الفصل السابع

6.7K 97 14
                                    


هرولت الخادمة تطبع على ظاهر يدها قبلة اشتياق ثم هتفت :" تذكريني يا سيدتي أنا أنوار ابنة خادمتك زبيدة ".
سحبت وضاء كفها وعانقت الشابة عناق حار :" نعم بالتأكيد .. سلمي لي على والدتك ".
امتعض وجه الفتاة :" يا سيدتي ..أمي توفاها الله منذ سنتين .. ظلت تدعو لك لآخر لحظة ".
ثم دفعت يدها داخل طيات ملابسها تخرج سلسال بسيط فيه اسم الجلالة .. ابتسمت لها وضاء متذكرة :" كانت هديتي لها عندما أنجبتك ".
وقبل أن تضيف المرأة شيئاً كانت رحيل قد وصلت لذروة غضبها بعد تبدد حالة الصدمة من خلاياها لتعود بزئير الغرور .. ظلت تنتفض داخليا .. الحقد يستنزف روحها البغيضة .. لتهتف أخيراً :" هل سنظل ننصت للمسامرات الفارغة؟!! .. هيا اختفي من أمامي ".
بلحظة خوف خرجت العاملة من المكان وهي تدرك قيمة وضاء فهي دائما كبيرة بأخلاقها .. هتفت رحيل بروح حاقدة :" أراك قد خلعت الأسود يا حرم المرحوم ".
ابتسمت وضاء باعتداد :". ولما لا أبدله وأرتدي أفخر الملابس ..والمرحوم عاد .. يكفيني عودة باسم ابن الغالي دحية لأرتدي البياض .. لكني سأتركه ليوم زفاف وحيد ".
تناقض غريب بينهما .. بين الأسود والأبيض بكل ما فيهما من مشاعر مكتنزة ..جعل رحيل تهتف بغضب :" هيا إذاً أذهبي إليهم .. لا تعودي هنا فهنا بيتي أنا .. وأنا لا أعترف بك أخت .. بل لم أردك أبداً ".
اتسعت ابتسامة وضاء أكثر وأكثر واستمرت في التقدم أكثر بلا مبالاة :" نعم لديك كل الحق .. فلم نكن أخوة ذات يوم .. جدي هو الوحيد الذي كان يعلم حقيقتك .. وربما قاسم أيضاً .. ".
هتفت رحيل بغباء أكثر لتواري صدمتها فلم تكن تدرك أنها تعرف عنها شيئاً :" يا حقيرة أخرجي من منزلي ".
صدح صوت وضاء ببرود :" أخرج من أحد منازلنا .. أنا وضاء دحية ولست لقيطة مثلك .. نعم .. كنت تلك الفتاة التي وجدها أبي على قارعة الطريق وكأن هناك كلب ينبش في جسدك .. أنظري لكتفك ما زالت هناك قطعة تنقصه .. جاء بك للمنزل .. عارض جدي وكلما كبرتِ كرهتينا أكثر وأكثر .. أليس هذا السبب الذي جعلك تطاردين رجال العائلة .. كنت تريدين عقد زواج .. كلهم حتى لا تخرجي من الدوار .. لا تخرجي للعراء .. للعار .. يال حقدك ".
هتاف رحيل كان أشد لتواري كسرتها :" كاذبة .. كل هذا لأنك حاقدة علي .. زوجك المصون طلقك ورمى بك لأنه لم يعد يريدك .. ".
انتفضت عينا وضاء خلف ناظرتها الطبية الشيء الوحيد الذي أعلمها أن الماضي لا يعود هو عمرها وتغيرات الزمن :" أنت حقاً كما كان جدي يقول .. لا تنصتين ولا تفهمين .. مجدي لم يطلقني .. مجدي أضعتموه .. منذ شاهدك أنت وزاهر هناك في الحظيرة الخلفية في الدوار .. ما السر الكبير الذي تخفيانه .. ما سرك مع زاهر غير هذا السر الذي كنت تتمنين محوه من وجه الأرض ".
صوت الهزيمة تجلى في صوت عنادها الهازئ :" أنت تهزين كعادتك .. ربما الوحدة في بيت الطين قد أثرت عليكِ.. مسكينة ".
ثم تحركت للأمام تحمل بيدها جانب عبائتها المنزلية الموشاة بالخيوط الذهبية فبدت فخمة .. ثم هتفت بها باستعلاء:" دعيني أمر خادمة تجلب لك طبق من طعامنا الفاخر بدل الخبز العفن الذي لم تكوني تتناولين غيره في مقبرتك ".
أمسكت وضاء مرفقها بقبضة حديدة .. توقفها بوجع ثم تهمس بتهديد مبين :" لو تفهمين لقمة مع من تحبين هي كل شيء .. هل تغيرتي مع أكلك من مال سنمار الكثير .. ها أنت مازلتِ تنكرين الحياة ".
ثم هتفت بحدة جعلت رحيل تجفل لأول مرة بحياتها :" وقتها كان مجدي قادم لرؤية راشد وجدك بالحظيرة أنت وزاهر كان معكما آخرون لم يعرفهم .. ما السبب الذي جعل زوجي يتم التضحية به .. ما السر غير أنك لقيطة .. ابنة سفاح .. ما السر ".
وضعت كفيها على آذنيها تريدها أن تصمت .. تتمنى لها الخرس ..:" أخرسي يا كاذبة .. زوجك أيضاً كاذب .. أنا رحيل دحية وسأظل هكذا .. مهما كذبت أنت وزوجك ".
لكن الصمت قد مر وقته وحان وقت الصراخ بكل شيء :" لم نكن نعلم شيئاً عن هذا لا أنا ولا راشد .. وذات يوم أعلمني جدي لماذا تكرهينني بكل البغض .. تكرهينني لأن هذا حقي .. حقي الذي حرمت منه بعد موت أبي .. كنت تتمنين أن نموت كلنا معه .. خاصة عندما اعترض جدي على زواجك من صفوان .. ثم بعد فترة ولا أعرف كيف صار قاسم يدافع عنك وكأنكما تفكران سوياً.."
حركت رأسها تأمرها بالمغيب عن دنياها :" أخرجي وضاء قبل ان أقتلك ".
قهقهت وضاء باستخفاف :" ألم تكتفي من الدماء رحيل ..".
ارتجفت شفتا رحيل وتوقف عقلها عن الدبيب .. كل ما يهمها ان تصمت وضاء ولا تتحدث .. اقتربت لتضع أصابعها على فم وضاء التي صرخت فيها وصفعتها على وجهها لتجد رحيل نفسها في الماضي عندما صفعها صفوان الجد بيد شبيهة كهذه عندما حاولت مد يدها على وضاء بالضرب .. ثم سحبها للخارج هاتفاً فيها محذراً :" إياك ومد يدك النجسة على ملكة دحية "..
هتفت به :" لماذا تكرهني جدي وتحبها فقط .. ألست أختها ".
أجابها وهو يدفعها للجدار خلفها :" لا .. لست أختها .. لا تطولينها قامة .. أنت فقط لا تصلحين أن تكوني خادمتها ".
ثم صرخ فيها :" لقيطة جلبك منذر لتكوني بيننا ".
أخرجتها الكلمة من ماضيها الأسود :" لقيطة ".
هتفت بها وضاء بآخر شيء تريده :" سرك لن يظل سراً لمدة طويلة .. سوف أبلغ راشد .. وهو سيمزق قلبك بيده .. لأني في شك أن أبي مات في هذا الحادث ليس مصادفة .. لو أتضح أنك تعلمين أنها جريمة ولم يكن قضاء وقدراً .. لن ينقذ أحد من يدي .. سأقتلع لك عينيك هاتين ولسانك الخرس يكون به أولى ".
عادت تخطو من حيث أتت .. نظرت رحيل للمكان في رجفة وجدته خالياً .. عقلها يريد منها محو هذه اللحظات ..
عادت تنادي الخادمة :" أنوار .. أنوار ".
حضرت الخادمة وما زال السلسال يتهادى فوق صدرها بفخر .. امتعضت ملامح رحيل ثم هتفت :" أريد هاتفك ".
مدته به الخادمة .. بينما رحيل تطوح لها أصابعها باستهانة المتجبرين .. لتخرج المرأة حيث مكانها الطبيعي ..
ظلت تعيد وتكرر الرقم ولكنه لا يجيب .. تهتف في حرقة :" رد يا حقير .. لن تنجو مني .. نحن نغرق ".
نعم هذا ما يجب عليها ان تفعله .. كتبت له رسالة نصية على هاتفه .. بهذه العبارة من كلمتين .. نحن نغرق ..
لأول مرة تتمنى أن لا تكون استعلت على باسم.. استكبرت أن تذهب لمنزل زوجته التي رفضت نعمة وجودها في القصر الكبير هذا .. بعد ان كان منزل طيني من غرفة واحدة وقاعة متوسطة .. كان قد رماها فيه الغالي ودفعها داخله يومها :" ستظلين هنا وحدك .. وهناك قصر الماء لعائلة الغالي الحقيقية ".
صدح صوتها بفيصل الكلام :" أنا حامل يا غالي ".
صدمة كبيرة احتلت عيناه ولكن القلب كان يحمل الغضب أكبر :" ستظلين هنا حتى تلدي .. وبعدها سوف أخذه منك .. أنت لا تصلحين أن تكوني أم لأحد .. يجب أن أبعده عنك .. انتهازية ولا يهمك أحد سوى نفسك ".
جلست فوق الكنبة الفاخرة التي تعشقها .. تمسدها بأصابعها وتهمس .. كنت أشعر أنك حي غالي .. كنت أعرف أنك لم تمت .. كرهت ابن بطني بسببك .. هو أكثر شبهاً بك .. لم يأخذ مني لمحة واحدة .. باسم ابن أبيك .. كرهتني وكرهت ملامحك وطريقة ضحكك .. لكنك لابد لك أن تحميني منهم جميعاً..

الآن،فقط أجيبك؟[الجزء الخامس من سلسلة حد العشق]!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن