الفصل الثلاثون

5K 135 1
                                    



( ماذا تعنين بأنك خرجت بالامس دون علمي... وبمفردك ايضا؟) بالرغم من انه يتحدث همسا ... الا ان همسه كان كصراخ غاضب لاذنيها
لذا سارعت تراسله
( شهاب ... لم اكن بمفردي .. كانت كلا من هانيا وهوينا معي... كان علي الخروج لشراء ماينقصني من ملابس للزواج... كما اني حاولت الاتصال بك مئات المرات الا انك لم تجب)
علا صوته وهو يجيبها وقد ازداد غضبه لعدم احساسها بخطئها
( كان هاتفي مفصول... وكان الحل الافضل هو انتظار استجابتي او الغاء النزهة كلها... كما اني اوضحت من قبل ان لاخروج بلا رجل تحتمون فيه)
وصلته انفاسها المتعالية دون ان يملك القدرة علي التحديد هل غفران غاضبة ام انها حزينة لغضبه... لكن كلماتها المكتوبة اخبرته ان الاجابة الاولي هي الاوقع
( لاتقل نزهة شهاب لانني لم اكن بالخارج ألعب او اشاهد فيلما... كنت بالخارج لسبب وجيه جدا... كما ان حسن طوال اليوم مع عمي منصور والرجال في العمل بدلا من عز)
يكره الجدال... وقد عرف مؤخرا عنها انها ليست كما تخيل... لاتميل للاعتذار او انهاء الجدال بالتراضي... طالما انها ليس بمخطئة... اما ان كان الخطأ من طرفها فلا تتواني ابدا عن الاعتذار
لذا اجاب من بين اسنان مطبقة
( غفران... ترقفي عن اللف في دوائر مغلقة...... تلك أوامري من اليوم الاول في سفري لذا عليكي فقط تنفيذها)
ران صمت ثقيل فجإة وهو يوبخ نفسه لكلمة " اوامري " السخيفة تلك... خاصة وهو يدرك انها امتنعت عن التنفس حتي تحرمه من صوت تردد الانفاس الذي يطربه
( أمرك يا شهاب) ارسلتها بسرعة وتبعتها بأخري( مضطرة لانهاء المكالمة... مع السلامة) وكما اعتادا ردد هو كلمة الوداع لتنهي المكالمة سريعا
حك شهاب وجهه وشعره بغل عدة مرات وهو يدرك انها انهت المكالمة غاضبة... غاضبة جدا
وان مشادتهما تلك لم تتح لهما فرصة مناقشة الترتيبات الجديدة... وغباءه المعتاد في التعامل مع نقاشاتهما لم يتح له الوقت لشكرها كما ينبغي
فكم فتاة ستقبل ان تسافر بعد زواجها بأربع وعشرين ساعة لتقيم في شقة مفروشة في بلد غريب حتي يتمكن زوجها من رعاية امه
فبعد ان قضي واخويه اسبوعين مع شادية في تلك البلد ... اكتشف ثلاثتهم ان مرضها سيطول ولن تتمكن من مغادرة المستشفي ... ولان شهاب الوحيد بينهم صاحب العمل الحر... فقد قرر انه من سيقيم هو وغفران في نفس البلد حتي يرعي شادية
" شادية... لا اجد من الكلمات ما يوصفك" فكر شهاب بمرارة وهو يستعيد الفترة السابقة منذ اتي مع والده للقاءها
لقد اكتشف الكثير عنها وياليته مافعل...
