من خلال ظلال الغرفة المعتمة التي كانت تلفها، بدأت مرجانة الحكاية، صوتها يخترق صمت المكان كقطرات ماء تلامس سطح بحيرة هادئة. وصفت كيكيو بأنها كانت كنزاً لأمها، جمل قطعتها الزمردية تمثّل العطاء بلا حدود والتفاني الذي لا ينضب. كانت كيكيو تتنفس من أجل أمها، تعيش لترعاها، وتكون لها عوضًا عن الحركة التي أُميتت بسبب المرض.
كان ذلك اليوم المشؤوم يشبه أيامًا أخرى عديدة، حيث كانت الحديقة العمومية تنبض بالحياة ويغمرها الهدوء بينما كانت كيكيو جالسة بكبرياء ووقار، وكأنها ملكة في عرشها، تتأمل العالم من حولها. ولكن فجأة، اختُرق هذا الصفاء بصرخة مدوية، صرخة افروديت التي تنبعث من بين غصون الأشجار.
استجمعت كيكيو شجاعتها بينما أُصيبت بالهلع وهي ترى فلذة كبدها تواجه خطر السقوط في الهاوية السوداء المكشوفة بالبئر. ضجت الحديقة بمناشداتها للمساعدة لكن لا أحد جاء، وكأن كل من حولها تحولوا إلى تماثيل صماء. الموقف المروع اختُتم بأسى لا يوصف عندما انزلقت قبضة افروديت وانغمس في أعماق البئر.
بجرح لن يندمل، تحوّلت كيكيو من مخلوقة يسودها الحنان إلى كائنة تنبض بالظلال. استقت العزيمة من الظلام الساكن في جوف الأرض ووسعت نطاق معرفتها بالأسرار المظلمة للسحر. "أنفاس أفروديت"، الزهرة التي تنبض بروح الأبدية الحمراء، صارت رمزًا لذكرى لا تموت، لأمومة متمردة، ولحب لا يقبل النسيان.
وتحت ضوء القمر البهيج، أخذت كيكيو على عاتقها مهمة الانتقام من سُكان القرية الذين تقاعسوا عن مساعدتها في أصعب اللحظات. أقسمت على أن يشعروا بالألم الذي طوّق روحها، ليصبحوا أسرى لجرح لا يندمل، كما هي أسيرة لذكريات مأساوية.
و بعد تلك الحادثة المأساوية التي شهدت سقوط ابنها في البئر، انكسر شيء في كيكيو لا يمكن إصلاحه أبداً. وبمزيجٍ من الحزن العميق والسحر القديم الذي عُرف بقوته المدمرة، أصبحت قدرتها على السحر أكثر قوة وظلاماً. عندها قررت كيكيو أن تنفذ عزمها المرعب وتتحول إلى بومة، تلك الكائنات الليلية ذات الرؤية الثاقبة التي تطير في السماء بصمت قاتل.
في ليلةٍ من ليالي القمر المكتمل، عندما يكون السحر في أوج قوته، نفذت كيكيو تعويذتها التي ملأت السماء بأصداء الغضب والتحول. أغلقت عينيها امرأة وفتحتهما مجددًا بومة، مُحَلقة في الظلام، تسعى لسرقة ما تبقى من فرح في القرية حيث سُلب منها فرحها الأثير. ومن تلك الليلة فصاعدًا، أصبح كل مولود جديد يأتي إلى القرية هدفًا لهذه الساحرة الليلية، حاملة مع كل خطف وعدة بومة، بأن تملأ البيوت بنفس الفقد والخوف الذي ابتلي به قلبها.
فكيكيو الآن تتنفس من خلال زهرة وجدت سبيلها إلى صفحات كتاب صوفيا. ذلك النبات الذي ينبض كأن قلب افروديت نفسه يخفق ضمن بتلاتها، يحتضن كل حلم ضائع وكل دمعة ذرفت من أعماق أم دفنت ابنها في الأسطورة.
القصة ترتفع وتيرتها عندما تنقل مرجانة البطولة إلى لورا وصوفيا اللتين ترددتا في البداية أمام الأمور الغيبية والاستثنائية التي حملتها الحكاية، لكنهما سرعان ما أدركتا أنه لا خيار أمامهما سوى القبول والتحدي. تصبح مهمتهما ليس فقط البحث عن الحقيقة، بل أيضاً التصدي لهذه القوى التي قد تهدد الواقع نفسه الذي يعتبرنه آمناً.
التوتر يبنى بمهارة حيث تحتّم مرجانة على الثنائي أن يجديا الزهرة قبل اكتمال القمر الذي يقترب بخطى واثقة. فهل يمكن للورا وصوفيا، بصبرهما وذكاءهما، أن يكسرا اللعنة قبل أن تستعيد كيكيو قواها وتزرع الحزن في قلوب القرويين مرة أخرى؟ هل ستنجحان في تسلق القمة الموعودة والعثور على الزهرة النادرة؟
سنعرف ذلك في جزء الثاني من رواية ! ....