الفصل الثاني عشر

61 8 0
                                    

بعد نصف ساعة عاد خالد وفاطمة وانصرفت نيرساري وهي تقول بالأوبجازية: لم أفهم ما يقولان ولكن هذا الرجل دائم التذمر.
ابتسمت چومانا ولم ترد حتى اختفت نيرساري خارج الغرفة ثم قالت باللغة العربية: قلق عليكما.
قال خالد: قضاء الحاجة في إحدى هذه الحفر صعب للغاية، على المرء التصويب على الحفرة بالضبط وهذا صعب.
قال خالد الجملة بالكامل بالعربية إلا كلمة الحفر قالها بالأوبجازية فابتسمت چومانا وفاطمة، وهنا قالت چومانا أريد تعلم العربية أفضل.
قالت فاطمة: يمكنني مساعدتك، فأنا أُفضّل أن أفعل شيئًا بدلًا من الحملقة في الحائط أربعة وعشرين ساعة، لقد حفظت أشكال وعلامات أصابع الناس على الحوائط.
ابتسمت چومانا قائلة: نبدأ، أعلمك أوبجازية.
نظر إليهما خالد دون أن ينطق شيئًا فقالت فاطمة مبتدأة أول درس:
- هناك تشابه كبير بين العربية والأوبجازية، لقد لاحظت أنكم تتكلمون بكلمات عربية مثل مخ وحيل ومعدة.
جلس خالد مسندًا ظهره إلى الحائط وهو يراقب فاطمة وچومانا تتحدثان.
استمرت المحادثة لساعات بالعربية مع استخدام بعض المصطلحات الأوبجازية التي أتقنتها فاطمة بسرعةٍ وبدأت تستخدمها في حديثها.
على الرغم من أن چومانا كانت تريد قتل فاطمة من مدة قريبة إلا أن العلاقة بدأت تتوطد بينهما، حيث كانتا تقضيان ساعاتٍ تتحدثان وتضحكان على أمورٍ خاصة بالفتيات مثل اللبس والشباب والجسم والجمال ومساحيق التجميل وأحيانًا تتحدثان عن الملك دكتاس وكيف هو وحاشيته يعاملون الأوبجازيين بقسوةٍ ووحشيةٍ.
تحدثت چومانا عن حلمها وعن العالم الذي تريد أن يعيش فيه الأوبجازيين.
فكر خالد في ترك أخته والرجوع لطمأنة أمه ولكن بعد التفكير قرر ألا يترك فاطمة بمفردها في هذا المكان.
ظل الحال هكذا لمدة شهر كامل وجومانا لم تغادر غرفتهم إلا مرتين لتطمئن على أخيها وترجع ثانية.
انتشر خبر أن چومانا وأخاها قد نُفيا وانتشرت بعض الإشاعات أنهما وقعا في مستنقعات الرمال الساخنة وإشاعات أخرى أنهما قتلا أنفسهما.
مع الحديث المستمر بين چومانا وفاطمة تحول معظم التحدث من العربية إلى الأوبجازية. حتى لاحظ خالد أنه وأخته قد أصبحا يتحدثان الأوبجازية جيدًا، حتى وصل به الأمر أنه يحلم بها.
*****

تركت چومانا المشفى وعادت إلى الكهف الموجود به براحت عندما حان موعد الاجتماع التالي مع باقي الفريق.
سلكت چومانا الطريق الطويل نفسه الذي جاءت منه ولكنها لم تجد به حراسًا هذه المرة، وصلت إلى الكهف قبل الجميع لتجد أخاها يتدرب أمام الكهف على استعمال السلاح بمفرده.
ابتسم براحت الذي كان يتصبب عرقًا حين رأى أخته قادمةً فمشي إليها واحتضنها بشدة قائلًا: چومانا، لقد افتقدتك بشدة.
قالت چومانا: وأنا أيضًا أخي، أرى أنك لا تضيع وقتًا.
ثم ابتعدت قليلا وهي تشير إلى جسده: لقد تغير جسدك أيضًا، لقد أصبحت أقوى من ذي قبل.
ابتسم براحت وهو يزيح شعره المبلل بالعرق من على عينيه: أنت تقولين نفس ما كانت تقوله أمنا منذ أن كنت في الرابعة من عمري، ولكنني الآن أصدقك، فأنا لا أفعل شيئًا منذ الاستيقاظ إلى النوم غير التدريب، هل تريدين أن تري بعض الحركات؟
قالت وهي تتوجه للحائط بجانب مدخل الكهف لتفسح له المجال: أرني.
ظل يضرب الهواء بسيفه ويقفز يمينًا ويسارًا وهو يقوم بعمل كل الحركات التي ظل يتدرب عليها.
قالت چومانا بفخر: من علمك كل هذا؟
قال براحت والعرق يتصبب من رأسه ووجنتيه: لقد كان بروتان يأتي كل فترة يعلمني بعض الحركات الجديدة ويتركني لأتدرب عليها.
ابتسمت چومانا وهي ترى أن الأمور تتغير حولها، وأن ما يحدث يوحي بأن هناك شيئًا ما سيقربها من تحقيق حلمها.
أخرجها براحت من الاسترسال في أفكارها: ماذا حدث مع خالد؟
قالت: للأسف، لم أستطع أن أفاتحه في شيء.
قال: لا عليك، ماذا عن لغتك العربية؟
ابتسمت قائلة: إنهما يتحدثان الأوبجازية جيدًا الآن.
صمت براحت قليلًا ثم قال: هذا غريب.
قال: ما هو الغريب؟
قال: لماذا يتعلمون شيئًا لن يستخدموه أبدًا؟
قالت: لا أعلم ربما من باب التغيير.
أكملا التحدث في أمور عامة حتى مرت الساعات واجتمع فريق المقاومة بالكامل دون الحكيم محتوب وجلسوا متحلقين حول كومة من الطحالب أحضرها مانريد معه.
كان فوايت قد أحضر معه بعض الفاكهة للجميع وبعد أن انتهوا من تناولها بدأت چومانا الحديث قائلة:
- في البداية أود أن أقول شيئًا مهمًّا، كل منكم لديه حياة يمكن أن يعيشها، لا أحد منكم مطلوب من الحاشية غيري أنا وبراحت، ولذلك أطلب منكم أن تفكروا في الأمر ثانية فما نحن مقدمون عليه لا يوجد فيه تراجع.
صمتت قليلًا ثم أضافت:
- ولا أريد أيًّا منكم أن يفعل شيئًا لأجلي أو لأجل براحت، ربما نكون أصدقاء ولكن هذا لا يعني أن تخاطروا بأنفسكم وأحبائكم.
صمتت قليلًا لتختبر وقع كلماتها عليهم وعيناها تنتقل بينهم وبين كومة الطحالب المضيئة.
كان بروتان أول المتحدثين قائلًا:
- هل تظنين أننا لم نفكر في هذا؟ عن نفسي أنا أفكر في هذا ليلًا ونهارًا، أفكر فيه كل ساعة، أنا أعلم أننا سنقضي حياتنا في سجن الثعبان إن فشلنا، هذا إن لم نكن محظوظين وقُتلنا قبلها، ولكن دعيني أقول لك شيئًا، أنا أفضل الموت على أن أعيش مثل هذه الحياة.
وهنا قال فوايت: - أنا أيضًا أفكر في هذا كل يوم، وعندما أفكر في كم البؤس الذي يعيشه الأوبجازيون وكمية الحقارة التي اضطر لتحملها من النيروسيين والحاشية فإنني أتمنى الموت على أن أكمل حياتي هكذا.
ثم استدار ناظرًا إلى سيبلاك: ربما ترونني محظوظًا لأني آكل وأشرب مثل النيروسيين ولكن هذا له ثمن فادح، ثمن أدفعه كل يوم من كرامتي وأنا لا أنوي أن أكمل هكذا.
قال فابكيراع: وأنا كذلك.
قال سيبلاك: ربما لا أتفق مع فوايت على أي شيء في الحياة ولكني أتفق معه في هذه النقطة.
قال مانريد: وأنا أيضًا أتفق مع الجميع، فرؤية الأوبجازيين يقاسون الذل والمهانة ورؤية الخوف في عيونهم تقتلني كل لحظة.
