أنوبيس

Od HabibaMahmoud25

99.5K 5.1K 4.6K

مرحبًا بكم في المملكة لا لا، يجب أن أحذرك أولًا من يدخل المملكة لا يخرج حيًا. يمكنك المغادرة الآن.. سأترك لك... Více

تنويه
قوانين التنظيم (المملكة)
الشخصيات
الفصل الأول: المامبا الحامي لي
الفصل الثاني: نساء عائلة المُهيري.
الفصل الثالث: لماذا مُراد؟
الفصل الرابع: إلى اللقاء أمي.
الفصل الخامس: قصر الأشباح.
الفصل السادس: ثم لم يبقى أحد.
الفصل السابع: لا تترُكيني.
وشم المامبا +إعتذار
الفصل الثامن: وضع الغيرة
الفصل التاسع: يوم رفقة الأوغاد.
الفصل العاشر: انا الخاطف.
الفصل الحادي عشر: النجمة المسلوبة.
الفصل الثاني عشر: لتمتزج صرختنا معًا.
مسابقة 🔥
الفصل الرابع عشر: رقصة أخيرة
الفصل الخامس عشر: فتيل القنبلة
الفصل السادس عشر: وتر أكيليس.
السابع عشر: رقصة الألم.
الفصل الثامن عشر: الغجرية الساحرة.
الفصل التاسع عشر: لنتزوج ماليكا!
الفصل العشرون: وحوشي وقعت لكِ.
الفصل الواحد والعشرون: خطوبة أم معركة حربية؟
الفصل الثاني العشرون: أنا الجحيم.
الفصل الثالث والعشرون: أحتضر ماليكا.
الفصل الرابع والعشرون: ليو الصغير.
الفصل الخامس والعشرون: بُتر قلبي.
الفصل السادس والعشرون: خنجر بروتس.
الفصل السابع والعشرون: مُروضة أنوبيس!
الفصل الثامن والعشرون: مرحبًا بالغجرية.
الفصل التاسع والعشرون: الموت أم.. الموت؟
إعتذار
الفصل الثلاثون: الذئب الذي أكل يُوسف.
الواحد والثلاثون: لن تكسريني، أليس كذلك؟
الثاني والثلاثون: نعم، أحبك.

الفصل الثالث عشر: طبيب الطاعون.

1.5K 99 111
Od HabibaMahmoud25

سلام عليكم، أنا عملت جروب للرواية على فيسبوك اللي حابب يدخل فيه هسيب اللينك في الكومنت، هنزل عليه اقتباسات وميمز بإذن الله.

فصل طويل اهو علشان اللي طلب فصلين، أطول فصل كتبته لحد دلوقتي، كوباية شاي بالنعناع بقى 😌

متنسوش التفاعل

______________________

أحبها سرًا وتقتلني علانيّة.

_ محمود درويش.
__________________________𓂀
𝕄𝕒𝕝𝕚𝕜𝕒

ماليكا

بعد أسبوع من رحلة المركب.

هرولت من الغرفة للخارج بعدما صرخت غزل باسمي من الخارج وهبطت للأسفل عن طريق القفز فوق الدرجات، دلفت لغرفة المعيشة وجلست فوق قدم غزل بسبب تكدس الجميع فوق الأريكة أمام التلفاز.

فنحن سافرنا الساحل بعد رحلة المركب مباشرة، الفتيات فقط، أنا، شهد، غزل، جميلة ونجمة بالطبع جاء معنا باسل حيث إنه لا يفارق شهد، كذلك يعقوب، وبقى رائف مع جميلة ليراقبها بعدما هاتفت عمها صالح ليقنع أبيها بالبقاء رفقة الفتيات، فوافق بشرط بقاء رائف معها.

شهد هي من قررت ذلك لنرفه عن أنفسنا قليلًا وكذلك نكمل ما نخطط لتنفيذه، فأذعنت لها لأنني أشعر بالضجر؛ وكذلك هددتني غزل بأنها سوف تقنصني إذا لم آتي معهن.

إنها لطيفة للغاية!

هاتفت نهى لتحضر حقيبة سفري وتعطيها لأحد رجال المامبا الذي انتظرها بالأسفل ثم أحضرها إلي، أكثر طريقة سفر مجنونة جربتها في حياتي، فأنا أفعل ذلك عادتًا، لا أحب التخطيط للخروجات أو السفر، فقط أقرر ذلك في نفس اللحظة وأفعل، لكن هذه المرة مختلفة.

_ إنت يا متخلف ما تقعد في مكان مش شايفين حاجة.

قالتها غزل إلى "أنس الجندي" الذي يقف أمام التلفاز مباشرة في المنتصف ويحجب عننا الرؤية، فالتفت ينظر لها نظرة ساخرة وهو يمرر نظراته عليَّ وأنا جالسة فوق قدمها، وكأنها يقول لها ها أنا الأبله هنا؟

_ بص على قدك علشان مخليش ماليكا تقوم ليك.

قالتها غزل بنبرة مهددة وهو تحرك إصبع إبهامها أمامها، فجلس على الأرض بسرعة بعدما أزدرم ريقه بتوتر، فهو يخاف مني بدون سبب، لا أعلم لماذا؟

أنا لم أفعل له شيء!
تبًا ماليكا، لقد نقلت لكِ عدوى ليونار في التمثيل وتصنع البراءة.

سُرقت نظراتنا كقطعة من المعدن أمام مغناطيس قوي ناحية التلفاز، وحل الصمت إلا من أصوات دقات قلوبنا الصاخبة عندما عُرض المقطع أخيرًا.

" تم إلقاء القبض على العالم شمس الزناتي، بتهمة خطف عشرة فتيات والأعتداء عليهن، وكذلك صنع المواد المخدرة والإتجار بها"

قالتها مذيع نشرة الأخبار ومن خلفها يظهر مقطع القبض، حيث يظهر به شمس الزناتي يخرج من منزله مرتدي حِلة سوداء، وتلتف حول معصمه أساور الشرطة ويتم سحبه بواسطة الضابط "راشد" ، شعرت بالسعادة تتدفق في أوردتي لكن توقفت قبل أن تصل لموضع القلب وشعرت بأن قلبي ينبض داخل حلقي عندما شاهدت هيئته.

إنه يخطو برأس مرفوع وعنفوان، تزين ثغره ابتسامة جانبية مثيرة للرعشة وخالية من المرح.

إنه واثق بشدة من خروجه من هذا المأزق.
هل سوف يخرج؟

خرجت من شرودي عندما أرتفعت شهقات نجمة عاليًا، فنظرنا لها كلنا في آن واحد، واقتربنا منها حيث تقبع بين ذراعي شهد ويهتز جسدها بعنف.

_ بتعيطي ليه دلوقتي؟ المفروض نحتفل.

قالتها غزل بنبرة هادئة حاولت صبغها بالمرح على الرغم من تخللها الحزن وكأنه تم حياكته معها ولكن قبل أن ترد عليها نجمة انطلقت صرخة من أفواهنا جميعًا عندما انفجر شيء جانبها عقبها تناثر فوقنا ورق الملون الخاص بالزينة خارج من ما يطلق عليه "صاروخ" يستخدم للاحتفال.

- كفاية عياط، عيطنا كتير، النهاردة فرح وبس، يا جماعة إحنا وقعنا سِت.

قالها أنس الجندي الذي قام بفرقعة الشيء فوقنا قبل أن يبدأ في الرقص والقفز بانتصار وهو ينحني أرضًا ليسحب ابن عمه "كريم الجندي" الجالس فوق الأرض بشرود مدمع العينين.

فتأكدت إن قبوله للعمل معنا لم يكن مجرد شهامة، فهو ذاق من نفس الكأس وإلا من سيفعل هذا الشيء ويعرض حاله للخطر؟

فنحن عندما طلبنا مساعدته وافق على الفور دون حتى التفكير في الأمر.

( منذ أسبوع )

جلسنا جميعًا نحن النساء نفكر في كيفية القضاء على شمس وتسليمه للمحكمة بعدما وصلنا لتلك الفيلا بالساحل، فقالت شهد فجأة بعد نصف ساعة من الصمت المطبق على الغرفة إلا من صوت طرقعة خافتة من حذاء نجمة التي كانت تهز قدمها بتوتر:

- إحنا عايزين نفضحه، لازم كل الناس تشوف قد إيه هو قذر علشان ميعرفش يطلع منها، فأنا بفكر أقول لباسل يجيبلي فيديوهات ومعلومات من عندنا وافضحه.

- أيوة ده اللي بفكر فيه، بس باسل مش "الهاكر" بكر هو اللي "هاكر" وهو اللي بيحمي المملكة من تسريب المعلومات فلو باسل طلب معلومات منه هيدهالو عادي بس هيوصل الكلام ده لعمي صالح وهيدخل ويمنع الموضوع قبل ما يتنشر لأن ده ضد القوانين.

قالتها جميلة بنبرة هادئة بعدما حركت رأسها بالنفي عدة مرات على حديث "شهد" ثم ذمت شفتيها بطريقة توحي بأنها تريد أن تقول شيء ما قبل أن تنظر إلى غزل التي رمشت باهدابها وكأنها تعطيها أمر إخبارنا بالأمر فتنهدت بعمق وقالت:

- في هاكر ثاني ممكن يساعدنا ... "Plague doctor "طبيب الطاعون".

أضافتها بعدما صمتت لثواني ونظرنا لها بفضول يتقافز من عيوننا، فشعرت إن يدي تأكلني حتى أصفعها فوق وجنتيها، هل هذا وقت إثارة؟!

أعلم هذا المدعو "طبيب الطاعون" كما يطلق على حاله، إنه مخترق جيد، يعيد حسابات الفتيات المسروقة، ويساعد الفتيات الذين يتم تهديدهم بالصور والمقاطع، أو أي شيء آخر، كما إنه يقوم بفضح الفاسدين.

- تفتكري هيقدر؟ أو هيرضى أصلًا؟

قالتها شهد متسائلة بنبرة متحيرة، فحركت جميلة رأسها بالموافقة قبل أن تقول بنبرة متوترة وكأنها تخفي شيء ما وهي تلملم خصلتها خلف أذنها:

- آه هيرضى، أنا كلمته قبل كده في حوار ورضي، هكلمه دلوقتي.

انهت حديثها وهي تنهض من مجلسها وتخرج للشرفة ثم لحقت بها غزل، فشعرت بالأرتياب، لماذا لم تحادثه أمامنا؟

هناك شيء ما تُخفيه؟

نظرت إلى شهد لأرى ملامح وجهها حتى أعلم هل تشعر مثل ما أشعر؟ لكن كل ما قابلني عيناها الهائمتان في مكان بعيد عنّا، وتنفسها المتهدج الذي يوحي بأنها ليست بخير.

إنها هكذا منذ أن سمعت مكالمة نيلان مع المرأة التي يواعدها ثم انفردت به بعدما طلبت مني تركهم وحدهم، ولم أعلم ماذا حدث بينهما.

- كريم الجندي جي .. الهاكر.

أضافتها جميلة عندما نظرنا لها بدون فهم بعدما دلفت فجأة بسعادة لتلقي على مسمعنا هذا الخبر المُفرح وهي تقفز بحماس.

في اليوم التالي جلسنا في مطعم على البحر للإفطار أمام هذا المنظر الساحر، أمام المياه المالحة التي تسحب الطاقة السلبية من الأجساد إليها بلمسة سحرية طبيعية مبدعة:

- أنتو مش حاسيين إننا متراقبين؟

قلتها بنبرة ضائقة عندما نظرت إلى شلة الشباب التي تجلس حول الطاولة جانبنا تتوجه نظراتهم الوقحة ناحيتنا بطريقة جعلت الدم يضخ داخل أوردتي بقوة، وصوت وسواسة خافت يهمس داخل أذني بنغمة متكررة مزعجة وكأنها مقعد حديدي يتم سحبه فوق الأرض ويصدر أزيز عالي.

اضربيهم .. اضربيهم .. اضربيهم.

- صباح الخير.

قالها شاب بنبرة لطيفة يرتدي بنطال بلون الرمال وقميص أبيض، سحب مقعد من طاولة فارغة جانبنا إلى طاولتنا وجلس فوقه جانبي وهو يبتسم بسمة هادئة بعدما جاء من الخارج.

رفعت قبضة يدي عاليًا لاقوم بلكمة لكن قبل أن تصل اللكمة لوجهه لاحظت السماعة الشفافة التي تثبت بأذنه الظاهرة من بين خصلاته الطويلة نسبيًا ذات لون الشكولاتة وملامحه الهادئة اللطيفة.

- كريم.. كريم الجندي؟ إنت الدكتور؟!

قلتها بنبرة متسائلة بحيرة وأنا مازلت أرفع قبضة يدي جانبي، فحرك رأسه بالموافقة عدة مرات بخوف وهو ينظر تجاه قبضة يدي، فأنزلت يدي بسرعة وإنا ابتسم له ابتسامة بلهاء.

أنا أعلم هذا الشاب، إنه ابن عم "أنس الجندي" يظهر معه في بعض المقاطع، والذي يكون في الواقع جاري، إنه يقطن على بعد عدة بنايات مني، ودائمًا يجلس في المقهى الذي أحب الجلوس به أمام النيل يقرأ مثلي.

تبًا، لقد اخفتي الشاب ماليكا!
إنه ألطف من شخصيتك الهمجية!
كيف سوف تستعيري منه النسخة الآن؟

لقد رأيته يقرأ من رواية نادرة للغاية ولم أجدها في جميع المكتبات وكنت أدفع حالي لاستعيرها منه، لكنني لم أجد بعد القوة لذلك.

تبًا، ما الذي أفكر به الآن؟!

- الوش ده أنا شوفته قبل كده.. إنت بنت ميس عبير؟!

قالها "أنس الجندي" الذي أنضم لنا بعدما سحب مقعد من الطاولة جانبنا كذلك وجلس جانب ابن عمه كريم، فحركت رأسي بالموافقة بفخر قبل أن يتجهم وجهي عندما قال وهو يرفع كلا ذراعيه لفوق وينظر للأعلى:

- حسبنا الله ونعم الوكيل.

- حسبنا الله ونعم الوكيل فيك إنت، في إيه؟ هي كانت واكلة ورثك؟

قلتها بنبرة عالية منفعلة بعدما تأهب جسدي في وضع يوحي بأنني على وشك إبراحه ضربًا، فانتفض من مجلسه واقفًا مما أدي لوقوع المقعد خلفه على الأرض وأصدر صوت جلبة عالية لم يبالي بها وهو يضيف:

- مكنتش بترضى تطردني من الفصل، كنت بعمل إزعاج علشان أخرج وهي بتسيبني.

- سبب مقنع جدًا.

قلتها بنبرة جامدة وأنا انهض من مقعدي واقتربت منه أثناء إبتعاده للوراء بخطوات مهتزة من القلق، فرفع كف يده أمامه بشكل طولي وقال مسرعًا:

- آسف، بهزر والله، بهزر، أنا كنت بحبها وبحب الحصص بتاعتها .. ده هي أصلا اللي غيرتني، أصل انا كنت مغرور وشايف نفسي علشان بابا ظابط .. بس الحمد لله اتغيرت يعني.

حركت رأسي بالموافقة على مضض بعدما ضيقت عيني بتفكير وأنا أنظر له بدون تصديق قبل أن أعود لمجلسي من جديد بهدوء وكأنني لم أفعل شيء.

- لا مش هنتكلم هنا، إحنا نروح البيت.

قالتها غزل وهي تنظر تجاه شلة الشباب الذين تقريبًا يجلسوا معنا على الطاولة، ثم نظرت إلى طاولة المامبا حيث ينظر ثلاثتهم إلى الشباب بابتسامة هادئة لسيكوباتي يتصنع اللطف قبل أن ينحر عنق فريسته بقطعة من الحديد، لتشرح لنا جميعًا ما الذي سوف يحدث بعد خمس ثواني.

ربما سوف نعود للمنزل ونحن نحمل أشلاء الشباب لذا نهضنا جميعًا وعدنا بسلام.

_ تمام بس أنا هحتاج مساعدتك يا غزل.

قالها كريم بعدما انتهينا من سرد ما نريده منه، فنظرت له غزل باهتمام حتى يعرب عن ما يريده، مسح كريم عينه بيده وهو يتنهد مطولًا قبل أن يسطرد:

- المعمل كان في بيت الحاوي، ده غير إني مش عارف اهكر حد فلازم استخدم واحدة منكم، ههكر الحاوي عن طريقك بعد كده ههكر تليفون شمس عن طريق الحاوي.

حركت غزل كتفها للأعلى للتعبير عن الموافقة، فزينت بسمة مطمئنة وجنته قبل أن يبدأ بتنفيذ الخطة بشغف كبير، وبدون تعب.

وبعد خمسة أيام من العمل المتواصل تم الحصول على ملفات مهمة تدين شمس، مقاطع صوتيه له يتفق بها مع أحد على صفقة مواد مخدرة مسجلة على هاتفه، صور، ومقاطع بشعة لم أراها بالطبع فقط هو من شاهدها.

والأهم من كل ذلك هو المقاطع المصورة له داخل المعمل ويقف أمام نصف الفتيات المخطوفات، في أبشع منظر يمكنني رؤيته في حياتي وللأسف رأيته.

تجلس أربعة فتيات من بينهن نجمة، كلّا منهم ترتعش بعنف وكأن أصابها ماس كهربائي، وفتاة طائفة داخل أنبوب في واحد من أبشع مشاهد الرعب الذي سوف أشاهدها في حياتي، لا اعتقد إن هناك منظر يمكن أن يكون مخيف بعد هذا.

_ مستعد.

قالها أنس بنبرة ثابتة خارجيًا على الرغم من القلق الذي يعتمر داخل صدره ويظهر من مقلتيه الذي فشل في حجمه عن الظهور للخارج مثل ما فعل مع نبرة صوته إلي "كريم" الذي يجلس فوق مقعد خشبي، يرتدي ملابس سوداء بالكامل مكونة من جلباب أسود بأكمام وفوقه قناع يغطي الوجه وينزل حول الصدر في هيئة تشبه الخمار، ويضع فوق وجهه بالكامل قناع حديدي أسود ذو منقار طويل مثل الذي كان يرتديه طبيب الطاعون قديمًا، ووضع قبعة سوداء اللون، ويمسك بيده عصى طويلة.

رفع كريم إصبع الإبهام ليرد على سؤال أنس الذي يقف خلف الكاميرا بشأن استعداده، فحرك أنس رأسه برضى قبل أن يبدأ في التصوير.

_ مرحبًا بالجميع، أنا طبيب الطاعون، أنا لكم بالمرصاد أيتها الفيروسات الفاسدة، سوف اشفي المجتمع منكم جميعًا بإذن الله.

قالها كريم بنبرة جامدة وهو يجلس أمام الكاميرا بوقار وقوة لا أعلم من أين أتى بهما ثم صمت لثواني حتى يضيف الإثارة لحديثه ويلهب أعصاب الجميع قبل أن يستطرد بثقة:

- لقد تفشى في المجتمع إحدي الفيروسات المتحورة المميتة منذ زمن، قاتل ببسالة أحسده عليها في الحقيقة، ظن إنه سينفذ دائمًا، لكن هيهات لا يوجد فيروس يمكنه الصمود أمام الطبيب للأبد.

صمت من جديد ليقوم بسكب بنزين فوق النار المشتعلة بقلوب الجميع بالفعل ليزيد من شدة سطوع وتوهج لونها الأحمر المتذبذب، حول نظره إلى نجمة التي تقف جانب شهد بثبات واهي، قبل أن يعود ويقول من جديد:

- الجميع يعلم الآن بشأن العشرة فتيات اللاتي تم خطفهن تباعًا، الجميع سمع، بكى، دعا لتعود الفتيات والله استجاب لدعائكم .. سمع الله دعاء أم ملكومة على صغيرتها، ألهمني وأعطاني القوة لإعادة الفتيات .. وقد فعلت.

توقف عن الحديث لثواني ونظر إلى نجمة نظرة مطمئنة على الرغم من إنها لم تظهر من خلف القناع لكنني شعرت بها بعدما بدأ جسدها في الأرتجاف وكأن عقلها يعيد حادثة الخطف أمام عيونها من جديد، والتي شاهدها الجميع.

فهي الفتاة رقم تسعة التي كانت في نزهة رفقة صديقتها في محافظة الأسكندرية ومرت سيارة سوداء جانبها وابتلعتها بالداخل، أمام نظرات الجميع، وفي وضوح النهار.

- جميع الفتيات معي، فلتهدأ قلوبكن أيتها الأمهات، لكن لن اتركهم يرحلوا قبل أن يتم القضاء على الفيروس المتحور بالكامل، والذي هو .. شمس الزناتي العالم المشهور.

فجر قنبلته وصمت لثواني قبل أن يعود ويهدر بجميع طلقاته دفعة واحدة في وجه الجميع، شرح كل شيء عن طبيعة عمل شمس الحقيقية مع عرض التسجيلات الصوتية الخاصة به، وكذلك مستندات تثبت ملكيته لمعامل يتم تصنيع بها المواد المخدرة ثم نهى المقطع، بالمقطع المصور لشمس بالمعمل رفقة الفتيات وهو يقف أمامهن يتحدث بإختلال.

ثم عرض المقطع الذي يظهر به ليونار ونيلان بالمعمل وهما ينقذوا الفتيات، لكن بالطبع لم يظهر أي شيء يدل عن كنهة الشخص بعدما شفّر وجههما.

كما عرض مقاطع من قضية قديمة تم إمساك شمس بها وخرج منها ثم إضاف فوق الشاشة عبارة ساخرة بالفصحى كما تحدث حتى لا يعلم أحد جنسية المتحدث فهذا أمان أكثر له.

" القضية القديمة كانت من خلف ظهره، والحديثة بالطبع من خلف ظهره كذلك! لعنة الله على أصحاب السوء"

كل هذا تم إضافته في المونتاج بواسطة أنس ثم تم رفع المقطع بالكامل الذي وصل إلي مليون مشاهدة فقط في نصف ساعة، وهذا بالطبع بمساعدة أنس وأصدقاءه من صناع المحتوى.

بالطبع تحركت الشرطة بعد ربع ساعة من رفع المقطع بعدما قدم كريم بلاغ لابن عمه منذر الجندي - الذي يعلم بالفعل- وقام بمداهمة المعمل الذي يتم تصنيع به المواد المخدرة.

والآن تم القبض على شمس الزناتي أخيرًا بعدما اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي لتتحول القضية لقضية رأي عام.

(عودة للوقت الحالي)

دلفت للشرفة حيث يقف كريم بالداخل ينظر تجاه البحر الذي تتراقص أمواجه العالية بصخب محبب لقلبي، عندما كنت صغيرة كان لدي رغبة قوية في العيش داخل مركب بعرض البحر، لا أعلم لماذا؟

ولا أعلم كيف لي إن أظل أحبه على الرغم من كل شيء فعله معي؟

لقد تعرضت للغرق وأنا صغيرة، تقريبًا توقف قلبي لثانية وعدت من جديد للحياة، حدث هذا عندما سقطت بحفرة ظهرت من العدم بعرض البحر، ضربت بيدي الأمواج بعنف، رفعت رأسي للأعلى لأحصل على ذرة نفس واحدة لكن ضربتني موجة عاتية اغرقتني من جديد، شعرت بانتفاخ قفصي الصدري، الرعب، الرغبة في الصراخ لكن كلما فتحت فمي لأصرخ روتني مياه البحر المالحة.

عندما فقدت الأمل، علمت أنني الآن ذاهبة لأبي، شعرت بيد تضغط فوق قفصي الصدري عدة مرات حتى اندفعت المياه للخارج دفعة واحدة وأفرغت معدتي ثم بدأت بالسعال.

بالطبع أمي التي انقذتني، لقد رأتني أثناء وقوفها على الرمال ثم ركضت بأقصى سرعة لديها نزلت المياه بملابسها وأخرجتني من الداخل، كنت في الخامسة وقتها.

أيها البحر، لماذا آذيتني وأنا أحبك؟

قلتها بتساؤل للبحر بعد ذلك بنبرة طفولية بحتة تنم عن مدى برائتي وقتها فقد كنت أظن إن الأشخاص المحببة لا تأذي لكن عندما كبرت علمت إن أكثر ما يؤذي هم الأشخاص المحببة لذا أتخذت البحر عدوًا لي، لكن الآن عدت لحبه من جديد وسامحته فجماله يشفع له ما فعله معي على الرغم من عدم نزولي به ثانيًا.

لقد آذاني مراد العاقل وسامحته لن أسامح هذا البحر؟!

تبًا، الأمر كبير جدًا داخلي، لقد ظننت أنني سوف انسى مع الوقت، ربما يجب عليَّ حضور جلسات عند معالجة نفسيه حتى لا يتطور الأمر أكثر.

- شكلك مش مبسوط.

قلتها بنبرة هادئة إلى كريم الذي يستند بمرفقه فوق سور الشرفة ويحرك إصبعي إبهامه في حركة دائرية متواصلة وهو يشبك باقي أصابعه ببعض.

- شكله كان واثق في نفسه اوي، تفتكر هيخرج منها؟

اضفتها عندما عادت صورته إلى رأسي من جديد، وارتسمت أمام عيني ابتسامته البغيضة لأعرب عن سبب دلوفي خلفه من الأساس، فحرك رأسه قليلًا ناحيتي، القى بنظرة سريعة على وجهي المضطرب قبل أن يعود بنظراته للبحر من جديد كما يفعل دائمًا حيث إنه يغض بصره عن النساء، لإنه شاب متدين ذو أخلاق حميدة كباقي رجال عائلته.

- شايفة البحر شو كبير؟ كِبر البحر حقرته.

قالها بنبرة ساخرة تحمل الهم الذي يشعر به فوق كاهله ثم زفر مطولًا قبل أن يقول بهدوء لا يتنافى مع الصرخات التي أسمعها داخلي من وقع الحديث:

- هيخرج طبعًا، المنظمة دي بتتكون تقريبًا كده من حوالي ٤٠ زعيم مافيا كبير ده غير رجالتهم وعيلتهم طبعًا، كل واحد في بلد مختلفة وكلهم شخصيات مهمة ومعروفة، فأكيد هيخرجوه حتى لو وصل بيهم الأمر إنهم يفجروا السجن.

- أمال إحنا عملنا كل ده ليه؟ وإزاي البنات متعرفش حاجة زي دي مش هما منهم؟

قلتها بنبرة عالية غير مصدقة من ما أسمعه بوجه متجهم عابس ثم أعدت خصلات شعري التي تطير بفعل الرياح خلف أذني بعنف وأنا اتنفس باضطراب وصدري يعلو ويهبط من أثر ما يحدث داخلي.

- علشان نحرقه، هو كده خسر كل حاجة، خسر القناع، هيعيش هربان بدل ما كان عالم مشهور الناس كلها بتدعيلوا، إحنا كسبنا نصف المباراة.

قالها بنبرة هادئة بعدما ضم أصابعه للأعلى وحركها للأعلى وللأسفل كأشارة على أن اهدأ بعدما تحرك بكامل جسده ونظر لي بانتباه، ثم عاد لموضعه من جديد يحرك إصبعيه في شكل دائري عندما هدأت ملامحي قبل أن يستطرد بهدوء:

- جميلة وغزل عارفين طبعًا، بس هما بيفكروا زيي، هما إدوني اللي عايزيني أعرفه بس، هما مش أغبياء أكيد مش هيوقعوا عيلتهم، أساسًا أنا مهكرتش الحاوي، غزل كلمت شمس مباشر عادي.

أعلم ما يرمي له بالفعل، فأنا كذلك لاحظت ما يحدث، جميلة وغزل كلًا منهن تحمل هاتفين، وكذلك ليونار، وبقليل من التفكير علمت إن هناك هاتف يخص المملكة كما يطلقوا عليها، فجميع من بالمنظمة يتحدث على هذا الهاتف، والآخر للتواصل مع الأشخاص من غير مملكتهم.

__________________________𓂀

ارتديت ملابسي المكونة من اللون الأسود فقط مثل جميع الفتيات بعدما اقترحت غزل ذلك حتى نذهب لنحتفل بهذا الأنتصار العظيم -كما قالت- الذين هم عبارة عن بنطال أسود واسع وقميص بنفس اللون.

قامت غزل بتصفيف شعرها ووضعت ربطات شعر حديدية على شكل نجوم للتزين في غرتها ثم قررت أن تصنع مثلها لنا جميعًا لنكون مثل الفرقة.

_ روحي شوفي جميلة علشان تاخد دورها.

قالتها غزل بنبرة مازحة وهي تضربني على كتفي بخفة لأقف، فضحكت بهدوء وأنا أنهض من أمامها ثم جلست شهد بموضعي السابق لتأخذ دورها في نفس الوقت الذي خرجت به من الغرفة لأبحث عن جميلة.

اتجهت للشرفة الكبيرة عندما لم يسفر بحثي على شيء حيث لم أجدها بكل المنزل، رأيت ظلها رفقة آخر من خلال الستائر البيضاء التي ترفف أمام الباب بفعل الرياح.

- إنت إزاي حبتني وأنا وحشة اوي كده؟

قالتها جميلة بنبرة متهدجة مختنقة من أثر البكاء حيث إنها كانت تبكي فتجمدت بموضعي لا أعلم هل أدلف للشرفة أم لا عندما سمعت صوت باسل الرخيم الذي يقول لها:

- علشان مشوفتيش نفسك بقلبي، أنتِ جميلة اوي.

- هو إنت بتشوف بقلبك؟

قالتها جميلة بتساؤل وهي تنظر له بعيون حمراء تدل على إنها كانت تبكي منذ مدة ليست بقصيرة، فابتسم باسل بهدوء وهو ينظر لها بحب قبل أن يقول:

- طول عمري بشوف الناس بقلبي وهو عمره ما خذلني، العين بتخدع بتشوف اللي الأشخاص بتظهره لكن القلب بيحس، وقلبي لما دق ليكِ كان شايف إنك جميلة وتستحقي تتحبي، تستحقي كل دقة بتدق ليكِ.

- أنا مستحقش حبك.

قالتها جميلة مسرعة وهي تحرك رأسها برفض عدة مرات لتأكد حديثها، فضحك باسل بطريقة ساخرة ثم ضرب كفيه ببعض قبل أن يقول بنبرة منفعلة لكنها مغلفة بالحنان:

- لما إنتِ متستحقيش حبي أمال مين اللي يستحقه؟ لو إنتِ مبتحبيش نفسك انا هحبهالك لحد ما تحبيها، جوه قلبي حب ليكِ يكفينا إحنا الاتنين.

شعرت برغبة في الضحك عندما صدح صوت غزل داخل أذني عندما سخرت منه بشأن كونه "رقيق ورمانسي" على الرغم من حبي لما يفعله معها، ثم شعرت برغبة في صفعه على وجهه بسبب ضعفه أمامها.

تبًا، إنها تحدثت أمامي مع أربع رجال بأسماء مختلفة، وراء بعضهم البعض وقالت لهم جميعًا: حبيبي.

- إزاي بتعمل معايا كل ده بعد اللي أنا عملته فيك؟!

قالتها جميلة بنبرة عالية غاضبة لكن ليست منه بل من حالها، لتعبر عن مدى الندم والغضب الذي يعتمر داخل صدرها من حالها، إنها تكره حالها.

غاضبة منها، تريد تهشيم رأسها بشيء ما، لكن لماذا؟
لماذا تفعل كل ذلك؟

- بحبك لو اتقالت لازم أبقى ملزم بيها .. لو احتاجتيني هتلاقيني، لو وقعتي هقومك، لو خايفه هطمنك، لو ضعفتي هقويكِ، لو عندك مشكلة هحلها، لو محبتيش نفسك أنا هحبها .. ده المعنى الحقيقي للحب اللي بابا هارون علمهولي، جميلة أنا موجود دايمًا علشانك أي وقت وتحت أي ظروف حتى لو هموت.

توقفت من جديد بعدما هممت أن أعود أدراجي حيث شعرت أنني وغدة حقيرة تسترق السمع على المتحابين عندما قتل باسل حديثها بنبرة واثقة رخيمة وهو يبعثر نظراته على وجهها المنتفخ، ثم أخرج من جيبه حلوى العصا "اللولي بوب" مد يده بها لها وهو يستطرد:

- تعلمين أن قلب المامبا يخفق لامراة واحدة فقط، لقد وقعت لكِ وانقضى الأمر فلا سبيل من الشفاء من لعنة المامبا.

أضافها بنبرة مازحة قبل أن يحرك رأسه ناحيتي وهو يبتسم بهدوء ولم تظهر المفاجأة على وجهه، فشعرت بقلبي ينزل لقدمي ببطء وكأنها وضع داخل مصعد كهربائي من الدور الآخير حتى وصل لأطراف أصابعي ونبض بها.

- غزل عايزاكِ.

قلتها بنبرة جامدة وأنا ألقي بالكلمات من فمي كالحجارة بعدما دفعتها لتخرج من فمي بسبب الخجل، فضحكت جميلة بصخب عاليًا ثم اطلقت صيحة مرحة ودلفت للداخل ركضًا بسعادة.

لحقت بها للداخل ثم مررت من أمام رائف الذي يغني بمكرفون أغنية بلغة غريبة بصوت صاخب، ويطرُق أنس الجندي فوق الدف وهو يقفز حوله مثل القرود.

يجلس يعقوب فوق الأريكة يتصفح هاتفه ويهز كتفه وخصره مع الموسيقى وكأن عقله بمكان وجسده بآخر، بينما يجلس كريم جانبه في الناحية الأخرى يقرأ من رواية بتمعن وراحة ما بعدما نزع سماعة أذنه الخاصة بالسمع.

ضحكت بخفة على الوضع، فهو الآن يشعر بأنه الأكثر حظًا على الكوكب لمقدرته على خفض صوت هذا الصخب، فمنذ إن قرر المكوث في الفيلا التي بجانبنا منذ أسبوع ولم أرآه يضع السماعة في أذنه إلا للضرورة، فنحن بهذا العُرس منذ أن خطت قدمي هذا المنزل.

الآن لم أعد أشعر بالشفقة على رائف بسبب كسر صافي المالكي السماعات له، فأنا بالكاد أمنع حالي من تكسير هذا المكرفون فوق رأسه.

هممت إن أصعد الدرج لكنني توقفت عندما رأيت "نجمة" التي تقف على بداية الدرج من الأعلى وتضحك بسعادة أثناء مشاهدتها للحفل بالأسفل.

- أنس هات الدف.

قلتها بنبرة عالية إلى أنس ليسمعني من وَسط الصخب وأنا أمد يدي له بعدما اقتربت قليلًا من موضعهم، فاعطاني إياه وهو ينظر لي بتحفز ارتياب بطريقة توحي بأنه يفكر أنني سأكسره فوق رأسه.

أرغب في ذلك حقًا لكن ليس الآن.

- نجمة تعالي طبلي إنتِ.

قلتها إلى نجمة بنبرة هادئة، فنزلت بخطوات خجولة وهي تلملم خصلتها خلف أذنها لتداري توترها وإرتفاع حرارة وجنتيها بعدما نظرت إلى رائف ثم أمسكت الدف بسعادة طفل صغير يستعد ليلعب لعبته المفضلة في مدينة الملاهي.

_ را.. رائف ممكن تغني أنت؟

قالتها نجمة بنبرة متوترة بعدما تنحى رائف جانبًا وتوجه ليجلس جانب يعقوب فوق الأريكة بعدما نكث رأسه للأسفل ووجه نظراته تجاه الأرض كما يفعل منذ أسبوع بعد ما قاله لها.

- إنتِ اتكلمتي ولا أنا لسه بحلم؟

قالها رائف بنبرة متحيرة بعدما رفع رأسه بسرعة على مصدر الصوت الذي لم يكن غيرها ليتأكد من إنها هي التي تقف أمامه قبل أن ينتفض واقفًا فاغرًا فاهه بصدمة.

فضحكت بخفة وشاركتني نجمة ذلك لكن بطريقة أكثر خجلًا، فهي تتحدث منذ يومين بعدما تحدت غزل شهد بأنها سوف تجعلها تتحدث لإنها بالأساس لم تفقد صوتها، هي التي اختارت الصمت.

وقد كان، لقد أمسكت غزل إذن نجمة صارت تثرثر بشكل متواصل طول الفترة التي سبقت بمساعدة جميلة، لقد سردت عليها أشياء جعلت الفضول يلتهب داخلها لتسأل عن المزيد على الرغم من صدمتها من ما يُقال!

جميلة وغزل، هاتان الفتاتان تلاعبتا بجميع رجال مملكتهم لدرجة جعلتني أشعر بالذهول من كيفية فعل ذلك؟

الأكثر صدمة بالنسبة لي هو أن غزل تلاعبت بنفس الرجل أكثر من مرة كرهان بين جميع النساء وهي التي فازت.

لا أعلم كيف لم يقتلها؟!

_ لا إحنا نحتفل بقى.

قالها رائف بمرح وهو يقفز عاليًا بعدما حركت نجمة رأسها بالإيجاب على سؤاله السابق ثم بدأ في الرقص قبل حتى بدأ صدوح طرقات الدف التي دوى صوتها عاليًا بعدما بدأت نجمة في الطرق بمرح مع إرتفاع ضحكتها عاليًا عليه.

__________________________𓂀

وصلنا للمكان الذي قررت غزل الأحتفال داخله فشعرت بعدم الراحة تنبض بثبات داخل قلبي من المكان، تصدح الأغاني عاليًا، يرقص الجميع بصخب، ينتشر الخمر في المكان وكأنه مشروب غازي يتم تقديمه في عُرس، المكان لا يشبهنني البتة، لكنه بالنسبة لهن عادي لذا تنهدت مطولًا وقررت أن لا أنزع السهرة.

تبًا، ليتني بقيت أقرأ رفقة كريم الرواية.

- هيه غزل، اشتقت لكِ يا فتاة.

قالتها فتاة عربية من صديقات غزل بعدما صرخت بصخب بلغة إنجليزية ذات لكنة أمريكية، فحيتها غزل بشكل مماثل قبل أن تذهب معها رفقة جميلة لينضموا معها بالرقص.

- راحة فين؟!

قالها يعقوب بنبرة مهددة وهو يبتسم ببرود إلى شهد التي نظرت لغزل وجميلة أثناء رقصهم بمرح ثم تحركت ناحيتهم خطوتين في نية منها لمشاركتهم الرقص، فاستدارت شهد ورمقته بغيظ قبل أن تقول بتهكم:

- وغد .. هلبسك مصيبة من حيث لا تحتسب.

أضافتها بنبرة ماكرة وهي تعقد ساعديها أمامها، فضحك يعقوب بخفة ثم دس يده في إحدى جيوب باسل الذي ينظر تجاه جميلة وصدره يعلو ويهبط بعنف في غير ارتياح، أخرج يعقوب من جيبه حلوى العصا التي لا تفارق باسل ومد يده بها لها وهو يقول بنبرة ضاحكة:

- طيب وكده؟

- هعتبرها تصبيرة لحد ما تجيبلي كريب بالشيكولاتة والموز.

قالتها شهد بنبرة خبيثة وهي تأخذ منه الحلوى وتفتحها على الفور، فارتفعت ضحكته أكثر وهو يحرك رأسه بدون تصديق، ثم تلاشت ضحكته تدريجيًا حتى زمت شفتاه وتغضن أنفه عندما لاحظ نظرات شِلة الشباب الذين رأيناهم على البحر من قبل ينظروا إلى جميلة وغزل، ثم نظر البعض منهم تجاهنا وكأنهم قرروا تقسيمنا عليهم!

ضم يعقوب قبضة يده بشدة وتحفز جسده عندما تحرك أحد الشباب تجاه غزل وبدأ في الرقص أمامها ليشاركها ما تفعل، لكنها توقفت وعادت من جديد بسرعة عندما تقدم يعقوب كالقذيفة ناحيتهم ثم رفعت كف يدها أمامها كأشارة على عدم التدخل، فجزَّ يعقوب على أسنانه بقوة وعاد من جديد لموضعه.

_ لا أصدق ذلك؟! أوه، حتى في أحلامي لم أكن أظن أنني سوف أقابل أميراتنا المبجلة.

هتف بها بدون تصديق رجل كوري تقدم ناحيتنا فجأة عندما وقع بصره علينا حيث إنه كان يقف بعيد نسبيًا إلى شهد التي نظرت له بملامح متحيرة.

- أوه يا رجل ما هذا اللطف ريبر (Reaper) (حاصد الأرواح).

قالتها غزل بنبرة ساخرة وهي تضربه فوق كتفه، فضحك ذلك الـ ريبر بخفة قبل أن يعود لشهد من جديد:

- يبدو أن أميراتنا لم تعرفني، أنا القائد ريبر أصغر قائد في المملكة بعد أنوبيس.

- أظن إنك تعلم بشأن غيرة رجال العائلة الحاكمة على نسائهم "ريبر" لذا هلا ابتعدت من هنا؟

قالها باسل بنبرة جامدة إلى ذلك الـريبر فنظر له بابتسامة باردة وهو يحرك رأسه بالإيجاب قبل أن يبتعد بعدما رفع يده بتحية إلى شهد وغمز لها بطرف عينه.

- هيح، إيه العسل ده؟! جوزهولي بجد.

قالتها شهد بنبرة متغزلة به بعدما ابتعد عن نظراتها وهو تطلق زفير عالي ناتج عن حبس أنفاسها فنظر الثلاثة رجال لها آن واحد لكنها تجاهلتهم استطردت:

- أنا مش مصدقة نفسي، كوري وقمر ومافيا، كتير على قلبي، آه ده سرق قلبي ونبضاته.

أخرجت غزل صوت من حنجرتها يدل على السخرية وقالت بهزل بعدما تقابلت نظراتها بخاصة جميلة:

- مش إنت مش بتحبي الباد بوي اللي كل يوم مع واحدة؟ ده بقى الباد نفسه، مش كل يوم مع واحدة لا، كل يوم مع عشرة.

- أنا عايزة امشي.

قاتها نجمة بنبرة مختنقة مقاطعة الحديث إلى شهد وهي تمسك بذراعها بعدما نظرت للشاب الذي يرمقها بنظرات غير مريحة، جعلتها تختنق كمن يغرق داخل المحيط بعدما تحطمت سفينته.

حركت شهد رأسها بالإيجاب وهي تمسد ظهرها لتبثها الطمأنينة من جديد، وحركت رأسها تجاه باسل لتخبره بشأن الرحيل ثم سقط فكها عندما ابصرت رائف الذي أتجه ناحية الشباب ورفع الشاب الذي يضايق نجمة عاليًا فوق ذراعه وكأنه دمية قطنية ثم عاد بخطواته حتى توقف أمام نجمة.

_ ده ميتخفش منه.. ده، ارفعه بإيدك في الهواء ولفه وارميه على الأرض.

قالها رائف بنبرة مرحة ذات لكنة وكأنه أجنبي مقلدًا الشخصية في الفيلم ثم استدار بالشاب وهو فوق ذراعه وأداره وكأنه زجاجة وقذفه بعنف فوق الأرض تنفيذًا لحديثه تحت شهقاتنا التي ارتفعت عاليًا حتى قاربت الصراخ.

كان هذا الفعل بمثابة إطلاق أول رصاصة التي بدأت الحرب، ثم انفجر كل شيء، وصدح صوت التحطيم والصراخ محل الموسيقى، وكأن أم العريس توفيت في قاعة العرس فانقلب الفرح إلى جنازة.

_ مش عارف الناس العنيفة دي عايشة كده إزاي؟! ده غلط جدًا على الصحة.

قالها رائف ببراءة بنبرة غير مصدقة متصنعة ثم أخرج صوت من فمه يدل على النفي عدة مرات وهو يحرك رأسه بدون رضى إلى نجمة بعدما عاد ووقف جانبنا بهدوء وكأنه لم يفعل شيء، أثناء مشاهدته باسل الذي يضرب شابين ببعض وكأنه القرد الذي يصفق، ويعقوب الذي يحمل شاب عاليًا ثم قذف به فوق مجموعة من الشباب وكأنه كرة حيث صار الآن جميع الرجال بالمكان ضد باسل يعقوب.

بالطبع ماعدا القائد ريبر والمامبا الحامي له وشابين رفقته علمت إنهم من المملكة، فهم يجلسوا خلف البار يشربوا نوع من الخمر وهم يشاهدوا ما يحدث باستمتاع.

_ نزله.. سيبه.. بقولك سيبه.

قالتها شهد بنبرة صارخة إلى باسل الذي يرفع شاب من رقبته عاليًا فوق رأسه وهو يفرد ذراعه لفوق، والشاب يحرك قدمه المتدلية ليحاول تخليص حاله وكأنه سمكة معلقة بخطّاف، فحرك باسل رأسه بالإيجاب قبل أن يلقي الشاب أرضًا بعنف.

- حيوان .. بـس بـقى.

صرخت بها شهد بعدما شهقت عاليًا وضربت باسل بالحقيبة في صدره ثم ركضت للخارج، فزفر باسل بضيق عندما نظر لآخر شاب يقف على قدمه في المكان قبل أن يركض خلفها بضجر وكأنه تخلى عن دوره في لعبة العجلة الدوارة بسبب تأخر الوقت!

- هو ده الكيوت؟ هو ده بسكويت النواعم؟!

قلتها بنبرة ساخرة إلى غزل ونحن نخرج من المكان، فضحكت غزل بخفة وقالت بنبرة متباهية وهي تنتفخ بعزّة:

- حضرتك ده أقل حاجة عندنا.

ثم نظرت تجاه يعقوب الذي يمشي جانبها وهو يهندم ثيابه التي تبعثرت حالتها وشعره بشموخ وقالت بنبرة مرحة يحتل الفخر طياتها:

- بسم الله ما شاء الله عليك يا يعقوبي كسرت المكان، إحنا ناكل بقى علشان المجهود ده.

ضحك يعقوب بخفة وهو يفتح لها باب السيارة لتصعد بها ثم صعدت جانبها جميلة، فتحركت أنا تجاه سيارة شهد وجلست بجانب نجمة التي تجلس في المنتصف وهي تنظر تجاه شهد المتجهم وجهها بشدة وهي تعقد ساعديها أمامها.

فشهد لا تفضل العنف، هي فتاة طيبة على نقيضي تمامًا فأنا أشعر بالسعادة بسبب ما حدث في الحقيقة؛ يجب على جميع الوقحين أن يتم معاقبتهم بشدة

__________________________𓂀

في السابعة صباحًا.

توقفنا أمام منزل نجمة بالأسكندرية لتعود إلى عائلتها فهي الفتاة الوحيدة التي لم تعود بعد حتى الآن، بالأمس عادت جميع الفتيات لمنازلهن بعدما تم القبض على شمس بسبب ضغط كريم عليهم بالمقطع، فهو إِدَّعَى إن الفتيات معه حتى يتم إعادة الفتيات، فهم يبقونهم لديهم حتى تتحسن صحتهن لكن هن كذلك يحتاجن إلى عائلتهن.

لكن بالطبع تم تلقينهم ما يجب قوله وهو: لم أرى وجه من انقذني أو أي شيء.

لكن على كل حال هن لا يعلمن إن عائلة المُهيري مافيا، هن يعتقدن إن ليونار هو طبيب الطاعون.

_ هتوحشيني اوي يا شهد.

قالتها نجمة بنبرة باكية إلى شهد وهي تحتضنها بقوة أسفل عمارتها بعدما احتضنتنا جميعًا أولًا، فبكت شهد كذلك واخبرتها إن قلبها كذلك سيحترق شوقًا لها.

- شكرًا على كل حاجة عملتيها معايا، لو عندي أخت مش هتعمل كده.

قالتها نجمة بنبرة ممتنة لشهد بعدما فصلت العناق، فحركت شهد رأسها بالنفي قبل أن تضمها من جديد وهي تقول بنبرة لطيفة:

- ما أنا أختك بالفعل، إنتِ بقيتي أختي دلوقتي يا نجمتي وده حقك عليَّ .. لو خُفتي كلميني هجيلك علطول.

إضافتها وهي تحرك يديها من فوق خصلات نجمة للأسفل حتى وصلت إلى وجنتها بعدما فصلت العناق، فحركت نجمة رأسها بالإيجاب وهي تنظر لها بحب.

_ نـجـمـة.

هتف بها رائف بنبرة متوترة بعدما اتجهت نجمة إلى العمارة لتدلف للداخل، فاستدارت ببطء ورفعت نظرتها الخجولة على وجهه بتساؤل.

تقدم منها وأخرج دمية على شكل حرباءة خضراء مثل تلك التي كانت مع روبانزل في الفيلم، مد يده بها لها وهو يقول بعفوية:

- أنا كنت هجيب واحدة حقيقية بس الصغنن قالي إني متخلف وإنك بنت وهتخافي فجبت دي .. الصغنن ده بكر أخويا المقرب وإحنا بنقوله الصغنن علشان هو أصغر واحد، هبقى احكيلك عنه بعدين بقى

- شكرًا يا رائف تعبت نفسك.

قالتها نجمة بنبرة ممتنة بعدما ضحكت بخفة على عفويته وهي تلتقط منه الدمية بعينان تلمعان كالنجوم وكأن ضوءها عاد إليها من جديد.

ابتسم رائف برضى من هيئتها ثم قال وهو يشير للوزة التي يحملها فوق ذراعه كما يفعل دائمًا وكأنها جزء منه:

- لوزة عايزة تبوسك علشان بتحبك هي قالتلي .. بوسيها يا لوزة.

أضافها وهو يقرب لوزة ناحية وجه نجمة التي مدت رقبتها قليلًا وحركت رأسها جانب اليمين لتساعد لوزة على طبع القبلة، ففعلت لوزة المطلوب منها ثم اعتدل رائف وعاد خطوة للوراء ليرمق نجمة بنظرة أخيرة قبل أن تستدير و تدلف للمدخل بخطوات متلجلجة.

_ نجمة .. متنسيش اللي علمتهولك.

اضافها رائف بعدما هتف باسمها فاستدارت له من جديد ثم فسر حديثه عندما تقطب جبينها بدون فهم عن طريق إنحناء جسده للأمام ثم حمل شيء وهمي، رفعه للأعلى ثم اداره بعدما حرك يده في الناحية الأخرى بقوة وكأنه يلقي بيه للأرض، بعدها أخرج صوت من فمه يدل على الأنفجار، فصدحت ضحكة نجمة عاليًا ثم أسرعت للداخل بخطوات مهرولة وهي تصعد درجات السلّم مع صدوح صوت شهقاتها عاليًا بصدى بسبب الفراغ المحيط بها بعدما تبدلت حالتها فجأة بدون سابق إنذار.

بعد نصف ساعة تحركنا من المكان بعدما تأكدنا إن نجمة صارت الآن في أمان بين أحضان أمها.

__________________________𓂀

5: pm

استيقظت بجسد منتفض بعدما شعرت بنثرات المياه فوق وجهي، فتحت عيني بسرعة ليقع بصري على "نهى" التي تمسك بخاخ المياه الممزوجة بماء الورد الخاص بي حيث أنثر المياه منها يوميًا في جميع أرجاء الغرفة.

قلبت نهى فوق الفراش أسفلي بحركة سريعة عن طريق قدمي ثم اعتدلت ووضعت ركبتي فوق قفصها الصدري وأنا أهتف بتهديد مازحة على الرغم من أنني أريد صفعها بالفعل على الطريقة اللعينة التي ايقظتني بها:

- قبل ما تعملي حركة حقيرة زي دي لازم تعرفي إنتِ بتعمليها مع مين!

- جالك أكل من خالتك.

قالتها بنبرة مختنقة بسبب ضغطي عليها بوسطة قدمي وهي تنظر لي بخوف، فابتعدت عنها بسرعة وأنا أقول بنفاذ صبر منها:

- مقولتليش ليه من بدري؟ أنا جعانة اوي .. طيب سخنيه عقبال ما أصلّي علشان ناكل.

أضفتها وأنا انهض من فوق الفراش، فأمسكت نهى علبة المحارم التي تقبع فوق السرير جانبها وألقتني بها بوجه غاضب وهي ترمقني بنظرة مشتعلة، فضحكت عاليًا وأنا أتجه للخارج حيث يقبع المرحاض.

_ الرسالة دي جاتلك مع الأكل.

قالتها نهى وهي تمد يدها لي بظرف أحفظه عن ظهر قلب بعدما دلفت للمطبخ عقب إنتهاء صلاتي، فعلمت أن الطعام لم ترسله خالتي بل ابنها، ونهى ظنته من خالتي حيث إنها وجدت الطعام أمام الباب بعدما صدح رنين الجرس وعندما فتحت الباب لم تجد سوى صندوق كبير مصنوع من الورق المقوى وعندما حملته علمت إنه طعام بسبب السخونة التي انبعثت منه لراحة يدها.

ناولتني نهى صحنين من الأرز لأخرج بهم من المطبخ للخارج حتى طاولة الطعام ثم لحقت بي وهي تحمل طاجن من الفخار تستقر داخله حلقات البطاطس الدائرية غارقة بالصلصة الحمراء رفقة الدجاج.

- هو ده الكلام، بلا كرواسون وبلا كوكيز.

هتفت بها بنبرة مرحة وأنا أسكب بعض البطاطس فوق الأرز بعدما شعرت بطعمها يسيل داخل فمي قبل حتى أن أبدأ في الأكل.

- خدي دي، كانت ملزوقة على الطاجن

قالتها نهى بنبرة خجولة مع ارتسام بسمة خبيثة على وجنتها أثناء مد يدها لي بورقة صغيرة وهي تجلس فوق المقعد جانبي، فنظرت لما خُطّ داخل الورقة حيث كُتب بخط منمق.

⟪ ليتني أذوب معك في رقصة متناغمة كما تذوب البطاطس في صلصتها الحمراء.

سابقًا قاومتكِ بقلب صلب كالبطاطس لكن حبك مثل الصلصة الملتهبة، أذعنت قلبي لها وصار لين، هش، تغلغلتي داخله بالكامل⟫

تنهت بعمق ودسست الورقة داخل جيبي ثم أمسكت المعلقة بين أناملي، وضعت معلقة من الطعام داخل فمي حتى شعرت ببراعم التذوق فوق لساني ترقص رقصة الهنود الحمر من فرط الأستمتاع، لكن شعرت إن هناك شيء غريب في الطعم.

هي بطاطس خالتي بالضبط لكن هناك مكون مضاف إليها أو طعم دخيل يشعرني إنها ليست ما كنت آكله بشكل أسبوعي تقريبًا طوال حياتي، هذا غير إن رصة البطاطس منمقة للغاية، وكأن خالتي لم تطبخها هي.

بالتأكيد مراد لم يتنازل ويدخل المطبخ ليطبخها لي بنفسه، هل يدخل الرجال المطبخ؟!

اللعنة وما دور النساء، إذا تنازل جلالة الملك ودلف للمطبخ؟!

تبًا ماليكا، ما هذا يا فتاة؟
إن الرجل أحضر لكِ طعام وإنتِ تسخرين منه مثل القطط ناكرة الجميل!

حسنًا مراد أنا آسفة للسخرية منك على الرغم من إنك وغد حقير كسرت قلبي لكن سوف أعفو عنك الآن من أجل هذا الطعام.

صنعت شاي أخضر بعد نصف ساعة من انتهائي من تناول الطعام ودلفت للشرفة كالعادة فهي جزءً مني، لا أعلم كيف يمكنني العيش دون شرفة؟!

أخرجت الرسالة من المظرف الرملي ذو الطراز القديم وأخرجت الورقة محترقة الأطراف كالعادة، ارتشفت رشفة من الشاي قبل أن أقرأ من كُتب بها

⟪ مرحبا بالغجرية.
اشتقت .. فقط اشتقت
كنت أرغب في الأسهاب في وصف مدى شوقي لكِ، لكن لم أجد كلمات يمكنها وصف النيران داخلي .. أنا اشتعل ماليكا.

حبك كبخار أسود هام فوق رأسي ودخل من فمي وتلبسني كالأشباح في أفلام الرعب، امتزج بي، صار جزءً مني، تخلل لكامل أوصالي، ويتلاعب بي كروح شريرة.

أنا خائف ماليكا، حبك يأكلني لدرجة تجعلني أفكر في أشياء بغيضة، أنا أرتعد، كل انملة داخلي ترتعد.

لا أعلم لمتى يمكنني قبع هذا الوحش داخلي، حتى لا يُنفذ ما يفكر به ويحبسكِ أعلى برج ما حتى تقعي بحبي.

احبيني ماليكا، لماذا لا تحبيني؟
حسنًا، لا تحبيني، لكن خلصيني منك.
كيف السبيل للتحرر من روحك التي تلبستني؟

حرريني ماليكا أرجوكِ، حرريني من سحرك. ⟫

تبًا لك مراد، وتبًا لسارق التوت.

أشعر برغبة عامرة في الضحك سخرية من الموقف، لقد أحببت مراد وظللت أحبه وهو جاف التعامل، ماذا كان سيحدث إن لم يكن جاف؟

حسنًا، أعلم إننا لم نتزوج ولم نتبادل كلمات الغزل، لكن أعلم يقينًا إن مراد لا يمكنه قول هذا، إنه صديق سنوات عمري كلها، أحفظه مثل ما أحفظ حالي.

ظهرت رسالة من عامر على شاشة هاتفي التي أضاءت بفعل وصول الرسالة، قرئتها من الخارج حيث بعث.

" وحشتيني♡"

" إنت عارف إني مش بحب الكلام ده، اتعدل"

رددت بها على رسالته بعدما شعرت بغليان الدماء داخل جسدي، لقد أخبرته أنني لا أحب هذه الكلمات مثل: أحبك، اشتقت لك، وهذا الكلام المائع الذي لا يليق بعلاقتي معه.

" آسف، مكنش قصدي اضايقك.
أنا بس مشاعري أتحكمت فيا.
تيجي نخرج؟"

ارسلها خلف بعضها فشعرت بتصاعد البخار من جسدي بحدة أكثر بعدما خمد قليلًا بسبب رسالته الأولى، وأمسكت الهاتف وكتبت الحروف بسرعة وعنف وكأنني أرى وجهه محل شاشتي البريئة من أفعالي.

" نخرج؟
واللهِ؟
مش إحنا اتكلمنا قبل كده في الموضوع؟
هخرج معاك بصفتك إيه؟"

_ ما هو كدة كتير يا ماليكا، أنا مش عارف أشوفك خالص، سيبتي الشغل معايا وبتخلصي وتطلعي علطول، ومش عايزة تخرجي معايا.

قالها عامر بنبرة منفعلة قليلًا عن طريق رسالة صوتية، فاغلقت الهاتف ولم أجيبه، لأتخذ من هذا ردًا على وقاحته حتى لا أسبه سباب لم تخرج من فمي من قبل.

نهضت من مجلسي وبدأت في غناء الأبتهال المحبب لقلبي " أغيب وذو اللطائف لا يغيب"

تذكرت صوت ليونار وأنا بالمنتصف عندما قالها وأنا جانبه في السيارة، كان صوته ساحر بالفعل، صوت مميز بشدة لا يمكن أن لا يعجبك، ثم ضربت رأسي بغتة تلك الذكرى.

لقد تذكرت متى حدث مثل هذا الموقف الذي اخبرته عنه وسخر مني وقتها، كنت أعلم أن ما حدث ليس ظاهرة الديجاڤو، حدث هذا عقب وفاة أمي بشهر تقريبًا عندما كنت أتخذ من البكاء عملي اليومي المستمر للأبد، لقد كنت ابكي كل يوم بالشرفة.

وفي أحد الأيام عندما ارتفعت شهقاتي التي قاربت الصراخ، كان اليوم من أسوأ الأيام التي مرت عليَّ، كانت أشعر إن الأشتياق سيخ مشتعل اخترق صدري.
سيطر عليَّ الوسواس وقتها، نزلت عليَّ بسياط الأفكار واحدة تلو الأخرى.

ليس لك غيرها، وأُخذت منك.
لماذا حدث ذلك معك؟
الله يعاقبكِ بسبب ذنوبك التي تثقل كاهلك.
كيف ستمر حياتك بعد ذلك؟
لن تستطيعي الأستمرار.
العالم كده ضدك ماليكا.
لن يحدث إن تصبحي بخير.
مراد انتهي، أمك تركتك.
إنت وحيدة .. وحيدة .. وحيدة ماليكا.

وضعت يدي فوق أذني لأوقف صخب أفكاري وصرخت بملأ صوتي في سكون الليل الذي ساعد صرخاتي في أن يتضاعف صوتها، ثم سمعت صوت من الشارع لشاب يقول جزء من الأبتهال المححب لقلبي.

❞ أَغِـيـبُ وَذُو الـلَّـطَـائِـفِ لَا يَغِيبُ
وَأَرْجُـــوهُ رَجَـــاءً لَا يَـــخِــيــبُ

فَــكَــمْ لِــلــهِ مِــنْ تَــدْبِــيـرِ أَمْـرٍ
طَـوَتْـهُ عَـنِ الْـمُـشَـاهَدَةِ الْغُيُوبُ

وَمِــنْ كَــرَمٍ وَمِـنْ لُـطْـفٍ خَـفِـيٍّ
وَمِــنْ فَــرَجٍ تَـزُولُ بِـهِ الْـكُـرُوبُ ❝

لم أدري وقتها ماذا يحدث؟
أو إن هناك أحد قال الأبتهال، كان الحزن يخدر عقلي ويشل تفكيري كما يحدث عادتًا عندما أدلف لهذه المنطقة من الأنفجار، فقط شعرت بهدوء جزئي وأكملت باقي الأبيات دون وعي مني في نفس الوقت الذي توقف هو به عن الترديد.

❞ وَمَــا لِــي غَــيْـرُ بَـابِ الـلـهِ بَـابٌ
وَلَا مَــوْلًــى سِــوَاهُ وَلَا حَـبِـيـبُ ❝

حل السكون بعدما انتهيت من الأبتهال، شعرت بوخز خفيف بقلبي مع شعوري بالخواء، اغمضت عيني لثواني ثم فتحتها ونهضت من فوق الأرض بسرعة عندما استوعبت ما حدث معي.

جلت بنظراتي على كل شيء أسفل منزلي لكنني لم أرى الشاب، تلاعب بي عقلي أنني اتوهم لكن خالتي التي هبطت في نفس اللحظة التي استدرت بها بعدما لم يسفر بحثى على شيء، أكدت إن هناك شاب قال الأبتهال في نفس اللحظة التي خرجت هي بها للشرفة عندما سمعت صرختي لتتأكد إنها أنا حتى تهبط لي.

حمدت الله على الصدفة الغريبة التي جعلت شاب يمر من أسفل شرفتي وهو يغني الأبتهال.

لقد ارسله الله لي ليربت على قلبي برحمة منه.

" أنا آسف، ممكن متزعليش؟"

ارسلها عامر كما يفعل عادتًا عندما يفعل شيء لا يرضيني، فتنهت بعمق قبل أن أبعث له إن لا بأس.

إلى متى سوف تستمر علاقتك هذه ماليكا؟

لا أعلم، لكنني لا أسمع صوت خفقات قلبي عندما أتحدث معه؛ ولا أعتقد إن ذلك المضخ بمنتصف صدري سيفعلها من أجله.

__________________________𓂀
في اليوم التالي.

جلست أمام مكتب ليونار لنتناقش في الأجتماع المهم الذي سينعقد بمنتصف اليوم، وجلس نيلان في المقعد المقابل لي بوجه متجهم، شارد الذهن، يحرك رأسه بالإيجاب فقط على كل حديث ليونار ويظهر عليه إنه لم يستمع لأي هراء يحدث حوله.

- مالك؟ هي سابتك؟

قالها ليونار بنبرة متسائلة وهو يبعثر نظراته القلقة على صفحة وجه نيلان الذي اضطربت معالمه أكثر وأغمض عينه ببطء مع إعادة رأسه للخلف بألم بعدما عاد بظهره للخلف، ثم فتح عينه ببطء وقال بصوت متهدج:

- المشكلة مش في إنها سابتني .. المشكلة إن من ساعة ما "أكرم" اتقتل قدام عيني وأنا معرفتش أعمله حاجة وسعادتي ماتت معاه .. كنت عارف إني عمري ما هحس بالسعادة تاني.

صمت لبرهة ليتحكم في تهدج صوته الذي ارتعش عندما ذكر اسم "أكرم" (الابن الأكبر لصالح) ثم تنهد بعمق قبل إن يستطرد:

- وفجأة من وقت ما دخلت حياتي وأنا بقيت مبسوط، روحي رجعتلي تاني .. وأنا حبيت الإحساس، مكنتش أعرف إن قلبي هيوجعني أوي كده لما تمشي، حسيت إن جرح الخنجر اتفتح تاني ولسه بينزف.

نهض ليونار من مقعده ولف حول المكتب ثم سحبه من يده حتى وقف على قدمه وضمه في عناق أخوي قوي، ثم قال بنبرة مؤكدة وهو يزال بموضعه:

- أقسم لك أن أعيد سعادتك إليك أخي، وأن كان هذا آخر شيء أفعله في حياتي، أعلم من الفتاة .. أنا أعلم ماذا فعلت أيها الوغد تبًا لك، كيف يمكنك الأرتباط بامرأة متزوجة؟ هل هذه شيم الرجال أيها الأرعن؟

اضافها بنبرة حانقة وهو يبتعد عنه ثم رمقه بنظرة مستحقرة من أعلى رأسه حتى أسفل قدمه، فأخرج نيلان صوت ساخر من فمه وهو يحرك رأسه بدون تصديق ثم قال بنبرة محتدة:

- لقد فعلت ذلك من أجلك أيها الوغد، ألم تكن تريد مواجهة صافي المالكي؟ إجلال حظرتني لذا تصرفت.

- هيه، لا تضحك على حالك أخي، أنت احبتتها منذ المرة الأولى التي وقع بصرك عليها، وتلاعب بك شيطانك ليوصلك لتلك النتيجة .. أنا أريد المواجهة وإنت تريدها، لذا تقنعها بطلب الطلاق، أنا أدافع عنها وأنت تتزوجها بدلًا مني من خلف ظهر الجميع .. صفقة رابحة هنيئًا لك.

قالها ليونار بنبرة ساخرة يشرح له ما كان يفكر به نيلان عندما أرتبط بها، ثم صفق بكفيه عدة مرات وهو يعود للمكتب من جديد لنكمل الحديث عن العمل، فمسح نيلان وجهه بتعب وجلس من جديد بعدما تنهد بعمق قبل إن يقول بعيون شاردة:

- عارف إني قذر، بس هو يستحق كده، كلهم يستحقوا كده، أنا كنت نضيف، هادي وبرئ، هما السبب، هما اللي عملوا فيا كده .. حبيتها؟ آه حبيتها، كنت عايز أنقذها منه ونطلع كلنا كسبانين، ما هي كمان ملهاش ذنب ده واحد اتجوزها غصب عنها، بس هي جبانة، مقدرتش تدافع عن نفسها ولا ادتني فرصة أدافع عنها.

حل الصمت على المكان إلا من صوت قداحة ليونار اللعينة حيث يفتحها ويغلقها، والذي يستخدمها فقط ليلهب أعصابي فهو لا يدخن إلا مرات نادرة بشدة.

نفثت الهواء من منخاري بشدة للسيطرة على حالي في عدم الصراخ بوجهه ثم أطلقت شهقة خافتة مع اهتزاز جسدي عندما فُتح الباب فجأة بعنف أصدر صوت ارتطام عقبه دلوف شهد بوجه ملتهب من الإحمرار وكأنها بركان سيحرق العالم.

دلف خلفها الشاب الذي يُدعى "بكر" بملامحه المميزة حيث إنه قمحي البشرة ذو خصلات مبعثرة سوداء، ويمتلك بؤبؤا عين مختلف، حيث واحد بلون القهوة والبؤبؤ الآخر نصفه أزرق ونصفه بلون القهوة في منظر يجعلني أقف ساهمة من إبداع الخالق.

- بكر! إنتِ اتخانقتي مع باسل؟

هتف بها ليونار بتساؤل بعدما نظر إلى بكر الذي جلس فوق الأريكة بوجه يحتل الحزن قسماته، فحركت شهد رأسها بالموافقة بعدها سردت له بصراخ وهي تتنفس بعنف وتمشي ذهابًا وإيابًا في المكتب بخطوات متشنجة، وكأنها تعيد الحدث داخل رأسها من جديد وهي تحكي ما حدث قبل أمس من قِبل يعقوب وباسل ورائف حيث إنه لم يعود أمس للمنزل بسبب بياته عند أمه في منزل الحاوي، ثم انهت حديثها بقول:

- وبعد كل ده هو اللي زعلان علشان ضربته بالشنطة في بطنه وزعقتله قدام الناس؟! واللهِ؟!

- يعني ينفع تزعقيله قدام الناس وتضربيه؟

قالها ليونار ببساطة تعقيبًا على كل ما قالته مما أدى لإشتعالها أكثر وإحمرار وجنتيها بشدة مع تناثر خصلاتها الحمراء المتناثرة حول وجهها مما أعطاني إحياء إنها كتلة من الجمر المشتعلة، ثم انفجرت في وجهه بكلمات صارخة أثناء ألقاها أي شيء تطاله يدها من فوق المكتب عليه.

- جميعكم حفنة من البلطجية الاوغاد الذين لا يتفاهموا بشيء سوى الذراع .. الجميع يخاف مني، لقد أحلتوا حياتي جحيمًا.

- بانكيك؟!.

قالها ليونار بتساؤل ردًا على كرات اللهب التي قذفت بوجهه ودمرت كل شيء بالمكتب، فنظرت له بضيق وهي تقطب جبينها، ثم هندمت خصلات شعرها الحمراء التي أصبحت مثل منفضة الريش بسبب فرط حركتها وقالت بوقار:

- بالنوتيلا وآيس كريم فانيليا بس خليه يحطه في كاب لوحده علشان ميسحش.

ضحك ليونار بعدها عبث بهاتفه ليطلب لها الكعك في نفس الوقت التي اقتربت مني وضمتني بشدة كما تفعل عادتًا ثم رمقت نيلان بنظرة غير راضية، فأخرج صوت ساخر من فمه قبل أن يقول:

- سابتني، ارتاحي.

ضحكت بخفة عليه قبل أن تعود لي من جديد وتخبرني بأنها سوف تعمل هنا في الشركة معي كمفاجأة.

أرتعد ليونار في مقعدة كمن وقع على قدمه ماء مغلي ونظر لها بعينان متوسعتين على محجريهما قبل أن يقول بطريقتة التراجيديا صارخًا:

- يا ويلتي لماذا؟! لماذا يا شمطــاء؟ سيحيل عمي حياتي جحيمًا أكثر، وكأنه كان ينقصني هذا؟! اللعنة .. إذا عدتي متعبة من العمل سيعلقني بالسقف رأسًا على عقب .. لن يحدث هذا إلا على جثتي، سأخبر عمي إن الشركة مليئة بالرجال الوقحين ولن تخطيها برجلك ثانية.

- هديك خمس ثواني تفكر في كلامك علشان لما أحيل حياتك جحيمًا بجد في البيت محسش بالذنب...واحدة.. اثنين.. ثلاثة.. أربعة.

قالتها شهد بنبرة باردة أوهجت أعصابه، وهي تنظر له بثقة مع رفع حاجبها الأيسر أثناء عدها على أصابع كفها المفرود جانبها، فرمقها بنظرة حانقة وهو يضغط على شفته السفلية قبل أن يقول:

- حسناً، إيتها الشمطـــاء .. الجحيم إنتِ ولنساء العائلة .. يا اللهي لماذا يحدث كل ذلك معي؟
كل ما أريده فقط العيش بسلام بعيدًا عن هذه الشمطاء.
الأ يكفيني تلك الساحرة الأخرى التي تتحفز لقتلي كل ثانية؟
أنا لم أفعل لهما شيء.
أنا لطيف .. آه، أنا ألطف من وحشة العالم.
آسف لقلبك ليو.

قال باقي كلامه بميلودرامية وهو يرفع يده للأعلى ويتصنع النحيب بعدما رمقني بنظرة من طرف عينه عند ذكر الساحرة، فعلمت إنه يقصدني أنا، ثم عاد لحالته الطبيعة عندما انتهى المشهد ورفع سماعة الهاتف السوداء فوق أذنه، أخبر سعاد السكرتيرة بمرافقة شهد حتى ترى ماذا تريد أن تعمل؟

- مالك يا صغنن؟

قالها ليونار بنبرة قلقة إلى بكر بعدما خرجت شهد رفقة سعاد، فحرك بكر رقبته تجاهه دون تحريك أي شيء آخر بجسده وكأنه ميت حي ثم قال بثقل:

- قرأت الجزء الجديد من الرواية الورقية .. شهد الشمطاء قتلت ليكاتا.

- وما شأنك أنت؟! إنها حبيبتي أنا أيها الوغد.

قالها ليونار بنبرة متهكمة بعدما فتح ثغرة بتشنج، فأخبره بكر ببرود إنها حبيبته هو مما أدى لأنتفاض ليونار من مجلسه واقفًا كالصاروخ وقال بنبرة صارخة بحُرقة:

- اللعنة، إنها حبيبتي أنا فقط، وإن فكرت بها ثانيًا سأقتلنك وأصنع من جمجمتك مزهرية أقدم لها بها الورود.

- لا يا بابا هي حبيبتي أنا والبطل اسمه بكر ونفس ملامحي حتى عيوني بالتفصيل .. ها.

قالها بكر بنبرة متهكمة وهو يضع يده فخصره، فأخرج ليونار صوت حانق من منخارة كثور هائج قبل أن ينهض راكضًا تجاه بكر ويقفز فوقه وهو جالس مما أدى لأنقلاب الأريكة للخلف بكلاهما.

اعتدل بكر وجلس فوق صدر ليونار وهو يكل له اللكمات، فثبت ليونار يد بكر اليسرى وصد اللكمة التي كانت في طريقها للكمه باليد اليسرى وقبل إن يعود بكر ليلكمه في المرة الثانية، أمسك يده وضغط باليد الأخرى على مفصله وقلبه في حركة سريعة، فصار هو الآن يجلس فوق صدر الآخر.

- وغد، أخبرتك إنها حبيبتي أيها الأرعن، اعترف إنها حبيبتي .. اعترف.

هدر بها ليونار من بين أسنانه وهو يمسك رقبة بكر بكفيه يخنقه، فأمسك بكر يد يونار وبيده الأخرى رفعها من بين ذراعي ليونار حتى وصلت لوجه وأمسكه كالأخطبوط وضغط عليه ثم قلبه جانبًا.

- حبيبتي أنا.

صرخ بها بكر ليعتدل ليونار وتبدأ الجولة الثانية تحت نظراتي المذهولة.

هل هذا الشجار من أجل بطلة خيالية في رواية؟!

_ أكثر حاجة بتميز عيلتنا النقاش السِلمي واحترام رأي الآخر.

قالها نيلان بنبرة رزينة بطيئة وهو يحرك رأسه بوقار أثناء ضم كفيه ببعض عند موضع صدره وكأنه رئيس دولة يلقي بخطابه في حدث مهم.

- إيه الصوت ده؟

قالها ليونار بنبرة متحيرة وهو يمسك بقدم بكر التي كانت في طريقها لصدره عندما صدح صوت بكاء طفل صغير من الخارج، فترك قدم بكر وركض للخارج ولحقنا به وكلما اقتربنا من وضع الصراخ أرتفعت حدة الصوت أكثر حتى وصلنا إلى مكان حيث يتجمع الموظفين حول إحدى الموظفات التي تحمل طفل صغير فوق ذراعيها وتهدهده في محاولة يائسة لإيقاف بكائه.

وتقبع فوق المكتب طفلة أخرى تبدو في الرابعة، ترتدي فستان برتقالي وتفرد خصلاتها الغجرية التي تشبه خاصتي وتضع طوق مطاطي باللون البرتقالي في منتصف شعرها، وترتدي حقيبة ظهر بيضاء على شكل أرنب.

- إحنا في الشركة ولا حضانة الأمل.

قالها ليونار بنبرة ساخرة إلى نيلان بعدما بعثر نظراته على الطفلين، فانتبهت الأم له عندما لاحظت وجوده ثم اعتذرت عن جلب أطفالها للعمل بسبب إغلاق الروضة الخاصة بهم اليوم لظرفٍ طارق، وعدم قدرتها عن التغيب بسبب إجتماع اليوم المهم وهي لم تنتهي بعد من العمل.

- مفيش مشكلة، خلصي إنت شغلك وإحنا هنهتم بكتاكيتك.

قالها ليونار بنبرة لطيفة وهو ينظر للصغيرة التي سلبت نظراته بابتسامة واسعة ثم تقدم منها ومد لها كف يده.

فنظرت الفتاة لأمها التي حثتها على إمساك كف ليونار ثم غطس كفها الصغير داخل خاصته العملاقة التي تشبه خاصة "هالك" بالنسبة لها، وهبطت من فوق المكتب ثم خطت جواره تجاه مكتبه بخطوات مهتزة.

أخذ نيلان الطفل الصغير من المرأة بهدوء وإتجه به لمكتبه الخاص وتبعته شهد التي تبتسم بإتساع بعينين أضاءت كمصابيح وهي تسحب عربة الطفل الصغير تجاه المكتب.

- خليكِ مع نيلان في المكتب ممكن يحتاجك.

قالها ليونار بهدوء لي بعدما تبعته إلى المكتب حيث اقضي يومي، فهو لم يجلب لي مكتب حتى الآن، ويبدو إنه قرر أن أتخذ من أريكته مكتبي، في بادئ الأمر أردت لكمه لكن الأريكة مريحة بحق وأنا لن أتنازل عنها الآن.

- ما هو معاه شهد، إنت اللي ممكن تحتاجني.

قلتها بنبرة متعقلة وأنا أنظر للصغيرة بعدما فكرت في إنها ربما تحتاج لي في أي شيء بعدما غفلت لبرهة عن كونه يتعامل مع الأطفال أفضل مني.

قال ليونار بهدوء وهو يبتسم ابتسامة لم تريحني بالمرة:

- لا مش هحتاجك، ممكن تقعدي في مكتبه أو في أي مكان تاني.

حركت رأسي بالموافقة على مضض وخرجت من المكتب بخطوات مهتزة بعدما شعرت بالقلق على الصغيرة وتلاعبت الأفكار السيئة بعقلي حتى صورت أبشع المناظر أمام عيني.

نفضت الفكرة عن رأسي بعدما تنهدت بعمق ودلفت لمكتب نيلان، جلست جانب شهد على الأريكة ونظرت إلى نيلان الذي يضع الصغير بعدما توقف عن البكاء فوق صدره ويهدهده بحنان مع ترتيله بكلمات اغنية أطفال خاصة بالنوم.

سحب نيلان العربة ووضع بها الصغير بعدما ذهب في سبات عميق وهو يضع إصبعه في فمه، ثم تنهد بعمق وهو يبعثر نظراته عليه قبل أن يعود معتدلًا من جديد بابتسامة هادئة تلاشت ببطء عندما وقع بصره عليَّ وكأنه رآني الآن ثم هتف بنبرة قلقة:.

- متقوليليش إنه هو اللي قالك تيجي وخد البنت ودخل المكتب.

تبًا، هل هو بيدوفيلي؟!
ماذا سيفعل بها؟!
كنت أعلم هذا، علاقته بالأطفال ليست طبيعية.

شعرت بأن قلبي قد خُلع على الصغيرة، ونهضت بجزع من مجلسي وركضت للخارج بسرعة العدائين، واقتحمت المكتب كدبابة مصفحة جاهزة لإطلاق خزيرتها كلها في وجهه ثم تجمدت بموضعي من ما رأيت.

الصغيرة تجلس على المقعد الخاص به خلف المكتب، بعد أن وضع وسادة أسفلها حتى لا تغرق بالمقعد، ترتدي رابطة عنقه الرمادية، ويجلس ليونار على ركبته فوق الأرض أمامها، يحمل في يده فرشاة طلاء أظافر أحمر اللون ويقبع كفها فوق يده الأخرى.

- تباً لكِ ماليكا لقد خربتي ما أفعله بدلوفك هكذا كضابط شرطة يداهم منزل مشبوه، للجحيم أنتِ ولنساء العائلة.

صرخ بها لي بسبب الطلاء الذي لطّخ إصبع الصغيرة بالكامل عندما دلفت هكذا فجأة مما أدى لأرتعاده إهتزاز يده.

جلس نيلان الذي لحق بي فوق المقعد أمام المكتب وقال بنفاذ صبر:

- عندنا إجتماع مهم مش وقت لعب.

- إلغيه.

قالها ليونار ببساطة وهو يبلل محرمة بيضاء بالسائل الخاص بإزالة الطلاء بعدما أخرجه من حقيبتها ثم بدأ في مسح إصبعها الصغير به.

- أعمل إيه يا عنيا؟!

قالها له نيلان بنبرة متهكمة بصوت عالي تعقيبًا على حديث ليونار السابق، فرمقه ليونار بنظرة غير راضية ثم حرك أنظاره ناحية الفتاة وكأنه يعنفه على ما قاله أمامها بعدها عاد لما يفعله من جديد بتركيز شديد وهو يضع الفرشاة ببطء فوق ظفرها بأنامل مرتعشة وكأنه يقوم بوقف تفعيل قنبلة قبل الأنفجار.

- حلو؟

قالها ليونار بتساؤل للصغيرة التي تدعى "كارما" بعدما انتهى من طلاء جميع أظافرها، فرفعت كارما كف يديها أمام عينها تنظر له بتفحص ثم وضعته أمام فمه وقالت بنبرة طفولية:

- مش بطّال .. أنفخ فيه بقى.

- ماشي يا لمضه.

قالها بنبرة مازحة بعدما ضحك بخفة ثم بدأ في النفخ فوق أظافرها حتى يجف الطلاء أسرع، فبدأت هي بسرد قصة حياتها له كما يفعل جميع الصغار تقريبًا بتلقائية:

- عندي قطة اسمها بوني بحبها اوي وبلعب معاها إنت عندك قطة؟.

- خلينا نقول آه عندي قط، اسمه سكار كنت عايز اسميه عنتر بس فارس أخويا قالي إن سكار هيليق عليه أكتر علشان عنده ندبة في عينه الشمال.

قالها ليونار بنبرة هادئة شارحًا لها، فضحكت أنا بسخرية داخلي حيث هذا الـ سكار ما هو إلا أسد حقيقي وليس قطة، لقد رأيت عدة مقاطع له على صفحة غزل فهو مروض أسود مثلها كما أخبرتني.

لكنه لا ينشر ذلك، غزل هي التي تنشر مقاطع لها مع النمور والأسود، تبًا، إنها نشرت أمس مساءً مقطع لها تسبح رفقة سبعة نمور بشكل جعل فكي يسقط!

لقد كنت أظن أنني قوية قبل رؤيتها!

- إنت عندك أخوات؟

حرك ليونار رأسه بالإيجاب وثم أخبرها جميع أسماء أخواته بعدما سألته، حتى فغرت ثغرها من عددهم الكبير حتى وصل إلى اسم شهد اخيرًا، فقالت له بتساؤل من جديد:

- بتحب مين أكتر حد؟

- بحبهم كلهم.

قالها ليونار بنبرة صادقة، فحركت كارما رأسها بالرضى قبل أن تبدأ هي في الحديث من جديد وتخبره عن إخوتها حيث إنها تمتلك أخت أكبر منها في المدرسة الآن وهي تحبها كذلك على الرغم من إنها تركت باب قفص العصافير مفتوح عندما كانت تضع لهم الطعام مما أدى لطيران "مشمش"

فبكت كارما بشدة على فقدانه لكنها مازالت تحب أختها لأنها لم تقصد ذلك كما إنها بكت كذلك.

- عندك صورة مشمش .. طيب ابعتهالي.

اضافها ليونار بعدما حركت الصغيرة رأسها بالإيجاب ثم أمسكت هاتف أمها الذي معها وعبثت بها حتى تبعث له صورة هذا "المشمش" بسعادة بالغة بعدما أخبرها، إن لديه صديق تذهب له العصافير التي تطير وهو سيبعث له حتى يعيده.

- بجد يا ليو؟

قالتها وهي تضمه بعدما أحاطت رقبته بيديها عقب إرسالها الرسالة له عندما صدقت بشأن صديقه بتفكير طفولي مذيب للقلب، فرفع ليونار يده وحاوطها برفق حتى لا تتكسر بين ذراعه وهو يقول بحب:

- وأنا بحبك قد البحر وسمكاته .. في حياتي التانية بنتي شبهك.

- إنت عندك بنت؟

قالتها بدون تصديق بعدما فصلت العناق فحمحم نيلان بخشونة و هو يزجره بنظرة حانقة غير راضية على ما قاله للصغيرة.

ابتسم ليونار ببلاهة وأمسك هاتفه ليعالج هذا الخرف الذي قاله واقترح عليها تصوير مقطع تمثيلي على إحدى مواقع التواصل الإجتماعي "تيك توك"، فوافقت بحماس وهي تقفز بمقعدها.

أعطى نيلان الهاتف، وخرج ليونار من المكتب وجلب نظارة من أحد الموظفين وعاد من جديد وهو يضحك بانتصار، وتقدم منها ألبسها إياها بعد أن استقروا على المشهد الذي سيقوموا بتمثيله.

جلست كارما بوقار على مقعد مكتبة وهي تضع بعض الملفات أمامها فتقدم منها ليونار بتوتر بعد أن ابتعد خطوات للوراء، ثم بدأ المشهد وقال بنبرة تمثلية يقلد فيلم الرسوم المتحركة:

- صباح الخير يا روز..
يا صفايح القواقع البحرية.
إيه نظام التخويف النهاردة؟!.

قالها ليونار بنبرة مرحة وهو يمد يده ويضع إصبعه فوق الملفات ليسحبها، فوضعت كارما يديها فوق الملفات فجأة وقالت له بنبرة حانقة طفولية:

- وشــوشــني .. مقدمتش تتارير الشغل إمبارح.

- يادي تقارير الشغل.. تقارير .. في حاجات مهمة في الحيـاة.

قالها ليونار وهو يصنع بإصبع سبابتة شكل دوائر فوق الملفات ويقلّب عينه بعدما كبت بسمته عقب حديثها، فضيّقت كارما عينها وقالت له بنبرة مهددة بعدما انحنت للأمام قليلًا:

- الموضوع ده ميتــررش.

- حاضر .. هحاول بعد كده أخد بالي.

قالها ليونار بنبرة متوترة وهو يسحب الملفات من تحت كف يدها المنبسط حتى نجح في ذالك وابتعد عنها، فقالت له بنبرة مهددة وهي تلمس نظارتها:

- أنا حطــات في دماغي، وبراتبــت .. وهرتبــت.

__________________________𓂀

بعد مرور ساعة تقريبًا من رقص ليونار رفقة الصغيرة بحماس واللعب معها وكأنه بنفس عمرها بطريقة جعلتني أشعر بالدهشة من إندماجه مع الصغار بهذه الطريقة الغريبة.

هل لديه انفصام بالفعل وهذا ليو صغير السن؟

خرج ليونار ووقف بمنتصف الشركة، تقف أمامه كارما ويضع يده على كتفها ويقف خلفه مباشرة نيلان يضع كفيه فوق كتف ليونار بعدما قررت كارما لعب لعبة القطار.

هتف ليونار للموظفين بصوت عالٍ حتى يصل للجميع بطريقة تشبه مضيفة المطار بعدما تذمرت كارما من قلة عدد الأشخاص أو القطار كما تقول:

- على جميع السادة الموظفين الرجال التوجه لركوب القطار، ومن لم يلتحق به، سيتم خصم اليوم من راتبه.

نظر جميع الموظفين له بدهشة لم تدوم طويلًا ثم في ثواني كان جميع الرجال يقفوا خلف نيلان تباعًا بعدما هرولوا للألحاق به.

خرجت شهد من مكتب نيلان وقفت جانبي وهي تحمل هاتفها المجهز على التصوير ثم ضغطت زر التشغيل عندما تحركت كارما بالقطار تدور حول المكاتب الصغيرة الملتصقة ببعضها البعض مثل كابينات وهي تغني بمشاركة ليونار وجميع الموظفين يقولوا خلفهم "توت توت"

❞ توت توت توت توت
توت توت توت توت توت (الجميع)

"قاطرة تعبر نحو الساحة
وبحبة فيها ورواحة" (كارما)

" قاطرة تعبر نحو الساحة
وبحبة فيها ورواحة" (ليونار)

"للعب متاحة توت توت توت
وبكل سماحة توت توت توت" (كارما)

"للعب متاحة توت توت توت
وبكل سماحة توت توت توت" (ليونار)

"تمنح تفاحة حلوى نفاحة
تمطر فرحًا في الملكــوت" (كارما)

توت توت توت توت
توت توت توت توت توت ❝ (الجميع)

صدحت ضحكات جميع الموظفات على ما يفعلونه مع التصفيق لتشجيعهم، حتى أنا لم أكن أستطيع السيطرة على ثغري هذا اليوم من الأبتسام على ما يحدث بين ليونار وكارما.

تبًا هذا الوغد المدبلج سيكون أبًا رائعًا!
يالا السخرية يقتل الرجال في الصباح ويعود ليلعب من ابنته في المساء!

قام نيلان بسحب ليونار من رقبته لغرفة الإجتماعات عنوة، بعد أن عاد مجددًا للداخل ليلعب برفقة الصغيرة وعودة الجميع لعملهم بعد فاصل صغير من المرح.

بعد إنتهاء الإجتماع عدنا للمكتب من جديد وجدنا شهد تجلس فوق الأريكة وكارما تجلس فوق الطاولة الصغيرة أمامها جانب قفص صغير باللون الأحمر يقبع داخله العصفورين حيث ظنتهما عصفوريها بالفعل بعدما أحضره "عماد" الأفضل في لف السجارئر، تبًا.

ركضت كارما تجاه ليونار عندما وقع بصرها عليه واحتضنت قدمه حيث إنها الشيء الذي تصل له بسبب صغر حجمها مقارنتًا به وهي تشكره على إعادة عصفورها مشمش.

فحملها ليونار فوق ذراعه بحب في نفس الوقت الذي دلفت به أمها للمكتب، لملمت جميع الألوان والأقلام وكتب التلوين التي نثرتها كارما على مكتب ليونار حتى ترحل بعدما أخبرها ليونار بذلك لتعود بالطفلين.

- أبقي كلميني متنسينيش ماشي.

قالها ليونار بعدما ضمها له وهو يودعها ثم انزلها جانب أمها، فحركت رأسها بحسنًا وهي تمسك كف أمها ورفعت كفها الآخر لتودعه.

رفع ليونار كفه بتريث ونظرة حزينة ترتسم على وجهه ببطء وكأن التي تودعه ابنته بعدما تطلق من أمها، لكنه التفت فجأة لمروة وقال مسرعًا:

- ما تتجوزيني يا مدام مروة.

- نعم؟!

- أتجوزيني حسيت إني .. أصابني عشق فجأة.

أضافها ليونار وهو ينظر للصغيرة بحب ينسكب من مقلتيه بعدما صُعقت مروة من ما قاله فهي متزوجة بالفعل!

ضحكت بخفة وهي تنظر لأبنتها بطرف عينها وتحرك رأسها بدون تصديق ثم تحركت للخارج تحت نظرات ليونار التي توحي بأنه على وشك البكاء.

- خطف الأطفال ممنوع.

قالها نيلان بلامبالاة وهو يجلس على المقعد أمام المكتب بعدما نظر له ليونار فجأة بابتسامته التي تشبه القتلة المتسلسلين بعدما اختفت كارما عن بصره، فتهدل كتفاه وقال برجاء:

- طيب يومين.

- ولا نص ساعة.

قالها نيلان بنبرة مقررة وهو يعبث بهاتفه فنظر له ليونار بحنق وعاد لمكانه خلف المكتب وهو يتمتم بإنه لا يحتاج لوغدٍ حقير مثله وإنه سيخطفها بنفسه.

_ شهد بتعيط.

قالتها سعاد التي دلفت المكتب فجأة بعد ساعة من ذهاب الفتاة، فوقف ليونار ونيلان وركضوا للخارج على الفور بلهفة، فلحقت بهم لاطمئن عليها.

عندما وصلنا وجدناها تضع رواية فوق قدمها وتبكي بهدوء، فنظر ليونار ونيلان لبعضهم البعض وكبتوا ضحكة داخل صدرهم على مظهرها.

- البقاء لله.

قالها ليونار بهدوء وهو يجلس بجانبها على الأريكة بعد ترك مسافة بينهم، فرمقته بنظرة حارقة ورفعت يدها بالكتاب ثم نزلت بحافته فوق كتفه، وهي تطرده من المكتب.

- أنا عملت ايه طيب مش في حد اتوفى؟!.

قالها ليونار بتساؤل متصنعًا البراءة فهو يعلم بالفعل بشأن موت البطل أثناء تنقل بصره للكتاب الذي تحمله، وهو يدلك كتفه بحركات دائرية، فهزت رأسها بالإيجاب على سؤاله.

رفع ليونار رأسه لفوق وفتح ثغرة بتوسع وبدأ في الضحك بصخب بطريقة تشبه الساحرات الشريرة في أفلام ديزني، لأرى بعيني المثال الحي لكلمة ضحكات شريرة متقطعة، فوضعت يدي على فمي حتى لا انفجر بالضحك على مظهره.

تبًا، بحياتي بأكملها التي قضيتها في السفر والتنقل بين جميع البلدان لم أرى مثل تلك الشخصية!

- يا إلهي هذه عدالة السماء لقتلك لحبيبتي أيتها الشـمـطــاء.

قالها بنبرته التراجيدية بعدما انتهى من أداء دور أورسولا في فيلم حورية البحر، فضربته في كتفه من جديد بالكتاب قبل أن تنفجر باكية وصدرها يعلو ويهبط بعنف.

تبًا يا فتاة، إنه شخصية داخل رواية!

ظهر الندم على وجه ليونار وسحب محرمة من العلبة أمامه وقدمه لها وهو يقول بنبرة حزينة:

- خلاص أنا آسف، هروح أقتل الكاتب أو نخليه يغير النهاية تحت التهديد.

- هطلب بيتزا.

قالها نيلان بنبرة مقررة وهو يمسك هاتفه ليطلب الطعام بالفعل، فمسحت شهد دموعها وحاولت السيطرة على حزنها وهي تقول من بين شهقاتها:

- سي رانش إكسترا تشيز .. وبطاطس.. وواحدة بالنوتيلا بالموز.

__________________________𓂀

يوم الجمعة.

وقفت أمام الطاولة أمسك في يدي ثمرة الطماطم رقم ثلاثين أقوم بتقطيعها بواسطة خنجر ليونار إلى مربعات صغيرة داخل وعاء بلاستيكي ضخم حتى يتسع للجميع، نظرت جانبي إلى هرم الخيار الذي من المفترض تقطيعه داخل الوعاء وثبت نظراتي عليه بشدة في رغبة طفولية أن اسحره ليتقطع من تلقاء حاله، لكنه لم يتحرك من موقعه.

اليوم هو ذكرى مولد أمي، لذا قررت الفتيات طالبات أمي طبخ طعام وتوزيعه كصدقة على روحها، مما أسعد قلبي بشدة.

قررت ريحان أن يتم ذلك فوق سطح منزلهم حتى يكون هناك مساحة تتسع لنا، تم وضع طاولات خشبية ضخمة بطول السطح، فوقها الطعام الذي تشارك الجميع به، حتى الذين لم يأتوا بعثوا شيء ما: خضار، فاكهة، مخبوزات، أرز.

لقد توقفت عن عد الأشياء بعد برهة، لقد وقفت في المنتصف وفي ظرف ساعة كانت الأشياء تنزل على الطاولات كالأمطار.

- ماليكا، أنا جيت.

هتفت بها شهد بنبرة مرحة وهي تصعد الدرجات وركضت تجاهي واحتضتني بقوة ثم فصلت العناق وجالت بنظراتها حول المكان بحماس أثناء رفعها لشعرها لأعلى رأسها في رابطة مطاطية باللون الأسود قبل أن تدلف لداخل الغرفة الصغيرة لبرهة.

- فين الجلافز (قفازات) ؟

قالتها شهد بتساؤل بعدما عادت من الداخل تجفف يدها بمحرمة ورقية عقب غسل يدها، فتقدمت ريحان منها وأعطتها قفاز أبيض مطاطي.

- مش لازم تتعبي نفسك، كفاية إنك جيتي.

قلتها بنبرة لطيفة إلى شهد التي ارتدت القفازات ووقفت جانبي، أمسكت خيارة صغير وهمّت أن تلتقط السكين، فأنا أعلم إنها لم تفعل ذلك قط في حياتها على الرغم من إنها تبدو فتاة عادية من الخارج لكنني أعلم من هي.

- بـلا هـبـل.

قالتها بنبرة متهكمة وهي تصفعني على رقبتي من الخلف، فرمقتها بنظرة قاتلة ثم أخرجت نفس من منخاري قوي بسبب تلوث يدي بالطماطم، لذا لا يمكنني رد الصفعة لها!

- الله! أنا فرحانة اوي، بقى عندي حد أضربه بالقفا زي الأوغاد، طول عمري كان نفسي في أخت بنت ألعب معاها وتشاركني كل حاجة، شكرا إنك بقيتي في حياتي، بحبك اوي.

قالتها شهد بنبرة عالية من الحماس ثم قفزت عدة مرات وضمتني لها بقوة من جديد، فضحكت بخفة على فعلها المتوقع، وقلت بنبرة صادقة:

- أنا كمان بحبك اوي.

ابتسمت بهدوء وهي تدير وجهها تتصنع الخجل قبل أن تعود من جديد لتمسك الخيارة وتقوم بتقطيعها ببطء وتركيز شديد، فشملتها بنظرة إمتنان صادق.

أشعر بالسعادة مثلها تمامًا، لقد حصلت على أخت في النهاية، أعلم إنها تحبني بصدق كذلك، هذا واضح من تصرفاتها معي، فهي أمسكت بي كقارب نجاة عندما دلفت حياتها.

أعلم كيف تشعر، إنها فتاة وحيدة تربت داخل قصر كبير ملئ بالرجال، دون أخت أو أم، جربت هي إحساس أنا لم أشعر به من قبل، وكذلك أنا جربت إحساس لم تشعر به هي.

أنا لدي أم .. هي لديها أب.

أبيها هو من كان يصنع لها جدايل في شعرها، وأمي هي من اعطتني إحساس الأمان.

- يا إلهي! اللعنة يا امرأة، هل هذا صار استخدام خنجري العزيز الآن؟!

قالها ليونار بنبرة ميلودرامية وهو يضع يده فوق صدره عندما دلف للسطح ووقف أمامي ثم وقع بصره على خنجره الذي مازالت احتفظ به حتى الآن بحقيبتي حيث أقطع به الطماطم بعد أن ضجرت من السكين ذات النصل الذي كان سيتسبب في قتلي من برودته.

- ممكن استخدمه في حاجة تانية.

قلتها بنبرة باردة وأنا ابتسم ابتسامة الموناليزا كما يقول أثناء إشهاري لنصل الخنجر تجاه موضع قلبه، فحرك رأسه يمنى ويسرى بأسف وقال بتراجيديا كعادته:

- واحسرتاه على قاسية الفؤاد واحسرتاه .. أحبها سرًا وتقتُلني علانيّة.

أضافها وهو يخرج صوت يدل عن الحنق من حنجرته ويضع يده فوق موضع قلبه، فتجمدت بموضعي عندما قرر جسدي لعب دور التحول لمانيكان وأنا مازلت موجهة الخنجر ناحية قلبه، فضحك عاليًا بصخب وقال من بينها:

- اللعنة، ألم تعتادي علي مزاحي بعد؟

- عسل اوي، إنت بتعمل هنا إيه أصلا؟ أنا مش بشوف غير وشك طول الأسبوع من ثمانية الصبح للساعة خمسة، تصدق؟! إنت لو جوزي كنت زهقت منك.

قلتها بنبرة ساخرة منه بعدما خرجت من حالة التجمد التي تلبستني كأنني مكعب ثلج ذاب تحت آشعة الشمس، فرفع رأسه بثقة بعدما انتفخ كذكر ديك رومي وقال بغرور:

- نعم، هذا لأن زوجك الذي فكرتي به ليس أنا، إذا كان أنا لن تملي مني، لأنني مسلي، أنا يمكنني التحول لحرباء من أجل حبيبتي.

- إزاي يعني، هتلون نفسك؟

قلتها بنبرة هازلة منه بعدما أخرجت صوت من فمي لا يخلى منها، فعقد ساعده أمامه وقال بنبرة واثقة وهو يثبت نظراته بخاصتي:

- لا داعي للتسرع، عندما أتزوج سترين بنفسك ... لقد صنعت حلوى اللقيمات من أجل أمك، هذا إجابة السؤال.

اضافها ليونار وهو يشير ناحية العُلب الصغيرة المرصوصة فوق بعضها البعض ليجيب عن سؤالي بشأن وجوده هنا، فنظرت له بحيرة وتقطب جبيني برعشة.

هل يعلم أن هذه حلوى أمي المفضلة أم صدفة؟

- مرحبًا خالتي، اشتقت لكِ.

قالها ليونار بوجه متهلل من السعادة عندما خرجت خالتي من الغرفة الصغيرة الوحيدة بالسطح واقتربت منه بسرور كنجمة متوهجة في السماء.

تبًا، إنها حتى لا تقابلني بهذه السعادة!

- وأنت كمان يا حبيبي وحشتني اوي، عملت الزلابية؟ .. لا أدوق بقى.

أضافتها بعدما حرك رأسه بالموافقة لأحصل على إجابة سؤالي الذي خرج من بين ثنايا عقلي، إنه يعلم بالفعل إنها المفضلة لديها.

تحركت خالتي عزة رفقته تجاه الحلوى، فسبقها ليونار واستل علبة من فوق الرصة، فتحها ببشاشة ومد يده بالشوكة المغروزة داخل إحدى كرات الحلوى الصغيرة المغطاة بالسكر، فظهر تعبير الانبهار على وجه خالتي بعدما تذوقت الحلوى وكأنها أفضل شيء تذوقته في حياتها.

_ إزيك يا حرامية الغسيل.

خرجت من سارق التوت أو إسلام الذي وقف أمامي في الناحية الآخرى من الطاولة بنبرة مازحة، فانتبهت له بعدما تخليت عن مراقبة خالتي والمدبلج ونظرت له بدون فهم.

فأشار على القميص القطني الذي ارتديه حيث اعطته لي أخته حتى لا تتلوث ملابسي وارتديته بعدما أصرت على ذلك، فهو يكون ابن خالة ريحان ويقطن بتلك الغرفة.

- مباقش غير سارق التوت اللي يتكلم كمان!

قلتها بنبرة ساخرة مازحة وأنا أقلّب عيني، فضحك بخفة وقال وهو يقوم بتعبئة العصير في زجاجات صغيرة بلاستيكة بنبرة هادئة:

- عندي ليكي مفاجأة، أنا خليتك بطلة روايتي الجديدة، وصفتك وكتبت اسمك كمان.

نظرت له بدون تصديق بعينين متوسعتين بانبهار، وابتسامة واسعة داهمت وجنتي تلاشت ببطء عندما اضاف بنبرة خبيثة:

- الرواية اسمها الحرباء، والبطلة قاتلة مأجورة، بتغير شكلها في كل مهمة قتل.

صمت لبرهة للسيطرة على ضحكته التي كادت أن تنفلت من بين شفتيه على مظهري المتنشج قبل أن يحمحم بخشونة ويستطرد:

- الفكرة جاتلي من وأنا صغير، لما لعبنا بلي (كرات زجاجية) وإنت كسبتي البلية المفضلة عندي ومرضتيش تدهالي، لما أنا روحت نمت ودموعي على خدي، وفكرت في السيناريو ده بعد ما اتفقت مع قلبي إنه مش هيحبك تاني علشان إنت شريرة وقلبك حجر.

ضحكت على ما قاله بعدما لم أستطع السيطرة على حالي عقب تذكري تلك الذكري.

لقد كنا نلعب معًا تلك اللعبة التي تُلعب بواسطة الكرات الزجاجية الصغيرة في الحديقة أسفل منزلي، وهذا لأنني بالطبع لم أكن مثل باقي الفتيات الرقيقات، فقد كنت ألعب العاب الخاصة بالصبيان مثل اللعب المسدسات الخرز، والألعاب العنيفة رفقة مراد.

ذلك اليوم ربحت على الجميع في كل الجولات التي لعبناها معًا، أخذت جميع الكرات ومن بينهم تلك الكرة المفضلة عنده والمميزة بشدة حيث إنها زرقاء لامعة تشبه الؤلؤة، فحاول هو تبديل الكرة بواحدة أخرى لكنني رفضت بشدة لأنني أحببتها في الحقيقة.

لكن في اليوم التاني أعادة أمي له ولباقي الصبية جميع الكرات واخبرتنا بطريقة لطيفة إن هذه اللعبة لا يجب لعبها بهذه الطريقة لأن هذا نوع من القمار، لذا يمكننا لعبها لكن يجب إعادة الكرات إلى صاحبها بعد الأنتهاء.

- الرواية اللي جاية بقى هطلعك حرامية غسيل، الإلهام جالي دلوقتي.

قالها "إسلام" بنبرة ضاحكة بعدما رمقني بطرف عينه، فرفعت الخنجر أمامي بتهديد وقلت له بنبرة جامدة مازحة:

- مسمعتش قول تاني كده؟

- علفكرة أنا ممكن أجيبلك أختي.

قالها بنبرة منتحبة ممازحًا كما كان يفعل وهو صغير فكلما حدث مع شيء يذكر أخته الكبيرة، فضحكت بخفة عليه من جديد وأنا أحرك رأسي بدون تصديق.

شعرت بالأضطراب عندما رأيت مراد يصافح ليونار بابتسامة مصطنعة بعدما عرفته خالتي عليه عندما جاء، فهو يعلم من هو بالفعل، فريد أخبر الجميع عن صديقه بالطبع!

شعرت بقليل من الراحة عندما ابتعد عنه مراد ودلف لداخل الغرفة ثم بعد برهة خرج منها وتقدم ناحيتي بابتسامة واسعة وهو يرتدي القفازات.

- بجد؟ الملك مراد بنفسه هيقطع فلفل؟

قلتها بنبرة ساخرة عندما أمسك مراد ثمرة فلفل والسكين الباردة اللعينة ثم حركها في وضع التقطيع، فرمق مراد ليونار الذي وقف أمامنا يساعد كريم في ملأ العصير بضيق ارتسم على معالم وجهه قبل أن يقول بنبرة خافتة:

- إنتِ مفيش حاجة بترضيكِ؟ أعمل تتريقي، معملش برضو تتريقي.

- خلاص أنا آسفة يا بشمهندس خليها عليك المرادي.

قلتها بنبرة مازحة حتى أخفف من حدة الموقف بعدما شعرت بالندم من ما فعلت ثم اضفت بنبرة حاولت صبغها بالمرح تحمل الخبث بين طياتها:

- هعملك بيض بالبسطرمة كإعتذار عن ما بدر مني.

- والله يا شيخة ما إنتِ تاعبة نفسك، قبلت الإعتذار خلاص.

قالها بنبرة مسرعة بطريقة عفوية، فضحكت عاليًا عليه، فنظر لي بطرف عينه وهو يضحك بخفة بعدما علم أنني أتلاعب به.

_ أينشتاين بيقولك "من الحماقة أن تعتقد أنك ستحصل على نتائج مختلفة وأنت تكرر نفس الشيء"

خرجت هذه من ليونار الذي نظر إلى "إسلام" الواقف بجواره وصفعه على رقبته بخفة مما أدى لانكماش إسلام الذي ابتعد للوراء خطوة وهو ينظر له بتساؤل من ما فعل؟!

- ركز وإنت بتصب العصير بيتدلق.

حرك إسلام رأسه بالموافقة وعاد من جديد لما كان يفعله، فرمقني ليونار بنظرة من طرف عينه لم افهمها، ماذا؟

لا أعلم لماذا شعرت إن الجملة موجهة لي وليست لسارق التوت.

_ اللعنة، تبًا لكِ يا انثي الجربوع.

صرخ بها ليونار وهو يمسك صدره إلى أخت إسلام بعدما ضربته بزجاجة مياه بلاستيكية ممتلئة في صدره بسبب ضربه لأخيها ثم رمقته بنظرة متهددة من تكرير الأمر من جديد.

- هو الأستاذ بيعمل إيه هنا؟

قالها مراد بتساؤل وهو يرمق ليونار بطرف عينه بنبرة خافتة، فاخبرته بهدوء بشأن قرابته مع شهد وصداقته مع عبدالرحمن أخو ريحان.

- إنت عايزة تفهميني إن مفيش حاجة بينك وبينه، عبيط أنا؟! يعني يصاحب فريد ويتكلم مع ماما بدون سبب.

قالها مراد بنبرة هازلة خفيضة بعدما أخرج صوت من حنجرته يدل عن السأم، فنظرت له بطرف عيني وقلت بنبرة باردة تنافي الاشتعال داخل صدري حتى احرقه كما يفعل معي:

- لحد دلوقتي مفيش حاجة، لو في أكيد هقولك يا مراد ما هو أكيد هيجي يخطبني منك.

__________________________𓂀

توقفت سيارة ليونار الذي يرافق شهد أمام قبر أمي حيث قررت زيارتها بعدما انتهينا من تغليف جميع الصناديق واعطيناها للرجال من عائلة ريحان ومراد وأصدقائه ليقوموا بتوزيعها.

ترجلت من السيارة بتعب فقد كان اليوم شاقًا لكنني لن أدع اليوم يمر دون زيارة أمي، دلفت للداخل بذهن شارد في ذكرياتنا معًا، شعرت بسيخ الأشتياق المحترق داخل قلبي ينغرز أكثر وأكثر.

انحنيت ووضعت قصاصة الزهور التي ابتعتها في طريقي إلى هنا، وتقدمت لأسقي باقي القصاصي وأنا أشعر بالدماء الدافئة تنزل بخطوط طولية فوق معدتي.

يبدو أن هذا الجرح النازف لن يلتئم أبدًا.

وقفت أمام القبر جانب شهد بعدما انتهيت وبدأت في تلاوة سورة الفاتحة، ثم بدأت في الحديث معها داخلي.

مرحبًا أمي.
اشتقت إليكِ كثيرًا
لا تقلقي عليَّ، أنا سعيدة الآن.
هذه شهد، إنها صديقتي المقربة حاليًا، أعلم إنك سوف تحبينها.
جميع ابنائك يرسلوا لك السلام، لقد فعلوا الكثير من أجلك اليوم.
أنا فخورة بكِ أمي لطالما كنت ولطالما بقيت.
أحبكِ.

_ أمك تخبرك إنها تحبك كذلك ماليكا.

قالها ليونار من خلفي بصوت هادئ وكأنه كان يقرأ أفكاري، فاستدرت ونظرت له حيث يقف ويضع كلتا يديه خلفه بملامح الصدمة التي احتلت قسمات وجهي بسبب الصدفة المداهمة، فقال بثقة وهو يعيد خصلات شعره للوراء:

- ألم أخبرك من قبل؟ أنا أتحدث مع الأرواح ماليكا.

أخرجت صوت ضحكة هازلة صغيرة من فمي وقلّبت عيني بسخرية منه قبل أن استدير من جديد، فضحك بخفة قبل أن يقف جانبي ويرفع يده أمام عيني بعدما أعادها من خلف ظهره حيث كان يخبأها.

فظهر أمام عيني كعكة صغيرة دائرية بيضاء، وعلى سطحها تجلس معلمة فوق مقعد صغير وتمسك كتاب، ترتدي نظارات وجانبها تقبع سبورة سوداء خُط فوقها "أفضل معلمة".

- سنة حلوة يا جميل.

هتف بها ليونار بنبرة خافتة فنظرت له بدون تصديق مغلف بامتنان ثم بدأت الغناء بشفتين مرتعشتين ودموعي تبلل وجنتي بعدما تحررت أخيرًا من سجنها.

- سنة حلوة يا ماما، سنة حلوة يا جميل.

__________________________𓂀

(بعد مرور شهرين)

مر الشهرين بهدوء لم يحدث شيء مهم خلالهم، لكن اليوم هناك شيء ما يحدث مع ليونار فقد تغير وجهه مئة وثامنين درجة بعدما قرأ شيء على هاتفه منذ نصف ساعة ثم لم يتوقف الهاتف عن الرنين.

شعرت بوخز القلق ينخز قلبي، صدغي، وأذني اليوم محاكمة شمس الزناتي على جرائمه، لم تأتي شهد للعمل اليوم بسبب شعورها بعدم الأرتياح، كذلك لم يحضر نيلان.

هل هرب شمس؟

اخرجت هاتفي لأتأكد من الفكرة التي ثقبت رأسي كشنيور، فتحت صفحة الأخبار، لا شيء.

اغلقت الهاتف عندما لم أجد شيء عن هروب شمس من السجن ورفعت رأسي تجاه الباب الذي دلف من خلاله نيلان بوجه مضطرب، ودلفت خلفه فتاة حجمها صغير تنكث رأسها للأسفل، عينيها منتفخة من البكاء الذي مازال مستمر حتى الآن حيث تنزل دموعها بصمت فوق وجنتها الحمراء بشدة التي تبدو كأثار صفع!

تأهب جسد ليونار ووقف مسرعًا وتقدم نحو نيلان بوجه تشع النيران منه حتى وصل له ولكمه في وجهه، فنظر له نيلان بعيون قاتمة قبل أن يرد له اللكمة ثم إحتد بينهم الشجار، أو بالأحرى تكثفت ضربات ليونار حيث كان نيلان يصد ضربات ليونار بدون تسديد له أي ضربة.

- إنتِ مش عايز تواجه صافي؟ أهو، هتواجه.

صرخ بها نيلان في وجهه وهو يدفعه للخلف، فأخرج ليونار صوت ساخر من فمه و هو يقول بنبرة عالية من فرط الإنفعال:

- أيوه يعني هي خافت تطلب الطلاق تقوم رايح خاطفها! بعدين مش أنا قولتلك هتصرف؟! رجعتلها ليه؟!

- مرجعتش، أكيد معملتش كده من غير سبب، مقدرتش استحمل .. مش عايز أتكلم.

قالها نيلان بنبرة جامدة بعدما صرخ بالجملة الأولى، لأول مرة منذ رأيته يبدو بهذا الشكل الغاضب بشدة، فهو يتصف بالبرود في العادة، والابتسامة المقيتة التي تشعل الآخرين من حوله بسبب تحوله لقطعة من الثلج.

زفر ليونار بقوة بعدما نظر لهيئة المرأة الباكية ثم عاد لمكتبه من جديد، أخرج سيجارة من علبة حديدية كانت بجيب حلته، وضعها بين شفتيه واشعلها ثم شرح لهم ما حدث معه من الصباح.

لقد انتشر مقطع لنيلان وهو يخطف "شفا" زوجة صافي من بيته لكنهم لم يظنوا إنه نيلان بل ليونار حيث كان نيلان يرتدي ملابس سوداء وقناع، أو حتى إذا كان نيلان بالطبع التهمة تلبس في ليونار لأن المامبا لن يتصرف من رأسه بل ينفذ أوامر قائده؛ فبعث صافي المقطع لأخيه صالح وهدده إن لم يعيد القذز - كما كتب- ليونار زوجته سوف يقتله.

ومن وقتها هناك كم هائل من الرسائل والسباب له من أعمامه.

- الحل الوحيد علشان نخرج من المصيبة دي وعمي صالح ميرجعهاش إنها تطلب الطلاق.

قالها ليونار بهدوء وهو ينفث دخان سيجاره للأعلى مما أدى لصنع سحابة من الدخان فوق رأسه، فاحتلت الصدمة وجه "شفا" وفتحت عيونها على محجريها برعب ثم حركت بؤبؤ عيناها تجاه نيلان بتوسل وهي تهز رأسها بالرفض عدة مرات ثم قالت من بين شهقاتها بتوتر:

- لا مش هكلمه، هربني في أي حتة برة مصر أو حتى هاتلي شقة وأنا مش هخرج منها خالص.

- مش هينفع في قوانين، القيصر هيخليني أرجعك، بصي إنتِ قدامك حلين لتقولي للقيصر يطلقك لترجعي لجوزك ومتخفيش مش هيعملك حاجة باين في الفيديو إنه بيخطفك .. بس وقتها مش هتتجوزي نيلان لأني بعد ما أقتل جوزك في المواجهة بتاعة جومانا مش هقدر أقنع عمي صالح.

اضافها ليونار بنبرة هادئة تراقص بها الخبث كالشياطين بعدما انهى حديثه بتحذير مبطن، فحل الصمت من جديد إلا من صوت قداحة ليونار اللعينة بعدما تجمدت شفا في موضعها كمن حُبس داخل كهف ثلجي بالقطب الشمالي قبل أن تنفجر في البكاء بعنف ويهتز جسدها وهي تقول بنحيب:

- ما أنت ممكن تتقتل في المواجهة وصافي يقتلني بعديك.

- يا إلهي! لقد تمزق قلبي من خوفك عليَّ يا صغيرة، من فضلك توقفي عن قذفي بقنابل حنانكِ.

قالها ليونار بنبرة ميلودرامية ساخرًا منها، فرمقته بعينان ضيقتان وحاجبان التصقا ببعضهم البعض بطريقة توحي إنها تنظر إلى حيوان الماموث بعدما نهض من رقدته تحت التراب.

- هيه يا صغيرة اتخذي قرارك بسرعة.

قالها ليونار بنفاذ صبر وهو يرفع هاتفه المضيء أمامه ليعجل من ردها عليه، فحركت شفا بؤبؤ عينيها في أماكن متفرقة قبل أن تقول بنبرة باكية وهي تنتفض في مكانها بحركة غريبة كسمكة في حوض المياه:

- مش بعرف أفكر منغير لبان .. معاك لبانة سمارة؟

نظر كلًا من ليونار ونيلان لبعضهم البعض ببلاهة ثم أخرج ليونار صوت من ثغره المفتوح بفعل الدهشة وكأنه يخبرها: ماذا؟

- آه صح إنتو هتعرفو منين اللبان السمارة ما أنتو من الأغنياء الكلاب الي بيمصوا دم الغلابة بقى وكده.

تمتمت بها شفا بنبرة حانقة وهي تعدل حجابها، فنظر ليونار إليها بطريقة توحي بأنه ينظر إلى بطريق راقص قبل أن يحول نظراته إلي نيلان بتعبير وجه وكأنه يخبره: حقًا؟

فضحك نيلان بخفة وهو ينظر إلى شفا التي تمسح دموعها بالمحارم قبل أن تعود للبكاء من جديد بنحيب عالي.

- مش عارف أصدمك إزاي بس أنتِ من الأغنياء، الـVampires "مصاصين الدماء"

قالها ليونار بنبرة ساخرة وهو يرفع كفيه جانب وجهه ويحرك إصبع السبابة والوسطى للأعلى والأسفل بكلا اليدين مع ضم باقي الأصابع، فتوقفت يد شفا التي تمسح دموعها فوق وجنتها، وأحتل الذهول معالم وجهها قبل أن تقول بدون تصديق بنبرة عالية:

- أقسم بالله؟! طيب ليه محدش قالي؟ في بوزو (بافس) مستورد على شكل صوابع كبيرة كده في برطمان شفاف بغطى أزرق كان نفسي فيه أوي.

- هذا ما يحدث سيداتي أنيساتي سادتي عندما تقع في حب طفلة تحت سن العشرين، أحذروا، لا تكرروه في المنازل .. يا إلهي! لقد سقط في حب طفلة؟ تبًا لك يا رجل! سأمنع عنك صغاري.

قالها ليونار بنبرة مذهولة وكأنها استوعب الآن ما بحدث وهو يضيق عينه للغاية أثناء نظرته إلى نيلان بعدما سخر من الفتاة في أول الحديث.

ابتسمت نيلان بهدوء وهو يحرك رأسه بدون تصديق قبل أن يقول مفسرًا:

- طفلة إيه؟! دي عندها خمسة وعشرين سنة.

توسعت عيون ليونار بشدة بتفاجئ حقيقي وحول نظرته تجاه شفا بسرعة وكأنه لا يصدق الأمر حيث إن الفتاة جسدها ضئيل وقصيرة وملامحها طفولية، لتبدو إنها في السابعة عشر من العمر لا أكثر.

- هل هذه من عرضت حياتك للخطر من أجلها، أكاد اقسم إنها أكثر فتاة بلهاء رأيتها في حياتي، يا إلهي! كيف يمكن لرجل شديد الذكاء مثلك أن يتزوج كتلة الغباء هذه؟!

قالها ليونار بنبرة خافتة إلى نيلان بعدما نظر إلى شفا التي أخرجت نصف "علكة" من جيبها ونظرت لها بانتصار ثم قذفتها داخل فمها واطلقت زفرة ارتياح وهي تعود بظهرها للخلف لتغوص في الأريكة.

رمقه نيلان بنبرة مهددة بسبب سخريته من حبيبته، لكن ليونار تجاهلها ونهض من مجلسه بعدما حمل هاتفه وتقدم ناحيتها حيث تجلس جانبي على الأريكة وقال لها:

- ابعتي ريكورد للقيصر وقوليلوا إنك عايزة تطلقي، ولا هترجعي.

- لا أنا مش هرجع للحيوان ده تاني حتى لو هموت، كده كده أصلا كنت ميتة وأنا معاه.

قالتها بنبرة ألم أظهرت مدى ثقب روحها بعدما تبدلت معالم وجهها في ثواني للأنطفاء من جديد ثم بعثت رسالة صوتية لذلك المدعو قيصر محتواها إنها تريد الطلاق من زوجها برغبتها و لم يتم إجبارها على شيء، و لم يتم خطفها بل هي من طلبت ذلك من ليونار حتى يأتي لنجدتها بصفته ابنٍ للملك، كما تنص قوانين المملكة.

خرج نيلان أثناء ذلك وعاد من جديد بعد نصف ساعة يحمل حقيبة ورقية بها طعام، أخرجه فوق الطاولة أمامنا وقال لها بنبرة حنونة:

- كلي حاجة إنت مكلتيش حاجة من إمبارح.

رفعت شفا رأسها له ونظرت له بامتنان قبل أن تعود برأسها لمحتوايات الطاولة وأمسكت شطيرة همبرجر ثم قالت بتلقائية وهي تخرجها من ورقتها:

- واللهِ تعبت نفسك، كنت جبت فطيرة من الفرن وكيس شيبسي بالشطة وخلاص.

- أخي مازال لدينا وقت، يمكنك إنقاذ حالك.

قالها ليونار إلى نيلان بهدوء بعدما نظر لها بعيون متوسعة على ما قالته، فضحك نيلان بخفة وهو يتجه ناحية مكتب ليونار ويجلس على المقعد أمامه.

صدح صوت هاتف نيلان ليعبر عن وصول مكالمة له فنظر للهاتف ثم رفعه نيلان الهاتف المضيء أمام وجه الآخر، فزفر ليونار مطولًا قبل أن يلتقط الهاتف من بين أنامل نيلان ويفتح المكالمة.

- هو لازم ألف حوالين نفسي علشان ترد عليا؟

- انجز يا حاوي.

قالها ليونار بنبرة ضاجرة منه تعقيبًا على حديث الحاوي الذي خرج بنبرة ساخرة من خلال مكبر الصوت، فأخرج ذلك المدعو حاوي صوت ساخر من فمه قبل أن يعرب عن سبب مكالمته له.

حيث إن ذلك المدعو سِت -والذي لا أعلم كيف حدث هذا- أخبر صافي أن يتفق مع باقي القادة للأنقلاب على "القيصر" وطلب من "أبوفيس" عزله من الحكم، وذلك لظلمه البين بعد خطف ابنه لزوجته شفا علنًا وإجبارها على طلب الطلاق منه حتى لا يتطور الأمر أكثر وتصير جميع نساء المملكة تحت طاعتهم أي وقت، إذا أراد امرأة يحصل عليها بسهولة.

اغلق ليونار المكالمة معه وتقابلت نظرته بخاصة نيلان لبرهة قبل أن يمسك ليونار هاتفه هو ويرسل رسالة صوتية لذلك الصافي يقول بها:

- مرحبًا أيها الحقير، أرغب في تفتيح رأسك على شيء مهم، زوجتك شفا خانتك، جومانا لم تفعل ذلك .. أعلم ما تخطط له صافي لذا اعتبره تهديد، ستقبل المواجهة وإلا سأنشر كل شيء معي وسيعلم الجميع إنك كاذب و .. مش قادر تسيطر على مرتاتك يا دكر.

اضافها ليونار بالعامية ثم عقبها بقبلة قوية بعدما قرب الهاتف من فمه، وبعد دقيقة تقريبًا وصله رسالة من صافي يرد بها على حديث الآخر يقول بغضب مكبوت وهو يشدد على الحروف:

- النهاردة ..المواجهة النهاردة يا أنوبيس، هحط راسك في حجر رع بعد ما أدبحك يا ابن ميدوسا.

- يلا نمشي

هتف بها ليونار بعد نصف ساعة من الصمت المطبق على الغرفة وهو يقف ويبدأ في لملمت أشياءه من فوق المكتب ثم أستل جاكيت حِلته المعلق على ظهر المقعد وارتداه، فحركت رأسي بالموافقة ونهضت بعدما حملت حقيبة يدي.

- مش هروح معاكوا، أقسم بالله ما هيحصل، إنت لو مت في المواجهة هيدبحني، روحوا أنتوا وأنا هاهرب لحد ما تخلصوا.

قالتها شفا بتوتر وهي تتمسك بكلا كفيها بالأريكة وكأنهم يسحبونها عنوة بعدما توسعت نظراتها بهلع وحركت رأسها بالنفي.

نظر كلا من ليونار ونيلان لبعضهم البعض ثم أشار ليونار للآخر بعينه ناحيتها ليفعل شيء ما، فعاد نيلان بنظراته لها من جديد حيث تنظر له بدموع متدفقة من مقلتيها.

- ماليكا ممكن تاخديها معاكِ؟

قالها نيلان برجاء وهو ينظر لي فتجمدت لبرهة قبل أن أحرك رأسي بالموافقة على مضض بعدما شعرت بالشفقة من أجلها.

تبًا لكم جميعًا، مالي أنا بمشاكلكم القذرة؟!

- هيه قاسية الفؤاد، من فضلك لا تخبري شهد بهذا الأمر لأنها سترتعب إذا علمت بشأن المواجهة.

قالها ليونار بهدوء فحركت رأسي بالموافقة ثانيًا في نفس الوقت الذي دلفت به هيدا المكتب فجأة كزلزال ونظرت له بوجه يتقافز الغضب منه قبل أن تقول بنبرة عالية بلغة أسبانية:

- أنوبيس هل ما يقال حقيقي؟! هل ستتزوج من تلك الـ** تبًا، وأنا التي كانت تخطط لمفاجأتك وأنت تخونني!! أنا هيــدا؟!

- هيه هيدا فلتحفظي لسانك اللعين هذا واخفضي صوتك نحن بمكان عمل.

قالها ليونار بنبرة جامدة بعدما حرك رأسه بطريقة ساخرة، فرفعت هيدا حاحبها للأعلى واقتربت منه قائلة بنبرة عالية غاضبة وهي ترفع إصبع سبابتها بتهديد أمام وجهه:

- لن أخفض صوتي أنوبيس، ليس بعد كل ما تحملته منك وبرودك اللعين معي، حتى تتركني وتتزوج بكل بساطة، إذا كنت ستتزوج فلتفعل ذلك معي، أنا التي انتظرتك منذ أعوام.

- هي الست الزرقا دي بتقول إيه؟ حاسه كده إنها بتشتمني.

قالتها شفا بنبرة مستفسرة وهي تضع يديها عند ذقنها وترمق هيدا التي صبغت شعرها باللون الأزرق بعيون ضيقة، فنظرنا لها أنا ونيلان بطرف عيننا وكأننا إتفقنا على ذلك قبل أن يضحك نيلان بسخرية وعاد من جديد يتابع الشجار حيث قال ليونار بضجر منها:

- اسعمي هيدا لأنني مللت من علاقتنا اللعينة هذة، أنا سأتزوج من شفا و لن ابقى معكِ، حسنًا؟

- هل تنفصل عني؟!

قالتها هيدا بدون تصديق بعدما حركت رأسها للخلف بدهشة، هز ليونار رأسه ببرود ردًا على حديثها وتحرك خطوة من أمامها، فأوقفته هيدا تقول مسرعة بيأس:

- حسناً، تزوج منها لكن تزوجني قبلها وأصير أنا زوجتك الأولى أمام الجميع .. لننجب وريثًا أنو.

اضافتها بنبرة عالية نسبيًا بعدما مر شعاع من الضوء بمقلتيها بوهج، فأخرج ليونار صوت ساخر من فمه وقال وهو ينظر لها بدون تصديق:

- اللعنة يا فتاة لن أُنجب منكِ حتى لو كنتِ آخر نساء الأرض، هيدا أنا لن أتزوجكِ ولو بأحلامك.

- أيتها الحية.

قالتها هيدا بنبرة مشتعلة من الغضب وهي تنظر تجاه شفا التي لا تفقه شيء مما تقوله بنظرة لو كانت تحرق لصارت شفا رمادًا الآن ثم أخرجت شيء من ملابسها وأنقضت عليها حيث تجلس فوق الأريكة ووضعت نصل الخنجر على رقبتها.

سحب ليونار هيدا من شعرها للخلف وكأنها دمية باربي وأخذ الخنجر من بين أصابعها ثم دفعها بعنف لتقع على الأرض بعدما فقدت السيطرة على جسدها المترنح.

- إذا لمستي شعرة واحدة منها هيدا، أقسم إنني سأرقص فوق رفاتكِ.

قالها ليونار بنبرة مخيفة مهددًا وهو يثبت نظراته المرعبة بها، ثم حرك رأسه إلى نيلان لنذهب.

صعدت لمقعد السائق بسيارة ليونار بعدما أعطاني المفتاح وصعدت بجانبي شفا، علقت الهاتف أمامي لمتابعة محاكمة شمس الذي يتم بثها مباشر على إحدى مواقع التواصل الإجتماعي أثناء قيادتي للمنزل.

لم أذهب إلى المحكمة لأن نجمة لم تحضر الجلسة، فهي لن تقدر على رؤيته أمامها.

ظهر شمس بملأ الشاشة بكتف متهدل وقسمات وجه حزينة، يرتدي ملابس بيضاء اللون بشعر مبعثر ووجه ممتلئ بالكدمات كما يضع عصابة سوداء على عينه اليسرى ليبدو وكأنه فقدها! والعين الأخرى متغلغة بالدموع التي تسيل بشكل متواصل دون توقف وكأنها مجرى مائي.

تبًا، ما الذي يحدث؟!

صففت السيارة جانبًا بعد ربع ساعة لعدم قدرتي على تكملة الطريق بعدما أهتز قلبي من ما يحدث داخل المحاكمة.

لقد اعترف شمس بجميع جرائمه، وتم تصنيفه كمريض اضطراب تعدد الهاوية حيث الذي فعل كل ذلك لم يكن شمس بشخصيته الطبيعية بل الشخصية الأخرى المتحكمة به.

_ أنا راضي بأي حكم، علشان استاهل يتحكم عليا، بس أنا عايز .. عايز اعتذر للبنات .. سامحوني، سامحوني .. أنا مكنتش أعرف إن مرضي هيعمل كل ده، لو مشوفتش الفيديو مكنتش صدقت .. أنا آسف .. آسف.

قالها ذلك المدعو شمس بنبرة متهدجة مهتزة ثم انفجر في البكاء بقوة وصدره يعلو ويهبط بعنف، وكذلك كتفه.

تبًا، لن يحدث هذا.
أشعر بالأختناق كمن وضع وسادة فوق وجهي، كنت أعلم أن هذا سيحدث لكن الحديث شيء والواقع .. قاتل.

لكن حجته باطلة، إذا كان القاتل مريض انفصام لن تفرق المحكمة بين الشخصية القاتلة والحقيقية وسيتم الحكم على إنهما شخص واحد، لكن لماذا فعل ذلك؟

حبست انفاسي ترقبًا عندما عاد القاضي وبدأ في الأقرار بالحكم.

_ حكمت المحكمة حضوريًا، وبإجماع آراء أعضائها على المتهم شمس علي محمد الزناتي بالإعدام شنقًا، رُفعت الجلسة.

يتبع..
★ متنسوش التصويت (vote)
________________________

_ لا تنسوا الدعاء لأخوتنا بغزة في جميع صلواتكم، رفع الله عنهم ونصرهم.
للتذكير: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، نِعمَ الزادُ هذا يا رب.

لينك الجروب متثبت هنا للي مش بيفتح معاه

Pokračovat ve čtení

Mohlo by se ti líbit

2.3M 70.7K 98
Previously called Older Brothers Part 1 Completed (Alternate version) part 2 Ongoing "T-trust me?" "Always." It was the promise that they were never...
2.7M 117K 48
*** Ansel Adams, or Ance as those he knows tend to call him, is a bad man though he didn't consider that to be his fault. His father had been a bad m...
24.3K 1.1K 18
إن كُتِب قدر شخصين معاً فسيتقاطع طريقهما ذات يوم حتماً ليحوما حول الدنيا إذا ارادا للعثور على بعض وليختبئا للهروب من البعض وهجنا وثابتنا دكاترنا ا...
73.6K 6K 36
U+Z ဒီနေ့မင်းလွင် + ဒီယောရာဇာဓိရာဇ်