حب .. وخط أحمر! " جاكلين بير...

بواسطة amira_iq

39.3K 852 126

- أريدكِ ان تكوني زوجتي. قال هذا ببساطة كما لو انه يسألها عن الوقت . ونظرت إليه ذاهلة :" انت تمزح او ربما جن... المزيد

2-عندما يطبق الفخ
3-ملاك ، ونظرات شيطانية
4-النصف الآخر
5-عرفتكِ ، منذ البداية
6- سجن من ذهب
7-سيد العالم
8- وهل أملك الخيار ؟
9- حب .. وخط أحمر
10-ليلة فوق الغمام
11-أريدكِ ، فهل تصفحين؟

1- ظل من الماضي

8.7K 116 23
بواسطة amira_iq

- الفتى في الرابعة والعشرين من عمره فقط ولا يزال صغيرا على الزواج ، إنه ابنكِ وبإمكانك أن تقنعيه بالعدول عن هذه الفكرة .
قال خافيار هذا وهو ينظر متهكماً ألى اخته تيريزا التي كانت مستلقية على الأريكة . فهو واثق أن اخته الكبرى قادرة تماما على السيطرة على ابنها ، إذا شاءت ، كما سيطرت عليه هو عندما ماتت امهما وكان في الثامنة من عمره . فقد كانت تكبره بعشر سنوات .
استلمت دور الأم ، فكانت أكثر صرامة من أمه التي فقدها . وبقدر ما كان يحبها ، تنفس الصعداء حين وقعت في غرام دايفيد إيستربي وهي في الرابعة والعشرين . وكان الرجل الانگليزي قد زار مزرعة الدواجن الدواجن التي يملكونها ، والتي تبعد عدة اميال شرق "سيفيل" لكي يشتري حصانا إسبانيا أندلسيا اصيلا لأصطحابه إلى "يور كشاير" .
لقد تزوجا منذ ذلك الحين ، كما أخذ خافيار يفكر ، متأملا في الخمسة والعشرين عاما التي مضت عليهما، ولم ينجبا أثناءها سوى ولدا واحدا يريد الآن ان يتزوج . أما السبب في زيارته للمزرعة فهو حضور حفلة عشاء على شرف الخطيبين ، في فندق ريفي قريب . لقد رتبت هذه الحفلة لتعارف الأسرتين ، وكان خافيار ضيفا على الرغم منه ..
وقاطعت تيريزا افكاره :" المشكلة معك هي أنك لم تعرف الحب قط ".
فقال ساخراً ببطء :" لكنني كنت متزوجا ، ويمكنني ان اؤكد لك يا تيريزا ان قلة من الناس في هذا العالم يعيشون حياة منسجمة كالتي بينك وبين دايفيد ".
- هراء . أنت مجرد رجل ساخر لا رجاء فيه . وعلى كل حال ، إنه قرار جيمي . وأنا ودايفيد نسانده من دون شروط . سيكونان هنا في أي لحظة ، ولهذا ارجوك ان تحتفظ بآرائك لنفسك ، وحاول ان تكون مهذبا مع خطيبته ووالديها .
- هذا عدا عن ابنة عمتها العانس .
قال هذا رافعا حاجبيه بسخرية . وكانت الحيرة قد تملكته منذ وصوله . قبل ثلاث ساعات ، حين علم ان الدعوة إلى قضاء عطلة نهاية الأسبوع في المزرعة لم تقتصر على الخطيبة ووالديها فقط ، وإنما هناك ايضاً ابنة عمتها :" حذار يا تيريزا ، إذا كانت لديك اي نية في التقريب بيني وبين تلك السيدة ... الافضل ان تنسي ذلك".
- وكأنني سأجرؤ على ذلك!
قالت هذا بمكر وهي تنظر إلى قامته التي تبلغ اكثر من ست أقدام وأربع إنشات ، وتقارنها بقامتها هي التي تبدو عادية للغاية . يبدو خافيار رجلا منيعا من كل النواحي ، فهو ثري مسيطر وذو وجه وسيم للغاية. أما شعره فأسود كالليل وعيناه كستنائيتان . أثناء فتوّته كانت النساء تتهافت عليه ، وكان يستغلهن تماما . ولكن خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت نظراته باردة وصلبة وهو نادرا ما يبتسم .
اضافت تيريزا وفي عينيها لمحة عطف :" لا أظن أحدا يجرؤ على ان يعترضك الآن ، خافيار ، في اي شأن كان ".
اجفل لهذا العطف غير المرغوب فيه في وجه أخته ، ورمقها بنظرة حانقة ثم استدار يجتاز غرفة الجلوس الانيقة المريحة . وعلى كل حال ، إذا كان ابن اخته يريد ان يتزوج في مثل هذه السن الفتيّة فهذا ليس من شأنه . وقف أمام النافذة وأخذ ينظر الى الطريق المبلط بالحصى ، والى الحديقة العامة خلفه من دون ان يرى شيئاً في الحقيقة . راحت افكاره تدور حول أبيه دون بابلو اورتيغا فالدزبينو البالغ من العمر التاسع والسبعين ، وقبله الضعيف الذي يمنعه من المجيء إلى إنگلترا ، ما جعله يصر على إنابته عنه في حفلة الخطبة هذه .

نادرا ما كان خافيار وابوه يتفقان على شيء ، وخطوبة جيمي الوشيكة لم تكن مستنثاة . لم يوافق خافيار على الحضور إلا عندما أخذ ابوه يعنفه لعدم إنجابه اولادا يحملون اسم العائلة ، عند ذلك فقط وافق على ان ينوب عن ابيه في هذه العطلة الاسبوعية . فهو يكره الحفلات المنزلية إلا تلك التي يقيمها هو في بيته مع قليل من اصدقائه المختارين بعناية .
في الواقع ، لقد مضت عدة سنوات منذ أن أمضى عطلة أسبوعية خارج إسبانيا لسبب لا يتعلق بالعمل . ورأى خافيار ان الوقت حان لكي يواجه حقيقة أنه أصبح مرهقا . فالعمل هو كل حياته ، مع أنه يقوم من حين إلى آخر بزيارة صديقته . وعندما عاد بفكره الى الماضي ، وجد ان خمسة اشهر مضت منذ آخر زيارة منه لها...
انتبه الى صوت وصول سيارة ، فنظر باهتمام ليرى سيارتين قادمتين نحو المنزل ، عرف منهما سيارة جيمي الفخمة ، فهو الذي اشتراها له كهدية في عيد ميلاده الواحد والعشرين . لكن السيارة الثانية هي التي جذبت انتباهه .
أنها سيارة سباق كلاسيكية من طراز "جاغوار -إي" يعود طرازها الى ستينات القرن الماضي . غطاء محرك السيارة المفرط الطول والاناقة لا يدع مجالاً للشك في ذلك .
لم يكن ثمة عيب في هيكل السيارة الأخضر اللون الذي يتألق في شمس العصر . هذه الاناقة اضفت عليها بهجة خاصة ، وكان خافيار يعشق السيارات .
قفز ابن اخته جيمي من السيارة الأولى وفتح بابها الخلفي ، فنزل منها زوجان في منتصف العمر ، ألقى خافيار عليهما نظرة قصيرة ، وكذلك على الفتاة السمراء الجميلة التي سارت الى جانب جيمي . لا شك انها العروس المقبلة . لكن السيارة الثانية هي التي أثارت اهتمامه . قد لا تكون هذه العطلة مجردة من التسلية ، رغم كل شيء . اذ بشيء من الحظ يمكنه ان يتحدث لبعض الوقت عن السيارات مع متحمسة حقيقية لها صاحبة السيارة "الجاغوار-إي" تهدف الى الحصول على قلبه كما يبدو .

اجفل خافيار ، والتهبت عيناه اللتان تبدوان باردتين في العادة ، بضوء متألق عندما نزل السائق ومسح بقعة من الغبار تكاد لا ترى عن مقدمة السيارة .
كان السائق امرأة ، وأي امرأة!
طويلة القامة والساقين ذات شعر طويل مسرح الى الخلف ، ومربوط بوشاح حريري احمر .
استدارت نحو صندوق السيارة فرأى خافيار ام خصلات الشعر تصل حتى منتصف ظهرها . تصاعدت الاصوات في جو الربيع المنعش البرودة ، فقطب خافيار حاجبيه البنيتين الداكنتين بعبوس متوعد .

- من اين جئت بهذه السيارة المحطمة العتيقة ، روز؟ إنها تشكل عبئا على البيئة .
ألقى جيمي هذا السؤال لكن الهزل كان يتراقص في عينيه ، فيما ذراعه تلتف حول خصر خطيبته ، ماخفف من لهجته اللاذعة .
صفقت سائقة السيارة غطاء الصندوق ، وحملت حقيبة ملابسها في يدها ثم نظرت الى الخطيبين :" حذار! ... كل من يهين "برترام" يهينني! إنها حب حياتي . وهي جديرة بالثقة أكثر من أي رجل ".
تألقت العينان الخضراوان هزلا ، واتسعت الشفتان المليئتان بإبتسامة كبيرة ، فيما تقدمت المرأة المذهلة نحو الخطيبين الفتيين :" ولمعلوماتك الخاصة ، جيمي ، جاءتني هذه السيارة من أبي ، ولطالما كانت مصدر متعته وزهوه . وربما تساوي مرتين ما يساويه هذا الغول الذي تقوده انت ".
- الحق معها ، فهي كلاسيكية . وما زالت مرغوبة .
وسكت الرجل ذو الشعر الاشيب والتفت الى المرأة :" يا لها من مصادفة ان نلتقي في الطريق بهذا الشكل ... ارجو انك لا تقودينها بسرعة بالغة ، يا عزيزتي روزالين ".
- نعم ، يا لها من مصادفة! لقد عرفت سيارة جيمي خارج ريتشموند بالضبط . ولكن لو تعلم كم تملكني السرور حين التقيت هذين الإثنين في المطار الأسبوع الماضي . وأطمئنك خالي أليكس ، انني لم اتجاوز قط حدود السرعة طوال الطريق الى هنا .
وضحكت .

لم يسمع خافيار الحديث ، فقد اجتاحته موجة ساخنة لرؤيته جمال هذه المرأة . وهتف بصوت خافت :" يا إلهي! ".
لم يسبق ان تملكته هذه المشاعر القوية نحو امرأة منذ اكثر من عشر سنوات . صدمه هذا لكنه لم يدهشه . فقد كان يفكر لتوه أنه لم يزر صديقته منذ وقت طويل!
تراجع خطوة الى الوراء فأخفته الستائر جزئيا . أخذ يراقب ، وقد تصلبت كتفاه العريضتان ، وضاقت عيناه الداكنتان وهو ينظر الى تلك المرأة الضاحكة الحمراء الشعر . وفي تلك اللحظة قرر امراً هاماً : ستصبح هذه المرأة له!

التهبت عيناه بتحدً شيطاني وشعر بحيوية لم يعرفها منذ سنوات . هذه العطلة الأسبوعية تعده بأشياء و أشياء لن ينساها ابداً . وأقسم ان هذه المرأة الضاحكة لن تنساها هي ايضاً . وشعر برغبة في ان يضرب ابن اخته لا لشيء إلا لأنها ابتسمت له .
رأى عينيها تنظران إلى أعلى . لقد اصبح مصيرها محتوما لكن لم يحن الاوان بعد ... إنه بحاجة إلى ان يضع خطة . وفي تلك اللحظة أخذت يداه ترتجفان وكأنه عاد الى طور المراهقة .
استدار الى الخلف :" وصل ضيوفك ، تيريزا. انا ذاهب لأتمشى قليلا ، سأقابلهم اثناء العشاء ".
قال ذلك دون أن يبدو أي اضطراب على وجهه الصلب الملامح. ومن دون ان ينتظر جواباً ، اجتاز الغرفة بخطوات واسعة ثم خرج الى المستنبت الزجاجي الملحق بها ومنه الى حديقة البيت الجانبية.

رفعت روز بصرها الى المنزل وابتسامة تلوح على شفتيها . بدا المنزل ودودا مرحباً بقرميده الاحمر والنوافذ البارزة الجميلة المحاطة بنباتات متسلقة ، تتخللها أزهار الياسمين الصغيرة . يبدو ان العطلة الاسبوعية ستكون حسنة . وسوّت الطقم الكشمير الذي ترتديه ، وشددت قبضتها على الحقيبة وهي تتقدم الى الامام ، ثم وقفت وترددت للحظة قبل ان تتابع المسير . ارتجفت واقشعر جسمها وتملكها شعور لم تستطع تفسيره بأن هناك من يراقب كل حركة منها . التفتت الى الخلف رافعة بصرها الى المبنى ، ولسبب ما لم تعد تراه ودودا . لكنها حدثت نفسها بأن هذه فكرة سخيفة ، ثم أسرعت الخطى نحو الباب الأمامي.
مدير وكالة "النجدة الطبية لما وراء البحار" والذي اشتغلت معه خلال السنوات الثلاث الماضية كان قد نبهها إلى انها بحاجة ماسة الى الراحة . فلقد أسرفت كثيرا في العناية بمرضاها صغار السن ، ما سبب لها إرهاقاً ، ولهذه الاسباب أصر عليهما أن تعود إلى انكلترا في اجازة لمدة ثلاثة اشهر ، قبل ان تصاب بالانهيار . رفضت من قبل ان تصدقه ، ولكن ربما هو على صواب . ما دامت تتخيل أعيناً تراقبها في كل مكان ، فهي حقا بحاجة الى الراحة .
انفتح الباب الامامي على اتساعه فنسيت روز مخاوفها حين بدأ التعارف بين الاسرتين . تيريزا ، والدة جيمي ، بدت صغيرة الجسم ، سوداء الشعر ، وجذابة للغاية ، وفي اواخر الاربعينات من العمر . أما أبوه فبدا طويلا أشيب الشعر . واكبر من زوجته بسنوات غير قليلة .
الحديثةالذي دار في الردهة ، كالمعتاد شمل حالة الجوّ و رحلة القدوم . نظرت روز إلى خالها أليكس وزوجته جين ، وأسعدها ان ترى الاطمئنان على وجهيهما . اما ابنة خالها آن ، فكان خطيبها يشدّها إليه كأنه يخاف ان تهرب منه . النظرات التي كان الأثنان يتبادلانها دلت بوضوح أنهما هائمان بحب بعضهما البعض .
وقبل ان تدعو تيريزا الجميع للصعود الى غرفهم قالت :" لم يستطع أبي الحضور الى يوركشاير من بيتنا في سيفيل بسبب قلبه المريض ، لكنه يرجو أن يتحسن قبل العرس في أيلول ".
-سيفيل؟
وخفق قلب روز :" أنت اسبانية؟ لكن لا يبدو عليك ..." .
قالت هذا بدون تفكير ، ثم سكتت فجأة والاحمرار يعلو وجهها حين سكت الجميع والتفتوا اليها .
ضحكت تيريزا وسارعت تصلح الارتباك الذي ساد :" دوما يخبرني زوجي أنني أبدو انكليزية أكثر منه . أظن ان الامر بسيط ، لقد عشت هنا خمساً وعشرين سنة".
بدا الحديث عادياً بالنسبة الى الجميع ، الا انه شكل صدمة جهنمية لروز . ولم تصح من صدمتها حتى بعد ان تحرك الجميع صعودا الى غرفهم . فقد ظل القلق يساورها .
صعد خالها وزوجته الى غرفتهما في مقدمة المنزل ، ودخلت آن الى الغرفة المجاورة ، بينما اصطحبت تيريزا روز الى آخر الردهة حيث اشارت الى باب مغلق :" هذه غرفة اخي . لقد وصل هذا الصباح لكنه ذهب يتمشى بين المروج . ستتعرفين إليه عند العشاء ".
ثم قادتها الى الباب المجاور :" وهذه غرفتك انت ِ".

دخلت روز الغرفة بحركة آلية . أخوها! أقتران هذا الخبر بذكر سيفيل منذ قليل أرسل رعشة تحذير في كيانها . هزت كتفيها في محاولة لصرف هذه الافكار من ذهنها . لا بد ان سكان مدينة سيفيل يبلغون مليونا او اكثر . واحتمال ان يكون اخوها هذا هو ذلك الرجل الذي تعرفت عليه في سيفيل منذ سنوات خلت ، هو احتمال ضعيف ومستبعد .
مع ذلك ، لم يذكر لها أحد شيئا عن هذا الاخ .. ولكنها في الحقيقة ، بالكاد تحدثت مع آن طوال هذا الاسبوع الماضي . فقد استقبلها الخطيبان في المطار ، ثم احضراها الى شقتها في شمال لندن . وبعد ان فاجآها بخبر خطبتهما ، طلبا منها ان تحضر حفلة العشاء للأحتفال بذلك أثناء العطلة الاسبوعية ، ثم غادرا في اليوم التالي . وفي الواقع ، أمضت روز معظم وقتها ذلك الأسبوع ، في النوم .
أجالت نظراتها في انحاء غرفتها المريحة ، وتملكها الإغراء في ان تستلقي على ذلك السرير الفسيح وتنام مرة أخرى . لكن تيريزا طلبت منها ان تنزل عند الساعة السابعة لتناول الكوكتيل . فتحت حقيبتها وراحت تخرج ملابسها لتعلقها او لتضعها في الادراج.
اجالت بصرها في انحاء الغرفة ، فبدت لها غرفة جميلة ، أثاثها مصنوع من خشب الصنوبر ، بدا كل ما فيها بديعا . فتحت باباً في احدى نواحي الغرفة ، فوجدت حماماً صغيرا أنيقاً مع حوض صغير .
دخلت روز تحت مياه الدوش الدافئة وتنهدت بارتياح. عندما عادت الى انكلترا الاسبوع الماضي ، أخبرتها آن مباشرة بأنها مخطوبة . وتساءلت روز عما إذا كانت آن لا تزال صغيرة على ذلك فهي لا تزال في الواحدة والعشرين من سنها. وانتابها ما يشبه الشعور بالذنب لأنها كانت ، بشكل غير مباشر ، سببا لمعرفتها بجيمي.
فاثناء سنوات غيابها ، قامت روز بتأجير شقتها لشابين هما جيمي ومايك . ثم سمحت لآن بالسكن فيها مجاناً ، وبذلك شغلت غرف الشقة الثلاث . فكان ان وقع جيمي وآن بحب بعضهما البعض .
كل شيء سيكون ممتازاً! . حدثت نفسها بذلك والماء الساخن ينساب على جسمها فيريحها ويزيل التوتر من عضلاتها .
بعد عشرين دقيقة ، اغلقت روز باب الغرفة خلفها وأسرعت تهبط السلم . سمعت اصوات الثرثرة والضحك من باب غرفة الجلوس الموارب ، فأخذت نفساً عميقا ، ثم دفعت الباب ودخلت .

- الأخيرة كالعادة ، يا روزالين ، لكنك جميلة كشأنك على الدوام .
قال الخال اليكس ذلك باسماً وهو يقف بجانب المدفأة . تقدمت روز نحوه ، واذا بتيريزا تتقدم من المستنبت الزجاجي وهي تقول :" أنت تعرفين الجميع هنا ، روزالين ، ما عدا أخي . اسمحي لي أن اقدمك الى خافيار".
عند سماع روز اسم هذا الرجل ، اضطربت خطوتها . هذا غير ممكن! إنها مصادفة فظيعة لا يمكن ان تحصل!
استدارت نحو تيريزا ببطء تمسح راحتيها المبللتين بالعرق بوركيها وقد تملكها التوتر .
كان شقيق تيريزا يتبعها خارجاً من المستنبت . لا يمكن ان يكون القدر بهذه القسوة!
- أخي خافيار فالدزبينو ، وهذه ابنة عمة آن ، الدكتورة روزالين ماي .
حدق خافيار اليها وقد ظلل وجهه الاسمر نور الشمس القادم من خلال المستنبت الزجاجي خلفه ، ثم تقدم الى الامام وملامحه البرونزية أشبه بقناع :" يسرني التعرف إليك يا دكتورة ... "
وتردد صوته العميق لحظة :" روزالين ماي"
ومد يده مصافحا . تركت روز يدها له وقد خدرتها الصدمة ، وهي تشعر بقوة اصابعه الطويلة التي التفت حول أصابعها وهما تنظران في عينيه . لكن عينيه البنيتين الذهبيتين الهادئتين ابتسمتا لها ولم تبدُ فيهما أي اشارة الى معرفة سابقة .
تمتمت بأدب :" أهلا وسهلا" .
لكن قلبها كان يقرع كطبول الادغال . ان تراه مرة أخرى بعد عشر سنوات ، أمر يتطلب منها كل تحكم في النفس . فحظوره ، بقامته الفارعة الطول وكتفيه العريضتين ، يتضح بنفس الرجولة التي اغرتها في اول لقاء بينهما . ولولا مرور كل تلك السنوات ، لما تمكنت من السيطرة على مشاعرها .

- يسرني التعرف إليك .
واحنى رأسه . وقبل ان تدرك نيته ، رفع يدها الى شفتيه يطبع قبلة عليها . لو جاء هذا التصرف من لي رجل آخر ، لبدا لها خارجا عن المألوف ، ولكن ، لامر ما بدا منه طبيعيا تماماً . سرى فيها تيار كهربائي وابعدت يدها عنه ، بينما فتحت فمها و اقفلته من دون ان تنبس ببنت شفة .
- اني إني اوافق خالك تماماً على كلامه فانتِ تبدين جميلة للغاية .
ونزلت نظراته من شعرها الملتهب احمراراً الى وجهها حيث استقرت عليه لحظة، نزلت بعدها الى ثوبها الحريري الأخضر ، واخيرا الى ساقيها الطويلتين ، قبل ان تعود الى وجهها .
شعرت بالأحمرار يعلو وجنتيها . اكتسحت عيناها الخضراوان قامته الفارعة بنفس الدراسة الحادة . كان ذا بنية متينة بالغة القوة يرتدي بذلة عشاء سوداء رائعة التفصيل ،مع قميص ابيض ناصع وربطة عنق سوداء على شكل فراشة ، ما أعطى انطباعاً عن حقيقة شخصيته كأحد ملوك المال والاعمال الناجحين .
كان خافيار يمول فريقا خاصا به للمشاركات في سباقات الفورمولا-وان ، إرضاءً لهوايته في قيادة السيارات الرياضية .
اما الآن فهو يلعب دور زير النساء . إنه كذلك بالطبع ، بغض النظر عن كونه متزوجاً!
-شكراً .
قالت ذلك بهدوء وقد تمكنت من تمالك نفسها بعد الصدمة التي تلقتها عند تقديمها الى رجل لم تره منذ عشر سنوات ، وتمنت ألا ترا بعد ذلك في حياتها ابدا.
ثم لاحظت ما جعلتا الصدمة تغفل عن ملاحظته من النظرة الأولى وهو ان الوجه بالغ الوسامة لم يعد كما تتذكره . فثمة ندبة عميقة معقوفة كالمنجل تمتد من اذنه الى فكه من ناحية واحدة ، مشوهة بشرته السمراء الرائعة . واستيقظ اهتمامها المهني ، فلاحظت ان تلك الندبة هي آثار جراحة تجميلية أجريت ربما أثر حريق ، حيث ان الجلد الذي يحيط بالندبة كان اقل سمرة ويمتد الى اسفل ياقة قميصه.

-اعتقد انني ساكون رفيقك اثناء العشاء ، يا روزالين هل يمكنني ان اخاطبك باسمك الاول روزالين؟ إلا اذا كنت تفضلين اسماً آخر .
- حسناً ، امثر الناس يدعونني روز ، كذلك خالي وزوجته ، لكنني لا افضل اسماً بشكل خاص .
أجابته بحذر وقد ضاقت عيناها لرؤية ملامحه الصلبة والعنيدة . أتراه عرفها رغم كل شيء؟ لا يمكنها ان تتأكد ، فقد كات مراهقة عندما تعارفا للمرة الاولى . كانت انحف قواما ، وشعرها قصير اكثر دكنة مما هو الآن . فخلال السنوات الثلاث الماضية خففت شمس أفريقيا من لونه كثيرا . أما هو فقد كان حينذاك رجلا ناضجاً في التاسعة والعشرين من عمره. إلا ان السنوات لم تغير شكله على الإطلاق، ما عدا تلك الندبة .
- إذاً سأدعوك روزالين . انه اسم مليء بالأنوثة ، وهو يناسبك .
قال هذا بصوت عميق ، لم يفقد شيئا من سحره ، لحسن الحظ لم يبد عليه انه عرفها . ولكن لماذا يعرفها؟ فهي لم تكن بالنسبة إليه سوى مجرد فتاة عرفها لليلة واحدة ، وذلك بين آلاف الفتيات اللواتي عرفهن .
انه غرور منها ان تتصور لحظة انه ما زال يتذكرها ، او يتذكر الاسم الذي كانت تستعمله أثناء الفترة التي اشتغلت فيها كعارضة أزياء .
-كما تشاء .
قالت ذلك بعفوية ، واعية تماماً الى تفحصه الدقيق لها لكنها استبعدت ان يكون ذلك بسبب تذكره لها ، فليست الذكرى هي التي اثارت اهتمامه بها، وإنما مجرد ردة فعله كرجل أمام امرأة جذابة .
-والآن ، ياخالي خافيار ، لا تكن انانياً . الفتاة المسكينة تكاد تموت عطشاً!
قال جيمي هذا وهو يظهر بجانبها فجأة عارضا عليها كأس عصير . فأخذت منه الكأس باسمة ، وقد سرتها مقاطعته هذه .
تصاعد الضحك والتهاني ، واغتنمت روز الفرصة لتنسل الى آخر الغرفة لتنضم الى زوجة خالها جين .
لكن انتابها شعور غامض بأن عينين داكنتين مقّيمتين كانتا تتابعان كل حركة من حركاتها .
ربما كان عليها ان تعترف له بأنهما سبق وتعارفا من قبل ، وان بإمكانهما ان يتحدثا كصديقين قديمين ... لا، لم يكونا صديقين قط ... بل حبيبين ، نعم!
اجفلت للذكرى ، وسعرت بوخزة من الالم في قلبها ، ولم تستطع منع نفسها من النظر الى الرجل الذي سبب لها هذا الألم . الشعر الاسود الجعد اصبح الآن اطول ، وقد ظهرت بضع شعرات فضية في سالفيه ، الغضون الدقيقة حول عينيه اصبحت اعمق وكذلك الخطين العميقين على جانبي فمه . لكنه مازال اكثر الرجال الذين عرفتهم جاذبية... وفي هذه اللحظة، رفع رأسه بعد حديث كان يتبادله مع زوج اخته ، فأخارقت عيناه الثاقبتان عينيها . ونظرت إليه وهو يتقدم منها .