قال فابكيراع: أظن أننا جميعًا متفقون على ذلك، ولكن لماذا تقولين هذا الآن يا جومانا؟
قالت چومانا: لقد كان حلمي أن أقتل الملك دكتاس منذ الطفولة، منذ أن رأيت الحراس يخطفون والدي من بيننا ولم أرَه بعدها ومع كل مرة كنت أرى فيها دموع أمي. ولكن عندما بدأت الأمور تأخذ منحنى أكثر جدية.... لا أعلم..... شعرت أنه لا يجب أن تتورطوا في هذه المغامرة المحكوم عليها بالفشل.
قال بروتان: لماذا تتوقعين أن ينتهي الأمر بالفشل؟
نظرت چومانا في عينيه مباشرة وهي تنتظر أن يمدها ببصيص من الأمل:
- هل تتوقع أن ننجح؟
قال بروتان: لا، ولكن الأمور لن تكون مثل ما كانت، وستتغير بالتأكيد، ولا أظن أن الحال سيكون أسوأ من الآن.
شعرت وكأنه ألقي عليها بماء بارد ولكنها ابتسمت قائلة:
- كلماتك مشجعة بالفعل.
قال بروتان: إنها الحقيقة.... أو الحقيقة كما أراها.
صمت للحظات ثم أضاف: المهم الآن هي الخطة، ما هي خطتكم؟
قال فوايت: قبل أن نبدأ، هل فاتحتِ "خالد" يا چومانا؟
قالت: لا، لم أجد الوقت المناسب للحديث معه.
ثم أضافت: ولكي أزيل عنكم عناء السؤال، أنا لم أتطور أيضًا في العربية بل هما من تطورا في الأوبجازية.
قال بروتان: حسنًا، دعينا من هذا ولنبدأ بعرض خططنا الواحدة تلو الأخرى.
بدأ سيبلاك بعرض خطته وناقشوها ثم بدأ مانريد وهكذا حتى انتهوا جميعًا من عرض خططتهم.
قال بروتان بعد ان انتهى الجميع:
- "أظن أن هناك بعض الأمور التي أرانا يمكن أن نتفق عليها.
أولًا: نبدأ بتقليب الناس على الحاكم وإخبار الناس بخفاء مرة وثانية وثالثة أننا يجب أن نعيش مثل النيروسيين وأننا من نزرع ونصنع كل شيء وهم لا يفعلون أي شيء إلا أخذ حصاد تعبنا.
ثانيًا: اختيار من يكون لديه الشجاعة والمقدرة على مشاركتنا فيما نريد ويكون أيضًا قادرًا على كتمان السر.
ثالثًا: اختيار أماكن للتدريب، فيمكنكم أن تدعوه لي فأنا أستطيع اختيار مكان لا يستطيع حتى الحراس الوصول إليه".
أكمل فابكيراع:
- هذا جيد، وأيضًا سنحتاج بعض المال لشراء سلاح وطعام أثناء التدريب ولأي مستلزمات أخرى.
قال فوايت: لا أظن أن ما لدي سيكفي الجميع ولكن يمكننا أن نسطوا على بعض بيوت الحاشية أو النيروسيين وأخذ ما بها للصرف على التدريب.
چومانا: هل هناك طريقة أخرى للحصول على الأموال؟
بروتان: يمكن السطو على أحد مخازن المال.
فوايت: إنها مؤمنةٌ جيدًا على ما أظن.
بروتان: بالفعل ولكن دعنا نناقش ذلك لاحقًا.
قال براحت والذي تحدث لأول مرة منذ أن انتهى من عرض خطته:
- نحن ما زلنا نناقش تحضير الهجوم على الملك ولكن ما هي خطة الهجوم نفسها، أين سنهاجم وكيف ومتى؟
بروتان: هذا يعتمد على عدد من سيجتمع معنا وعلى تسليحنا وخلافه وبناءً على ذلك يمكننا أن نعد خطةً أكثر تفصيلًا.
أكملوا الحديث لفترة أخرى ثم انفض الاجتماع مع وعد باجتماع آخر بعد ستين يومًا بالضبط وانطلق كل منهم إلى عمله إلا چومانا التي بقيت مع أخيها براحت.
*****

رجعت چومانا إلى المشفى في اليوم التالي واستمرت في تعلم العربية وتعليم خالد وفاطمة الأوبجازية حتى أصبح كل من خالد وفاطمة يتحدثانها كأحد الأوبجازيين تقريبًا.
كانت تمر الأيام برتابة دون أي جديد إلا تلك اللغة التي يتعلمها خالد وفاطمة. حتى الطعام لم يتغير عن طعام الأوبجازيين المعتاد من منقوع نباتات وأعشابٍ إلا ما كان يحضره لهم الحكيم محتوب أحيانًا من اللحوم من مزارع طعام النيروسيين أو السمك المشوي والذي يطلقون عليه سمك على نار.

رواية جومانا (الحلم) / للكاتب محمود حسن دسوقيWo Geschichten leben. Entdecke jetzt