2

2.5K 2 0
                                    

البصباص

ذات مرة كان الحاج عبد الرحيم يدخن سيجارة بسطح العمارة، و كان جالسا بالقرب من زوجته التي تعلق الملابس بحبال الغسيل، ينظر بتمعن إلى المباني و الأنهج و العربات و يفكر في مستقبل إبنه "سلمان" المنقطع عن الدراسة منذ ثلاثة سنوات، و الذي شغل تفكير أبيه بمناوشاته مع الجيران و مشاكله مع الناس، الأمر الذي جعل أغلب أبناء الحي يتوجهون نحو الحاج للتشكي و للتدخل قصد ثني إبنه عن تصرفاته. كانت في المقابل زوجته تغني بصوت ضعيف لا يكاد يسمع، لكن يمكن لشخص فضولي أن يعرف الأغنية و صاحبها فقط من ألحانها، و كان الحاج لا يتلذذ الصباح إلا مع صوتها الريفي الصلب. لقد أخبرها أنه محظوظ لأنه عرفها و أنه أكثر حظا حين تزوجها، و كانت هي تتظاهر بأنها لا تبالي، في حين أن قلبها يكاد ينشطر من شدة الفرحة.

هو جالس اليوم ككل يوم، على كرسي قديم و أمامه قفص عصافير مهجور، جعل منه طاولة صغيرة يضع فوقها طبقا به إبريق شاي و كأس بلوري صغير و يضع فوقها أيضا حبقة جميلة و يانعة، و نفاضة سجائر بالرغم من أنه ينفض الغبار دائما خارجها. يلقي بحبات الشعير ليلتقطها الحمام، و يتفحص جريدته المفضلة و يقرأ القسم المخصص بـ"أروقة المحاكم" بتمعن، و إمرأته تجلس على آجرة و أمامها إيناء كبير به ملابس و مساحيق الغسيل و الماء، و تغني و تغسل. فجأة، لاحظ الحاج عبد الرحيم وجود حركة ما بالشقة التي تقابله مباشرة، و التي تنتمي إلى العمارة المجاورة و لا يفصلها عن العمارة التي يقيم بها غير زقاق ضيق حجبت سماءه أغصان العنب و الياسمين التي صار من الصعب معرفة مكان جذورها و مكان إرتماءها. هي حركة غريبة تثير دهشة من يلاحظها، و خاصة دهشة الحاج. واصل هذا الأخير مسك الجريدة لكنه أبعد عيناه عنها، و تمعن في تلك الحركة لعله يتوصل إلى حقيقة الأمر. و كثرت في ذهنه تساؤلات من قبيل: من هو الذي يتحرك من وراء النافذة ؟  هل تكون خديجة صاحبة تلك الشقة ؟ و ماذا تفعل ؟ إنها خديجة ! لكن من برفقتها ؟ هل هو أحد أقاربها ؟ أم إحدى جاراتها التي تعودت زيارتها في مثل هذا الوقت من الصباحات ؟ و تبقى تلك الأسئلة دون مجيب، تماما كأسئلة العاطلين عن العمل، و أسئلة المرضى و الموقوفين.

قصص معبرة،🧼🔅Where stories live. Discover now