بدت كأرنب سلطت عليه اضواء سيارة بشكل مفاجئ كانت اضعف من ان تحول نظراتها بعيداً . ما الذي يحدث لها؟ لقد تخلصت من هذا النوع من الهراء منذ وقت طويل . لكن خيبة الأمل تملكتها عندما اصبح قريبا منها ، فإذا به ينظر الى خلفها ليقول لخالها وزوجته :"اليكس ، جين ، أبلغني دايفيد بوصول السيارات ، فاذا كنتما جاهزين الآن سنتحرك ".
عند ذلك فقط نظر الى روز :" نحن الاربعة سنستقل سيارة واحدة ، اذا كان ذلك يناسبك ، ياروزالين".
-نعم، طبعاً .
وماذا يمكنها ان تقول غير ذلك؟
فسالها بصوت منخفض :" هل انتِ واثقة؟ يساورني شعور بأنك متلهفة الى الابتعاد عني ، وارجو ان اكون مخطئاً".
قال هذا بسخرية بطيئة وعيناه ما زالتا مشتبكتين بعينيها .
شعرت روز باحمرار الغضب يتصاعد الى وجنتيها ، لكنها ابتعلت جوابا لاذعا ووقفت ببطء لتقول بمرح :" انت مخطئ فعلا . هل نذهب؟ أكاد اموت جوعا ".
ومرة اخرى ، وبمزيد من عدم اللباقة ، اخذت نظراته تنحدر على قوامها المتناسق لتعود فتستقر أخيرا على وجهها البيضاوي . ثم امسك بمرفقها قائلا:" أعرف هذا الشعور ، لأن جوعي أنا ايضاً قد تصاعد خلال دقيقة ".
ألقت عليه نظرة حذرة من تحت اهدابها الكثيفة . ادركت انه يتعمد استفزازها . آخر شيء تريده هو قضاء أمسية مع خافيار . كادت ان تتأوه عندما ادركت ان الامر لن يقتصر على هذه الامسية فقط بل سيشمل العطلة الاسبوعية بأكملها على الارجح . وهي لن تستطيع الرحيل قبل صباح يوم الاثنين مع خالها وزوجته ، حيث ستمكث معهما مدة اسبوع او اسبوعين . كانت حقيبتها الاخرى لا تزال في سيارتها مع كومة من الكتب ابتاعتها منذ سنوات وهي تتلهف الى قراءتها .

-متى ستعود الى اسبانيا ؟
سألته من دون تفكير ، فيما هما يخرجان معا من المنزل ، متوجهين الى السيارة الليموزين التي كانت في انتظارهم . دفء يده على ذراعها ذكرها بمشاعر ظنت انها اصبحت منسية منذ وقت طويل .
- أنت لا ترضين غرور الرجال كثيرا ، روزالين . لقد تعارفنا للتو وإذا بك تسألينني متى ارحل .
قال ذلك ببطء فرأت السخرية في عينيه .
-لا ، صدقني! كل ما قصدته هو القيام بحديث مهذب.
-المعذرة ، فأنا غير متمكن من الحديث الاجتماعي بالإنكليزية .
وانحنى يهمس في اذنها :"ربما بإمكانكِ ان تعلميني".

وتركها فجأة متراجعاً ليفسح المجال لخالها وزوجته بالصعود الى السيارة اولاً . وفكرت روز غاضبة ان عليها ان تحمد الله لأن المسافة الى الفندق لن تستغرق سوى عشر دقائق . وألقت نظرة جانبية عليه وهو يجلس بجانبها . راح يتحدث بسهولة تامة مع خالها وزوجته بينما هي تجاهد بتوتر لكي تبقي جسمها بعيداً عن جسمه . كانت كتفه تحتك بخفة بكتفها في كل مرة ينعطف فيها السائق في طرقات يوركشاير . لكن لم يبد على خافيار أنه يهتم لذلك .. فملامحه بقيت هادئة نائية .
-روز زارت إسبانيا ذات مرة .

اصطدمت كلمات زوجة الخال بأفكار روز الشاردة .
-لقد أمضيت إجازة هناك .
قالت روز هذا بسرعة . فهي لا تريد أن تذكر جين أنها كانت ذات يوم عارضة ازياء ، فذلك سينبه ذاكرة هذا المتغطرس .
- اذن فقد زرت بلادي ، ياروزالين؟ اين كنت تقيمين؟
لم تر في ملامحه شيئا سوى السؤال المهذب ، وعنفت نفسها لمبالغتها في ردة فعلها . فالرجل لم يعرفها على الاطلاق ، أجابت ببرودة :" آه ، كنت في برشلونة . انها مدينة رائعة ".
- اوافقك على ذلك ، فقد اعتدت ان ازور برشلونة كل عام لأجل السباق الكبير . لكنني لم أذهب الى هناك منذ سنوات .
نظرت روز متأملة . مع ان ملامحه حافظت على ذلك الاهتمام المهذب إلا ان ضيقا بسيطا ظهر في عينيه . تساءلت روز للحظة ، اذا ما كان يبدي التهذيب اكثر مما ينبغي ... وكأنه يخفي شيئا تحته . وفكرت بجفاء في انها لا تريد العبث مع هذا الرجل .
سأله أليكس بحماسة :" هل اعتدت المشاركة في سباقات السيارات ؟"
- لا ، بل اعتدت مساندة فريق ارضاءً لهوايتي فقط . لكنني ، لسوء الحظ ، التزمت بأمور اخرى ولم يعد لدي الوقت الكافي لذلك . لكنني ما زلت اعشق السيارات ولدي مجموعة جيدة منها في بلدي .
- هل رأيت سيارة روزالين ؟ انها رائعة .
علد خافيير باهتمامه الى روز :" نعم ، رايتها امام البيت ... انها جاغوار من طراز -إي ".
واشتبكت عيناه بعينيها :" إنها سيارة سريعة نوعاً ما بالنسبة الى سيدة كما اظن ".
-بل هذا راي متعصب نوعا ما بالنسبة الى القرن الواحد والعشرين ، كما أظن .
أجابته بذلك بعداء .فهي تكره تعصب الرجل ضد المرأة مهما كان نوعه .
- لا اظنك احدى اولئك النساء الثائرات اللاتي يعتقدن ان الرجل لا يصل الا لشيء واحد؟
كان الهزل والسخرية واضحين في لهجته . فسألته :
- وماذا لو كنت كذلك ؟
- برأيي ان النساء الجميلات خُلقن لكي يحميهن الرجل ويحبهن ويدللهن هذا عدا عن انجاب الاطفال. من المؤسف ان يكون للمرأة التي تبدو كالملاك ، عقل كالفخ الفولاذي . تلك خصلة شاردة!
ورفع يده يزيح خصلة من شعرها الاحمر ويضعها خلف اذنها .
التهبت عينا روز وصعد الدم الى وجهها غضبا . انه يوتر اعصابها عمداً .
- أليست افضل من اولئك الذين لا يملكون عقلا على الاطلاق ، كبعض الرجال الذين عرفتهم؟
ردت عليه بذلك بغضب ، وقد غمرها إحساس غريب للمسة يده وهو يزيح خصلة الشعر عن خدها .
فقال بجفاء :" إنما كنت أمزح ، ظننته امراً مسلياً ان اكتشف ما إذا كان طبعك يماثل شعرك الاحمر عنفاً".







رمضاان كريم عليكم 😻❤ صوتوا ع البارت وعلقوا حبابين علمود يصيرلي واهس اكملها والله تعبت من كتبته ❤ الرواية طويلة شوية مو هواي 🙂🌚

واصل القراءة

ستعجبك أيضاً

2.6M 38.9K 46
أَيُّهَا المُتمَرد علي عِشْقِي .. عُذْرًا فإنْ كُنْتَ ابنَ آدمِ فأنَا ابْنَةُ حَواء وإنْ كَانتْ شِيمَتُكَ التَّمَرُدُ .. فشِيمَتِي الكِبْرِيَا...
178K 2.3K 12
حب بغداديه للانباري القصه جريئه الي ميحب لا يقرة
699K 30.8K 39
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
218K 13.4K 16
لكلّ شيء ثمن، وكلما عزّ المراد ارتفع ثمنه. كأن همًّا واحدًا لا يكفي، أو كأنّ الهموم يستأنس بعضها ببعض، فلا تنزل على الناس إلا معًا. العمر حين يطول يق...