Atramental | أَتْرَامِينْتَا...

Od dejarichard

878 141 329

الأسود لون يعكس الغموض ولكنه أيضًا .. لون الفراغ، لون اللاشيء، لون العدم. عندما بدأتُ في كتابة أوّل كتاب من س... Více

إهداء.
الفصل الأول.
الفصل الثاني.
الفصل الثالث.
الفصل الرابع.
الفصل الخامس.
الفصل السادس.
الفصل الثامن.

الفصل السابع.

14 7 0
Od dejarichard

علىٰ الأقل هو ليس مُستهترًا، وصل في الموعِد تمامًا، نزلتُ مُستخدمة المِصعد لأجد إيّان يقف مُستندًا بظهره علىٰ سيّارته الزرقاء اللامعة، رُبما عليّ أن أسأله عمّا إذا كان يُحبّ هذا اللون أيضًا.

اِبتسم عندما رآني ورفع يده قليلاً مُحيّيًا لي، الأمر هو أنني لم أفهم في البداية لمَ كان يكتم ضحكته بينما يخفض وجهه قليلاً، لكنني اِستوعبتُ الأمر عندما نظرتُ إلىٰ بذلته السوداء بالكامل، كان يرتدي قميصًا أسودًا حريريًا ولم يقم بإغلاق أول زرّين منه، عند التمعن قليلاً يُمكن إدراك تناسق ملابسنا بشكل ما، الأسود والأحمر؟ يرُوقني هذا في الواقع.

عندما أصبحتُ واقفة أمامه مُباشرة وجدتُه يمدّ يده لي، فمددتُ يدي لأصافحه لكنّه تناولها وطبع عليها قبلة سريعة ثمّ فتح لي باب السيارة ...

- ˒˒تفضّلي˓˓. قال لي

فتحتُ فمي قليلاً ثمّ أعدتُ إغلاقه، هل يستطيع القيادة بحالة كهذه؟

- ˒˒أتُحاول عيش دور البطل العاشق من عصر الهولوسين؟ أنت لم تقرر فجأة الاِنتقال لكتابة الروايات الرومنسية، أفعلت؟ أظنني سأعتبر سيارتك مُعطلة فحسب˓˓.

لكنه اِكتفىٰ بالاِبتسام بلطف فحسب، لستُ مُطمئنة، حقًا لستُ مطمئنة!

- ˒˒ولمَ يجب أن يكون ذلك دورًا رومنسيًا؟ رُبما أجرّب تقليد أسلوب حياتهم في ذلك الحين˓˓. قالها لي بعد أن طلب من السيارة تشغيل التبريد

- ˒˒لم يكونوا يفعلون هذا في الواقع، كانت حياتهم حزينة˓˓. قلتُ بينما أراقب لافتات المحلات اللامعة من النافذة

ساد صمتٌ مُريح لبعض الوقت، لكن عقلي يعمل بشكل أسرع هكذا.

- ˒˒بشأن صديقك .. رامي، مُنذ متىٰ وأنتما تعرفان بعضكما؟ تبدُوان مُقرّبين، أعني بما أنه دعانا إلىٰ موعد كهذا حتىٰ˓˓.

نظر إليّ للحظة ثمّ عبث قليلاً بلوحة التحكم وشغّل أغنية .. بدت مألوفة بشكل ما.
ظل صامتًا لبضعة ثوانٍ فظننتُ أنه لن يُجيب.

- ˒˒نحنُ؟ نعرف بعضنا مُنذ كنتُ في الرابعة من عمري وكان هو في الثالثة، عقدان؟ أظننا نعرف بعضنا لمُدّة تُساوي عمرًا كاملاً؛ لذا أجل˓˓.

أوه!

- ˒˒أنتما صديقا طفولة إذن. أنا وشغف صديقتان مُنذ كنّا في الجامعة؛ أي مُنذ حوالي ثماني سنوات، اِعتدتُ علىٰ التفكير بها علىٰ أنها فترة طويلة للغاية حتىٰ هذه اللحظة ..˓˓.

ثمّ وجدتُني أبتسم تلقائيًا، لازلتُ مصابة بعدوىٰ سعادتها المجنونة!

- ˒˒.. في الواقع ستتزوج قريبًا، يُدهشني كم يمرّ الوقت بسُرعة˓˓.

لا أملك أدنىٰ فكرة عن سبب إخباري له عن ذلك، أظن مزاجي مثاليًا زيادة عن اللزوم اليوم.

- ˒˒حقًا؟ أبلغيها تهنئتي وتمنيّ السعادة لها˓˓.

لكنّ اِبتسامته تلاشت بعد ذلك فجأة ثمّ اِلتفت إليّ وأخذ يُحدّق بي دُون تعابير علىٰ وجهه.

- ˒˒قلتِ أنكِ في الثالثة والعشرين˓˓.

- ˒˒أجل؟˓˓.

- ˒˒كيف يُعقل أن تلتقي بها في الجامعة مُنذ ثماني سنوات إذن؟˓˓.

- ˒˒كنتُ أبلغ خمسة عشر عامًا عندما قُبِلتُ في الجامعة˓˓.

عند هذا الحد بات تحديقه أسوأ حتىٰ، وأنا أساسًا لا أعرف ما الذي يجعله يُحدّق بي هكذا

- ˒˒ماذا؟˓˓. قلتُ له

- ˒˒اه، لا شيء .. أنا فقط، لمَ لم ألاحظ ذلك من قبل؟ من الغريب أنكِ تعملين في مقر شرطة العاصمة الرئيسي في سن كهذه. وهُم لا يقبلون المُتخرجين حديثًا إلا بعد تدريبهم لعامين في مجالكم، أليس كذلك؟˓˓.

قال بنوع من الاِرتباك بينما يمرر يده علىٰ مؤخرة عنقه ويتكلم بنبرة اِعتذارية ..
بدا مبهورًا حقًا، لم أستطِع مُقاومة إغراء زيادة الجرعة قليلاً بعد

- ˒˒في الواقع تدربتُ لنصف عام فحسب، في المقر الرئيسي نفسه؛ لقد تخرجتُ بوسام˓˓.

- ˒˒واه˓˓. علّق قائلاً

لكن تعابير وجهه كانت شيئًا مُختلفًا حقًا.
الأمر غريب قليلاً؛ لا أحد وجد هذا الأمر مُذهلاً من قبل، أو علىٰ الأقل لم تكُن نظراتُ الآخرين إليّ تحمِل اِندهاشًا بقدر ما حملت حسدًا وبعض الاِستخفاف.

- ˒˒ماذا عنك؟ أيّ جامعة اِرتدت؟˓˓. سألتُه

نظر إليّ ثمّ اِبتسم وهزّ كتفيه قليلاً بينما يتولىٰ قيادة السيارة بنفسِه.

- ˒˒لم أرتد الجامعة في الواقع، ليس حضوريًا بأية حال. تلقيتُ رسالة القبول في سنّ السابعة عشرة ثمّ درستُ فصول 'الكتابة الإبداعية' الأربعة بنفسي في المنزل خلال عامين، بعدها اِسترحتُ لعام ونشرتُ كتابي الأول في سنّ العشرين، وها أنا ذا˓˓.

- ˒˒أوه، أجل أنت كاتب، التصنيف الذي تندرج تحته رواياتُك هو نفسه الذي تندرج تحته روايات ليام، هل اِلتقيت به من قبل؟˓˓.

- ˒˒ليام؟ لا يعرف أحد كيف يبدُو أصلاً سوىٰ أحد كبار الناشرين في الشركة، زملاؤه من الكتّاب لا يُصادفونه ولا يعرفون عنه شيئًا تقريبًا˓˓.

- ˒˒أوه، أجل سمعتُ عن ذلك. مؤسف أنّه شديد التحفّظ فيما يتعلق بالكشف ولو عن أتفه المعلومات المُتعلقة به˓˓.

- ˒˒نعم .. لقد وصلنا بالمُناسبة˓˓.

توقفت السيارة أمام ڤيلا متوسطة الحجم أنيقة يغلب عليها اللون الرماديّ المُخضر، لها حديقة كبيرة حقًا، ما زُرِع فيها من أشجار ليمون نضرة وشجيرات الكوبيّة البيضاء المُنتشرة بين الأشجار والممرات الحجريّة صنع مزيجًا لم أرَ أجمل منه في حياتي.

نزلنا من السيّارة التي أغلقت بابَيها بعد ذلك تلقائيًا، يُداخلني إحساس جيّد حيال هذه الزيارة لسبب ما.

وقف إيّان أمام باب المنزل بحيث يرنّ الجرس مُعلمًا بوصولنا، ثمّ ضغط بإبهامه علىٰ مقبض الباب؛ ليفتحه.

- ˒˒بصمتُك الجينيّة مُسجلة في الباب؟˓˓.

- ˒˒عشرون عامًا .. ماذا؟ ألا تفعلين هذا مع صديقتكِ؟˓˓.

- ˒˒بلىٰ، فقط من الغريب أن تفعله أنت˓˓.

نظر إليّ وهز كتفيه في دلالة علىٰ قلة الحيلة

دخلنا بهدوء إلىٰ رواق واسِع خافت الإضاءة أدىٰ إلىٰ بهو الاِستقبال الذي لم أستطع وصفه بما يقل عن كلمة 'مُبهِر'، حوائطه ذات لون بنفسجي باهِت وتتدلىٰ من سقفه الأبيض ثريّا كبيرة زُجاجها له ذات لون الحوائط، تمنحك رؤيتها إحساسًا يُشبه إحساس مُراقبة السماء.
علىٰ اِمتداد الحوائط عُلّقت لوحات تدل علىٰ الذوق الرفِيع الذي يتمتع به من اِختارها، كان هُنالك بضعة رفوف أيضًا تحمل تحفًا وقطع زينة لا أعرف حتىٰ كيف خطر ببال أحدهم أنها ستتناسق وتتلاءم مع بعضها عندما رآها في أماكن مُنفصلة.

نادىٰ إيّان علىٰ رامي بصوت مُرتفع قليلاً، لكن الأخير لم يخرج إلينا، عوضًا عن ذلك أتتنا زوجته رفيف تعلو وجهها اِبتسامة مُرحّبة ودودة.
بدا علىٰ رفيف أنها في نهايات العشرينات من عمرها، طويلة ممشوقة القوام ذات عينين لهما زرقة باهتة وشعرها طويل متموج ذو لون أشقر داكن بلون رمال البحر.

- ˒˒إيّان، عُدت أخيرًا، أولم يكن من المُفترض به أن يكون أسبوعًا؟ لم تُرنا وجهك مُنذ شهر يا عدِيم المشاعِر!˓˓.

اِبتسم مُعتذرًا ثمّ أشار بيده إليّ.

- ˒˒هذه نانيس نارت، حبيبتي .. نانيس أقدّم إليكِ رفيف روسان، صديقتي المُقربة وزوجة رامي˓˓.

صافحتُ رفيف، حتىٰ الطريقة التي أمسكت بها يدي تدل علىٰ قوة شخصيتها.

- ˒˒سررتُ بلقائكِ˓˓. قلتُ لها

- ˒˒لقد سمعتُ الكثير عنكِ˓˓. أجابتني مُبتسمة

- ˒˒حقًا؟˓˓.

- ˒˒أجل؛ فإيان لا يكفّ عن التحدث عن حبيبته الجميلة .. أهلاً بكما، هل فاتني شيء؟˓˓. قال شاب بينما يخطو خارجًا من نفس المكان الذي خرجت منه رفيف

قدّرتُ أنه رامي، ليس طويلاً جدًا، رُبما يتجاوز طوله طول زوجته بسنتيمترين فحسب، كان يرتدي مئزرًا، وله شعر أسود فاحم مثل شعري وعينان زرقاوان مثل عيني زوجته، ولكنّ زرقة عينيه أشد وكذلك لمعانهما.

بدا لوهلة أن رفيف وإيان مُستعدان لسلخه، ما جعلني أتساءَل عمّا إذا كانت هذه الليلة ستكون ممتعة أكثر مما توقعتُ.

أومأتُ له برأسي مُحيّية، لسبب ما بدا ذلك آمنًا أكثر من التكلم.
أخذت رفيف تُحدّق به بحدّة فرمش بضعة مرّات بسُرعة ثمّ اِعتراه الاِرتباك.

- ˒˒علىٰ أية حال لقد سررتُ بلقائكِ، عليّ مُراقبة الحساء الآن˓˓.

ثمّ عاد إلىٰ الداخل مُسرعًا

مساعدهما الآلي الذي لا أعرف أي اِسم يُطلقان عليه أخذ حقيبة الكتف الخاصة بي لتعليقها علىٰ مشجب طافٍ لحين مُغادرتنا.

في حياتي لم أرَ غرفة طعام تفوق غرفة هذا المنزل جمالاً، ليس بسبب فخامتها المُبالغ فيما أو تصميمها علىٰ أحدث طراز، فقط لأنها كما هي، دافئة بسيطة ومُتناسقة الأجزاء بشكل يُجاوز الكمال، واثقة من أن رفيف هي التي اِختارت كل شيء ورتّبت له، إن ذوقها رفيع حقًا.

- ˒˒تفضّلا اِجلسا، وتصرفا براحة؛ فأنتما في منزلكما. إنّ الطعام شبه جاهز، سأعود بعد لحظة˓˓. قالت لنا رفيف مُبتسمة بلطف

ثمّ خرجت بخطوات هادئة واثقة تاركة إيّانا جالسَين علىٰ إحدىٰ أرائكها العسلية مخمليّة القماش التي وجدتُها مريحة لحد أدهشني، عادة لا تكون قطع الأثاث مريحة لهذا الحد إن كانت بكل هذا الجمال.

سمعتُ صوت رامي قادمًا من الداخل.

- ˒˒كيف هي خالتي وليلي؟ قلت أنك ذاهب لرؤيتهما، أفعلت؟˓˓. سأل

- ˒˒كلاهما علىٰ أحسن ما يُرام، أخبرتُ إيدي عن أفعالك، من الأفضل أن تنقطع زياراتك عنهما إن أردت الحفاظ علىٰ سلامتك˓˓. أجابه إيّان

أمكنني سماع ضحكة رامي المرحة التي يشوبها بعض القلق المُفتعل تمتزج بضحكة رفيف الرنّانة

- ˒˒من إيدي؟˓˓. سألتُه

كانت عيناه تنظران في اِتجاه المطبخ بينما يهزّ قدمه باِستمرار، بدأ وكأن سؤالي أيقظه من شرود ذهني.

- ˒˒عذرًا؟˓˓.

- ˒˒من تكون؟˓˓.

- ˒˒إيديث؟ خالتي، صديقة أمي، وليليان اِبنتها. نشأتُ في منزلهما بعد وفاة والديّ، وهناك اِلتقيتُ برامي لأول مرة؛ فليلي اِبنة خاله، وهو أيضًا -مثلي- يعتبر إيدي خالة له˓˓.

كيف يُعقل أنني لم أعرف أن والديه مُتوفيان قبل الآن؟

- ˒˒آسفة لذلك. لابُد من أنها مُقربتان منك˓˓.

هز رأسه قليلاً ولاح علىٰ شفتيه طيف اِبتسامة

- ˒˒كثيرًا˓˓.

أخذ المُساعد الخاص بهما يُعدّ المائدة بأوامر من رفيف علىٰ الأغلب.
بعدها أقبلت علينا وخلفها رامي، دون مئزر هذه المرة.

- ˒˒أرجو أن تكوني من محبّي الطعام الإيطالي آنسة نانيس. شخصيًا أفضّله وأجيد طهوه أكثر من غيره˓˓. قالت لي رفيف بلطف

- ˒˒هل أنتِ قارئة أفكار؟ أنا أعشقه، كنتُ أشتهي تناول الباستا مُنذ أيام .. وأيضًا يُمكننا التخلي عن صيغة المُخاطبة الرسمية، صحيح؟˓˓.

- ˒˒بالطبع نانيس!˓˓. هتف رامي قبل أن يستطيع أحد أن يوقفه

تنحنح إيان بينما يرفع حاجبيه وهو ينظر إلىٰ رامي

- ˒˒علىٰ الأقل ذوقانا ليسا سيئين مثل ذوق صديقتي شغف، الأخيرة تحب الطعام الفرنسي بأطباقه العجيبة˓˓. قلتُ علىٰ سبيل تغيير الموضوع

- ˒˒يا للهول، لا تخبريني أنها تناولت حساء الضفادع أيضًا؟˓˓.

