الشَيـطَـآن النَبِـيـل

By BaneenWu

1.4K 122 89

⚶تقَـدّم نحـوِي أرجُـوك فإنِـي لا أنــوِي عليـكَ إلا الخـلاص- هِـبنِـي إبتِسـامتكَ الدافِــئة الأخِـيرة قَـبل... More

START
Part 1 / إمتِنَـان
Part 2 / لحنٌ يبكِي
Part 3 / شِكُوك
Part 4 / الضَجِيج الهَادِئ

Part 5 / الثروة

164 15 25
By BaneenWu


خطوطٌ ملونة تجر خطاها بتمايُل ، لا تواجه ما يعترضها وتتجه في طريقها بسلاسة ، الفرشاة تتنقل بخفة تحت تلك اليد الهادئة ، بينما عيناه ترتكزان على عينا اللوحة مع بريقٍ يومِض فيهما وإبتسامة صغيرة بالكاد تبرز نفسها ، أسقط كريس ذراعه ومال برأسه يتأمل لوحته التي رسمها للتو ، فإبتسم بإستحسان لنسخِ هذه الملامح الفاتنة التي يحفظها جيداً في ذاكرتِه ، إن صورتها في عقله دوماً كما لو إنه يراها الآن بكل وضوح ، ويستطيع نسخها على الورق متى يشاء ، فقط بإستعمال هذهِ الفرشاة الناعِمة والألوان الباهتة المحببة له .

وقف ، ثم دار حول نفسه محدقاً بالجدران المليئة بالإطارات التي تحتوي على صورة لنفس الشخص ، بمُختلف وضعيات الوجه وكل الإتجاهات ، بكل التفاصيل من الأعلى للأسفل ، كانت تلك الصور كلها مرسومة باليد ، تلك الصور جميعها تخص إمرأة جميلة تبدو في الثلاثينات ، رشيقة وطويلة ، ذات شعرٍ بنيّ مموج يصل حتى أعلى كتفها ، وملامحها هادئة وجذابة ، مظهرها بسيط ولا تبدو من الطبقات الغنية ولا من الطبقات الفقيرة ، توقف كريس عن الدوران حتى توقف أمام اللوحة الوحيدة التي تحتوي على صورة وجهها كاملةً والصورة الأكبر حجماً دون البقية ، ثم حدق بها طويلاً ثم خاطبها قائلاً :

" هل يمكنني أن اسألكِ شيئاً أمي؟ "

الصمت القاتل هو ما يواجه سؤاله في هذهِ اللحظة ، ولكن خياله يقول له إنها تقول له نعم ، نعم إسأل حبيبي الصغير ، ثم تمسح على رأسه بحنان كما كانت تفعل بالسابق ، كبح إبتسامته اليائسة وقال :

" ما هو معنى الحياة؟ "

أكمل بعد صمتٍ وجيز :

" لطالما سمعتُ عن الحياة ، أسمع عن أهميتها في كل مكان ، الحروب والنزاعات في الغالب لأجل الحياة ، العمل لأجل الحياة ، لما الجميع يقدسون الحياة؟ الحياة ليست هنا بالفعل فلما يدافعون عنها؟ "

رفع شعره الرمادي المتمرد على جبهته ليردف مقطباً حاجبيه في حيرة من أمره بينما يتمتم :

" نحن الآن في فترة إختبار لا أكثر ، والحياة ستبدأ في الجنة عندما نُقتل ، ويستمر هذا الإختبار إلى المالانهاية .. إذاً لما كل ذلك القتال لأجل الحياة؟ وهنالك من يرددون تلك الجملة ' أريد أن أعيش ' ويرتعبون عندما يقترب منهم الموت ، ولكن الموت هو النجاة إذاً لماذا يرتعبون !! "

هز كريس رأسه بيأس ، يائساً من الحصول على أجوبة لكل تلك الأسئلة ، إنه في أكثر مواقفه حيرةً وإضطراباً ، أمسك برأسه بقوة وهو يحدق في الأرض بوجهٍ مظلم خالٍ من التعابير وهو يتذكر ذلك الحوار بالحرف الواحد دون أي كلمةٍ ناقصة .

" مالذي تفعله هنا وحدك أيها الصغير؟ "

هرع نحوه ذلك الطفل النحيل بتعابيره القلقة نحو الرجل القصير العجوز ليشد ملابسه ويقول بخوف :

" سيدي !! ساعدني أرجوك .. أمي وأخي يبدوان مريضين ولا يمكنهما الكلام ولا التنفس "

إتسعت عينا الرجل المجعدتين بينما يحدق بجثة والدته وأخيه ليهتف بقهر قائلاً :

" ياللهول !! أيها الطفل المسكين .. هل تمكن منكم أولائك الجشِعون؟ "

صمت الطفل ولم يجبه فهو لم يفهم كلام العجوز ، حدق فيه العجوز بحزن بينما ينحني الى مستوى الطفل ويربت على وجنتيه وهمس بإرتجاف :

" أخبرني يا صغيري ، منذ متى وعائلتك هكذا؟ "

" منذ ثلاثة أيام تقريباً سيدي .. لستُ متأكداً "

" ماهو إسمك؟ "

" إسمي كريس "

" أين أبيك؟ "

" ليس لدي أب ، لدي فقط أمي وأخي "

" حقاً؟ هل أنت حزينٌ الآن؟ "

عبس كريس ليومأ بحزن وقال :

" إشتقتُ إليهما .. لما لا يستيقضان؟ "

جلس العجوز وقلبه يُعتصر ألماً على حال هذا الطفل البريء ، أجلس كريس بالقرب منه ليقول بحنان بينما يمسد على شعره الناعم :

" إصغي إلى ما سأقوله جيداً صغيري ، أمك وأخيك الآن قد ماتوا .. "

قاطعه كريس بتفاجئ قائلاً :

" ماذا يعني ذلك؟ "

" تمهل صغيري ، ذلك يعني إن روحهما قد صعدت الى الجنة ، سيبدأون حياةً جديدة وآمنة هناك ، ويستطيعان رؤيتك من الأعلى لكنك لا تراهما ، عليك أن تدعو الرب بالغفران لهما "

فكر كريس بينما ينظر لجثة والدته وأخيه ، ثم قال :

" هل هذا يعني إنهم قد تخلوا عن أجسادهم هنا وذهبوا الى الجنة؟ ولن أستطيع التحدث إليهما واللعب معهما؟ ولكن لما لم يأخذوني معهما؟ "

" عزيزي كريس ، تذكر جيداً إن هذا هو قدرنا جميعاً ، الموت ، ولكن القتلى سيذهبون الى الجنة اما القاتلون فلن يفعلوا "

" هل الجنة مكانٌ آمن؟ "

" إن الجنة ياصغيري هو مكان جميل ولا يمكن وصف شدة روعته وعظمتِه ، إنه الحياة الأبدية من الراحة والنعيم الرغيد الذي سيرقد فيه الصالحون القليلون في هذا العالم الموحش "

صمت كريس بينما يفكر في ذلك الكلام بدقة ، وقد إمتد صمته وشروده لدقائق ، والرجل العجوز ينظر بحزن وشفقة الى حال هذا الصغير المسكين ، وبعد حلول الكثير من الهدوء المخيف قال الرجل العجوز بينما يخرج شيئاً من بين ملابسه :

" عزيزي الصغير ، خذ هذا وإحتفظ به ، أنا أقدم كامل ثروتي إليك فلم يتبقى من عمري الكثير وقد أُهدرَت دماء عائلتي جميعهم موتى ، فلا أرى أنسب منك للإحتفاظ بهذا الكنز الثمين لتعيش بقية حياتك به "

نظر كريس الى ذلك الشيء الذهبي اللامع بين أيدي العجوز ، لقد كان شكله جميلاً جداً وبراقاً ، إنه خنجر راقد في غمدٍ من ذهب مزخرف بأناقةٍ ودقة ، كان جذاباً وصغيراً ولكنه يبدو ثروةً طائِلة ، أمسك كريس بالخنجر لترتد يديه للأسفل قليلاً بفعل ثقل وزنِه ، فتحه قليلاً ليسطع ضوء إنعكاس بريق عيناه في صفيحة الخنجر الظاهرة قليلاً ، كانت الحدّة تشع من أطراف هذا الخنجر المذهل ، عقد كريس حاجبيه في حيرة من أمره ليتسائل :

" ومالذي سأفعله به؟ أعني كيف أعيش به؟ هل هو يؤكل؟ "

" لا يا صغيري ، يمكنك أن تدافع عن نفسك به ، أي أحدٍ شرير يهاجمك او يريد أذيتك إضربه به ، وكذلك .. إذا كبرت وطال عمرك يمكنك أن تبيعه إذا أردت وتعيش بماله حياةً جديدة "

فغر فاه هذا الطفل وعيناه تلمعان بالعواطف ، يشعر بشيءٍ عميق تجاه هذا العجوز ، إنه يساعده .. هذا مافهمه كريس ، إنه يعلم إن هذا الشيء الثمين يمكنه أن يجلب أموالاً كثيرة ، ويعلم أيضاً إنه هذا الخنجر خطير ومخيف ، لقد فهم للتو كيف يعيش به ، إن هذا الخنجر بالفعل حياة الأغنياء بمجرد النظر إليه ، ليس حتى مع التخيلات .. تنظر له فقط هكذا وتشعر بالثروة تحيط بك ، لم يكن كريس يفكر بالثروة ، لقد كان يفكر فقط كم إن هذا العجوز في غاية الطيبة ، إحتضن كريس يد العجوز المجعدة بين يديه الصغيرتين المهترئتين وقال بينما عيناه مليئتان بالأمل والعواطف :

