في بلاد العجائب

Start from the beginning
                                    

فغضبت لاحظة وقالت لصديقها لافظ:

"تباً لهذا الصندوق، (فليكسر ويحطم). لقد عافته نفسي (كرهته). ولست أطيق رؤيته بعد اليوم ما دمت أجهل ما يحتويه. وما أجدرك أن تقذف به خارج البيت، حتى لا تقع عليه عيناي بعد هذه المرة"!

فقال لها لافظ: "لا يحزنك من أمر هذا الصندوق شيء، ولا تشغلنّ به نفسك بعد اليوم. وهلمّي (تعالي) نلعب مع أصدقائنا من الأطفال لنسرّي (لنُذهب) عن نفسينا ما ألمّ بهما من الكدر، واتصل بهما من الهم".

4- حياة السعداء

كان لافظ ولاحظة يعيشان في بلاد العجائب منذ آلاف السنين. وكانت الدنيا في ذلك العصر السحيق، (الزمن القديم) غير دنيانا هذه التي نعيش فيها. وكان العالم كله حينئذ لا يعرف الشر، ولا يشعر ساكنوه بالألم، ولا يلم المرض بهم، (لا يصيبهم)، ولا يتعرّضون لأي خطر كائناً ما كان.

ولم يكن الأطفال في ذلك العصر يحتاجون إلى آباء وأمهات، للعناية بأمرهم، وتحذيرهم الأخطار، ووقايتهم الأمراض. ولم تكن ثيابهم في حاجة إلى من يصلحها.

وكانت الأرض تنبت أشهى الثمار، وأطيب الفواكه، من غير أن يتعهدها أحد بالبذر، والحرث، والسقي، وما إلى ذلك.

وكانت وسيلة العيش كلها ممهدة، وطرائق الحياة مستقيمة ميسّرة (مهيّأة مسهلة)، والدنيا صافية لا كدر فيها. ولم يكن الأطفال يشكون شيئاً مما يشكوه الناس في هذه الأيام. ولم يكن لهم من عمل يشغلهم طول يومهم إلا اللعب، والجري، والقفز، والضحك، والاستماع إلى شدو الحمائم (غناء الحمام)، وأغاريد البلابل، والابتهاج بروائع الطبيعة، والتأمل في مشاهد الأرض والسماء التي تملأ النفوس بهجة وانشراحاً. ولم يكن الأطفال في ذلك الزمن يعرفون الخصام والمشاجرة، ولا يعتري نفوسهم الضجر (لا يصيبهم القلق)، ولا يدركون شيئاً من معاني الجبن والكذب والألم، وما إلى ذلك من الصفات الحقيرة والنقائص الكبيرة.

5- بدء الشر

وكانت لاحظة لسوء حظها أول طفلة عرفت الحزن في تلك البلاد. وكانت مقدم هذه الطفلة الغريبة عن بلادها البعيدة مصدر شقاء العالم، وسبب نكباته التي نشكو منها إلى الآن. وكان أول ما أحست به لاحظة من الألم، حرمانها رؤية ما يحويه ذلك الصندوق المغلق وحرصها الشديد على تعرف ما فيه من أسرار محجوبة (مستورة). وكان خيراً لها وللناس كلهم من بعدها أن تجهل ما ينطوي عليه ذلك الصندوق من ألغاز وخفايا، وأن تبتعد عما يجلبه عليها من مصائب ورزايا، وأن تريح بالها، فلا تسأل عن أشياء إن بدت لها ساءتها وألحقت بها ضروب البؤس والشقاء، وإن حُجبت عنها نفعتها وأبقت لها ما تمتع به من فنون البهجة والهناء. ولكن فضولها (دخولها فيما لا يعنيها) قد انتهى بها إلى خاتمة محزنة مفزّعة. وكان ذلك الفضول بدء الشر وأصل الفساد الذي طغى على عالمنا الأرضي، منذ ذلك الحين.

حكايات قبل النوم.... قصص هادفة للأطفال Where stories live. Discover now