طائف في رحلة ابدية

By nanono3726

7.5M 142K 13.6K

من بين جموع البشر ... كان هو الاول والاخير... واخر من رغبت بمواجهته في هذه الارض القاصية الواسعة صرخ بها وال... More

المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس ....الجزء الاول
الفصل الخامس ... الجزء الثاني
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر ..الجزء الاول
الفصل التاسع عشر ..الجزء الثاني
الفصل العشرون
الفصل الواحد والعشرون
الفصل الثاني والعشرين
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرين
الفصل الخامس والعشرون..الجزء الثاني
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الاربعون
الفصل الواحد والاربعون
الفصل الثاني والاربعون
الفصل الثالث والاربعون
الفصل الرابع والاربعون
الفصل الخامس والاربعون..الجزء الاول
الفصل السادس والاربعون
الفصل السابع والاربعون
الفصل الثامن والاربعون
الفصل التاسع والاربعون
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الاخير
الخاتمة

الفصل الخامس والعشرين ..الجزء الاول

103K 2K 532
By nanono3726


( حسنا لا بأس ....... أنا أقبل ....... )

للحظات و بعد أن نطقت عبارتها الهادئة المتزنة دون انفعالٍ يذكر .... وقف أمجد ينظر اليها , عاقدا حاجبيه بسبب غضبه على أبيها و قراراته الظالمة ... حتى أنه لم يدرك على الفور معنى ما نطقت به ..

الى ان بدأت عيناه تتسعان قليلا , وهو يستوعب ما سمعه ... قبل ان يقول بخفوت مضطرب

( عفوا !! .......... ماذا قلتِ للتو ؟! .... )

ارتفع حاجب مسك بسخرية و هي تقول

( أراك قد تأثرت بطريقة كلامي و استعرت الكلمة التي كنت تكرهها ..... )

برقت عينا أمجد باضطراب أكبر وهو يقول منفعلا

( توقفي عن سخريتك المقيتة الآن حالا .... و أعيدي ما قلتهِ !! ..... )

ابتسمت مسك بأناقة و هي تتجاوزه لتسير معتدلة لتتجه الى مكتبها و تجلس ببساطة بينما هو واقفا مكانه منفعلا لا يدري إن كان قد سمع موافقتها للتو أم أنه يتوهم ....

أما هي فقط اهتمت بتجميع بعض أوراقها , ثم قالت بهدوء دون أن تنظر اليه

( لقد قلت ما سمعته للتو ..... لقد قبلت عرضك للزواج شاكرة , إن كنت لا تزال مهتما بالأمر .... )

كانت تتكلم , كمن يتكلم عن عرض بيع تذكرة مسرح زائدة عن الحاجة .... لا عرض زواج , طال به الصبر الى ان واقفت عليه أخيرا ...

وقف أمجد ينظر اليها طويلا و هي تجلس خلف مكتبها , تنظر الى أوراق المشروع التي عكفت على تحضيرها طويلا ... كانت ملامحها هادئة دون تعبيرات , الا أن بعض الحسرة كانت ظاهرة في عينيها .....

في تلك اللحظة شعر بشعورٍ غريب .... شعور مناقض للسعادة التي كان من المفترض أن يشعر بها لقبولها عرضه أخيرا ....

شعر بالغضب عليها .... غضب عنيف ازاء جرأتها على التفكير في المشروع في تلك اللحظة التي سرقت كيانه كله و قلبته رأسا على عقب ... و جعلته فاقدا للقدرة على الكلام , كما هو حاليا ....

لذا و ما أن بدأ يستوعب الأمر كله دفعة واحدة , حتى اندفع اليها بكل قوته الى ان وصل الى حافة مكتبها , و بحركة خاطفة , اختطف ملف الأوراق من بين أصابعه , ليقذفه بعيدا بكل قوته , حتى تطايرت الأوراق منه في سماء المكتب قبل أن تتساقط أرضا على بعد .... بينما مسك تنظر الى ما حدث بذهول , قبل ان تعيد عينيها غاضبتين عنيفتين الى عيني أمجد و هي تهتف بغضب

( هل جننت ؟!! ...... ما الذي ...... )

الا أن أمجد انحنى مستندا الى سطح المكتب بكفيه حتى اصبح وجهه قريبا من وجهها المشتعل و قاطعها بنبرة صارمة

( اصمتي ....... )

برقت عيناها , بانفعالٍ رافض لتسلطه , الا أنها آثرت الصمت و هي تواجه عينيه غريبتي المشاعر في تلك اللحظة .... و ما أن كتفت ذراعيها و جلست صامتة منتظرة و متظاهرة بالملل ... حتى قال أمجد بهدوء صارم ... آمر

( هل وافقتِ للتو على الزواج بي ؟؟ ........... )

رفعت مسك ذقنها تنظر اليه بهدوء , ثم قالت ببساطة

( هذا ما يبدو ..... لكن ان كنت تشعر بالتردد بعد أن وجدت نفسك تنزلق الى حافة الجد .... فيمكنك التراجع في أية لحظة , لا تخف ....... )

ساد الصمت بينهما , لعدة لحظات , لم تستطع فيها قراءة نظرات عينيه قبل أن يقول أخيرا بخفوت دون أن يتحرك من مكانه ....

( لقد واقفتِ .......... )

اضطربت مسك قليلا أمام تلك النبرة الدافئة بشكلٍ غريب ... و غير مرغوب فيه , لكنها قالت ببساطة

( نعم , على ما يبدو ....... )

كانت عيناه تتحركان على ملامح وجهها و كأنه يراها من منظور آخر ..... بينما كانت هي الأخرى تختلس النظر اليه بحذر ....

كان يتأملها كما لم يفعل من قبل .... و رأت زاويتي شفتيه ترتفعان قليلا ببطىء .... هل هذه ابتسامة ؟!! ....

زفرت مسك و هي تقول محاولة الخروج من تلك الدائرة التي أحاطت بهما فجأة

( حسنا .... و بما أننا قد اتفقنا على الموافقة المبدأية , يمكنك الآن العودة الى مكتبك .... و سوف نتابع الكلام في التفاصيل لاحقا ..... )

ارتفع احد حاجبي أمجد , و مالت ابتسامته قليلا قبل أن يهمس بصوتٍ أجش خافت ... مداعب بشكل يثير الرجفة في العمود الفقري ,,,

( ربما تودين لو قدمت طلبي كتابيا .... مع طابع دمغة , لتتم الموافقة عليه رسميا !! .... )

نظرت اليه مسك لتقول ببرود

( ليس هذا وقت سخرية ...... لو كنت تتحلى ببعض الذوق لأدركت ذلك ...... )

ارتفع حاجبه الآخر وهو يقول بنفس الخفوت

( أتحلى ببعض الذوق ؟!! ..... هل تتكلمين عني ؟!! أم تتكلمين عن نفسك يا متحجرة المشاعر ... يا صخرة ... )

لمعت عيناها بحدة و هي تقول

( أمجد ...... لا يحق لك اهانتي ........ )

ابتسم فجأة بحنان , وهو يتأمل حدتها و لمعان عينيها قبل ان يقول

( لم أكن أهينك ..... بل كنت أصفك , فأنتِ صخرة و هذا يثير اعجابي , .......... لكنك تفتقرين الى الذوق و اللياقة .... على الأقل ابتسمي و انتِ تنقلين لي خبر موافقتك بعد طول انتظار ... )

زفرت مسك بنفاذ صبر و هي تقول بفظاظة , رغم الارتباك في داخلها و الذي اخفته بمهارة

( لو لم تكن قد لاحظت ..... لقد خسرت عملي للتو ..... )

انعقد حاجبي أمجد و هو يقول بجدية

( و ربحتِ زوج ..... يريدك , و يتمناكِ ..... و يقسم على ان يجعلك سعيدة المتبقي من عمره .... )

فتحت مسك فمها تنوي الكلام بحدة , الا ان الكلمات وقفت على حافة شفتيها , و ظهر ترددها و ارتباكها للحظة , قبل ان تستجمع شتات نفسها ثم رفعت وجهها لتقول بهدوء

( أشكرك على نبل كلماتك ........ لكن المكان غير مناسب لهذا الحوار )

ضغط أمجد على شفتيه وهو يحاول السيطرة على جموح رغبته في ..... ضربها بأقرب ملف أوراق , على رأسها علها تستشعر بعضا من تلك السعادة الغير متوقعة و التي انتشرت داخله جراء موافقتها الباردة ....

تلك الباردة , متحجرة القلب ,.....

لكنه لن يسمح لغضبه بأن يؤثر على تلك النشوى المتوهجة بداخله .....

حتى مسك الرافعي نفسها لن تفلح في افساد تلك اللحظة عليه ...... لذا همس لها آمرا

( ابتسمي ........... )

تأففت مسك و هي تقول متذمرة بخفوت

( كفى عبثا ....... )

الا أن أمجد قال مكررا بنبرة أكثر تسلطا

( ابتسمي .......... )

أبعدت وجهها عن مجال عينيه وهي تقول باستياء

( أمجد ..... لو دخل احد الى المكتب و انت في هذا الوضع الغير لائق سيظن ...... )

ابتسم امجد وهو يلاحقها بنظراته من جانب لآخر

( ماذا سيظن ؟!! ............ )

تأففت مجددا لا تجد ما ترد به , ..... ثم قالت أخيرا بعصبية

( سيظن أن شيئا غير لائقا يحدث ....... )

اتسعت ابتسامته و برقت عيناه أكثر بينما زفرت هي مرة أخرى .... قبل ان يقول بخفوت

( لا تقلقي .... لقد أرهبتِ الجميع هنا , فلن يجرؤ أحدهم على الدخول الى مكتبك دون طرق الباب .... ابتسمي يا مسك ..... )

رفعت مسك عينيها اليه يائسة ... ثم قالت اخيرا بهدوء ساخر

( لا أصدق رد فعلك على موافقتي !! ........ ألم تخطب من قبل !! ..... )

هز رأسه نفيا ببطىء دون أن يفقد ابتسامته الحانية , أو بريق النصر في عينيه وهو يقول

( لا ..... لم يحدث , لم أخطب من قبل , لذا اعذري سعادتي العاطفية الساذجة .... )

رفعت مسك ذقنها و قالت بهدوء

( لكن أنا سبق و خطبت من قبل .... مرتين , و واحدة منهما كانت عقد قران ..... )

طارت الابتسامة من شفتي أمجد , الا انه لم يتحرك من مكانه , بل حاصر عينيها بنظرة جدية , ثم قال بصوت خافت .... مجفل من بأسه

( أصمتي .......... )

الا أن مسك استقامت و هي تفرد ظهرها بتحدي قائلة باصرار

( لا لن أصمت يا أمجد .... عليك أن تتعامل مع هذا الوضع و تؤكد لي أنك لن تستغله ضدي في أي يوم بنوازعك الشرقية الذكورية ..... )

ساد الصمت بينهما قبل يقول أمجد أخيرا بجمود

( أستطيع التعامل مع الوضع بمهارة , دون الحاجة الى تذكيري به في لحظة تعد من اهم لحظاتنا معا .... و التي سنتذكرها طويلا فيما بعد .... )

شعرت بالحرج من تهذيبه , تبا لهذا التهذيب المثالي .... لا يحق لرجل أن يتظاهر بالمثالية مطلقا ....

لعل اكثر ما تبغضه في أمجد الحسيني هذا الجو المحيط به من المثالية , و التي تعلم جيدا انها مجرد مظهر .... فلا رجل يتمتع بها مطلقا ....

قالت مسك اخيرا و هي تتظاهر بترتيب أوراقها ... أو على الأقل المتبقي منها ....

( عامة كما سبق و قلت ..... المكان غير مناسب للكلام في موضوع خاص .....هلا استقمت رجاءا , فأنا لا أشعر بالراحة و انت تنحني على المكتب بهذا الشكل .... )

قال أمجد بهدوء

( أنا أحاول منذ لحظات صدقيني .... لكن عمودي الفقري قد تشنج على ما يبدو من طول فترة الإنحناء ... )

نظرت اليه مسك بعينين واسعتين , قبل أن تفلت ضحكة قصيرة من بين شفتيها و هي تهز رأسها يأسا , رافعة يدها تغطي فمها الضاحك ....

