لن يفيدك المعطف، عندما يأتي البرد من الداخل.
- جون ريثتك
....
ظلا يتبادلان النظرات حتى قرر أندرياس أن يخطو صوبها، لكنها حاولت التراجع في وجل ولولا الحبال المقيدة لها لفرت هاربة.
جلس القرفساء أمامها ونظره معلق على أعينها، بينما هي كانت تلتصق بالجدار في خوف طاغ وملامح جد مرتعبة.
ابتلعت رمقها بجسد يرتعش وغمغمت وجلة
-من..؟ ماذا تكون بالضبط؟ ماذا حدث؟ ك-كيف ...؟ه-هل أنت شيطان؟...
ظلت تتلعثم وتسأل بصوت مخنوق خائف و خلافا لها كانت نظراته النعسة تعبر عن ضجره، زفر وأجاب عن أسئلتها بجواب وحيد مختصر.
-أنا مصاص دماء أيتها الجميلة
اتسعت مقلتاها لكنه استطرد غير مكثرت واضعا سبابته ضد جبينها
-لكن لم يحن وقت إخبارك بعد عزيزتي الصغيرة
نقر جبينها بخفة لتراودها رغبة في النوم، سرعان ما التقى جفناها وانتظمت أنفاسها ليتبسم بجانبية قائلا بهمس.
-الآن لن تتذكري أيا مما جرى
فك وثاقها وحملها متجها للخارج، وما إن ابتعد ظهر جسد شخص ما بين تلك الجثت، يحمل ملامح باردة، أعين حمراء و شعرا كستنائي مع بشرة شاحبة.
زفر في حنق ما إن اتصل أحدهم ليجيب ضاغطا على السماعة في أذنه
-نعم سيدت...
بثر حديثه بصراخ أنثوي حانق
-توماس! أيها الخادم عديم النفع طلبت منك إحضارها لا أن تكلف مجموعة بشر حمقى لاختطافها
زفر المدعو توماس وتمتم
-نعم سيدتي في المرة المقبلة لن أخفق...
لم يتابع لأنها أغلقت السماعة بالفعل، زفر بعمق وغمغم ساخطا
-هذه المرأة لم تتغير قيد أنملة
استدار واتصل بأحدهم يطلب منه التخلص من الجثت وتابع في سره بشتم أندرياس وسيدته في آن لأنهما لا يسببان سوى وجع الرأس.
في حين كان اندرياس قد عاد للمنزل ووضع آيلا في فراشها لينزل للأسفل باحثا بناظريه عن هنري، ارتفع حاجبه الأيسر في استغراب بعد عدم لمحه في المكان ليسأل إحدى الخادمات عنه فأجابت ببساطة.
-هنري قد غادر بعد مغادرتك مباشرة و لم يخبر أحدا بوجهته
أومأ لها أندرياس شاكرا ليهمس لذاته في تعجب
-ترى أين ذهب هذا الوغد؟ و ما ذاك العمل المهم؟
.
كان هنري يسير بخطوات ثابتة داخل رواق المبنى المهجور والذي لم يتم إنهاؤه بعد ليتوقف أمام تلك الشقراء، بدت شاردة لذلك فرقع أصابعه للفت انتباهها وأردف ببسمة ساخرة
-يا مرحبا بالآنسة ماندي
انقلبت زوايا شفتاه للأسفل وتابع بجمود
-أو أقول بايكسي
ما إن نطق اسمها الحقيقي تراجعت للخلف وبسطت يديها ليتحول جسدها من مراهقة لامرأة شابة بجسد متناسق وملامح حادة، شعر أحمر غامق وعيون دامية مع بشرة بيضاء شاحبة.
اقتربت صوبه وضمته لكن ملامحه ظلت على حالها، ترسم الجمود ثم الجمود
-هنري! اشتقت إليك حبيبي لقد مر الكثير عل...
دفعها عنه بغضب وزمجر
-لست حبيبك و إياك و تكرار هذه الكلمة لي مجددا
ابتلعت رمقها وحاولت استمالته لعل قلبه يلين ناحيتها كالعادة
-لكن هنري! الجميع فضل نسيان الماضي والمضي قدما ما عداك أنت فقط انسى ما جرى
احتدت تعابيره و هسهس بصوت مسموع
-نعم أنا الوحيد الذي فضلت ألا أنساه هل تعلمين لماذا؟
اقترب منها و تابع بحدة أجفلتها
-لكي لا تعاودي اللعب بعقل كلانا فاضطر لأكون الخائن الوضيع مجددا
صدر صوت خطوات المكان ويليه صوت ليس بغريب
-يبدو أن شعورك بالذنب جعلك تابعا وضيعا بدل خائن وضيع عزيزي هنري
التفت ليجده مراهقا في مثل عمر آيلا لكن ما فاجأه معرفة بايكسي له
-نواه! لم جئت هنا؟
كان التوتر جليا على ملامحها و ازداد مع نطق نواه لجملته
-لا داعي لإخفاء هويتي كثيرا بايكسي
قرر هنري أخيرا التدخل فأردف بنبرة مغتاظة
-ماذا يجري هنا؟ و من تكون أصلا؟
تبسم نواه و في طرفة عين تحول جسده من مراهق إلى رجل ببنية قوية و طول فارع، خصلات سوداء غامقة و أعين قانية و أكيد بشرة شاحبة.
اتسعت مقلتا هنري ليلتفت بأعين تشتعل اتجاه بايكسي وصرخ في حنق جم
-هل الخيانة تجري في عروقك؟ ماذا تفعلين صحبة خائن مثله أيتها اللعينة؟
أعاد بصره اتجاه الآخر ما إن أردف ساخرا
-رويدك هنري ثلاثتنا خونة أي لا حق لك في محاسبتنا و نعتنا بصفاتك
اقترب منه هنري وأمسك بتلابيب قميصه وطلائعه نحتت الحقد و الغضب
-ما فعلته لا يقارن بخيانة مملكة كاملة فقط لغيرتك من بن عمك عزيزي جاك
أمسك المدعو جاك هو الآخر بياقة قميص هنري وتمتم بغيظ
-نعم وكأنك لم تكن تغار منه لأنه أخذ منك حبيبة قلبك المزعومة
نظر بسخرية في آخر كلامه لبايكسي الواثبة خلفهما بملامح غلفها القلق والذعر، فهذان الأحمقان قد يقتلان بعضهما في حال احتد نقاشهما ولن يدوم تراشق الكلام طويلا حتى يتحول إلى تراشق اللكمات.
أفلته هنري بقوة حتى تراجع خطوتين للخلف وهم بالرحيل بعد أن رمى نظرات رصاصية اتجاه المدعوة بايكسي كأنما يتوعدها بالعقاب، ما جعل الذعر ينقر أعماقها أكثر، هو جاد كثيرا في تهديداته.
وما إن توارى عن الأنظار قهقه نواه أو نقول جاك بصخب وتمتم بسخرية وبسمة تنافي نظرته الحادة.
-يبدو أن أوراق الماضي سيتم التنقيب بينها مجددا وهذه المرة فرد جديد سينضم...
رفع نظره لبايكسي وتابع بجمود
-آيلا!
....
لم يعدل