" لقد كان أسوأ ما في الأمر أن زاليشوف هو الذي فاز بالفضل كُله.
أما أنا فقد كُنت قصيراً رث الملابس ، واقفاً أحملق في وجهها دون أن ألفظ بكلمة وهذا لأني كنت خجولاً! بينما هو كان يرتدي آخر طراز من الملابس ، أنيقاً ، معطراً ، متزين بعناقة فاخرة و يتصرف بلباقة وتهذيب . وأنا أراهن بأي شيء على أنها ظننته إياي طوال هذه المدة . وقد قلت له عندما انصرفنا : " اسمع الآن . إنني لا أريد بعد هذا أن تحشر نفسك بيني وبينها ، أتفهم؟ " فضحك وقال : " وكيف تنوي أن تسوي الأمر بينك وبين أبيك؟ " ودار بذهني أنه من الأفضل أن أغرق نفسي في نهر نيفا حالاً بدلاً من العودة إلى البيّت.
ولكنني أدركت أنني لن أستطيع هذا ، مهما حاولت ، ومن ثُم عدت إلى البيّت وأنا أشعر كالمحكوم عليه بالهلاك .."وارتعد ليبيديف وقال موجهاً حديثه إلى الأمير : " ياللسماء . إن أباه ما كان ليتردد في قتل أي إنسان يسرق منه عشرة روبلات فما بالك بعشرة آلاف ! " .
وتأمل الأمير بفضول شديد وجه روجوجين وقد بدا أشد ما يكون امتقاعًا حينذاك ، ولكن هذا صاح قائلاً : " وماذا تعرف عن هذا الموضوع ! حسناً ! لقد عرف أبي كل ما حصل فوراً ، وعدا هذا أشاع زاليشوف الأمر في أنحاء المدينة . ومن ثُم أخذني أبي إلى غرفة في الطابق الأعلى ، وحبسني ، وظل يسبني ساعة و ثُم قال : " هذه فقط عينة ، انتظر قليلاً حتى يأتي المساء ، ولسوف أعود لمناقشتك " ثُم ماذا تظنون أنه قد حدث! لقد ذهب أبي رأساً إلى ناستاسيا فيليبيوفنا وقبّل الأمر بين يديها وبدأ ينشج متوسلاً إليها وهو راكع على رُكبتيه أمامها لتُعيد إليه القُرطين الثمينين . واخيراً ، بعد حين ، أحضرت العُلبة وقذفته بها قائلة : " هذه هي ، خذ قرطيك أيُها العجوز التعِس البخيل . خذهما برغم أنهما الآن في نظري أثمن عشر مرات بعد أن عرفت ما عاناهُ بارفين في سبيلهما ، احمل إلى بارفين تحياتي ، واشكره كثيراً " وكنت في خلال هذا قد اقترضت خمسة وعشرين روبلاً ، وانطلقت إلى خالتي في بزكوف . وقد ظلت تلك العجوز تعنفني وتُلقي عليّ باللائمة حتى تركت البيت وأخذت أنتقل من حانة إلى أخرى . وكنت عند وصولي إلى بزكوف أعاني من حُمى شديدة ، فلما جن الليّل ، كنت مُلقى أهذي في هذا المكان
أو ذاك من شوارع المدينة " .وأرسل ليبيديف ضحكة بلهاء ، وقال وهو يفرك يديه مرحاً : " أوهو ! لسوف نجعل ناستاسيا تترنم من أجلك بأغنية أخرى ، هيا يا رجل ، لسوف نشتري لها أقراطاً أخرى مناسبة .. أقراطاً ليس لها ".
فصاح روجوجين وهو يُمسك ذراع ليبيديف بعنف : " اسمع ياهذا ، اسمع .. لو أنك لفظت باسم ناستاسيا مرة أخرى لضربتك ضرباً قد يفضي بك إلى الموت " .
- آها؟ أفعل هذا . فإنك إذ تجلدني لن تستطيع أن تصرفني عنك ، إنك ستشدني إليك ؛ بقربانك إلى الأبد . ها . ها . لقد وصلنا إلى المحطة اخيراً .
وكان القطار ، في الواقع يتوقف في المحطة عندئذٍ .

أنت تقرأ
الأبله.
Romance" لو كانت ولادتي مرهونةً بإرادتي، لرفضتُ الوجودَ في ظل ظروفٍ ساخرة إلى هذا الحد " . للكاتب العظِيم ؛ فيودور دوستويفسكي . - الترجمة تعود لـ حسين محمد القباني و تم تعديل بعض المُصطلحات لتناسِب طريقة سردِي.