بينما كان أمجد يتأملها مفتونا بضحكتها النادرة .... الى أن قال أخيرا بخفوت

( ها قد ابتسمتِ أخيرا ..... اللهم لك الحمد , علينا تسجيل تلك اللحظة النادرة , كي نستخدمها كدليل على قدرتك على الابتسام ذات يوم ...... )

زمت مسك شفتيها و هي ترتب أوراقها تنفضها على سطح المكتب قائلة

( حسنا ...... و بما أنك قد نلت ما تريد , هلا تركتني الى عملي الآن ..... و سنتابع حوارنا لاحقا .... )

قال امجد بهدوء وهو ينظر الى الأوراق التي ترتبها

( لقد رتبتِ الأوراق للمرة العاشرة على الأقل , حتى قاربت على الإستغاثة ..... هل هذا يعني أن تأثيري فيكِ كبير الى هذا الحد ؟!! ... )

أشارت مسك باصبعها و ذراعها المفرود الى الباب قائلة

( أخرج يا أمجد ..... الآن .... )

عقد أمجد حاجبيه و قال مستنكرا

( أتطردين خطيبك ؟!! ........... )

قالت مسك بصرامة و بلا تردد

( نعم ............. )

ابتسم أمجد بجذل , فتوترت مسك و هزت رأسها بسرعة قائلة بعصبية

( لا ..... أقصد لست خطيبي بعد , إنه مجرد قبول مبدئي ....... )

استقام أمجد متأوها وهو يضع يده خلف ظهرهه .... فرفعت مسك حاجبها و هي تقول بشك

( هل أنت بخير ؟!! ......... )

نظر اليها بخبث قائلا

( هل أشم رائحة قلق علي ؟!! ....... أم أنكِ تشككين في قدرتي كزوج مستقبلي ؟!! ..... )

احتدت نظراتها و هي تهتف بحدة

( احترم نفسك ...........و توقف عن قلة الأدب .... )

قال أمجد ببراءة

( قدرتي كزوج في حمل الأغراض الثقيلة من السوق .... حمل الأثاث أثناء تنظيفك للأرض ..... )

ارتفع حاجبي مسك و هي تنظر اليه عاجزة عن الرد المناسب , بينما هو ينظر الى السقف متخيلا ... مبتسما .... هامسا

( ستكونين رائعة و أنتِ تنظفين الأرض ..... بجلباب ذو .... )

هتفت مسك بصرامة

( كفى ....... أنا أحذرك ...... )

نظر اليها قائلا بجدية وهو يهز رأسه يائسا منها

( أفكارك ملوثة جدا ...... حاولي تنظيفها قليلا , ليس كل الزواج متمحور حول ..... )

هتفت به مسك بقوة

( احترم نفسك يا أمجد الحسيني ............... )

ابتسم لها وهو يقول غامزا

( ثلاث مرات " احترم نفسك " !! ..... آه لو كنتِ حلالي الآن !! ....... )

نهضت مسك من مكانها بعنف , الا أنها أغمضت عينيها بألم متبقي في كاحلها المصاب , لكنها فتحتهما و التقطت أنفاسها قائلة بصرامة

( أخرج من المكتب يا سيد أمجد , فمن الواضح أنك غير قادر على السيطرة على نفسك ..... كان من الخطأ أصلا الجمع بين الحياة الشخصية و المهنية ..... )

نظر اليها أمجد بعطف قبل أن يقول بجدية خالصة هذه المرة

( أعتقدت أنكِ ذكرتِ أن طريقك المهني هنا قد انتهى ......... )

ظهر بعض الالم في عينيها و تخاذلت نظراتها , الا أنها عادت و رفعت وجهها قائلة ببرود

( هل عدت الى محاولة ايلامي من جديد ؟!! .... ان كان هذا هو قصدك , فلن ينفعك .... لأنني لن اهزم ..... )

رد عليها أمجد بجدية و هدوء دون أن يرف له جفن

( و أنا لا أريد أن أراك مهزومة .... بل سأمنعك بالقوة , لو فكرتِ في الإنهزام ...... ربما أريد منكِ البكاء , لكن الإنهزام ..... لا و ألف لا ...... )

صمتت مسك للحظة , ثم قالت بهدوء جامد

( أشكرك على نبل كلماتك , ...... الا أنني خير قادرة على شد أزري , بنفسي ....... )

هز أمجد رأسه نفيا ببطىء .... قبل أن يقول

( لن تكون هناك كلمة " بنفسي " بعد الآن ..... بل سنكون معا , في مواجهة أي شيء ... أو أي احد ... )

حاولت مسك الرد , الا أنها لم تستطع .... بل ظلت صامتة تماما و هي تواجه عينيه النافذتين , ثم ابتسم لها برفق و قال بهدوء واعد بالسعادة

( أنت محقة .... لن يصلح الكلام هنا , لدي الكثير و الكثير من الكلام لكِ ...... بعد أن أصبحتِ خطيبتي أخيرا ..... )

همست مسك بصوتٍ خافت

( لست ..........)

الا أنه أشار اليها ملوحا يقول

( أراكِ عند مغادرتك ....... حين أقلك بنفسي ...... )

رأته يستدير ليغادر , الا أنها نادته فجأة قائلة

( أمجد ............ )

التفت ينظر اليها رافعا حاجبه , مبتسما .... و الشغف باديا في عينيه جراء مناداتها باسمه بأريحية ....

الا أنها قالت بخفوت هادىء

( يمكنك الإنسحاب في اي لحظة .......... سآخذ الأمر بروح رياضية , خذ وقتك و ابدأ التفكير من جديد على مهل .......)

لم يرف بجفنيه و لم تختف ابتسامته , بل نظر الى عينيها بهدوء قبل ان يقول بثبات

( حين تتعرفين الي بشكلٍ أعمق .... ستعرفين أنني رجل لم يعتد الإنسحاب ..... )

خرج أمجد بعدها مغلقا الباب خلفه , بينما بقت مسك مكانها تنظر الى البعيد و هي تهمس لنفسها

" ما بالك تسرعتِ في القبول !! ..... و كأنك كنت تنتظرين الحجة !! ..... "

أما أمجد فبعد أن أغلق الباب ... وقف في الخارج ممسكا بمقبضه و هو يبتسم بسعادة لم يتخيل أن تكون بمثل هذا الوهج الداخلي المذهل .....

لم يخدعه احساسه حين قرر أن مسك الرافعي أصبحت شخصا مهما جدا بالنسبة له ... و أن مشاعره قد بدأت في التورط معها منذ فترة دون أن يقوى على الإعتراف ....

رفع رأسه و أخذ نفسا عميقا .... قبل أن يتجه الى مكتبه مبتسما , الا أنه و قبل أن يبتعد وجد سالم الرافعي خارجا من مكتب احد المدراء , فلم يؤخر وقتا .... بل اتجه اليه على الفور قائلا بتهذيب

( سيد سالم ........ هل آخذ من وقتك دقيقة ؟؟ .... )

توقف سالم أمامه مجهد الوجه ... و عيناه تتطلعان الى الباب المغلق خلف أمجد ... باب مكتب مسك ,

الا أنه قال بهدوء

( بالطبع يا أمجد .... أنا في عجلة من أمري قليلا , لكن تفضل و تكلم ..... )

أوشك أمجد على الكلام , الا أن سالم قاطعه فجأة قائلا وهو يشير بعينيه الى مكتب مسك

( كيف حالها الآن ؟!! ...... هل تكلمت معها ؟..... )

نظر أمجد بنظرةٍ جانبية الى باب مكتب مسك قبل أن يعيد عينيه الى سالم قائلا بهدوء وهو ياخذ نفسا حادا

( حالها حال من تعرض لظلم فادح ...... و هي تستحق معاملة أفضل من هذه .... )

عقد سالم حاجبيه وهو يقول بخشونة رغم اجهاد عينيه

( رئاسة المشروع ليست نهاية العالم .... لم تعتد مسك أن تكون مدللة , لقد وصلنا للقرار بعد تفكير عميق و لدينا نظرة بعيدة للأمور .... )

قال أمجد فجأة بنبرة قاسية قليلا

( و هل النظرة البعيدة , تصل الى قرار صرفها من العمل دون وجه حق رغم كفائتها !! ....... )

اتسعت عينا سالم بدهشة قبل أن ينعقد حاجبيه بشدة قائلا بذهول غاضب

( هل أخبرتك ؟!! ....... )

قال أمجد دون أن يرف له جفن

( أرجو الا يغضبك تدخلي في أمرٍ خاص ...... لكن أمر مسك يهمني و هي كانت في حاجة الى من تتكلم معه ..... )

ضاقت عينا سالم بحدة وهو ينظر الى أمجد بنظرة غامضة .... ثم قال بخشونة موجزة

( كهذا اذن ..... عامة شكرا لك يا أمجد على اهتمامك بمسك , و أحب أن اطمئنك أنها ستكون في منصب اعلا و مركز متميز خارج البلاد .... أي ستتاح لها فرصة يتمناها آلاف الشباب ..... و أنا متأكد من أنك تتمنى لها الخير ..... )

انعقد حاجبي أمجد فجأة ... و لمع بريق الخطر في عينيه , الا أنه سيطر على هدوء ملامحه و لم ينفعل .... بل قال بهدوء حاسم

( أنا لا أريد أن اؤخرك سيد سالم ..... لذا سأنتقل مباشرة الى الموضوع الذي استوقفتك له ..... أتعشم أن تتكرم بالسماح لي بزيارتك , زيارة شخصية في بيتك إن كان لديك متسع من الوقت ... )

ساد صمت غريب بينهما ... و بدت ملامح سالم و كأنها قد تصلبت فجأة بادراك غامض , الا أنه قال أخيرا بصوت غريب

( زيارة شخصية !! ..... الا يمكن للموضوع أن يحل هنا في الشركة ؟!! .... )

قال أمجد بشجاعة

( أخبرتك أنه موضوع شخصي سيد سالم , و لا دخل له بالعمل ...... )

أظلمت عينا سالم أكثر و قال بجفاء ....

( أمجد ..... لا أعتقد أن ........ )

قاطعه أمجد قائلا بحزم أكبر و دون تراجع

( أنا أعرف أن بيتك هو بيت الكرم و لن ترفض لي زيارة ...... )

زفر سالم وهو ينظر الى عيني أمجد الذي بادله النظر و قد كشف كل أوراقه أمام سالم الرافعي دون خوف أو تردد .....

ثم قال سالم فجأة بحسم وهو يمد يده مودعا

( حسنا ..... كما تريد يا أمجد , تعال الى بيتي الليلة في تمام التاسعة و ننهي الأمر ..... )

صافحه أمجد بقوة , دون أن يغفل الى عبارة " ننهي الأمر " ..... لكن ثقته لم تهتز , بل شد على كف سالم وهو يبتسم قائلا

( هذا من دواعي سروري ..... لن أتأخر ..... )

أومأ سالم بضيق و عيناه تدوران حول أمجد في حرب صامتة , الا أنه انصرف أخيرا , متجها الى باب مكتب مسك , ففتحه قائلا بهدوء آمر

( تعالي يا مسك لأقلك في طريقي ...... )

ضاقت عينا أمجد وهو يحاول سماع ردها من الخارج , فقد كان يتوق الى ايصالها بنفسه كي يجد بضع دقائق يحادثها بها ....

لم يسمع ردها , الا أنه ابتسم وهو يرى ملامح سالم و قد ازدادت تلبدا ...... و احمرت وجنتاه بغضب قبل أن يقول بحزم

( كما تشائين ....... )

ثم أغلق الباب دون أن يلقي اليها التحية حتى .... فاصطدمت عيناه بابتسامة أمجد التي أخفاها مباشرة و ادعي عدم الاهتمام .... الا أن سالم قال بخشونة

( ألازلت هنا يا أمجد ؟!! ....... هل تريد شيئا آخر !! ....... )

ابتسم امجد وهو يقول ببساطة , واضعا كفيه في جيبي بنطاله

( على الإطلاق .... كنت أطمئن الى سلامة مرورك ..... )

ازداد عبوس سالم وهو يقول بجفاء

( لن أضل طريقي في الرواق يا أمجد .... كما أنني لن أسقط في بالوعة تم اكتشافها حديثا , اذهب الى عملك ..... تفضل .... )

لم يفقد أمجد ابتسامته وهو يمد يده بتهذيب قائلا

( تفضل ....... )

فقال سالم بحدة

( تفضل أنت أولا ..... أريد أن أرى ابتعادك لو تكرمت ..... )

ضحك أمجد وهو يتظاهر بعدم فهمه لتلك الحرب الباردة التي اشتعلت بينهما فجأة , ثم قال ببساطة

( لا أعلم لماذا أنت غاضب ؟؟ ...... لكن عامة انا متجه الى مكتبي , اراك الليلة .... )

ازدا عبوس سالم بشدة وهو يراقب ابتعاد أمجد , ثم نظر الى باب مكتب مسك بنظرة ....... رافضة .....

.................................................. .................................................. .................

كان أمجد يجلس في مكتبه ينهي ما عليه من أعمال , يحاول الإسراع قدر الإمكان كي يذهب الى مسك و يقلها معه الى بيتها ....

لم يجدا الوقت للكلام .... وهو يحتاج الى الكلام معها , لا فرصة تجمع بينهما سوى الدقائق القليلة في السيارة ...

كانت أسماء تجلس أمامه في الكرسي المقابل لمكتبه ... تراقبه بعينين سارحتين , تتأملان ملامح وجهه المنشغلة بدقة ..... ثم قالت أخيرا بخفوت

( سيد أمجد ........... )

همهم أمجد قائلا دون أن يرفع وجهه

( هممم .... نعم يا أسماء ...... )

بدت أسماء مترددة قليلا و هي تتلاعب بأصابعها , تتأمل انحناءة رأسه ..... ثم قالت

( هل أنت متضايق من جلوسي معك ؟؟ ....... )

رفع أمجد وجهه لها وقال ببساطة و لطف

( بالطبع لا يا أسماء ..... تعرفين أن مكتبي مفتوح لكِ دائما , سبق و قلت لك هذا مرارا ..... )

ترك القلم من يد ثم نظر اليها مبتسما

( ها قد تركت ما بيدي .... أخبريني , ماذا تحتاجين ؟؟ ......)

فتحت أسماء فمها لتتكلم بلهفة , الا أنها عادت و أغلقته بيأس .... ثم أطرقت برأسها قائلة بقنوط

( لا أحتاج شيئا ........ أنا فقط كنت في حاجة الى من يستمع لي ....)

قال أمجد بهدوء

( و أنا أستمع اليك ..... تكلمي ....... لا تخشي شيئا ....)

لم ترفع وجهها اليه ....كانت ملامحها حزينة و مجهدة .... و شاردة تماما , كمراهقة أضناها الحب و امرأة أشقتها الحياة .....

قال أمجد بخفوت وهو يميل قليلا الى سطح المكتب

( هل هي حالة زهرة ؟؟؟ ...... اسمعيني يا أسماء للمرة الأخيرة , و لن أكررها ..... أنا سأتكفل بعلاج زهرة , فتوقفي عن العناد ..... )

رفعت أسماء وجهها اليه و قالت بحدة

( لا ..... لا أقبل , لا أقبل منك أنت تحديدا ....... )

عقد امجد حاجبيه و قال بحيرة

( لماذا ؟!! ..... لماذا ترفضين مساعدتي أنا تحديدا ؟!! هل جرحت شعورك بأي طريقة ؟!! ..... )

نظرت اليه بيأس و همست

( أنت لا تفهم ....... أنت لا تفهم أبدا ....... )

عقد أمجد حاجبيه أكثر و ضاقت عيناه وهو ينظر الى ملامحها الحزينة المجهدة .... ثم قال بخفوت مغيرا الموضوع

( لما لا نفكر في علاج زهرة ..... اليوم سأباشر ب ......... )

هتفت أسماء تقول بأسى

( لقد وجدت زهرة من يتكفل بعلاجها بالكامل ...... ثم أن الموضوع ليس مشكلة مادية فقط , لا يزال امامنا طريق طويل للعلاج .... والله هو العالم , ان كان الأمل موجود فعلا أم لا ....... )

صمتت فجأة حين اختنق صوتها فقال أمجد بخفوت

( تفائلي خيرا يا أسماء ..... أخبريني , من تكفل بعلاجها ؟؟ ..... و لماذا قبلتِ من شخص آخر غيري .... )

قالت أسماء بعد صمت طويل و بصوت مختنق

( لم أكن أريد قبول المساعدة منه كذلك ... الا أنه بدا أهون خيارا منك .... )

ازداد انعقاد حاجبيه وهو يقول بحيرة

( لهذه الدرجة ؟!! ...... لما كل هذا الجفاء يا أسماء ؟! ..... )

رفعت وجهها تنظر اليه بألم ثم قالت بخفوت

( ليته كان جفاءا ........ ليته كان ..... )

ارتبكت ملامح أمجد قليلا , و نقرت أصابعه على سطح المكتب وهو يفكر بعمق , بينما أسماء تنظر اليه بأسى .....

و ساد الصمت بينهما عدة لحظات قبل أن يقطعه صوت مسك وهي تقول بحزم من باب المكتب

( معذرة .... ظننتك وحدك في المكتب , الا أنه على ما يبدو بات هذا مطلبا صعبا هذه الأيام ...... )

شعر أمجد بروحٍ جديدة من الإنتعاش تدب في أعماقه ما أن سمع صوتها , فرفع رأسه ينظر اليها بملامح هادئة , الا أن نظرة عينيه كانت تناقض هدوء ملامحه تماما ....

كانت واقفة في اطار الباب كلوحة كلاسيكية أنيقة ..... تشبه القمر في جماله و علوه .....

ابتسم أمجد ابتسامة صغيرة ثم قال بلطف و نظرات الشقاوة تتقافز من عينيه

( تفضلي يا آنسة مسك ...... لا أحد غريب .... )

دخلت مسك على مهل الى أن جلست على الكرسي المقابل لكرسي أسماء , واضعة ساقا فوق أخرى .... ثم قالت بجمود

( مرحبا أسماء ....... الا عمل لديكِ ؟!! ...... )

رفعت أسماء وجهها الشاحب تنظر الى مسك بكل خيلائها و أناقة طلتها .... ثم قالت بخفوت

( انتهى عملي ....... )

قالت مسك بترفع ,

( اذن ماذا تفعلين هنا ؟! ....... لماذا لم تغادري ؟! .... )

ردت أسماء بنبرة محتدة قليلا ...

( السيد أمجد أخبرني أن مكتبه مفتوح لي دائما , و لا أظنه يعترض ...... )

قالت مسك بجدية و حزم

( مكتبه مفتوح للطلبات ... للشكوات .... للاقتراحات .... لكن ليس لجلسات الصفا و تبادل الأحاديث اللطيفة ... )

قال أمجد بجدية و قد توترت ملامحه من مدى عجرفة ملامحها

( مسك ....... لا داعي لهذا , فأنا لا أمانع لو احتاجت أسماء للكلام .... )

الا أنها التفتت اليه فجأة و قالت بصراحة

( لكن أنا أمانع .......... )

صمت أمجد مصدوما ..... كانت تتكلم بتملك غريب , و عيناها تنذرانه الا يتحداها و رغم غضبه من معاملتها المتعجرفة , الا أنه شعر بمتعة غير عادية .... و كأن الحجر قد نطق أخيرا ...

أعادت مسك عينيها الى أسماء بعد أن رمقت أمجد بنظرة تجمد الدم في العروق , ثم قالت بهدوء

( و الآن هلا عذرتِنا قليلا , لأن لدي موضوع هام أناقشه مع السيد أمجد .... و أعتقد أن جلسة الود هذه يمكن أن تتأجل لوقتٍ لاحق ..... )

أظلمت عينا أسماء و نهضت من مكانها , مندفعة , الا أن أمجد قال يوقفها بهدوء

( أسماء ........ اعذري فظاظة الآنسة مسك , فقد كان يومها شاقا نفسيا .... لكنها في الحقيقة أكثر تعاطفا مما تبدو .... )

اندفع رأس مسك ملتفتا اليه و هي تنظر اليه بشراسة ....

أيجرؤ على أن يبرر تصرفاتها لإحدى العاملات , و كأنم يجلسون في مقهى عام للسمر .....

لكنها عضت على شفتها و امتنعت عن الرد مؤقتا كي لا تسيء الى هيبتها ..... بينما قالت أسماء بفتور متداعي

( أعرف أنها أكثر تعاطفا يا سيد أمجد .. بالدليل , الا أن البشر أحيانا يحتاجون الى معاملة أكثر انسانية ... )

اتسعت عينا مسك بذهول و هي غير قادرة على السيطرة على غضبها أكثر ففغرت فمها تنوي قذفهما بسهام لسانها اللاذع , الا أن أمجد تطوع و قال بلطف و عينيه على الفم الغاضب الذي قاطعه ...

( و لأنها من البشر , اعذريها لأجل خاطري ..... صدقا كان يومها صعب ...... )

نقلت أسماء عينيها بينهما بيأسٍ متألم .... و أدركت بما لم يقبل الشك أنهما يبدوان لائقين ببعضهما , ظاهريا على الأقل .......

خاصة و أمجد يدافع عنها بهذا اللطف , أدركت أن الأمل البعيد .... أصبح الآن مستحيلا ......

لذا أطرقت بوجهها و هي تقول

( لا بأس سيد أمجد .... لأجل خاطرك فقط .....أراك لاحقا .. )

اتسعت عينا مسك أكثر .... و زمت شفتيها بعنف و هي تنفث نفسا كاللهيب , لكنها تماسكت الى أن غادرت , حينها فقط تكلمت هي و امجد في نفس اللحظة و بصوتٍ واحد ...

حيث قالت هي محتدة و منفعلة

( و ماذا بعد ؟!! ....... )

بينما تكلم هو برفق و عينيه الحنونتين تحيطان بها , تضمانها في عناقٍ لا مثيل له

( كيف حالك الآن ؟؟ ............ )

صمت كل منهما وهو يستوعب ما نطقه الآخر ....

كان أمجد متراجعا في مقعده ينظر اليها بابتسامة , بينما هي تميل الى سطح المكتب و عيناها تلمعان كالعاصفة ....

زفرت مسك بغضب , قبل أن تقول ببرود

( كيف لك أن تبرر تصرفاتي أمام احدى العاملات بتلك الطريقة ؟!! ....... )

لم ينفعل أمجد و لم يفقد ابتسامته وهو يقول برقة

( لقد عاملتِها بقسوة دون أن تستحقها , لذا كنت أطيب خاطرها ....... )

هتفت مسك بحدة

( و لماذا تطيب خاطرها من الأساس ؟!! ..... هذا تعدي للحواجز الرسمية التي يجب احترامها بين الزملاء , فمابالك بالمرؤسين ؟!! ........ )

مال أمجد الى سطح المكتب وهو ينظر الى عينيها الغاضبتين , ثم قال بهدوء

( أنت تعطين الأمر أكبر من حجمه يا مسك , نعم هناك حواجز .... لكننا بشر في النهاية , نضعف , نتقارب .... نشعر بآلام بعضنا البعض بدافع المكان الواحد و الذي يجمع بيننا عدد من الساعات قد يفوق ما يقضيه كل منا خارجه ..... )

قالت مسك من بين اسنانها بغيظ

( سبق و اخبرتك أنها تميل اليك و أنت تشجعها , و لو فكرت في الأمر مليا لوجدت أنك بتقاربك الزائد منها تعطها تشجيعا ستؤذها به أكبر مما ستفعل لو أجبرتها على احترام الحدود بينكما .... )

قال أمجد متشدقا بلطف

( هذا غير مؤكد .......... )

الا أن مسك هتفت بحدة و هي تلوح بكفيها

( هل أنت أعمى ؟!! ........... الفتاة عيناها تلمعان كالنجوم ما أن تنظر اليك .... )

قال أمجد ببساطة

( حتى لو كان هذا صحيحا , فهي لا تزال صغيرة , الفارق بيننا في العمر كبير و معظم الفتيات في مثل عمرها يشعرن بافتتان لاقرب رجل يتواجد داخل اطار حياتهن ..... سرعان ما ستتخلص منه , لكن هذا ليس مبرر لأصدها بفظاظة كما تفعلين فأهد ثقتها بنفسها ..... )

أغمضت مسك عينيها بيأس و هي تهز رأسها ساخرة , قبل أن تقول باستهانة

( يبدو أن قلبك العطوف هذا هو سبب انجذاب النساء اليك .... كل يوم , أجد من تحتاج للكلام معك , و كأنك المصلح الإجتماعي الوحيد .... مراهقات و متزوجات و الله أعلم من أيضا .... )

كانت تهز ساقها بعصبية وهو يراقبها باستمتاع فاق الوصف , قبل ان يميل اليها مضيقا عينيه قائلا بشك

( هل هذه غيرة ؟!!!! ......... لا ... لا .... لا تقولي , هل هذه غيرة فعلا ؟!! ... )

نظرت اليه مسك باستنكار قبل ان تهتف

( ماذا ؟!!!! ..... هل فقدت عقلك ؟!! .... ما هي الغيرة أصلا ؟!! ..... )

اتسعت ابتسامة أمجد وهو يقول ببساطة

( انها نوع من المشاعر الإنسانية .... يشعر به الإنسان تجاه شريكه , فيمنحه الحق بالملكية و الأفضلية بين الجميع ...... )

ضحكت مسك بسخرية و هي ترجع خصلة من شعرها الى اعلى رأسها قائلة ببرود

( تحتاج الى امرأة فاقدة الثقة بنفسها كي تغار ........ )

قال أمجد بجدية رقيقة وهو يتأمل تلك الخصلة الفاتنة

( بل أحتاج الى امرأة ذات قلب .... يحوي حبا متملكا ...... )

ازدادت حركة شفتيها امتعاضا و هي تهز ساقها قائلة دون أن تنظر اليه

( لو كان هذا هو طلبك , فقد اخطأت حين تقدمت طلبا ليدي ..... )

قال أمجد بصوت غريب وهو ينظر اليها بجدية

( هل فقدتِ القدرة على الحب ؟!! ........ )

نظرت اليه مسك بصمت , قبل أن تقول بهدوء مماثل

( ربما لم أمتلكها من الأساس ........... )

قال أمجد بجدية و شبه قسوة

( ارفض تصديق هذا ........ )

هزت مسك كتفيها و هي تقول بخفوت

( صدق ما شئت ..... المهم في النهاية الا تطالبني بما يفوق قدراتي .... )

لم يرد أمجد على الفور , بل ظل يراقبها طويلا , الى أن قال في النهاية بجدية

( لماذا غيرتِ رأيك بهذه السرعة يا مسك ؟!! ...... كنت رافضة الزواج مني تماما و فجأة غيرتِ رأيك , هل لي أن أعرف السبب ؟!! ..... )

ارتبكت مسك للحظة , الا انها نظرت اليه بتماسك رائع و هي تهز كتفها قائلة بلامبالاة

( لقد الححت في الطلب .......... )

ابتسم أمجد وهو يراقب عنفوانها و جلستها المغرورة ... قبل أن يقول بمزاح صافٍ

( اكبحي جماح ثقتك سيدتي قليلا ..... لسنا أهلا لهذه الهالة من الأنوثة الطاغية بعد ..... )

مطت مسك شفتيها عن قصد بسخرية , الا انها لم تفعل هذا الا لتكبح ابتسامة حقيقية أوشكت على الظهور الى شفتيها .... ثم قالت ببساطة

( كما سبق و أخبرتك .... ان اردت تغيير رأيك , فأرجوك تصرف بحرية و لا تتردد .... )

لم يتنازل امجد حتى للرد على هذه الجملة الأخيرة .,,.....

بل قال بجدية

( هل غيرتِ رأيك كرد فعل سريع على عقاب عائلتك لكِ ؟!! ..... )

نظرت مسك اليه رافعة حاجبيها و هي تقول ببرود

( هل ظنك بي أنني بمثل هذه السطحية ؟!! ..... أوافق على زواج و أبدأ حياة جديدة ... بل و أحرم رجلا من أبوته لمجرد أن أرد الضربة الى عائلتي ؟!! ...... رأيك بي مشرف حقا .... )

قال أمجد مبتسما بهدوء

( لقد انتابني الشك للحظة فاعذريني .... لقد توالت الأحداث سريعا ..... لذا هل تتكرمين باخباري عن سبب تغيير رأيك سريعا ؟! ...... )

رفعت مسك عينيها الى عينيه , ثم قالت أخيرا بهدوء يجمد الحمم

( أنت فرصة مناسبة .......... )

أغمض أمجد عينيه و تأوه بصوتٍ عالٍ ..... فعقدت مسك حاجبيها و هي تقول بقلق

( ماذا بك ؟!! ...... أمجد ؟!! ....... )

فتح أمجد احدى عينيه ليقول بصوتٍ متألم

( كان هذا صوت تهشم كبريائي الرجولي ...... الذي سحق تحت صخور اجابتك الفظة و لسانك الأشبه بمنشارٍ قاتل ..... )

زفرت مسك و هي تقول بخفوت

( لا أصدق ما أنا فيه حاليا ....... أنا و أنت !!! ....... )

ابتسم أمجد قائلا بزهو

( رائعين معا ..... اليس كذلك ؟!! ..... )

نظرت اليه مسك و قالت بجدية

( بل اضحوكة .... و كارثة توشك على الحدوث .... )

قال أمجد بهدوء

( توقفي عن هذا التشاؤم و أجيبي سؤالي ...... لما رأيتني فرصة مناسبة ؟!! .... )

رفعت وجههها تتأمله بحذر قبل أن تهز كتفها قائلة

( حسنا أنت رجل محترم ....... مستواك المادي مناسب حتى و إن كان ليس مطابقا تماما لمستوى والدي الا أن هذا أمر طبيعي .... و فوق هذا كله , أعتقد أنك ستكون الوحيد الذي يقبل بحالتي دون شروط ..... )

ظل أمجد يستمع اليها بصمت الى أن أنهت كلامها تماما ...

لم يكن هذا ما يتمنى سماعه منها أبدا ..... لكنه أيضا لم يكن متفائلا للدرجة التي تجعله يتخيل أن تكون قد وقعت في غرامه .....

لكن أن يكون فرصتها الوحيدة !!!! ....

ليس هذا ما تمناه أبدا .....

نظرة واحدة من عينيها الى تعابير وجهه , استطاعت بها قراءة ما يجول في خاطره , أو جزء منه على الأقل ...

فقالت بثقة

( لا تعتقد أنني أقلل من شأن نفسي .... أنا فقط امرأة واقعية , أدرك تماما ما أمتلكه و العكس ... لذا و بما أنني وصلت الى السن المناسب للتفكير في الإستقرار .... يجب علي الإعتراف ان فرصة قبول رجل بحالتي تعد فرصة نادرة من نوعها .... لن اجدها كثيرا , هذا ان وجدتها من الأساس ..... )

ظل أمجد صامتا لعدة لحظات ثم قال أخيرا بخفوت

( لكن ماذا لو كنت أريد منكِ أكثر من هذا ؟! ........ )

بادلته مسك النظر بصمت قبل أن تجيب بلامبالاة

( حينها يؤسفني أن أعود الى سابق قراري في رفض عرضك ...... الأمر كله عائد اليك , إما أن تقبل بي ككل و ليس بعضا مني ..... و إما أن تتركني و تبحث عن فتاة أحلامك .... )

قال أمجد بعد فترة

( لقد حلمت بكِ لثلاث ليالٍ متتالية ..... الا يخبرك هذا بأنكِ أصبحتِ فتاة أحلامي ؟!! ...... )

ارتبكت مسك قليلا , لكنها قالت بهدوء مبتسمة

( بل يخبرني بأنه مجرد افتتان سطحي , جعلني أسكن عقلك الباطن لفترة ..... ليس هذا مقياسا لزواج ناجح مطلقا ..... )

ابتسم أمجد و قال

( سأقبل به ..... أنا حر بافتتاني ..... و كوني أنتِ حرة بمقاييسك الباردة يا ألمظ ... )

عبست مسك و هي تقول بعصبية

( سبق و أخبرتك أنني لا أفضل تلك الألقاب ........ )

لم يفقد أمجد ابتسامته وهو يقول بعذوبة

( عليكِ البدء في اعتياد الكثير من أسماء الدلال التي سأمطرك بها ألماس ..... )

تنهدت مسك و قالت بيأس

( كن جديا قليلا من فضلك و دعني اخبرك بما أتيت من أجله ........ )

قال أمجد ببساطة بينما عيناه تلفانها بنفس الغيمة الدافئة و كأن نظراته تراقصها برقة و بطىء

( تفضلي ........... كلي آذان مصغية .... )

أخذت مسك نفسا عميقا , ثم استدارت في جلستها كي تنظر اليه بجدية قبل أن تبدأ قائمة عكفت على حفظها خلال الساعة الماضية ...

( أمجد ..... هناك عدة معوقات , قد تقف في طريق هذا الزواج .... )

رد عليها أمجد ببساطة

( لن أسمح لها ......... )

الا أنها قالت بحدة قليلا

( اسمعني أرجوك , و دع عنك درعك الحديدي هذا ...... أول عقبة عليك ادراكها هي أنني من عائلة ذات قوانين متوارثة منذ أجيال و أجيال .... و هي أن الفتاة لا تتزوج الا من أحد أبناء الأعمام .... و من تتمرد على هذا الوضع تصبح مطرودة من هذه العائلة , الا لو سامحها كبيرها ..... )

رد عليها أمجد بهدوء دون أن يجفل

( سبق و لمحتِ لي بهذا من قبل ..... لا تقلقي و اتركي الامر لي .... )

انعقد حاجبيها بتفكير عميق , قبل ان تقول بجدية و اتزان

( مبدئيا عرضك سيقابل بالرفض لا محالة ..... فهل تدرك هذا و لا تزال مصمما على التقدم ؟!! ..... )

قال أمجد مبتسما برفق ابتسامة منحتها ثقة غير متوقعة في مدى احتمالية نجاح تلك الزيجة

( أنا مصمم منذ شهور .... السؤال هنا , هل أنتِ على استعدادٍ لخوض تلك الحرب معي ؟!! .... )

رمقته مسك بنظرة طويلة ....كانت عيناه تسألانها سؤالا و تتمنى منها اجابة خاصة , ذات نغمة نبذتها منذ سنوات ....

لذا قالت بجمود , و دون مشاعر

( هذا أمر طبيعي , طالما أنني واقفت على عرضك ......... )

قال أمجد باصرار

( لكن الحرب ليست مجرد موافقة , الحرب تحتاج الى قلب ينبض بالحب , الذي يستمد منه الأسلحة اللازمة لخوض تلك الحرب ..... )

شعرت مسك بشعور غريب يربكها و يزلزل أعماقها الباردة مهددا بزعزعة الغلاف الجليدي المحيط بقلبها منذ سنوات ...

الا أنها شدت على شفتيها و قالت بنبرة ساخرة خافتة

( لم أكن أعلم أنك شخص حالم الى هذه الدرجة ..... و هذا عيب خطير علي التأقلم معه في شخصك ... )

لم تجفله فظاظتها المحببة , بل أنه بدأ يعتاد عليها و .... يحبها ...

لذا لم يشعر بالحرج وهو يقول بخفوت رقيق ناظرا الى عينيها

( أنا لست حالما يا مسك , لكنني أعلم ما أحتاج اليه , .... دون حرج أو شعور بالنقص ... )

أطرقت مسك برأسها و هي تحاول جاهدة تركيز ذهنها ... ثم قالت أخيرا بهدوء

( عامة ..... أظن أن علينا الإنتظار الى أن نمهد الأمر لأبي , لذا أعتقد أن فترة من بضعة أشهر ستكون مفيدة في حالتنا كي ..... )

قاطعها أمجد رافعا حاجبيه بذهول

( بضعة أشهر !! ...... تريدين مني الإنتظار بضعة أشهر ؟!! لقد كنت أختار تصميم مطبخ شقتنا منذ ساعة عن طريق الإنترنت !!! .......بالمناسبة , هل تفضلينه من الخشب أم من الأليمونيم ؟!! .... أعتقد أن للخشب مشاكل كثيرة و .... )

قاطعته مسك محتدة

( أمجد ..... أمجد ..... توقف رجاءا , أخبرتك أنك لن تتقدم الى أبي رسميا قبل أشهر من الآن ..... )

لم يرد أمجد , و نظرت اليه بتوجس .... فرأت ملامح غير مريحة , و بالفعل قال أمجد بهدوء و براءة

( أظن أن هذا لم يعد ممكنا ........ ) 

( أظن أن هذا لم يعد ممكنا ........ )

بهت لون مسك و رفعت حاجبا شريرا و هي تقول بارتياب

( لماذا ؟!! ..... ماذا فعلت ؟!! ........ )

قال أمجد معتذرا رغم الإبتسامة الخبيثة المرتسمة على شفتيه

( حضري نفسك ..... و ارتدي أجمل ما لديكِ , فأنا آتيا الليلة كي أطلب يدك من والدك رسميا .....قهوتي بلا سكر بالمناسبة .... )

انتفضت مسك من مكانها و هي تميل الي مكتبه مستندة بيديها على سطحه هاتفة

( ماذا ؟!!!! ....... هل قررت دعوة نفسك أم فاتحت أبي بالأمر فعلا .... )

بقى أمجد مكانه جالسا ينظر اليها باستمتاع , ثم قال أخيرا بتسليم

( فاتحته و هو ينتظرني الليلة .......... )

أغمضت مسك عينيها و هي تهتف بغضب

( لا .... لا .... لماذا تسرعت ؟!! ...... الأمر أصعب مما تتخيل .... )

رد عليها أمجد مبتسما وهو مرتاحا في جلسته

( دعي الأمر لي ...... أنا لم أخبره بسبب زيارتي بعد , الا أنه استنتج الأمر بلا شك .... اجلسي يا مسك و اهتدي بالله ...... أنا في النهاية ابن اسرة محترمة , لا داعي لهذا الخوف .... )

ارتمت مسك جالسة في مقعدها من جديد و هي تقول بنفاذ صبر

( أنت لا تعلم ما أقدمت عليه ......... )

قال أمجد بنبرة سعيدة ,

( بلى أعرف ....... أنا مقدم على الزواج بالقمر .... )

نظرت اليه مسك بطرف عينيها , ثم قالت بخفوت

( لقد بدأت الحرب و لست مستعدة بعد ........ )

ارتفع حاجبي أمجد وهو يقول برقة , مقتربا منها

( مسك الرافعي بذات قدرها .... ليست مستعدة ؟! هذا اعتراف مهم جدا .... )

مالت هي الأخرى اليه على سطح المكتب ثم قالت بصرامة

( و أمك ؟!! .......... )

انعقد حاجبيه بتوجس , ثم قال

( هل هذه شتيمة ؟!! ........... )

هزت رأسها بنفاذ صبر ثم قالت من بين أسنانها ,

( بل أسألك عن موقف أمك .... هل عرفت بحالتي أم لا تزال على جهلها ؟!! ..... )

قال أمجد بصرامة وهو يميل اليها كمن يهمسان بسرٍ قومي الى بعضهما

( أولا احترمي نفسك في الكلام عنها و انتقي ألفاظك ..... ثانيا لقد عرفت و انتهى الأمر ... )

تراجعت مسك للخلف في مقعدها و هي تقول مصدومة

( عرفت حقا ؟!! .,,...... و ماذا كان ردها ؟!! .... )

اطرق امجد برأسه قليلا , ثم قال ناظرا الى اصابعه , محاولا التحدث برفق

( تعرفين أن الأمر صعب يا مسك و الطريق طويل , فقط امنحيها بعض الوقت ..... )

شعرت مسك بشعور غريب من القنوط بداخلها , لم تتخيل ان تحتدم الامور الى تلك الدرجة في وقتٍ واحد ... حتى اصبحت حياتها الخاصة مشاعا بين الجميع ...

ما بين تعاطف و شفقة و شماتة و خلاف حاد و رفض ... تترواح مشاعر جميع المحاوطين بها و هي تائهة في تلك الدوامة ....

نظرت مسك الى امجد و قالت بجمود

( كانت ستعلم على اية حال .... لكنني متعجبة قليلا , فمنذ ايام كنت على استعداد لالصاق تهمة العقم بنفسك .... ثم سارعت باخبار امك و كأنك تتمنى رفضها كي يرتاح بالك و تتهرب من تلك الزيجة ... )

انعقد حاجبي أمجد بشدة قبل أن ينهض من مكانه مندفعا , ليدور حول المكتب الى جلس أمامها مباشرة , ثم قال بصرامة آمرا

( انظري الي ...... )

ابقت مسك وجهها مرتفعا باباء ... بعيدا عن مواجهته , الا انه قال بقوة

( انظري الي بنفسك , أو ادير وجهك بنفسي ....... )

اندفعت مسك بوجهها تنظر اليه لتقول ببرود و تحدي

( لن تجرؤ .......... )

ابتسم امجد وهو يقول بصوتٍ عذب

( على الأقل نظرتِ الي ....... )

كتفت مسك ذراعيها و هي تقول بصرامة

( حسنا ...... قل ما لديك ........ علما بأنني كنت أكثر اصرارا منك على أن تعرف امك بالحقيقة كاملة ... )

قال أمجد بهدوء و بطىء ناظرا الى عينيها

( لم أكن أنا من أخبرها .... و قد كنت جادا تماما في الصاق تهمة " العقم " كما تطلقين عليها بغبائك , بنفسي .... لكن الظروف لم تمهلني .... )

عقدت مسك حاجبيها و هي تنظر اليه قائلة

( اذن من أخبرها إن لم يكن أنت ؟!! ......... لا أحد يعرف سواك ب ....... )

صمتت مسك فجأة .... و لا تزال الكلمات متجمدة على شفتيها الفاغرتين , الى أن همست ضاحكة بذهول

( لا .... لا لا .... لا تقل ..... غدير تطوعت و اخبرت أمك , اليس كذلك ؟؟ .... لا احد سواها يعرف و يستطيع التواصل مع والدتك ...... )

ابتسم أمجد دون مرح و قال بخفوت

( قدراتك التحقيقية عالية للغالية ... علي مراعاة ذلك بعد زواجنا , حيث سيصعب علي اخفاء اي شيء عنكِ .... )

رفعت مسك اصابعها تلامس ابتسامتها المذهولة بينما نظرة الألم في عينيها كانت أشد عنفا من قدرتها على اخفائها ....

فأغمضتهما و هي تضحك برقةٍ مؤلمة ... حينها شعر أمجد بوجعٍ شرس ينهش أحشائه , فقال بخشونة

( توقفي عن هذا يا مسك ....... )

الا انها كانت تحاول بكل صدق أن تتوقف دون جدوى .... حتى دمعت عيناها , أو ربما كان من السهل أن تنسب تلك الدموع الى ضحك , أكثر من خزي انسابها للبكاء ....

زفر أمجد بقوة وهو يميل تجاهها , مستندا بمرفقيه الى ركبتيه , ثم همس بصوتٍ اجش

( أعلم تماما ما تشعرين به .... الغدر أمر صعب , ...... )

توقفت مسك عن ضحكها الخافت , و هي تمسح الدموع عن عينيها , قبل أن تنظر اليه بابتسامة ساخرة ... قاسية ... ثم قالت أخيرا

( الغدر !! ....... أصبحت تلك الكلمة أكبر من تصرفات غدير تجاههي , لقد غدرت بي مرة قديما , أما ما تفعله الآن , فهو مثير للشفقة .... )

أومأ أمجد برأسه قائلا

( نعم هو كذلك .... و أنا لن أسمح لها أو لمخلوق أن يمسك بسوء بعد الآن , أعدك بذلك .... )

هزت مسك رأسها قليلا و هي تقول بخفوت

( لو أعرف فقط لماذا ؟؟ ..... لماذا ؟!! ...... لماذا خانت العشرة بتلك السهولة ؟! ... و ماذا عن الآن ؟! ..... لماذا تتعقبني مترصدة حركاتي ؟! تريد هدم أي شيء أحاول بنائه .... لماذا ؟؟ .... )

قال أمجد بنبرة قوية خافتة

( لأنكِ الأفضل ..... لطالما كنتِ الأفضل يا مسك , ...... )

نظرت مسك الى عيني أمجد طويلا , نظراتٍ جامدة ... صلبة , لكن لم يختف منها الألم بعد , فقالت بصوتٍ هادىء خافت

( كانت صدمة لوالدتك .... اليس كذلك ؟! يمكنني تخيل الأمر ..... )

أخذ أمجد نفسا عميقا , ثم قال بثبات

( منذ لحظات وعدتك بخوض الحرب معك أمام عائلتك ..... ترى هل أبالغ لو طلبت منكِ المثل ؟!! ..... )

ظلت مسك تنظر اليه طويلا , الى أن قالت أخيرا بخفوت

( الأمران ليسا متشابهين ........ )

أكد أمجد بحزم و قوة

( بل الأمر واحد ......... أنا و أنت أصبحنا شخصا واحدا , في مواجهة حربين ...... )

رفعت مسك وجهها ثم قالت بحزم

( لن أمضي في الأمر الا بعد أن أقابل والدتك .... و أسمع موافقتها بنفسي ..... )

تراجع أمجد للخلف في مقعده , ينظر اليها بدقة ثم قال أخيرا بصوتٍ اجش

( لكِ ما طلبتِ ......... )

رفعت مسك ذقنها و شدت من ظهرها , قائلا بثقة

( جيد .......... في هذه الحالة أنا في انتظارك الليلة .... )

كان أمجد ينظر اليها مبتسما وهو يستند بمرفقه الى ذراع مقعده ... واضعا ساقا فوق أخرى , يراقبها كمن يراقب لوحة فنية نفسية .... ثم قال أخيرا بجذل

( قمر ...... و ربي قمر ......... )

احمرت وجنتاها قليلا و هي تخفض وجهها أمام هذا الغزل الصريح منه .... بينما لم يرحمها هو من ابتسامته أو نظراته التي لا تهدأ ....

.................................................. .................................................. .....................

وقف ليث أمام أبواب الشرفة الواسعة المطلة على البحر الأزرق الواسع ....

شارد الفكر تماما حيث ترك قلبه على بعد مئات الأميال ..... حيث المليحة ذات أجمل عينين أبصرهما يوما ....

مرت أيام منذ تركها و سافر الى المدينة مصطحبا ميسرة معه الى المدينة طلبا الى العلاج ...

و خلال هذه الأيام لم تترك ذهنه ولو لمرة ...... يفكر بها و يشتاق اليها , يشعر بأن عشقه لها تضاعف مع كل يوم يبتعده عنها ....

شعر فجأة بذراعٍ أنثوية تلتف حوله من الخلف و تحيط بصدره ... بينما الكف ذو الخواتم الذهبية يداعب صدره .... و صوت ميسرة يهمس في أذنه بدلال

( لماذا تقف وحيدا هكذا ؟!! ...... ما الذي يشغل بالك ؟!!....... )

تنهد ليث دون أن يجيب بينما انطبعت شفتاها الحمراوين على بشرة كتفه و هي تهمس بنعومة

( هل تفكر مثلي في الطفل الذي اتينا لأجله ؟!! .... أشعر أن الله سبحانه و تعالي سيحقق أملي هذه المرة ..... و سفرتنا هذه لن تخيب .... )

رفع ليث يده و ربت على ظاهر كفها قائلا بخفوت دون أن يستدير اليها

( ان شاء الله يا ميسرة ......... ان شاء الله ..... )

بداخله طاقة كبيرة من الإحساس بالذنب , ففي اعمق اعماقه ..... هو لا يريد سوى طفل سوار فقط ....

اما رغبته في الأبوة فقد ماتت بالنسبة لميسرة ....

ولولا خوفه من الله .... و اتقائه فيها , لكان رفض هذه السفرة من الأساس و اقنعها بضرورة القبول ما كتب عليهما .....

لقد ماتت كل مشاعره تجاه ميسرة منذ فترة طويلة , حتى قبل زواجه بسوار ....

لم تترك له الفرصة ليحي في قلبه أي احساس تجاهها , كان كل تصرف منها يزيد من نقمته عليها ... و هي لم تتوانى عن الابداع في اختيار كل ما يرفضه في الحياة ....

و لو عليه لطلقها منذ زمن , الا أن طلاقه لابنة عمه لم يكن بالأمر اليسير , كما أنه لم يشأ أن يظلمها رغم كل ما تفعل ....

همست ميسرة مجددا و هي تريح وجنتها الى ظهره بنعومة

( كم أتمنى رؤية طفلي منك أخيرا يا ليث ...... ابن الكبير , سأربيه على العز و الفخامة ... و سيكون غير كل الأطفال ..... سيكون ملكا بينهم , بالطبع أليس هو ابن الكبير !! ...... )

زفر ليث بخفوت دون أن يلتفت اليها

( ادعي الله أن يأتي أولا يا ميسرة , قبل أن تحددي ملوكيته بين باقي الاطفال ...... )

ضحكت ميسرة بميوعةٍ و هي تقول

( أنت دائما تتفنن في قتل أحلامي .... دعني أحلم به و اتخيل كيف سيكون ...... )

قال ليث بخفوت

( ليرزقك الله بالطفل السليم الذي يرضي اشتياق قلبك يا ميسرة ....... )

استدارت ميسرة حوله الى أن أمسكت بذراعيه و هي تهمس بخفوت

( و ماذا عن قلبك يا ليث ؟!! ...... ألن يرضي قلبك أنت أيضا ؟!! ..... )

ارتبكت نظرات ليث قليلا , الا أنه قال متهربا من نظراتها , ناظرا الى البحر

( ما الذي يجعلك تظنين هذا يا ميسرة ؟! ....... )

قالت ميسرة و هي تعض على شفتها بغضب مكتوم ... و حقدٍ يلمع في عينيها السوداوين ....

( أشعر بأنك لا تريد هذا الطفل !! ...... هل هذا هو العدل في نظرك ؟! .... )

عقد ليث حاجبيه و خفض وجهه لينظر اليها قائلا بخفوت

( أي عدلٍ تتكلمين عنه يا ميسرة ؟!! .... ما أن طلبتِ مرافقتي في السفر طلبا للمحاولة من جديد لم اجعلك تكررين طلبك مرتين .... و اصطحبتك معي كي تنالي كل فرصة ممكنة في العلاج , فما هي شكواكِ الجديدة ؟!! ...... )

هزت ميسرة راسها و هي تقترب من ليث أكثر الى أن استندت بكفيها الى صدره القوي و هي تهمس له بخفوتٍ ناعم

( لا أتكلم عن أفعالك , بل قصدت ما في قلبك ..... أريد الشعور بأنك تتمنى هذا الطفل أكثر مني , أريد الشعور بأنك تحبني يا ليث .... )

عادت عقدة الذنب في داخله ازدات تعقيدا , كيف يجيبها الآن ؟!! ....

انحنت ميسرة الى ان قبلت صدره بشفتيها هامسة بغنج

( ألم أكن مثال الزوجة التي تمنيتها خلال الأيام السابقة يا ليث ؟!! .... كنت أحقق لك ما تريد قبل حتى أن تطلبه ..... )

نعم ... منذ ان سافرا معا و هي تتصرف على نحوٍ مخالف لطبيعتها تماما , تحاول اسعاده قدر استطاعتها ...

لكن ماذا تفعل بضعة أيام امام سنوات طويلة من تصرفاتها المقيتة التي أطفئت بداخله أي أملٍ في حبها ....

تابعت ميسرة تقول بخفوت

( هل تأكدت الآن من أنك لم تكن أبدا عادلا ..... لقد حققت كل ما كنت تطلبه مني , لكنك لم تتغير كما اوحيت الي ..... أنت تعامل ابنة وهدة أفضل مني .... )

اظلمت عينا ليث وهو ينظر اليها محذرا

( أخبرتك الف مرة يا ميسرة .... سوار خط أحمر لا تتجاوزيه ..... )

برقت عينا ميسرة ببريق يشبه شياطين تتقافز في عمقهما , الا أنها كتمت شعورها بقوة و هي تقول بخفوت و تظلم

( أنت تفرق بيننا يا ليث .......... هذا ليس ما أمرك به الشرع ... )

عبس ليث و قال بصرامة

( نعم أفرق بينكما , فأنتِ تنالين حقوقا أكثر منها ..... و هذا ما أنوي تصحيحه ما أن نعود ... )

أغمضت ميسرة عينيها لعدة لحظات و هي تكتم بداخلها نارا توشك على حرق الحرث و النسل ...

كلامه يحرقها .... و يجعلها ترغب في احراق سوار بالمثل , تحلم بصوت صرخاتها و هي تشتعل أمام كل ليلة في الحلم .... فتصحو منتعشة لتبدأ يومها على هذا الحلم الرائع ....

فتحت ميسرة عينيها مجددا و هي تقترب منه هامسة بدلال

( لما لا تمنحني الفرصة يا ليث ... ربما وجدت أنك تحبني أكثر منها ...... و ستفاجىء كيف بامكاني اسعادك بما يفوق كل أحلامك ...... إنها أنا , ابنة عمك , الشريفة التي رغم بعض طباعها الفظة قليلا , الا أنها عفيفة ... تحفظ اسمك و عرضك و شرفك ..... )

ازداد انعقاد حاجبي ليث أكثر , و بداخله تصاعد شعور بالنفور غير مريح , الا انه قال بخشونة

( اهتمي بحياتك و دارك يا ميسرة ... و اخرجي سوار من تفكيرك , حينها فقط سترتاحين ... )

ابتسمت ميسرة ابتسامة زائفة باردة و هي تتلمس بشرة صدره بشفتيها هامسة

( سأحاول .... لكن فقط إن ركزت أنت معي و أخرجتها من تفكيرك طالما نحنا معا .... فهل أطلب الكثير ؟!! .... )

تنهد ليث وهو يدرك بأنها تطلب الحق للمرة الأولى في حياتهما معا , الا أن هذا ما هو عاجزا عن فعله ....

لقد تمكنت منه سوار حتى تخللت منه مجرى الدم و سكنت أوردته ....

حاول ليث الإبتسام لها , الا أنها جذبته قائلة بدلال

( كفى كلاما و تعال معي لترتاح ....... فغدا أمامنا يوم طويل , من متابعة الفحص ثم الخروج للتبضع و شراء الهدايا ...... )

استسلم ليث الى يدها وهو يحاول جاهدا .... اخراج سوار من عينيه , .... عبثا .....

.................................................. .................................................. .....................

أغمضت عينيها تستنشق رائحة البخور المنبعثة من المبخرة الممسكة بها و هي تبخر غرف دارها كما اعتادت أن تفعل كل ليلة ..... أما الصباح فقد كانت تعكف على القراءة من المصحف بصوت خافت ...

بداخلها نفور من أعمال السحر التي تعلم جيدا أنها لم تنقطع من دارها رغم سفر ميسرة ....

لم تكن يوما غبية أو ساذجة , فهي تعلم من اليوم الأول على من تعتمد ميسرة في اقتحام خصوصية دارها و حياتها .....

لكنها صمتت كي تستغل هذا التعاون في هدفها .....

وضعت سوار المبخرة الفضية فوق طاولة الزينة , قبل أن تنظر الى نفسها ......

نفس الملامح الأبية الحزينة ... لكن في عينيها نظرة جديدة , لم تعتدها سوار في نفسها من قبل ....

رفعت يدها ببطىء كي تنزع الوشاح الشفاف الملقى حول راسها بإهمال ....

ثم التقطت الفرشاة لتمشط بها شعرها ببطىء و هي تنظر الى هاتين العينين المتوهجتين ....

لقد اشتاقت اليه ....

و هذا هو ما لم تحسب له حسابا مطلقا .... لقد اخترق ليث بعضا من الحواجز الصارمة التي فرضتها حول نفسها كي لا تضيع عن هدفها ...

منذ أن سافر مع ميسرة ... و هي تفكر بهما طويلا , تتخيلهما معا , فتنتفض بنفور مؤلم !! ....

شعور اشبه بال .... التملك ......

لقد منحها مشاعرا لم تختبر مثلها سابقا .... ثم ابتعد مع ميسرة و كان من المفترض بها أن تكون راضية و تبدأ في العمل على خطتها .....

الا أن تلك المشاعر الحادة بداخلها تتلاعب بها و تتركها وحيدة , ترتجف قليلا و هي تتذكر آخر ليلة لهما معا ....

كم أشعرها بأنها ملكة ..... ملكة بكل بهائها و جمالها , حتى أنه همس بتلك الكلمات في أذنها في أكثر لحظاتهما الخاصة معا ....

زفرت سوار بقوة و هي تلقي بالفرشاة بعيدا ... قبل أن تستدير حول نفسها متنهدة بصمت ... تتأمل الغرفة الواسعة و الخاوية جدا بعد سفره ....

انجذابها البطيء اليه لم يكن ضمن الخطة الموضوعة أبدا .....

ابتعدت سوار عن طاولة الزينة و هي تتهادى في عبائتها الحريرية الى أن جلست على حافة السرير بلا هدف ...

الا أنها قفزت فجأة ما أن سمعت رنين هاتفها الخاص , فسارعت الى التقاطه من فوق الطاولة الجانبية و هي تنظر الى الإسم بلهفة ... رغم معرفتها أن لا أحد سيتصل بها في مثل هذه الساعة الا هو ...

أخذت سوار نفسا عميقا , ثم ردت بهدوء قائلة

( السلام عليكم ........ )

مرت لحظة من الصمت , سمعت خلالها صوت تنفسه الذي باتت تعرفه جيدا ... قبل أن يصل الى أذنيها صوته الرخيم وهو يقول مبتسما .... لقد سمعت الإبتسامة في صوته

( سلمت لي تلك النبرة ..... ليتها لا تنتهي أبدا ..... )

عضت سوار على شفتها للحظة بينما اربكتها نبرته , الا أنها قالت بهدوء

( مرحبا بابن خالي ........ )

رد عليها ليث قائلا بنفس الصوت المميز

( مرحبا بكِ أنت يا مليحة ........ يا سيدة الحسن و الجمال .... )

ابتسمت سوار رغم عنها , الا أنها قالت بهدوء , رافضة أن تنخدع بهذه الكلمات بينما هو بين أحضان زوجته الأولى .... يبحث معها سبل حصولهما على طفل

( كيف هي سفرتكما ؟؟ ............ أرجو أن تكونا قد وفقتما ..... )

ساد الصمت بينهما مجددا قبل ان يهمس ليث بخفوت

( هل افتقدتني ؟؟ ......... )

أسبلت سوار جفنيها و تلامس قماش عبائتها بشرود .... , ثم قالت أخيرا بهدوء

( بالتأكيد يا ابن خالي ........ )

رد ليث عليها بصوت قوي رغم خفوته

( الى أي حدٍ افتقدتني ؟ ....... )

لعقت سوار شفتيها و هي ترفع رأسها تلتقط أنفاسها , ثم قالت أخيرا

( لا أظن أن ميسرة بجوارك في تلك اللحظة ...... )

ساد الصمت مجددا , بينما هي تنتظر رده بترقب , و حين لم تحصل على الرد سألت باصرار

( اليس كذلك ؟!! ............ )

قال ليث بهدوء

( لا ........ ليست بجواري , فلكِ عندي كلام , لا يصح لغيرك سماعه ..... )

توردت وجنتي سوار قليلا و هي تشعر بتلك الخصوصية في نبرته , و ارتجفت أعصابها , الا أنها نهضت من مكانها عائدة الى مرآتها و الهاتف على أذنها .... ثم وقف تتأمل نفسها قائلة

( لا أفضل التطفل على وقتكما معا ........ )

رد ليث بخفوت

( و أنا لم أكن أفضل تركك بمفردك ........ )

قالت سوار بسرعة و دون تفكير

( اذن لماذا فعلت ؟! ......... )

زمت شفتيها بغضب و هي ترغب في ابتلاع هذا السؤال الذي يجعلها تبدو كامرأة بائسة , تجلس في البيت المهجور , لا هم لها سوى انتظار زوجها ...

قال ليث بخفوت

( لأن لها حقوق , لا يمكنني اغفالها ...... هل تغارين ؟؟ ..... )

نظرت سوار الى عينيها في المرآة ... و باغتتها الحقيقة المرة , الا انها لم تستطع الرد , فقال ليث بقوة اكبر

( سوار ...... هل تغارين ؟؟ ....... )

تود الكذب عليه و ليسامحها الله .... لكنها لم تجد القدرة على الكذب كذلك , لذا قالت ببساطة و هي تنظر الى عينيها في المرآة

( نعم ......... )

ساد الصمت بينهما مرة أخرى , الا أن صوت تنفسه القوى و الحاد كان أكثر وضوحا , ثم قال بصوتٍ أجش

( هل تتكلمين بجدية ؟؟ ............ سوار .. )

ابتسمت رغما عنها , فأطرقت بوجهها , قبل ان تقول بنبرة هادئة مستفزة

( نعم ......... )

سحب ليث نفسا حادا , قبل ان يقول آمرا

( هل تغارين ؟؟ ........ )

ردت سوار ببساطة

( نعم ............ )

عاد ليتنهد بقوة , تنهيدة كادت أن تلفح بشرة صدغها بلهيبها المستعر , قبل ان يقول بصوتٍ أجش خافت

( و هل سيكون طمعا مني لو سألتك .... إن كنتِ تفكرين في لحظاتنا الخاصة معا و أنتِ وحيدة ؟؟ .... )

عادت لتبتسم رغما عنها و هي تقول بهدوء

( نعم ........... )

قال ليث بعنفٍ حميمي

( نعم للطمع ... أم نعم تفكرين بلحظاتنا سويا ؟ .......... )

قالت سوار بنبرة هادئة مستفزة و هي ترفع حاجبا خبيثا

( للاثنين ........ )

سمعت صوت تنهيدة أخرى مما جعل الابتسامة تتسع على شفتيها , قبل ان يهمس باسمها قائلا

( سوار ....... )

ردت سوار باستفزاز مبتسمة

( نعم .............. )

قال ليث بصوتٍ عميق

( هل تعلمين أكثر ما أفتقد اليه أنا ؟؟ ......... )

احمرت وجنتيها اكثر و اكثر ... و تسارعت نبضات قلبها في مؤشر غير مبشر بالخير , الا انها قالت برزانة

( ما هو ؟؟ ........... )

قال ليث بخفوت

( حملك كل ليلة .......... )

اسبلت سوار جفنيها , بينما تحولت ابتسامتها المستفزة الى اخرى حالمة ناعمة ,.....

نعم .... لقد واظب على حملها كل ليلة الى غرفتهما كما وعد ..... يوما بعد يوم و ليلة بعد أخرى ...

حتى شعرت في غيابه ان ساقيها قد تحولتا الى هلامٍ غير قادر على ايصالها للسرير ...

فقالت اخيرا بخفوت

( علي أنا أن أفتقد هذا .... لا أنت , ....... )

قال ليث بخفوت

( و هل تفعلين ؟؟ ........... )

اطرقت برأسها , و انساب شعرها حول وجهها الهادىء ذو الملامح الصافية ....ثم قالت بخفوت

( نعم .......... )

زفر ليث بقوة قبل ان يقول بعنف

( تبا لهذا يا سوار .... كنت بجوارك أيام و ليالي , لم تتنازلي خلالها للتلفظ بكلمة واحدة , و الآن تتبرعين بكل هذا الكرم دون رحمة ... و أنا بعيد عنكِ ..... غير قادر على حملك بين ذراعي و ضمك الى صدري ..... )

عضت سوار على شفتها و هي تنظر الى عينيها الواسعتين في المرآة قبل ان تقول بخفوت مرتبك

( متى ستعود ؟؟؟ .......... )

قال ليث بصوتٍ مشتاق

( في أقرب وقت ستجدين نفسك بين ذراعي .... محمولة الى صدري .... )

ابتسمت سوار بخجل قبل ان تهمس بنعومة

( سأكون في انتظارك ..... تعود بالسلامة , ان شاء الله يا ابن خالي ..... )

همس لأذنيها بخفوت

( سلمك الله يا روح ابن خالك .......... )

اطرقت بوجهها مبتسمة , الا أن صوتا حادا . جعلها تجفل و تقشعر , فقد سمعت من الجانب الآخر صوت ميسرة ينادي بدلال

" ليث حبيبي .... ألن تأتي ؟؟ .... حضرت الحمام .... "

شهقت سوار بصوت مكتوم , قبل أن تقول بجمود

( في أمان الله ....... )

ثم أغلقت الخط على صوته وهو ينادي باسمها .......

وقفت سوار تنظر الى نفسها في المرآة , و قد ضاعت منها الإبتسامة ... و ازدادت عيناها اتساعا غائرا ....

فأغمضت عينيها عن تلك الصورة من الضعف الجديد الذي حل عليها , يحد من عزمها السابق ....

أين ضاع سليم رحمه الله من تفكيرها ؟!! ......

و ها هي تقف كزوجة دخيلة , تستمع الى زوجها مع زوجته الأصلية و التي يحاولان معا انجاب طفل ....

أين ضاع سليم ؟!! .... و أين الهدف الذي أتت الى هنا من اجله .....

سمعت سوار صوت طرقا على الباب , ففتحت عينيها و رفعت وجهها الشاحب تلتقط نفسا عميقا , قبل ان تقول بهدوء

( ادخلي ........ )

دخلت نسيم تتعثر في ثوبها مطرقة الرأس , متجنبة النظر الى سوار و هي تقول بخفوت

( أحضرت لكِ كوب الحليب سيدة سوار .... )

ردت سوار و هي تدقق النظر بها

( شكرا يا نسيم ..... ضعيه من فضلك على الطاولة , )

و ضعته نسيم دون أن ترفع عينيها الى عيني سوار ثم قالت متراجعة

( سأذهب الآن للنوم إن لم تكوني في حاجة الى شيء آخر سيدة سوار ... )

ردت سوار عليها بهدوء حازم

( نعم أحتاج اليكِ في أمرٍ هام يا نسيم ........ )

تسمرت نسيم مكانها و بدت مرتبكة و عيناها واسعتان و خائفتان .... فقالت متلعثمة

( هل ..... هل فعلت شيئا لم يرضيكِ سيدة سوار ؟؟ .... )

ارتفع حاجب سوار و هي ترد مبتسمة دون تعبير

( بالطبع لا ..... لماذا أنتِ خائفة الى هذه الدرجة ؟! ...... )

هزت نسيم كتفيها و هي تقول بخفوت دون أن يزول التوتر من عينيها

( لست ...... خائفة , تفضلي بأمرك سيدة سوار ..... )

تهادت سوار الى سريرها حيث جلست على حافته , واضعة ساقا فوق الأخرى , قبل أن تقول بصوتٍ قوي , ثابت

( هل تعرفين دار فواز الهلالي ؟؟ ......... أريد الطريق اليه بالتفصيل , دون الحاجة للسؤال حوله .... )

ارتفع حاجبي نسيم و هي تنظر الى سوار بدهشة , ثم قالت متلعثمة

( آآ ..... آآآ .... لا أعرفه حاليا , لكن لو أمهلتني بعض الوقت قد أستطيع الحصول لكِ على مكان الدار بالتحديد .... )

قالت سوار تجيبها بنبرة هامة خافتة

( ستكون خدمة لن أنساها لكِ يا نسيم ..... أنا أحتاج الى مكان الدار , لكن بصفة سرية .... لأن الموضوع خطير و قد يضرني ..... )

قالت نسيم بارتباك ....

( بعيد الشر عنك ..... سيدة سوار .... فقد امهليني بعض الوقت .,,,, )

ردت سوار بنبرة هادئة

( خذي وقتك يا نسيم , و أرجو أن تأتيني بأخبار طيبة ...... )

أومأت نسيم برأسها دون أن ترد ..... ثم ارتدت بظهرها متجهة الى الباب و هي تقول بخفوت

( تصبحين على خير سيدة سوار ...... )

أومأت سوار برأسها دون أن ترد .... ثم راقبتها الى أن خرجت و أغلقت الباب خلفها ....

بينما بقت سوار مكانها تنظر الى الباب المغلق قبل أن تدور بعينيها في الغرفة الواسعة الموحشة ....

كان هناك انقباضا مجفلا في صدرها , بعد أن كان هذا الصدر ينبض بسعادة منذ لحظات ...

تراجعت سوار للخلف حتى استلقت على الوسائد متطلعة الى سقف الغرفة .... في صمت لا يقطعه سوى صوت الحشرات الليلية .....

كم كانت تشعر بالوحشة في تلك اللحظة .... بالوحدة .... و بشعور آخر أشد وجعا .....

حاولت اغماض عينيها , عسى أم تجلب رائحة البخور لها بعض الراحة , فتنسى ألمها عبر سباتٍ عميق ... الا أن النوم جافاها .... و فتحت عينيها من جديد لتحدق بسقف الغرفة .... غير قادرة على ابعاد ليث و ميسرة عن تفكيرها ....

و حين طال بها الأرق و ازداد تململها فوق الاغطية الباردة و التي تحولت الى حمم فوق جسدها ... استقامت جالسة بوجهٍ مرهق و هي تتناول هاتفها لتنظر اليه بصمت ..

لم يحاول ليث اعادة الإتصال بها , رغم أنه ناداها قبل أن تغلق الخط ....

هذا ليس له سوى معنى واحد .... وهو أنه مشغول بما لا يستطيع تركه حاليا .....

هتفت سوار هامسة و هي تضغط أعلى أنفها بقوة

" كفى ..... كفى ..... أنا لست مهتمة , ولو عاشرها ألف مرة .... "

الا أنها لم تهدأ بل زادت عصبيتها و تحولت الى صداعٍ قوي , فشعرت في تلك اللحظة أنها في حاجة الى سماع صوت قريب الى قلبها .... عله يهدئها ....

صوت فريد ....

كانت ستتصل به صباحا في كل الأحوال عاقدة العزم على مفاتحته في الأمر الذي فكرت به مرارا .... لكنها الآن لم تستطع الإنتظار الى الصباح , بل تمنت لو كان مستيقظا كي يخفف عنها ...

طلبت سوار رقمه و انتظرت .... الى أن أتاها صوته المحبب الى القلب وهو يقول بمرح

( سوار الحبيبة تتصل بي قبل النوم !! .... إنها ليلة سعدي و هنائي .... )

ابتسمت سوار و قالت بهدوء

( كيف حالك يا حبيب قلب أختك ........ اشتقت اليك ايها العابث , فأنا لا آخذ منك سوى كلاما فقط ... )

قال فريد بجدية

( و هل هنت عليك كي تنطقيها ؟!! ....كنت عاقدا العزم على زيارتك في نهاية الاسبوع , لكنك سبقتني .... )

ردت سوار بلهفة

( حقا يا حبيبي !! ...... أرجوك الا تتراجع عن زيارتك تلك , فأنا في حاجة لها جدا , أنا .... أنا وحيدة جدا هنا يا فريد ....... )

قال فريد عاقدا حاجبيه

( لماذا تشعرين بالوحدة ؟؟ ...... أين هو ليث ؟!! ...... )

أظلمت عينا سوار و هي تقول بنبرة قاتمة

( مسافر مع زوجته ......... بينما أنا محتجزة هنا و ممنوعة حتى من زيارة جدي .... )

هتف فريد بحدة

( ما معنى هذا ؟!! ...... سآتي اليك غدا و أصطحبك الى بيت جدك و سنقضي اليوم بأكمله في دار الرافعية , و لنرى من يستطيع منعنا ...... )

تنهدت سوار و هي تقول بخفوت

( لا يا فريد ....... الأمر أبسط من هذا , بل أظن أنه لم يعد لي مكان في دار الرافعية من الأساس .... و كأنه لفظني ممتنا ...... )

قال فريد عابسا

( لماذا تتكلمين بهذه الطريقة حبيبتي ؟!! ..... لم أعهد تلك النبرة في صوتك من قبل ..... )

تنهدت سوار و هي تقول بشرود

( أنا نفسي بت لا أعهد شيئا عن نفسي .... و كأن انسانة غريبة تسكنني ..... )

رد فريد بقلق

( سوار ...... هل أنتِ بخير ؟!! ..... أستطيع القدوم اليكِ غدا .... )

ردت سوار بجدية و حزم

( أنا بخير ..... لا تقلق علي , فقط تعال في نهاية الاسبوع , فهناك أمر هام أريد عرضه عليك .... )

قال فريد بمرح

( و أنا أيضا ....... هناك أمر أريد اخبارك به ..... )

قالت سوار باهتمام

( اخبرني ............. )

قال فريد بنبرته الشقية

( بعد أن تخبريني أنتِ .......... ماذا لديكِ ؟؟ ..... )

بدت سوار مرتبكة , رافضة ..... فهو شقيقها الوحيد , و ما ستطلبه منه لا تقبله كأخت مطلقا .... الا أن الموضوع حياة أو موت .... و عسى الله أن يجزيه خيرا لو قبل بالزواج من بدور ....

قالت سوار على مضض

( فريد ........ أنا أتمنى لك الأفضل بين النساء , لكن هناك سر أريد اخبارك به , لعلك تكون السبب في انفاذ حياة فتاة هي ....... )

قال فريد مبتهجا

( أتعلمين ماذا ..... كلامك عن الفتيات و النساء , زاد من حماسي و سأخبرك أنا اولا ..... سوار , أشعر و كأنني ...... معجب بفتاة ..... )

اتسعت عينا سوار و هي تهتف بذهول

( معجب بفتاة !!! .... فتاة حقا من لحم و دم ؟!! ..... )

عبس فريد وهو يقول بخشونة

( نعم فتاة من لحم و دم .... لا تشعريني بأنني فاشل اجتماعيا مع الجنس الآخر الى تلك الدرجة .... )

فغرت سوار شفتيها قبل ان تقول مبهورة

( لكنها المرة الأولى التي تعجب فيها بفتاة ........ بل و تهتم باخباري عنها ..... )

قال فريد بحرج ......

( في الحقيقة لقد اعجبت بالعديد من الفتيات من قبل .... لكنني كنت استشعر استحالة الأمر لذا كنت أقتصر الطريق و أنهي هذه العلاقة قبل أن تبدأ ..... لكن هذه المرة .... الأمر مختلف يا سوار .... )

ابتسمت سوار بسعادة حقيقية و هي تقول بجذل

( أخبرني يا قلب أختك ......... أخبرني عن تلك الفاتنة التي سرقت قلبك و جعلته أمرا مختلفا ....من تكون و أين عرفتها .... و ابنة من هي ..... هل هي جميلة ؟؟ ... )

ابتسم فريد وهو يقول بمرح

( هي ليست فاتنة ..... لكنها لذيذة , لذيذة جدا ...... ما أن أراها حتى أبتسم تلقائيا ...... )

قالت سوار باهتمام عنيف

( هل فاتحتها في الأمر ؟؟ ......... )

قال فريد ضاحكا ....

( على مهلك يا سوار ..... لم نتكلم سويا سوى مرتين على الأكثر ..... لكنني اعتدت رؤيها منذ فترة عن بعد .... )

ضحكت سوار و هي تهز رأسها غير مصدقة بعد .... ثم قالت أخيرا بجدية

( اذن متى ستفاتحها في الأمر ؟؟ ..... و متى سأتعرف أنا عليها ؟؟ ...... )

قال فريد بقنوط

( يا سوار , أنا نفسي لم أتعرف عليها بعد بشكلٍ جدي ....... لا أملك أول الخيط , لو أمسكت طرفه , لاستطعت التعرف اليها عن قرب ..... لكن اخر مرة مثلا كانت غير مشرفة اطلاقا ,...... )

تنهدت سوار و هي تقول بجدية

( لا تهدر وقتا كان من الممكن ان يكون من أجمل أيام حياتكما ..... سارع اليها و اخطفها قبل أن يسبقك اليها آخر ..... فتظل نادما طوال عمرك ...... لا تكرر هذا الخطأ يا فريد , اياك .... )

عقد فريد حاجبيه وهو يقول

( خطأ من كان هذا يا سوار ؟!! ..... من تقصدين ؟؟ ..... )

انتبهت سوار الى نفسها و هي تقول بشرود

( ها ...... لا تأبه لما أقول , مجرد حالة أمر بها من وحدتي ..... المهم أسرع في التعرف الى الفتاة عن قرب و لو كانت فعلا هي الفتاة التي تريد , سآتي بنفسي كي أخطبها لك ..... )

قال فريد مبتسما

( و أنا الذي كنت أظن نفسي أحمقا لتفكيري في خطبة امرأة رأيتها مرتين فقط ..... لكن ثبت أنكِ أكثر مني حماقة ..... )

قالت سوار بجدية

( الإحترام ليس حماقة ..... لسنا نحن من نواعد و نصادق و نرتبط بعلاقة قبل الزواج يا فريد , ثق في نفسك و لا تهتز ..... ثق بمشاعرك فهي ستقودك , مهما كانت سريعة ..... )

صمتت للحظة .... ثم عقدت حاجبيها و هي تقول بحيرة

( هل قلت امرأة للتو ؟!! ..... تقصد فتاة ., اليس كذلك ؟!! ...... )

قال فريد فجأة بارتباك

( سوار .... الخط مشوش و لا أستطيع سماعك , أراكِ حين أراكِ .... الى اللقاء .... )

نظرت سوار الى الهاتف بحيرة .... لكنها مطت شفتها و هي تضعه بجوارها لتستلقي برفق علها تستطيع النوم ..... دون المزيد من الصور المنفرة ...... الموجعة ...

.................................................. .................................................. ...............

همست نسيم في الهاتف و هي تختبيء في احدى زوايا المطبخ المظلمة ....

واضعة يدها أمام فمها

( تريد مكان دار فواز الهلالي .... و شددت علي أن يبقى الأمر سرا , أو أنها ستتأذى .... )

برقت عينا ميسرة على الجانب الآخر من الخط ..... و هي تعيد تشغيل عقلها الجهنمي .... لتقول محدثة نفسها

" ماذا تريد من فواز الهلالي بعد أن قتل زوجها ؟!! ....... "

صمتت للحظة قبل أن تبرق عيناها أكثر و أكثر .... ثم همست بسعادة منتشية

" أتراها تنوي الاخذ بثأر زوجها ؟!!!!! .... والله لو حدث هذا فسأوزع العطايا على الأسياد ... و أذبح عجلا و أوزع لحمه على الخدام الطائعين لهم ...... "

برقت عيناها بانتصار و همست بنبرة آمرة

( اسمعي يا نسيم ..... أخبريها مكان الدار بالتفصيل , و سهلي لها أي معلومة تريد الوصول اليها عن فواز الهلالي .... )

.................................................. .................................................. ..................

في الصباح و أثناء عمل نسيم في المطبخ ....

دخلت أم مبروك مهرولة و هي تلهث .. الى أن وضعت الأغراض من يدها و الحقيبة الشبكية من فوق رأسها قبل أن تخلع غطاء وجهها و شعرها لترتمي على احد الكراسي لاهثة و هي تربت على صدرها بذعر هامسة

( سترك يا الله ..... سترك يا الله ..... عفوك و رضاك .... )

تركت نسيم ما بيدها و اسرعت الى أم مبروك و هي تنظر بقلق الى وجهها الأحمر و عينيها الخائفتين , فقالت بهلع

( ما الأمر يا أم مبروك ؟!! ...... ماذا حدث ؟؟ ...... )

ظلت أم مبروك تربت على صدرها هامسة

( يا ستار من الفضائح .......... )

هتفت نسيم برعب

( ما الذي حدث ؟؟ ..... أخفتني , تكلمي يا امرأة ..... )

نظرت اليها أم مبروك باعياء و قالت ذاهلة

( و أنا أشتري ما يحتاجه الدار اليوم ..... فوجئت بكارثة .... كارثة كبيرة , قد تحرق البلد رأسا على عقب .... )

هتفت نسيم برعب

( انطقي .... ما هي الكارثة ؟؟ ........... )

كانت أم مبروك تهز رأسها ملوحة بكفيها و كأنها غير مصدقة بعد لما يحدث .... الى أن همست تهذي في النهاية

( السوق ..... السوق كله لم يكن له سوى حوار واحد ...... حوار يخوض في شرف السيدة سوار بالباطل .... كبارا و صغارا ....... )

ضربت نسيم وجنتها بذعر و هي تشهق بصدمة ..... لقد فعلتها .... فعلتها ميسرة قبل أن تسافر مع زوجها ....

.................................................. .................................................. ..................

أمسكت سوار بسلاحها , و رفعته تنوي التصويب على الهدف الذي اقامته .... و ما أن أغمضت عين واحدة , حتى شعرت فجأة بغيمة رجولية تحيط بها من كل اتجاه ....

شهقت سوار و هي ترى السلاح ينخفض بالقوة الجبرية ,..... حت سقط أرضا ....

بينما كانت هي تنجذب الى الخلف حيث هذا الدفىء الذي افتقدته منذ أيام .... و العبائة الرجولية الناعمة تحيط بجسديهما معا ....

همست سوار بذهول

( ليث !!! ....... متى عدت ؟!! ...... )

الا أنه همس في أذنها مزمجرا بصوتٍ مشتاق يحترق

( هششششش يا مليحة ..... اصمتى لأروي ظمأي منكِ فقد اكتفيت من العذاب .... )

حاولت الحركة كي تبتعد عنه , الا أنه أدارها اليه بسرعة و في حركة واحدة , حتى أصبحت بين أحضانه وجها لوجه .... و العباءة لا تزال تضمهما سويا ..... بينما وجدت شفتاه شفتيها أخيرا بعد أيامٍ طويلة من الحرمان ....

حاولت الكلام .... حاولت المقاومة .... حاولت فعل أي شيء كي تتخلص من تلك الدوامة المخدرة المحيطة بهما ... الا أنها لم تستطع , فقد سقطت أسيرة ذلك الفم الهامس بعشقها ما بين كل قبلةٍ و أخرى ...

و ما أن حررها قليلا , حتى انحنى ليرفعها اليه ببساطة و كأنها لا تزن شيئا , حتى أصبح وجهيهما متقاربين ... شديدي الإحمرار ... و أعينهما تتوهج , بصورة كل منهما للآخر ... الى أن همس لها أخيرا بصوت أجش غاضب

( لديكِ ليالٍ تعوضينني فيها عن عدم حملك ...... و ستبدأين من هذه اللحظة , حاولي فقط الإعتراض , و حينها سأكون غير مسؤولا عن رد فعلي .... )

فغرت سوار شفتيها المترجفتين .... قبل ان تهمس بخفوت

( لن اعترض ......... )

.................................................. .................................................. ..................

نظر عمران الى ابنه المستلقي على الأريكة ينظر الى السقف بعينين غامضتين ....

فقال بصوتٍ مزدري

( أتعلم يا ولد ..... حين أتت بك أمك الى هذه الدنيا و نظرت الى وجهك , انتابني شعور بأنك ستكون سبب شقائي .... و قد كنت محقا ..... )

ابتسم راجح ساخرا دون أن يجيب .... بينما تابع والده بغضب اكبر

( ما أنت الا ذرية تخزي ...... أخزيتني أمام أخوتي و الحاج سليمان مرارا .... بزواجك بتلك الساقطة التي احضرتها من الطريق ... ليست مرة واحدة بل مرتين ... بطفلين ..... و انتهى بك الأمر بأن خطفت ابنة عمك يا عديم الشرف ..... فتسببت في طردنا من البلد لنخسر أهم ما نمتلك .... )

مال فجأة الى الأمام في مقعده وهو يصرخ عاليا بجنون

( أتعلم أن ممتلكاتنا التي اجبرنا جدك على التخلي عنها , تفوق ما نمتلكه هنا من أعمالنا و صفقاتنا !! .... و عوضا عن ان تكون موحلا وجهك في الأرض خزيا .... محاولا التفكير في طريقة تسترضي بها جدك .... ها انت ملقى أمامي على الأريكة , تفكر في كيفية استعادة ابن الساقطة , التي تعفن جسدها من العيش في الحرام ..... )

تحولت ابتسامة راجح الى ضحكة ساخرة عالية .... ارتجت لها الجدران و بدت مخيفة .... الى ان قال اخيرا ناظرا الى والده بطرف عينيه

( تصرفاتي أنا المخزية ؟!! ..... على الأقل أنا كنت أتزوج في الحلال , و اطفالي ابناء حلال ..... حتى سوار ما خطفتها الا لأتزوجها في الحلال .... لكن يبدو أنك نسيت من اغتصب و انجب ابن زنا في الحرام ... و جميعنا لا نزال نعاني من وجوده في هذا العالم حتى يومنا هذا .... هل نسيت يا أبي من كان مقيدا في زريبة البهائم ..... )

اسود وجه عمران من شدة الغضب وهو يصرخ قائلا

( احترم نفسك يا قذر ...... )

استقام راجح فجأة منتفضا وهو يصرخ ...

( لست أنا القذر ........ )

الا أن والده هدر الكثور المجنون

( اخرس و لا تنسى أنك تكلم والدك ........... )

اشتعلت عينا راجح لعدة لحظات , الا أنه لم يلبث أن ضحك عاليا وهو يقول

( حسنا لا بأس يا والدي العزيز ..... العفو و السماح منك ...... لكن رجاءا لا تتدخل في حياتي الخاصة , و حين أقول أنني أنوي استعادة ابني .... فأنا أعنيها .... )

ابتسم عمران بطريقة مقيتة .... ثم قال بازدراء

( ابنك الذي أنفق عليه و رباه ابن الحرام كما تدعي ..... لقد علم عليك يا ولد ... )

ضحك عمران عاليا , بينما تصلبت ملامح راجح و برقت عيناه ببريق مرعب وهو يقول بخفوت

( لن أرحمه ..... ابني و سأستعيده , و أحرمه من كل ما يمتلك ...... البيت و الولد و الشرف ...... )

صمت للحظة قبل أن يهمس مبتسما بنشوى

( و الفتاة التي يحب ........ )

تأفف عمران وهو يقول بنفاذ صبر

( هلا نسيت أمره قليلا و فكرت في أعمالنا ..... اسمعني جيدا ,, صفقة الآثار الجديدة بها مخاطرة كبيرة , خاصة و أننا لسنا قدر المزيد من المخاطرة .... إنها تحتاج الى سيولة ضخمة .... قد تودي بعملنا كله ... )

رد راجح بلامبالاة

( ليست المرة الأولى ..... سندفع الى أن يتم اخراجها من البلد , حينها نستلم ربحنا من التاجر في الخارج ......انها صفقة العمر .... )

رد عمران بانفعال

( لكنه عدد كبير من القطع الأثرية ..... و أي زيف فيه سيكون ..... )

قاطعه راجح ليقول بهدوء

( الخبير موجود يا أبي و سيتأكد من أنها القطع الأصلية ..... تتكلم و كأنها أول مرة , )

هتف عمران به ...

( لكن يا غبي المجازفة بها أعلى ...... )

قال راجح ببرود

( لأن الربح أضخم .... إنها صفقة العمر و ستعوض كل ما خسرناه , و حينها سأتفرغ لهم واحدا تلو الآخر ..... ) 

Continue Reading

You'll Also Like

283K 9.5K 40
رواية بقلم المبدعة Iraqia حقوق الملكية محفوظة للكاتبة Iraqia
188 68 8
هناك فتاة جميلة وعفويه للغاية لكن تحب ان تكون فتاة عادية خارج منزلها فهل ستجد من يراها مختلفة عن الجميع؟؟؟ في النهاية ستكون عبارة عن رواية لفتاة ملتز...
2.4M 319K 79
اجتماعية رومانسية
3M 88.2K 59
قصة رومانسية بقلمي ملك إبراهيم