ نقيٌّ وَبارِدٌ أرغمني على الأستِرخاءِ وَبيْن الأحزمةِ الخضراءِ المُنخفِضةِ رأيْتُ سلڤادور، يَتّكِئُ على دكّةٍ قِرب النّافورةِ وَيَدخُنُ سيجارةً،
    لم يَتوَقّف عن هذِهِ العاده.

    سِرت لهُ بِخُطًا واهِنه وَغايَتي الاقتِراب بِهُدوءٍ وَعدمِ مُقاطعتِهِ وَلكِنّهُ ألتفت لي، نظراتُهُ هادِئةٌ وَراقبني وَأنا أنتشِلُ اللُفافة مِن بيْنِ أصابِعِهِ وَأدُسها بيْن شفتيّ، لم يُعلّق بِشيْءٍ واستمرّ يَنظُرُ ليَ، استدرت وَجلست على الدّكّةِ أترُكُهُ مُسنِدًا مِرفقيْهِ على ظهرِها فتوَسّطت ذِراعيْهِ.

    راقبني مِن الخلفِ وَأنا أخذُ نفسًا مِنها، لم أسعل وَلم أنزعِج مِن رائِحتِها أوْ طعمِها، بل أحببتُها، وَتِلك الحرارةُ الّتي خلقتُها في حُنجرتي شعرت بِها كعِلاجٍ لِتِلك الغصّةِ الّتي أثارت مضجعي وَحملتني على غيْرِ راحةٍ، تعلّقتُ هُناك أطالِعُ الأزهارِ أمامنا واحداقي غاصت في البعيدِ.

    – «تختلِفُ عنِ الأعشابِ المُهدِئةِ الّتي كُنت تدخِنُها»، قُلتُ بِصوْتِ خفيض وَجاءتني همهمتُهُ قريبةٌ مِن رأسي. استدار وَجلس جِواري ثُمّ أخذها مِن بيْنِ أصابِعي.

    – «القديمةُ لم تعُد تنفعُ لِذا استبدلتها بِأُخرى أقوَى»، أطلِق نفسًا مِنها وَناوَلني إيّاها، أخذت نفسًا مِنها وَشعرت بِأنامِلي تتخدّرُ وَعقلي يَغيبُ في كُلِّ مرّةٍ وَلكِنّهُ شُعورٌ جيّد، الصُّداع بدأ يَخِفُّ والنّبضُ الّذي في صُدغي هدأ.

    أسندت رأسي على كتِفه وَخرجت الأحرُف مِن بيْنِ شفتيّ وَلا أعلمُ أن كانت واضحه: «لا زالت غيْر قادِرةٍ على إسكاتِ عقلي فهل تُفلِحُ معك؟».
    شعرتُ بِأنامِلِهِ البارِدةِ تُحيطُ كُفّي وَأخرج اللُفافة مِن بيْنِ أنامِلي قبل أن تحرِقني وهمس: «الكثيرُ مِنها يُفلح».

    أنزل رأسهُ على رأسي وَأطلق نفسًا أخرج معهُ الكثير مِن الدُّخّانِ، الكثيرِ مِن الحسراتِ، والكثير مِن الألمِ.
    – «فالنكمن قليلًا قبل أن يَنشط قفيرُ النّحل»، همّهُمّت لِصوْتةِ الهامِسِ وَدخلنا في عالمٍ آخر، حيْثُ الكثيرُ مِن الوُجوهِ مُرتبِطةٌ بيْن عقليْنا وَرُبّما جُزءٌ مِن هالتِهِ أختلط بِهالتي وَتشاركتُ معهُ بعض تِلك الذِكرى.

    .
    .
    .



    – «أيْ مياهٍ ضحلةٍ قد حملتني إلى هُنا»، خرجت الكلِماتُ مِن ثغري كصوتٍ هامِسٍ وَلكِن أُمّي سمِعتها،
    وَضعت الكوب مِن يَدِها وَنظرت لي بِنظرةٍ غريبةٍ.

    – «مالّذي قُلتيهِ عزيزتي؟»، سألت أُمّي بِقلقٍ وَأنا أدري مِمّا قلّقها بِالضّبطِ. «لا شيْء أُمّي»، تمتّمت وَعُيوني نظرت لِلنُّبلاءِ الّذين توافدوا إلى السّاحةِ الخضراءِ في الجُزءِ الغربيِّ مِن القِصرِ حيْثُ ستُقامُ لُعبةُ الكريكت.