مرة أخرىٰ تنحنح إيّان، هذه المرة بطريقة اِعتذارية بينما يشير إلىٰ الطعام الموضوع أمامنا.
أشارت إليّ رفيف بيدها لكي أتجاهله، فأومأتُ إجابة عن سؤالها
وكردة فعل توسعت عيناها قليلاً في اِستغراب

- ˒˒أخبرتكِ، ذوقها في الطعام رهيب˓˓. قلتُ لرفيف

جلسنا جميعًا إلىٰ مائدة الطعام الأنيقة بأطباقها الفاتحة للشهية شكلاً ولونًا ورائحة.
جلستُ أنا بجانب إيّان وقبالة رفيف.

لأكون صادقة، لا يبدُو لي أن هذه الليلة ستكون بذلك السوء حقًا، أظن .. رُبما فقط اِنتهىٰ بي الأمر بقضاء أمسية لطيفة بعد كل شيء.

***

في داخل الشقة، أول ما أفعله هو اِنتزاع حذائي عن قدميّ المُتورّمتين وإلقاؤه جانبًا.
أمرر كفيّ المُتجمدتين برقّة عليهما، أحيانًا أشعر أن ليديّ الباردتين دائمًا مفعول كيسين صغيرين من الثلج، قد تكونان مُفيدتين لي في الحالات الطارئة أيضًا، هه.

- ˒˒كيل، أنا هنا˓˓. أنادي عليه بينما أخطو عبر مساحة المدخل

لا إجابة، أيعبث معي مُجددًا؟ سأقتله حرفيًا هذه المرة! أعني ما أقول.

- ˒˒إزييي، لا أمازحك، بحق السماء أين أنت؟˓˓.

أخذتُ أتجول بين الغرف باحثة عن إزِكيل، أعرف أن أنفاسي غير مُنتظمة ..

- ˒˒بحق الجحيم كيل!!˓˓.

لحظتها كنتُ أخطو نحو غرفة مكتبه، مررت يدًا علىٰ القارئ فلم يستجب لي؛ قائلاً أن بصمتي غير مُسجلة، متىٰ أزالها؟
عند هذا الحد بات الأمر مقلقًا بصورة جديّة
أدخلتُ كلمة المرور الصحيحة في المُحاولة الثانية، فُتِح الباب بهدوء سامحًا لي بدخول الغرفة التي كانت لتكون غارقة في العتمة تمامًا لولا وهج مصباحه المكتبي الخافت، لم أرَ أحدًا ولكنني فضلتُ إيقاف عمل المصباح؛ لألا يزيد من عدد نقاطه الاِستهلاكية هدرًا.
وبينما كنتُ أقف بمُحاذاة المكتب الأنيق سمعتُه، صوت قطرات تسقط علىٰ أرضية رخامية بتتابع سريع، تلقائيًا اِلتفت رأسي إلىٰ الاِتجاه الذي قدرتُ أن الصوت قادم منه.
علىٰ الأريكة الجلدية الحمراء كان جالسًا بشكل مائل، يُمكنني أن أعرف من هيئته أنه نام حيث هو، لكنتُ لاحظتُ وجوده مُنذ البداية لولا أرفف الكتب التي حجبت الأريكة عن نظري من موقعي عن باب الغرفة.
طلبتُ من الغرفة تشغيل الإضاءة ففعلت ..
بجانب الأريكة علىٰ الأرض كانت الدماء تُشكّل بركة صغيرة، بركة تستمر في التوسع ببطء بينما يتقاطر الدم من سبّابته، يده اليُسرىٰ تغطيها الدماء!
هرعتُ إليه، لا أعرف كيف أطاعتني ساقاي، لكني لم ألمسه عندما رأيتُ شحوبه وذلك الجرح الغائر الذي يخترق بطنه، لا حاجة بي للاِقتراب أكثر لأعرف، لأتيقن
أصابعه المُصلبة تعني أن الجاني بلا شك لم يعُد هنا، يا إلهي لمَ؟ إزِكيل
أردتُ أن ألمسه، لكن ذلك لن يُساعده .. الشرطة
لحظة أمسكتُ هاتفي وأزحتُ عن عينيّ الدموع التي أبت الهطول وظلت حبيسة مكانها تشوّش رؤيتهما، أقول حين فعلتُ ذلك تحركت الجثة ..
إزِكيل اللعين، أراد أن يكون الجثة اليوم؟ سأحقق لأجله تلك الرغبة حتمًا.

- ˒˒عليك اللعنة إزِكيل، عليك اللعنة!˓˓. صرختُ في وجهه

للحظة اِرتبك ثمّ اِنفجر ضاحكًا، يُذكرني بأحدهم.
لو كانت شغف هُنا لأفزعتها رؤيتي بكل هذا الغضب، أرجو فقط ألا أخنقه، هذه الطريقة تترك بصمات علىٰ العنق، بخاصة والرغبة في العنف تجتاحني هكذا.
بعد أن هدأت نوبة ضحكه الهستيرية مسح دموعًا خيالية عن عينيه ثمً وقف يُزيل عن وجهه وكفّيه الأقنعة التي جعلته يبدُو بذلك الشحوب، اللعين!

- ˒˒ماذا؟ هيّا نيس! ما بكِ؟ أنا أبوكِ، كانت مُجرّد مزحة لطيفة˓˓. قال لي بنبرة سريعة

- ˒˒مُجرّد مزحة لطيفة˓˓. قلتُ ببطء وأنا أشدّد علىٰ كل حرف أنطقه

اِبتسمتُ له وجلستُ علىٰ كرسي المكتب، هذا لن يمرّ بسلام أبدًا.

- ˒˒فهمت. كان عليك أن ترىٰ وجهك رغم ذلك، كانت الأشباح لتغار منك حقًا˓˓.

- ˒˒أتعرف السبب وراء مُناداتي لك بـ'كيل'؟ إنها يا أبي الحبيب أفعالك السخيفة هذه˓˓.

- ˒˒ليس لأنه المقطع الأخير من اِسمي؟˓˓. قال لي باِبتسامة ساخرة بينما يُنظّف ذلك الشيء الأحمر من يديه

- ˒˒أنتِ لم تذرفي دمعة واحدة رغم ذلك نيس˓˓. أردف قائلاً دون أن تفارقه اِبتسامته

زفرتُ الهواء في غيظ أحاول كبته.
صعد هو إلىٰ الطابق الأعلىٰ وقام بتبديل ثيابه المُلطخة بأخرىٰ نظيفة، ثم نزل إلىٰ المطبخ حيث كنتُ أجلس.
قام بوضع شطيرة بيض ليتمّ تسخينها، هو حتىٰ لم يكلف نفسه عناء وضع واحدة لأجلي.
ثمّ جلس بعد أن سكب لنفسِه كوبًا من الماء دافئ، سأموت قبل أن أعرف كيف يشرب الماء هكذا.

أخذ يرمُقني بنظرات مُتفحصة من فوق حافّة كوبه بينما يشرب الماء بصوت مسموع وهو واقف بجانب الميكروييف.

- ˒˒إذن .. هل كنتِ في ملهىٰ ليلي؟˓˓.

فتحتُ فمي ثمّ تنهدتُ عاليًا عاجزة عن الكلام، أيمازحني؟

- ˒˒ما الذي تعنيه؟˓˓. سألتُ بهدوء

أخذتُ أنظر إلىٰ ملابسي، إنها تبدُو كملابس سهرة فعلاً، ولكن الأمر لا يصل لمستوىٰ الملاهي الليلية!

- ˒˒ما بال هذه النظرة التي تعلو وجهكِ؟ إنه محض سؤال نانيس، لمَ تبدُو ملابسكِ بهذا الشكل؟ أصرتِ تخرجين وتقضين وقتًا ممتعًا دون علمي؟˓˓.

- ˒˒لقد كنتُ مدعوة علىٰ العشاء، حسنًا؟ لم أذهب لملهىٰ يا مُنحرف التفكير˓˓.

- ˒˒أنا منحيف التفكيي؟ أنظيي ايى ما تيتدينه!˓˓.

بفضل حشره لثلثي الشطيرة في فمه دُفعة واحدة، تشوّهت مخارج حروفه، لكنني فهمتُ ما قال في كل الأحوال.
ناولتُه منديلاً بينما أنظر إليه شزرًا فلزم الصمت ومسح لطخات الجبنة من علىٰ شفتيه.

تنهدتُ؛ فأنا أعرفه حق المعرفة، سيسأل.
إن ردة فعله غالبًا ستشبه ردة فعل شغف عندما عرفت لأول مرة، المُتحمسان الأحمقان سيقتلانني ذات يوم.
أنهىٰ تناول شطيرته وشرب آخر جرعة من مائه الفاتر، ثمّ ناولني من ثلاجته قهوة مثلجة.

- ˒˒الآن أخبريني. اِكذبي وسأعرف˓˓.

تبًا، ها نحنُ أولاء!
سأخبره بكل شيء، وليكن ما يكون.

- ˒˒.. وكما ترىٰ، هكذا اِنتهىٰ بي الأمر مع إيان في منزلهما أجرّب طهو رفيف للطعام الإيطالي˓˓.

في البداية ظل يُحدّق بي مع نظرة خاوية في عينيه، ثمّ أمسك بإحدىٰ وسائد الأريكة الصغيرة ودفن رأسه فيها لتبدأ نوبة ضحكه الهستيرية، ظلّ يضحك حتىٰ اِحمرّت أذناه وتوسلته رئتاه ليتنفس، لم يستطع قول حرف قبل أن يعود ليغرق في الضحك مُجددًا.
عندما تمالك نفسه أخيرًا مسح وجهه بكفّيه وتنهد بمرَح ورضا

- ˒˒نيس واقعة في الحُب؟ أظنني قد عشتُ طويلاً لأرىٰ هذا، يا إلهي. تحيّاتي الحارة لكِ شغف، لقد أبدعتِ هذه المرة، حقًا˓˓.

أخذ يُصفّق بيديه ويصفّر مُعجبًا بما سمِع، كقرار نهائي: سوف أقتله بنفس الطريقة من مقلبه السمِج ذاك.

- ˒˒أنا لا أحبه، سننهي الأمر في المرة القادمة التي نرىٰ بعضنا فيها˓˓.

- ˒˒أوه، أجل أجل. مؤكد أن كل هذا التأنق واِختياركِ للأسود والأحمر سببهما أنكِ لا تهتمين أبدًا به˓˓.

- ˒˒كيل، من الأفضل لك أن تصمت وإلا ..˓˓.

أصدر بفمه صوتًا مُضحكًا واِبتسم بلامبالاة كما قد يفعل صبي مُراهق

- ˒˒إن كنتِ تملكين صورة له فأريني إيّاها، من حقي أن أرىٰ كيف يبدُو صهري المُستقبلي˓˓.

عند تلك النقطة لم أتمالك نفسي، كان الشيء التالي الذي رآه هو الوسادة التي طارت لتُصيبه في وجهه مُباشرة.

- ˒˒سأحرص علىٰ أن تموت بالطريقة التي أردتها يا أبي، أين تلك السكين التي كنت تلعب بها؟ سأضعها حيث يجب أن تكون˓˓.

وقف مُسرعًا وهرول إلىٰ غرفته مُتراقصًا ثمّ أغلق الباب بقوّة خلفه.
لكنه فتحه بعد ثانتين وأخرج رأسه ببطء

- ˒˒إياكِ ونسيان دعوتي إلىٰ حفل زفافكما، رغم أنني أعلم أنكِ قد تتجاهلين ذلك أيتها العاقة!˓˓.

للأسف، الوسادة الثانية اِرتطمت بالباب فحسب؛ لأنه اِختبأ خلفه وأغلقه بسرعة.
غدًا لنا شأن أخر.

2490 كلمة.

***
هذا الفصل معدل، أحداث هذا الفصل تنتمي للفصل الرابع (السادس حاليا) ولكن لرؤيتي بأن هذا الفصل طويل للغاية قررت قصه كي لا يمل القراء من طوله. أرجو أنكم استمتعتم.

Pokračovat ve čtení

Mohlo by se ti líbit

603K 35.4K 41
قصه حقيقيه لثلاثه ريحانات لكل ريحانه قصه مختلفه تأخذنا لنغوص في عالم مختلف
157K 4.7K 56
معزوفتي الاولـى : « بكره توقف من اللهفه على بابي » نفسك من الشوق والحرمان منتله روايه تجمع مابين { الغموض ، الكره ، الاكشن ، والعفويه ، والحب } ...
1M 39.7K 50
تقدمت عليه واني احس الخوف والرعب احتل كل جسدي وقلبي أحسه توقف واني اشوفه جالس گدامي مثني رجله وخال عليه ايده والايد الثاني ماسك رأسه متوجع قربت عليه...
29.5M 1.7M 55
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...