فتلك الملقبة بأم لها غيره وغير اخويه... ثلاثة بنات... لم يعرف يوما عنهن شيئا
( شوق... عشق...غرام.. كأنك تبحثين عن الحب حتي في اسماء بناتك... للاسف الحب الحرام)
قاطع استرساله في افكاره السوداء تجاه شادية بهاء المدافع الاول عن صنف الاناث الذي اقترب حانقا
( هل عليك تنغيص حياتها كلما تحدثت اليها بهذا الشكل؟هذا حرام والله ... خاصة وغفران ابدا لم تقع في خطأ يجعلك تشك بها)
وقف شهاب يجابهه وهو يرد التهمة بعنف
( حاشا لله انا اشك في دميتي؟ ابدا ومستحيل... انا فقط اخاف عليها)
حك بهاء ذقنه بطريقة موحية قبل ان يهاجم بأسلوب بوليسي ليدفع المتهم للاعتراف
( تخاف عليها... ام تخاف منها؟)
( لا يا اخي صدقه فيما يقول... شهاب بالفعل يخاف علي غفران ... اسألني انا)
لم يكن ذلك سوي نور الذي جلس علي الكرسي الضيق في ممر المستشفي يمدد ساقيه باسترخاء.. كمن يجلس في ردهة داره
(لما لاتوضح لنا ياطبيب المجانين ماتقصد!) سأله بهاء مستهزئا... وان كان داخله يعترف ان تحليلات نور دوما صائبة
اعتدل نور في جلسته دون ان يتخلي عن نظراته المسترخية ليشرح باستفاضة
( شهاب وبسبب تجاربه السابقة والتي تتلخص فيما عاني مع شادية.. ثم ما رأه من تجبر ابينا علي امنا في بداية زيجتهما.. لتختم اخيرا بمعاناة غفران وفقدانها الصوت ثم ماحدث من صراع مع اخيها.... كل تلك العوامل جعلته مصابا بخوف مرضيا علي الانثي في حياته... ايا من كانت تلك الانثي... وفي الوقت الحالي لاتوجد من يفرغ فيها شحنات خوفه وقلقه الا غفران...)
استغرق شهاب في تحليل مايقوله نور بينما عقد بهاء حاجبيه متسائلا
( ياسلام! لقد مررت معه تقريبا بنفس الظروف! فلما لا اشعر مثله!)
انتفخت اوداج نور غرورا وهو يري اخويه الكبيرين يلجأن له اخيرا
( لانك سيد بهاء تختلف تماما... فبينما اختار شهاب ان لايري سوي ضعف الانثي الذي يدفعها للخطأ او للخطر.. رأيت انت فيها مايستوجب التبجيل والاحترام... انت قررت حجب كل ما وصلك من معلومات عن شادية او قررت ان لاتعمم تلك المعلومات... وحين تعلقت بأمنا ... تعلقت فيها بقوتها في استيعاب زوج مجروح واطفال لايخصونها وتطبيب جراحهم بقوة وعزم... لذا حين اخترت اخترت انثي قوية تكون جيشك يوم تحتاجها)
الذهول الذي اصاب شهاب وبهاء لتحليل نور الدقيق لما يدور في عقليهما كان واضحا تماما حتي انهما لم يلمحا اخواتهم تدخلن الممر ... الا حين وقف نور بنية استقبالهم بحفاوته المعتادة ليكسر الجليد بينه وبينهم
( صالحها يا اخي... لاتدعها حزينة... فيكفيكما ما فات) ربت بهاء علي كتف شهاب قبل ان يبتعد هو الاخر في اتجاه اخواته
رفع شهاب هاتفه يطلب رقم دميته... وهو يعرف يقينا انها كعادتها كريمة سخية ولن ترده
فتحت الخط بينما تراسله علي الهاتف الاخر كعادتهما
( خيرا يا شهاب.. هل هناك اي اوامر اخري؟)
تنحنح شهاب واخفض صوته تماما وهو يقول
( نعم امر واحد فقط.) ابتسم وهو يتعرف علي اضطراب انفاسها الغاضب ( اريد قبلة واحدة تروي عطشي في صحراء بعدك)
وصلته شهقتها الناعمة قبل ترسل
( شهاب... لايصح.. )
اجاب سريعا وهو يناغشها بصوته
( بل ان هذا هو الصحيح دميتي الغير مقتنعة بعد انها زوجتي... لقد اشتقت لك كثيرا وشوقي يدفعني للجنون احيانا... هل يرضيك ان يصاب شهاب زوجك حبيبك بالجنون؟)
كلمة زوجك منه كانت تلفها بنعومة ... تذكرها بحلم وحيد حلمته لسنوات والان تحقق ... الا انها تماسكت قليلا لتكتب عاتبة
( ولكنك تقسو علي كثيرا ياشهاب بلا داعي)
زفر الهواء الحار من صدره وهو يجيبها
( يوم اقسو عليك دميتي ... ألتمسي لي العذر
فأنا لازلت اتخبط في قربك
اتخبط متخوفا... بل مرعوبا وانا اتخيل اني في حلم... سأستيقظ بعده لأجد نسيمك هو فقط مايحيطني)
عرف ان كلماته اثرت بها وهي تطيل الصمت قبل ان تجيب
( لاتقلق حبيبي ابدا... انا لك الان كما كنت وسأكون دوما)
كبس احد الازرار مرسلا لها طلب لبدء محادثة بالفيديو
( اذن دعيني اري دميتي واشبع عيناي الجائعة ككل حواسي اليها... لاتقلقي لقد كنت اتحرك وانا احدثك والان انا في السيارة وقد اغلقت علي الابواب)
لم تكن تحتاج للشرح... فهي تعرف انه سيحافظ عليها اكثر من نفسه ... لذا وافقت علي طلبه... لتظهر امامه صورتها وقد تخلت عن حجابها وانسدل شعرها علي وجهها وكتفيها
واين شهاب! راح شهاب.. ضاع شهاب وضاعت انفاسه وهو يتخيلها بقربه حلاله بعد كل السنوات
( شهاب.. لما لاتتحدث) رسالتها لم تجعله يستفيق من سكرته لرؤياها... فرفع كفه يعض عليه بطريقة رسمت البسمة علي شفتيها اولا قبل ان تجعلها تخبئ وجهها وهو يشرح باستفاضة
( يا دميتي.. كم انا قلق عليك مني... من يوم تكونين هنا بقربي
بعد سنوات حرمان جلدت رجولتي... يا الله كم اشعر بأني في لحظة القرب قد افني بين يديك او افنيك في احضاني...)
ضحك لتعبيراتها الخجولة وهي تهدد بأنهاء المكالمة ان لم يتهذب
( حسنا سأصمت... لان الكلام لن يجدي نفعا... فقد اقترب وقت الافعال)
حينما انهي المكالمة كانت لاتزال تلك الابتسامة الجذلي تزين ثغره بتعبير يجعل من يراه يهتف" هذا رجل عاشق"
مشي الهوينا ليصل لتجمع اخواته ... ليصدم قبل ان يصل وهو يري محمد زوج اخته شوق يقف مختبئا في احدي الاروقة يراقب التجمع من بعيد
خبطه علي كتفه ولازالت نفس الابتسامة علي شفتيه
( محمد لما تختبئ هكذا؟)
رد محمد بارتباك واضح
( لا. لا اختبئ ... فقط فكرت انه من الافضل ان ادعكم تستمتعون بصحبة بعضكم كأخوة)
ربت شهاب علي كتفه وهو يدفعه في اتجاه اخواته
( لا يارجل لاتقل هذا الكلام... فأنت فردا في العائلة... تعال)
كل هذا ولازالت الابتسامة علي وجه شهاب
ما محي تلك الابتسامة حقا... كان ذلك التعبير المرتسم علي وجه اخته شوق ما ان رأت وجه زوجها
تعبير لم يفهمه تماما .. خاصة وقد اخفته سريعا تحت ابتسامة مشرقة تليق بجمالها الصارخ
ولكن لمحة شهاب لذلك التعبير... محت ابتسامته وخلفت في قلبه غصة لاتتسم باللطف

عانق اشواك ازهاريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن