الفصل الخامس و الآخير

288 16 9
                                    


أرتفع رنين هاتفها ليعلن عن مكالمة ، أمسكت بحقيبتها و حاولت فتحها بيدها اليمني ، و فعلت بصعوبة ، فيدها اليسري في يد حسن منذ بداية الطريق و هو يرفض تركها ، و هي تأبي تحريكها حتي إلا إذا ضغطت عليها لتطمئنه ، نقرت علي شاشة هاتفها مرة قبل أن تضعه علي أذنها لتتحدث الي عرابي ، و سرعان ما أبتسمت و شكرته ثم أغلقت الهاتف ، لتلتفت نحو الذي ينظر لها بشغف ، فقالت :

- مامتك لسه عايشة الحمدلله ، بس هي محجوزة في المستشفي حالياً بتاخد جلسات كيماوي علشان السرطان

طأطأت رأسها مردفة بحزن علي حال حسين :

- واضح أن حسين أتصرف بطريقة مش قانونية علشان يوفر ليها تمن الكيماوي

رفعت رأسها من جديد لتبتسم و هي تعبث بهاتفها و هتفت :

- و عرابي بعتلي لوكيشن المستشفي دلوقتي أهوه أمسك

ألتقط هاتفها بسرعة لينظر لموقع المستشفي ، و سرعان ما أبتسم فهي قريبة منه ، نظر لها بإبتسامة شاكرة قبل أن يضغط علي الوقود بقوة لتنطلق السيارة أسرع ، و بعد نصف ساعة كانا قد وصلا الي المستشفي ليتحرك حسن بسرعة الي غرفة والدته التي أخبره عنها موظف الأستقبال ، و بجواره مريم تحاول اللحاق بخطواته ، فتح الباب بسرعة و نظر لها يلهث ..
كانت سيدة بسيطة للغاية ، خطي الزمن علي وجهها بتجاعيد جعلت منه لوحه فنية ، و أظهرت كم عانت تلك السيدة في حياتها السابقة ، بالإضافة الي شحوب بشرتها بعض الشئ و أرتجاف شفتيها ، نظرت له السيدة بإبتسامة فرحة غير مصدقة أنها رأته و نطقت :

- حسين ، حبيبي جيت أمتي

أغمض حسن عينيه بحزن ، لن تتعرف عليه بالتأكيد ، وقف أمامها صامتاً و صامداً ، لا يعلم ماذا سيفعل معها ، هل يحتضنها ليطفئ نيران الشوق التي تحرق صدره بقوة ؟ أم يصرخ بها معاتباً علي التخلي عنه في الماضي ؟ و سرعان ما صور له عقله صورة والده في مخيلته ، كيف كانت ستتمكن من التمسك به إذا قال إسماعيل لا ! إن قالت هذا كانت ستحرم من طفلها الثاني بلا شك ، و بدون أدني تردد بدأ عقله بوضع الأعذار لها ، و هبطت دموعه بإشتياق و شعر بكف صغير يوضع علي ظهره ، فنظر خلفه نحو مريم التي نظرت له مشجعة أن يقترب منها و قد فعل ، أقترب ممسكاً كفها بين يديه و جلس علي ركبتيه بجوار فراشها ، و قال بإشتياق شديد :

- وحشتيني اوي يا ماما

دق قلب " أمنية " والدة حسن بقوة ، هذا ليس ملمس كف طفلها الخشن ، بل هذه ناعمة للغاية ، و هذه ليست نبرته أو طريقته في الحديث ، حسين لا يبكي ! حسين لا يجلس عند قدميها يخبرها كم أشتاق لها ! حسين لا يستطيع التعبير عن مشاعره ! بل و علي الرغم من معرفتها لعشقه الشديد لها إلا أنه دائما ما تحيطه هالة من البرود في تعامله معها ، همست بعدم تصديق :

- حسن

ما أن وصل صوته لمسامعه تناديه بإسمه حتي أنفجر في البكاء كطفل صغير و وقف محتضناً جسدها بقوة و يدفن وجهه الباكي في عنقها ، وضعت أمنية يديها حول حسن بعدم تصديق لتردف من جديد :

قاتل والدى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن