صليب الحب| Yoonseok

By kim_vena

263K 17.5K 38.3K

انا وَانتَ ، اتعرِف من نحنُ في الحُب؟. نحنُ من لايترُك سوء الدنيا يقاتهُما. نحنُ من اجتمعَ كل ماعلَى الارضِ... More

الاول
الثاني
الثالث
الرابع
الخامس
السادس
السابع
الثامن
التاسع
العاشر
الحادي عشر
الثاني عشر
الثالث عشر
الرابع عشر
الخامس عشر
السادس عشر
السابع عشر
الثامن عشر
التاسع عشر
العشرون
واحد وعشرون
الثاني والعشرون
الثالث والعشرون
الرابع والعشرون
الخامس والعشرون
السادس والعشرون
السابع والعشرون
الثامن والعشرون
التاسع والعشرون
الثلاثين
الواحد والثلاثين
الثاني والثلاثين
الثالث والثلاثين
الرابع والثلاثين
الخامس والثلاثين
السادس والثلاثين
السابع والثلاثين
الثامن والثلاثين
التاسع والثلاثين
الأربعين
الواحد والاربعين
الثاني والاربعين
الثالث والاربعين
الخامس والاربعين
السادس والاربعين
السابع والاربعين.
الجزء الأخير

الرابع والاربعين

4K 257 1K
By kim_vena

إليك، ايّها الذِي حوَّل الخيال لِي مِن صُورتهِ الوردية
الى حقيقتِه المسِخة، ايها الذِي جرعنِي المعاناة في
بداية الكأس، ومنتصفِه، وآخِر قعرِه، انا أُحِبك،
في الخيالِ المُرِّ، وفي الواقِع المُخيِّب، في ذاتِي
المُدنسة بِك، لاسبيلَ لِايجادِ بِركة تغسلُني بالنقاءَ
من هذا الحُب.










كان ذنبُك ايّها العالمُ انك اهديتني الكثِير من ليت.

يعبُرني الفرحُ بِرونقِ مُثقلِ، مثلَ حقل من أزهار البنفسَج  المُتفرِعة كبرياءً لا أوراقًا ، بِمظهرِها الذي يبعثُ على جمال لامُنتهِ، ووقارٍ مُشترّب بالحُزنِ حتى حالَ الى لونٍ
قويّ، قارِس، يُنشِد بالعظمَة والكِبَر ، مُنغرس بالارضِ بلا حِيلة للهرَب ، مُتفرعُ بها بكُل جِراة على العيشِ حتى
في ارضِ الكدرِ هذه.

يهتزُ على نسمَة هواءِ..يضحك من مُداعبة ضوء شمسِ، تِغني اوراقهُ بالِغة الهمّ المُسممة بالارض موسيقى السماءَ جنباً الى جنب مع نفخة الرِيح.. فيعطِي تمايُله
مشهداً من سلامٍ حتى والحقلُ عينهُ لاينعمُ بِلحظة سلام.

فيتراقصُ الحقلُ البنفسجِي، الحقلُ الذي يبدو حاضناً لكبرياءِ مُفعم بالعُمقِ والشعورِ المُخبأ، الذِي يبدُو جالساً
على عرشِ الأسى او انهُ كل شعب مدينة الحُزن، ورغم ذلك فبمُعجِزة..

يجعلك صامتاً امامه، عاجزاً عن التعبير،
اهذا الحقلُ يعطيك بهجة ام يملؤك بكدَرِه؟
اهو حي ينبض بالحياة ام كئيبُ يُصوّر الموت كانعكاسه!.

انني الحقلُ وفرحِي هو نسِيمهُ.

مُخادِعة هي الفرحَة..خفيفة جداً لقدر لايمكن فيه
تقييدُها واستعبادها، ومفرط في ثقلِه هو الحُزن..
لحدٍ يصعبُ فيهِ مُضيُّه، حدُ بهِ يُحال عدمُ تقييدهُ.

وكأنهما نهرُ جارٍ تنتصِفه صخورُ ثابِتة، الماءُ
الرقيقِ الراكِض هرباً وحُرية هو السرورِ
وأما البؤس فهو الصخر الخشِنُ الراسِخ.

مِسكين انت ياحُزن، خُلِقت ثقيلاً..وان ألقيناك
عنّا، فليسَ لك من يُلقيكَ عنكَ ، وان وجدنا حريتنا
منك، فليسَ لكَ من يُحررّك منكَ! ملعون اِلى الابَد
بِك.


-



"ل..لاتفعَل بي شيئاً! سأساعدك بماتشاءُ، فقط
حررني!" تعثّرت حروفهُ الهزيلة الى خارِج فَمِه،
تصلُني واتأخر في استيعابها، كنتُ اُمسك بالقناص ولايفصلنا مترٌ يُذكَر، لكِن في عالمِ شعورِي وداخلِي،
كانت بيننا السماء والأرض! كنت على سحابة، وكان
في اسفلِ طبقة مِن اليابسة.

ولتوسُلِه الهامِس المِرتجف ذاك، فرُطت مِن ثغري ضِحكة، لو كان ذكياً بمقدار ذرّة لاستغلّها في ركلي
والهرَب فلم اكن لاحرك ساكنًا من ضحكي! لكن
يبدو انَ غلبَ على ظنِه انني اِمثل، لايدري! لقد
ضحكت من عُمقِي كما لم افعل منذُ اشهُر طويلة عجاف.

اضحكني
انهُ لايفهم كمَ هُو غالٍ فعلُ ملايين الأشياء به في
هذه اللحظَة! هذا الأهوج الصَّغير..لايدرك انهُ
مفاتيحي لمُغادرَة هذا الجحيمُ المجنون.

"سأُحررك ياغالِي والدَتك! سأفعلُ في أحلامك ،
ان كُنتُ كريماً بمايكفي لاترك لك واحدة " جررتهُ
داخِلاً الى الغِرفة ابتعدُ عن بابِها، تحرّك الحرسُ بُغية
استعادة اسلحتهِم، فيمنعهُم صوتُ طلقة من ورائهم،
وسقوطُ احد رفاقهم في اَحضانِ موتِه.. فتخنعُ كُل تعابيرهم الى سِلطة العجزِ والجزعَ.

"الى اين؟ ان المتعة تبدأ حديثاً!!" يصِيح فيهم صوتُ
ضاحِك، لا لمحة للجديّة في حدِيثهِ، بدى ان الرئيس
أيضاً كان مغموراً في سحابَة النصرِ المُستبقِ بجانبِي،
فقد تمكّن من قراءة الموقفِ من نظرَة كانت كافية جداً
ليُدرك اي وترٍ مهم مسسنا ،
يالهُ من نصرٍ عظيمِ هذا الذي لمسناهُ!!.

رضخُوا لكلماته يُطالعونه في انتظار حركتهُ القادمة،
سيرضون الموتَ، سيصمتون عن وجعِ الضربات،
لن يِحركوا ساكناً ، كيّ لا ارمِي لهِم عيناً او ذراعاً
من عزيزِ سيّدهم هِنا ! اللعنة ان هذه المُتعة لاتمزَح،
لم يعُد في قلبي ذرّة لومٍ علَيكَ آنخِل، اتفهمُ تماماً
مافجّر انهارَ نشوتِك في دموعنا حقاً.

ركلتُ الباب خلفي اِغلِقه كي لايقاطِعني احدُ،
رميتُ الفتى من يَدِي الى الارضِ ، تحديداً
لحيثُ يصتدم ظهره بالجدارِ، وكي لاينهضَ،
ثبّتهُ بقدمِي على وجهه، وفُوهة سلاحِي فوقّ خُصل
رأسِه، لم تخرُج لبرهة حتى انفاسُه.

وقعَ عنهُ اللثامُ الذي كان يغطي نصف وجهه سابقاً،
بل وحتى قُبعة معطِفه تهاوَت الى الخلفِ تترُكه
مكشوفَ السِتار كما لَم يُرِد وأردتُ.

اطلقتُ صفيراً عابِثاً "اصغرُ ممّ توقعتُ" قصدتُ
ملامحهُ الشابّة جداً ، وجسدهُ الذي كان خفيفاً بما
يكفِي ليطِير من دفعتُي، وليضيعَ في الملابسِ
الواسعة التي يرتديها، اكان يِحاول ان يبدو اكبر حجماً؟.

حلّق سكونُ خامِد على تعابيرِي لبُرهَة، اختفَت
لمعَة البراءة من بحريّتي وانا احدّج بنظرتِي
يديهِ التي يحاول دفع قدمي بهما عن وجههِ، ايّ
واحِدة كانت؟ كنت اعدّ تنازُلياً ، ثلاثة..عيني على يده
اليمنى، اثنان، عيني على يده اليسرى، واحِد..
وقع الاختيار على يده اليُمنى.

"اعطنِي يدَك ياهذَا " طلبتُ ، بفظاظَة وبرودِ،
وحين لم يطعني، رفعت قدمي عن وجهه بمسافة
ضئيلة، حاول خلالهَا تدارك العالم  من حولهُ
والتنعُم بِنفس واحد، لولا اني اعدتها عليهِ بركلَة
قاسية، نزفَ انفهُ وصرخَ، لعلّي كسرته.

ليعتبِر هذه رداً طفيفاً على كمّ تمزقت روحِي
في ذلك اليومِ على حُزنِ الرئيس.

"يدُك!" اعدتُ أمرِي، سمعتُ نحيباً باكياً وضعيفًا،
لا..لا ايّاك ان تبكِي! ليس بهذه السهُولة، في المصعد
لم ابكِ انا لمُدة طويلَة داخل الظلامِ وأمام اعيُن الموتِ،
لذا ايّاك ان تبكي بهذه البساطة!.

"لاتفعَل شيئاً لي..انَا اَسِف! غير اني لم افعل
لك شيئاً! " اِهتزّت حُنجرتهُ
تُصدر نبرتهُ المُرتجِفة، ولأنه بالكادِ يرانِي من خلف
حذائي، فقد طفَت يدهُ بالارجاء تبحث عنّي، تنفيذاً
لامري.

لَم يفعل لي شيئاً..ليت العالَم يسيرُ بهذا القدرِ من
البساطة! ليتهم يتركوننا وشأننا لمُجرد اننا لم نفعَل
لهم شيئاً..ليتهُم لايقتلون خيرَنا ويُحولون لُطفنا الى جرِيمة، ليتهُم لايُحرقون أحلامنا ويُرهبون سرورنا،
ليتهم لاننا لم نفعل لهم شيئاً من بؤسهم يُحررونا.

"لكني أيضاً لم اَفعَل لك شيئاً ، امنعَك هذا من
اِصدار رصاصة في حق سكينتي؟ اللعنة عليكَ..
كنت بالفعلِ ممتلئاً بالمصائب قبلَك ايها التعيسّ!"
تحدثتُ بِرعونَة، لا ادرِك انِي ركلتُ وجنتهُ الّا من
تألُم قدمِي، وميلانهُ الى الطرفِ المُعاكِس ليبصُق
شيئاً من دمِه، و اثنين من اسنانه..لعلّي لم اركُله لمرة
واحدة فقط.

ولأن يده اليُمنى كانت على الارضِ تُسنِده في
انحناءِه، قررت ان لا اِضيع وقتِي في طلبِه اياهَا،
دهستُ احد اَصابِعه ، صرختُه ايقظَت الجُدران
من سُباتها، لم اشعر بالشَبع، انحنيتُ، وضعتُ ركبتي
على رِسغه، امسكت الإصبعين التي تستخدم لضغط
الزناد داخِل كفّي "لتُصل ان هذه ليست هي اليد التي اطلقت بها لانه سيكُون مِن المُسلّ للرجل في
الخارِج كسرُ الحقيقية المُذنبة".

كنتُ اعُد بالقُرعة بين يديهِ لانني قررت حُفظ
واحدة للرئِيس، كلّا..بَل للأخ الاصغَر لِسام.
وان كان يبدو صَعباً جداً، فمن الشهيّ لِمخيّلتي تحطيمه
وتفتيته الى أشلاء ثم إرسالها الى آنخِل! وانه سيطيب
لي كثيراً تحطيم كُل يديه معاً اصبعاً اصبعاً ، لكنها لعنَة
العدالة.

اِنتشرت ابتسامَة واسِعة على وجهِي، ولمعَة
مقلتايّ بِبهجة لِصوتِ صياحهِ الذي فاقَ سابِقته،
ما اعذَب ذلِك..اشعُر ان جرُوح الأمس تضحَكُ ،
وكأن كدمات قلبُي على عذابِه تتبخَّرُ بروِيّة .

تركتهُ ووقفتِ عنهِ لأراه يتلوّى، يحتضنِ نفسهُ
وينوحُ، يُمسِك اصبعيه وقد تلوّنت بالبنفسجي ويفلتها، يخترقِ صوتُ وجعِه احشاءَ الارضِ،
تُحس هي بِه، وتتعالى بهجتي. 

رفعتُ هاتِفه الذي وجدتهُ في جيبهِ، صورتهُ،
تأكدت ان صوتهُ سيكُون مفجعًا جداً حين يندلِع
الِى المسامِع.

"اُوه بالمناسبة نسيتُ ان اسأل! ماعلاقتكما؟
هل هو والدُك؟ اخوك؟ اُمّك؟ " قلتُ بِصوت
لامِبالِ، فقد كنت مِهتم اكثرَ بايّ شيء سأجعله
يصرخ تالياً؟ ايُ تعويضِ لائِق سأُهدي ألمِي الذِي
اُعمِيّ في ظُلمته منتظراً لحظَة نورِ وسرورِ!.
اعدت بهدوء هاتفه الى جيبي اترقّب اجابتهُ.

لكنهُ لم يجبني، ظلّ على هيأته مستلقياً نحو جنبهِ
هامداً كجُثة بينما يطالع اصابِعه وتجرِي الى
خشب الارضِ دموعهُ، انه صُندوق اسرارٍ حصِين
كما اعتقدتُ.

لكني لا املِك الوقت ولا العطفَ الكافِي للاهتمام
وتفهُم ذلك.

ركلتُ معدته لأستعيد وعيهُ، وكأنه مخلوقِ نجسِ،
احقر من البشرِ والشياطين والمسوخٍ بكثِير..
"لن اُخبرك ايها الوغدُ!" وردتني تمتمتُه السارِحة،
الأحمق يعتقدُ ان لديّ متسعاً من الصبرِ والخيرِ للنقاش مع أمثالِه.

حطّت زُرقة عدستي فوقَ عينيهِ، فزّت روحهُ بشهقة
فزِعة..حدقت به وكأنني اثقبُه، وكأنني اُقذف في
أركانه انصالاً بارِدة مِن جليدِ! لم ارد ان امنحهُ
رفاهية التهديدِ بدهس اصابعه مُجدداً ، دهستها
على الفورِ، اسمعهُ يصرِخ، وانطِق بعد ان يهدأ
صياحهُ "اجِب".

اجعلهُ يُدرك بلا اي كلمة؛ انا لن اُهددك، سأملأك
مباشرَة بعذابي.

في الحقيقة، لقد اجرت سام بحثاً مفصلًا عن تاريخ
آنخِل، لا توجد ايّ معلومة تِفيد بامتلاكه ابناً،
لاعائلة ولا أقارب يِهمّونه، أسوأ مافيهِ كان انهُ
بدى محصنًا مِن الأعزاء ، وحيداً لقدرِ لن تيأس لموته
حتى الارضّ التي يمشي عليها او الفراش الذي يرقد فوقه.

ولذَا تحديداً قد امتلأت أساريرِي بسرورِ المِفاجأة
لحِرص الحرسِ على حياة هذا الفتَى بدلاً
من قتله وقتلي معاً.

"لايُمكنُني اِ..خبارُك، ان كنت ستقتُلني فلاتُضيع
وقتَك ا..انني لن انطِق" نبسَ مُبادلاً عيناي النظرَ،
وليتهُ لم يفعَل، قرأتُ في عينيهِ ذلك العُمق المُخيفَ ،
الشعُور الرقيقِ كزُجاجة, الكاسِر كَطرفِ من شظاياها.

اِسترخت العُقدة بين حاجبايّ، تكوّرت السُخرية
الجامدة كرضِيع فِي نظرتِي التي اطالعُ بهّا عينيهِ..
"أ عشِيقه السريّ؟" ولم تخلُو نبرتي من فيضٍ
زاخِر بالسُخرية أيضاً.

ألهذا كان آنخل طاغياً علينا لهذا الحدّ؟ لانهُ يعرف الحُب؟ ان كان هذا حقيقياً..فيالكرَم الحياة!.

توسعَت جفنيهِ بِرهبَة، حاولَ النهوضَ صائحاً
بانفعالية وفزَع "لا لستُ.." اوقفتهُ عن الحديثِ
بركلَة جديدَة فلم اكن بحاجة للمزيد من الإثباتات.

رجُل سياسِي مُرشح لمنصب العُمدة، كم سيخسرُ
من الأصوات حين يُعلم الناسُ انهُ متورط مع فتًى
ومُجرم؟ بَعيداً عن كونه هو بعينه مُجرماً يسعى خلفَ
الميناء ليحكُم العصاباتِ بدلاً عن إبادتها كما يَعِدُهم،
بهذا الفتى سيخسرُ اللعينُ تماماً في كل شيءِ!.

ضدنا، وأمام حُلمِه، سيقع سقفُ طموحهِ على راْسه،
ستموتُ نفسهُ قهراً قبل انَ نُقطعها نحنُ الى فُتات.

اعدتُ خُصلي الى الخلفِ بعيداً عن جبينِي، تصدُر
مني المزيدُ من الضحكاتِ الصاخِبة، هل جُننت
اَخيراً ياتُرى؟ "لا لست كذلِك..لا اعني له شَيئاً..
انت مُخطِئ" كان الصبيّ يُردد بصوت منخفض،
كمن يسيرُ في معركتهِ الخاسِرة، كمن يصُب كُل
قُواه في سبيلُ جحدِ الواقِع وانكاره.

أزعجني هذا.. بدَى وكأنه يمُس طُهر الحُب بِنجاسة.

سحبتهُ من ياقتِه، ليستردّ وعيهُ في لحظَة وينظُر
اليّ بذاتُ المقلة المُهتزّة، هو خائف على نفسِه..
انا اُدرِك جيداً الفرقَ بين الخائِف على احدِ
والخائف على ذاتهُ!! اشعلَ خوفهُ كهرباء الاستفزازِ
في نفسِي..

فبصقت في وَجهِه "اسمعنِي جيداً ايّها المسخ النذلُ،
لاتُدنسا الحُب!! فبينما انت هنا تحمي نفسك وتخاف
عليها وهو هُناك يخفيك عن الناس خَوفاً على منصبِه
لاعليكَ، إيّاكما ان تقرباه، والَّا ستقابلانني، وصدقني!
مقابلتي حين اغضبُ لاجلِ شيء ما اشنعُ بكثير من
مقابلة إله الموتِ".

اعلمُ انه خائف على منصِبه، لانهُ لم يضعه في منزِله،
حيثُ الأمان الأعظم تحت حِراسة الدولة واعيُنهِ،
فهذا الفتى متورط بالفعل بجرِيمة! ووجوده في
منزِله ضربة قاضية لمنصبِه وسُمعته.

ولأنه كذلك لم يتفضّل عليهِ بزيارة واحدة..
وحسبَ هاتِفه..حتى اِتصال، منذ هاجمنا، قطعَ معهُ
كُل سُبل التواصُل، بدى متأكداً اننا لن نترُكه وشأنه ،
لعله فعلها حيطةً لا اكثَر.

لكن يبدو انه متورط معه اكثر مما اعتقَد، فحتى
وان كان وجودُه مع حرسٍ كُثر يعمل كمصيدة لنا،
فموتهُ يُفيده اكثر من الحفاظِ عليهُ.

اردتُ قذف هذه الحقائق الى رأسِ الفتَى، فتعابيرهُ
بدت مصدومَة وهائجة باعتراضِ على تحقيري لحُبهما،
لكنِي صمّت، ليسَ مراعاةً لهُ..بلَ لانهُ قدّ يفيدني عدم
معرفته الآن ، من يعلم في ايّ حرب نفسية سأستطيع
قذفهُ داخلها ان استعملت كلماتِي تلك في الوقت الصحيح؟.

قتلُ ثِقته بآنخل وولائه له، عليّ استعمالهُ بِفطنة!
هذه ضربَة قاضِية ستُبعثر الكثير من احداث هذه
الحربُ التي سئمت كم طالَت، رُغم انني في هذا
الجزء منها استمتِع بحقّ في خوضها.

"سترَى ايها المجنونُ المُختل..حطّم ماشئت من
أصابعي، سيعيدها لك اشدّ!!" نهرني مُندفِعاً بقوة الإنكار،
لعلّي ادخلتُ في رّأسَهُ طرفَ شكّ بالفِعل،
اردفت اسأله بعد ان قهقهتُ
"ولِم لاتقِول هذا ببعض الثِقة؟" فقد بدت احرفه ونظرته
واهنة جداً، شكاكَة في ماتنطِقه، خالية من الإيمان.

لقد كرِهت لِفترة طويلة من حياتي ان اضرِب
بالكلماتُ والنظراتُ، بمعنًى ادقّ، ان اضرِب القلبَ
والعقلَ بدلاً من الجسَد، ان اؤذي الروحَ..فما نفعَ في
كسرِي شيءُ كما نفعت الكلماتُ، تماماً ككلماتُ الرجُل
الذِي اخبرني ان احتراق امي بسببي، وانا في الحادية عشرَ، لقد وسَمني بوجعِ عنيفِ مُفاجئ، عصفنِي واحالني لفُتات.

كيف يشعرُ يُونقِي ذاكَ حين يرَى ما افعلهُ بهذا
الفتى الآن مُستمتعاً ؟.

آه..لابُد انه يمقتني للغايّة ، يُخالف تعاليم والدتهِ بجعل
قلبِه نقيًا كأنه ليس بَشراً ويمقُتني لانني أسوأ السيئين!
يالهُ من طفل مسكِين، ولعين لانهُ يخطر في ذهنِي الآن.

اكادُ اسمعهُ يبكِ في رُكن بعيدِ من داخلِي، كُلما
نَظرتُ لعينيّ هذا الوغدِ، انه ينظرُ كما لو كنتُ
الشريرَ في الحكاية.

لكنني العدالَة هُنا..عدالتِي الخاصَة.

-

"افهِمت درسَك ايّها المعتُوه الصغير!!" تحدّث
ماركُوس بحَنق، جاذباً الفتى من خُصلِ شعرهِ البُنية
بعد ان فقدَ وعيهُ، او ان روحهُ باتت تُحلّق بالارجاءِ،
رجعةً لكونه تلقّى مُعاملَة خاصَة من الرئيسِ الذي جلسَ
على احد المقاعدِ يلتقطُ انفاسهُ فلم يوقِفه عن اشباعِه ضرباً الّا انه تَعب.

"ايّ درسِ؟ لازلت لم ابدأ بعد !!" مُهدداً القَى بعبارته
بصوتِ غاضِب مليء بالحدّة، ينفُث انفاسهُ ويسترجعها
سَريعاً، عرقهُ الذي اجتمعَ مع ملامحهِ المُتعبة من ارقِ
الأمس منحهُ لمسَة طاغِية من الجديّة والتّعب العمِيق..

بدى مثل غُصنٍ مُنحنٍ، يُعرض عن السقوطِ ويعجزُ
عن الاستقامة لكنه صُلب كصخرَة يُحال ان تنكسر.

مضى مايزيدُ عن الساعَة، كل الحرسِ في الخارج
تمّت إحالتهم الى جُثث، الحلُ الوحيدُ الذي تبقى لنا
اثراً لكونهم رفضُوا مُعاداة آنخِل بشهادة او دليل ما.

لابُد اننا الاشرارُ في حكايتهِم.

انهُ عالمُ مُخادع، كل مافيه انعكاسٌ لِم يِقابِله.

وهُو أيضاً عالمُ شنِيع، مؤذٍ بمايكفِي ليُحرّم الحُب
فِيه ويِستباحَ الكُره، لتكون السعادة مايُخشى والحُزن مايؤلَف.

حرّكتُ مقلتايَ عن الفتَى الذي عُدمت ملامحهُ وتخفّت
خلف طبقة من دمهُ وكدماتهِ، نظرتُ الى الفاعِل، الرئيس الذي كانَ يُسند راْسه للخلفِ على ظهرِ
المقعدِ مُطالعاً السقفَ،
يستردّ انفاسهُ بعدَ ان سكبَ فوق رأسه المُتعرّق قنينة
ماءَ، فتبللت خُصله الطوِيلة والتصقَت بِوجهه المُفعم
بتفاصِيل الغضَب، لازالَ غليلهُ يفُورُ ولم يبرُد.

رِغم ذلك انهُ هادِئ جِداً ، بِقدرِ مايُمكنه، كما هو
هدوءُ النارِ، انها لاتصرُخ ولاتثُور، لكن إلمسهَا وستدفعُ
الثمن غاليًا.

هذا صحيحِ..

انه عالمُ بشِع مقِيت نعيشُ فيه..ان فتحت عينيكَ
في أركانه جَيداً ، ستملك اُمنيّة واحدة مُطلقة، وهي
ان تغادره في هذه الثانية قبل تاليتها.

عالمُ اناني وسافِل ومُنحَط، قاسِ بلا رحمَة،
شيطانِيّ اكثر من الجحيمِ عينها..
لكِنه يجعلهُ فاتناً ، وكأنه بُقعة الضُوء
الوحِيدة في ارض حالكة الظُلمة، وجودهُ وحدهُ..
يجعلُ الرغبَة في العيشِ تنفجِر في اوصالِي، بل
انهُ يجعلُني اودّ صُنع عالمٍ جيّد بمايكفِي لِيضحك فيهِ
بلا قيُود.

ليُسر لسرورِه لا ان يخافَ من لحظات فرحِه.

ان يرتاَح..اُريد ان اخلُق له عالماً يُمكنه فيه ان
ينعَم بنومِ هانئ، بلا كوابيسَ وأرَق، ان ينسَى..
ان تُخلق له ذاكِرة جديدَة، ان لايكُون يومه فلتقتُل
او ستُقتَل.

لكِن ذلك مُحال..لا يُوجد مخرجُ مِن حياتِك والَّا
ماكان التمنيّ بهذا القدرِ الكبيرٍ من البُؤسِ
الشيءُ الوحيدُ في يد العاجزِين.

وكلينا حِبر اسودُ غارِق في عتمتهِ، من يمكنه ان
يهِب الآخَر حُفنة نورِ في هذه الحُلكة؟.

ليتنا ننجحُ بالعيشِ ليوم واحد فحسبُ! قد يفشلُ المرءُ
في الموتِ أحياناً..حسناً لذلِك، لكن ايُعقل ان لاينجح
الانسان بالعيش لهذا الحدّ؟.

القيتُ من يدي عُلبة البيرَة التي وجدتُها في ثلاجَة
الغُرفة، وقفتُ من جلوسِي تحتَ النافِذة، لامسَني
ضوءُ مِنها، فاسفلَها حيثُ كنت اجلِسُ لاتحُط فوقِي
سوى الظِلالُ.

لوّحت بالهاتِف الذي كان في يدي الأُخرى إليهما
لأكسب انتباههما "انهُ هاتفُ صندوق الأسرار
الخسيس عديم الأسمِ" تمتمتُ مُبتسماً بِثقة المُنتصِر،
بغرورِ وخيلاءِ حامِل السوطِ، بذات حماسِه وتعطُّشه
لِينهال بضرباتهِ في الارجاء، كان هاتفهُ يرِن، على
الأغلب اتصالُ من آنخل.

جعلنا ننتظِر حقاً لكِنه وصل في النهايَة مدركاً ان
التعامُل معنا لن يكون مُسلياً كما توقعّ.

فإن كان قد حاولَ اِرسال احدٍ الى روي وسام في
المشفَى خلال تلك الساعتين، فهُو قابلَ هُناك
افراد الشُرطة الذين يراقبوننا، هم هناك كخطر علينَا
لكننا وبكُل تهوّر جعلناهم درع الحماية الناجِح، ايُ
حركَة لاطبيعية يلحظونها لن تمُر بسلام.

لم يبقى لديه سوى ان يهاجم المنزل الفارِغ كالمرة
السابقة او ان يتفاوَض معنا، والخيارُ الآخَر هو ماختارهُ على مايبدُو..لقد قُلت! ليس لديه الكثير من الاختيارات.

"ماهي طلباتُكم مُقابِل قناصِي؟" كان صوتهُ متبرّماً،
مستاءً ومفرطاً في السخَط، خُيّل اليّ انه يجلسُ
في غُرفة مُحطمة ثارَ في اركان أثاثها منذ لحظاتِ.

لم تكن اللحظة المناسبة، لكني قهقهتُ لِفترة طوِيلة،
ربما نحو دقيقة، لم يقاطعني الرئيس وشاركني ماركُوس ، وان لم يعترِفا..لقد كانا مغمورين بالبهجة
بتلك العبارة! اشبه باستسلام صريح، اُو خسارَة أولى
لهُ وانتصار عظيم لنا.

"قناصي؟ يالك من فاشل في الرومانسية!
ضع بعض العاطفة في الحديث عن حُبك يارجُل!"
لَم اكُن انوِي انهاء هذه الفُرصة في تعذيبه سريعاً.

"أجبني، ان وقتِي ثمين كما تعلَم" عبثاً يبذُل الجُهد
في مجاراتي! فأنا اضع اقدامي في الماءِ الفاتر وهُو
ينتصف ألسنة نارِه.

"ارأيت المقطع؟ مارأيُك بمهاراتي في التصوِير؟
اتظُن انه كان يناسبني لو اصبحت مصوّر افلام؟"
سألتُ بمرَح اثنَاء محوِي لِرطوبة دموعِ تجمعّت من
ضحكِي سابقاً ، سمعنا صوتَ تحطُم لزُجاج، لعلّه
كان يمسك كأساً ثم قذف بهِ الى الجدارِ.

"اوه نعَم..انك مُبدع للغاية، كان عليّ منحُك دعوَة
خاصَة الى عالمي كرئِيسِك" يكبحُ غضبهُ محاولاً
خلق نبرة ساخِرة، انا ادرِك انه يوّد ايذاء نصرِي،
لكنه بالغَ قليلاً..حينَ ذكَر انهُ يهاتِفه قبلَ ان يؤذِيه، ذكرَ
الشيء الوحيد الذي يجعله مُستحِقاً للموت بعذاب في نظري.

كنتُ قد طلبت سَابِقاً من الرئيس وماركوس ان تكون
هذه المكالمة لي انا وهُو، ان لايتدخلا، ولذا لم يرُد
ايّ مِنهُما ، لم اكن متوقعًا ان الرئيس سيسمح لي بذلِك،
انه سيبقى كما هو الآن يُطالعُني بِصمت، يسمح لي
ان انتقِم لنا، يقرأ تعابيرِي، يتفرّس تصرفاتي.

وكأنه يِقيّمني..لأي قدرِ استطاعَت حياتي معهُ
قلبِي وتغييرِي؟..

كثيراً رئيس! لم تكن هذه حياة، كانتَ احتراقاً شامِلاً،
اصبح لديّ شخصان، شخصُ كنتهُ قبلك واخر بعدك.

اخذت الهاتف من استلقائه على الطاولة في منتصفنا،
اتجهتُ الى الفتى الذي بدأ يدرك ماحولهُ ويستردُ
شيئاً من وعيهِ "اِحرص
على سماع هذا آنخِل، انهُ دعوتي الخاصة لَك"
شهِق الشابُ حين ميّز وجهِي، فهم انه على وشك تلقّي
الألَم، بقدر كافٍ كيّ يُرضي سخطي.

اطلقت رصاصة في رُكبته.

صرخ بِحدّة ، وركزت سمعي على الطرف الآخَر
من الهاتِف ، كان يكتم صرخته، فهمتُ من صوت نفسِه
الثائِر، لعله يعتصر قبضته بغيّ شديد، يفعلُ كل ما اودّه.

وضعت الفوهة في فمِ الفتى ليصمُت، كان صراخه
يؤخِرني عن قول ما اُريده ويشتت تركيزي.

"اَرجُو ان تقبل دعوتي، لعلّمك لن نعالجه او نوقف
نزيفه، ان كنت بالحرص الكافِي لأخذ جثته غير
فارغة مِن الدمِ فانتَ تعرف الطريق الى منزلنا،
ارنِي قُوتك! اخلق عرضاً مُمتعاً بقدر مايمكنك".
لم انتظِر ردّه، اغلقتُ الهاتِف والقيته من يدِي.

ادركتُ الآن..لاسبيلَ للنصرِ عليهم ان لم تكُن
نُسخة منهُم، كاذِب من يقولُ ان الوحشَ لايُهزم
بوحشِ آخَر، بلّ انه يفعلُ! لايقتُل الوحش الا وحش،
ولا يقتل السوء الّا السوء.

"ا.." شهقَة مخنوقَة وردَت الى مسمعي، فحملتُ
عينيّ من الشرودِ بالأرض الى مصدرِها الذِي كانَ
ذلك الفتَى يِطالبني بعينيهِ ان اُبعد مسدسي عن فمه، يالكدماتهِ الشنيعة..ابعد هذه كُلّها لازال يُعرِض عن
ذكر حتى اسمه؟.

انهُ يثِق بِه جداً..

آن لِنهر اليقِين هذا ان يجِف.

اخرجتُ السلاح من فمِه، كان مخزنهُ من النوعِ
المُستدِير، فرغت الرصاصَ منه وابقيتُ رصاصة
واحُدة، في كل مرة اضغط الزناد، ستكون هُناك
امّا طلقة فارغة او ممتلئة، اغلقت المخزن واعدتهُ
الى فمِه ضارباً كفي الأخرى جوار رأسه.

قذفتهُ بنظرَة حادّة كنصلِ، مُظلِمة كليّلة مرّ غيمُها
بالقمرِ.

"ماهُو اِسمك؟" سألتهُ بهدوءِ، امتلأت نظرتهُ بالرُعب
واللاتصديقِ، راودني شعورُ طفيف بأنهُ يبدُو كما
لو استعارّ مني عيناي في فترة من حياتِي، كانت
عينيهِ في وقتٍ سابق ستقتُلني من فرطِ الشفقة والندمِ.

لكنني مقتول في داخلِي، فارغ من الإهتمامِ بالمشاعِر،
إنسانيتي مطعونة، وخيرِي شحيحُ حتى لنفسِي،
اما شرّي وظُلمتي فلا تنفذَ كأنها بحارِ الدِنيا مُجتمعة.

"لاتهذي ايّها الأحمق استقتُل.." كلماتُ الاعتراض
الصادِرة عن ماركُوس بُتِرت، كان خلفِي فلّم ارَ
مامنعهُ من اكمالٍ الحديثِ، لكني سمعتُ ما جعلهُ
يصمُت، "اُشش " خافِتة، ثقيلة وباردَة من المُبالاة
ادركتُ مالِكها فوراً، لكني لم اُدرك مانيّته من وراءها.

لماذا لايوقفني؟.

لم يُجب الفتى، انتهت الخمسة ثوان التي منحتها
لهُ دون ان اُبلغه عنها شيئاً، اطلقتُ الرصاصَة..
اِبتلع قلبُه نفسهُ، اَغلَق عينيهِ مُستعدّاً ، ولكنهُ فتحهما
مُجدداً حين ادرك انه لايزال يتنفسُ.

"اذًا؟" سألتهُ رافعاً حاجبي، لم اكُن مُهتماً كثيراً
بانهمارِ دموعهِ بغزارَة تُعجزه عن تشكيل حروفِه،
"نيرو..انا اُدعى نيرو!" الاسم الذي حبسهُ لمايزيد
عن الساعتينِ انسلّ منهُ بِسلاسة، وكأنه خطّ دموعه.
همهمتُ بِرضى، فكّرت
ان اسمهُ مألوفُ، ومع القليل من التفكيرِ اكثرَ
عرفتُ من اين سمعتهُ، انه يعني اللونُ الأسود بالايطالية.

"هل انت إيطالي؟" هزّ رّأسَهُ بسُرعة استجابة
لسؤالي، لابُد اني بالغت في جرعة الرّعب قليلاً..
ليس الجميِعُ مُستعدّ لتلقيّ رصاصة فارِغة.

"احسنتَ صُنعاً ، ان سألتُك كيفَ اصلّ لدليل
يُدين آنخل هل ستخبرني؟" كُنت اعطِيه احقيّة
الاختيار، لا سلاح محشورُ في حلقِه، ولا حذائي
قريبُ من يده المحطمة، راقبني بحذرِ قبل ان ينفي
رافضاً، اِبتسمتُ هامساً "جيّد " الآن هو منحني
فُرصة قتلهما مرتين، مَرَّة نفسية ومرة جسدية.

لَم اعرِف..اعليّ قولُ شُكراً ام اللعنة عليكَ لِم
تُحمّلني هذا؟.

كنت هاماً بالوقوفِ، لولا انني غيّرت رأيي اعود
لجلوسي واقترب
من اُذنه، امسكتُ بكتفِيه وكأنني اُثبته من الهرَب،
اخبرهُ كوحشٍ، بصوتٍ واضِح بمايكفِي لتسمعني
كل زاوية في الغُرفة وكُل شِبر في نفسه..

اطلقُ كذبتِي المُدمّرة الِى اراضِيه..

"بالمُناسبة اردتُ اخبارَك فقطَ، قبل ان امسّ
شعرَة مِنك لقد اتصلّنا بحبيبِك، كان بإمكانه استرجاعُك
سالِماً معافاً ، لكنهُ ماطل، لذا ان كل مامررت به
ليس الّا نتيجة تخلِيه عنكَ في تلك اللحظَة واختياره
لنفسِه، هذا مؤسف..انت مُستميت لحمايتهِ وهُو
لايهتمُ حتّى".

غرستُ اِبرة سُم الموتِ الشنيع في عروقهِ، وتركتُ
لقلبهِ مُهمة ضخها مراراً وتكراراً ، قذفها في انحاءِه
واشباع اصغرِ خلاياهُ منها.

وقفتُ على قدمايّ، رمقتُ تعبيرهُ المليء بالفوضى ،
كحالِ مدِينة بعدَ القصفِ، نجحَ مسعايَ، لقدِ انتصرتُ،
والنصرِ في حقيقتهِ خسارَة أيضاً، لكنهُ عن من يخسرُ
اقلّ.

وذلك للمرة الأولى يكون انَا، الشيءُ الوحيد الذي
خسرتهُ؛ إنسانية نفسِي.

"سأتمشى قليلاً" اخبرت ماركُوس والرئِيس عن
وجهتِي بلا ان اُلقي لهما نظرة، صوت حذائي يطرقُ
في خشبِ الارضِ
اثنَاء مغادرتي عن مسرحي، لايوجد تصفِيقُ، لا
احدَ شَهد غرق بياضِ الصفحة الأخير في السوّاد
غيرِي، انا الصفحة عينُها.

غادرتُ الغرفة او المنزِل الصغِير، كان الفناءُ أسوأ
حالاً ، المزيدُ من الجُثث الصريعَة، والقصص المُنتهية،
المزيدُ من الإنسانية المقتُولة، لم اُنكر المنظرَ كالسابِق،
لكن قبُوله كجُزء منّي اشعرنِي انه ثمّة اكياسُ من الأسمنت متعلقّة بي تجذبُني الُى الاسفَل ، الى المزيد
من القيعانِ والعُمق الحالِك.

خطوتُ ابعد خارجاً من السياجِ، على مدّ بصرِي
تقابلني اشجارٌ عِملاقَة مغروسة بالأرض، ولاشَيء
آخر، شعرت انني ممتلئ للغاية كسحابَة مُنعت
مُن الامطارِ، وشعرت أيضاً انني فارغُ بشدّة
كنفَق لايُسمع فيه الا همسُ الريح من فرط خوائه.
سحبتِ نفساً عميقاً "اُن صرختُ ، من سيسمعني
غيرك ايّها العدمِ؟".

صرختُ بِتلك العبارَة ، لأني وثِقت انه لن يرُد
شيءُ عليّ غيرَ صدايَ، لكن صداي اختلطَ بصدَى
لصرخَة اُخرى جاءَت من جانبِي "لا احدَ سيسمعُك
سِواي!" سمّى الرئيسُ نفسهُ بالعدمِ الذي خاطبتهُ..
لقد لحِق بِي ، كيف استطاعَ استشفاف اضطرابي؟
كنت متأكداً اني مثلتُ جيدا..

كما لو ان في جوفي غابة شائكة مُفزِعة من فرط البرد والظُلمة والذبُول، وكل مافيها من اللاشيءِ كان هُو!
كل همسة ستعترف بها أوراقي ، سيسمعها، لانهُ في
كل مكان.

"اذاً فلتسمَع!! لقد أخذ العالمُ لتوّه القِطعة الأخيرة
التي كُنت أعرفها عن نفسِي، ماكنت أدعوه إنسانية!
والآن اشعُر انني جُزء منهم، ان لعنتهم تسري في
دمِي! أشعرت بهذا أيضاً ؟ انهُم سرقوك مِنك؟!"
صرختُ وصرَخت، اختلط صدى عباراتي في بعضِها،
حتى الصوتُ من حيرتي اُصيب بالحيرة.

قُم بمواساتِي ياعدمِي..هدِّئ من روعِي.

خشخش العُشب تحت خطواتهِ التي قادتهُ ليُقابلنِي،
قرر ان لايجيبنِي بالصدَى، امتلأ مجالُ رؤيتي بِه..
بِعينيهِ الحجرِية كثِيفة الأهداب، بِملامحهِ المنحوتة
ذاتِ اللمسة الحادَة القاسِية، تُخبئ في تقاسِيمها المُرهقة صلابَة روحهِ ومأساتها الصامتة؛ حُبه العميقُ لهذا
الفتى المجنون الذي لايرحمه.

"هذا غيرُ صحيح.." مشَت لمسة كفيّه حولَ وجهِي،
ترتفع لبين خُصلِي ، يُثبتها خَلفَ رأسِي ويقتربُ اليّ
بِعزمٍ يفيضُ بالرفضِ لما قُلته، يخلِق شرارَة مُضيئة فِي
عتمتِي ، "هُمم؟" سألتُ بانسيابية لادفاع فيها ،
انكبُّ بكُل مالدِي الى نظرة عينيه ، تجعلني كدلوٍ
اسقُط اليها فارغاً وارتفعُ منها ممتلِئاً فائضاً.

خاطبنِي بِصوت قاسٍ رِغم هدوئِه..

"لست جزءً من العالمِ! انت جُزء منِي، لايحِق
لهم ان يسرِقوا منك شعرَة، انك حقّي وحدي اسلُبك
بعضَك، جُلّك وكُلّك، ان تُهت فَلا تخَف، اِنك لديّ!
لم يمسُّوك".
ويحَك..لاتقذِف الى ظلام اللوحَة هذا القدرَ الهائِل
من الضوءِ والألوانِ.

اشعِر ان قلبيّ هدأ..'لستُ جزءً من العالمِ' اَبداً ،
غابتِي المُظلِمة مُفجعة البردِ والذبولِ تورّدت
مُشتعِلة دفءً.

تباطأت انفاسِي وركضت الضرباتُ بقلبِي حِين
اِقترب الى شفتِي ورفعتُ ذاتِي نحوهُ، طوّقت
ذراعيهِ خصرِي ليجذبني الِيه فظننتُ ان طوقاً
من الياسمِين نبّت هُناك ، اِلتحمَ الثُغر بالثِغرِ، انطفأ
وهجُ العالمُ..اُصمِت ضجيجهُ، واختلَط الحُب بدمِي.

لا اعرفُ كيَف يتلاعب بكل هذه السلاسَة بأيقاع
نفسِي، اشعُر الآن اَنَنِي مُفعم بالحُب، مُستعد لحُب
كل شيءِ، لحُب أوراق اشجار الدنيا ورقة ورقة،
لحُب ألدّ أعدائي ، لحُب اشنع لحظاتي، وكأنني لا أقوى
الا على الحُب.

"لِماذا لم توقفني؟ كان بإمكاني قتلهُ كما تعلَم"
نبستُ بِخفوت، كالغريقِ، مأخوذًا بِسكرَة مابعد
القُبَل، التي تُشبه في اختلافها عن ماقبلها الفرق
بين المدّ والجزرِ، البُعد بين السماء والأرض.

كنتُ اعنيّ حشرِي لرصاصات فارغة في فمِ نيرو.

هربت خضراوتيهِ الشقِية عن الالتحام ببصرِي،
فأيقنت قبل ان ينطُق ايُ سبب عابثِ يُخبئ خلف
تركهُ لمُصيبة تجري على اهوائي..
"فلتُجب!" لم اترُك له مجال التملُّص اكثرّ، فردّ
بابتسامَة تحمِل الكثيرَ مُن معانِي التملُّك
"احببتُ رؤيتك تُشبهني".

احب ان يتملكنِي طيفهُ حين يكونُ صامتاً لايفعلُ
شيئاً ومع ذلك فيُحركنِي ويتلبسُّ وعيي وافعالِي،
قسيتُ كما يقسُو ، وآذيتُ كما يؤذِي.

لا أدرك من اين تجدُ كلماتهِ السبيل الى اِمساك عقلِي،
مُخاطبة منطقِي واِستعباد جنونِي! كل مايجتاجهُ هو
ان يُخرجها، ان ينطُقها لأُلبِي.

"لم اكن في انتظار هذا التفسِير.." تمتمتُ
كالمسحورِ، لا املك نيّة في اخفاءِ تفاجُئي،
وانبهارِي! ان الرئيس اُحجيتي التي لاتملّك
ايّ حلّ، كلما ظننتِ اَنَنِي امسكتُ الإجابة ،
وجدتني لم انهي الخطوة الأولى بعد.

وانا راضٍ تَماماً بأُحجيتِي، انها كل ما احتاجهُ لِأبقى
مُفعماً بالحياةِ .

"اُوه حقاً ؟ ومالذي كُنت تنتظِره؟" اخفض
جبينهُ الِى جبينِي، تمايلَ بي في الأرجاء بِخفة
كرقصَة او كأوراق تلك الاشجارِ حين يُداعبها
ريح، وانصعتُ لتحرُّكاتهُ بولاءِ، شُقت ابتسامتِي
على ثغرِيّ
المُحمرّ كثغره من تلك القُبلة الحارّة، في المكسِيك
نُقبّل بِكُل مالدينا! بكل مانملك من عطف او قسوة،
من رغبة او شعُورُ ، من لهفة او نشوة.

"لستُ ادري،ثِم اما كُنت تخافُ ان اُصبح مِثلك؟
مالذي حدَث؟" تساءلتُ بِفضول، اكبَح ضحكتِي
من التسرُّب على مُداعبة انفاسِه لُجلدِ عُنقي، وعلى قُبلاته المُحتلَة هُناك..اُمدد اصابع يدِي على عُنقه،
على خُصله التي طَالت قليلاً اليه..واتنفسُ رائِحته،
عطرهُ الثقِيل، وكأنني اتعلمُ التنفسُ لتوي ، او ان
هذا اوّل نفس اخذه في حياتي.

همهم بعُمق باحثاً عن اِجابة، لم اكن اراهُ لكني
اُراهن على انني سمعتُ صمت ابتسامتهِ المحبوكة
بين ثقلِ الأسى وسرورِ الرِضا على ثغره تتشكلّ، صبرتُ لثوانٍ  قبل ان يثريني بردّه
"كل مافُي الأمرِ اني عرفتُ، من
المُستحِيل عليكَ ان تعيش عالمِي وتنجُو به
بلا ان تُشابهني،
ثُم انك لم تصبح مثلي، بل شبهتني قليلاً لا اكثرَ ".

كان مرِحاً في نبرتهِ الخشِنة، عميقاً في كلماتهِ
البائِسة، على مهلِك..انني لنَ اهلكَ في بضعة حروفُ!.
اخذتُ سِياق الحديثِ الى نقطة يعودُ فيها اخفّ وطأة "ايُمكنُني اعتبار الجملة الأخيرة نرجسية نتشاجر
عليها؟".

ضحِك مُخبِئاً وجهه في عُنقي، تشرّبت مسامي
تلك الضِحكة، نفثتها الِى قلبِي، لم يضخّها، خبأها
للحظات في اورِدته.

توقفَ عن التمايل بجسدينا، اخرَج ملامحهُ الى النورِ،
قابلني بتلك التجاعيدُ الآسِرة للسرور حولَ عينيهُ ، بِتلك الغمازتين علَى خديَهِ ، يُمكن لكُل الكونُ ان يُدرك
الآن كم انَا مفتونٌ حدّ الهيامِ بِتلك التعابيرِ..
نظرَة واحدة اليّ امام غمازتيهِ ستكشِفُني، انَا هائِم،
مُحِب، عاشِق لايُلام، مجنون جُن بقلبِه.

في الحُب فقط نُبهر بكم نملك قلباً واسِعاً يُخيّل الينا
من عظمته انه قادرُ علَى حمل الكون بأكمله، لكن
الكون كُله عاجزِ عن حملِه!.

"دعكَ مِنِّي ومن نرجسيتِي فلا حلّ لي، هل
اخبرتُك عن شكلِ الوشم الذي قررتهُ لكَ؟ منذُ
انك اصبحت مدمن سجائِر بالفعلِ" تحدّث وقد
غُمر صوته بشيءٍ من الحماسَة، وكأنه فنانُ عادَ لهُ
شغفهُ بعدَ سنين من الانطفاء، هو يهوَى بحقّ وضعَ
لمساتهُ الأبدية على جسدي.

وانا لعنتُ حين تذكرتُ لتوِي ذلِك الوعيد الذي قبلته
بكُل تهوّر.

"مهلاً! الا يوجد انسحاب؟ سمعتُ ان الوشم مؤلم!"
رفعتُ يدايَ كالمُستسلم، تراجعت بهدوءِ كأول تكتيكات
الهرَب مع تعبيرٍ مزيف ينُم عن البلاهة البريئة.

لكنه أدركني مُباشرَةً ، امامَهُ وغد صغير ينوِي
الجرِيّ حتى يخرج من الخريطة كاملة.

"كان عليك ان تُفكر بهذا قبلَ استهلاكِ العُلبة كاملة"
ردَ بلهجة خُبث ماكِرة، تفيضُ كلماته وتعابيرهُ بالانتصارِ، اللعين هل كان يعُد كم سيجارة انهيت!.

"في أحلامك!" صِحت بعد ان
اعتقدُت انني صنعت مساحة كافية بيننا، تمكنني
من الهرب بلا ان يتم اصتيادِي! لكنني حالمُ بِالكامِل
فبمُجرد ان ألقيته خلف ظهرِي واصبحتُ اركضُ،
لاحظت انني لا أتقدم مهما جريتُ، كانت هذه اللحظة
التي علمت فيها انهُ يُمسك ياقة معطفي من الخلفُ.

"ان حاولت الهرَب كحادثة الحلقتينُ سأجعله
وشماً كبيراً حينها ستموتُ حقاً من الألَم لانني
لن اخدرّك" توعّد بدمٍ بارِد وافلتَ ياقتي، اودّ
دائماً ان اسأله هل هو يعرفُ الفرقَ بين حبيبه وعدوّه؟
لان هذا التهديد لايطمئن شيئاً في داخلي!.

انحنَى الِيّ مدخلاً كفيه في جيُوبِه، لايملك شيئاً
ليخسرهُ ان عُدت اركضُ وأملك انا الكثير لاخسره
ان تحركتُ، هذا الرجل مشروعُ طاغية ناجح.

"ماذا الن تركُض؟" حاول استفزازي بتحدّ، انا
الذي بدت تعابيرِي مُوضحة لكم اكبحُ الكثير من
الشتائِم، ماخطبي؟ لابَأس معي بتلقي رصاصة او
الدخولِ في عراكِ لكن الوشمَ يرهبني!! لابد انني
جُننت، ايصبح المرء انتقائياً في الألَم كما ينتقي ما
يعجبهُ ومايكرهه!.

على ايّ حال، رفضتُ الانصياع لاستفزازه، هو
يوّد ان يدفعني المزيدَ من الأثمان ولّن اُخدع بذلك!
رفعتُ كفايّ مُبتسماً ، مُقرراً استغلال اوراقي الرابحة
"احملني على ظهرِك! لقد ركلتُ ذلك الوغد كثيراً
وكاحلي عاد يؤلمني، اتريدُ ان اصبح معلولاً!؟".

سقطت ابتسامتهُ المُستفزه ومسّ شيءُ مِن العتمة
الجادَة اللون الأخضر في عينيهُ، "انت جاد ام
تمزح؟ لم لم تقُل مُسبقاً ايها السافِل!" وبخّ باستياء،
وفي لحظة  لم ادركها كنت بالفعلِ على ظهرهِ، لم
اكن بحاجة لاستعمال التوسلاتُ التي جهزتُها..

تباً لك لم تُطيعني! لقد انبني قلبي الآن على خوفِه.

لكني أيضاً لم اكن بالشجاعة الكافية لأخبره انني
اكذِب ، وليس تماماً فكاحلي يخِزني بِخفة غير موجعة
لا اكثَر، نعم..هذا صحيح! انا لست كاذباً.

"لكن العالم مختلِف حقاً حين تكون طويلاً" تمتمتُ
ببشاشة للرياحِ التِي اصتدمتَ بِوجهُي مُبعدة خصلي
عن جبينِي، مددتُ يداي وكأنني سامسكها، لست
مهتماً بتثبيت نفسي فلن اسقط ان كان هو من يحملُني.

سمعته يضحكُ، لابُد انه تذكّر حين اخبرتهُ ان
يحملني للمرة الأولى ، اتذكر اني قلتُ شيئاً مشابهاً..
ضحكتُ معهُ مسنداً ذقني على قِمة رأسِه، واوقعت
يداي حولَ عُنقه، واغلقتُ بهدوء اعيُني، اجُر أنفاساً عميقة لصدرِي، استشعرُ
السكِينة وهو تتشكلُّ على هيئة ظهرٍ يحملُني..

"هل عليّ ان اكسر كاحلي لتحملني دَائماً ياتُرى؟"
قلتُ بتمنٍ حين رأيتُ اننا نقتربُ من السيارَة ،
ماركُوس الوغدُ! لم ركنها بهذا القُرب؟.

"اُو اتخذّ الطريق الأسهل دعني اُعجزك عن المشِي
وحينها لن تنزل عن ظهري، مارأيُك ؟" توقف عن
السيرٍ مُترقباً إجابتي بشغَف، سأعترف انهُ متفاوِض
جيد للغاية! لم يمضي كل تلك السنواتُ فِي التجارة عبثاً.

"حَسناً لعرض كهذا يارجُلي ساكُون مجنوناً ان
رفضتُ، نعم واللعنة!!" هتفتُ بعلُو يفتضحُ كم
اصاب ذلك العرضُ الوتر الحساسُ لدي، ولأنني
تحركت برعونة قد ترنحَ هُو في وقفتهُ، اصدر قهقهة
راضِية ، يمكن من النظر لوجهه معرِفة انه يُخطط
لمشاريع اعجازِي عن المشي منذ الآن.

"تم عقدُ الصفقة اِذاً ".





-


بعد ساعة.

تمّ نقلُ نيرُو الِى القصرِ الخاصُ بايفيريا، ذاتهُ الذي
سبقَ وطالتهُ ايدي آنخِل بِالدمارِ والتخرِيب، عادت
بعضُ معالمهُ الى نفسِها لكنه لازالَ غير صالح
للعيش.

وضعناهُ في القبوِ اسفل البيتِ، حيثُ كل ما امامهُ
وفوقه وتحتهُ هو الأبيض، كنتُ بِرفقته مع ماركُوس،
نتأكد انه لم يمِت بعدُ كُل خمسة دقائق تمرّ ، وعلى اي
حالٍ بمجرد النظر الى سوءِ جروحهِ وحِدة نزيفه 
الذي تأخرنا عمداً في اغلاقُه من السهل معرفة انه
لن يرى الغدّ ولن يعيشه.

الرئيس كان في الخارِج، ينتظِر قدومَ الرجُل الذي
سقطّت عظمتهُ بِخيطِ اقتلعناه من قلبِه..ونحن كنّا
هنا، استعداداً لاي خطط اتَى بها نيّة لاخذِ القناصِ
والاختفاءِ، لن يُمنح هذا الترفَ ابداً.

كنت مستنداً على الجدارِ، اجلسُ أرضاً وارفعُ
احد ركبتاي بينما افردُ قدمي الاخرى، اُغلق صمام
الأمان لسلاحي وافتحهُ ، الفتى بجانبِي كان ينزِف لحدّ
ان دمهُ يُشكل مجراً على رُخام القبو البارد.

"اَلن تُخبرنِي بعد؟ اُنظر الِيه كم يُماطلُ في انقاذك،
ستموت بسببه! وببساطة لاتودُ ان تؤذيه؟ الا تشعرُ
بالغضب لاجلِ نفسك؟" حادثتهُ ماسحاً بكفي على خُصله
لأتأكد انه يبادل عيناي النظرَ، بدت مقلتيه منطفئة وفارغة، مليئة بخيبة الأمل..التي صنعتها كذبتي.

في الحَقِيقَة ان آنخِل لايُدرك بعد اي منزل كنت اقصد
بمكالمتي، تعمدتُ تأخيره ، لأزيد الضغط على نيرُو،
بعد بضعة دقائق يُفترض ان ارسل اليه خبراً، الخبر
الذي يتحرق شوقاً لملاقاته ليُهدئ من روعهِ.

كدمة بنفسجية كبيرة تُغطي عينهُ اليُسرى، تكتّل
الدمُ حولَ فمهُ من كثرتهِ، انفهُ نازِف، احد وجنتيه
مُزرقة، ويبدو ان فكّه تحطّم، يالها من ماساة
سيأتِي آنخل ليُنقذها.

لكن ذلك ليس كل ما أملكهُ في جعبتي لهُ.

"داخِل..قصرِه، في خزينة مكتبِه في الطابق الثالث..
كل ماتُريدُه من فساد قام به في حياتهِ ستجدهُ هُناك.. الخزينة تفتح برمزِ او بمفتاح، ان فشل الرمزُ
لمرة وَاحِدَة فلَن تُفتح ابداً الا بالمفتاحِ، كن دقيقًا.."

تحدّث بصوت جافِ، باحرُف مًتعثِرة وشُبه
لامفهومة اثراً لخسارته بعض اسنانِه ، ابتهجت
نظرة بحريتِي للغايّة واُفعمت روحي بالنشاطِ..
كأنما تسرّب الى حلقِي شيءُ من الخمرِ لا الى
عقلِي بضعة كلمات.

لكني كابدتُ ضحكة انتصاري من الخروجِ، هممت
اسأله باهتمام "وماهو رمزِ الخزنة؟" مضت بضعة
ثوانِ، كنت اسمع صوت تنفُسه الضعيف فيها،
ركزتُ التحديق الى اعيُنه لأجدها تلمعُ..لاجد
روحهُ فيها تُصرع.

سقطَت دمعه على خدّه..
"احرُف اسمي الإيطالية ".

وُقّعت وثيقة الفوزِ..وشُنق آخر صغار الطُهر
والفضيلة فِيّ.

"احسنتَ صُنعاً..لم تكن علاقتنا رائعة لكنني
اعدُك، سأحرص علَى الإِنتِقام لِأجلّك، فلترقد بِسلَام"
حادثتهُ مُرتدياً قناع ملاكِ الرحمَة..في حين كنتُ انا
البلاءَ القاسِ والشيطانَ المُوسوِس، اللعنة والخلاصَ.

من المُهيب ان ينقلب حالُ المرء رأساً على عقِب
في حياةٍ واحدة.

"لقد احببتهُ حقاً..اخبرهُ انني اَسِف، انني ساحرِسه
دَوماً وان لم يراني" سقطت دمعتين تليها اربع ،
انكبَت دموعهُ وكأنه قرر ان يبكي الى ان يذوب لحمُ خدِّه، وصدح عوِيله..وكأنه يتعلّم البكاء حديثاً.

لكم وددتُ لو امنحهُ السلام ، لولَا انني ايقنت في
قرارة روحي انه لايستحِقه..تَماماً كما اصبحت
أيضاً لا أستحقه وسيزداد كم عدم استحقاقي له.

انحنيتُ نحوهُ، حيث كان مستلقياً على ظهرهِ..
حين تأكدت انه يحتضِر، همست في اذنه تهويدة
الموتِ "لتوّك قد قُمت بخيانَة وفائه لك لا اكثر،
هو يبحث عنك منذ البدايَة لكنني من اخرتهُ، لم
نخبره عنك شيئاً ، وهو ينتظِر لحظَة نسمح
له فيها بلقائك.. ليِنقذك وان خسر منصبه وحياتهُ".

وحين ارتفعت عنهُ، وجدته هامداً وساكنًا لايرفُ
له جفن ولا يرتفعُ لهُ صدر بِنفَس، تخلّت عنهُ روحهُ..
علِمت انه سمِع حدِيثي من تعابيره، فعلى عكس
الندمِ الحزينِ والخيبة التي كانت تعتريهِ قبل الحقيقة،
بدت ملامحه مفجوعة، جازِعة..مليئة بالكُره والأسى.

كانت تلك طريقتي فِي الغضب لأجلِ الحُب،
قاسِية، مُفجِعة، بلارحمَة، كما لُو كانت خوضاً
عَميقاً في الحياة.

رفعتُ بصرِي وتعابيري الباردة عنهُ الى ماركُوس ،
كان يُراقبني بصمت، منذُ الافتتاحية والى ختامِ المشهدِ،
رأيتُ في ملامحهِ كماً وفيراً مِن التعجُّب، مخلوطُ
بلمسَة من الانبهارِ والخشية.

"ماذا؟ اهُناك شيء في وجهِي؟" سألتهُ بنظرة
انزعاجِ، ظننتهُ يستعد لمضايقتي من جديدِ،
هزّ راْسه نفياً ، ثُم ضحِك مُبعثراً خُصله السوداءُ،
يُبرر بشيء من نشوَة الإصابة في تخمينِ
"كُنت متأكداً انك تُخبئ شيطاناً خلف تلك الحدقتين
المُعتمة".

صمتِّ للحظاتٍ اِفكر في عبارتهِ، انهُ لايقولها على
سبيلِ الذمِّ ، وكما اتذكر، كان متأكداً منذُ رآني اني
كذلِك..شيطان في حقيقتي.

"اذاً كن سعيداً لانك حليف الشيطانِ واحذر ان
تجعل من نفسك فريسته!" تهكمتُ بردّي غيرَ
مبال بإكمال الحديثِ، يُفترض ان آنخل سيصلُ
قريباً فقد ارسلتُ اي منزلِ عليه القدوم لهُ .

"على ايّ حال، كيف تعتقدُ انه سيأتي؟ الأبواب
مُلغّمة بالحرَس، وان دخلَ البيتّ بمُعجزة،
سيُقابل الرئيس إله الموت خاصتنا، اتظُنه
سيأتِي بالأساس؟ مهما نظرت للأمر انها معركة يخسرها!".

ثرثرَ ماركُوس بما كان يشغلُ فِكره في الدقائق
الماضِية، استشفيتُ مللهُ من الانتظارِ فِي التفاته
الِيّ وتخليه عن حِراسة باب القبوِ بكل أريحية.

لم اُجبه لفترة، كنت اُفكر بما قالهُ على محمل الجدّ،
لماذا لم يخطُر لي مُسبقاً ؟ كيفَ سيأتِي لمعركة
خاسِرة..؟ هو قادم لا محالَة، لكن كيف؟.

"اتظُن ان هُناك مدخلاً غير محروس؟ " قفزتُ
من جلوسِي ارضاً الى الوقوفِ، اسألهُ بعجلة
كالمقروصِ وقدّ تفشى بعض القلق في ملامحِي،
لم يكن عليَ الجزم بالنصرِ والانتشاء به بهذه السرعة.

طالعني باستنكارِ ممزوج بشيء من البلاهة "دعني
أفكر.." سكتَ للحظات بينما يفرِك ذِقنهُ، ثمُ فرُغت
تعابيرهُ من الشعورِ ، وامتلأت بالرهبة "اللعنَة
هُناك معبرُ قديمُ يؤدي الى القبُو مُباشرة! لكنهُ
مهترئ ولا احد يستخدمهُ لا تخَ.." .

بُترت احرُفه على صوتِ ضربة سقطت فوق
البابِ الذي يقابله بمسافَة، اجتذب بصري الى هناك،
وقفَ معِي بهدوءِ يطالع الباب، نرفع اسلحتنا، ونسمع
الضربات تشتدُ في محاولة لتحطِيمه..

"اِسمع ان كانوا اكثر من خمسَة سنهربُ، اسمعت؟"
اخبرتهُ محذراً، لا اودّ الفوزَ ولا الخسارَة ان عنَى ذلك
ان يُصاب هو بشيءِ.

"لاتهذِي ايها الأحمق ان كان عقلك شيطاناً فأنا
لي جسدُ واحدُ" تفاخرَ، كعادتهُ يجدُ الوقتّ لِيبجلّ
ذاته بغض النظر عن الموقِف.

حطَت ركلة قاسِية على الباب، فسقط ارضاً مُنفتحاً
بالكامِل، اطلقنا الرصاصَ واُطلِق نحونا، لم يخرُج
احدُ بعد.

لكن الرصاص لم يتوقفّ، يوجد اشخاص مُلثمين،
لستُ اعرف عددهم، كل برهة سيُطل واحد علينا
لِيصوّبنا او نصوّبه.

فرُغ مخزونِي فتوقفتُ اُعيد ملأهُ بأسرع مايُمكنني،
"اللعنة، اللعنة" كنت ارددُها ممراً بصري بين
الباب وسلالِم الدرَج التي تقود خارج القبوِ، 
فالتفتُ الى ماركُوس انوي اخبارهُ ان نهرُب، انهم
فوق طاقتنا..

لكني وجدتهُ يقفزُ نحوِي..بتعبيرِ خائِف وغاضب
ومصدوم.

يحطُ  بكفُه على صدري ويدفعُني.

فأسقُط وتخترق رصاصة كانت تنوِي رأسي كتِفه.

"ماركُوس!!!".




























مرااحب

كيف البارت؟

مستوى حقارة يوني؟
انا بيق ستان هو منجد جلدهم جلد😔

فوت وكومنت؟ سي يو💙

Continue Reading

You'll Also Like

157K 7.6K 43
في الجامعة المسائية للنخبة يجد الاستاذ الجامعي هوسوك نفسه مغرماً بأحد طلابه المتميزين 'مين يونقي' جاهلاً السر المخيف الذي يحيط بذلك الطالب الهادئ.. •...
197K 7.9K 15
"طفلي لن يتوقف عن النمو حتى لو لم تكوني معه" التوب: ابن جيون اكيد الكوبل راح تعرفوه خلال متابعة الرواية الرواية boyxboy اذا ماتحب هذة النوع فأخرج بهد...