الجزء 17 : مريض

12.9K 477 58
                                    

*يا ليت الزمن يعود بالوراء لأتفادى كثيرا ، أفعل ما وجب علي عمله ، أحب و أعيش ، أستغل كل فرصة للفرح و أستمتع بكل ثانية ، أهتم بمن كانوا لي أحبابا و أفصح لهم بكل ما يتملكني، لكن الحياة خيارات ، و كل له طريقه.*

كلمات تدب فيها الحياة بعدما خيم عليها اليأس ، هذا كل ما تحتاجه ، صارت لعبة بين يديه ، يذهب بها أينما شاء و وقت ما شاء ، قد صارت الآن حبيسة حيطان خشبية ، يختلف المعمار و لكن الحالة واحدة، يظل الباب مفتوحا لكنها لم تتجرأ بعد على الخروج ، لا تقوى ولا تريد ملاقاته ، قد يفتك بها في أي لحظة، كونها قد قتلت أحد رجاله ، أمر سيبقى عالقا في ذاكرتها أبد الدهر ، سقم أهلكها و خارت قواها.

***********

تسيل الدماء من فمه و هو يسعل بقوة ، فيأخد حبات المسكن و يبتلعها دفعة واحدة ، مرض يسري في جسده ، يقطع أوصاله ببطئ ، لن ينسى كلام الطبيب و هو يعلمه ضرورة البدأ بالعلاج قبل أن يقتله الوباء ، تتصلب عضلاته لشدة الألم الذي يجتاحه ، لكن ألم روحه أقوى من هذا ، لا يهاب الموت ، فليزره ، لديه ما يخسر ، لكنه لن يتنازل عن قراره ، لن يدخل المستشفى إلا و هو على شفا حفرة من الموت ، هذا ما يدور في ذهنه .

مر بالقرب من غرفتها و قرر فتحها ليطمإن و حسب ، وجدها مستلقية على الفراش تتأمل السقف ، لوحة هي تمنى لو جلس يراقبها ، شرد لثوان قبل أن تقوم فزعة ، لاحظ ارتجافها ، لها الحق أن تخافه ، فلم ترى منه معاملة حسنة أبدا ، يقترب أكثر ، تكاد أن تهوى من الثوثر ، لفحات أنفاسه تلهب بشرتها الحليبية و هو يقف على بعد شبر منها ،و يقول بهمس:
" لما أنت هكذا..."
كلماته المبهمة تسري إلى ذهنها الذي لا يجد لها تفسيرا ، يحمل يده ليضعها على وجنتها و تنطبع ابتسامة خفيفة على ملامحه تبرز غمازته ، يحرك يديه التي احتلت وجهه ليضع أنامله على عينيها و يقول :
"هاتان العينان ... نادرتان..."
تفزع من لماسته و قلبها أصبح يضرب بجنون ، لشدة هلعها ، تنزل دمعة دون أن تحس، يراها فيبعد يده و كأنما قد لسعه شيئ، ثم يبتعد بخطى متباطئة ، غضب صار واضحا على محياه ، يخرج صافعا الباب ،فقد صار يعيش صراعا مع نفسه ، تنظر من حولها ، لا تزال لا تستوعب ما حدث للتو، هل حقا تمعنت عيناه اللتان تحملان حزنا دفينا ، أم أنها صارت تتخيله.

*************

:" اللعنة ،ماذا تعنين أنها لم تعد في القصر"
:" مونيكا، لقد أخدها هذا الصباح و لا زلت لا أعلم أين ذهبوا"
تقول صارخة:
" فلتعلمي إذن ..."
تجيبها الأخرى بتأنيب:
" فلتصوني لسانك و إلا ستندمين.."
تقول محاولة تهدأة نفسها :
" حسن مارغريت ما أن تعلمي شيء ...أخبريني"
تغلق الهاتف و تتوجه نحو الحديقة حيث يجلس دافيد و أليكس ، تتقدم نحوهما و تقول بعصبية:
" لقد قام بترحيلها مجددا..."
ينظر لها دافيد غاضبا:
" ألا تفهمين مونيكا، لا يهمنا أمر الفتاة .. لدينا أشياء أخرى أهم"
تقول بتحد:
" اسمع عمي... إن لم ترد مساعدتي فأنت حر.. لكن عليك أن تعلم أنه إن أردنا الوصول إليه فلن يكون ذلك إلا عبرها..."
يقاطعهما أليكس باستفهام:
" ما الذي تعنيه...؟"
تجيب بتعال :
" إن اتبعتم خطتي فسنوقع عصفورين بحجر واحد.."

*************

تدفن نفسها في الوسادة ، دموعها لم تجف منذ مغادرة سحر ، لما على أخيها دائما إفساد فرحتها ، لقد وجدت من تشاركها أمانيها و تظهر لها موهبتها ، ابتسمت حينما تذكرت عزفها للتشيلو أمامها ، كانت تشعر بالرضا حينما تلحظ علامات الإعجاب على محيى سحر ، إحساس لم تعد تنعم به منذ وفاة أبيها و "سارة"،لقد أصبحت منسية ، لا وجود لمن يقدرها و يهتم بها ، ربما هي تحصل على كل حاجياتها المادية ، لكن الشعور بالفراغ لا يعالج بالأموال، كلما أحست بالوحدة يكون التشيلو أنيسها ، رافقها منذ الصغر ، هو الوحيد الذي يحكي آلامها ، و يريحها مما هي فيه.

تنظر من النافذة فتراه يخرج مسرعا يركب سيارته و يغادر، فتشعر ببعض من الطمأنينة فتقرر استكشاف المكان ، تجول في هذا الكوخ الفخم ، أعجبها دفئه ، شعرت فيه بأمان لم تعتده ، مرت بالقرب من خادمة كانت تتفحصها بذهول ، استوقفها ذلك لكنها أكملت طريقها دون تعليق، تثير اهتمامها غرفة لها باب أسود ، تفتحها فيقشعر بدنها حين تشتم تلك الرائحة، تتردد و لكنها تقرر الدخول ، الكآبة و الغموض يخيمان على المكان، تتجه نحو الخزانة و تتفحص ملابسه ، تأخد أحد معاطفه ، تجربه و تضحك حين ترى نفسها في المرآة ، تبدو و كأنها تضع بطانية ، تشدها صورة موضوعة فوق رف قرب سريره ذو اللون الكحلي، تحملها و تجحظ عيناها حينما ترى نفس المرأة ، نعم هي "سارة " ، تحدق فيها لدقائق ثم تضعها ، تنتقل للحمام فتتفاجئ حين تلحظ شراشف ملطخة بالدماء ، علب من المسكنات موضوعة فوق الرفوف ، وجع أحست به لمجرد مشاهدتها هذا ، هل هو مريض، تفزع حين تسمع صوت القفل و هو ينفتح ، فتحاول الاختباء ، لكنها تتصمر حينما تجده واقفا أمامها ...

تكشيرة و عروق بارزة تدفعها للجري نحو الباب محاولة فتحه ، لكنه سرعان ما يمسكها من خلف ،و يديرها نحوه ، عيناه حمروتان يحدق بها ثم يهمس :
" كيف لك أن تدخلي..."
تحاول الشرح لكن الكلمات لا تغادر فمها المرتجف ، يضغط على ذراعها أكثر لتتأوه بألم، و يدفعها ناحية الحائط و يقترب منها ، عيناه تتفحصان وجهها ، يبقى على نفس الوضعية لمدة لتنتفض حين ترى الدم يسيل من أنفه ، ينتبه كذلك فيمسحه بيده بخفة ، ثم يعود ليتأملها ، لا تعلم لما دموعها تنهمر ، أخوفا أم حسرة عليه ، يدير وجهه فجأة ليتأوه بنغص ، يتركها متجها للحمام ، يهتز كيانها حين تسمع سعاله الحاد ، رجلاها تتقدمان نحوه رغم أن عقلها يأمرها بالهروب ، تنظر له و قد تجحرت عيناها ، يصرخ بها بعدما جرع حبتا مهدئ
" أخرجي.."
تقف لثوان قبل أن تتراجع و تجري نحو الباب لتختفي من أمامه...

*كل منا له صراعه الخاص، مهما ادعينا القوة فكلنا لنا لحظات ضعف ، لكننا لا نريد إظهار هذا الوهن لأي كان حتى لا يتم سحقنا كالذباب.*

...............................

هااي أحبابي 👋❤، قررت أن أسرع قليلا.... نظرا لاقتراب نهاية الصيف لن أتمكن من الكتاابة..لذا أظن أني سأنهيها قرييبا ..
إذا أعجبكم الباارت لا تنسوا التعليق و التصويت 😁😍

السحر الغامض حيث تعيش القصص. اكتشف الآن