" حـلـم "

319 23 4
                                    

كـان المطر يهطل بقوة ،يغسل كل شئ من حوله بينما صدح صوت ذلك الجيتار الكلاسيكي يملأ الأجواء ،لتتناغم حركة أصابع العازف علي الأوتار مع دموع تلك العروس وشهقاتها المكتومة ، بينما التف حولها سكان "البيرا" لا احد يحرك ساكنا وكأنهم علي رؤوسهم الطير ..
تواثبت دقات قلبها عندما توقف العازف فجأة لتسمع خطوات حذاءه التي صنعت خشخشه مزعجة عند احتكاكها ببعض جزوع الأشجار ليعبق المكان بعد وهلة برائحة الموت القريبة ، حيث امتدت الموائد أمامه بكل ما لذ وطاب ولكنه هنا ليحصل علي عبدته لهذه السنة.
نظرت إلي عائلتها بأعين زجاجية، ظنت بأنها ستأنس بوجودهم قربها وان وجودهم سيمنع حدوث الأمر ،فهم كانوا ملاذها وأمانها دائماً ، لكنها تراجعت حينما وجدتهم ينظرون أمامهم كغيرهم  بأعين جامدة .

هبت عاصفة فجأة لتعلم ما تحمل ورائها ، اهتزت الأشجار من حولهم وكأن هناك أيادٍ خفية تحركهم ليحتضن الجميع بعضهم بخوف بينما هي وقفت مذعورة ،ركبتاها تصطكان وتشعر كما لو أنها ستسقط داخل بئر عميق ..
تصاعد صوت صراخ شديد وكأن أحدهم يستغيث ، ليضرب سيف من البرق السماء فجأة ويسقط شعاعه علي الأرض ليضئ ظلمة الليل ويظهر حظها اللعين من خلف ستار الليل السحيق ، حاولت أن تهرب ولكن نظرة واحدة منه كانت كافية لتشعر أن قدميها تسمرتا بالأرض.
كانت ترتجف وهي تحدق به وبهالته المرعبه ، اخذ بالاقتراب منها بذلك الثوب الأسود الطويل ، نظرت لشعره الاشعت المتناثر حول عنقه بهمجيه والي اطرافه التي تملؤها بعض من الدماء المتناثرة علي وجهه. لم تلحظ أنه اقترب منها للغاية الا عندما شعرت بأنفاسه الباردة تلفح رقبتها وهو يشمها بإستمتاع شديد وكأنها وجبته المفضلة ليهمس في أذنها بنبرة صوته الأجش:
"اعذريني علي هيئتي الرثة ، لكنها كانت همجية"

قررت أن تكسر هذا الخوف الذي يعتصر قلبها لتدفعه بقبضتيها الصغيرتين علي صدره وتركض بعيداً ،لتسمع صرخة دوي صوتها أدي إلي انخلاع قلبها ، توقفت لتستدير وتري جسد أمها الذي تهاوي من بين يده كورقة شجر تلاعبت بها رياح الخريف .
أعادت نظرها إليه لتجده يزيل بقايا الدماء من علي شفتيه ويمتصها بإنتشاء شديد ثم أردف بسخرية:
"حان وقت الإحتفال".

بعد دقائق معدودة كانت ترتجف وتنتفض فزعا وهي تري كيف انقض علي الجميع يمتص دمائهم بوحشية وسلاسة بينما هي جلست علي الأرض تضم ساقيها الي صدرها وهي تبكي بقوة ،ستر الرداء اضطراب جسدها عندما اقترب منها مرة أخري وهي يرفعها من شعرها حتي كادت خصلاته أن تنخلع بيده ليقرب فمه من عنقها لتسمع صوت ما من بعيد ..

" سيدتي سيدتي ..استيقظي."
فتحت عينيها بتثاقل علي صوت المضيفة ونكزاتها الخفيفة علي كتفها لتردف الأخري ..
"لقد شارفنا علي الوصول إلى مطار غرناطة"

التلة الصامتة Onde histórias criam vida. Descubra agora