    – «إيلي عزيزتي تبدين غريبة اليَوْم وَوَجهُك شاحِبٌ، هل أنتِ بِخيْر؟ وَأيْضًا -نظرت حوْلها تتفقّدُ أحدهُم ثُمّ أكملت- هل أنتِ وَكاثِرين على ما يُرام؟ لِماذا لستُما معًا؟»، حملت أُمّي تِلك النّظرة الّتي تقولُ فليَكُن كُلُّ شيْءٍ بِخيْرٍ فقط.

    – «كُلُّ شيْءٍ بِخيْرِ أُمّي، هيَ فقط قد تعرّفت على صِديقاتٍ جديداتٍ وَتعيشُ الأنّ مُتعة البِداياتِ»،
    همهمت أُمّي بِتحيُّر مِن ردي وَوَدت أن تُحدِّثني أكثر وَلكِنّها بدت كمن كمّم فمها وَحديثُ الدّوْقةِ إيفانشتاين معها دفعها لِفقدِ تركيزِها معي والانتِباهِ لِلدّوقةِ.

    – «صباحُ الخير ليدي إيليانورا»، قالت جانيت بِصوْتٍ هادِئٍ عِندما جلست بِجِواري وَكان ابنُها في حِجرِها، أبتسمتُ لهُ ثُمّ نظرتُ لِأُمِّهِ.
    – «صباحُ الخيْرِ ليدي جانيت»، رددت وَحملت كوب الشّايِ والّذي كانت تفوحُ مِنهُ رائِحةُ الأعشابِ المُهدِئةِ.

    – «هل كُلُّ شيْءٍ بِخيْرٍ ليدي؟»، نظرت لي بِعُيونٍ قلِقةٍ والأن حتّى انتبهتُ إلىّ إنّها لا تشبّه كيليان بل تشبّةُ والِدها، وَتشبّةُ أحدهم..
    – «أجل، بخير يا ليدي جانيت وَلكِن أخبِريني هلِ اللورد كيليان بِخيْرٍ فأنا أرى أنّ وَجههُ مُتوَرِّمٍ؟! »، قُلتُ وَحملتُ عيوني إلى كيليان الّذي كان يَقِفُ قُرب والِدِهِ وَيَتحدّثون مع بعضِ النُّبلاءِ الأُخرين.

    – «لستُ أدري حقًّا، لقد نام بِخيْر البارِحةِ وَأستيْقظ على هذا الحالِ، وَعِندما سألت أخبروني أنّهُ انزلق في الحمّامِ وَضرب وَجهه»، همهمتُ لِكلامِها وَكتمتُ سُخريّتي.

    عُيونُ الليدي هارڤن الّتي لم تُبعِدها عنّي مُنذُ أن حيَيّتها صباحًا لم تُفارِقني وَتنظُرُ لي كأنّها تُريدُ أفتراسي، لم تعد تستطيعُ إخفاء نظراتِها وَبدت واضِحةً جِدًّا، بدت عِدائيّةً وَغيْر مُحبّةٍ بِشكلٍ غريبٍ. هذا ما كان يَنقُصُني!

    – «إيليانورا عزيزتي، جيِّدٌ أنّك أبتعِدتي عن السّيِّداتِ، لقد وَدِدتُ مُحادثتك»، أمسكني أبي وكفه أحاطت وَجنّتي وَعُيونهُ تفرّستني.
    – «أخبرني أبي، ماذا هُناك؟».
    – «عُيونُك مُحاطةً بِهالاتٍ سوْداء وَقد رأيْتها مِن بُعد، ألم تنامي اللّيْلة الماضيَة؟»، سألني وَقد أحاط الهمُّ وَجهُهُ.

    – «بخير ابي، فقط لم آخُذ كِفايَتي مِن النّوْمِ لانّي سهُرت أرسُم».
    – «آه عزيزتي، ما كان يَجِبُ أن تتعِبي نفسك بِهذا الشّكل».
    – «لا بأس حقّا، على أيِّ حالٍ أنا لا أرى أيًّا مِن أبناءِ عمي فأيْن هم؟»، سألت أُغيْر الموْضوعِ وَأنظُرُ حوْلي.
    – «لقد قاموا بِتهريب سلڤادور قبل أن يَلتهِمنهُ الآنِساتِ بِعُيونِهِنّ»، قال أبي مُمازِحًا وَلِأوّلِ مرّةٍ لِهذا اليَوْمِ أبتسم وَجهي وَأبي قهقة.

    – «أجل أريني هذِهِ الِابتِسامة الجميلة، لقد أشغلتيني بِوَجهِك العابِسِ هذا»، قال أبي يقرصُ خدّي بِخِفّةٍ يدفع بَسمّتي لِلإتساعِ أكثر.
    – «آسِفةٌ لِأقلاقِك».
    – «لا داعيَ لِلأعتِذارِ أميرتي، المُهِمِ أن تكوني بِخيْرٍ وَسعيدة فقط، وَتذكري لو حدث أيُّ شيْءٍ فأنا سأكونُ أوّل شخصٍ يَقِفُ لك لِذا تأكدي مِن أخباري لو حدث أيُّ شيْء»، أبي أحنى رأسهُ وَهوَ يَنظُرُ في عيْني وَيُؤكِّدُ على كلامِهِ: «اتّفقنا؟».

    – «اتّفقنا جلالتك»، حمّلتُ ثوْبي وانحنيْتُ لهُ أدفعُهُ لِلقهقهِ ثُمّ نظر حوْلهُ قائِلًا: «سوْف تبدأُ اللُّعبةُ وَهُم لم يَعودوا بعد».
    – «سأذهبُ لِمُنادّتِهِم فقط أخبرني أيْن اتّجِهوا».
    – «لا داعيَ لِأتعابِ نفسِك، سأُخبِرُ أحد الخدمِ ليَفعل ذلِك».
    – «لا بأس حقًّا، فأنا أيْضًا أوَدُّ مُحادثتِهِم بِأمرٍ ما».
    – «إذا كان الأمرُ كذلِك فحسنًا، لقد ذهبوا مِن ذلِك الطّريق».

    اتّجهتُ إلى حيْثُ أشار أبي وَلكِنّني توَقّفتُ وَأتكأتُ إلى الجِدارِ عِندما سمِعتُ صوْتهُم يَتحدّثون بِجدّيّةٍ.
    – «ما كان يَجِبُ عليْك البقاء، بِتصرُّفِك هذا فأنت قد خسِرت ترقيَتك المضمونة».
    كان هذا صوْت أليكساندر وَلكِن يُخاطبُ من؟
    ركزتُ أكثر أُحاوَلُ أن أسمع المزيد مِن حديثِهِم وَلم يَطِل الأمرُ حتّى سمِعتُ صوْت البقيّةِ.

    – «وَهل تُريدُني أن أترُكها هُنا بِمُفردِها وَسط هؤُلاءِ الوُحوشِ، أنا لا أعلمُ كيْف يُفكرُ عمّي عِندما قدِم إلى هُنا مُجدّدًا»، وَصلني صوْت روبِرت وَهوَ يَصرُخُ بِغضب، مالّذي جرى وَدفعِ روبِرت لِلغضبِ مُجدّدًا.

    – «هيَ ليْست بِمُفردِها بل نحنُ معها وَلن نترُكها، فليَكُن في عِلمِك أنّنا لم نحصُل على دعوَةٍ حتّى»، «مع ذلِك فها نحنُ هُنا رفقتُها، أتظُنّ أنّك الوَحيدُ الّذي يَكترِثُ لِأمرِها!»، هذِهِ المِرّة التّوْأم من تحدث وَعلى نحوٍ غريب صوْتِهِم كان مُرتفِعٌ وَجاد وَيَصرُخانِ بِذاتِ نبرة روبِرت.

    – «أنتُما لا تفهمانِ وَأنا لا أثِقُ بِكُما، تبًا لِلتّرقيَةِ إذا كان يَعني أن أترُكها هُنا وَتبًا لِبايلش وَأعمالِهِ القذِرةُ، لا زال ما حدث في ذاكِرتيْ، كيْف لكُم أن تغفِروا لكيليان بل وَتتحدّثون معهُ كأنّ شيْءً لم يَكن؟!!»، نبرة روبِرت كانت ناقِمةً في الأخيرِ وَهوَ يصِرُّ على أسنانِهِ.

    – «روبِرت كفى، وَأنتُما أيضًا.. عمّي أُعرفُ بِما يَفعل وَحتّى الأنّ كُلُّ شيْءٍ بِخيْرٍ لِذا لا داعيَ لأكثارِ الحديثِ الّذي لا داعيَ له»، هدأتُ عِندما سمِعتُ صوْت سلڤادور الهادِئِ وَهوَ يُحدِّثُهُم وَلكِنّني أُندهشتُ عِندما تنبّهتُ إلى أنّ حديثهُم هذا دار أمامهُ، في العادةِ لا يَرفعون صوْتهُم في حُضوره مهما جرى حتّى أبي يوَلّي سِلڤادور أحتِرامًا كبيرًا.

    أخذت نفسًا وَرسمت أبتِسامة ثُمّ خرجت مِن خلفِ الجِدارِ وَسِرتُ لهُم وَيَبدو أن سلڤادور تنبّه لِوُجودي لِأنّ عُيونهُ تلقّفتني مُنذُ أن ظهرت أمامهُم.
    – «أبي كان يَبحثُ عنكُم لِأنّ اللّعبة ستبدأ»، قُلت بِأرتِباكٍ وَنظرت لِعُيونِهِم المُتشوِّشةِ، أوْمأوْا بِرأسِهِم ثُمّ نظروا لِسلڤادور وَهوَ أشار لهُم بِرأسِهِ، انحنوا ثُمّ انصرفوا بِهُدوءٍ وَلم يَقولوا شيء لي، حتّى روبِرت كان هادِئٌ وَلم يَنظُر لي حتّى.

    نظّفت حلقي أُحاوِلُ دحض الضّيِّقِ وَنظرت لِسلڤادور بأبتِسامةٍ وَسِرت لهُ. «سمِعت إنّهُ كاد أن يتمّ ألتِهامك»، قُلت مُمازحة وَسريعًا شقّت وَجنتُهُ غمازةً طويلة عِندما أبتسم.

    – «ماذا أفعلُ يا كياني، إنّها ضريبةُ الوَسامة»، قال بِقِلةِ حيلةٍ وَهوَ يَرفعُ كتفيّة.
    فلتت مِن ثغري ضحكةً ثُمّ مددتُ يَدي لهُ، نظر لها لِوَهله ثُمّ سحبني وَأجلسني جِوارُهُ، أدار جسدهُ لي وَعُيونهُ لا زالت مُبتسمه لي، مُلت بِرأسي أُشيرُ لأن يَتحدّث. «يُمكِّنُني الحديثُ الأنّ؟ تبدين أفضل»، سألني بِحذرٍ وَهوَ يُراقِبُ لُغة جسدي.

    – «أجل بِخيْرِ سِل، قُل ما تُريدُه»، قُلتُ لهُ بِأبتِسامة وَوَضعت كفّي فوْق يَدِهِ الّتي أحاطت يَدي الأُخرى.
    همهم ثُمّ قال: «ما مِقدارُ ما تذكّرتيهِ؟».
    – «ليْس بِشيْءٍ يُذكّرُ، فقط وُجوهٍ لم أتعرّف عليْها».
    – «فقط؟».
    أوْمأتُ لهُ ثُمّ نظرت إلى البعيدِ وَتمتّمت: «وَلكِن ما خطبُ الدّوْقةِ هارڤن تنظُرُ لي بِنظراتٍ غيْر مُحبّبةٍ؟».
    – «رُبّما الفترةُ مِن الشّهر».

    أطلقتُ قهقه غير مصدقة ثُمّ استقمتُ مِن جِوارِهِ وَسحبتُهُ مِن يَديْهِ: «الصّامتون دائِمًا لوْ تحدّثوا يَقلِبون الوَضع رأسًا على عقِب».
    مال بِرأسِهِ مُبتسِمًا بعد أنِ استقام وَقال هوَ يُجاوِرُني المسير: «والأنّ دعيكِ مِنها فهُناك شيْءٌ أهُمّ يَنتظِرُك وَأراهُنّ أنّهُ وَصل الآن».

    جمعتُ حاجِبي أنظُرُ لهُ بِتساؤُلٍ وَقُلت: «مُفاجأةٌ؟».
    – «يُمكِنُك قوْلُ ذلِك».
    قفّزت بِحِماسٍ وَسحبتُهُ أسرع معي، أُحِبُّ المفاجآتِ وَخُصوصًا مُفاجئاتُ سلڤادور.

    لم تحمِلُني قدمي عِندما رأيْت رأس أشيَب لِجسدٍ ضخمٍ يَبرُزُ مِن بيْنِ باقي النّبلاءِ الّذين أحاطوهُ وَيُحيونهُ بِحرارةٍ، نظرت لِسلڤادور بِغيْرِ تصديقٍ وَهوَ أعطاني أبتسامة مومِئًا بِرأسِهِ، فلتت ضحكةٌ مِن ثغري وَحملتُ أهداب ثوْبي وَهروَلتُ.

    – «جدي!».

    أنسحر النُّبلاء مِن أمامِ جدّي عِندما أبعدهُم بيَدِهِ كالذُّبابِ وَأبتشر وَجههُ بِسعادةٍ وَفتح لي يَديْهِ.
    – «يا إلهي، عزيزتي نورا».

    ضحِكت عِندما انتشلني جدّي في عناقٍ وَدار بي بيْن النُّبلاءِ الّذين نظروا بِذُهول، "نورا" أسمٌ جدّي هوَ الوَحيدُ الّذي يُناديني بِهِ وَأنا أحِبُّ تفرُّدهُ بِذلِك، على الرّغمِ مِن أن أسمي المِسكين يَتِمُّ تقطيعهُ وَلكِن لستُ أمانِع.

    أستمر تعلُّقي بِعُنُقِ جدّي وَهوَ يُقبِّلُ رأسي. «يَبدو أنّ ظهرك لا يُؤلِمُك يا جدي؟»، قُلتُ عِند أُذُنِهِ فأصدر ضِحكتًا وَقال: «لا زِلتُ في ريعان شبابي، فما أنا وَألمُّ الظّهر يا حُلوَتي!».

    – «ما هذا أبي! في كُلّ مِرّةٍ ترى حفيدتك تنسى أبنتُك!»، قالت أُمّي بِعبوسٍ وَهيَ تتكتّفُ.

    – «وانا يتمّ نِسياني مِن قِبلِ إبنتِك في كُلِّ مرّةٍ ترى فيها والِدي».

    جحظت عُيوني عِندما ظهر خالي راندولف مِن خلفِ جدّي، يَبدو أنّ سلڤادور أقسم أن يقلب هذا اليوم إلى سعادة. قبل خالي أُمّي في جبينِها ثُمّ حيّا أبي بِحرارةٍ واتّجِه لي ثُمّ أنحنِى لِجدّي وَقال: «لوَرد تشرشل، هل تسمحُ لي بِأن أحتضِن حفيدتك؟».

    ابتسم جدّي وَأنا كُنت مُستمتِعةً بيْن أحضانِ جدّي حتّى تمّ أنتِشالي مِن قِبلِ خالي بِحرارةٍ عِندما أوْمأ لهُ جدّي بِالموافقةِ واِتّجِه لِأُمّي، دخلت في عناقٍ مُطوّلٍ مع خالي وهمس بعد الكثيرِ مِن كلِماتِ الِاشتياقِ: «ماذا حدث مع ابنِ جيفير؟».
    – «لقد رفضة أبي قبل مجيئِنا إلى هُنا»، همست لِخالي.
    – «رفضهُ فقط! ألم يَفقع لهُ عيْنيْهِ لأنّهُ نظر لك؟»، سأل خالي بِأستِنكارٍ جليٍّ.

    – «أنّ هذا دورُك يا خاليَ، ثُمّ يَكفي الجميع يَنظُرُ لنا»، دفعتُهُ عنّي فعاد وَسحبني قائِلًا: «مُنذُ متى نهتُم لِلنّاسِ، أبِقيك عِندي فأنا مُشتاقٌ لك».

    أبِتسمتُ لهُ وَنظرت لِأُمّي بيْن يَديْ جدّي وَهوَ يَضحكُ بِسعادةٍ وَيَدهُ على بطنِها، يَبدو أنّهُ علِم بِالأمرِ، أجل علم قبل أن يَأتيَ، هززتُ رأسي بِقِلّةِ حيلةٍ عِندما جائِني صوْتُ العازِفين مِن الخلفِ واندفع النُّبلاءُ يَفتحون الطّريق لِلفِرقةِ الّتي اكتسحت السّاحة. فِرقةً جوالةً!

    – «لقد تصادفنا معهُم في الطّريقِ فجاء بِهِم أبي معنا، بِالمُناسبةِ مُباركٌ عزيزتي»، قال خالي عِندما رأى عُيوني المُتّسِعه وَأنا تذكّرت فقُلت: «شُكرًا خالي وَلكِن لِما لا أرى معك أيًّا مِن أبنائِك؟».
    – «لِأنّنا هربنا مِن وَسطِ العملِ في مُنتصفِ اللّيْلِ، وَبعد رجاءٍ حتّى قبل أبي بِمجيئي معهُ، أنا واثِقٌ مِن أنّهُمُ الآن سيَتبرّأوْن مِنّا لِأنّنا تركناهُم وَسط جِبالٍ مِن الأوْراق».

    فلتت ضحكةً مِنّي وَلكِنّني كتمتها عِندما رأيْتُ روبرت وَأشحت وَجهي لكيليان الّذي ابتسم بِهُدوءٍ وَهوَ يَنظُرُ لي، نظّفتُ حلقي وَأدرت وَجهي تحت الأصواتِ الّتي يُصدِّرُها خالي وَهوَ يَنظُرُ بيْني وَبيْنهُ.

    – «ما هذا دوق هارڤِن، لِماذا القصرُ غيْرُ مُزيْن؟ لا يُمكِنُ أن نستقبِل خبر حمل ابنتي بِهذِهِ الكآبةِ، هيا فالنّبدأُ الرقص والِاحتِفال»، صاح جدّي بِصوْتٍ جهوَريٍّ وَصفق بيَديْهِ فاندفعت العرباتُ المُحمّلةُ بِالهدايا الباهِضةِ وَمِن حيْثُ لا أعلمُ ظهر الخدم يَحمِلون مُختلِف أصنافِ الطّعامِ والكعكِ والعصائِرِ.. حسنًا في النِّهايَةِ جدّي وَزيرُ الماليّةِ وَأحد أثرا اللّورداتِ في المملكة لِذا لا داعي لِلعجبِ.

    – «هل تمّ أزعاجُك بِأيِّ شكلٍ مِن الأشكالِ مِن قِبل أيِّ شخص»، سأل جدّي عِندما جلسنا حوْل المصطباتِ في الحديقةِ وَبدأ الأحتِفالُ وَتحوّلت لُعبةُ الكريكت إلى مهرجانٍ كبيرٍ أُحيط بِالعديدِ مِن البهلِوانيّين والرّاقِصين، قِردةً، فيلة، أسوَد وَحتّى أفاعي كبيرة..

    – «أنا حفيدة إليوت وتشرشل فهل تظُنّني سأسكُت لِمن يُزعِجُني»، قُلت أناوِلُ القِرد الصّغير حبّاتِ الكرزِ وَجدي أصدر ضحكةً عاليَةً.
    – «هذِهِ هيَ حفيدتي -ثُمّ أخفض صوْتهُ وَأكمِل- كيْف تتحمّلين أُمّك بعد هُرموناتِ حملها فهيَ من دونِ حملٍ تغضبُ وَتتقلّبُ!».

    أطلّقت تنهيدةً وَقُلت: «الأمرُ صعبٌ يا جدّي، صعب!».
    – «أوْه، حفيدتيِ المِسكينه»، قال جدّي بنبرة حزينةً مواسية وربت على كتِفي. «لكِنّني واثِقٌ مِن أنّ هذا لا يُؤثِّرُ عليْك وَلا زلّتي تُسبِّبين المشاكِل كما عهِدتُك».

    – «ما هذِهِ السّمعه يا جدي، أنا فتاةٌ هادِئةٌ وَلا يَأتي مِنها إلى الخير والتّصرُّفاتِ المحسوبةِ والرّاقيَةِ»، قُلت أرفعُ ذقني وَأنظُرُ بِعنجهيْه.

    – «أجل، أجل، كرقصِك مع فتاةٍ ثُمّ مع طِفلٍ ثُمّ مع من تاليًا؟ هذا القُردُ؟»، قال يَهُزُّ رأسُهُ وَيُشيرُ لِلقِردِ فرفع القِردُ يَدهُ وَوَضعها على صدرة بِمعنى: أنا؟

    أبتسمتُ لِلقِردِ وَنظرت لجدي: «فِكرةٌ رائعة، سأُبقيها في بالي».

    – «أنت تعجبيني»، قال جدّي بِعُيونٍ فخورةٌ.
    – «تربّيَتُك جدّي»، قهقه ثُمّ سحبني مِن يَدي وَأجلسني في حجرة وَبدأ يهمِسُ لي عن أخر أخبارِ النّبلاءِ وَبعضُ الفضائِحِ في القصرِ.

    – «أتُخبِرني أنّهُم اتّهِموا دوْقًا بِأنّهُ ليْس رجُلًا؟»، قُلت بِعجبٍ وَجدّي اوْمأ بِرأسِهِ وَأكمِل: «لا يُمكِنُني أن أصِف لك كيْف أنّ ردّة فِعلِهِ جعلت الأمر لا يُنسى، قام بِحرقِ أسطبِلاتِهِم وَتهريبِ أحصِنتِهِم وَأفسادِ صفقاتِهِم، ذلِك الكاليوسِ أنّهُ حقًّا يُعجِبُني، رجُلٌ بِمعنى الكلِمة».

    صمت لِفترةٍ ونظر لِكاثِرين الّتي حيتهُ قبل جُلوسِنا وَلكِنّنا لم ننظُر لِبعضٍ. «تشاجرتُما؟»، قال جدّي بنبرةٍ خفيضةٍ، هل سأُجيبة بأجل تشاجرنا بيْنما الأمرُ ليْس كذلِك..

    – «جدّي أُخبِرُك أن غفلت عن الأمرِ فنحنُ نجلِسُ بيْن الدّوْقِ هارڤِن والدّوقِ إيفانشتاين»، همستُ لهُ أغيَر الموضوع وَهوَ قال بِغيْرِ اكتِراثٍ: «وَأن يَكُنّ، وَأنا براد تشرشل».

    مال بِرأسِهِ على رأسي عِندما ابتسمتُ وَأستدرتُ أنظُرُ إلى الرّاقِصين وَعُيونِ النُّبلاءِ المبهورةِ. «أخذتني الشّفقةُ بِهِم، يَبدون كعصافير في أقفاصٍ ذهبيّةٍ وَيُحرِّمون نفسهُم مِن التّمتُّعِ بِهذِهِ الحياةِ، أنا أعجبُ مِن شخصٍ يُقيِّدُ نفسهُ بِنفسِه»، قال جدّي وَهوَ يُحيطُني بِذِراعيْهِ الكبيرتيْنِ مِن الخلفِ.

    تحسّستِ الخواتِمُ البرّاقةُ الّتي في أصابِعِهِ وَشعرِ يَدِهِ الّذي أصبح أبيَض أيْضًا قائِلةٌ: «أنّهُم يَخافون التّغيير فقط يا جدّي، التّغيير الّذي يقلِّبُ الحال فيُخسِّرون حالهُم الحالي».
    همّهُم جدّي وَقال: «لكِنّك لست مِنهُم وَلا يَجِبُ أن تتأثّري بِهِم، لقد تعجّبتُ مِنك عِندما تصرّفتي بِطاعةٍ وانصتي لِوالِديْك، أنهيْت الدِّراسة الثّانويّة قبل وَقتِك ثُمّ تخرّجت مِن الجامِعةِ بِتفوقِ قبل سِنّك أيْضًا وَأشعر أنّك حرِّمتي نفسك مِن العديدِ مِن الأُمورِ، الشّخصُ الّذي تجري فيهِ دِماءً تشرشل يَتّصِفُ بِالجُنونِ والذّكاءِ وَأنت تحمِلين دم أليوت أيْضًا الّذي يَتّصِفُ بِالكِبرياءِ والحُنكةِ وَفتاةِ تحمِلِ مِثلِ هذِهِ الدِّماءِ لا يَجِبُ أن تخاف مِن فِعلِ شيْءٍ غيْر مسؤولِ واترُكي المسؤوليّة لي مع عواقِبِ الأفعالِ وافرِدي جناحيْك وَطيْري يا عُصفورتي».

    – «جدّي أنت تعلمُ أنّك تُفسِدُني بِكلامِك هذا»، استدرت أعبثُ بِخاتمٍ بعد أن أنتزعتُهُ مِن يَدِهِ وادخلتُهُ في أصبعين.

    – «يا إلهي، فالتّفسدي وَما المهِم، المُهِمُّ هوَ سعادتُك فقط.. أنظِروا إلى هذا الشّيْء اللّطيف، أصبعين في خاتم!»، أظهر جدي ملامحًا مُتأثِّرة وَراح يُقلِّبُ أصابِعي بيْن كفّيْهِ.

    هذا الجدُّ يُفسِدُني حقًّا! هززتُ رأسي بِغيْرِ حيلةٍ وَنظرت الِى عدد الجُنودِ الّذين لم أغفل عنهُم. «جدّي لِما كُلُّ هؤُلاءِ الجُنودِ؟ هل كُلُّ شيْءٍ بخير؟»، سألت بِتوَجُّسٍ وَأنا أُراقِبُ سلڤادور يُعطيهِم بعض التّوْجيهاتِ وَحتّى خالي الّذي كان يُحادِثُ أُمّي وَيَعبثُ بِأناملِها يَنظُرُ لهُ بِأشاراتٍ في عينيه لم أغفِل عنها.

    – «لا تقلقي يا عزيزتي لا شيْء فقط أُجراءاتٌ أحترازيهِ مِن قِبلِ سلڤادور، تعلمين إنّهُ يُبالِغُ في الحِمايَة»، تحدث جدّي بِتملمُل وَكأنّ أمر كُلِّ هؤُلاءِ الفُرسانِ لا يُعجِبُهُ وَجدي بِالفِعلِ لا يُحِبُّ كُلّ هذا بل يُحِبُّ أن لا يَكون مُتقيِّدٌ.
    – «لكِنّهُ يَفعلُ ذلِك لِأنّهُ يُحِبُّ جدّه»، همّهُم جدي وَعُيونُهُ لمعة بِفخرٍ وَهوَ يَنظُرُ لهُ وَيُراقِبُ عدد الإناثِ اللّاتي يَتصارخن، إلهي!

    ضحك جدي وَقال: «هذا مُتوَقّعٌ مِن حفيدي، ذاك السِل يتميز بِوسامتِهِ كجدِّه».
    أستمِرّت ضحِكاتِ جدي بيْنما كان الدّوْقيْنِ يَبتسِمانِ كُلّما سمِعا شيْءٌ مِن حديثِهِ.

    – «جدّي هل حقًّا أنّ سلڤادور في خطرٍ وَهُناك من يضمِرُ الشّرّ بِهِ؟»، سألت بِقلقٍ عِندما تذكّرتُ كلام الأشقرِ مِن البارِحِه وَجدّي ترك الكأسِ مِن يَدِهِ وَقال بِنبرةٍ جادّةٍ وَعُيونُهُ تُراقِبُ الجُموع: «أن كُنت فخورًا بأحد فهوَ سلڤادور وَأنا لا أُخفي ذلِك، في كُلِّ مُحفِلٍ أتغنّى بِأنّهُ أبن ابنتيّ واتّباهِى بِهِ، وَلكِن لم أُدرِك بِأنّ هذا سيَجعلُ كثُر يَغارون مِنهُ وَتاليًا هذا الرّجُلُ أثبت نفسهُ أكثر وَأكثر، وَمن تريْنهُ أمامك هوَ رجُلٌ بِمعنى الكلِمةِ وَقادِرٌ على حِمايَةِ نفسِهِ وَلكِن لا تقلقي فأنا لا أغفلُ عنهُ سواءٌ في القصرِ أوْ خارِجِهِ وَأُحيطة دائِمًا بِالرِّجالِ الموْثوقين».

    جدّي لم يُنكِر، أنّهُ في خطر. ازدردت وَسألتهُ مُجدّدًا: «ماذا عن روبرت؟».
    أبتسم جدّي وَنظر لِروبِرت المُتجهّم، مُكتفّ يَديْهِ وَيُراقِبُ بِضجرِ ما يَجري.

    – «رجُلٌ مُندفِعٌ وَلكِنّهُ عِند كلِمتة وَهذا ما يُعجِبُني بِهِ، هوَ الأخرُ أثبت نفسهُ بِشكلٍ جيِّدٍ على عكسِ والِدِهِ الأحمق»، همهمت لِجدي ثُمّ نظرتُ لِعمّي الّذي كان يُغازِلُ إحدى النِّساءِ.

    مسد جدّي على الأفعى الّتي وَضعها أحدُ البهلوانيْنِ على رقبتِهِ وَأنا تجمّدت مكاني. «وَإذا سألتي عنِ التّوْأمِ فأنا ألحقتُهُم بِك لِكيْ يَهتمّوا بـِ —». قطع جدّي حديثة عِندما أندفع أحدُ الخدم بِبرقيَةٍ في يَدِهِ وَتعثر في طريقهِ ونزف أنفُهُ.

    أسرع ألبرت وحمل الظّرفُ مِن يَدِهِ ثُمّ جحظت عيْنيْهِ عِندما قرأهُ وَهروَل سريعًا لِلدّوقِ إيفانشتاين وهمس بِشيْءٍ في أُذُنِهِ. «أكلُ شيْءٍ بِخيْرِ دوق إيفانشتايْن؟»، سأل جدّي بِترقُّبٍ وَهوَ يَرى كيْف تغيّرت ملامِحُ الدّوْقِ.

    – «لقد هجموا على منجم كوَلين وَقتلوا -أعتصر الوَرقة حتّى جعِدها وأكمل- كُلِّ العامِلين من ضمِنِهُم الأطفالُ والجُنودِ الشّباب الّذين ألتحقوا مُنذُ أيّامٍ، وَسرقوا الجواهِر الّتي تمّ أستِخراجُها».




    – معلومة: في القرنِ التّاسِع عشر -تحديدًا العصرُ الفيكتوَري في المملّكةِ المُتّحِدةِ- كان زواجُ الأقارِبِ غيْر مرغوبٍ مِن النّاحيَةِ الِاجتِماعيّةِ والثّقافيّةِ. كانت هُناك مخاوِف مِن زيادةِ احتِماليّةِ وُجود تشوُّهاتٍ وَراثيّةٍ في الأطفالِ نتيجةٍ لِلزّواجِ بيْن أفرادٍ مِن نفسِ العائِلةِ. وَبِالتّالي، كانتِ الزّيْجاتُ مِن هذا النّوْعِ تلقى عادةً تعامُلًا سلبيًّا مِن المُجتمعِ وَقد تمّت مُعاقبةُ بعضِ الأزواجِ في حالةِ إرتِكابِهِم لِمِثلِ هذا النّوْعِ مِن الزّواجِ.
    لكِنّ هذا لا يَعني أنّهُ لا يُسمحُ أحيانًا بِذلِك لِلضّرورةِ، مثلًا زواج الملكةِ فيَكتوريا مِن أبنِ عمِّها ألبرت.

    – ذكرتُ هذِهِ النُّقطة لِأوضح أنّ العلاقةَ بينَ إيليانورا وَأبناءِ عُمومتِها أخويّةٌ فقط وَليْس هُناك شيْءٌ أكثرُ مِن ذلِك.
    – مَن تَظِنون أنهُ خَلفَ ذلِك الهُجُوم؟
    – ⭐.

继续阅读

You'll Also Like

443K 20.4K 32
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
5.2M 154K 104
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
8M 506K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...