" سيدي .. إنت طيبٌ جداً كالملائكة ، أنا أحبك يا سيدي "

إبتسم الرجل العجوز إليه فيما مد يده ليربت على رأس الصغير ، وحتى لامست أنامله خصلاته ... شهق بضعفٍ وألم بينما يشعر بالبرودة تخترق صدره ، نظر بأعين جاحضة ومذعورة ناحية كريس ليجده ينظر إليه بحزن وهو يقول :

" أنت ملاكٌ نقي من السماء يا سيدي ، لا يجب عليك البقاء في هذا العالم البشع المخيف ، إنه مليء بالوحوش وأنا أخاف جداً عليك يا سيدي ، يجب أن تعود إلى وطنك "

ثم أضاف بهمسٍ حزين :

" من الجيد إن أمي وأخي الصغير قد ذهبا إلى عالمهما الآن .. إنهم في آمانٍ الآن "

ثم ضغط كريس أكثر بذلك الخنجر في أعماق صدر العجوز ، إنهمرت الدموع من عينا هذا العجوز بينما ينهار على الأرض وهو يشاهد دماءه الغزيرة تصبغ الأرض ، شهق بالبكاء ورفع رأسه للأعلى قائلاً منتحباً :

" ويلاه يا أيتها السماء مما فعلتُه بهذا الطفل الصبي الصغير ، سامحني أيها الرب فإني لا أقصد ملئ قلبه بالظلام ، كنتُ أريد مساعدته وملئ روحه بالأمل .... أيها الإلــٰه إغِث هذا الطفل من الهواجس الشيطانية أرجوك .. "

إنهار أرضاً بينما قِواه تتلاشى ، وهو يعاني من ألمٍ فضيع ، ألم الموت .. إنه يشعر بالموت لكنه يريد البقاء أطول مع هذا الطفل ، يريد تصحيح خطأه الفادح الذي ظن بأنه فعل خير ، وكان وجه كريس الحزين وعيناه المظلمة التي تحبس الدموع هو آخر مايراه قبل أن يفقد الرؤية من عينيه ، وكانت أذناه تلتقط آخر تمتمات كريس قبل أن يتلاشى كل شيء وسط همس كريس قائلاً :

" أرقد بسلامٍ يا سيدي ... إذهب إلى عالمك الحقيقي أيها الملاك الطيب .. سأشتاق إليك ... "

إشتدت يدا كريس إحكاماً على خصلات شعره الرمادية ، يعتصر رأسه بين يديه يقاوم هذا الألم ، ألم ماذا بالضبط؟ إنه جاهل حول ذلك ، هل هو يفتقد أحد ملائكته الراحلة؟ هل يشعر بالذنب؟ هل هو يدرك شيئاً لا يريد إدراكه وكان قد دفن حقيقته دفناً عميقاً موحشاً؟ ... هل ..... هو يشتاق إلى والدته؟ أم أن منظر دماءها ودماء ذلك العجوز يوجع صدره؟ أم ذلك المنظر وهو يقتلع قلب والدته وقلب أخيه وقلب ذلك العجوز يحطمه؟ لا يعلم .. إنه حقاً لا يعلم مالذي يمزق صدره الآن وينهش رأسه ، عيناه مظلمتان خاليتان من الحياة و وجهه خاوي وشاحب يتخلله العرق كأنه تمثالٌ فخاري لامع ، أسقط يديه وإنهار راكعاً على ركبتيه ، رفع رأسه بتثاقل ناحية هذه اللوحة الكبيرة ثم قال بنبرة يحتويها الفراغ والألم وقلة الحيلة :

" إذاً يا أمي ... ألا تعلمين ماهي الحياة؟ ألن تجيبيني؟ "


_

يتبع ...


Continue Reading

You'll Also Like

316K 20.8K 33
امرأة متعددة مُتجددة متفردة شاعِرة في المقام الأول مُلهمة ذات خفايا وخبايا وشأنٍ عالي مُمتزجة ما بين جنونٍ وفنون قارئة نهِمة امرأة تشعر برفقتها بأنك...
196K 12.6K 29
كان صلب و قوي و لكن عندما رائها اصبح عاشق ولهان لها مر عليهم اشياء و لم يتركو ايد بعضيهم البعض و أوضح للجميع انه عاشق لها بالرغم من صغر سنها و لكن...
33M 1.5M 56
صغيرةٌ فاتنة تخرج من قاع و تدخل آخر تَلف بها الدُنيا تقع بغرام تاجر أسلحة برَقبته ثأر مُخيف
84.7K 4.4K 35
يمهہ عيونها تموت فلك طرها چنها اول قصيدة بعين شاعرها انعصر عصرة المذنب بالگبر لو مات هيجي احساسي من تبرد مشاعرها انا ، عنودي ومزاجي وخشمي يابس حيل...