١٦) أشبـاح.

Start from the beginning
                                    

"أود ذلك.. لكن علينا أنــ..

"أريد رؤيتها.. ".

قاطعني صوت أمجد الذي كان جالسًا في المقعد الخلفي، فغيّر ياسر مساره ليأخذ أقرب الطرق المؤدية إليها.

ولجنا لشارعٍ فسيحٍ تصطف على جانبيه أشجار السرو، وبين كل شجرة وأخرى ينتصب عمود إنارةٍ بطرازٍ لم أرَ مثله من قبل، عليه لون شعار الجامعة الأزرق، قال لي ياسر أنه يرمز للسماء البعيدة، لتجسد همة طلابها الذين تُعانق طموحاتهم عنان السماء.

أخذ بنا جولةً حول سور الجامعة، قلتُ وأنا مأخوذ بفخامة عِمارتها:

"قد تدرس هنا يومًا ما يا أمجد.. ".

لم أسمع إجابته، نظرتُ إليه من خلال المرآة الجانبية، وقهقهتُ عاليًا لدرجةٍ أربكت ياسر الذي كان مشغولًا بالحديث عن جامعته بفخر.

"لقد نام... ".

لم تتسنَّ له رؤيتها.

..

في الليلة التي سبقت مغادرتنا للمشفى حدثني الطبيب على انفراد، سألني إن كان أمجد قد تلقى أي لقاحات في طفولته، أخبرته بأنني لا أعرف التفاصيل إذ كنتُ صغيرًا، ولكني على يقينٍ أنه لم يتلقّ أي رعاية صحية بعد بلوغه عامه الثاني، حيث انتقلنا للملجأ، قبل ذلك كنا نعيش عند عمة والدتي وزوجها ولا أظن أنهما كانا حريصين على تلقيحه.

أصغى إلي حتى أنهيت كلامي، وأوضح لي أن مناعته ضعيفةٌ جدًا، قال بأن نجاته حين مرض في طفولته أشبه بمعجزة، ولكن أثر مرضه القديم ما زال قائمًا، إذ صارت مناعته أضعف، وإن لم يلتزم بأدويته ويهتم لصحته فلا أحد يعلم ما سيكون مصيره.

طمأنني حين رأى الكآبة التي اعترتني، وقال بأنه سيتغلب على جل الأمراض بقوة إرادته.

أردف قائلًا بأن رجلًا يعرفنا تكفل بثمن الدواء، ففهمت أنه أبو الوليد، وكلمته حال عودتنا فلامني قائلًا أنه يعدنا كأبناءه، وأردف ضاحكًا أن ابنته الصغرى ستغضب منه لو تفاقم مرض أمجد.

"الفتيات يُصرِّحن بالكثير هذه الأيام.. ".

قال وهو يضحك ثم عاد إلى بيته الذي يشغل الطابق الأخير بكامله.

انتهت عطلة نهاية الأسبوع، وعاد أمجد إلى المدرسة، أخبرني بعد انقضاء يومه الأول بأن ماهر لم يُصادمه، ولم ينتبه لوجوده حتى وكأنه لم يعد جزءًا من عالمه.
لم يكن والده فؤاد راضيًا بقرار المدير الصارم أن عقوبته ستُلغى، ولكنه لم يستطع مُعارضته.

أشِقّاءWhere stories live. Discover now