تسائل صاحب الشعر الأسود قائلاً : " عجباً! ألم يكُن هُنالك من
يعولك غيره؟ "" لا ، بل كان السيد بافليشيف يعولني وقد مات منذ عامين . وقد
كتبت إلى زوجة الجنرال إيبانشين آنذاك -وهي تمُت لي بصلة قرابة
بعيدة- ولكنها تجاهلت خطابي -أو لم ترد عليه- ، ومن ثُم عُدت
أدراجي .- ومالذي استقر عليه رأيك؟
- أتقصد أين سأحط رحالي؟ إنني حقيقةً لا أعرف بعد. إنني ..
و انفجر المُستمعان إليه ضاحكين ، ثم قال أولهما : " أعتقد بأن
كُل ماتملكه في هذه الحقيبة إذًا؟ " وقال صاحب الأنف
الأحمر في ارتياح تام : " أراهن أن الامر كما تقوله، وأنه لا يملك
سوى الأقلية في مركبة البضاعة ! هذا مع أن الفقر بطبيعة الحال
ليست جريمة . ينبغي أن لا ننسى هذه الحقيبة بلا أدنى تردد" .وبدا أن الأمر حقًا كما قالا ، فإن الشاب الأشقر بادر إلى الإعتراف
بهذه الحقيبة بلا أدنى تردد .
و بعد أن ضحك الآخران ما شاء لهما من الضحك؛ قال ذو الأنف
الأحمر : " إن حقيبتك على كُل حال لها شأن من الأهمية " .-والعجيب أن الأشقر أخذ يُشاطرهُما الضحك على نفسِه حينها-
واستطرد صاحب الأنف الأحمر قائلاً : " رغم أني على استعداد
للمراهنة بأنها ليست محشوة بنقود ذهبية ألمانية أو فرنسية -أو حتى هولندية- لأن هذا ظاهر من مظهرك العام ؛ إلا أنه إذا كان بمقدورك
أن تُضيف إلى حقيبتك هذه الصغيرة قريبة مُهمة مثل زوجة الجنرال
إيبانشين ، فإنها تغذو شيئًا بالغ الأهمية فورًا ، هذا إذا كنت -طبعاً-
تمُتّ بالقُربى لـ إيبانشين ، أي إذا لم تكُن قد أخطأت في هذا الأمر؛
عن طريق السهو الذي يشيع بين البشر أو إذا شئت عن طريق
خيال جد خصيب " .فقال الأشقر : " أوه . لقد أصبت حقيقةً مُجددًا ، لأنه في الواقع
أكاد أكون مُخطئًا في قولي أني قريبُها ، فإنها لا تكاد تمُتّ إلى
بوشائج قُربى ، و الواقع أن صلة القرابة بيننا بعيدة إلى حدٍ جعلني
لم اُدهش عندما لم اتلقَ ردًا على خطابي ؛ على العكس تمامًا فقد
توقعت هذا " .- هه! إذن فقد أنفقت ثمن طابع البريد سُدى! هه؟ وأنت على أي
حال رجل طيب سليمُ الطوية ، و هذا أمرٌ جدير بالثناء جدًا! ، هه؟
الآنسة إيبانشين ذلك صحيح كونها شخصية مُهمة جدًا . فأنا اعرفها
، أما عن السيد بافليشيف الذي عالك في سويسرا فأنا أعرفه ايضًا .
إذا كان هو حقاً نيكولاي أندريفتش بافليشيف ! لأن هنالك ابني عم
بهذا الاسم ؛ أحدهما لا يزال يعيش بالقرم وأما الآخر -الراحِل-
السيد بافليشيف فقد كان رجلاً وجيهًا واسع النفوذ إذ كان يعمل في
مزارعه أربعة آلاف مُزارع أجير .فقال الأشقر في حماسةٍ وهو يُحملق بإهتمام نحو صاحب الأنف
الأحمر -المُلم بكُل شيء- : " نعم ؛ نيكولاي أندريفتش بافليشيف .. هذا كان اسمه " .

أنت تقرأ
الأبله.
Romance" لو كانت ولادتي مرهونةً بإرادتي، لرفضتُ الوجودَ في ظل ظروفٍ ساخرة إلى هذا الحد " . للكاتب العظِيم ؛ فيودور دوستويفسكي . - الترجمة تعود لـ حسين محمد القباني و تم تعديل بعض المُصطلحات لتناسِب طريقة سردِي.