بين نهرين (Mesopotamia)

By A_mnesia

753 57 65

ما معنى الأنسانية؟ ان تكون بشري؟ ام ان تملك حلماً سامياً تسعى لتحقيقه بكل جوارحك؟ بشرية تسعى للتحرر ونصف جني... More

مقدمة + الفصل الاول
الفصل الثاني :ألخنجر وألتمثال
الفصل الثالث:حارس الزمن
الفصل الرابع : دليلة
الفصل الخامس: الابنة تعود
الفصل السادس: الذكريات الدافئة
الفصل الثامن: المعبد المقدوني

الفصل السابع : الافندي

52 4 3
By A_mnesia

اجتمعت أورورا بإرنست في حديقة منزله، في صباحِ يوم الجمعة، بعد ان حَّيت من في المنزل وطلبت محادثته شخصيا على انفراد. وقد كانت الحديقة عبارةً عن حجرة زجاجية تحوي طاولة وثلاثة كراسي، على عدد اسرة إرنست_والتي تتكون منه و زوجته ووالدته_ وقد حوت الحديقة بعض اصناف النباتات مثل زهور القرنفل وعباد الشمس والورد البلدي والخشخاش الاحمر، وبضع شجيرات صغيرة، كان والد أورورا نفسه قد اعتنى بها في حياته.. ولقد كانت بالفعل بديعة الجمال.

احضرت زوجة إرنست الشاي لهما بنفسها، وتركتهما بعدها لوحدهما، ولم تمانع ذلك مطلقا؛ لانها تعلم مدى حبه واخلاصه لأورورا والتي كان يعتبرها بمثابة اخته الصغرى. هي نفسها كانت تحبها ، فلقد كانت انجيلا انسانة كريمةُ النفس،  ذات مشاعر نبيلة لم يخالطها اي سوء او غلظة، ولعل هذا هو سبب حب إرنست العميق لها ، فقد كان مزاجهما متشابهاً الى حد ما، وقد كانت شقراء بريطانية، ذات عينين  زرقاوين غائرتين تعبران عن عاطفة وحنان، وملامح ناعمة بريئة مع جبهة عريضة بارزة ، اما إرنست نفسه فقد كان شابا نحيلا متوسط الطول في التاسعة والعشرين من عمره، عيناه البنيتان عبر النظارات تعبران عن ذكاء وفطنة، ولم تخلو ملامحه من مسحة من الوسامة، والى جانب ذلك فقد كان غنياً ورث الملايين من ثروة والده الراحل وخاله كلاهما، ولذلك فقد تلقى افضل انواع التعليم في انجلترا، والذي ساهم في صقل شخصيته، فكان عالما محبا للطبيعة والناس. كرس نفسه لخدمة البشرية_ على قدر استطاعته_ كان يحس بواجب قيامه بأيما مسؤولية القيت على عاتقه، وليس اكثر او اقل من ذلك، وهناك كان قد تعرف على زوجته، أثناء دراسته الجامعية. فقد كانت ابنة احد اساتذته.

وكان الطبيب إرنست قد امضى تسع سنوات هناك، قبل ان يرجع منذ عام ونصف الى بلده، مستفيدا بصورة تامة من كل الخبرات التي تلقاها في اسفاره، كان ذلك كفيلاً بجعل والدته تتباهى وتتغنى بفضائله  اينما حلت. اما أورورا فقد كانت في الرابعة عشرة عندما سافر، ولقد افادتها السنين التي قضتها بعيدة عنه بأن كانت كافية لتميت عاطفة الحب التي توقدت في  قلبها تجاهه، على الرغم من ذلك، فأن إرنست ما يزال يملك مكانة خاصة في قلبها،ولذلك التجأت اليه.

- سيبرد شايك، هيا اشربيه.. عقب إرنست.

فرشفت أورورا الشاي بالليمون كله دفعة واحدة بتوتر ، وكأنها تريد ان تنهي امراً ما بسرعة. فلاحظ إرنست ذلك وابتسم.

-اذاً مالذي اردتي الحديث بشأنه؟

- هل تذكر عندما اختفيت قبل ثلاثة اشهر او يزيد؟ قبل حادثة موت والدي، كنت قد سقطت في حفرة عميقة، مظلمة، وبقيت هناك لفترة، ولست ادري حتى كيف خرجت منها، لقد كانت معجزة حقا..

دخلت بصلب الموضوع مباشرة. حيث اصاخ إرنست بسمعه بأنتباه شديد لكلامها المفاجئ بعد كل هذه المدة من الصمت، ومرت فترة سكون قليلة قبل ان يسألها :

-ولكن، لماذا لم تقولي شيئا كل هذه المدة؟

نظرت الى ازهار الخشخاش على جانبها بشرود واجابت:

- لا ادري، لم يعد هذا مهماً على اي حال.. لا اريد التذكر.. ثم عادت لتنظر اليه.

-ها قد عدتي الى جوابك القديم كرة اخرى...

- كلا.. انه فقط... من الصعب ان اشرح... وربما لن تصدقني، بل انني متأكدة انك لن تصدقني..

- جربيني اذا!..

- على العموم ليس هذا ما اردت الحديث بشأنه، وانما اردت ان اطلب منك معروفا...

-تعلمين بأنك يمكن ان تطلبي مني اي شيء.

- اذا هل تعرف اللغة البابلية القديمة؟

عقد الرجل حاجبيه بأستغراب:

- اللغة البابلية القديمة؟من اين اتى لك هذا فجأة؟
وعمت فترة صمت قليلة تفرس فيها إرنست بوجه الفتاة.

- هل انت واثقة انك بخير؟ لربما يكون الحزن الشديد قد اثر على طريقة تفكيرك... او ان رأسك قد تضرر من السقطة فشوش هذا.....

- مالذي تعنيه؟ انا لست مجنونة.. انا بخير تماما.. قاطعته بسرعة بشيء من الانفعال.

- لم اكن اعني هذا، لا يشترط بمن يتصرف بهذه الطريقة ان يكون مجنونا، الحزن يدفع الناس لاغرب مما تتصورين. ثم انك قلتي بأنك قد سقطتي في حفرة، صدقا من الممكن ان يؤثر ذلك على اجزاء من عقلك.

- اؤكد لك، انا بخير تماما ، واملك سيطرة كاملة على ذهني ومشاعري، لم اتأذى مطلقاً.. فهلا تجيب على سؤالي الان؟ ارجوك.

- حسنا..  زفر إرنست الهواء واستطرد:

- انا لا اعرفها، لكن اذكر بأنه كان لدي زميلٌ مختص بدراسة التراث واللغات القديمة وما شابه، سأكتب اليه ليرسل الي بعض الكتب والمخطوطات، لكن هذا الامر سيستغرق وقتا.

- كم من الوقت؟

- لا ادري، ربما بضعة اشهر لتصل رسالتي، وبضعةاخرى لنستلم الرد.

- طيب، سأنتظر.. وكأنني املك غير الانتظار ...

همست جملتها الاخيرة بشرود، ونهضت لتنصرف، فأستغرب إرنست لأمرها..

- ولكن لأي شأن قد تحتاجين هذه اللغة؟

- ربما سأخبرك ... يوما ما ...

-افلا تبقين لبعض الوقت؟ لما انت مستعجلة هكذا؟ لنتحدث قليلا كالايام الخوالي...

-  ربما في وقت لاحق..لا رغبة لي في الحديث الان، اعذرني.

اجابت بأبتسامة رقيقة خافتة ثم خرجت من الحديقة على هيئتها الاولى، وعندها فقط شعر إرنست وكأنه فقد صديقته القديمة، لكأنها قد تبدلت في تلك الحفرة،علم بأنه من العبث الذي لا طائل تحته ان يحثها على الكلام ان لم تقرر هي ان تتركه عن طيب خاطر.

لقد كسر موت والدها قطعة ما في روحها، كان هنالك المٌ رهيب يعتصر قلبها، وما زاد الالم سوءاً هو انها لم تعد تستطيع البكاء لتزيح الهم عن صدرها، وتستريح من كل ذلك الاسى. لذلك قبلته بكل بساطة، وحاولت ان تتعايش معه، الا انه من الصعب على الانسان ان يبقى محتفظا بسماته القديمة، وان يمرح ويمزح عندما يملك ثقبا كبيرا مكان قلبه، ثقبا يهدد بأبتلاع جوهره بأكمله، ثقبا يمتص شيئا فشيئا عواطفه الانسانية ويجرده منها، الى ان يبقى في النهاية مجرد ظل لنفسه القديمة. ولكن من يدري.. لعل الايام ستشفي ذلك الجرح، وترجع بعضا من هذه الاجزاء المحطمة لروحها.

*
*

*
همساتٌ وهسهسات هنا وهناك، وكلامٌ سيء يقال.. نظرت أورورا الى الناس المتآمرين بطرف عينها بينما عبرت الشارع الى الاسطبل، والذي لتصل اليه كان لابد ان تمر عبر السوق، فكان بعض الكلام يصل الى مسامعها.. ولكنها لم توله اهتماما كبيرا سابقا، فقد تكلموا خلف ظهرها لفترة، ثم نسوا الموضوع واستبدلوه بمادة طازجة اخرى،  فعلى ما يبدو بأن النميمة بحر لا ينضب! اما الان وقد وضع نعيم عينيه عليها، فقد عادت لتصبح حديث الحارة من جديد، وانزعجت قليلا هذه المرة، لكن ذهنها كان مشغولا كثيرا لتلقي بالاً لهؤلاء النمامين.

- بالتأكيد انت لاتفكر بالزواج منها جديا!

اردفت اخته الكبرى بينما حملت واخيها بعض البقالة، عندما لمحا أورورا تمشي عبر طريق السوق، ونظرت الى اخيها كيف يتفرس في الفتاة.

- بل هو بعينه ما افكر فيه، انها جميلة وذكية، تناسبني تماما.

- لعلك اصم يا اخي، هذه الفتاة لديها سمعة، وانك بالتأكيد ستكون اعمى اذا لم تشاهد ذلك الجرح القبيح على وجهها. بالاضافة الى انها مسيحية.

- ليس بالشيء المهم كثيرا، فجمالها يطغى على الندب..ثم وان كانت مسيحية لا اظن بانه امر محرم علي.

- اذا هل نسيت وصية والدتنا؟ لا داعي لأذكرك:" عليك يا نعيم ان تتزوج بفتاة بسيطة وجميلة وغير متعلمة، تنجب لك الاطفال ولا تسأل عن اي شيء ابدا. "
اما هذه الفتاة فهي تبدو مغرورة، تنبعث منها هالة تقول :"انا افضل منكم جميعاً. "

- ولكنك يا اختي تملكين الذكاء، وشيء من الغرور مع ذلك قد تزوجتي.

- انا مختلفة، لقد تزوجت لانني ذكية. ثم انه يحق لي ان اكون مغرورة فأنا املك الكثير من الفضائل والخصال بالاضافة الى الغنى .  اجابت اخته بغرور.

- هاه؟ اراك تناقضين نفسكِ؟ اذاً برأيك لا يحق لها ان تكون مغرورة لأنها فقيرة؟

- طبعا، فالفقراء يقبلون الاحسان، ولا يجب على اي انسان يقبل الاحسان ان يتصف بالغرور. لذا اقترح عليك ان تنسى امرها.

- سوف نرى...

اردف نعيم مع ابتسامة متألقة، بينما اكمل التبضع مع اخته للوليمة التي ستُعد بمناسبة اجتماع العائلة بأكملها اليوم، فقد اصرت على ان تتسوق بنفسها وان لا تعتمد على الخدم هذه المرة، فهي بالطبع اكثر خبرة منهم ولا احد يضاهيها في التبضع والطبخ ايضا_ او هكذا كانت تظن_ لكنها كانت تتنازل في احيان كثيرة عن تلك المهمات لكونها شاقة ، الا انها لم تعترف بذلك ابداً.

كان نعيم افندياً ذو دخل جيد، شابٌ في منتهى القوة ،اي فتاة سوية ستحلم بالزواج منه، لانه كان بنظرهم مثقفا جدا_ مع انه لم يعرف شيئا سوى بعض المواضيع التي قرأها من الجرائد القادمة من مصر_ولانه يلبس مثل السادة. الا ان هذا كان ظاهر الامر، اما في باطنه فقد كان محبا للمغامرة ، تواقاً ليخضع اي شيء يثير اهتمامه تحت سيطرته، فمثلا لقد احب ترويض الاحصنة كثيرا، وبنظره لم تكن أورورا تختلف عن اي فرس. ولكن والحق يقال، انه احترم تفكيرها كثيرا وقَّدر انها تجيد القراءة ، ولكن من الافضل للموضوع ان يتوقف هنا، فليس من اللائق ان تساويه في تفكيره، ونظرا لانها فقدت والدها وبحاجة الى رجل ليعيلها، بالاضافة الى جمالها الذي كان يجذبه، كل هذه الاسباب جعلتها الزوجة الامثل بنظره. ولذلك كان لزاما عليه ان يخطب ودها.

فلمعت فكرة في خاطره، و نادى نعيم احد الاطفال الذين يعملون في السوق بجر العربات، واخبره ان يوصل اخته للمنزل ويحمل البقالة عنها في عربته،  ثم قال له بأن يمر عليه عند العصر ليعطيه اجره، بينما وقفت اختته مدهوشة وسط كل هذه الجلبة!

- مالذي حدث فجأة؟

- عذرا يا اختي، تذكرت بأن علي التواجد في مكان ما.

- نعيم، مالذي تنوي فعله؟

سألته اخته مرتابة.

- لاشيء، علي رؤية صديق فقط.. اراك على الغداء اذا.

وغادر تاركا اخته مرتبكة وحائرة وسط حشد الناس المتبضعين وضوضائهم. ...

Continue Reading

You'll Also Like

100K 3.9K 14
عندما تتعرض لنوع واحد من المشاعر تنسى الباقية تدريجيا .. الالم الذي عانت منه كان كافيا لجعلها تنسى كل شيء عداه .. ليصبح هدفها الوحيد هو تجنب هذا الشع...
27.2K 2.2K 43
لا أعرف في أي عَالَم نَشَأْتِي لكن يكفي أن قلبي عالَمَكِ الجديد 💥 صَلْبٌ أنا أقِفُ ضاحِكًا من العشق والعُشَّاقِ اسْتِهْزاءَ، و اليوم فَخْرًا أُقِرُّ...
39.6K 3.6K 42
مِن فَضْلِك طَلِّقنِي!! لقد تزوجت من أعظم شرير في العالم وأنجبت طفلاً مهووسًا. اعتقدت أنه يمكنني طلاق الشرير وإنجاب ولد ... "من فضلك طلقني، سأقوم بتر...
93.6K 5.2K 35
مخيلتي الأولى 🌷 حسابي تيك 2uls4 انستا :iielrr